أقلام ثقافية

مع الشاعرة السيدة فاتن عبد السلام بلاّن

 عدنان الظاهر(قصيدتها "إنَّ مع العسرِ فيضك" المنشورة في موقع المثقف العدد 4484 السبت 15.12.2018)*

أقول ما قال قبلي فارس العرب عنترة بن شدّاد العبسي (هل غادر الشعراءُ من مُترَدم) مع الفوارق الكثيرة والكبيرة ذاك أني أحمل رمح دون كيخوتة الخشبي وأمتطي صهوة حصان من أسوأ الخيول نسميه في العراق "كديش" ... يا علماء اللغة: ما أصل هذه الكلمة وهل هي عربية عاربة أم عربية مستعربة أم بينَ ـ بين؟

قال الأخوة القرّاء والشعراء والنقاد ما قد قالوا قبلي في هذه القصيدة، قصيدة السيدة فاتن عبد السلام بلاّن "إنَّ مع العسر فيضك" حتى لم يتركوا لي فُرصة مناسبة لأقول رأيي في هذه القصيدة وفي صاحبتها، لذا سأكتفي بتسجيل بعض الملاحظات، نعم ... ملاحظات وليس نقداً مبرمجاً تستحقه السيدة فاتن وقصيدتها هذه التي استأثرّت بجهد ومتابعة ونقد الكثير من المثقفين وممن يعنيهم أمر الشعر فأحسنوا وأجادوا فيما قالوا وأنصفوا الشاعرة ومسّوا ما رأوا من هنات مسّاً خفيفاً كرَماً منهم وترفعاً عمّا في الهنات عموماً من مثالب وسوءات لا وجود لها أصلاً فيما تنشر فاتن إلاّ نادراً .

قسّمتُ ملاحظاتي كما يلي:

إقتباسات فاتن من القرآن ومن غير القرآن إقتباسات رشيقة ناجحة بدّلت طبيعتها وأهدافها لتنسجم مع الخط الشعري العام للقصيدة . أمثلة :

1ـ ولئن تلاقيتم لأعانقكم                   لئن شكرتم لأزيدنكم (القرآن)

2ـ أنا أحب إذن ... فانا مفقودة        قال ديكارت: أنا أفكر فأنا موجود

3ـ فإنَّ مع العُسرِ غيضٌ

إنَّ مع العسر ... فيضٌ                  إنَّ مع العُسرِ يُسراً (القرآن)

4ـ حتى إزهارٍ آخر                     حتى إشعار آخر

5ـ تبّتْ يدُ الفقرِ وما تُبّت                تبّتْ يدا أبي لَهب وتبَّ (القرآن)

6ـ تُحج من كل وَلَعٍ عميق              من كلِّ فجٍّ عميق (القرآن)

7ـ أتصارخ وا حبيباه              الصرخة الشهيرة وا معتصماه

8ـ وقد أزبدَ الشَعَرُ شيباً                      إشتعل الرأسُ شيباً (القرآن)

9ـ قاب عناقين وقُبلة من اللقاء            قاب قوسين أو أدنى (القرآن)

10ـ فإذا المغرومةُ سُئلت بأي

هوىً صُدِمت                          وإذا المؤودة سُئلت بأي ذنب قُتلت (القرآن)

11ـ لا فكرَ مع الكأس ولا كأسَ

مع الفكر                             قال غوتة: لا حب من غير سُكر ولا سُكرَ بدون حب

من هذه الأمثلة نعرف أنَّ الشاعرة تعرف ما في القرآن معرفة دقيقة شاملة فهل درست علوم الدين دراسات منهجية أكاديمية مثلاً ؟

 تشكيلات شعرية ناجحة مُبتكرة:

1ـ وآهٍ حين تَعنّبَ كرمُ روحي بك فعصرتَ عناقيد اللقيا أنخاب الريح وساورتُ ناطورَ الذاكرة.

في هذا المقطع آثار قوية من أحد أبيات المتنبي التي قال فيها

نامت نواطيرُ مصرٍ عن ثعالبها

فقد بشمنَ وما تفنى العناقيدُ

ثم ما جاء في سورة يوسف وتفسيرهذا لرؤيا فرعون مصر " تعصرُ خمراً " ....

لم يعجبني الفعل تعنّبَ ... ليس فيه أثرٌ أو شئ من سحر الكلمات الشعرية أي أنه إشتقاق فاشل.

2ـ  أوَليس الحبُّ ختان القلوب الضالة ؟

بدل كلمة خِتام قالت فاتن ختان فتبدّل المعنى من جاد أو محايد إلى هازئ ساخر. هل يعرف الحب وتعرف القلوب الخِتان؟

3ـ والقبلة كعبة الشفهات تُحج من كلِّ ولع عميق .

الأصل أنْ تكون الجملة: الشفاه كعبة القُبلة يطبعها المحبون على شفاه الحبيبات.

هذا هو نهج الشاعرة المعروف ولا جُناحَ عليها فالشعراء والشواعر في كل وادٍ يهيمون ... وفاتن ليست إستثناءً. فضلاً عما استعارت من القرآن (من كل فج عميق).

4ـ في الجمل الشعرية الآتية لفتات آيروسية قوية تتخفى في ضبايبة شفافة من الوضوح تنم عن شَبَق جنسي لا تفوته عين القارئ أعني :

يا مَنْ تتمرفأُ مراكبي

تحت أشرعة كتفيهِ

وتتشاطأ أمواجي

مع سواحل زنديه .

الخُلاصة : السيدة فاتن شاعرة بطبع خاص وشخصية متميزة قوية ومثقفة من طراز خاص تتميّز بقدرات على اللعب بالحروف والكلمات صرفاً واشتقاقات جديدة غير معروفة لكنها تنسجم مع قواعد اللغة العربية ولها ما يضاهيها ويشابهها في شعر وكلام العرب السابقين وتحضرني هنا قصيدة (صوتُ صفير البلبلِ هيّجَ قلبَ الثَمِل) وغيرها ونجد القليل حتى في أشعار المتنبي مما يتطلب دراسة خاصة لهذا الموضوع. أفلم يقل المعري " تمجّست الحِرباءُ " أي غدت مجوسية وهو فعل غير مسبوق ؟ أفلم يقل البعض " تبغددَ فلان " اي تخلق بأخلاق أهل بغداد وسلك مسالكهم ؟ أفلم يعاب على المتنبي أنه استعمل لفظة سُداس في بعض شعره ثم قال " وا حرَّ قلباه " فشنّع عليه المشنعون من شلّة الحاتمي في بغداد والصاحب بن عباد ولغوي حلب إبن خالويه ؟ وقلب بعضهم الدنيا على رأس المتنبي لأنه قال " تُرُجُ الشام " بدل أُترج الشام وفي العراق نقول طُرُنج وهي قريبة من تُرُج ... وغير ذلك ليس بالقليل مثلاً : الفعل تفرعن مشتق من فرعون وتصحّر من صحراء وهذا فعل لم تعرفه العرب في الزمان القديم على حد علمي. ألم يقولوا "إستنوق الجمل" و"إستحمر فلان"؟

أتفق مع الأخوان منتقدي هذه القصيدة في أنَّ بعض غرائب مفردات وأفعال فاتن لا يتقبلها ذوق القارئ يجدها ثقيلة على المسامع ولا ضرورة حاسمة لها ويمكن استبدالها بما هو أحسن منها والسيّدة فاتن عبد السلام بلاّن إحدى سيّدات اللغة العربية وربما تجيد العديد من اللغات الأخرى.

 

عدنان الظاهر

http://www.almothaqaf.com/b/c2/933055

 

 

 

  

في المثقف اليوم