أقلام حرة

سحر شبر: طَنْطَنَةٌ

سحر شبرليسَ بِرَيبٍ أنّ وراء ضّجيج اللِّسان، وَعَجيج النِّسوان المُقلي للسمعِ، المنفِّر للنَّــفـس؛ منافِع اجتداها ذوو اللَّهَثِ إلى كرسي أدنى وسومه أنّ قوائمه خديعةٌ وجائِرةٌ وضَالةٌ وعاِديَةٌ؛ ويحوزها أولئك الهُوجُ، وقد بَزّهم العقلُ السليم حتّى غصَّت بجهالتهِم بلادُكَ؛ وامتلأتْ بِها جيوبُ مَن لو أَسْمَيتَهم عُوجاً لَما أَخطَأتَ بَلاغَتَكَ. فَلنُنعِم النظرَ في ماضِينا القريب، وبموفور بصيرةٍ فَلنقبِض على تلك المرأة التي طَفَت ككلّ من طفوا على مستنقَع البعث العربي الاشتراكي. فإذا هي عراقيّة حَسَبُها كريم، وتعليمها جيّد، رفِيقة / أو ما شاء الله من مراتِب البعث العالِية، لَم تَأبَه أَن انحطّ رأسُها إلى رأسِ سواها ممّن خُلقها ذميمٌ، ونهجها في الحياة غير قويم. كلتاهما اسْتَوَتا في انتمائهما إلى البعث، ومنافستهما في نوال رضى مسؤوليهما الحزبي. أجل، كانتا بهوان نفسيهما تسترضيان أمين السِّر، وعضو القيادة، و... . فَمعلِّمتي لدرس الإسلاميّة رفيقةٌ، كذلك مديرة المدرسة من التعليم الابتدائي إلى الثانوي، ضحى كلّ يوم خميس تجتمعان بالطالبات وتجبيان حصة الحزب الماليّة، ثُم تندلقُ على سمعي وزميلاتي قِرَبُ لِسانيهما الملآنة بمبادئ البعث، ومنجزات الثورة، بَينا تندلقُ في رأسي أسئلة أهونها: أَحصلت أمي على عبوة الغازِ لتخبزَ لنا العجين، وقد فات عليه يومان في ثلاجة بلا كهرباء؟

أمّا تلك الأخرى، فالمُلّةُ فُلانَة، طالما بخستْ نفسَها الراحةَ في لَهب القَيْظ، ثم صقيع القَرِّ، وغَمَطَت حقّ زوجها وأولادها بشَزرِ مكثها في بيتها. كَم مرةً تزَّعمت مآتم الحسين، تتسقّط الأخبار، وتتحرّى الأنباء، بَينا تستبكي النساء المغشَّيات، وتُهيِّئ من عملها هذا تقرير وقيعةٍ بأحدٍ من أهالي تلك المجالِس، لا ذنب له إلا أنه قد تبرّم بشطفِ عيشِه، وزفرَ أنينه من صالِية الحصار، وخافَ بزوغ أقمار الليل، ورجالُ الأمنِ يرتقون السلالِم إلى سطوح المنازِل بحثاً عن هاربٍ من الخدمة العسكريةِ، أو ذاكرٍ لِاسم صدام حسين مجردٍ من ألقابِه ومقاماتهِ التي حفظتُ أطولها: قائِد الحملة الإيمانيّة، وبَطل العرب، والبَقِيّة تَعرفها. لا جرمَ لأولئك الذين سَعت بهم المُلّةُ وكيلةُ الأمن السرِيّة الواعظة بأخلاق الأيمة في المآتم، والغانيةُ المُسَرِّية عن رجال الأمن والبعث في لياليهم الخاصّة ــــ ما أَبْلغها من مادةٍ لفنِّ السينماــــ سوى يأسهم من تنفّس الصباحات الحُبلى بدوي صفّارات الإنذار إيذاناً بحربٍ، أو إعلاناً بانقطاع مِياه الشّرب ...، وليتَ تلك الصباحات انجلت عن أدنى منها سوءاً، حينَ هبّت ريحُ التغيير من أصقاعِ حظائر البَقرِ، مدفوعةً من براري خيانة الأبناء وجشعهم، عاصِفة بذحولِ الجيران ونقمتهم. وقد أَذْرت على دجلة كلّ رمال العَفاءِ وأَزبال الرثاثةِ، كأنها اتّحدت والريح الصفراء للبعث، فما أَبقتا قيمةً للرافدينِ إلا وَمَحَقتاها. وكيف لا يقع هذا الخطر العظيم ومصدر الرِّيحينِ واحد يتكشّف في شِرذمةٍ توالت أوباشُها، وتلوّنت وجوههم، واختلفت أسماؤهم، لكنهم اجتمعوا في رجعية الفِكر، وفساد الطّوِية، ودِعاية الدّين. فكانت المرأة ماجِدةً فَـــزَينبيّةً وبَرلمانِيّة ــــ والبَقِيّة تأتي ــــ إحدى صور جرائر نظام الحكم على الوعي، مكّنَ لذراعها أن تطولَ في السوء، فاستمالت سواداً من النساء بخطاب الخرافةِ وحقّ ممارستهن لها، وأوثقتهن بإثم تقصيرهن عن طوعِ البعث، أو نصرةِ المذهب، وَصون العقيدة، وزيَّنت قَدرَ الثاكلاتِ أزواجهن وأبناءهن سنيناً مديدة في المحمّرة والفاو، ثُم أياماً في الطُّرقات بالمفخّخات، ويوماً في جِسرِ الأئمة، وآخرَ في قاعدة سبايكر، ولا عجبَ أنّ الأيام تَتْرى على العراقيات بما هو أقسى ممّا مضى!  إنّها المرأة المستصفاة من مجتمع دجاجاتٍ دُجِّنت على أي شيءٍ وَشِلٍ، اجتهد مربّيهن في تقفيفهن على بيضاتهن، وتعليمهن التّأَبّي على الزَّحْزَحَة عن مواضعهن.

ــــ أَراهُــنَّ ، مَن؟ الدّجاجات!!  استغفرُ الله من وصفي هذا.. أظلّتهن قُبةُ برلمان الرافدين، فَانقسمن فرقتين. فِرقةٌ جانبت الجلوسَ صفّ الرجال على أنّهم ليسوا أقلّ شبهاً بِدِيوك المضاربات، فصائلهم مختلفةٌ أعجميّة وأمريكية و...، أقواها الدينيّة، تتقاتلُ وهدفها واحد، هو الغُنم بالدولار والعقيدة!!

ـــــ كيف هُنّ؟ مَن؟ الدجاجات! مُتَلَفِّعاتٌ بعباءات سوداء، كَسَفنَ أقراص وجوههن بوشاحات سود أيضًا، أجلى سِيماهن اكفهرار طَلّتهن على الشاشات الكبيرة، وتَلَعْثُمهن ، وخَصَاص تعبيرهن عن تريباتهن من دَجاج الشّعب، إلا مَن أحكمَ البعثُ العربيّ الاشتراكي وِثاق نفسها بالصَّلَفِ، وأجرى على لسانها التُّرْهَ، وأسخى لها بشعارات مفوّفةٍ دوّنتها، يعلمُ العليمُ أ تُحسنُ خطَّها على الوَرَق، أم كُتبت لها؟! شَرعت تُطَنطِنُ بها للسيد رئيس مجلس البرلمان، وهو لَعَمْرُكَ كبير الديوك، حَصِرٌ لِسانهُ، بيد أنه يجادل جِدال الخطباء المُفْلِقِين إن حِيفَ على سِهامِهِ التي شَغَلَته وديكاً حَبشياً، وآخر هندياً  عن الاستماع لهذه المسكينة، وقد أخذت تملأ المجلِس بِطنطنَةٍ أزادها إعلام الدوّلة غير العليم بشيء خلا الرّثاثة والتّفاهة وتهييج الشّر. وأبارِك للشعب إذ يفهمُ من كلّ ذلك مداولةً لِلطعن بقانون تزويج القاصِرات. وما تَكادُ الجلسة تبدأ، وتضجّ قاعتها بطنين النائبات تارة، وصُقاع النُّوّاب تارة أخرى، وهكذا حتى تُختتَمَ والصُّقاع عالٍ، والقانون ... ثابت نافِذٌ. ثُمَّ ينصرِفْنَ مَن؟ الدّجاجات أم المُطنطنات، والبرلمانيات؟ وَقتَهنَ ضَيّقٌ، يمضينَه مع سَماسِرة مكاتبهن، أَنْشَأْنَها في أفخم الأحياء البرجوازية، وكيف لا ينصبنَها هنالك؟ وقد جعلنَها مصايد صَفَــقات وإتَاوات يُمكِّسنَها من سَلِيمة الخَبّازة، وفتحيّة الشَّقِيّة، وأم إيلو، والمومِس العمَياء، وبتول العَلِيلة، والتي كالوَرْسِ اصْفَــرَّ مِن جُوعٍ مُحَيَّاهَا. عَسى الأقدار شَفَتْ غَلِيلها منهن، فكَفّت عَسْفَها عليهن.  أُولاهُــن تنشدُ كِفافَ عيشها لعلّها تتحصّلهُ براتبِ تعيينها عامِلة نظافة في مدرسةٍ ما، وإن رضوا عنها، أسكنوها وزوجها الكفيف، وصغارها الزُّمَن في غريفة الحانوت! وثانيتهن، فتحيّة الصبيّة الفاتنة الجامحة، زوَّجَها أبواها القرويينِ لِزّيّات مُسّنٍ من أهل المدينة، لم يمهله الله سنةً ليتمتّع بسلوته، استولى أبناؤه على كلّ ما يملك، وسلبوا أَرملتَهُ الصبيّة ثِيابها، وطردوها إلى حيث كانت، وحين أوغلوا في إيذائها أخذاها أبواها إلى مكتب الدكتورة البرلمانيّة التي سمعا عن طنطنتها ما جاءَ به حزبُها للنساءِ، لكنهما رجعا عن قصدهما خائبينِ، لَمّا طلبَ سمسارُ الدكتورة آلاف الدولارات ليحلّ قضايا عالقة في المحاكم، ما قضية فتحيّة بِأُخراها. وها تلك المومِسُ العمياءُ لا تدري أيَّ حزبٍ ستسرّي عن هُوْجِه وعُوْجِهِ، وتتدبّق بعسلِ منافعهِ، وتنطِقُ لياليها عن هوى زعمائِهِ، تمالِئه كي تسترزقَ من قُصّادها ــــ التي لا أعرفُ واللهِ ملاهِيهم ونوادِيهم ــــ  ويحميها إن صغت لرجيعِ صفقة مقاوَلة كبرى غَنمها هُوج الحزب الآخر، بَينا كانت تحيلُ لياليهم في غرفات الخضراء أحمرَ مائراً بالنّزقِ إلى الدولار، وبالشّهوة للثأرِ من سنين صدام البِوار.

وما أدراكَ مَن بتول! بنتٌ بجسدٍ ذي عاهات، اجتمع شَللُ الأطفال على ساعديها وقدميها بخرسها وصَممِ أخيها، وليتَ سُّقمَ العاهات استعفى والِديها حتى يعيلاها ويستكفياها حاجاتها بدلاً من جارتهم "أم زعيم" التي تقاضت خمسينَ ألفاً لترافِقَهم إلى مكتب السيدة النائبة المُطَنطِنَة، ولتترجِمَ عن جِيرتها الخرسان أحوالهم العليمةَ بها كاللهِ، علّهم يصيبون راتب الرِّعاية الاجتماعية.

وغير بتولٍ، ومن روى بؤسهن أدب السّياب وفؤاد التّكرلي وغائب طعمة فَرمان وعبد الحق فاضل، وأغيارهم الجُدَراء، بشرٌ عراقيّ يَطَوَّفُ على رافدين من العوزِ والهوان والذُّل، خير لِهذا القلم الذي أنضحَ مدادَهُ على رسمِ صور بعض مُطنطِناتِ العراق الجديد والقديم؛ أن يجري فيما يسلّي النفس ويصبرها على أقدار ما هادنت هذا البلد البَتّة. وأنّى لِي ولَكَ الصّبرُ عن لوحةِ الفرقة الأخرى؟ مَلَأنها المنتفخاتُ في الصفوفِ الأولى للمجلس، وقد جَمّلن وجوههن في مراكز التجميل بدبي وبيروت و ... ، وَضجَجنَ الفضائيات بكلمات نحو: حرية المرأة، وحقوق النساء، سَمعنها في برنامج " كلام وجيه"، أو سرقنها مِن صفحات "عولمة بالِّدهن الحُرِّ"، و" تجربة حكم"، و "أسوار بغداد"، و"تجربتي"، و"السياسة الأمريكية في العراق". والحقُّ أنهن يزَقَونَ تُرَهات أحزابهن، وخرافات طوائفهن، وَرَشَنَّ في خابيات لن ينفــد ماؤها. وَهيهات أن يرميَ عراقُ اليوم إلا عن كِنانتهِ المحشوةِ بِهن و... .

 

سَحَر شُبّر

شنغهاي/ 20/ 9/ 2021

 

في المثقف اليوم