أقلام حرة

دولة الاضطرار والضرورة / إبراهـــيم الغـــالبي

و كان الكلام السائد هو أن السنوات الأربع المنصرمة شهدت وضع لبنات أساسية ومهمة في سبيل بناء تلك المؤسسات والنهوض بها ولا اعتقد انه كان في وارد القبول لدى حكومتنا القول إن البناء المؤسساتي للدولة العراقية الجديدة يراوح مكانه أو انه يجري بصورة اعتباطية أو قائم على مبدأ الاضطرار بمعنى الارتجال ووفق خطط مرحلية لمواجهة التحديات القائمة وهي تحديات جسيمة بلا إشكال، بل إن تأكيدات حكومية مستمرة كانت تلح على المنجز وسط ظروف غاية في الصعوبة ولا مكان للاعتراف بأنه طوال السنوات الماضية لم يجرِ بناء المؤسسات بصورة تناسب فعليا شكل وطبيعة النظام الجديد في العراق وظلت أشباح المؤسسات الحكومية عاجزة عن القيام بواجباتها وتأدية مهامها، لتأتي كلمة السيد نوري المالكي أثناء لقائه بالرئيس جلال طالباني مؤخرا معترفا بأن مؤسسات الدولة هي مؤسسات الاضطرار والضرورة.

لا يمكن أخذ هذا الاعتراف من السيد رئيس الوزراء كونه منقصة على الإطلاق ولكنه يمثل الحقيقة التي ظلت متوارية خلف عدم الاعتراف. نعم لقد كانت المرحلة السابقة صعبة ومنطوية على مخاطر وتحديات أجبرت الحكومة على خيارات اضطرارية بعضها ربما لم يكن شرعيا كفاية وبعضها الآخر تجاهل الثوابت الدستورية وكان هذا الأمر يجري أمام القوى السياسية الأخرى التي آثرت الصمت والسكوت تغليبا لمصلحة وطنية عامة حيث رأت وشعرت بأن التحديات الماثلة توجب ذلك، وقبلت به ولو على مضض. لكن المخيب في الأمر ككل هو أن الحكومة كانت قد رسمت صورة وردية عن بناء المؤسسات لا سيما ذات الأهمية على الصعد الأمنية والاقتصادية والخدمية. ولم تصارح الشعب بالحقيقة التي تقول إننا لا زلنا نراوح في مكاننا طوال السنوات الماضية ولم نتمكن من تجاوز عتبة النجاح الدنيا في البناء المؤسساتي الضامن لانتقال العراق إلى مرحلة جديدة وترسيخ النظام الديمقراطي بدرجة تشعرنا أننا أصبحنا في مأمن من طوارئ الحدثان.

قد يكون مصدر اعتراف رئيس الوزراء هو ما لمسه من خوف مبرر على مستقبل العملية السياسية واحتمال الفشل لا سامح الله وسط الصراعات والتجاذبات وتربص القوى الإرهابية التي بدأت تستغل الفراغ الحاصل نتيجة تعثر مساعي تشكيل الحكومة وعدم التوصل لأي حلول واضحة حد اللحظة. ولكن نرى انه اعتراف قد جاء متأخرا وكان من المفترض الانقياد للواقع دون مبالغات أو حسابات خاصة لا أقله من أن ذلك سيجعل قضية بناء مؤسسات الدولة واحدة من القضايا الأكثر أهمية والمقدمة على غيرها في أية مباحثات بين الفرقاء السياسيين، وأن تحتل حيزا في المفاوضات والصفقات التي يمكن أن تجري أو كان مقدرا لها أن تجري بدل صرف الموضوع وتمحوره حول قضية واحدة تتمثل بالشخصية التي يمكن لها أن تحتل منصب رئاسة الوزراء والتي لا زالت القوى السياسية تتصارع حولها في جولات لا يبدو أنها تبشر بأي أفق قريب للتوافق على الحلول الناجحة لها. الحقيقة أننا لا نكاد نسمع شيئا يتصل ببناء المؤسسات وكل ما يقال هو إن لكل طرف برنامجه الخاص وان هذا الطرف يلتقي مع ذلك الطرف في التصورات والرؤى دون أن نفهم المعاني الكامنة والدقيقة لكل طرف من ألأطراف حول ما يتصل بتصوراته تلك.

إن من الملاحظات التي طالما تم تشخيصها حول المؤسسات الحكومية هو ضعفها وعدم قدرتها على إنجاز مهامها واستشراء الفساد فيها وترهلها المخيف وتداخل الصلاحيات وعدم وضوحها والعمل بقوانين النظام السابق وافتقارها إلى العناصر الكفوءة وتغلغل العناصر السيئة في أروقتها وتسييسها لصالح أجندات جهوية وحزبية وغير ذلك الكثير مما يفقد هذه المؤسسات أي دور حقيقي في بناء الدولة، بل أن الطامة الكبرى هي أن مؤسسات بهذا الشكل ستنتج صورة شبحية لدولة غير قائمة على أسس متينة قابلة للانهيار في أية لحظة.

جلّ ما نخشاه أن اختزال مشكلة تشكيل الحكومة في شخصية رئيسها المقبل سيؤدي إلى صفقات سياسية تعيد استنساخ مؤسسات الاضطرار والضرورة لتصبح هي القاعدة السائدة والمتبعة وألاّ تحظى بأية أهمية قضية إعادة ترتيب أوراق المؤسسات الحكومية ومعالجة نواحي القصور فيها والاتفاق على الحلول والمعالجات بفعل ثقل الصراع على منصب رئاسة الحكومة الذي أصبح اليوم هو العقدة الوحيدة وبمجرد تجاوزها سيتم تشكيل الحكومة المنتظرة مباشرة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1484 الاربعاء 11/08/2010)

 

في المثقف اليوم