أقلام ثقافية

الشعر أعلى من السياسة

diaa nafieهذا عنوان لمقالة كتبتها ناتاليا ميخايلوفا الحاصلة على شهادة دكتوراه علوم في الفيلولوجيا (اللغة وآدابها) ونشرتها جريدة (ليتيراتورنايا غازيتا) الروسية الاسبوعية بتاريخ 5 - 11 تموز عام 2017، وشغلت اكثر من ¾ الصفحة باكملها، وتصدرت تلك الصفحة صورة لبوشكين وفوقها اشارة الى سنوات (1837 – 1937) مأخوذة من عدد نفس تلك الجريدة الصادرة عام 1937، وصورة كبيرة اخرى لبوشكين معلقة على جدار احدى الكنائس في موسكو مع الاشارة الى نفس تلك السنين، ومن الواضح تماما، ان المقالة تتناول الذكرى المئوية الاولى لوفاة بوشكين، والتي صادفت عام 1937، وهو العام الذي شهد قمة حملة القمع الستالينية في تاريخ الاتحاد السوفيتي، حيث جرت المحاكمات الصورية والاعتقالات العشوائية واعدامات الكثير من القادة السياسيين والعسكريين ورجال الفكر، وقد حاولت الباحثة ان تربط بين تلك الاحداث والذكرى المئوية لوفاة بوشكين، وهو طرح متميّز ويمتلك نظرة فريدة الى حد ما في تاريخ الادب الروسي، لهذا فاننا نحاول هنا ان نقدم للقارئ العربي خلاصة وافية لهذة المقالة المهمة، والتي جاءت متزامنة بشكل او بآخر مع احتفالات روسيا بالذكرى ال (218) لميلاد بوشكين (انظر مقالتنا بعنوان – ندوة في موسكو عن بوشكين بكل اللغات).

تستهل الباحثة مقالتها بابيات لبوشكين يشير فيها الى ان جيله قد رأى (..دماء الامجاد ..ودماء الحرية ..)، وتستنتج – (ان ذلك يتتطابق مع روحية الاحداث في روسيا منذ الحرب العالمية الاولى وثورة فبراير 17 واكتوبر 17 والحرب الاهلية والمجاعة والنيب (مختصر مصطلح السياسة الاقتصادية الجديدة ) ووو وصولا الى سياسة القمع الستالينية في النصف الثاني من الثلاثينات ..)، بل ان الباحثة أشارت الى ان بوشكين في مسودات تلك القصيدة استخدم مصطلح ( الدماء الحيّة)، ولهذا، فان بوشكين من وجهة نظر الباحثة (اصبح ضروريا لكل الفئات الروسية في تلك السنين لانه كان لسان حال جميع القوى السياسية والاجتماعية رغم كل خلافاتها.) . تتوقف الباحثة بعدئذ عند موقف السلطة السوفيتية من بوشكين، وكيف انها بدأت بالتعامل مع بوشكين رأسا، اذ قررت دار النشر الحكومية عام 1919 ان تطبع مختارات من مؤلفات بوشكين بواقع 750 الف نسخة وبسعر رمزي للنسخة الواحدة، رغم الحرب الاهلية والدمار والمجاعة وازمة الورق ..الخ، وازداد طبع تلك النتاجات بمرور الزمن، اذ بدأت تظهر بلغات الشعوب السوفيتية  الاخرى، وكذلك ازدادت الكتب التي تتناول نتاجات بوشكين وسيرة حياته، والتي خلقت الاساطير السياسية المتنوعة عنه في ذلك الوقت، فهو (صديق الديسمبريين .. وثوري ..وعدو القيصرية ..وملحد..وهو الذي بشّر بثورة اكتوبرفي ثنايا قصائده... الخ ..الخ..)  . تتوقف الباحثة بعدئذ عند الاسماء الكبيرة التي كتبت عن بوشكين في تلك الفترة وتذكر ماياكوفسكي

وأخماتوفا وتسفيتايفا واسماء المتخصصين في ادب بوشكين مثل بوندي وفينوكور وتينيانوف وغيرهم، وتتحدث عن الرسامين  الروس الذين ساهموا بلوحاتهم في كتب بوشكين او في ابداع بورتريتات جميلة له، وكذلك تتوقف عند تحويل روايته الشعرية (يفغيني اونيغن) الى اوبرا، ثم الى فلم سينمائي مشهور، وتحويل بعض نتاجاته الى عروض باليه، وتستعرض الباحثة العديد من الافلام السينمائية التي اعتمدت قصص بوشكين، وتشير الى حملة اطلاق اسم بوشكين على الشوارع و الساحات والمكتبات العامة والمدارس في مختلف المدن السوفيتية، بل وحتى على الدفاتر المدرسية والطوابع البريدية واغلفة الشوكلاته والبسكويت !!! وتصل الباحثة الى استنتاجها الاساسي في مقالتها تلك  وهو – (ان في عصر عبادة شخصية ستالين جرت عملية زرع عبادة شخصية بوشكين)، وهو استنتاج جديد وجرئ جدا في تاريخ الاتحاد السوفيتي وتاريخ الادب الروسي، ولكنه – من وجهة نظرنا – بحاجة الى مناقشات واسعة ومشاركة مختلف الخبراء من اجل بلورته والحكم بصحته، رغم ان هذا الرأي يستحق التأمّل فعلا.

تختتم الباحثة مقالتها بالتوقف عند نشاط اللاجئيين الروس في الخارج لمناسبة مئوية وفاة بوشكين عام 1937، وتشير الى هؤلاء أقاموا احتفالات في (42) دولة شملت (231) مدينة في العالم، وتتوقف عند لجنة الاحتفالات في باريس، وهي مركز تجمّع اللاجئين الروس كما هو معروف، وتذكر أعضاء تلك اللجنة، ومن بينهم – بونين وكوبرين وميرشكوفسكي والموسيقار الروسي راخمانينوف وغيرهم، وتؤكد الباحثة، ان الشعب الروسي باكمله وبغض النظر عن اختلافاته ينظر الى بوشكين باحترام كبير، وان بوشكين بالذات هو الذي يوحدهم جميعا، وتقول في نهاية مقالتها – (يجب علينا ان نستنبط الدرس)، وتعيد مرة اخرى عنوان مقالتها وهو – الشعر أعلى من السياسة.

مقالة الدكتورة ناتاليا ميخايلوفا تستحق التصفيق فعلا، رغم ان استنتاجها الاساسي قد  يثير مختلف الآراء حوله، وقد لا يتفق معه جميع القرّاء .

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم