أقلام ثقافية

توفيق الحكيم.. مؤسسة فكرية!

يسري عبد الغنيوفي مساء يوم الأحد الموافق السادس والعشرين من شهر يوليو سنة 1987، أفلت شمس حياة توفيق الحكيم، واستخفت عن الأبصار في طيات الغيوب التي لا يعلمها إلا الله تعالى .

وكان حتماً مقضياً أن تأفل وتغيب، مهما طالت سنوات العمر، وتلك سنة الله المحتومة، ولن نجد لسنة الله تبديلا، غير أن نورها لا يزال وسيبقى أبداً منبعثاً من ثنايا إنتاجه الفكري والإبداعي الخصب الوفير، والذي ما توانى عن التجديد والصدور خلال ما يزيد عن ستين عاماً .

وهذا الإنتاج الثري المنوع في : الفكر، والمسرح، والرواية، والسيرة الذاتية، والقصة، والخاطرة، والمقالة، والنقد النظري، هذا الإنتاج الذي يكاد يعادل ـ دون مبالغة ـ إنتاج جيل بأكمله من الأجيال المتأخرة .

لذا، يعتبر توفيق الحكيم بذاته مؤسسة فكرية إبداعية بارزة، متقدمة، مؤسسة للتوعية الثقافية والاستنارة الفكرية، وإن أنصفنا لقلنا : بمنهج شخصي خاص، وروح فكرية متفردة.. ولكن، ألا يتفرد بذلك ـ عادة ـ كبار الكتاب وأصحاب الأساليب المتميزة الذين هم نسيج وحدههم؟!.

وإذا كان لتاريخ الدراما العربية منذ نشأتها وحتى الآن أن يتسلسل في حلقات من التطور، فإن إسهام الحكيم فيه، يتمثل في حلقة كبيرة متميزة، تتنوع بداخلها الأشكال والأساليب الدرامية من : مأساة، وملهاة، ومأسلهاة، وهزلية . ومن: واقعية، ورومانسية، وذهنية، ورمزية، وعبثية ... إلى آخر هذه الأساليب التي تمكن منها توفيق الحكيم في إبداعه الفني المتميز .

نضيف إلى ذلك محاولاته الحميدة في التنظير الدرامي، وابتكاره المسراوية (القالب الفني الذي يجمع بين المسرحية والرواية)، وتجديده في القالب المسرحي العربي، ولا نبتعد عن الصواب إذا قلنا : إن إبداعه لهذا القالب، وابتكاره للغة المسرحية الثالثة (الفصعامية)، كان له أكبر الأثر الفاعل في حركة وتطور المسرح العربي الحديث والمعاصر .

إن تلك الحلقة الذهبية البارزة التي أضافها الحكيم إلى حركة الدراما العربية، ونعني بها المسرحية، تتضاءل أمامها كماً وكيفاً كل الحلقات التي سبقتها، وكذلك كل التي لحقت بها .

وعليه احتل الحكيم عن جدارة، ولسنوات قادمة مديدة، احتل قمة الإبداع في الوطن العربي، بل وأفسح لنفسه بها مكاناً بين مؤلفي الدراما في العالم الخارجي، ومن ثم قلما نجد مؤلفاً عربياً معاصراً، لم يقرأ بعضاً من نتاج الحكيم الإبداعي، ولم يتأثر بفكره وبتقنياته الفنية، حتى ولو على نحو معارض أو مقلد أو رافض .

 

بقلم: د.يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم