أقلام حرة

الحجر (أصدق أنباءً من الكتب) ؟!!

لم نشعر بالضجر ونحن نصل إلى هذا الرقم..حتى عندما نقف أمام الجيل القادم لنقول له هل تعرفون ماذا يعني هذا الرقم..بينما تصمت اثنتان وستون لغة وأكثر من لغات العالم والدول التي باركت قيام إسرائيل وعلى رأس القائمة أطراف عربية.. صار التاريخ في حيرة من أين يمر فكل المعادلات قد تغيرت منذ اثنين وستين عاماً..ما بين استقلال إسرائيل العجيب الغريب..!!! ونكبة فلسطين. من هنا يعرف التاريخ من أين يمر عندما يرمي الحجر ضمير الإنسانية لتصحو على نشيد السلام,والعدالة النائمة..فكل الأسئلة حتماً تحتاج إلى مواجهة باستثناء الوقوف في حضرة هذا الرقم (اثنان وستون)..لازال المصطلح كما هو لم يتغير في مناهج الدراسة العربية (النكبة)..من الميلاد إلى الموت..الذي تغير هو الرقم..الرقم فقط ؟؟؟

 كنا نظن أن النار وحدها هي التي تفقأ عين التاريخ..وبين النار والحجر تختلف كل قوانين الزمان والمكان...فلسفتان اتحدتا, لم تتحدا ,لكل منهما قصة يفهمها التاريخ. العام 1948تاريخ مشؤوم كما قرأناه في الكتب، وقرأنا أيضاً أن السيف أصدق أنباء من الكتب. واليوم يصبح الحجر أصدق أنباءً..

1948تاريخ قيام دولة إسرائيل.. أول من بارك قيامها بعد عشر دقائق من إعلانها ترومان..ترومان الرجل الذي أحرق هيروشيما وناغازاكي ..كل حريق يحتاج إلى شرعية (مفبركة) كي يصبح أمراً واقعاً نرضى به رغماً عن مسميات التاريخ حتى لو كان على حساب شعب كامل بتزوير وتلفيق التاريخ ثم المرور.. (عشر دقائق).!! لن نتوقف هنا الآن..الآن فقط..ست عقود على النكبة، لكن هل كانت قراءة التاريخ كما ينبغي ستحول دون انضمام فلسطين إلى قائمة المفقودات ؟؟

اثنان وستون عاماً تحت الدم والنار..لم يستيقظ ضمير العالم حتى عندما غير الحجر المعادلة. ولم تجدِ سياسة تكسير العظام في الانتفاضة الأولى...التاريخ (المعقول) يصرُّ على وحشية ودموية الصهاينة التي تتخطى اللامعقول إلى المعقول.. يرى (جابوتنسكي) فيلسوف العنف اليهودي أن (السياسة هي فن القوة..إن الأحذية الثقيلة هي التي تصنع التاريخ)..أيديولوجيا اختزلتها صورة الشهيد محمد الدرة في الانتفاضة الثانية,وصور أخرى لاحصر لها..قبل ذلك وبعد ذلك اتفق العالم على دموية الصهاينة وخبثهم وقذارتهم وصناعة الفوضى والأزمات والاختباء خلف نار الفتن والحروب التي يتفننون في إشعالها..حتى عندما يغيرون فلسفة الفكر إلى فلسفة الحرب كما يقول (بيغن): (نحن نحارب إذاً نحن موجودون) يصفهم مارتن لوثركينغ بصرخة مدوية (إنهم قتلة). يتابع: (إنهم قتلة.. لم تشرق الشمس يوماً على شعب أكثر دموية وحقداً من اليهود)..وبعد اثنين وستين عاماً..إن هؤلاء قتلة..لازالوا قتلة..؟؟ حتى العدالة الوسطى في ذم هؤلاء (القتلة) قد نامت في أحضان هيمنة الصهاينة على الإعلام وما يدور في فلكه..إنهم يدركون اللعبة. كذلك أدركوا أن أقوى الأسلحة تلك التي تخاطب العقل.. وامتلكوا أكثرها تأثيراً..سلاح (الإعلام) بينما ينحصر الإعلام العربي في صناعة فنون الانحدار..إنه الجسد العربي الهزيل. أحياناً يصير عبئاً على دروس الجغرافية. عبئاً على الحياة والموت أيضاً.. وأولئك الذين يتحدثون عن عبثية الحجر..دعونا نسألهم: (لاعبثيتهم) ماذا فعلت للشعب الذي يشرب ويأكل من الأنفاق؟؟ إسرائيل سابع دولة في تصدير السلاح في العالم..وأنتم تطالبون بنزع الحجر، والرهان على أمريكا. ما هو أقصى ما فعلته أمريكا..؟؟ في عام 1982 عندما أحرق شارون لبنان اكتفى رئيس أمريكا آنذاك (رونالد ريغن) بتوبيخ شارون هاتفياً ؟؟ هل كنا سنتوقع أن الهمجية الصهيونية لا تتناسب لا عكساً ولاطرداً مع عواطفنا,وتنازلات البعض من العرب الذين يدعون إلى إلغاء العاطفة ولغة القلب, وسلاح الحجر الذي يغدو في نظرهم عبثياً جداً . غير مجدٍ وعائق في وجه مشروع السلام...بينما كل مجازر إسرائيل إلى الآن لم تشكل أي عائق؟! إذا كانت العواطف لا تدفع شعباً سُلِبتْ حقوقه ألا يصرخ ويقاتل ويقاوم ويحمل حجراً,فما الذي يدفعه إذاً..؟؟ إذا أردتم إلغاء العاطفة واللغة الانفعالية أرونا إذاً يا أصحاب العقول ماذا فعلت عقولكم ؟؟ حسناً..عقولكم أعادت التاريخ إلى بدايته..أعادتنا إلى اللاشيء.. جعلتنا نجمع رمال شواطئ الدنيا في ساعة رملية واحدة أشد بطئاً من دورة التاريخ ثم ننتظر..ماذا فعلت عقولكم ؟؟ عقولكم تصافح المعتدي الذي يطعن. تقبل كفه التي تذبح .. تبتسم له..تدعوه لشرب قهوة عربية ويدعوكم لشرب فنجان دم عربي.. عقولكم ركدتْ, وعقولهم تخطط بخبث منذ قرون و إلى قرون قادمة. عقولكم رمتْ إرادة الشعب خلف جدار ليس من فولاذ فحسب بل مما هو أصلب من الفولاذ. نعم أحياناً يصبح الجنون أكثر عقلانية من عقلانيتكم ومنطقكم..وأحياناً نحتاج إلى الجنون عندما يصبح العقل عبئاً..تماماً مثل ذلك العقل الذي تنادون إليه..هلا صمتم مرة – أرجوكم- إن كنتم ستنطقون كفراً..؟؟؟

مر اثنان وستون عاماً على نكبة فلسطين ..وغداً في الموعد ذاته..في اليوم ذاته. في الساعة ذاتها..سنسحب الورقة ذاتها من الروزنامة ليمر عام جديد.. فالتاريخ حتماً لا يصنعه الموتى وإن كانوا أحياء..بل يصنعه الأحياء وإن كانوا موتى.. يصنعه طفل بيدين ناعمتين تحملان حجراً..ولا أحد يدون التاريخ مثل طفل يغسل بدمه أرصفة بلاده ويودع الموت مبتسماً..هو الذي جعل من الحجر معجزةً... عفواً فلسطين ها قد أطفأنا الشمعة الثانية والستين على ردائك الأرجواني.. ومعذرة فلسطين سنعود إلى الرقم مرة أخرى لنقرأه من جديد. بتمعن أكثر..هذه المرة ربما لن نخطئ القراءة..أو لن نتلعثم أبداً .

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1414 الثلاثاء 25/05/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم