حوارات عامة

حوارات عامة

*في البرازيل عثرْت على هويّتي العربية والإسلامية

* اللغة البرتغاليّة هي التي سمحت لي برؤية الثراء الهائل للّغة العربية الأُمّ

* التّمييز ضدّ العرب ورهاب الإسلام هما أمران غير موجودين تقريبًا في البرازيل

* المواطن اللّبناني العادي لا يشعر بالانتماء إلى الوطن وإنّما إلى الطّائفة والمنطقة والعشيرة والقبيلة

* هناك أمثلة ناصعة مشرّفة لأطباء تولّوا الحكم في أكثر من مكان في البلدان العربيّة والأجنبيّة

* المال لا يفسد الطبّ والدّين والسياسة والثقافة فحسب، بل يفسد البيئة والرياضة وكلّ ما استطاع إليه سبيلًا من ميادين

***

الاندماج والهويّة ثنائيّة شائكة زلّت فيه أقدام الكثير من المهاجرين حين ذابت الهوية لصالح الاندماج، ولكننا هنا بصدد نموذج سامق بلغ في الاندماج حدًّا بات فيه مرجعا لقضايا برازيلية مفصلية كالسياسة والبيئة والصحة وعنها يُستفتَى على شاشات الفضائيات العربية والعالمية، وفي الوقت ذاته ظل متمسّكا بهويّته كأنه بيننا يعيش وبهمومنا ينفعل. وُلد الطبيب والكاتب بلال رامز بكري عام ١٩٨٢م بمحافظة البقاع/لبنان. وفي عام ١٩٩٧ انتقل مع العائلة للعيش في البرازيل التي استكمل بها دراسته الثانوية قبل الالتحاق بكلية طب ماريليا بريف ساو باولو وتخرّجه فيه عام ٢٠٠٧م، ثمّ التخصص في علم الأمراض. نشر مقالات وقصص قصيرة وقصائد تنشد الوعي السياسي والاجتماعي والأدبي في عدّة مواقع عربية، أبرزها مدوّنات الجزيرة التي نشرت له ما يَقرب من ٧٠ مدونة. كما كتب عشرات المقالات والقصائد باللغة البرتغالية. وعلى قلمه تغلب النزعة الوجدانية والصوفية المعبّرة بصدق وواقعية عن القضايا الإنسانية والروح العربية الإسلامية. وعبر وسيط الإنترنت الذي نقلني في غمضة عيْن إلى غابات الأمازون، كان هذا الحوار الجميل كلبنان والوَدود كالبرازيل..

***

1) برأيكم، لماذا لم تتكرّر التّجربة الفريدة للرّابطة القلميّة الّتي أسّسها أدباء المهجر عام ١٩٢٢ في أمريكا؟

- بموازاة "الرابطة القلمية" الّتي تأسّست في أمريكا الشّماليّة، في نيويورك تحديدا، تأسّست في أمريكا الجنوبيّة، في مدينة ساو باولو، "عصبة الأندلس"، وهي رابطة أدباء عرب تحذو حذو الأدباء العرب في شمال القارة الأمريكيّة. التّجربتان شكّلتا علامة فارقة في الأدب العربيّ ونشأتا في مرحلة تاريخيّة كانت تتّسم بالنّهضة القوميّة العربيّة وبمحاولات حثيثة لإحياء وتجديد التّراث العربيّ. وممّا يميّز "الرّابطة القلميّة" و"عصبة الأندلس" أنّ الرّابطتين الأمريكيّتين كانتا مؤلّفتين من العنصر النّصراني الشّامي بشكل كلّي، ممّا يُعرف اليوم بلبنان وسوريا، الدولتين اللتين لم تكونا قد نالتا استقلالهما بعد في ظلّ اتفاقيّة سايكس بيكو.

منذ ذلك الزمن وحتّى اليوم، تغيّرت الظّروف التّاريخيّة كثيرًا في الوطن العربي، ممّا انعكس على الجاليات العربيّة في المهجر. وانعكس ذلك على النّشاط العربي ثقافة وأدبًا في بلدان المهجر الأمريكيّة. وقد انتقلنا من زمن كان فيه العرب يعتزّون بقوميّتهم ويحملونها إلى المهجر إلى زمن صار فيه العرب يتعرّضون لغزو ثقافيّ في عقر دارهم، وصارت اللّغة العربيّة غريبة بين أهلها في موطنهم، فكيف تحيا في بلدان المهجر؟

ما يحصل في الجاليات العربيّة في بلدان المهجر هو انعكاس لتردّي الأوضاع في البلدان الأمّ. ولا ننسى أنّ اندماج الجاليات العربيّة في أوطانها الجديدة له مساهمة كبيرة في هذا المجال.

2) كيف تحرّرت البرازيل من الديكتاتوريّة ونهضت بعد إفلاس؟

- تحرّرت البرازيل من الديكتاتوريّة العسكريّة التي حكمتْها من العام ١٩٦٤ وحتى العام ١٩٨٥ كنتيجة للنضال الكبير الذي قامت به فئات واسعة من الشعب، ممثَّلة بأحزاب ونقابات وجمعيّات، تصدّت للنّظام الديكتاتوري العسكريّ، فتكلّلت جهودها بالنّجاح وبدحْر النّظام الاستبدادي. وقد كانت الديكتاتوريّة في البرازيل منضوية تحت لواء الإمبرياليّة الأميركيّة أثناء حقبة "الحرب الباردة".

وقد أتاح زوال الدّيكتاتوريّة العسكريّة وصول النّظام الديمقراطي للحكم، وهذا تكلّل بوصول اليسار إلى سدّة رئاسة الجمهوريّة في العام ٢٠٠٢، عبر انتخابات ديمقراطيّة، حين انتُخب الرّئيس لويز إيفاسيو لولا دا سيلفا لأوّل مرّة رئيسًا للجمهوريّة. وكانت نتيجة هذا الصّعود انتهاج سياسات وطنيّة واتّخاذ قرارات سياديّة حرّرت البرازيل من سطوة صندوق النّقد الدّوليّ ومن أسْر السّلطة المركزيّة للولايات المتّحدة. وهذا سمح بانتشال البلاد من الإفلاس المحقَّق إلى تحقيق فائض كبير في رصيد الدّولة وفي احتياط العملة الصّعبة، فانتقلت البرازيل من طور الدولة الواقعة تحت الديون إلى الدولة الدائنة والمتمتّعة بفائض مالي. وكلّ هذا بفضل سياسات وطنيّة أخذت بعين الاعتبار مصالح الفئات المهمَّشة والمسحوقة ورفعت من مستوى معيشتها. ففي أوّل عقد من الألفيّة تخلّصت البرازيل من براثن الإفلاس والمديونيّة.

3) ما التّحدّيات الكبرى الّتي يواجهها المهاجرون العرب في البرازيل؟

- لعلّ أبرز التّحدّيات الّتي يواجهها المهاجرون العربي في البرازيل هي وجود هيئة موحَّدة تمثّلهم وتناضل من أجل حقوقهم. فالتّشرذم الحاصل في الأوطان ينتقل إلى البرازيل. وفي حين أنّ الغالبيّة من المهاجرين العرب هم من الشّاميين، من سوريين ولبنانيين وفلسطينيين، فإنّ العقود الأخيرة شهدت وفود مهاجرين من مصر والمغرب بشكل خاصّ، وبشكل أقلّ من باقي الأقطار العربيّة. ولا تزال الجاليتين السوريّة واللّبنانيّة هما عماد الجاليات العربيّة في البرازيل. يعجز المهاجرون العرب عن توحيد كلمتهم وإيصال ممثّلين يناضلون من أجلهم في محافل مؤسّسات الدّولة، من برلمان فيدرالي وبرلمانات الولاية، بالإضافة إلى مجالس البلديّات.

ولعلّ التّحدّي الآخَر هو اندماج الأجيال الثّانية والثّالثة والرّابعة في المجتمع البرازيليّ بشكل نهائيّ يفقدها الانتماء العربيّ ويضيع هويّتها. فالنّقص فادح في المدارس العربيّة والجامعات العربيّة وحتّى اليوم لا وجود لها على الأراضي البرازيليّة، والنّشاط الثّقافيّ العربيّ بشكل عام في حالة يُرثى لها. المهاجرون العرب في البرازيل شأنهم شأن إخوانهم العرب في الأوطان: منهمكون في السّعي وراء لقمة العيش ووراء المصالح الخاصّة، والشّأن العام انحسر انحسارًا مخيفًا.

4) من منظور الأدب الّذي تكتبه بلغة ثنائيّة، كيف وجدتُم الفرق بين اللّغتين العربيّة والبرتغالية التي هي لسان البرازيل؟

- اللّغة العربيّة، بالنّسبة لي، هي اللّغة الأمّ الّتي نشأت عليها وتعلّمت عشقها منذ نعومة أظافري في لبنان. اللغة البرتغاليّة هي لغة وطني الثّاني، البرازيل، الّذي أتيت إليه منذ ما يزيد عن ربع قرن من الزّمن.

كان التّعلّق باللّغة العربيّة في المهجر، في بداية سنين هجرتي، نوعًا من التّمسّك اللاواعي بالهويّة وبالوطن المفقود الّذي عزّ عليّ فقده. وكانت قراءة ما يقع بين يدي من أعمال أدبيّة وتاريخيّة وسياسيّة باللّغة العربيّة غذاءً للعقل والرّوح وإيقادًا لجذوة التّمسّك بأرض الوطن.

جاء تعلّقي باللّغة العربيّة في سنين مراهقتي بالبرازيل أيضًا كردّة فعل على ظاهرة أثارت عندي الشّعور بالغيرة. وجدت أنّنا في لبنان وفي الوطن العربي عمومًا كنا نعوّل كثيرًا على اللّغات الأجنبيّة (وقد تفاقم الأمر في هذا الزّمن عن تسعينات القرن الماضي)، في حين أنّ البرازيل تستخدم البرتغاليّة كلغة حياة علميّة وعمليّة ولا يكاد المرء يشعر على الأراضي البرازيليّة بأيّ حاجة للغة دخيلة. هذا الشّعور بالغيرة حيال اللّغة العربيّة جعلني أغوص فيها طيلة سنوات مهجري.

عندما أعبّر عن نفسي وجدانيًّا وكيانيًّا، فإنّ اللّغة العربيّة هي الوسيلة الطّبيعيّة لهذا التّعبير. اللغة البرتغاليّة أيضًا أضحت جزءًا من كياني، لكنني في مجال الأدب والثّقافة عمومًا أكثر اطّلاعًا باللّغة العربيّة، رغم أنّني حريص أيضًا على المطالعة باللّغة البرتغاليّة.

اللغة البرتغاليّة تجد مجالها في العلوم كافّة وفي التكنولوجيا، أمّا اللغة العربيّة فتعاني من جحود أبنائها وإهمالهم لها وانكبابهم على لغات مستعمريهم وناهبي ثرواتهم. اللغة البرتغاليّة هي التي سمحت لي برؤية الثراء الهائل للغة الأمّ.

5) كيف ينظر البرازيليّون إلى عالمنا العربيّ؟

- عامة الشّعب البرازيلي يتغذّى من تلك النظرة النمطية ومن الأفكار المسبَقة الّتي تغذّيها وسائل الإعلام، من أنّ العالم العربيّ هو موطن الحروب والأزمات.

أمّا المثقّفون والنّخبة فلديهم أدوات للحكم بشكل أفضل على واقع الحال في عالمنا العربيّ. هناك مراكز دراسات بقضايانا وهناك مثقّفون برازيليّون على درجة من الإطّلاع على كلّ ما يخصّ العرب والمسلمين.

العرب حاضرون في أعمال الأدباء البرازيليّين في العصر الحديث والمعاصر. على سبيل المثال الرّوائي جورج أمادو عنده رواية تتناول المهاجرين العرب في ولاية باهيا في البرازيل، بالإضافة إلى حضور شخصيّات عربيّة في أعمال روائيّة أخرى له. بولو كويليو، الكاتب البرازيلي الأكثر مبيعًا في الخارج، تناول الحضارة العربية في غير عمل من أعماله. هذا على سبيل المثال لا الحصر.

الشعب البرازيلي، بعامته وبخاصته، هو شعب غير عنصري بشكل عام. وتغلب عليه صفة قبول الآخر أيًّا كان انتماؤه العرقي والديني. لذلك، رغم وجود استثناءات، فإنّ التّمييز ضدّ العرب ورهاب الإسلام هما أمران غير موجودين تقريبًا في البرازيل.

6) ما الأمراض الّتي تعانيها لبنان الدّولة، وكيف السّبيل للعلاج؟

- سؤال تعجز عن إيفائه حقّه بضعة أسطر وربّما مجلّدات. لعلّ بيت الدّاء يكمن في إنشاء هذه الدّولة بشكل سقيم وبنائها على أسس غير سليمة مثل الطّائفيّة والزّبائنيّة والإقطاعيّة. هكذا، فإنّ المواطن اللّبناني العادي لا يشعر بالانتماء إلى الوطن وإنّما إلى الطّائفة والمنطقة والعشيرة والقبيلة. وهذا جعل لبنان مرتعًا للتّدخلات الاقليميّة والاجنبيّة منذ إنشائه.

لبنان كيان هشّ منذ نشوئه. السبيل إلى العلاج هو إلغاء أصول الفساد والإفساد وهي الطّائفيّة والمناطقيّة والعشائريّة. لكن هذا أمر عجزت عن محاربته حرب أهليّة طائفيّة دامت خمسة عشر عامًا، فكيف لنا أنّ ندّعي امتلاك علاجه في بضعة كلمات وسطور.

7) من واقع اهتماماتك السياسية، كيف تقيم تجربة الأطبّاء في سدّة الحكم الّذي تولّوه في أكثر من دولة عربيّة وأجنبيّة؟

- هناك أمثلة ناصعة مشرّفة لأطباء تولّوا الحكم في أكثر من مكان في البلدان العربيّة والأجنبيّة. وهناك أمثلة كارثيّة يَندى لها الجبين.

عندنا في أمريكا اللاتينية أمثلة مشرّفة: الرئيس التشيلي، سلفادور اليندي، طبيب الأطفال. الزعيم البرازيلي التاريخي ومؤسس برازيليا، الرّئيس جوسيلينو كوبيتشيك، جرّاح المسالك البوليّة. الثّائر والمثقّف الأرجنتيني إرنستو تشي غيفارا.

في البلدان العربيّة والإسلاميّة نذكر الأمثلة المشرّفة الآتية: القائد الشّهيد عبد العزيز الرّنتسيي، القيادي في حماس، والذي اغتاله الكيان الصهيوني. مؤسس الجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين الدكتور جورج حبش. الزعيم الماليزي التاريخي: مهاتير محمد.

وأعتقد أنّ النزعة الإنسانيّة لدى الأطبّاء والواقعيّة الّتي تقتضيها المهنة، مع الدّرجة العالية من التّفاني، تجعل من الأطبّاء سياسيّين ناجحين مهتمّين اهتمامًا صادقًا بالشّأن العام وبصالح المجتمع.

8) كيف حال المسلمين في أمريكا اللاتينيّة عامة، وفي البرازيل خاصّة؟

- لعلّ البرازيل اليوم هي الدّولة الّتي تتمتّع فيها الجاليات المسلمة بأكبر قدر من الحيويّة في أمريكا اللّاتينيّة. ومع ذلك، فإنّ الأحوال العامّة للمسلمين ليست على ما يرام. فالمسلم يعاني من صراع الهويّة كونه ينتمي إلى أقليّة دينيّة، والجاليات المسلمة تفتقر إلى قيادات صاحبة كفاءة واقتدار لتمثيلها لدى الهيئات الرّسميّة وفي المحافل الدّوليّة.

هناك نقص كبير في المرافق العامّة لدى الجاليات الإسلاميّة. فالمدارس الإسلاميّة لا تفي بالحاجة. والجامعات الإسلاميّة غير موجودة بتاتًا. أمّا المستشفيات والمراكز الصّحيّة الإسلاميّة فهي مفقودة كليًّا أيضًا.

لو كانت أحوال الأمّة الإسلاميّة بما يَسرّ ويُرضي، لانتفى انتفاءً تامًّا وجود مصطلح "أقليّات إسلاميّة" ولَاستوْعبَت البلدان الإسلاميّة كافّة أبنائها ولم تتركهم نهباً للتّهجير والاغتراب.

9) كيف ترى الاتجاه نحو دراسة الطب في كليّات طب خاصّة، هل يسهم في منظومة طبيّة أفضل، أم أنّ المال يفسد الطّبّ كما يفسد الدّين والسياسة والثقافة؟

-على سؤالك يا دكتور منير أضيف: إن المال لا يفسد الطب والدين والسياسة والثقافة فحسب، بل هو يفسد البيئة والرياضة وكل ما استطاع إليه سبيلًا من ميادين.

المشكلة في اقتحام منطق الربح السريع للمنظومة التعليمية الطبية، هي إنشاء كليات طبية تفتقر إلى الحد الأدنى من المطلوب لتخريج أطباء أصحاب كفاءة وضمير لمزاولة مهنة الطّبّ. لكن يبدو أنّ سياسات الكثير من الدّول عاجزة عن التّصّدي لهذه المسألة بشكل جديّ، ذلك لأنّ صراع المصالح يتغلّب على الصّالح العام في كثير من الأحيان.

10) هل من اتجاه إلى الضّرب بسهم في مجال التّرجمة من وإلى البرتغاليّة؟

- أحيانًا أقوم بترجمة بعض النّصوص الّتي تروقني من وإلى البرتغاليّة. وهذا يحصل حين أشعر أن الترجمة ميسورة. في كثير من الأحيان أجد صعوبة في الترجمة بين اللغتين، وأرى أنّ الأمر يتطلّب مجهودًا كبيرًا. حاليًّا لا مشاريع في هذا المجال.

11) في ضوء مقولة باولو كويلو: "يتعيّن عليك أحيانًا السّفر بعيدًا للعثور على ما هو قريب". ما القريب الّذي عثرت عليه بعد سفرك إلى البرازيل؟

- في البرازيل عثرْت على هويّتي العربية والإسلامية. في البرازيل تَسنّى لي أن أرى الدنيا والنّاس بعيون مختلفة. في البرازيل عثرْت على ما هو أهمّ من كلّ ما سلف: عثرْت على نفسي.

12) كيف وجدت القاهرة في زيارتك الأولى لها قبل أيّام؟

- ذهبْت إلى القاهرة لزيارة واحدة من عجائب الدّنيا السبع، فإذا بي أجد ما هو أعجب من كل عجائب الآثار المصريّة القديمة، وما هو أعجب من كلّ المعالم التّاريخيّة العربيّة والاسلاميّة..وجدت الإنسان المصريّ الطّيب الكادح المظلوم، المستند على آلاف السنين من الحضارة. وجدت الإنسان المصريّ المحروم من العيش الكريم والرّازح تحت وطأة أزمة اقتصاديّة خانقة. ووجدت الإنسان المصريّ الّذي يصارع من أجل البقاء ومن أجل هويّته العربيّة والإسلاميّة.

