أقلام حرة

مرتضى السلامي: شجاعة العقل في وجه الأسطورة

نحن نولد في عالم منسوج من القصص. قصص تخبرنا من نحن، وما هو الصواب والخطأ، وكيف يعمل العالم. بعض هذه القصص قديمة، نسميها أساطير وتقاليد. وبعضها حديث، نسميها إعلانات، أو أخبارًا، أو شعارات سياسية. تشترك هذه القصص في شيء واحد: أنها تقدم لنا عالمًا بسيطًا ومريحًا، عالمًا لا يتطلب منا عناء التفكير. إنها تمنحنا الأمان، لكنها في المقابل تسلبنا حريتنا.

الفلسفة هي إعلان التمرد على هذا الأمان المزيّف. إنها اللحظة الجريئة التي يقرر فيها الإنسان أن يتوقف عن تصديق القصص الجاهزة، وأن يبدأ في استخدام أداته الخاصة والفريدة: عقله. هذا التحول ليس سهلاً، فهو يتطلب شجاعة هائلة. شجاعة أن تقف وحيدًا وتقول: "أنا لا أقبل هذا، أريد برهانًا". شجاعة أن تفضل الحقيقة الصعبة على الوهم المريح.

كانت هناك قرية تعيش في وادٍ عميق، ولم تعرف نورًا سوى ضوء نار عظيمة لا تنطفئ في وسطها. أخبرهم الكهنة أن النار مقدسة، وأن الظلام الذي يحيط بالوادي هو وحش سيبتلع كل من يجرؤ على الخروج. عاش أهل القرية لأجيال في خوف من الظلام، وكرّسوا حياتهم لخدمة النار. في يوم من الأيام، قررت فتاة صغيرة أنها تريد أن ترى هذا الوحش بنفسها. أشعلت غصنًا صغيرًا من النار المقدسة، ومشت نحو الظلام. لم تجد وحشًا، بل وجدت نجومًا وأنهارًا وأشجارًا، وجدت عالمًا أوسع وأجمل بكثير من قريتها الصغيرة. لم تكن شجاعتها في مواجهة الوحش، بل في مواجهة القصة التي خلقته.

أن تكون فيلسوفًا هو أن تحمل مصباح عقلك الصغير وتجرؤ على المشي في ظلام الأفكار المقبولة. هو أن تفحص كل قصة تُعرض عليك، وتسأل: هل هي حقيقية؟ ما هو دليلها؟ من المستفيد من تصديقي لها؟ هذا النقد ليس فعل هدم، بل هو أعظم فعل بناء، لأنه يحرر مساحة في عقلك لتكتشف الحقيقة بنفسك، وتبني فهمك الخاص للعالم.

"كن فيلسوفًا، أي كن شجاعًا في استخدام عقلك. العالم من حولك مليء بـ 'الأساطير' الحديثة. لا تقبلها. مارس 'الشجاعة الفلسفية': شك في 'الروايات' الجاهزة. اسأل عن 'الأسباب' الحقيقية. ابحث عن البرهان. إن 'استخدام عقلك بنفسك'، و'رفض' كل أشكال 'الوصاية' الفكرية، هو 'الواجب' الأول للفيلسوف."

***

مرتضى السلامي

 

في المثقف اليوم