أقلام حرة

أخيراً .. سقط الصمت في وادي الذئاب .. !!

أخيراً خرج الكلام من أفواه العرب بدرجة امتياز ونال الفعل العربي وساماً رفيعاً من التاريخ الذي سيشهد على ولادتنا من جديد .. حقاً .. ؟ نعم .. !! .. أخيراً اتخذ العرب موقفاً مشرفاً .. أخيراً اتفق العرب .. أخيراً تضامن العرب وأخيراً .. أخيراً .. لكن ما ليس (أخيراً): إن ماجاء في سياق السطور السابقة ليس إلا حلماً من وحي القلم .. .يحلم أن يرى ما لا تراه العين .. ما لا يبصره الواقع .. صمتنا .. سكتنا قروناً لم يتغير شيء سوى البعوض الذي يحوم ويتغذى من مستنقع حياتنا العربية الراكدة .. لم نخترع شيئاً منذ أن اخترعنا (الصفر) .. لم نخترع إلا سكوتنا الذي ليس من ذهب ولا حتى من فضة ولا من نحاس أو قصدير .. .لم نخترع إلا تآمرنا على الذات، واللامبالاة تجاه قضايانا التي نسميها عادلة ثم يبطل صمتنا (فاعلية) عدلها .. لم نخترع إلا فنون انقسامنا التي صارت لها إدارة خاصة اسمها (إدارة الخلافات العربية)؟؟؟ لم نخترع إلا رواية طويلة للصمت .. رواية لم يكرمها أحد حتى الأعداء ولم تحصل على جائزة، أو وسام من الدرجة العاشرة .. لأنها رديئة محتقرة عند الأعداء وإن كانت تحقق نشوتهم وتزيدهم سخرية منا وربما تجعلهم يتساءلون أين أحفاد هارون الرشيد الذي خاطب يوماً ما إمبراطور أعظم الإمبراطوريات ونعته (بالكلب)؟؟ .. لكن هل يبس الدم العربي في عروقنا، هل تجمد صوتنا قبل أن تفرزه الحناجر إلى الوجود.؟؟ نعم .. صرنا نشتاق للشجب والتنديد الذي كنا نذمه يوماً ما لأنه أكثر شيء يجيده العرب في الأزمات .. لم يبق إلا بيان مستنسخ، ومسودة قرار خجول مرفوع إلى هيئة الولايات المتحدة – عفواً- الأمم المتحدة .. . قرار يبقى حبراً على ورق أو يذهب أدراج الرياح بعد ثوان مثل أي قرار سابق .. ؟؟؟ ورسائل تصلنا عبر البريد الالكتروني بين اللحظة والأخرى تعلمنا (أدعية) خاصة للدعاء على الصهاينة كأن هؤلاء لا يعلمون أن الدعاء له شروط وأسباب يجب أن نأخذ بها حتى يستجاب وهم أدرى بذلك .. وأذكرهم بقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- (إن السماء لا تمطر ذهباً وفضة)؟؟ وأقول لهم إن كنتم غير قادرين على فعل شيء فلا (تثيروا) حمية الشعوب العربية والإسلامية (عالفاضي). واتركوها تعبر على طريقتها. وكل هذا (اللاشيء) مقابل (الشيء) الكثير الذي تمارسه إسرائيل بالقول والفعل .. يعلن وزير داخلية إسرائيل عن بناء( 1600) وحدة استيطانية في القدس .. استيطان لا يتوقف .. استفزاز لمشاعرنا العربية (المرهفة جداً؟) .. انتهاك لا ينتهي للمقدسات .. وتهويد لمدينة القدس وطمس معالمها العربية والإسلامية .. وعلى مدى الأيام القليلة الماضية لم نعد نسمع إلا كلمتي (تهويد وانتهاك) .. وقبل فترة سمعنا أن الأقصى سيهدم في عام ألفين وعشرة وفي آذار تحديداً .. لم نتساءل ماسيفعله العرب إزاء ذلك وماذا سيفعل العرب قبل الموعد المنتظر؟؟ الجواب: إن ما عجزالعرب عن تحقيقه في سنين وعقود وقرون .. لن يحققوه في ساعات وأيام وشهور، لكن كنا نمني النفس بفعل صغير .. وصغير جداً .. ؟؟ نبوءة صهيونية لأحد الحاخامات كفيلة بهدم الأقصى .. أحلامهم القذرة .. مخططاتهم .. أقوالهم .. تصبح مسلمات ثم تتحول إلى (واقع) .. بينما (الواقع) أننا لسنا على الواقع (شيئاً) .. ولا حتى بأسمائنا المستعارة لأن الاسم العربي صار يخجل على معناه .. والفعل يخجل من (لاجدواه)، فلا رمية سهم طائشة أو رمية حذاء ... تحفظ بقايا الكبرياء العربي ؟ لم نفهم متى يكون السكوت من ذهب .. لم نفهم متى يكون الكلام من فضة، ومتى تكون (البلاغة) لأننا لم ندرك دواعي (الإيجاز)؟؟ إن الزمن العربي الذي يولد من حاجاتنا-(والحاجة أمُّ الاختراع)- سيكون اختراعاً عظيماً يوازي اكتشاف النار التي نحتاجها كي نحرق هذا الصمت وننثره ليأتي زمن عربي جميل .. لكن هل نقول (هيهات) .. ؟؟؟

إسرائيل تفعل ماتريد ببساطة حتى لو كان مبنياً على نبوءة أو كذبة أو أسطورة .. وإعلامنا القليل (غير المأجور) .. يردد بغضب و(لاغضب)؟ .. تهويد القدس .. الاستيطان .. هدم الأقصى والقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ..؟؟ وعلى الضفة الأخرى (أمتان) أمة إسلامية، وأمة عربية ليس في جعبتيهما شيء إلا (اللاشيء) ..؟؟

ماذا سنقدم مقابل ذاك الخراب ..؟؟ هل تقديم شكوى إلى (اليونسكو) سيحل القضية ؟؟ لن نحتاج اليونسكو، فالمسجد الأقصى ليس معلماً أثرياً، بل إنه يعني للمسلمين الكثير .. مكانة الأقصى لم تحرك ذاك السكون .. ومعجزة الحجر الفلسطيني لم تحرض رغبة الكلام لدينا .. ولا ثورية (أردوغان) وغيرته ونخوته المعهودة وماقاله أمام قمتنا العربية عندما قال: (إن حرق الأقصى يعني حرق القدس، وحرق القدس يعني حرق فلسطين، وحرق فلسطين يعني حرق الشرق الأوسط، وحرق الشرق الأوسط يعني حرق الإنسانية .. )، ثم يردف ببلاغة تشبه بلاغتنا العربية الضائعة: (الافتخار بالماضي وحده لا يكفي الآن .. ). نعم لن يكفي لأن القاسم المشترك بين الماضي والحاضر غاب تماماً .. بالنسبة للعرب طبعاً ...         

إذا كنا شعوباً قد انقرضت من الأطالس (عملياً) فهل من المستحيل أن نعيد أنفسنا إلى الخريطة .. إذا كانت عروبتنا عبئاً ثقيلاً على كاهلنا فعلينا إما أن نستقيل منها أو نعلن للعالم أننا عرب .. ولو بالحد الأدنى الذي لم يتحقق حتى الآن ..؟؟؟ .. هل سينتفض العقل العربي .. .وتسير قوافلنا .. ؟؟؟ الزمن الذي يقول (نعم) لن يكذب أبداً .. لكن يجب أن نقول (نعم) ..      

أخيراً .. ليس (آخراً) .. لم يسقط الصمت .. لكن ربما سيسقط .. ويسقط الجدار العازل بين الفعل والكلام ..

         [email protected]  

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1366 الثلاثاء 06/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم