أقلام حرة

عابرون .. من (صلاح الدين) إلى (مراد علم دار) / أسماء شلاش

إنَّه التاريخ يكره الموتى .. (كلُّهم اتفقوا أن التاريخ لا يعيد نفسه). نحن لم نتفق .. فالحديث عن الماضي مغر ٍ جداً، لكن دعونا نقلب الصفحة لنطور تكنولوجيا الذات .. لازالوا حتى الآن في حيرة، كيف يعرِّبون كلمة (تكنولوجيا).هل ضاقت لغتهم أم عقولهم، وهل هي الصدفة؟. لا بأس، فأغلب الاكتشافات - بما فيها العلمية- جاءت مصادفة، كاكتشاف النار، مروراً بالجاذبية الأرضية ودافعة أرخميدس .. الخ. حتى الاكتشافات الجغرافية .. خريطة يرسمها عالم عربي اسمه (الإدريسي) تغيِّر التاريخ .. ثم نلفظ أنفسنا خارج التاريخ، لماذا؟. لماذا لم نكتشف أنفسنا من جديد ولو عن طريق الصدفة؟. فما أقسى هذه الصدفة التي لم تأتِ بعد!. لغة العاطفة لا تكتب الأساطير فقط .. إنَّها تكتب الواقع أيضاً،ولغة شعرية تشاؤمية تقول:(نحنُ انقرضْنَا مثلَ أسماكٍ بلا رأس). لكن ذلك لا يمنع أن نبحث عن أنفسنا في أنفسنا .. فالمعجزات قد تولد من الضرورات. و(الحاجة أمُّ الاختراع). لنتجاهل الذين يقتلون فينا رغبة الحياة عندما يصرخون: أيُّ عربيٍّ لا يستطيع أن يلثم (الفيتو)؟. انظروا ماذا فعلوا بعراق (حمورابي)؟. إنّه الدم الذي أغرق الحقيقة .. فلم تغرقْ .. قبل قرون مرَّ هولاكو .. ظلَّ نهرُ دجلة أزرقاً لأيام،عندما ألقى فيه كتباً تجمع خلاصة الفكر العربي، فهل مات هذا الفكر؟. إنَّه الجوع، مرَّ مرارا ًعلى هذه الأرض .. كانت دائماً أقوى من الجوع .. لكنّ الضياع لا يأتي مصادفة .. !. ضاعت فلسطين إذاً؟. عبارة خرافية على جغرافية واقعية، لم تخطر على بال صلاح الدين وهو يغسل بقايا الصليبيين من شرقنا العربي .. ولم تخطر على بال (الكنعانيين )عرب فلسطين الأوائل .. حتى عندما جاء (غورو) متحدياً صلاح الدين، لم يفده التحدي ، لأنه عاد (بخفي حنين) وخرج مهزوماً من شرقنا (المغريّ) .. لأننا آمنا كيف يغيِّر الدم المعادلات ويقلب المعطيات ويزيد وهج الشمس .. كيف إذاً تقتلعون عطر الدم؟.لا أحد يرغم التاريخ أن يقول كذباً .. عندما يؤمن أن للحرية (قرباناً) يوازي عظمتها .. مقولة يجب ألا تكون سفسطائية .. !!

ضاعت فلسطين إذاً؟! .. عبارة لم يضعها محمود درويش في حساباته وهو يرسم حروف قصيدة هزّت كيان اليهود، وتداولوا أمرها في مجلسهم النيابي، أسماها (عابرون في كلام عابر) .. أغاظهم جداً جداً .. لا تقل لنا:(أيُّها المارونَ بين الكلماتِ العابرة .. احملوا أسماءكم وانصرفوا .. ).هم كذلك عابرون .. إسرائيل تعرف هذه القصيدة قبل أن يعرفها الجيل العربي الراهن الذي ينشغل بحفظ الأغاني الهابطة. وربما بعض من ظلال المثقفين العرب الذين يحفظون من الثقافة عنوانها فقط .. كلمات هزَّتهم .. هزمتهم .. فمن قال أنَّ الكلام من فضة؟. فالكلام ليس من فضة دائماً .. نصفق لكل من يزعج إسرائيل بينما نتهاون، ونعلم تماماً أن الانحياز العاطفي وحده لايكفي .. نصفق للدم التركي الذي يسيل لأجل فلسطين .. نصفق لأردوغان وتشافيز وجورج غالاوي .. .الخ، بل أننا نصفق لمراد علم دار(في مسلسله) وهو يقتحم سفارة إسرائيل ويقتل من فيها بجرأة وشجاعة، مشهدٌ ليس للعرب نصيب منه في مسلسلاتهم أو في واقعهم .. مشهد أغاظ إسرائيل حتى النخاع .. فاحتجَّت بقوة .. قالت:(اقتلوا مراد علم دار الحقيقي)، وقلنا: ليته ليس مسلسلاً .. من هنا يجب أن ندرك قوة الكلمة في زعزعة عروش الباطل، (فليس بالخبز وحده نحيا).نعم، للكلمات رنين ساحر .. مثل رنين المطر على شهوة العطش .. وفوح طاغ ٍ يتغلغل في صيرورة الخراب .. لابأس أن نغسل الآثام بماء الورد إذا كان ذلك شرطاً للحياة .. فالمنجمون قد كذبوا علينا - ولو صدقوا- فالسيفُ أصدقُ دائماً. كيف لو كان سيفك يا صلاح الدين الذي لم يثبت العرب أنهم الورثة الشرعيون له. عفواً، قد خذلناك،هو ذاك الذي نشتاق إليه .. سيفك الذي لم نحرسه بعطر أفعالنا. هل ستسألنا كيف تسرَّبتْ من مسامات جلودنا عروبة فلسطين، كيف تفوح القوافي بالمراثي .. ومن أين إذاً ستبدأ الدموع؟؟. لا،لازلنا نحب التفاؤل رغم الدموع .. تفاؤلٌ يشبهُ (العرب الآن) يضحكون حتى عندما تكون عصا أمريكا فوق رؤوسهم فنقول:(هذا قضاؤنا) لنبرر قسوة الجلاد. بل لنبر عجزنا أمام ضياعنا. أولئك الذين يشربون نفطنا ودمنا بكؤوسنا .. أتمنَّى أن نصفعهم بقوة تجاري قوة (القبح) لديهم .. لم يصرخ أحد في وجوههم إلا في الظلام .. وأنتم (كفاكم ذلاً) .. فلن تقتلوها. مَشَتْ في جنازتها الوهمية (هي لم تمتْ) .. قلوبهم ماتت .. قتلوها على باب صباحها (فلم تمتْ) .. حتى عندما وضعوا ضمائرهم في الثلاجة .. (هي لم تمتْ). تلك هي العروبة .. (هي لم تمت). يمكننا أن نجابه كيان اليهود ولو بجرة حبر .. ألسنا أمة البلاغة؟. فلماذا نحرس الصمت بعد الآن، ولماذا لا نصدر مذكرة اعتقال بحق صمتنا العربيّ؟. ذلك قانون وجود،وفرضية حياة .. حتى لو أدركنا أنَّ كلّ قلم عليه ألف رقيب .. سنعرف كيف ينبت من الدم الورد، و يفوح عطراً، حتى عندما يتعرَّى الوجع، إرادة أقوى مما قاله الشاعر:(هل في أقاليم العروبة كلِّها رجلٌ سويّ العقل يجرؤُ أنْ يقولَ:أنا سعيد؟). فكيف ترضون أن تكونوا جسراً يمرُّ عليه بائعو دمائكم في سوق النخاسة؟. هل يجب أن نصطدم بالجدار ألف مرة كي نصحو، ثم نهرب لنحصر كل أسباب تخلفنا بغطاء تضعه المرأة على رأسها، بينما إباحة أجساد النساء معيار التقدم؟!. كأنَّ العرب قد فهموا أن الانحلال الأخلاقي هو الكفيل بمجاراة العصر،وهو الكفيل بنزع صفة الإرهاب عن جلودهم. كفى .. فالأمر ليس كذلك!!.

لا أحد سيمنعنا أن نكون عرباً، عندما نحترم أنفسنا، ولن يلومنا أحد لأننا عرب عندما نحترم أنفسنا، عندها سيحترمنا الآخرون رغماً عنهم .. تلك أمة لو فسد فيها الجميع إلا واحداً ستظل صالحة .. صالحة للحياة .. ليست للفاسدين فقط .. إنها الشمس .. لا أحد قادر أن يضعها في جيبه أو يحتكرها .. . لنكتب .. وندوِّن .. ونسجِّل .. ونجري استطلاعاً للرأي بين أنفسنا عن أنفسنا ..

 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1498 الجمعة 27/08/2010)

 

في المثقف اليوم