أقلام حرة

الطيب النقر: صون النفس

الطيب النقرإذا تدبرنا كتابنا الكريم المحكم السبك، الذي يتلوه كل لسان، ويهتز له كل جنان، نجده يراود ويعاود ويلح على صيانة النفس وعدم المساس بها، أو إزهاقها حتى لا تموج الأرض بالأخطار، وتلتطم بالمخاوف، ويباد الجنس البشري من على وجه البسيطة، لقد أمر الإسلام بإماطة الأذى، وكف الردى عن المهج والأرواح، وتوعد

من ينالها بسوء بوعيد تنماث منه القلوب، وترتعد له الفرائص، لعظيم أمرها، وكبير خطرها، فحرمة النفس لا تضاهيها أي حرمة بعد حرمة الدين، ولقد تبدت مكانة النفس عند الباري عز وجل بأبهى مظاهرها في قوله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ المائدة:32. فكلمة الله المنداحة في الكون، تقر بأصدق البيان، وأروع الألفاظ، وأمتن التراكيب، بأن من يجتث من فوق الأرض روح، وينتزع من وجه الأديم نفس، فقد استحصفت وثائق عذابه فلا تنفصم، وتشيدت وطائد هلاكه فلا تنهدم، لأنه أتى بصنيع تُذوى له الوجوه، وتسْتكُّ من ذكره المسامع، فلقد وأد شأفة البشرية جمعاء بقتله لتلك النفس الطاهرة، وسوف يسأل عن وزر تلك الفعلة الشنعاء التي تشمئز منها المهج، وتنفر منها الطباع،

فقد جاء فى الحديث الذى أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده و رواه معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنهما وكان قليل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" سمعت رسول الله وهو يقول:" كل ذنب عسى الله أن يغفره إلاّ الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً". وفي الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مسلم". أخرجه البيهقي

أما من جاءه سائل فأعطاه، ولقى بائس فواساه، ومريضاً فداواه، فهذا رجل تشرئب لمقدمه أعناق الحور العين، وتشخص لطلعته أبصارهن، لأنه جدد البالي، و أنعش الذاوي، وأحيا الموات، كما نهى الشارع عزّ وجلّ من ضاقت به السبل، وحلّت بساحته النكبات، وأناخت بفنائه الخطوب، من أن يحمله الضيق والنكد والتعاسة على إهدار نفسه، وإيرادها حياض المنون، قال تعالى:﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ النساء:29.وأمر عباده بعدم اليأس والقنوط من روْح الله، وبالصبر والتماسك على عرك الشدائد، حتى تنجلي المحن، وتنقشع الهموم، "ولقد بلغ من اهتمام الشريعة بأمر النفس، وتعظيم جريمة الاعتداء عليها أن" قال رسول الله:" أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدّماء". أخرجه الشيخان، وفي ذلك تغليظ أمر الدماء، وهذا لعظم أمر النفس، وكبير خطرها".

والقوانين الوضعية تحمي لكل فرد الحق فى الحياة، فكل حي قمين بحماية القانون "والقانون ينظر إلي الحياة على أنها ظاهرة بيولوجية اجتماعية، تتساوى من حيث الجدارة بالحماية جميع مراحلها، فلا فرق بين حياة في بدايتها، وحياة أوشكت على

نهايتها؛ ولا تتأثر الحماية القانونية للحياة بخصائصها الفسيولوجية أو النفسية أو الاجتماعية، فلا عبرة بالحالة الصحية للمجنى عليه، فالمريض الذي يعاني من مرض خطير يحميه القانون حمايته لصحيح البدن. ولا عبرة بمقدار شعور المجني عليه بحياته أو استمتاعه بها، فاليائس من الحياة الذى سبق أن حاول الانتحار جدير مع ذلك بحماية القانون". كما أنها لا تكترث للقيمة الاجتماعية، ومعايير الشرف والخسة، والغنى والفقر، والعلم والجهل، بالنسبة للأشخاص، فجميع الناس صالحهم وطالحهم، صغيرهم وكبيرهم، موضوعاً لحماية القانون، كما يصون القانون حرمة كل إنسان، ويرعى ذمامه، بغض النظر عن دينه، أو لونه، أو عرقه، فالناس عنده كأسنان المشط، ومتساوون مساواة مطلقة.

 

د. الطيب النقر

 

 

في المثقف اليوم