أقلام حرة

هل عندنا ثقافة؟!!

صادق السامرائيتساءلت مرارا وكتبت كثيرا عن الموضوع، والجواب أن المجتمعات البشرية أيا كانت وكيف كانت وعاشت لديها ثقافاتها وآلياتها التفاعلية مع ذاتها وموضوعها وتحديات محيطها، ووفقا لإستجاباتها تؤسس لثقافاتها المتنوعة المتألقة التي تمازجها إرادة الدوران، فتجددها وتصقلها وتبدلها، وتمنحها قدرات التواكب والتفاعل مع مكانها وزمانها الذي ستكون فيه.

فالثقافة كالنهر الجاري المتدفق التيار، المشحون بالأمواج العازمة المتوثبة نحو تدفقات متواترة متواصلة متداخلة، ومعبرة عن كينونة ذات آفاق متسعة التطلع والإدراك.

والمجتمعات الإنسانية اليوم تعيش في عصر العولمة الثقافية، ونحن لا نزال نتحدث عن تأصيل الثقافة التي صارت إنسانية، فهي لا شرقية ولا غربية، لأن البشرية تذوب في وعاء يتصاغر يوما بعد يوم.

فعلينا أن نخرج من هذه الإقترابات التي تستنزف طاقات الأجيال، فما نحتاجه هو التفكير العلمي والمنهج العلمي والبحث العلمي، بعيدا عن آليات تعطيل العقول ونبش القبور والعيش مع الأموات، وكأن الأحياء بلا قدرة على ممارسة الحياة.

فالثقافة الإنسانية محيط البشرية المتجدد، فعلينا أن ننهل منها ونكوّن فيها تيارات بأمواج رافدة، ومساهمة بصناعة التيار الوثاب المتدفق، بالتفاعل العلمي الإبداعي المعطاء.

ولكي نؤسس لثقافة ذات قيمة حضارية معاصرة علينا أن نعيد للكلمة قيمتها وإعتبارها ودورها في حياتنا، فما دامت الكلمة مجردة من الفعل وغير مخبرة عن عمل، فلا أثر ولا معنى لما نكتبه ونقوله، لأنه يتحول إلى مجرد كلام، وما أرخص الكلام وأكثره في مجتمعاتنا التي تحسبه العمل، فالقول العمل وفقا لأوهامنا التفاعلية.

وقد أسهم المفكرون العرب منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم ولا يزالون في تصفيد الأجيال برؤى وتصورات، ومصطلحات وتحليلات وتفسيرات وتأويلات سلبية تعزز الفقدان والخسران والإنكسار والشعور بالخسران، والقبول بما هو كائن والتغني بما كان، ومنعهم من التفاعل والإتيان بما هو جدير بالحياة الأفضل للإنسان.

نعم لقد أسهم المفكرون العرب بتعويق أمة العرب، وما إستطاعوا على مدى أكثر من قرن ونصف بوضع مناهج حضارية تساعدها على الخروج من كبوتها الحضارية، فهم يبررون ويسوغون ويتوهمون بأنهم يفكرون، ويلقون باللائمة على الكراسي وغيرها من القوى الفاعلة في المجتمع، وهم الذين عجزوا تماما عن إنساء تيارثقافي يصنع التغيير الإيجابي، ويحرر المجتمعات من قيود التداعيات والتفاعلات الإستنزافية الإلهائية التي تخرجها من سكة زمانها ومكانها.

فأقصى ما إستطاع بعضهم أن يؤسس الأحزاب التي دمرت وخربت وأسهمت في تعطيل الحركة وتدمير مناهج الحياة.

وعليه فلا يمكن الحديث عن ثقافة ما دام المفكرون عاجزون عن الإتيان بمناهج عمل قادرة على صناعة التغيير، ووضع الأجيال على سكة النهوض والإنطلاق الإبداعي المنير.

وكأننا نعيد ذات الطروحات التي تناولتها الأقلام في بدايات القرن العشرين، فلماذا لا نتعلم ونمتلك الجرأة والشجاعة على مواجهة عاهاتنا الإدراكية وإنحرافاتنا التصورية والتحليلية، وهذا الهذيان الذي نسميه فكري وما هو إلا نقل أعمى ومعوق لنظريات نشأت في مجتمعات أخرى ونمعن بتطويعها لتفسر ما فينا وعندنا، وبهذا نعتدي على جوهرنا وذاتنا الحضارية.

ويبقى السبب الحقيقي الذي نغفله ونتجاهله، هو المنهج العلمي، العلم العلم يا أمة " إقرأ!!

فلا يجوز لنا أن نتحدث عن ثقافة ونحن ضد العلم ونقبع في أقبية النقل الهلاّك!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم