أقلام حرة

إلى السيّد ماكرون (16):

حسين سرمك حسنالإرهابيون في باريس يعملون "على مرأى من الجميع"

بقلم: باتريك مارتن

ترجمة: حسين سرمك حسن


كشفت تقارير إعلامية عديدة خلال الأيام القليلة الماضية أن معظم الإسلاميين الذين قاموا بالهجمات الإنتحارية في باريس الذي أودى بحياة 130 شخصا، فضلا عن منظم هذه الهجمات، كانوا معروفين لأجهزة الأمن الفرنسية والبلجيكية جيدا قبل 13 نوفمبر. ولكن لا توجد وكالة مخابرات أو شرطة في فرنسا اتخذت إجراءات ضدهم لمنع المجازر.

واللافت للنظر أن هذه التقارير تأتي من وسائل إعلام أمريكية هي نفسها لديها علاقات وثيقة مع وكالات الاستخبارات مثل نيويورك تايمز، واشنطن بوست، سي إن إن، وكذلك إذاعة صوت أمريكا الرسمية وصحيفة هآرتس "الإسرائيلية".

في مقال افتتاحي، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز:

"كان معظم الرجال الذين نفّذوا هجمات باريس تحت الرقابة الفعلية لمسؤولي الاستخبارات في فرنسا وبلجيكا، حيث العديد من المهاجمين عاش فقط على مبعدة مئات من الأمتار من مركز الشرطة الرئيسي في حي يُعرف بأنه ملاذ المتطرفين. "

كما لخصت صحيفة واشنطن بوست الوضع على النحو التالي:

"ان السلطات البلجيكية كانت على اتصال وثيق مع بعض الرجال الذين يُعتقد أنهم كانوا وراء الهجمات الإرهابية الدامية في باريس الأسبوع الماضي، وهو النمط الذي يثير تساؤلات حول كيفية إفلات المشتبه بهم من بين أصابع الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون".

وقال السناتور ديك دوربين العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ عن ولاية ألينوي أن العديد من مهاجمي باريس كانوا على قوائم الممنوعين من السفر، مشيرا إلى أن ذلك يعني أنهم كانوا معروفين جيدا من قبل المخابرات الأمريكية أيضا.

معظم التقارير لاحظت أن الولايات المتحدة وتركيا والعراق كانت قد حذرت فرنسا في وقت مبكر من هجمات 13 نوفمبر وبأن مؤامرات تجري لتنفيذها، بينما قدمت تركيا اسم واحد من العناصر المعنية، هو إسماعيل عمر موستيفاي، الذي كان معروفا بصورة جيدة من قبل السلطات الفرنسية منذ عام 2010. سافر موستيفاي إلى سوريا في عام 2013 على الرغم من وجود "مذكرة S" لدى الشرطة الفرنسية وملف يشير إلى أنه مصدر قلق أمني، وعاد إلى فرنسا في العام التالي. وكان واحدا من المسلحين الذين قتلوا ما يقرب من 100 شخص في مسرح الباتاكلان قبل أن "يقتل نفسه".

مسلح آخر من عملية مسرح الباتاكلان هو سامي أميمور، كان قد اعتقل من قبل الشرطة الفرنسية في أكتوبر 2012 بتهمة التآمر الإرهابي. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز:

"لشكها في انه كان يخطط للذهاب إلى اليمن للقتال، صادرت السلطات الفرنسية جواز سفره، ووضعته تحت المراقبة القضائية، وهذا يعني أنه مُنع من السفر، وكان عليه تقديم تقارير منتظمة إلى السلطات. ومع ذلك، بعد عام واحد تمكن أميمور من شق طريقه إلى سوريا دون أن يكتشفه أحد".

ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية اليومية في ديسمبر الماضي أن أميمور كان على اتصال شهري بعائلته عبر سكايب، وأن والده سافر إلى سوريا في محاولة لإقناعه بالعودة إلى ديارهم. الشرطة لم تقابل الأب عند عودته، وأميمور عاد إلى باريس دون عائق في وقت ما من هذا العام.

"بلال هادفي" انتحاري في عملية ملعب دي استاد فرنسا، كان معروفا لدى السلطات البلجيكية بعد أن نقل معلم في صفه في مدرسة بروكسل تعليقاته التي تدعم مجزرة تشارلي ابدو. وقالت متحدثة باسم وزارة العدل لصحيفة واشنطن بوست، أنه سافر إلى سوريا حيث نشر تعليقات على تويتر تندد بالقوات الموالية للغرب ووصفهم بأنهم " كفار " ومحذرا من أن الدول التي تتدخل في سوريا "سوف لن تشعر بالأمان، ولا حتى في أحلامها".

"كنا نعرف ان بلال هادفي سافر إلى سوريا وعاد منها" قالت متحدثة باسم الشرطة البلجيكية. بعد عودته الى بلجيكا "لمدة أسبوعين، راقبت أجهزة الأمن خط هاتفه من المنزل الذي عاش فيه في مولينبيك"، حسبما ذكرت الصحيفة. بلال هادفي كان معروفا بأنه إسلامي متطرف ومن الذين قاتلوا في سوريا، والذين ثبت اسمهم في القوائم التي يحتفظ بها الفريق الاستشاري للشرطة وصحفي بلجيكي. برغم كل ذلك، كان في نوفمبر تشرين الثاني يقود سيارته منطلقا إلى باريس، ليشارك في الهجوم الدامي.

إبراهيم عبد السلام كان واحدا من الانتحاريين في مقهى باريس. كان بلجيكيا أيضا، وعُرف عنه أنه كان يحاول الوصول إلى سوريا في فبراير شباط عام 2015، على الرغم من انه احتُجز وأُعيد الى البلاد من قبل السلطات التركية.

وكان معروفا للشرطة ولمدة طويلة بأنه مساعد لعبد الحميد أباعود، أعلى مسؤول للدولة الإسلامية في بلجيكا. شقيقه الأصغر الشاب صلاح (26 عاما) الذي يُعتقد بأنه كان المهاجم الناجي الوحيد، تم توقيفه ثلاث مرات من قبل الشرطة الفرنسية في أثناء قيادته سيارته عائدا مرة أخرى من باريس إلى بلجيكا ليلة 13-14 نوفمبر. وفي كل مرة كان يُترك ليذهب بلا تحقيق أو احتجاز.

ثم هناك حالة المنظم الرئيسي المزعوم للهجمات، وهو أباعود، الذي قُتل في تبادل لاطلاق النار مع الشرطة الفرنسية في الساعات الأولى من صباح يوم 19 نوفمبر، جنبا إلى جنب مع رجل مازال مجهول الهوية، وامرأة، هي ابنة عمه. كان أبا عود صوت عام معروف جيداً كمدافع عن الدولة الإسلامية ، ومن الذين تمت مقابلتهم في عدد "فبراير / شباط " من مجلة دابق Dabiq تحت اسم أبو عمر البلجيكي ، ودابق هي مجلة الدولة الإسلامية الإلكترونية ، واسمها دابق تيمنا بمدينة سورية اعتبر الرسول محمد (ص) أن المنازلة الكونية الأخيرة سوف تحصل فيها.

في المقابلة، وكما وصفتها صوت أمريكا، كان أباعود "يتفاخر حول كيف يمكن أن يمر ويعمل على مرأى من الجميع في بلجيكا ولم يعتقله أحد". وأضاف: "اسمي وصورتي كانت في كل الأخبار، ولكن كنت قادرا على البقاء في بلدهم، والتخطيط لعمليات ضدهم، وترك البلد بأمان عندما يصبح القيام بذلك ضروريا".. "وفي إحدى المرات تم ايقافه من قبل الشرطة، ولكن سمحوا له بالذهاب، مفترضا عدم تعرّفهم عليه. ولكنه كان سيء السمعة بحيث أن محكمة بلجيكية حكمت عليه بالسجن لمدة 20 عاما، غيابيا، لتجنيده شباب بلجيكيين للقتال من أجل الدولة الإسلامية.

في حين أرجع أبا عود قدرته على التخفي الظاهر إلى التدخل الإلهي إلى جانب الأصوليين الإسلاميين، هناك تفسير أكثر بساطة. خلال الكثير من الوقت الذي كان فيه أباعود نشطا لصالح الدولة الإسلامية، فإن المجموعة كانت تعمل كجزء من الحملة المناهضة للرئيس بشار الأسد في سوريا مدعومة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وغيرها من القوى الامبريالية ، ولهذا فلا داعي لاكتشافه.

حتى يونيو عام 2014، عندما عبر مسلحو الدولة الإسلامية الحدود إلى العراق وسيطروا على الموصل، مما يهدّد النظام المدعوم من قبل الولايات المتحدة في بغداد، استمر التسامح مع أنشطة المجموعة، وحتى تشجيعها. وحتى بعد الموصل، فإن الحملة المدعومة من "إئتلاف" الولايات المتحدة لقصف الدولة الإسلامية، هي حملة كاذبة توحي إليك بأن الدولة الإسلامية كانت ما تزال تُعتبر أحد الموارد الإمبريالية المهمة على الأقل في سوريا.

استمر هذا النمط الذي يعود إلى نمط الهجمات الإرهابية على نيويورك والعاصمة واشنطن يوم 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة : المجموعات الإرهابية الأصولية الإسلامية، بما في ذلك تنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية، وتفرعاتها التي لا حصر لها (في سوريا الآن 167 فصيلا مساحا وهو تخطيط خبيث ؛ كلما زادت الفصائل المتناحرة استعصى الحل) ، لها أصولها في العمليات السرية لوكالات الاستخبارات الإمبريالية، ولا سيما في الولايات المتحدة.

نشأ تنظيم القاعدة من القوات العربية المشاركة في تدخل الولايات المتحدة لإسقاط النظام العلماني المدعوم من السوفييت في أفغانستان في الثمانينات ، بينما خلقت الحرب في العراق المقدمات الحقيقية "الأمريكية" لنشوء الدولة الإسلامية، بحملة تدعمها الولايات المتحدة للتخريب في سوريا حيث تحولت المجموعة إلى قوة قوية تتمسك بالارض على جانبي الحدود العراقية السورية.

وهناك نمط آخر أيضا: الهجمات الإرهابية التي تقوم بها المجموعات التي تم تكوينها وتسليحها من قبل الامريكان تصبح ذريعة لمزيد من التوسع في سلطات الدولة للأمن القومي. في أعقاب هجمات باريس، بدأت مخابرات القوى الامبريالية، وبخاصة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ووكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي، حملة غاضبة للاستفادة من الفظائع.

صدرت عن كبار مسؤولي الأمن الامريكيين سلسلة من الخطب والتصريحات تلقي باللوم عن الإعتداء الإرهابي الأخير في باريس على التسريبات والكشوفات التي قام بها إدوارد سنودن، وفضحه لعملية التشفير التي قامت بها الشركات المصنعة للهواتف الذكية وأجهزة الاتصالات الأخرى، وعلى حفنة من القيود القانونية على التجسس لصالح الحكومة. (تصوّر أن المجرم الجنرال ديفيد بترايوس مدمّر العراق الذي سلم السجلات التي تضم أسرار وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لعشيقته عندما كان مديرا للـ CIA حُكم عليه بغرامة مالية وإدوارد سنودن يريدون إعدامه !!) .

تظهر الطبيعة المزورة والوهمية والمضلّلة لهذه الحجج من خلال دراسة الأحداث الفعلية في باريس. فقد عثرت الشرطة الفرنسية على واحد من الهواتف المحمولة المستخدمة من قبل المهاجمين ووجدت فيه رسائل نصية غير مشفرة وبيانات نظام تحديد المواقع GPS التي تمكنهم من تحديد موقع أباعود وغيره ممن يزعم أنهم شكّلوا جزءا من شبكة الدعم لهذه الهجمات. لا يوجد أي دليل على أن أيّاً من المهاجمين قد استخدم اتصالات مشفرة، كما يبدو أن المهاجمين لم يكونوا بحاجة للتشفير بعد أن حصلوا على الضوء الأخضر من موجهي هجماتهم السرّيين.

وليس من الممكن، مع محدودية المعلومات المتاحة التي ظهرت حتى الآن، إعطاء تفسير كامل ودائم لما حدث في باريس في 13 نوفمبر عام 2015، ناهيك عن فوضى هذا العالم المظلم حيث تتقاطع العمليات الاستخباراتية مع الإرهاب الأصولي الإسلامي. 

لكن هناك استنتاجين لا مفر منهما:

(1). الدعاية الرسمية حول هذه الهجمات وغيرها من الهجمات الإرهابية، تهدف إلى التحشيد الجماعي للرأي العام المذعور وراء الدولة والمخابرات، بالإعتماد على أنصاف الحقائق والأكاذيب.

(2). إن الحكومات الإمبريالية، التي خلقت بحروبها الوحشية من أجل النفط والمنافع الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى، الظروف لظهور المنظمات الإرهابية الإسلامية، التي تتعاون معها، تقوم باستخدام الفظائع الإرهابية كذريعة لتنفيذ خطط طويلة الأمد للتصعيد العسكري في الخارج وإلغاء الحقوق الديمقراطية في الداخل.

 

..........................

*هذه ترجمة لمقالة:

Paris Terrorists Operated “in plain sight”

 Patrick Martin

Global Research, November 23, 2015

 

 

في المثقف اليوم