أقلام فكرية

مكانة الدين في الجمهورية (2): عدم الهيمنة والتسامح الديني

علي رسول الربيعييشكل الدين تحديًا لقدرة مقاربة أو نهج عدم الهيمنة على معالجة ظروف عدم توازن القوة ولا تماثل السلطة.[1] أنظر مثلا التضارب بين الممارسات الدينية ومبادئ العدالة التي تمتد من مجرد تقيد هذه الممارسات إلى حظرها التام .[2]

يقيم المنظرون الجمهوريون، في ضوء نهج عدم الهيمنة، تقييد (أو تكييف) الممارسات الدينية بشكل مختلف عن الليبراليين. فمن وجهة النظر الجمهورية، هناك خطر مزدوج مرتبط باختلالات السلطة غير العادلة: أيً السماح بالهيمنة أو ممارسة السلطة المطلقة. تخاطر الدولة بالسماح بممارسة الطقوس والرموز الدينة في المجال العام بهيمنة  ممارسيها أو حامليها . لكن الدولة معرضة أيضًا لخطر ممارسة شكل من أشكال الإمبريالية من خلال حظر عرض الرموز الدينية من أجل الحفاظ على حياد الأماكن العامة ضد تأثير الجماعات الدينية. يعتبر التصدي لكل من هذه التهديدات، بالنسبة للمنظرين الجمهوريين، أمرًا ضروريًا لتحقيق التوازن بين العدالة والشمولية: يجب أن يدافع المجتمع العادل عن المواطنين ضد الهيمنة ويحمي الأقليات من التعرض للأذى بسبب قواعد الأغلبية أيضًا. إن مقاربة عدم الهيمنة، من خلال إظهار المزيد من الحساسية لهذه الأخطار المتعارضة، أكثر استعدادًا لمواجهة هذا التحدي من ليبرالية عدم التدخل؛ وعليه  فهي تدعو إلى اتخاذ إجراءات سياسية تهدف إلى الحد من اختلالات السلطة غير العادلة. وينطبق هذا حتى عندما تظهر اختلالات السلطة هذه بين الأطراف التي تنضم بالتراضي إلى الممارسات الهيمنة بشكل متناسق. تنتقل النماذج البطريركية للإخضاع من خلال الموروث الثقافي والممارسات التقليدية، حتى عندما لا يكون هناك أفعال واضحة للتدخل في الخيارات الفردية وعلاقات الهيمنة. على الرغم من هذا التركيز على عدم تناسق السلطة، فإن مقاربة عدم الهيمنة ليس بالضرورة أكثر تقييدًا من الليبرالية تجاه التقاليد الدينية. قد يسمح هدف تقليل الهيمنة الشاملة (أو حتى يتطلب) الأستيعاب أوالتوفيق بين الممارسات الاجتماعية  بما في ذلك التي تتضمن عناصر الهيمنة. تأتي عمليات الاستيعاب بتكاليف ثقافية يمكن أن تدفع الأشخاص الضعفاء إلى مقايضة قدر ما من الحرية من أجل الحصول على الاعتراف والمساعدة. وقد تتطلب مواجهة هذه المشكلة بدورها أن تقوم الدولة بتدابير خاصة للاعتراف ببعض الممارسات، ليس  الى حد حماية بعض  القيم  الجوهرية للثقافة التي يمتلكونها، ولكن من أجل تعزيز عدم الهيمنة فقط.[3]

لا يمكن أن يتخطى نهج عدم الهيمنة التسامح ليشمل بشكل كامل المبادئ الليبرالية للحياد والنزاهة والعدالة كما يجادل فرانك لوفيت.[4] يتطلب الحياد من السياسات والمؤسسات العامة أن تستوعب وبالتساوي جميع المفاهيم  المفيدة للخير والصالح العام. وبدلاً من ذلك، يركز الجمهوريون في مقاربة عدم الهيمنة على التحرر من الهيمنة كخير اساس له اهمية وأولوية على جميع الخيرات الأخرى. وتتطلب النزاهة والحيادية، بدورها، أن تكون السياسات والمؤسسات العامة مبررة لجميع الأشخاص الذين يمتلكون تصوراً معقولاً للخير والصالح العام. ولكن، كما يشير لوفيت، يمكن أن تتعارض بعض المفاهيم المعقولة للخير مع القيمة الأولية المؤكدة لعدم الهيمنة وأولويتها على الخيرات الأخرى. يوفر ربط قيمة عدم الهيمنة بالازدهار البشري[5] مبررًا للسياسات الجمهورية التي يمكن قبولها من قبل مجموعة واسعة من الأشخاص المعقولين، ولكن ليس من قبل الجميع طبعاً.

يمكن للمعترض أن يشير إلى أنه من خلال التخلي عن مبادئ الحياد والنزاهة، فإن نهج عدم الهيمنة يوفر الكثير من الأسس للدولة للتدخل في تفضيلات الناس: إذا كانت الحرية الفردية هي الوضع الافتراضي، فيجب تبرير الإكراه كشكل استثناء لذلك الموقف. [6] إذا كان لمبدأ عدم الهيمنة الأسبقية، فإن الجاذبية إلى القيم الجمهورية والمصلحة الأكبر للمواطنين قد تسود على الخيارات الفردية. وهذا يوفر للدولة المبرر المنطقي لتقليل القيود التي تأتي من الاعتراف بكرامة الأفراد على أساس فكرة المصلحة الاجتماعية المتفوقة.[7] ووفقًا لخط الاعتراض هذا، يمكن أن يتحول السعي إلى عدم الهيمنة إلى شكل من أشكال الأبوية التي لا تجد ثقل موازن مناسب في مركزية الحقوق الفردية كعائق أو قيًد لضغط المصلحة المشتركة. يدخل مفهوم المصلحة  في التعريف الذي يقدمه بتيت  لفصل الهيمنة عن النفوذ المشروع: يكون التدخل تعسفيًا إذا فشل في تتبع الأفكار والمصالح ذات الصلة بأولئك الخاضعين له. لكن هذا التعريف مبني على افتراضين يصعب تبريرهما في اديان متعددة وفي سياقات تعددية لها: "أولاً"، أنه من الممكن تتبع الأفكار والمصالح ذات الصلة للمتضررين من التدخل، أي المواطنين. ثانياً  يتشارك المتضررون (المواطنون) في الأفكار والاهتمامات ذات الصلة ".[8] إن الافتقار إلى الوضوح بشأن التمييز بين التدخل التعسفي وغير التعسفي له آثار أبوية لأنه يُترك للتداول والسيطرة الشعبية. وبدون قيود أخلاقية محددة بشكل جيد على تدخل الدولة، فإن ما يحسب في المصلحة المشتركة الأفضل سيعتبر غير تعسفي. بينما يحق لجميع المواطنين الطعن في قرارات الأغلبية ، فإنه ليس من المضمون أنهم قادرون على القيام بذلك، أو أنهم لا يعتقدون أن الهيمنة هي في الواقع في مصلحتهم.

يتطلب التوازن بين العدالة والشمولية (التي تغطي أو تتعامل مع مجموعة  واسعة من الموضوعات والمجالات) المشاركة النشطة للمواطنين المتدينين في تعريف المصلحة المشتركة. إن استراتيجية التسامح[9] التي تدعم استيعاب الممارسات الدينية هي من اجل تخفيف الأعباء غير الضرورية عن المواطنين المتدينين، لكنها ليست كافية في حد ذاتها. تحتاج الدولة الجمهورية أن تدعم بنشاط إمكانية المواطنين المتدينين لتطوير صوتهم المدني والمساهمة في عملية التبرير العام.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

..........................

[1]  Honohan, I. (2013) "Religious Diversity and The Republic

[2]  Lovett, F. (2010b)  "Cultural Accommodation and Domination",  Political Tiieory  38(2) : 243-267.

 [3] Lovett, F. (2010b)  "Cultural Accommodation and Domination"

 [4] Lovett, F. and Whitfield, G. (2016) "Republicanism, Perfectionism, and Neutrality" , The Joumal of Political Philosophy 24(1): 120- 134.

 [5] Lovett, F. (2010a) A General Theory of Domination and Justice. Oxford: Oxford University Press.

 [6] Lovett, F. and Whitfield, G. (2016) "Republicanism, Perfectionism, and Neutrality". 131.

 [7] Brennan , G. and Lomasky, L. (2006) "Against Reviving Republicanism", Politics Philosophy Economics 5: 221- 252.

 [8] Saenz, C. (2008) "Republicanism: An Unattractive Version of Liberalism" , ethic@ An Inter­national journal for Moral Philosophy 7(2): 267-285. 274.

 [9] Lovett, F. (2010a) A General Theory of Domination and Justice

 

في المثقف اليوم