أقلام ثقافية

أزهار عزيز كنعان البرية

نبيل عرابيتفترش حقول الفكر وضفاف القلب معا

زهرة أولى:

" النكران جحودٌ

والعصافير الجاحدةُ تُمسي غِربانا "

ما أجمل العرفان بالجميل، لا بل ما أروعه.. إنه عملة لم تتغير قيمتها عبر التداول، منذ أن اعتنقت البشرية حُبَّ التبادل والعطاء.. فهو يزيد الجمال جمالاً، والنبض حناناً، والروح رقّةً وسموا...أما النكران، فهو يشبه اللون الأسود في تفاصيل الحياة، لا يرحم معتنقيه، مهما علا شأنهم،ومهما تنمّقت أساليبهم، ولا يترك آثار بصماته إلا جحوداً وكفرا...

زهرة ثانية:

" أبصرَ النهرُ البحرَ

فأدرك أصولهُ "

إنه لأمر صعبٌ: مواجهة الحقيقة،.. لكن الحقيقة تبقى على حالها مهما حاول الإنسان إخفاء وجهه بأصابع متفرّقة.. ويبقى طيفها يُلاحق الهاربَ منها بشتى الوسائل.. وحين تتجسد أمراً واقعاً، لا مفرّ منه، تبدأ بنسف كلّ ما بناه الزيف عبر السنين الخداعة، لتعلن بعدها نصرها المؤزر، الذي لا يفوت أوانه، مهما طال الزمن...

زهرة ثالثة:

" من الشرق يطلعُ الضوءُ

ومن الشرق تزحفُ العتمةُ

متى يحسم الشرق خيارَه... "

إنها الحيرة.. وعلى المرء أن يحسم أمره..!.. كيف ينبتُ الشوك في شجيرات الورد..؟ كيف يُستخرجُ الترياقُ من سُمِّ الأفاعي..؟ كيف تتعرى الأغصان لتعودَ وتثمرَ من جديد..؟ إنها الحيرة.. وعلى المرء أن يصدق أن الشمس التي تشرقُ كلّ صباح، هي ذاتها في كل الفصول...

زهرة رابعة:

" مَنْ قال أن القلبَ لا يُفكّر!... "

كم أنتَ متّهمٌ حتى الثُّمالة، بأنك موطن الأحاسيس والمشاعر، دون سواها، وكأنّ نبضك المتلاحق ليس دندنةً للحن أغنية لم تولد بعد، والمساحة التي تحتلّها في الجسد، وهي تشير دوماً إلى الشمال، لا تتوانى عن دورها في ضخّ ذلك الأحمر القاني، الذي يروي تلافيف الدماغ المتعرجة، حيث تتوالد الأفكار، فتتوالى أقوالاً وأفعالا...

زهرة خامسة:

"دفء القلوب وحده

يكسرُ قسوةَ الصقيع"

غريبٌ أمر هذا القلب الذي يقبع في صدر كلّ واحد منا.. عجيبٌ حاله... تارةً يوقعُنا في متاهات ضعفه، فيعطّل دماغَنا، ليبصبح الأمر كله له.. يستأثر بنا فنتساءل: كيف حدث ذلك كله في غفلة منا..؟ ألم نكن أصحاب قرار وسيادة على أنفسنا.. فيأتينا الجواب: ليس بالفكر وحده يحيا الإنسان...!..

إنها عيّنات من تشكيلة منوعة، حرص عزيز كنعان على جمعها في كتاب عنوانه " أزهار برية "، مع إشارة إلى مضمونه بأنه خواطر كُتبت ما بين عامي 2013 و2016، وهو إصدار خاص، طرابلس  - لبنان 2017.

والجدير بالذكر، أن " أزهار برية " هو الكتاب الثاني لعزيز كنعان، بعد كتابه الأول " إشارات "، معتبراً " أن أزهاراً برية قد نبتت في مناخات قاسية،ما لبثت أن تكاثرت حتى صارت أفواجاً، فلملمها، وقدّمها لنا، لأن الأزهار البرية هي سرّ بهاء الربيع وسحره ".

 

نبيل عرابي

 

 

في المثقف اليوم