أقلام حرة

العروبة علامة فارقة .. من أردوغان إلى غولدستون

 صلاحيات من المفترض أن يمارسَها العربُ ولعلّ هذا من أعاجيبِ زمن ٍ لانستغرب فيه شيئاً حتى جاءَ موعدُ تقرير ريتشارد غولدستون ليدلل على هذه الحقيقة المرة ويشكّلُ امتحاناً سهلاً لعروبة البعض، وغولدستون هذا سبقه آخرون مارسوا اختصاصاً عربياً بحتاً، وكيف ننسى ما فعله أردوغان ..؟ ولعلّ سخريةَ القدر وحدها التي تجعلُ ريحَ (الصبا) التي تغنى بها الشعراءُ العرب القدامى تغيّر اتجاهها وتتخلى عن (رقتها) العربية .. فنغدو بعد حين مقدمات (طللية) بصيغة (عصرية) وليست كذلك ..؟؟ فما الذي يدفع غولدستون صاحب التقرير الشهير حول جرائم إسرائيل في غزة أن يكون ملكياً أكثر من الملك ..؟؟ في الوقت الذي تآمر فيه أصحاب الشأن على شأنهم ثم تراجعوا باستحياء عادي عن ذلك أمام صحوة ليست باكرة ليعيدوا التقرير إلى أروقة الأمم المتحدة للتصويت بعد أن قاموا بتأجيل التصويت عليه ..؟؟ فهذا الرجل أبدى عروبة أكثر من العرب .. وعلى الضفة الأخرى نجد بين أبناء عروبتنا العتيدة من هو يهودي أكثر من اليهود أو أمريكي أكثر من الأمريكان حتى اختلطت علينا الأشياءُ والأسماءُ والألوانُ ولم نعد نفرّقُ أحياناً بين خطاب جورج بوش الرئيس الأمريكي (السابق) وخطابات بعض من أبناء العروبة، بل ونجدهم أحياناً أكثرَ تطرفاً وأشدّ جلداً حين يتسابقون أمام الكاميرات لشتم عروبة الذات التي غرسوا في خاصرتها ألف سكين وسكين لنيل رضا عدوّ لا تزيده التنازلاتُ والمجاملاتُ إلا وحشية ً ..؟؟

أمريكا صوّتت ضدَّ تقرير غولدستون كعادتها (طبعاً) .. والسبب وكالعادة (طبعاً) حرصها الشديد والشديد جدًا على السلام .. وسلام أمريكا هذا يشبه انفلونزا الخنازير حيث يرى الكثيرون أنها أمريكية (الصنع) ثم نجد ان أمريكا نفسها تصنعُ الدواءَ كما تصنعُ الداء ..؟؟؟؟؟؟ أمّا نحن العرب علينا أن نفكرَ كيف نصنعُ دواءً جامعاً لأمراض لا حصرَ لها أصابت كاهلَ العروبة .. لأنَّ الماضي الذي نتغنى به كثيراً ربّما سيسحبُ ترخيصه منا ونحن نعيشُ حطاماً فوقَ حريره .. أو نقفُ فوقَ أطلال العروبة نبكي زمناً قد يعودُ (لوعدنا) بعد فاصل طويل من الركود، فهل علينا صنعُ التفاتة بسيطة إلى الخلف لترميم عروبة الذات وتجميلها أو الوقوف على الباب الخلفي للتاريخ لكي نستجدي عطفَهُ خاصة في ظلِّ هذه الظروف- التي نسميها دائماً مصيرية- وفي زمن يحاولُ الكثيرون تجميدَ انتمائهم العربي خجلاً من عار يلاحقهم اسمه العروبة التي نُفيت إلى مستحيل فعل جميل ننتظره منذ عصر صلاح الدين ونسأل إلى متى ونحن نستذكرُ مقولة طارق بن زياد ، لكنَّ العدوَّ لم يعد من الأمام أو الخلف بل من الجهات كلِّها .. نقفُ نتأملُ صبرَنا الذي سئمَ (صبرنا) ونحن نرى إسرائيل بعنصريتها تستفز مشاعرنا بكلّ وقاحةٍ باعتداءاتٍ لا تنتهي على حرمة الأقصى وحفر الأنفاق تحته، وتهويدٍ مستمرٍ لمدينة القدس دون أن يرفَّ لنا جفنٌ سوى غضب مستعر تآخى مع الزمن حتى صار فعلاً روتينياً نمارسه باعتياد، فهل وقفت إسرائيل عن ذلك يوماً أو استقالت أمريكا عن مجاملة الجلاد وفرض حصانة عليه بوسائلها المعتادة كالفيتو وسواه؟؟ تلك أمريكا التي لم نجهلْها يوماً، بلد الحريات الاستعراضية الجوفاء وقرارات الحرب الاستباقية .. هي التي أعادت العراق إلى العصور الوسطى حسب التصنيف الغربي و بحسب التصنيف الواقعي إلى عصور ما قبل التاريخ ..؟؟فهل سينطقُ التاريخُ ويتكلمُ بفصاحة أكثر .. وهل ننتظرُ معجزةً في زمن ٍ انتهت فيه المعجزاتُ والأساطير ..؟؟ وإذا بدونا متفائلين برحيل بوش وقدوم خليفة أقل وطأة منه تحت مقولة عربية:(أمران أحلاهما مرّ) هل نجهل ونتجاهل ونتناسى ..؟؟ ثم نجد الواقع يطعن تفاؤلنا ونقولُ مرة أخرى تلك أمريكا وهل يستقيلُ الذئبُ عن صيدِ الخراف ..؟ الجواب حتماً (لا) للتفاؤل الحذر، و(ألف لا) للتشاؤم الواقعي ..؟؟ فقد كان العرب يراهنون على أوباما وكأنّ انحسارَ الشرّ أو امتداده مرتبطٌ برحيل شخص أو بقائه .. ونحن العرب نؤمن تماماً أنّ رجلاً _لأب مسلم ينتمي إلى فئة لاتزال مضطهدة للونها فقط_ لن يغيّر شيئاً مادام العالمُ تديره الغرفُ السرية وملوك الظلام ..؟؟ وإذا كان أوباما ينتمي إلى حزب وبوش إلى حزب آخر، فهل يغيّر الانتماء الحقائق ..؟؟ وهل سيقنعنا خطابُ أوباما إلى العالم الإسلامي من القاهرة وأنقرة؟؟ أم هي ليست إلا بياناتٍ خطابية متأخرة لإظهار فلسفة الاختلاف النظريّ بينه وبين سلفه بوش .. وذلك هو الفرق بين النظرية والتطبيق .. التطبيق في (الشر) والنظرية في (الخير) .. خيرٌ أم غيثٌ أم كلامٌ على بياض ٍ يأتي دائماً مصحوباً برعود من دون مطر .. ثم ينالُ أوباما جائزة نوبل للسلام، ونتساءلُ بسذاجة الأطفال أيُّ سلام هذا والدمُ ليس (أربعاءً) فقط ، بل أسبوعاً يدورُ فيه الدمُ دورته من أفغانستانَ مروراً بالعراق وصولاً إلى فلسطين ..؟؟ وفي كلّ يوم يدقُّ ناقوسُ الخطر مسامَعنا التي غلفها الطينُ .. .؟؟ تلك هي أمريكا التي لا تغيّر نفسَها .. وبجوارها تقفُ إسرائيل التي تشبهُ (نفسها) دائماً، وبمحاذاتهما يقفُ المجتمعُ الدولي الذي يحفظُ ودّهُ للأقوياء في أغلبِ الأوقات .. ونحن العرب من نكون، وكيف نكون، وكيف نغيّر أنفسنا ونثورُ على ملحمة الركود حتى لا يأتي من لا يحمل الدم العربي- الذي نحتاجه- ويمنحنا درساً قاسياً في فنِّ العروبة، فهل نبصرُ الطريقَ إلى أنفسنا أم ستبقى أفعالنا بحقِّ عروبتنا جناية تسقطُ بالتقادم ..؟؟

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1225 الاربعاء 11/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم