أقلام حرة

فلسطين .. بين محكمة العدل (الوهمية) وفوهة البندقية / أسماء شلاش.سورية

و دون أن نظن أو لا نظن أن كل الطرق تؤدي إلى فلسطين حتماً..وأن الفراغ العابق برائحة الدم والبارود والانتظار يجب ألا يكون فراغاً اعتباطياً نملؤه بتصوراتنا الشاعرية فقط لنعزي الخيبة لحظة الانكسار.. لحظة لم تعد واحدة..تلك هي فلسطين..عروبة تشتعل لتضيء عروبتنا الباهتة المختبئة وراء الغياب..(فلسطين عربية) تقاوم الجفاف لتمر من خندق الفعل أو من فوهة بندقية قديمة جداً..لكن لم نكن نتوقع كم سيغدو ذلك الصوت العربي جافاً إلى درجة الخذلان، غائباً إلى درجة الموت..ضائعاً في ذاته الضائعة..ولازال ذلك الفراغ عابقاً برائحة الدم والأمل. ولازلنا نشتاق فعلاً أن تبقى فلسطين عربية. لكن هل تأخرنا حقاً بما فيه الكفاية حتى ضاعت فينا أمنية يجب ألا تضيع أكثر من ذلك.. فأين هي فلسطين إذاً ؟. اتفقنا يوماً أنها قضيتنا الأولى ثم انقسمنا على ذاك وانقسمت ملامحها..بين طول التقاضي في الضمير العالمي والضمير العربي!. بين غزة والضفة!..بين فتوى تحرم دخول القدس وأخرى تجيزها!. بين مفاوضات (تنازلات) ومقاومة !. بين قوافل كسر الحصار-التي لم تكن يوماً عربية- والجسد العربي الميت خذلاناً وصمتاً..! بين أولئك الذين يختارون من المصطلحات ما يرضي إسرائيل وبين حجر ثائر يتعثر بصفة الإرهاب..! بين القانون الدولي الذي تفلتُ منه إسرائيل دوماً وتتربع على ناصيته بوقاحة واستخفاف وبين الفيتو الأمريكي الذي يقتل أحلام العرب لتحيا على أنقاضها أحلام إسرائيل. ودعوات خجولة جداً تطالبها بالانصياع ،انصياع لم يتحقق يوماً في أروقة المحاكم الدولية، أو في عمق ضمير العالم، أو حتى في الأحلام الممكنة. وإسرائيل خارج معادلة الجريمة والعقاب!. وليت هذا العقاب يأتي يوماً مادمنا نعيش في زمان (ليت)..!

أين هي فلسطين إذاً؟ هل هي في الحبر الذي يرزح تحت وطأة الخوف والترقب لو فاض بقوة وأفصح؟. أم في رائحة النفط العربي الذي لم يكن إلا وقوداً لحرق العواطف العربية؟. أم في فوح الدم الذي- وحده- غيًّر المعادلات وقلب المعطيات. وأزاح الذل عن ثوب العروبة..وبقي في توهجه حاراً نقياً سخياً..

أين هي عروبة فلسطين إذاً؟ خريطة متواضعة في مناهج الدراسة العربية، وقصيدة تمليها العواطف الثائرة في اللاشيء؟! وهل هي مقولة تختصرها المسميات والشعارات فقط؟. مسميات نعزي بها الذات ،ابتداء بوعد بلفور الذي نسميه (مشؤوماً) أو بقيام ما يسمى دولة إسرائيل والتي نسميها (نكبة) أو بحرب حزيران 1967والتي نسميها (نكسة)..الخ. التسميات تبدو أسهل مروراً إلى فلسطين، وأكثر تأثيراً، لكنه تأثير يشبه (جعجعة بلا طحن). وسنقف مراراً هناك حيث يملي علينا وقار العبارة، وقارٌ مات في أفعالنا..!.(فلسطين عربية )عبارة شعرية ثائرة لم يبق منها إلا نزيف الدم والإحساس..وبقايا في إناء عربي قديم تركه صلاح الدين على حافة المروءة العربية..وفي نظرية العدل التي نراها على الورق..أو لا نراها.. وسنظل نحلم بها أبداً ،مادمنا نحن عاجزين عن إنصاف أنفسنا.. في لحظة ما وقف العالم مذهولاً أمام صورة يقال أنها الصورة التي هزَّت العالم.. صورة تختزل القضية (بطلها طفل فلسطيني) ولا ندري حتى الآن ما درجة ذلك الاهتزاز، وعلى أي مقياس، نقيسه؟ فنحن نسمع به فقط.. والآن لم نعد نسمع باسم محمد الدرة ولا نراه مكتوباً إلا على واجهة مدرسة ابتدائية..! بقي من محمد دمه، وبقي منا شهادة زور.. ولم نعثر على تداعيات تلك الهزات. ولم تخرج المفردات من زمن المجاز إلى زمن الحقيقة..نتكئ على التاريخ ليحاسب المجرمين، لكن الهرب إلى التاريخ لا ينفع دائماً..

وتأخذني الدهشة كلما تمعنتُ بذلك السؤال العجيب على ألسنة المحللين السياسيين والإعلاميين العرب، بماذا تفكر إسرائيل، وماذا تريد ؟؟!! أولئك الذين يسألون كأنهم يقنعوننا من جديد بأن الدم الذي على قميص يوسف هو دمه..! هل هذا السؤال هو مكابرة على الوجع أم مجاملة للخذلان العربي المر جداً؟ فما أقسى ذلك الخذلان الذي لم يكن بريئاً في يوم ما من طعن فلسطين!. ستسألون كثيراً بماذا تفكر إسرائيل، وسوف تتناثر حولكم الإجابات مقنعة تماماً..وستهربون من القناعات حيث تملي عليكم دبلوماسيتكم العقيمة المهزومة. ثم هل قراءة الأفكار -خصوصا إذا كانت الأفعال تدلل عليها- أمر مستحيل؟ وهل نحتاج إلى كل تلك الأسئلة والفرضيات والتنظير لنفهم سيكولوجيا السياسة الإسرائيلية وأيديولوجيتها القائمة على العنصرية والتطرف الأعمى وتسييس الدين وتزوير الحقائق والتاريخ، أم هو اختباء مكشوف وراء الوقت؟ لعبة أخرى لا يتقنها العرب!. جواب ستجدونه في قناعاتكم لو بحثتم جيداً أو في قانون يقول "النتائج محكومة بالمقدمات". فلكل شيء معادلته. وستتسولون الكثير من قرارات الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى..قرارات مطعونة بالفيتو الأمريكي، والصمت العربي أيضاً..  في التاسع من تموز عام 2004 اتخذت محكمة العدل الدولية قراراً يطالب إسرائيل بوقف بناء الجدار العازل أو جدار الفصل العنصري. ومنذ صدور ذلك القرار وحتى الآن والجدار يزداد طولاً يوماً بعد يوم وتزداد معه مساحة الأراضي المقتطعة-وهي من أخصب الأراضي الفلسطينية وأغناها بالمياه- كما ازدادت المستعمرات اليهودية التي يتضمنها مشروع جدار الفصل، والبيوت الفلسطينية المدمرة التي يقوم على أنقاضها، وتزداد معه معاناة الفلسطينيين بقطع شرايين الحياة . بهذا الشكل اعتادت إسرائيل أن تجيب على كل قرار دولي وعلى تساؤلاتكم أيضاً. لكن هل ستجيبون على تساؤلات الذات والتاريخ، وهل لازلت فلسطين تعني لكم ما تعنيه.. إجابة قد تجدون بعضها أو كلها فيما قاله الشاعر:

 

فقصةُ السلام مسرحيّه..

والعدلُ مسرحيّه..

إلى فلسطينَ طريقٌ واحدٌ..

يمرُّ من فوهةِ بندقيّه..

 

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1576 الاحد 14 /11 /2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم