أقلام حرة

مصریو الیوم لایدخلون الجنة.. لعنة الفراعنة والنهر المقدس

محمد سعد عبداللطيفنظر المصريون إلى النيل بعين القداسة، واستخدموا مياه النهر للتطهر ولأداء الطقوس الدينية وغسل الأموات ۔.

وبرز تقديس النيل من خلال حرص المصري على طهارة ماء النهر من كل دنس، كواجب مقدس، ومن يلوث هذا الماء يتعرض لعقوبة (انتهاكه غضب الآلهة في يوم الحساب) وظلت هذة العادة حتي وقت قریب بالطهارة والإستحمام فی النهر،

وعثر علی نص قديم فی "کتاب الموتي "،  إلى أن "من يلوث ماء النيل سوف يُصيبه غضب الآلهة"، وکان فی الإعتقاد القدیم عند المصری، في اعترافاته الإنكارية في العالم الآخر ما يفيد عدم منعه جريان النهر، وعُثؑر علی جدار مقبرة فی أسوان جنوب مصر "لم أمنع الماء في موسمه، وعدّد صفاته أمام "الإله" من بينها "أنا لم ألوث ماء النهر...لم أمنع الفيضان في موسمه...لم أقم سدا للماء الجاري...أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى".كان الاغتسال بماء النيل ضرورة حياتية مصرية كنوع من النظافة والتطهر البدني والروحي، وهي عملية تحمل معنيين، فعلي ورمزي، في وجدان المصري، أما الفعلي فهو يشمل نظافة الجسد والملبس والمأكل والمسكن فضلا عن التطهر كضرورة لتأدية الطقوس الدينیة .وقد عبر عن ذلك الفنان (إدوار لیر) فی القرن التاسع عشر " فی لوحة فنیة بالقرب من أهرامات الجیزة تجسد فیضان هذا " النهر العظیم " کما جاء فی تعریف اسم نهر النیل،، النهر المقدس،،

"فليحيا الإله الكامل، الذي في الأمواه، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها، إنه يسمح لكل امريء أن يحيا، الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر"، ترنيمة دوّنها المصري القديم في نصوصه الأدبية تبرز قدر عرفانه لنهر النيل، جاعلا منه (الإله الخالق لمصر، واهب الحياة والخُلد لها منذ القدم.)

أدرك المصريون أهمية النيل منذ عصور موغلة في القدم، فاجتهدوا في ابتكار طرق تهدف إلى الاستفادة من مياه النهر وتنظيم الري وحفر الترع لزراعة أكبر مساحة ممكنة من أرض الوادي، ولم يبالغ العالم الفرنسي " جاك فاندي " في دراسته "المجاعة في مصر القديمة" عندما أشار إلى أن "النيل هو الأساس الذي اعتمدت عليه الحياة المادية والاجتماعية في مصر". وقد عاش المصریین علی ضفتي النهر ودلتاه من تجمعات سکانیة بالقرب من ضفتی ونسجوا منه قصص الحب والأساطیر والعشق ۔ورتبط اول تقویم للعام ارتبط بفیضان النهر وإنحساره،، وتعلموا الزراعة وکان النیل هو شریان الحیاه التی ارتبطت بالحضارة القدیمة ومع بدایة عصر " محمد علی " عام 1805م إهتم بالنیل واقام مشاریع علیة من حفر ترع وقناطر وسدود، وکان التحدي الکبیر بعد ثورة یولیو 1952 م فی بناء السد العالي لحمایة البلاد من خطر الفیضانات والمجاعات وتنظیم النظام الزراعی بما یعرف الدورة الثلاثیة التی ارتبطت بالفکر الإشتراکي فی الإصلاح الزراعي ، ارتبط نظام الحقبة الناصریة بعلاقات قویة مع دول حوض النیل وبعد وفاة الزعیم / جمال عبد لناصر بدأ نظام جدید بعد حرب أکتوبر عام 1973م فی الإبتعاد رویدا رویدا، وتدهور العلاقات مع دول المنبع، وخلافات بین " السادات ورٸیس وزراء أثیوبیا، بسبب دعم مصر لثوار أریتریا والصومال فی فترة السبعینیات من القرن الماضي والنزاع مع الصومال وأثیوبیا فی حکم / الرٸیس سیاد بري ومساندة مصر للصومال ضد أثیوبیا ۔۔ ۔ومع بوادر الإتجاة السیاسة الخارجیة المصریة ناحیة الغرب، تقلص دور مصر فی دول الحوض الأفریقي، والإحتضان فی أحضان أمریکا کما قالها السادات (أن 99% من أوراق اللعبة فی ید الأمریکان) لنعیش نفس الحلم مرة أخري وأن نضع ملف المیاه فی ید الامریکان لحل مشکلة ما یعرف بأزمة مشروع "سد النهضة " وفی الحقبة المباركة من حکم مبارك، تدهورت العلاقات المصریة عقب محاولة الإغتیال لمبارك فی العاصمة الإثیوبیة (آدیس آبابا) وظلت مصر بعیده عن محیطها الأقلیمي وعمقها الإستراتیجي للأمنها القومي ۔۔وإسناد ملف المیاه لجهاز المخابرات المصریة فی حکم مبارك ۔،  بالإضافة إلى ذلك، تأثرت مصر بتغير المناخ، والذي يؤثر على كامل حوض النيل. ومن المرجح أن تزيد التطورات الاقتصادية في دول المنبع والتدابير التي قد تتخذها للتكيف مع تغير المناخ الضغوطات على موارد المياه في مصر. فقد أظهرت العديد من الدراسات أن النيل شديد الحساسية لتغيرات درجات الحرارة وهطول الأمطار، ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض معدل الجريان/ هطول الأمطار بنسبة (4%). وبدأ التفکیر فی البداٸل فی حالة مدة تخزین السد فی أثیوبیا، فی الزراعة باري بالغمر وزرع محاصیل لا تعتمد علی المیاه الکثیرة،

وللتغلب على نقص المياه، تعتمد الحكومة على تقنيات إعادة استخدام المياه، وخاصة بالنسبة للري. وحالياً، يتم استرجاع 10% من مياه الري باعتبارها مياهاً للصرف الزراعي. فقد بلغت كمية مياه الصرف الصحي المعاد استخدامها 2 مليار متر مكعب في عام (2017م) وتخطط الحكومة لتحديث محطات معالجة مياه الصرف الصحي الثانوية الحالية لتوفير ما مجموعه (11,67 مليار متر مكعب) من المياه من خلال معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها. ومع ذلك، فإن التقنيات المستخدمة في هذه المحطات تعتمد بكثافة على الطاقة ولا تناسب دوماً البلدان النامية نظراً لأمور اجتماعية واقتصادية.، فمن المحتمل ألا يكون إعادة استخدام مياه الصرف الصحي للاستخدامات المنزلية مقبولاً من قبل المستهلكين في المنازل في مصر، ناهيك عن استخدامها كمياه للشرب. وعلاوةً على ذلك، فإن تقنيات معالجة المياه هذه ليست اقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك، فيمكن أن تؤدي المعالجة غير السليمة وإعادة استخدام المياه المعالجة ذات النوعية الرديئة إلى تلوث التربة وكذلك تلوث المياه السطحية والمياه الج وقد التزمت الحكومة مؤخراً بتوسيع استخدام الطرق الطبيعية مثل تقنيات معالجة الأراضي الرطبة وتربة طبقات المياه الجوفية، والمعروف أنها ذات كفاءة عالية وفعالة من حيث التكلفة. وقد طرح أخیر فکرة تحجیر الترع والمجاري الري الصغیرة بمواد خرسانیة للحفاظ علی الفاقد ۔ من عملیات الري البداٸیة،،

مما يتطلب "وعياً مائياً جديداً" بين المواطنين يعترف بأن تجاوُز مرحلة الندرة مسؤولية الجميع، سواء مزارعين أو شركات أو قطاع عام أو أفراد.

تتوقع الأمم المتحدة أن تعاني مصر من شح المياه بحلول عام 2025.م وبافتراض استمرار نمو السكان ومراعاة مشاريع استصلاح الأراضي في الصحراء وحقيقة أن أكثر من 50% من الحبوب المستهلكة مستوردة بالفعل، فلا يمكن لمصر تلبية الطلب على الغذاء من خلال الاعتماد على مياه النيل للري. وإضافةً إلى هذا الوضع غير المستقر، يُعتقد أن تبخر المياه السطحية في (بحيرة ناصر) يتجاوز الكمية المقدرة السابقة. يبلغ متوسط معدل التبخر الحالي 7 ملم، ومن المتوقع أن يصل إلى 7,3 ملم بحلول عام 2050. وبعبارةٍ أخرى، تستخدم مصر بالفعل معظم تدفقات نهر النيل، وتخطط لاستخدام المزيد. ووفقاً لوزارة الموارد المائية والري، فإن هناك عجز في الميزانية للمياه يبلغ حوالي 19,5 مليار متر مكعب وقد تم منع مناطق العام الماضي من زراعة محصول الأرز، علی الدولة المصریة اتخاذ إجراءات صارمة من حالات التعدي علی حرم النهر، ومخلفات المصانع والمراکب والبناء والتعدي علی ضفتي وحرم النهر فی کل أنحاء مصر ۔ قبل أن تحل علینا لعنة الفراعنة ۔ بعد أن تبوؑل کل الشعب المصري فی النیل المقدس ۔

 

محمد سعد عبد اللطیف 

کاتب مصري ۔ وباحث فی الجغرافیا السیاسیة

 

في المثقف اليوم