أقلام حرة

صادق السامرائي: هل الإسلام غذى نزعة التقاتل عند العرب؟!!

صادق السامرائيلا أظن السؤال غريبا أو جديدا فربما قد تناوله الكتاب والمفكرون العرب، وسأقترب من الإجابة عليه بمنظار نفسي سلوكي بحت؟

ولابد من التساؤل عن هل أن الدين يمكنه أن يغير طبائع البشر في بضعة سنوات؟!

فالسلوك المتداول بين العرب إبن أجيال متعاقبة، ويرتكز على تقاليد وأعراف راسخة، لا يمكن زعزعتها وإقتلاعها والإتيان بما يناقضها، مهما توهمنا وإعتقدنا، فالإسلام رسالة جاءت إلى بشر بكل ما فيه وعليه، ولم تأتِ إلى ملائكة، أو إلى بشر بلا موروثات سلوكية متنوعة ومتكررة، ومتعارف عليها في المجتمع.

فهل تمكن الإسلام من تغيير ما في النفوس والقلوب بفترة عقدين وبضعة سنوات؟

إن الواقع يشير إلى أن دعوة الإسلام لم تنجح في مكة، وعلى مدى (13) سنة لم يكن قد دخل الإسلام إلا أقل من (400) شخص، معظمهم من الفقراء والمساكين والذين كانوا عبيدا عند سادة قريش، وقلة من وجهاء القوم المعروفين.

أي أن الإسلام قد لاقى مقاومة وممناعة شديدة في مكة، ولا يُعرف كيف نجا النبي وأصحابه من القتل، وكيف إستطاعوا أن يتعايشوا مع التحديات طيلة تلك الفترة المكية.

ولم يكن للإسلام شأن إلا بعد الهجرة، وخصوصا بعد معركة بدر، ووصل إلى ذروته بعد فتح مكة، فالمكيون دخلوا الإسلام قبل وفاة النبي بأقل من ثلاث سنوات، وهم الذين قاوموه لعقدين من الزمان.

فهل أن السنوات الثلاث، تكفي للقول بأنهم آمنوا بالإسلام حقا؟

وهل أن الإقرار بالشهادة وإعتناق الدين الجديد ستغير السلوك فورا؟

إن تغيير السلوك البشري من أصعب التحديات، وبحاجة إلى مجاهدة ذاتية قاسية لا يستطيعها أي البشر، ولهذا تجد المسيرة البشرية قد تميزت بالطغيان والقوة المستبدة، التي ترغم الآخرين على السير بالإتجاه المطلوب، وإلا يكون السيف على رقابهم.

فالسلوك البشري مرهون بالقوة المسلطة عليه، ولا يرتهن بإرادته الذاتية مهما كان مؤمنا، ومدركا لجوهر الأفكار والمعتقدات التي يؤمن بها، فما فيه من نوازع ورغبات تمليها عليه النفس المتحكمة بمداركه وحواسه، وتدير بوصلة سلوكه وتحدد إتجاهاته ومعالم نشاطاته.

فليس من المعقول مهما أتينا بحجج وبراهين وأدلة، أن الذين أسلموا بعد فتح مكة قد تغيروا تماما، وأصبحوا من المؤمنين المتحلين بقيم ومعاني وأخلاق الدين الجديد.

إنهم يترجمون ما فيهم من معالم سلوكية متوارثة عبر الأجيال.

كما أن المسلمين الأوائل بأسرهم، فيهم الكثير من السلوكيات الموروثة والمعروفة في المجتمع، والتي لا يمكنهم الإنسلاخ عنها بسهولة، لأنها تحتاج إلى مجاهدة قاسية.

فالإسلام توجه إلى العقل، وحث على التفكر والتدبر في الواقع المكاني والزماني وفضاء الوجود الإنساني، وحارب النفس ونوازعها ومنطلقاتها، فكم من المسلمين آنذاك قد تمكنوا من السيطرة بعقولهم على نفوسهم؟

إنهم بشر، وقدرات البشر على لجم نوازع النفوس من أصعب المهمات، وأشدها قهرا له، مما يجعله يراوغ بعقله لإرضاء جماح نفسه وتعزيز إرادتها وتحقيق مراداتها.

