أقلام حرة

صادق السامرائي: إبنُ العلقمي وما جَنى!!

صادق السامرائيعلقم: كل شيئ مُر

علقمي: شديد المَرار

سقوط بغداد على يد هولاكو في (8\2\1258) ميلادية، يُقرن بخيانة الوزير مؤيد الدين بن العلقمي (1195 - 1258) ميلادية، الذي إستوزره الخليفة (642 - 656) هجرية، قبل سقوط بغداد بأربعة عشر سنة.

فهل يصح في الأفهام ما جرى تكراره وترسيخه في أذهان الأجيال؟

عندما دخلتُ المدرسة الإبتدائية كان فراش المدرسة رجل قصير القامة يُسمى بالعلقمي، وكان خدوما طيبا يراعينا بحنو ورأفة، وهادئا مبتسما، وعلق الإسم في ذاكرتي، ومع الأيام تبين أن له علاقة بسقوط بغداد، وما جرى بعد ذلك من فظائع دموية، راح ضحيتها أكثر من مليون إنسان بريئ، في بضعة أيام حتى أحرِقَتْ بغداد للتخلص من الجيف والأمراض ووقاية من الأوبئة.

وعندما أعود للموضوع - المعقّد - لا أجد الأدلة البينة القاطعة التي تؤكد ما جرى، وبأنه السبب الوحيد في تلك المأساة المروّعة، التي أخمدت أنفاس العرب، وجعلتهم تحت رحمة الآخرين منذ ذلك الحين.

روايات لإبن الطقطقي، أبو الفداء، إبن الوردي، وإبن خلدون وغيرهم، لا أريد الدخول في مناقشة ما دوّنوه، لأن الباحثين درسوه، لكن الظاهرة المغفولة، أن أمة العرب تسقطها الخيانات، ولا يمكن لخيانة واحدة أن تكون سببا في سقوط دولتها، ولا يزال أبناؤها يخونون، بل ويتفاخرون بخيانتهم.

فإبن العلقمي وصفوه بالخيانة لأسباب وأسباب، لكنه على ما يبدو ليس الخائن الوحيد.

فخيانة الدولة العباسية والسعي لإسقاطها بدأت قبل ذلك، وتنصيب المستعصم بالله (640 - 659) هجرية، خليفة كان بحد ذاته خيانة، لأنه لا يمتلك القدرات القيادية اللازمة لحماية الدولة في تلك الظروف، وكان عمّه أجدر منه بها، ولديه خبرة بمقارعة التتار، لكنه أبعد لكي لا يفقد سطوتهم المتسلطون على مقاليد الحكم، فنصّبوا الخليفة الذي يكون رهن أمرهم، فتم لهم ما أرادوه، فعبثوا بالبلاد والعباد، حتى وصلت الأمور إلى مهلكة الختام، بعد عقدين من الفساد والإمتهان.

وعمّه الخفاجي شهم شجاع، وأنسب للخلافة منه، وكان يقول : "لو ملّكني الله الأمر لأعبرن بالجيوش نهر جيجون، وأنتزع البلاد من التتار وأستأصلهم".

وتبين أوج ضعف الخليفة ولينه ومحدودية قدرته القيادية حين إستوثق بهولاكو، وذهب إليه مع رجالات دولته وذوي الجاه والسلطان فيها، فحصدهم بعد أن تجمعوا في خيمة كأنهم حضروا لحفلة جزر، فأهينَ الخليفة وذُبِحَ أولاده، إلا صغيرهم الذي أخذوه لديارهم.

ومَن خان أيضا إبن الخليفة (أبو بكر) الذي ما تصرف بعقلانية، وإنشغل و(ركن الدين الدوادار) بإذكاء الفتن الداخلية.

أضف إلى ذلك أن بعض الفقهاء خانوا وإلتزموا جانب هولاكو، وصاروا يحررون رسائله إلى الخليفة العباسي، ومنهم من أفتى له بقتله وأعوانه، بل وإستباحة أعراض الناس وممتلكاتهم، فربما فعل ما فعل وفقا لفتاوى وأضاليل الفقهاء.

ودليلي الرسائل المتبادلة بين هولاكو والخليفة العباسي وغيره، والتي تشير إلى خلفية وهوية كتّابها.

ولا ننسى الجيوش التي إجتاحت بغداد، كان نسبة منها من أبناء القبائل المحيطة ببغداد، الذين تم تجنيدهم من قبل التتار بعد إجتياح ديارهم، فكلما كان يتقدم نحو بغداد يزداد عددا وعدة.

وهؤلاء المنضمون إلى جيشه يمكن إعتبارهم خونة، وموالين لعدو الدولة العباسية.

فالخيانة لم تكن علقمية وحسب، بل أنها جماعية ومتنوعة، وأزرت بالذين خانوا، فانقلبت خيانتهم عليهم نقمة ومرارة وغم، ومنهم مَن ماتوا قهرا ومَن قتلوا بتنكيل وإذلال.

ومن المناسب القول أن التتار أجادوا أساليب الحرب النفسية، ومهارات بث إشاعات الرعب والهلع، وتأكيد الهزيمة النفسية أولا في أعدائهم، فهم يهاجمون المنهزمين نفسيا ويغلبونهم، ويدفعون عناصر الهدف للقضاء عليه.

فلا بد من العلمية في دراسة الموضوع، إذ يبدو أن الخيانة في ذلك الوقت ولأسباب متراكمة، ربما أصبحت ثقافة مجتمعية، والناس تم تأهيلها لتخون، فنسيت الإعتصام بالمُثل والقيم وبحبل الله المتين.

فعمَّ التناحر والتنافر والإنتقام، وكأن الأمة كانت تعيش حروبا أهلية متواصلة، حتى تسلط عليها مَن يداويها بآخر الدواء، فكان هولاكو وجيشه سقر ذلك الزمان، الذي تحوّلت فيه الأمة إلى دخان.

ولولا أن (قطز) أعاد إليها بعض جمرات وجودها ولهيب ذاتها فتواصلت.

وتبقى الخيانة طاعون العرب!!

وتلك قراءة نفسية تحليلية بحتة قابلة لإقترابات عديدة.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم