أقلام ثقافية

صادق السامرائي: هل يموت الشعراء مبكرا؟!!

صادق السامرائيالشعر الحقيقي يأكل صاحبه، فيأخذ من صحة الشاعر، خصوصا عندما يحترق في مواقد مشاعر وأحاسيس  كل قصيدة يكتبها، كما حصل لأبي تمام الذي مات مبكرا.

وكان نزار قباني يقول ما معناه، إن كتابة الشعر تصيب القلب بالمرض.

والشعراء الذين تتأجج مشاعرهم، ويطبخون عباراتهم فوق جمرات عواطفهم وإنفعالاتهم، قد يُصابون بأمراض لها علاقة بالقلب، لإرهاقهم لطاقاته وقدراته حتى يتداعى فيخونهم.

فصحة الشاعر ربما تتناسب عكسيا مع طاقاته التعبيرية الشعرية، فالكتابة بمداد المشاعر والعواطف لها ثمن كبير، يدفعه الشاعر من صحته الجسمية والنفسية والعقلية.

فبعض الشعراء الذين أعرفهم ماتوا مبكرا، وقاتِلهم شعرُهم، المشحون بأعاصير عاطفية، وزوابع إنفعالية مسبوكة في كلمات!!

كان لي زميل صديق يكتب الشعر بمداد روحه، ويضخه بعواطف حارقة، وكان يسمي الحالة الإنفعالية التي تنتابه بمخاض القصيدة،  لكنه مات مبكرا، إذ أصابه السكر وطغى عليه بمضاعفاته.

ويبدو أن الشعر المتحرر من البحور أكثر قتلا من الشعر المنظوم وفقا للعروض، ذلك أن الشعر المسمى حرا، بحاجة إلى طاقة أكبر لضم العبارات والكلمات في منظومة مطبوخة بالعواطف والمشاعر والأحاسيس، وذات سباكة مبتكرة الإيقاع.

الشعر المنظوم واضح المعالم، وإن قلّت فيه المشاعر والأحاسيس، فهو يمضي على سكة معلومة، تتداخل فيها المعاني والأفكار والمشاعر بنسب متفاوتة، وكل قصيدة تتباين فيها المحاور التعبيرية، وبعضها يكون جافا، والآخر نديا، ولا يوجد شاعر يكتب شعرا في كل قصيدة، وربما بعد عدة قصائد، يكتب قصيدة ذات شاعرية واضحة، وهذا جلي في دواوين الشعراء المعروفين، فليس كل ما فيها شعر، بل بعض القصائد التي تمثل الشعر!!

ويبدو أن النظم يسود دواوين الشعراء الذين عمّروا، وما أصابتهم الأمراض الوخيمة، أما الذين يحاولون كتابة الشعر في كل قصيدة فأن أعمارهم قصيرة!!

فهل أن الشعراء الحقيقيون يموتون مبكرا؟!!

وتلك ملاحظة وحسب!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم