أقلام حرة

في الشدائد والمحن تُكرم الجيوش وتهان المليشيات!!

محمود محمد عليتعد الجيوش درع الشعوب وسيف الأمم، وواهم من يعتقد أن الجيش هو فقط كيان رمزى تعتز به الدولة وتستعرض قوتها به فى المناسبات والاحتفاليات، فالجيش (كما قال مصطفي الفقي) هو استثمار شعبى طويل المدى لحماية المصالح العليا للبلاد والدفاع عن حقوقها فى عالم يموج بتيارات متضاربة وأمواج عاتية تعتبر نقلة نوعية هائلة فى العلاقات الدولية المعاصرة على المستويين العالمى والإقليمى. ولم يكن الجيش يوماً مجرد أداة للحروب بل كانت المؤسسة العسكرية نواة للتنمية الشاملة وقاطرة التحديث بالمجتمع والبوتقة التى تنصهر بها كل الخلافات لتحقيق الاندماج الوطنى واليد القوية.

وفى ظل التطور السريع فى تكنولوجيا السلاح على مستوى العالم، أخذت الدول العربية التي لها جيوش وطنية تستوعب جميع أنواع السلاح وتتعامل معها بمنتهى الدقة، بل إنها تستوعب التكنولوجيا بشكل سريع وقادرة على تطوير السلاح للتعامل مع المهام العسكرية المحددة، وذلك عن طريق تطوير الفكر العسكرى للضباط وضباط الصف والجنود الذين يتعاملون مع تلك المنظومات المختلفة، وذلك من خلال الدورات التدريبية فى الداخل والخارج، لنقل واستيعاب التكنولوجيا العسكرية التى تتطور يوماً بعد يوم.

وعندما هبت رياح ثورات الربيع العربي على  تونس ومصر وليبيا وسوريا ومعظم الدول العربية في نهاية ديسمبر 2010 ، والتي أصابت عواصمها حُمى التغيير، تلك العواصم التي عانت من حكم كان له ما له وعليه ما عليه أيضاً من مظاهر فساد كانت سبب في ايغار صدور الشباب العربي ، واستغلال نقاءه وحماسه في الخروج إلي ميادين الحرية بكافة العواصم العربية للمطالبة بالتغيير ، وهو الآمر الذي كان ظاهرة الرحمة ولكن باطنه العذاب (وذلك حسب قول محمود البدوي في مقاله بالجمهورية أون لاين إنه جيش الكعك والمكرونة !! ).

فلا يخفي على أحد الأن وبعد مرور سنوات كانت وبحق كاشفة لحقيقة تلك الثورات التي تم استغلالها في تحقيق مخططات إسقاط الأنظمة العربية وهدم جيوشها الواحد تلو الآخر ، ثم إعادة تقسيم تلك الدول على أسس عرقية وطائفية وايدولوجية ، وهو ما تم فيه استغلال هذا الشباب ومطالبة المشروعة في مستقبل أفضل ، تلك الثورات التي كان وقودها دماء الأنقياء ، وحصد مكاسبها الخبثاء الذين استخدموها لتحقيق أهدافهم مدفوعة الأجر من بعض أجهزة مخابرات القوي العظمى ، وبعد أن نجحوا في تأجيج الصراعات والنعرات العرقية والطائفية دخل كافة العواصم العربية ، وما تبع ذلك من إحاطة المنطقة العربية بحزام ناري من الصراعات بين أبناء الشعب الواحد ، حتي صارت بعض تلك الدول مرتع وملاذ أمن للجماعات الإرهابية والتكفيرية المتشددة وما تعتنقه من أفكار هدامة.

وإزاء كل هذا لم يكن أمام المؤسسات العسكرية في الدول العربية إلا اختيارات تاريخية صعبة الآن: إما أن تحمى الشرعية القائمة أو تتدخل لصالح تعديل المسار بالانحياز إلى الجماهير أو تقف موقف الحياد؟

ففي مصر والجزائر والسودان ودول عربية أخري انحازت المؤسسة العسكرية إلي الشعب بعد أن سيطرت عليها في ساعة غفلة جماعات الإسلام السياسي ، والتي سعت الي تكوين ميليشيات مسلحة مناصرة لها على غرار حزب الله  ، إلا أن هذا المخطط كُتب له الفشل بعد أن ثارت الدول العربية على فاشية جماعات الإسلام السياسي ، وخرج شباب الوطن في حماية جيشة الباسل وشرطته الوطنية ، ليطالب بسقوط تلك الجماعات ، وبعد أن هددت قياداتها ومشايخ الضلال من اتباعها من فوق منابر الإرهاب بأنهم سيحرقون الوطن وأهله في سبيل تحقيق مشروعهم ، وهنا كان الجيش الوطني الباسل هو الحامي للإرادة الشعبية العربية الرافضة لأطماع جماعة الإسلام السياسي ، والتي لا تعرف للوطن قيمة ولا حتى تؤمن به وذلك حسب قول محمود البدوي في مقاله بالجمهورية أون لاين إنه جيش الكعك والمكرونة !!.

وبالفعل ثبت أن السلام لا يصنعه إلا القوة .. والأمن والأمان لا يتحققان إلا بقدرة الحفاظ على مقدرات الوطن وسلامة شعبه والدفاع عن مصالحه الاستراتيجية على كافة المحاور وكل المستويات .. والدولة القوية تمتلك ناصية القيادة والتفاوض والحفاظ على حقوق شعبها. وبالتالي فـ«لا سلام بغير قوة، ولا قوة إلا لمن يمتلكون السلاح، والقدرات العسكرية المختلفة، برا وبحرا وجوا، أولئك هم القادرون على النهوض بالدولة القومية.

لقد ثبت أن الجيوش الوطنية تساهم في صنع منظومة السلام ؛ فلم تعد مهمة الجيوش هي فقط الدفاع عن الأرض وحماية الحدود من أية مخاطر فقط .. ولكن أصبحت الجيوش بحكم الدساتير هى المسئولة عن حماية الدولة المدنية والحفاظ على مكتسبات الشعوب وحقوق وحريات الأفراد  والديموقراطية .. من هنا كان لابد للدول القوية أن يكون لها جيوشاً وطنية بحيث يكون في امكانها امتلاك كل مقومات الردع وآليات التفوق والحماية الكاملة للدولة ، فالدولة التي تملك جيشا قويا تكون محمية ويكون شعبها وثرواتها في استقرار لكونها تملك الأمن والأمان .

ففي الأزمات تسعي الدولة القوية من خلال جيشها إلي التطوير ورفع الكفاءة القتالية وزيادة قدرات الجيش وتنفيذا لسياسة القيادة السياسية ورؤية القيادة العامة للقوات المسلحة، وذلك لإظهار قدرة فائقة ويقظة تامه، واستعدادا عالياً على تنفيذ أية مهام جواُ وبحراً وأرضاً، تكلف بها قواتنا المسلحة فى أى وقت وتحت أى ظرف. أما الدولة التي لا يوجد بها جيشا  يحميها فإنها تكون عرضه لسيطرة الميلشيات ، ومن هنا تعم الفوضي والسلب والنهب والتخريب .

إن الدولة القوية من خلالها جيشها تملك مناورات تظهر لكل من يعتدي عليها قدرة فائقة على ردع كل من تسول له نفسه المساس بسلامة الدول التي تدعوا جيوشها من خلال أبطالها الذين أقسموا على أن يحموا بأرواحهم وأجسادهم هذا الوطن وشعبه العظيم .. لذلك كانوا على أعلى درجات الجاهزية والاستعداد لتنفيذ المهام فى أقل وقت ممكن وأظهروا مهارة عالية فى التنفيذ ودقة متناهية فى الأداء . أما الدولة التي بها ميلشيات فلا تملك ذلك.

كذلك في الدول القوية يظهر التنسيق الواضح والدقيق في ساعة الأزمات بين كل الأسلحة المشاركة فى الحرب فى أداء يعكس قدرة الجيش على أداء مهامه بكفاءة عالية ويوجه رسالة قوية الى أن جيش تلك الدولة قادر على الدفاع عنها وعن مصالحها ومكتسبات شعبها ومصالحه ومواجهة الارهاب ومن يرعاه. أما الدولة التي به ميلشيات فلا تملك ذلك.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم