أقلام ثقافية

هل (شبعنا!) من بوشكين فعلا؟

ضياء نافعمن ضمن التعليقات المتنوعة والمختلفة جدا و ردود الفعل على مقالاتي حول الادب الروسي (والتي انشرها منذ سنوات عديدة كما هو معروف)، استلمت تعليقا (طريفا!) جدا من أحد القراء المتابعين على ما يبدو بدقة لمقالاتي فعلا، و يقول هذا القارئ في تعليقه ما يأتي – (لقد شبعنا من بوشكين في مقالاتك !)، ويشير الى انه أحصى هذه المقالات عن بوشكين ووجد انها حوالي الثلاثين مقالة، وذكر بعضها مثلا، وقال ان بوشكين قد ورد ذكره ايضا في مقالات اخرى عن الادب الروسي وذكر امثلة ايضا، وخلص الى تذكيري باستنتاجه هذا، وهو انه (شبع!) من بوشكين، وقد كان هذا القارئ مؤدبا ودبلوماسيا جدا، اذ انه لم يقل لي (بعد تعليقه ذاك) ان اتوقف عن الكتابة عن بوشكين بشكل مباشر وحاسم، وانه آن الاوآن لي ان أجد موضوعا آخر للكتابة غير بوشكين.

اولا، اريد ان اشكر هذا القارئ الصريح على هذه الارقام والاحصائيات الدقيقة حول مقالاتي، والتي لم اكن منتبها لها فعلا، وثانيا، أود أن أذكره، باني لازلت في بداية الطريق ليس الا بالنسبة لبوشكين (شمس الشعر الروسي)، اذ انني احلم و اخطط و أدعو الى اعداد مجموعة نقاط مهمة باللغة العربية عن بوشكين، واول هذه النقاط  هي اعداد الببلوغرافيا العربية حول بوشكين، وهي خطوة ضرورية جدا للانتقال من مرحلة التناول العشوائي لبوشكين باللغة العربية (كل حسب اجتهاده وامكانياته) الى الخطوة الثانية، وهي التي تتناول بوشكين بشكل علمي وموضوعي وشامل، وتقديمه للقارئ العربي كما يجب، وصولا الى اصدار المؤلفات المختارة (ولا أقول الكاملة) لبوشكين بالعربية، وهذا ما حدث في اللغات الاوربية مثل الانكليزية والفرنسية والالمانية منذ عشرات السنين والى الوقت الحاضر . ان اعداد الببلوغرافيا العربية حول بوشكين تقتضي تأليف لجان متخصصة تشمل البلدان العربية الرئيسية مثل مصر وسوريا ولبنان والعراق وتونس وغيرها من بلداننا العربية، وتحت اشراف اكاديمي دقيق وصارم، لانجاز هذه المهمة العلمية الكبيرة، ويمكن للتقدم العلمي التقني في عصرنا تحقيق هذه المهمة عن بعد، ولا ضرورة للاجتماعات الدورية المباشرة بين العاملين على انجاز هذه الببلوغرافيا لتبادل المعلومات والتنسيق بينهم حول العمل كما كان الحال سابقا. ان انجاز هذه الببلوغرافيا يعني، ان المتخصصين العرب في ادب بوشكين وابداعه سيعرفون بالضبط ما الذي تم انجازه في هذا المجال، وبالتالي يمكن ان يحددوا ما الذي يجب عليهم انجازه لاحقا، من اجل اتمام وتكملة معرفة العرب بابداع بوشكين، وهكذا، ستبدأ الخطوات اللاحقة الصحيحة والبعيدة عن التخبط او التكرار او الاجتهاد الذاتي البحت، وستكون الاعمال العلمية اللاحقة ذات تخطيط وتمتلك هدفا محددا ومعينا في هذا المجال، وعندها، يمكن ان نقول، اننا بدأنا ب ( التهام!) بوشكين، وبعد هذا ال (الالتهام)، ربما سيصل البعض منّا الى حالة (الشبع!)، التي وصل اليها ذلك القارئ، الذي كتب اليّ، انه (شبع!) من بوشكين قبل ان يبدأ اصلا ب (تناول الطعام!).

دعونا نطلع اولا على المجلات العربية كافة وطوال اكثر من قرن ونيّف من الزمان، ونجردها ونلتقط منها ما كتبت عن بوشكين، وهناك الكثير من المواد الدسمة عنه .

 ودعونا نطلع على الجرائد العربية في تلك الفترة ايضا، كي نرى، ما الذي نشرته (صحف ابراهيم وموسى) عن هذا الاديب الروسي المتميّز ونأخذه بنظر الاعتبار .

 ودعونا نسجل عناوين الكتب التي كتبها الادباء العرب عنه، والكتب التي نشرها الباحثون والمترجمون العرب عنه، ودعونا نطلع حتى على مسوّدات هؤلاء الادباء والباحثين الذين قدموا لنا كتاباتهم عن بوشكين منذ نهاية القرن التاسع عشر وعبر القرن العشرين وصولا الى عصرنا الحالي .

 ودعونا نبحث عن هؤلاء الذين كانوا يحيطون بهم ونسألهم، لماذا اختار سامي الدروبي مثلا في خمسينات القرن العشرين ترجمة (ابنة الضابط) لبوشكين قبل ترجمته لدستويفسكي، ولماذا اختار نجاتي صدقي بوشكين ليكتب عنه كتابه الرائد الموسوم (بوشكين امير شعراء روسيا ) في الاربعينات قبل ان يكتب عن تشيخوف، الاقرب اليه تاريخيا، اذ ان نجاتي صدقي وصل الى روسيا ودرس فيها بعد عشرين سنة فقط من وفاة تشيخوف ليس الا .  

ودعونا نقوم بكل ذلك قبل ان نبحث عن بوشكين بالعربية في (غوغل)، واؤكد على كلمة (قبل)، وعندها يمكن لنا ان نقارن ونرى الحقيقة الجميلة والساطعة .

لنعمل سوية من اجل تحقيق خطوات علمية في دراسة الادآب الاجنبية، اذ ان ذلك ضروري لنا جميعا .

 

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم