أقلام حرة

الدراما التركية والعصا السحرية

فمنذ وصول هذه الموجة أو الصاعقة إلينا- والتي تصحّ ذكرى مجيئها عيداً وطنياً- والعرب حالهم حال، وكأنّ على رؤوسهم الطير، فالحياة انتظمت على إيقاعها- أي الدراما التركية- وتلوّنت بألوانها المزركشة، فالسم قد يكون في الدسم، وارتبطت كلمة تركية بكلّ عنوان عريض، مثلاً: الموضة التركية حلت محل الموضة الايطالية والتي هي في أغلب الأحيان لا هذه ولا تلك، لابأس فالأقربون أولى بالمعروف، حتى حذاء منتظر الزيدي الذي رمى به الرئيس الأمريكي السابق قالوا بأنّه تركي الصنع، مع أنّ العبرة ليست في الحذاء بل بالرمية؟ والأغاني التركيةالتي لا نفهم معناها تصدح هنا وهناك، و كتب تعليم اللغة التركية في خمس دقائق أو ساعات أو سنوات في المعارض والمكتبات والتي تزامنت مع الإعصار التركي ..؟؟

أما عن مستويات الطلاب في مدارسهم فحدّث ولا حرج فالمنهاج المدرسي صار مسلسلاً تركياً مع هذا الكم الهائل من المسلسلات والتي لا يوجد فاصل بينها، وربّما ستضطر وزارة التربية إلى إدراج الدراما التركية في المناهج الدراسية حتى تضمن تحصيلاً علمياً عالياً للطلاب الذين تراجعت مستوياتهم منذ الغزو التركي الجديد، وربّما نقضي بذلك على ظاهرة الغش في الامتحانات، عسى أن تضاف حسنة إلى مساوئ الدراما التركية الكثيرة، وربما ستضطر أيضاً إلى تخفيف المنهاج- الثقيل جداً بطبيعة الحال- لكي تضمن مشاهدة ممتعة للجيل القادم المفتون بسحر هذه المسلسلات و التي امتلأت دفاترهم بصور أبطالها، بدل أن يملؤوها بواجباتهم البيتية، وصار الطالب يحفظ السيرة الذاتية لمهند ولميس ونور ويحيى وحركة سير المسلسل أكثر مما يعرف عن طارق بن زياد ابن سينا وصلاح الدين وغيرهم من أعلام هذه الأمة، وكأنّ التاريخ كله قد ضاع أمام تفاهة الأشياء؟ وبالتأكيد الدراما التركية لاتملك عصىً سحرية ولا فانوساً سحرياً حتى تكون لها تلك المقدرة العجيبة في التأثير بل هي مثل أيّ شيء عادي يأتي ويذهب دون ضجة كبرى، لكن السبب يكمن في العادة العربية الحاضرة التي من خصائصها الاحتفاء بالتوافه، والحياة من أجل الفراغ واللاشيء، فالعرب ينامون عند انتهاء المسلسل التركي، وقد يحلمون به، ويأتي الصباح وهم ينتظرونه ويقضون بقية اليوم في الحديث عن أحداث الحلقة السابقة وتوقعاتهم عن الحلقة القادمة؟؟؟وهكذا تمضي الأيام العربية...؟؟

والبعض يفسّر إقبال العرب على الدراما التركية بمايلي : إن الشعوب العربية تعاني من نقص وفراغ عاطفيين لذلك وجدوا في المسلسلات التركية ضالتهم المنشودة بما تحفل به من رومانسية وإحساس وعذوبة، والحقيقة أنه عذر أقبح من الذنب، فهل العاطفة أمر قابل للاستيراد حتى نأتي به من تركية أو اليابان؟؟فالعرب كما هو معروف عنهم أمة عاطفية وشاعرية والعاطفة لا تنقصهم أبدا؟؟

والسؤال الذي أودّ أن أطرحه هو التالي : فيما لو عُرضت المسلسلات التركية في مجتمع آخر غير المجتمع العربي، فرضاً في فرنسا أو أمريكا أو ماليزيا، فهل سيكون لها التأثير ذاته في هذه المجتمعات؟وهل ستحدث حالات طلاق بين النساء من أجل شخصية مهند العظيمة جداً؟وهل ستغير النساء أسماءهن إلى اسم لميس كما حدث في السعودية مثلا؟وهل ستقام الولائم احتفالا بولادة لميس كما حدث في الأردن؟؟؟؟؟؟ وهل سيطلق الرصاص ابتهاجا بخلاص نور من عابدين؟؟؟وهل وهل وهل وهل؟؟؟ وقائمة الأسئلة طويلة لا تنتهي؟

إنّ هذه الحوادث غريبة حقاً ومخزية ولم أجد لها أي تفسير والمشكلة أن الذين يمارسونها هم الكبار وليس الصغار؟؟ ولا أعتقد أنها تحدث إلا عند العرب – عرب اليوم – وبكل أسف، مما يدل على مدى السطحية وهشاشة السلوك والوعي؟؟وهذا لايحدث حتى في أكثر المجتمعات تخلفا لأنه ماركة مسجلة باسم العرب؟

وأودّ هنا أن أفصل بين الدراما التركية وبين تركية كدولة متقدمة وعصرية ولها مكانتها الحضارية في العالم إضافة إلى ارث حضاري وتاريخي، ومجتمع مسلم محافظ، حتى وإن كان نظام الحكم فيها علمانياً، والمسلسل الدرامي لا يعطي الصورة الحقيقية لكل شعب، فغالباً تظهر المرأة في المسلسلات العربية على أنها امرأة مدخنة مستهترة تحب الرقص والسهر واللهو؟ وهذه الصورة بالتأكيد ليست هي الواقع وإن وجدت ...

أخيراً : نحن أمة لها ماض مجيد وارث حضاري ضارب في الأرض، لنحترم ولو مرة ماضينا ونحترم أنفسنا أيضا لنكون جديرين بالحياة ولنكون خير أمة كما شاء لنا الله تبارك تعالى ....

 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1146  الاحد 23/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم