أقلام فكرية

النظر في التعليم الفلسفي

علي رسول الربيعيإن الوعي بموضوع المعرفة له آثار ليس فقط للتعامل مع المشاكل في مختلف تخصصات الفلسفة، ولكن أيضًا لحياتنا. لهذا السبب في عصر "يسير فيه كل شيء" بسرعة، سيكون من المفيد التفكير أو إعادة التفكير دائما، فيما يتعلق بموضوع المعرفة وهدفها، في تدريس الفلسفة والتعليم الفلسفي بشكل عام. يمكن أن توضح لنا عدد من الحوارات الأفلاطونية كيف يمكن أن يكون موضوعاً ما يرغب المرء معرفته.

عندما يفشل محاور سقراط، في هذه الحوارات،  في الإجابة عن سؤاله حول ماهية شيء ما (ما هي الفضيلة، ما هي المعرفة وما إلى ذلك)، غالبًا يسأل سقراط محاوره عما هو يبحث عنه عندما يجيب على سؤاله. بعبارة أخرى يحاول أن يريه أنه لم يكن قادرًا على استيعاب موضوع المعرفة المعنية وأنه لا يجيب عن سؤاله، بل يجيب عن سؤال آخر. يعطي سقراط في محاورة مينوMeno، حيث يحاول تعريف الفضائل فيها، مثالا واضحا جدا لكيفية تجسيدها. ما يطلبه سقراط من مينو أن يجد الـ eidos، فكرة الشكل أو الهيئة. ثم يمكن لمينو اتباع الطريقة نفسها، وربما الإجابة من تفسيره الخاص عن السؤال عن ما هي الفضيلة. بعبارة أخرى: يحاول سقراط مساعدة مينو في العثور على ما يبحث عنه، والعثورعلى موضوع المعرفة الذي يهدف اليه استفساره، والنظر الى هذا الهدف او الموضوع  للإجابة عن السؤال ما هي الفضيلة. هذا الموضوع هو ما هو متطابق مع كل تلك الأشياء التي نسميها الفضائل - في الشجاعة، والعدالة، في الاعتدال، وما إلى ذلك. لم يتمكن مينو من أنجازه وهذا ما سينجح به أرسطو لاحقاً.

إن الأسلوب السقراطي في الاستقصاء هو نوع من التفكير ليس تحريضًا، كما يفترض البعض، ولكن نوع خاص من التشيئ (التعبير عن شيء مجرد في شكل ملموس)- أيً تجسيد لشئ ما، أو لنوع من المعرفة. إنها محاولة لمعرفة ليس أي خاصية مشتركة، ولكن فقط ما هو أساسي في كل تلك الأشياء الفردية والذي يجعل من الممكن استدعاءهم  أو تسميتها جميعًا بالاسم نفسه.

وهو يختلف أيضًا عن الاختزال الظاهراتي ( phenomenological reduction ) الذي يهدف إلى اكتساب النوع نفسه من المعرفة والذي يشبه كثيرا التجريد الديكارتي. يتم الترويج لما يسمى التعليم التفاعلي في جميع أنحاء العالم في الوقت الحاضر، كما هو معروف. ومع ذلك، فإن معظم المعلمين ليسوا مدربين تدريباً كافياً على استخدام الأسلوب السقراطي في التعليم، وهو أفضل مثال على التعليم الذي يساعد المتدرب على طرح الأسئلة والإجابة عليها بنفسه، من خلال النظر أو البحث في موضوع المعرفة. وبالتالي يمكن تدريبه على ما يسمى "التفكير النقدي" الذي يجب أن يُفهم على أنه القدرة على العودة إلى موضوع ادعاءات معينة، وليس مجرد مواجهة أو تجميع وجهات نظر مختلفة حول قضية معينة.

نرى في عصر "أي شيء" يسير  بسرعة، ومنها  باسم الحرية والتعددية، مشاكل عالمية جديدة  ظهرت نتيجة لحلول قُدمت في وقت سابق من أجل معالجة مشاكل الأخرى، نحتاج إلى الفلسفة كمجال للمعرفة (ليس كوجهة نظر للعالم not as a world view). لهذا، من الضروري في أي محاولة للتفكير وإنتاج المعرفة أن لا نغفل عن موضوع وهدف معرفتنا. هذه أيضًا نقطة يجب أن تؤخذ في الاعتبار بجدية في التربية الفلسفية. إن الجدل ضد التيار، عندما تقتضيه كرامة الإنسان، هو مهمة فلسفية بامتياز.

إنه في الصراع بين الممكن والمستحيل نوسع إمكانياتنا الخاصة كما يُقال.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

 

في المثقف اليوم