أقلام حرة

سجن النطرون المعلمة التي أثار إنشاؤه جدلا كثرا وحادا!

مشاهدات على هامش زيارتي لمصر

في طريقنا إلى مدينة العالمين الجديدة شمال القاهرة، أثار انتباهي صرح عظيم بني على النمط الأمريكي، ببواباته العديدة، ومواقف السيارات الكثيرة المسقوفة، وحدائقة المرصوصة المبثوتة في كل رحابه، التي أجج الدهشة والإستغراب في نفسي، ودفعت بالتساؤلات تتلاطم بدواخلي وبصوت مسموع: ما هذا الصرح العظيم؟!! فجاءني الرد سريعا من مرافقي "صهري اللطيف: إنه سجن النطرون، المعلومة التي زادت من دهشتي وعظمت استغرابي وسرعت تساؤلي: وكيف لسجنٍ أن يكون بهذه الضخامة وتلك العظمة؟!! وهو الذي كلما ذكر اسمه إلا وبُث الضيق والخوف في النفوس، وجعل الأذهان تستحضر رعب وقساوة عزل الناس قهرا خلف اسواره العالية والمحروسة، وأحال الذاكرة على أمكنة الاعتقال، التي عرفها العالم عامة قبل ظهور السجون بالمعنى المتعارف عليه اليوم، كـ"المطمورات"* - الحفر التي كانت تستخدم لخزن الحبوب -و"لبنيقات"* - الأماكن الضيقة والمظلمة التي لا يدخلها لا نور ولا هواء- والأقبية، والدهاليز، والقصبات،والأبراج، وغيرها كثير من المعتقلات سواء التي كانت غالبيتها خارج الإطار المؤسسات السجنية، أو الرسمية التي ينظمها القانون، والتي نال بعضها في بلادنا "المغرب" شهرة واسعة، كما هو حال سجن "حبس قارة"، المعروف أيضا"بالسرداب" و"الدهليز" و"المطبق الإسماعيلي " الذي بني بمدينة مكناس، بداية القرن 18 خلال عهد السلطان المولى إسماعيل  وغيره من السجون المكانية المحلية والعالمية،التي يبقى المشترك بينها هو قسوة العقوبات المتفاوتة التي كان ينزلها الحكام بمعارضيهم،والتي قد تصل "مدى الحياة" والتي لا تقل قسوة عما عرفته معسكرات الاعتقال والإبادة التي أودت بحياة الملايين عبر العالم، كسجون النازية والستالينية، و"معسكرات الترشيح" الروسية التي كان يحتجز فيها الشيشانيون عشوائياً، قبل الإحتفاظ بالمرشحين منهم للاعتقال المديد أو التصفية، ومعسكرات "غوانتانامو" الأميركي المخصص للمقاتلين غير شرعيين". 

وحتى لا تبعدنا قصص السجون وغرابة معاملة نزلائها الذين تقدر أعدادهم عبر العالم بنحو أحد عشر مليوناً ونصف المليون سجين، نعود لتسليط الضوء على تلك البناية التي غمرتني ظخامة تلك المعلمة السجنية – الموجودة قرب مدينة السادات بمنطقة وادي النطرون بمحافظة البحيرة شمال القاهرة، والتي تعد من بين أكبر في العالم- بمشاعر الدهشة والاستغراب التي لا تقل عما أثاره إنشاؤها من جدل في صفوف المصريين الذين انقسموا بين مؤيد مادحٍ لمزاياها التي تضمن كرامة السجناء، ورافض ساخرٍ منتقدٍ -تحركه ما يضمر من أيديولوجيات خاصة أو المستأجرة- لكل ما يوفره هذا الصرح من تجهيزات ووسائل وتكنولوجيا والكترونيا صممت علميا للرفع من جودة الحياة الانسانية للسجناء، ونقلها الى مراتب أعلى وأسمى، اتحقيق الاندماج الإيجابي في المجتمع عقب قضائهم فترة العقوبة ، وفقا لحقوق الإنسان.

وإلى مراسلة أخرى من مصر .

***

حميد طولست

 

في المثقف اليوم