والمسلمون الأوائل لا يمكن تجريدهم من بشريتهم، والتعامل معهم على أنهم ملائكة ويتمتعون بمثالية مطلقة، وكأنهم لم يخلقوا من التراب، ولا يسعون فوقه.

ويبدو أن الإسلام قد وفر المسوغات المتنوعة لمواصلة القتال والتقاتل بين العرب، إذ يمكن الإجهاز على العربي الآخر بتسويغات وتخريجات لا تحصى ولا تعد، لأن الدين يجرد القاتل من حساب الضمير، ويطلق العنان لسيفة للنيل من الرقاب.

وهذا ما جرى في واقع السلوك الذي إنطلق منذ أولى معارك المسلمين، فلكل منها مبرراته وتسويغاته، وإرادة ربانية فاعلة فيها، وما المسلمون إلا منفذون لتلك الإرادة الإلهية، التي تطورت فصار الخليفة يحكم بأمر الله أو ينوب عنه في النيل من عباده، الذين يتم توصيفهم وفقا لمسوغات قتلهم.

وبصورة عامة الأديان لا تمنع القتل، بل تمنحه حرية ومبررات تؤجج في نفوس القتلة رغبة سفك الدماء، ولا يختلف دين عن دين في هذا السلوك.

وعندما نعود للعرب ونقرأ ما وردنا من تقاتلهم منذ بدايات الدين، فالمسلم يقتل المسلم، وذلك بتوصيفات وتهم تلصق بالقتيل، كمرتد وزاني وكافر وزنديق، وما يتصل بها من محللات القتل.

وحروب الردة معروفة، وما قبلها وبعدها العديد من الحروب التي قتل المسلم فيها المسلم، وبلغت ذروتها في معركة الجمل وصفين، وما سمي بالخوارج وغيرهم الآخرين الذين أبيدوا عن بكرة أبيهم، وهم من المسلمين.

فالإسلام ما قضى على نزعة القتل بل هذبها وربما وجد لها ما يسوغها، مما أسهم في الإندفاع نحو الحروب والفتوحات وجني الغنائم.

وعلينا أن لا ننسى بأن الفترة ما بين فتح مكة وتوالي الفتوحات الأخرى قصيرة، ولا يمكنها أن تسمح بتهذيب سلوك، وإنما إنطلق العرب بقضيضهم ونفيضهم، وما فيهم من تقاليد سلوكية لم يستطع الإسلام أن يمسها.

فلا يجوز سلوكيا إلقاء كل شيئ على الإسلام، وتبرأة العرب من قبليتهم وما فيهم من عصبيات وثارات ومحفزات للمعارك والحروب، فبعد أن كانت القبائل تتقاتل فيما بينها، وهذا هو نشاطها الإقتصادي المهم لأنها تجني الغنائم من بعضها، صارت تقاتل شعوبا وتفتح بلدانا وتغنم ما لا يخطر على بال، حتى بلغ الإثراء حدودا لا تصدق.

إن قوة النزعات الفاعلة في العرب لم ينتصر عليها الإسلام بفترته الزمنية الوجيزة، وأكثرهم إمتطى الدين وإستثمر فيه لتأكيدها والتعبير عنها على أنها تمثل الإسلام، والواقع يشير إلى أنها تمثل النوازع الكامنة فيهم والمتحكمة بسلوكهم منذ أجيال.

فلا يعقل أن يدخل الإسلام شخص وبعد ثلاث سنوات يكون رمزا من رموزه وقائدا من قواده، فالقبلية تفاعلت مع الإسلام وتجسدت فيه، ولهذا تقاتل العرب وهم مسلمون، وصارت الجواري من المسلمين، ومضى التقاتل العربي العربي حتى يومنا هذا.

والقاتل والمقتول ينادي بأنه مسلم، والحقيقة أنه يعبر عما فيه من نزعات حب سفك الدماء.

ترى هل قتل العرب من العرب أكثر بعد الإسلام من قتلهم من بعضهم قبله؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم