أقلام حرة

فلسطين والمطبعون

قاسم محمد الكفائيالمقدمة: أحيانا أتريث بتقديم مقالتي للنشر كي أقتنص معلومة أضيفها ما بعد الحدث الذي تهتم به وسائل الإعلام لأزيِّن بها مادتي حال تقديمها للنشرعلى وسيلة إعلامية محترمة فيتناولها القراء بشغف وحسن تفهم. في هذه المقالة سأنوِّهُ عن هذه المعلومة التي إطَّلعت عليها توا. إنتهت. 

مرَّت على قضية فلسطين عدت نكبات منذ احتلالها عام 1948 والى اليوم. المؤسف في هذه المرحلة التي تعيشها القضية الفلسطينية أنها بلغت نتائج خطيرة ليس من باب المصادفة وإنما مخططٌ لها ومدروس منذ احتلالها. فمن أصعب العقبات والنكبات أن المشاركين بطمس هذه القضية هم بعض الحكام الرجعيين المحسوببن على العرب والعروبة حتى توهموا بقدراتِهم ومكرهِم من أنهم قادرين على شطب عروبة فلسطين وطرد شعبها منها نزولا عند رغبة الصهيونية وأمريكا والغرب. هؤلاء الأذلاء اجتمعوا على مائدة الخيانة بدافع الخوف والحفاظ على العروش المتهالكة فانحرفوا وفق حسابات غير صحيحة ولا ينبغي لها أن تكون ماداموا هم يدَّعون العروبةَ والإسلام.

خلاف ما هم يفكرون ويحسبون فإن حسابات إسرائيل لا تعنيها مصلحة الأنذال ولا تحترمَهم كما تحترم بالسر وما يخفى قادةَ المقاومة والأحرار. فالعدو يكنُّ لخصمِه العداء على أساس المنافسة على الوجود لكنَّ له رأيا صائبا ومعقولا عندما يشارك نظيره الآخر من هو النذل ومن هو صاحب الكرامة. بهذه المعادلة خسِرَ المتوهمون من الرجعيين العرب أن ضفةَ الأمان هي إسرائيل.

التطبيع بالمفهوم الإنساني هو حالة صحية يمكن ممارستها والتعاطي بها بشيء من الشفافية والتسامح وإصلاح ما فسد بين دولتين أو فريقين فريقين فتعود العلاقة طبيعية وتنتهي القطيعة بالتراضي بعد تطبيع كل الإشكالات. هذا التفسير يتناسب مع فريقين ظهر بينهما خلاف أواختلاف ليس فيه خدش للذات الإلهية، أو يمس قيم الدين، أوالسطو على الملك العظيم – الوطن –، وتهديد العرض والهوية.على هذا النحو فإن التطبيع يصير تمردا على الشرعية، ومخالفا لقيم الذات الإنسانية، ويصير خيانة عظمى ترفضها قيم السماء ومَن على الإرض. فقراءة مفهوم التطبيع بالمقلوب يفضي الى الإنحراف في السلوك السياسي والقيمي، ويجعل طرفا يتفوق على الآخر ببعد السماء عن الأرض، فيضيع العدل وتختفي كل المفاهيم الإنسانية. هذا التفسير يوضح مدى خطورة تلك القراءة المقلوبة التي اعتمدتها زمرة من البدو الجهلة، الذين امتُلأت جيوبُهم بالمال، وأفُرِغَت عقولُهم من سعة الذهن عند التفكير، وخويت أرواحُهم من قيم الدين، وتبددت في ذواتهم صفةُ الكرامة وعنفوانُ العروبة وشيمُ الرجولة. لقد إعتمد حكام الإمارات أن يكون مشروع التطبيع مع إسرائيل هو خلاصُهم من الخطر القادم، وهو عمادُ مستقبلهم من أجل البقاء على عرش الإنبطاح.

تأسست دويلة الإمارات في 2 ديسمبر من عام 1971 بترتيب إنجليزي محسوب فكبرت بالنفط، وترعرت ومازالت بسيطرة المخابرات العالمية على كل مؤسساتِها وإداراتِها بالسر تتحرك وفقَ مصالحِ الغرب. فالقرار لها أولا، يخرج منها ليُعلن على لسان ذاك البدوي الأجلف الذي تربَّع بهيئة أمير.

ولما سَرَت الهيمنةُ الإنجليزية على أهم مواقعِها فمن البديهي أن القرار يكون لها ويكون الأمير مجرد دمية تسر الناظرين، ليس إلاّ. بهذا اللون من البشر وبهذه الشرذمة إبتُليت الشعوبُ وضاعت الحقوقُ وأربَكت الأمنياتُ وتعطلَ تحقيقها في فلسطين التي تهفو اليها أرواحُ الأحرار أن تكون حرةً وأرضُها مزدهرةَ بأهلها.

فمن عجائب الدهر وطرائفه صارت دويلة الإمارات التي تأسست- توا- تتحكم (بتدبيرٍ من تلك المنظومة السرية التي تديركلَّ شؤونِها) بمصير دولة فلسطين وشعبها العربي المنحدر من أعرق الحضارات وله جذور في أرضه منذ آلاف السنين، وهي تترنح على جراحات أهلها، وتزايد بمشاريع بإسم التطبيع الغرض منها  ابتلاع كل فلسطين وطرد أهلها الى الشتات. ولو إبتلعوا فلسطين يعتقد الواهمون أنهم سيبتلعوا بعدها الأرض العربية الممتدة من النيل الى الفرات.

هذه محاولةٌ بائسة كما يراها الفلسطينيون والعرب والمسلمون ويعرفون مقاصدَها وكلَّ نتائجِها، بالمقابل تعرفها قوى المقاومة قبل ظهورها للعلن ميتة، سخيفة المحتوى والمنظر، وقد شيعها الإسرائيليون قبل غيرهم حين تصدى لها شعبُ فلسطين، وشجبتها وتوعدتها فصائلُ المقاومة في الداخل الفلسطيني وخارجه. أما المقاومة في لبنان والعراق وسورية واليمن والشعب العربي والإسلامي على العموم فإن موقفه من عملية التطبيع الإماراتية الإسرائيلية لا يختلف عن موقف الأسير الفلسطيني داخل سجن إسرائيل أو يختلف عن موقفِ الأم التي فقدت ولدَها برصاصاتِ الغدر، ومَن تهدَّمَ بيتُه بجرافاتِ المُحتل، ولا يختلف في جوهرِه كذلك عن مواقفِ أهل الشرف في كل العالم الذين لا يرضَون بالذل والهوان والإحتلال والتبعية.

إن مستقبلَ القضيةِ الفلسطينية وتحرير الجولان العربي السوري المُحتل كما تفسرُه حالاتُ التطبيع والتصهيُن والخنوع أنها تتسارع الى التحرير والى زوال إسرائيل، وأن المقاومةَ بكلِّ فصائِلها هي الخطرُ الأعظمُ الرابضُ على صدرِ إسرائيل وأمريكا والغرب.

(المعلومة) التي أشرنا اليها سلفا تفسر حالة وفاة التطبيع قبل ولادته، ودوامة الهَوَس والوسواس الذي يملىء قلوبَ وصدورَ الصهاينة في تل أبيب.

(نفى سالم الزعبي مدير إدارة التعاون الأمني الدولي في وزارة الخارجية والتعاون الأمني ما تردد من أن الإمارات وإسرائيل وقعتا مذكرة تعاون في مجال الأمن الداخلي في إطار معاهدة السلام يين البلدين...الاتحاد الاماراتية 23 آب 2020).

المُفرِح أن هذا النفي إن لم يكن عملا تكتيكيا فهو رَدَّت فعلٍ للمواقف الفلسطينية، ومواقفِ المقاومة  والشعبِ العربي والعالم بعد أن أدرك المخالفون الخونة حقيقةَ حجمِهم فأرادوا بهذا النفي تخفيف الضغوط وتهدأت الخواطر وقد تكون مرحلة أولى لعملية إعلان الإنسحاب من التطبيع الفاشل.

مهما كبُر حجمُ المتصهينين وأعلنوا مواقفَهم التطبيعية فلن يزيدهم إلا خسرانا، ومن يقرأ التاريخ يستوعب هذه الحقيقة وتكبر درايته فيها.

ما خسره أمراءُ دويلة الإمارات أمام الشعب العربي والإسلامي هو المصداقية والهوية، وخسروا موقعَهم الذي تمسكوا به بين العرب، أما قضية مقتل محمود المبحوح في الإمارات فقد بانت نتائجها الخفية عند العامَّة، مَن قتلهُ ومَن خفَّفَ من وطأة المصيبة ثم تدرج الى غلقها (في مقال قادم سأتناول هذه القضية من وجهة نظري ودرايتي بهذا الشأن).

هناك فرصٌ للإستغفار والتوبة أمام المذنبين، نصيحة أعرضها على المتصهينين المُطبعين بحرص أنسان عربي يريد لأبناء جلدته الخيروحسن العاقبة. فاليسارعوا مُتَعِضِينَ لا وَجِلِين.

 

قاسم محمد الكفائي

 

في المثقف اليوم