أقلام حرة

(Sms) عربية وجزء من النص مفقود..؟!

ومن مشاكلنا نحن العرب أن فضاءنا له نكهة مميزة ..وعفواً إذا قلت بأنه يتسم بالعبثية والفوضى وياليتها فوضى خلاقة كما يقال في  لغة السياسة...إنها العبثية التي تجر خلفها الويلات ثم الويلات وتبني بقصد أو دون قصد جيلاً مفعماً باللامبالاة.. منتشياً بمقولة (اللهم أسألك نفسي)..؟؟ (ومعذرة  فالقاعدة لا تنطبق على الجميع) ...فمن عجائب الفضاء العربي على سبيل المثال أو الفضائيات العربية معرفة شخصية الإنسان وتحليلها من خلال شكل وجهه(مربع، دائري ،مستطيل..الخ) مثل مسألة رياضيات، وطبعاً هذه العملية لا تتم وجهاً لوجه بل عبر إرسال رسالة قصيرة (SMS)عبر الرقم المخصص لكل بلد (كالعادة) بشرط أن يذكر الإنسان شكل وجهه كي يتم من خلالها قراءة الطالع أو تحليل الشخصية وعبر هذه الرسائل يبدو كل شيء سهل وواضح لدرجة أن الناس( غير العرب) يستغربون قدراتنا الفائقة على حل المشاكل عبر (الموبايل)، فنحن لا ننكر دور التكنولوجيا في اختصار الوقت والجهد وتقريب المسافات لكن هل هو قدر العرب أن يفهموا الأشياء  ويقرؤوها من زاوية معتمة في أغلب الأحيان أو يوظفوها ضمن إطار محدود بعيد عن الهدف الأساسي..

وإذا كنا نتحدث عن فضائنا العربي من حقنا أن نسأل أي فضاء هذا ؟وهل لنا فضاء ..مجازي أو حقيقيي ..ومتى سنملأ فراغ أنفسنا ..؟؟؟..دعونا مرة واحدة نملؤه..حسناً..الإجابة واضحة..وسأتابع سرد بعض الأمثلة التي تعرفونها..مثلاً: يمكنك عبر إرسال (sms) أن تعرف مدى التوافق مع الشريك..والساذجون طبعاً سيصدقون وربما تنتهي العلاقة بين الطرفين بالفشل بناء على النتيجة التي نجمت عن تلك الرسالة القصيرة والتي وضعت على شاشة التلفاز(النتيجة طبعاً) وهي النسبة المئوية للتوافق ...وأيضا عبر(sms) يمكن أن يكون الإنسان (أجمل) بإتباع الوصفات (السحرية) للجمال ووصفات الطبخ ولا ننسى التصويت للنجم الذي سيغمرنا بنوره ويصبح الفاتح العظيم... ويمكن كذلك حل المشاكل المالية والعائلية والعاطفية.أو يكون الشخص مليونيراً أو مليارديراً في لحظات عبر الوسيلة ذاتها.وربما يربح سيارة أو بيت أو لاشيء لأنه قد يصبح فقيراً أيضاً بسبب الاستهلاك العبثي للتكنولوجيا.. كل ذلك يحدث بإرسال رسالة قصيرة ...ولا ننسى تبادل الشتائم عبر هذه الرسائل ونشر الغسيل النظيف جداً على شاشات التلفاز باعتبار أن فن الشتائم فن عربي بامتياز منذ فجر التاريخ..إضافة إلى ماتحمله هذه الرسائل من عبارات لاأخلاقية بذيئة (طبعاً بأسلوب السجع) حيث لايتوانى أصحاب الفضائيات عن نشرها كي يثبتوا درجة الرقي والحضارة عند العرب..؟؟؟؟؟ وسيقول قائل لماذا لا نلوم شركات الاتصال لأن المواطن هو ضحية بل فريسة سهلة الهضم..ولماذا لا نلوم أيضا الفضائيات العربية التي تفعل فعلتها من أجل الكسب المادي، والإجابة ببساطه: أين الوعي..؟؟ هل نتركه جانباً لنذم أنفسنا ؟؟..وسيقول قائل آخر نحن نفعل ذلك من باب التسلية. فأقول له: كيف ترضى بالتسلية التي تستخف بعقلك ووعيك وتضعك على خط بياني واحد مع (فاقدي الأهلية والحمقى)؟؟؟ فالتسلية والترويح عن النفس ليست بمصادرة الإرادة والإحساس والاستخفاف بأهمية العقل (وحجمه)...وقدرته على التمييز بين الجيد والرديء، وبين الغث والسمين ...إن العقل الذي لا يؤمرني أن أثور على الرذيلة والقبح والخطأ فليذهب إلى الجحيم...

والمتتبع المحايد  (للحياة العربية) على أثير الموبايل أو التلفاز سيسأل ويقول: (غريب  جداً)؟؟؟.. لأن هناك قضايا عالقة منذ سنين طويلة لم تحلها الاجتماعات والمؤتمرات والقمم العاجلة والبطيئة، (عفواً) كل القمم العربية سريعة؟؟؟ فماذا يحدث ،هل يعقل أن للموبايل قدرة عجيبة ؟؟..إذاً اخبروني على أي (رقم) أرسل رسالة كي أعرف مثلاً: متى تتحرر فلسطين ومتى يتفق العرب ومتى تخرج أمريكا من العراق وأفغانستان وتتركنا وشأننا دون أن تحدد لنا نمط حياتنا ومتى تتخذ الأمم المتحدة قراراً شجاعاً وجريئاً وحيادياً ولو لمرة واحدة لصالح العرب، ومتى يُحاسَب الجلاد، ومتى تُنصَف الضحية، ومتى تعود أمجاد العرب ومتى (نجد) أنفسنا لأننا (أضعناها) منذ أمد بعيد ومتى نمتلك زمام المبادرة ونعلن للعالم أن لنا حصة في هذا الوجود ونقف على مسرح الحياة فاعلين لا متفرجين ومتى ندرك أن المسافة بين القلب والعقل تقاس بالإرادة ومتى لانضع أيدينا على قلوبنا خشية حرب عربية (ثانية) بسب نتيجة مباراة، ومتى لا تنقطع الكهرباء آلاف المرات في الوقت الذي أحتاج أن أكتب فيه حرفاً خارج حدود الظلام، ومتى لا ينقطع الماء(في اليوم مئة مرة) في الوقت الذي أحتاج أن أغسل الطريق إلى الحقيقة ومتى يتنازل الفساد عن حصته في أحلامنا ولانجد من يمارس الفيتو على تطلعاتنا..ومتى ومتى ومتى ؟؟؟؟؟؟.وهل هناك رسالة sms) تكفي لكل هذا وذاك،أو تحل هذا اللغز...؟؟

عبر الرسائل القصيرة يمكن أن نقول ما نشاء دون رقيب لكن الرسائل القصيرة لا تكفي لتختزل تاريخاً وتدون يوميات المواطن العربي المنكوب بيديه أولاً.. ومن معبر ال (sms) سنمر لكن، إلى أين ؟؟هل نرسل رسالة قصيرة إلى أنفسنا ونحصل على الإجابة؟؟...أجل الهاتف الجوال اختراع مفيد وكذلك الانترنت والتلفاز ...لكن دعونا نجعلها أكثر فائدة عندما نحسن استخدامها ...وهل نرسل لأولئك رسالة قصيرة مفادها: أرجوكم كفاكم استخفافاً بعقول الناس وأوقفوا هذه الطريقة الواضحة للاحتيال والربح السريع...وأنتم أيها القائمون على هذه القنوات إن عقول المشاهدين أكبر من توقعاتكم فدعوا هذه التفاهات .. المواطن العربي ضجر وسئم ومل..احتفظوا بعقولكم وقناعاتكم، واتركوا لنا عقولنا وقناعاتنا ..إن العقل هبة الله وهو أسمى من سخافاتكم وتواطئكم على العقل العربي..اتركوا للجيل القادم شيئاً يفتخر به ...كي يفتخر بنا ..وإذا كان العطار لا يصلح ما أفسده الدهر دعونا ننسى قصة العطار والمرأة العجوز...فالإنسان لديه القدرة على الإصلاح ضمن حدوده وطاقته ..قد نحاول ..قد نصل ..ربما..أكيد..نعم ...آخر(:(smsلا تزال النافذة مفتوحة كي يتسرب النور..بعض النور..لندعها كذلك..حتى نعيش بسرور...

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1320 الاربعاء 17/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم