أقلام حرة

سبعة اشهر من اللاشيء / إبراهيم الغالبي

فلكل رقم مجموعة من الأسرار التي تثير الحيرة و تستفز العقل و تتفاوت الأرقام في كمية أسرارها و بالتالي يتفاوت الاهتمام بها. قبل أيام كثر الحديث عن الرقم (عشرة) لأن تاريخا ميلاديا هو 10102010 لن يتكرر إلا بعد ألف عام بمثل هذا الترتيب، وتناقلت وكالات الأخبار حادثة طريفة تمثلت بولادة طفلة انجليزية في هذا اليوم ولكن يضاف إليه أنها جاءت في الساعة العاشرة والدقيقة العاشرة و الثانية العاشرة صباحا! ومن بين الأرقام الملفتة الرقم (سبعة) الذي يعد من الأرقام المشهورة بأسراره لا سيما في الدين الإسلامي لتكراره في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، ومنها أنه أول ما يذكر في القرآن في سورة البقرة ويعتبر آخر رقم يذكر فيه في سورة النبأ و بين الموضعين سبع وسبعون سورة، ثم أنه يمثل عدد آيات أول سورة وهي الفاتحة، في حين يبلغ عدد السماوات سبعا و الأرضون سبعا وعدد أبواب جهنم سبعة وفي الحج يبلغ عدد الطواف سبع مرات وفي الأحاديث يرد متكررا في مواضع تخرج عن الحصر. الرقم سبعة احتل في حضارات وادي الرافدين قيمة كبيرة وأحيط بقدسية هائلة فتواتر في الكثير من تفاصيل المعتقدات الدينية القديمة تبدأ من المعتقدات السومرية حول الآلهة وعددها والكواكب والأيام و وجوه الحكمة للآلهة و يرمز هذا العدد لدى البابليين إلى القوة والكمال. ولا يكاد يخلو دين أو مذهب من ميزة ما وحضور مقدس لهذا الرقم، فحتى البهائيين يبرز السبعة في تلك الأودية التي يجتازها الإنسان في مسيرة الحياة و يرتكز العرفانيون على سبعة فيوضات عليا، ويمكن مراجعة ما كُتِب من دراسات عديدة تتوفر على أمثلة لا حصر لها. هذا الرقم يحضر في التاريخ العراقي الحديث أيضا ولا سيما أحداثه السياسية الكبرى كانقلاب 177 "تموز" و السابع من نيسان تأسيس البعث وثورة 14 تموز (الشهر السابع) حيث أطيح بالملكية، وفي 17 أيلول ألغى صدام اتفاقية الجزائر التي غيرت مجرى الأحداث السياسية في الشرق الأوسط . وفي 7 حزيران ضربت إسرائيل مفاعل التويثة و بدأت حرب عاصفة الصحراء يوم 17يناير 1991 وحرب إسقاط صدام كانت في 17 آذار والكثير من الأحداث كان للعدد سبعة أو مضاعفاته حضور واضح فحتى بداية احتلال الانكليز كان في عام 1914 ودخلوا بغداد في 1917 وانتهت السيطرة المباشرة في عام 1921 وأول انتخابات أقيمت لبرلمان عراقي كانت عام 1925 (وعلى طريقة باحثي أسرار الأرقام فإن 2+5=7 ) . و من الأمثلة أيضا قرار النفط مقابل الغذاء الذي أنقذ العراقيين فقد صدر في يوم 14 نيسان .. وهكذا لن يجد المرء إلا الحيرة في كيفية سرد الأحداث التي لا حصر لها والمتعلقة تواريخها بالرقم سبعة أو مضاعفاته القريبة. بالطبع لسنا نثق بسحرية هذا الرقم و الأرجح أن توارده محض مصادفة ( ُرى هل تختلف النتيجة؟!) لكن الرقم سبعة لا يبدو أنه سيتكرر في حدث تشكيل الحكومة بعد تفاؤل حذر استمر لبضعة أيام ظُنَّ من خلالها أن الصراع على تشكيل الحكومة العراقية في أكثر مراحل العملية الديمقراطية حساسية سينتهي بعد سبعة أشهر، لكن ما لبث أن تعقد المشهد أكثر فأكثر. فالسبعة أشهر لا يبدو أنها كافية لساستنا اليوم الذين ما زال بعضهم متعطشا لمزيد من التجاذب والتشاحن والتصارع على حلبة البقاء في الكراسي. لا بشرى للرقم سبعة تلوح في الأفق للخروج من مأزق تشكيل الحكومة رغم دخوله أي الرقم سبعة بقوة مؤخرا في أغرب حوادث المناجم في العالم حيث حوصر عدد من العمال لمسافة 700متر تحت الأرض في تشيلي ولمدة 67 يوما .. الخروج من تحت 700 متر أصبح أمرا ميسورا بعد أن حشدت حكومة تشيلي و بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى كل طاقاتها لإجراء عملية إنقاذ مبهرة شارك فيها الجيش الأمريكي و وكالة ناسا لعلوم الفضاء في مشهد لا شك سيوثقه صناع السينما في هوليود عبر أحد أفلام الإثارة المقبلة. إلا أن انتهاء تشكيل حكومتنا المنتظرة التي يصفها الكاتب الأمريكي نيد باركر بأنها كوميديا هزلية يقوم بها مجموعة غريبة من البشر يبدو وكأنه أمر مستحيل ومستحيلات من هذا النوع تعد مخجلة ومحبطة و تترك تاريخا سيئا يود الكثير ألا يُكتب ولا يُقرأ. هناك سبعة أشهر إذن مهدورة من زمننا و حياتنا و تاريخنا .. سبعة اشهر من اللاشيء، وفي الطريق شهر جديد لا يعرف أحد كم سيتبعه!

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1549 الاثنين 18/10/2010)

 

في المثقف اليوم