***

أُجري الحوار د. منير لطفي

في أغسطس 2023

شوقي كريم حسن:

- ما من عراقي، لايعرف اين يكثر ويتكاثر السيبندية

- اكتشفت صدفة ان هناك شط قريب منها يحاذي قصور الباشوات

- كان مجرد حلم بان اكون ممثلا لكني عرفت فيما بعد احبة

- حولوا النقد العراقي الى سوق ارتزاق يكتبون عمن يدفع

- ماتراه عدواً لدودا اليوم يصبح في يومك الثاني صديقا مخلصاً

- الشعر هذه الايام اختلط اخضره بيابسة

- اجعل من عناوين رواياتي بابا تسويقياً اولا

- لست نبياً كي ادعو للفضيلة

***

شوقي كريم مثل كائن اسطوري واضح العالم لكنه بحدود غير معلومة إذ يمكنك التقاطه فوق موجات أثير الاذاعات ورؤيته من على الشاشات وفوق رفوف المكتبات وعلى صفحات المطبوعات وتسمعه فاعلا يتردد في المناقشات بين ادباء واديبات وقراء ومستمعات.. له في كل مجلس وسادة وفي كل وليمة سهما وفي كل مشكلة قول.. نعم انه شوقي كريم ذلك الفتى الجنوبي الخارج من بين صرائف الشاكرية ممتشقا يراعا لايصمد أمامه اخر ولسانا له حد السيف كتب للإذاعة والتلفزيون ومارس الصحافة والادب واصدر الرواية والقصة القصيرة والمسرح وحفر لاسمه مكانا في تاريخ الادب والفن العراقي.

* من هو شوقي كريم؟.

- كائن القى به الزمن من بلاد سومر ليعيش في بلد مليء بالحكايات الغريبة والقصص ويتأمل بروح متحدية ماصنعته الحروب اراه مرة يتسربل الجنون بكل مافيه من مخاطر وفي مرات يتصرف بحكمة وترو وصدق قد يكون مبالغ فيه شوقي كريم عاش منذ عرف الحرف تحديات وصراعات سياسية واجتماعية وفكرية ادت به الى السجون والمعتقلات كانت الحروب عدوه الاول لهذا فهو خليط غير متجانس

* اين يتكاثر السيبندية؟.

- ما من عراقي لا يعرف اين يكثر ويتكاثر السيبندية انهم اساس بلاء هذه البلاد منذ جاء الاحتلال اصحاب الورقات الثلاث الذين تراهم كل يوم بشكل وفعل مختلفين نعم اعظم بلد في صناعة السيبندية ويحق لنا التفاخر بذلك بعد ان انعدمت الصناعات الوطنية الاخرى،،سيبندية البلاد صناع قرارها الاقتصادي والسياسي ولهذا استحقوا التمجيد

* ماذا تعني لك الشاكرية وماهي ذكرياتك عنها؟.

- الشاكرية مختصر الجنوب مجتمعاً والذي انتقل مع زيادات في المواطنة الى مدينة الثورة الشاكرية مجمع الوعي المعرفي الاول لولائك الذين جيء بهم عنوة من ضفاف الشطآن والاهوار ليسكنوا بيوت طين عجيبة التكوين،،اتذكر يوم اكتشفت صدفة ان هناك شط قريب منها يحاذي قصور الباشوات فرفحت روحي فرحت وصحبي باول غزوة لدجلة قريباً من بيت حامد قاسم شقيق الزعيم عبد الكريم قاسم كان احتفالاً بهيجاً بعده اتممت الاحتفال في مدرسة الاخلاص وسط القصور وكانت معرفتي باول ممثل كنت اعتبره كائنا غريبا هو ابراهيم الهنداوي. كانت الشاكرية اول خطوات الفقر باتجاه الوعي واكتشاف الاسئلة الحادة والمخيفة معا.3625 شوقي كريم

* من دلك على طريق الادب؟.

- لم اك بعد قد عرفت طريق الكتاب والادب كان مجرد حلم بان اكون ممثلا لكني عرفت فيما بعد احبة كثر عباس لطيف عبدالله صخي حميد قاسم وغيرهم ممن كون فيما بعد ذاكرة مدينة الثورة٥

* هل انت متحامل على النقاد ولماذا؟.

- لا اتحامل الا على اولئك الذين حولوا النقد العراقي الى سوق ارتزاق يكتبون عمن يدفع اكثر دون النظر الى اهمية ما يكتبون عنه واهمية اولئك اصحاب القوالب الجاهزة هم من يتوجب طردهم من المشهد الثقافي اما النقدية العراقية فهي محترمة ومتابعة بشكل جيد وانتجت اسماء مهمة ينظر اليها بعين الاحترام والتبجيل خوفي على المنجز المعرفي الكبير الضياع من خلال منافع تافهة

* لمن يكتب شوقي كريم في القصة والرواية؟.

- الكتابة رغبة نفسية في التعبير عن جوانيات الارث الذي نشعره ثقيلا ونحتاج الى تدوينه واشهاره ومن هنا تنطلق المهمة السردية التي تحولت عندي الى تدوين تاريخي يحتاج التعريف فيه والحفاظ عليه نحن شعب ارثي لهذا يجب ان تنحول السرديات لتحل محل المورخ المؤدلج والمرتبط بالدولة وافكارها بشكل او اخر لهذا اكتب من أجل الحفاظ على ازمنة أهلي التي اخاف عليها من الضياع والتلاشي

وفي الاذاعة والتلفزيون المهمة تختلف فلقد دونت عبر ما كتبت تاريخ العراق منذ جلجامش حتى أخر الحروب سياسيا واجتماعيا محاولا الاسهام في اعلان المعرفية العامة التي يحتاجها المواطن العراقي،

* يقال انك لاعدو في العلانية ولا صديق في السر

- تعلمت منذ كنت صبياً ان هذه المسميات تتشابه الى حد التطابق في احايين كثيرة ماتراه عدواً لدودا اليوم يصبح في يومك الثاني صديقا مخلصاً بموجب المصالح هذا الكون بكل مافيه تحركه المصالح ولاشيء سواها.

* هل لك ذكريات في الجنوب؟.

- ولدت ذات ليل على ضفاف نهر الغراف لهذا ارتبطت ذكريات بالماء والقصب والنايات وحناجر المغنين، الجنوب السومري تشكيلة معرفيه مهمة تمتد من زقورة اور حتى خشابة البصرة، علمني الجنوب الحكايات وكيفيات خزن ماتقوله الكوانين قبل مدارس الدولة كانت مدارس الاباء والامهات والمضائف كل هذا يسكن اعماقي

* كيف تختار عناوين سردياتك؟.

- انا بائع افكار وجمال ومعارف لهذا يجب ان يكون المدخل النصي متفقاً ولعبة الاغواء لهذا عمدت الى ان اجعل من عناوين رواياتي بابا تسويقياً اولا ومن ثم تأتي التفرعات الاخرى دع المتلقي يدخل ثم لقنه بما تريد

* قبل ايام طرحت قائمة باسعار النقاد هل كنت جادا؟.

- كل الوسط الثقافي يعرف ممارسات بعض النقاد الطارئين على المشهد الثقافي ولكنه صامت ولايجيد الادانه او المقاطعة الامر سهل بالنسبة لهؤلاء يعرفون اي الابواب تطرق وفي الزمن المختار اما معرفتي فتلك مهمة سهله صار عمري داخل هذا الوسط نصف قرن ونيف وكنت حتى السنة الماضية حزءا من تشكيلته القيادية لهذا اعرف كل صغيرة وكبيرة بل وتجرا احدهم امام الاعيان في سوق المتنبي ان ادفع له ما استطيع لقاء ان يكتب عن اعمالي كاملة فكان يومه اسود

* عندما تكثر الطماطة في السوق تتراجع اسعار البصل هل الشعر مشمول بهذه القاعدة؟.

- الشعر هذه الايام اختلط اخضره بيابسة واصبح امره سهلاً مادامت وسائل التواصل الاجتماعي قد سهلت مهمة النشر مع تعدد الوانه وغايات ولكن لنكن منصفين هناك من يحق لنا ان نمجد مايكتبون وهم صناع الجمال والرفعة الشعرية

* الدراما في الاذاعة والتلفزيون هل شملتها المقرضة؟.

- لا اخفي سرا اذا ماقلت بعلو الصوت. إن الدراما بكامل تواصيفها تعيش وضعاً صعباً وهي على فراش الانعاش الدراما الاذاعية يتيمة لاتنتج غير اليسير واصبح يسير ضمن اتجاه واحد ولم يعد المستمع يكترث للاذاعة مثلما كان سابقا اما الدامت التلفازية فصارت تشتغل لمقاصد سياسية اكثر مما هي مقاصد جمالية تعليمية ترفيهية ثمة الكثير من العثرات التي يتوجب معالجتها سريعا والا انتهى كل شيء

* من هم رواد المسرح الحالي؟.

- انتهت الريادة منذ زمن طويل وانتهى معهم المسرح المهموم والموجه للناس غدت ايام المسرح هذه الايام مجموعة صور ترافقها جواز سفر وعودة مع شهادة تقدير وقول يشير الى ان ذاك العرض المسرحي رفع رأس العراق وكأن رأس العراق منكساً مكسورا لاسامح الله ما اعرفه وتعلمته ان المسرح مهمته المتلقي المحلي فاين هو الان من الناس الذين ينتظرونه بشغف؟.

* ماهي خطيئة شوقي كريم؟.

- أنا الجنوبي الفقير لست نبياً كي ادعو للفضيلة ولا ضالاً كي ادعو للضلال ولكني انسان ادعو لحمل وسام الانسانية هذا ما قلته ايام كتابتي الاولى ابقيت نفسي مبتعدة عن الخطايا الاماهو بسيط منها لااعرف الكراهية ولا الحقد ماتهمني مسيرتي وما التفت لاحد احب اعدائي واحزن لاجلهم واتمنى ان نغسل قلوبنا جميعاً من الصغائن والاحقاد تلك هي مسيرتي التي اعتز بها

* ماذا قال النقاد عنك هل انت متفائل؟.

- النقدية العراقية منذ كنت صبياً يحبو في ساحة الادب انتبهت اليَّ كثيراً ورأت في ما اكتب منفذا لكتابات تجديدية برفقة الاصدقاء حميد المختار وعبد الرضا الحميد والراحل اسماعيل عيسى بكر وعبد الستار البيضاني كانت منطلقاتنا سليمة لهذا توجب على النقد متابعتي وانا اليوم ضمن دائرة الاهتمام الكبرى كتب صدرت عن تجربتي واطاريح ورسائل ماجستير ودكتوراه والكثير من الدراسات اليومية المهمة التي تنشر في المجلات والجرائد اقول بكل محبة لم يبق ناقد او مهتم بالنقد الا وتناوش اعمالي بالمتابعة والدراسة من الدكتور علي جواد الطاهر وفاضل ثامر و حتى النقاد الشباب اليوم تجربتي ثرة مما دفع النقد الى متابعتها وانا فخور جدا بذلك،٠

* هل انت القائل (من لم ينل في القول رتبة شاعر.. تقنع بقول بصفة ناقد)؟.

- لالا لم اقتنع بهذا القول ابدا النقد علم ومعرفة ودراية ودربة ثقافية وله خصوصية وان حدثت بعض الاستثناءات فهذا ليس عيباً ابدا وجود الناقد واقصد الناقد المختص مهمة يحتاجها المتلقي والكاتب معا اما اولئك الذي يشتغلون في القوالب والعروض الكتبية البسيطة فتلك قضية موجودة في كل العالم وخصصت لها مجلات وجرائد لانها تقدم جهدا تعريفياً بالكتب الصادرة بشتى مواضيعهاً

* هل هناك اكاذيب مقدسة؟.

- الرب يقول في كتابه المقدس نحن نقص عليك احسن القصص وتلك اشارة واضحة ان هناك قصص ارضية مليئة بالخيال والخيال حزمة من الاكاذيب التي تصنع جمالا لهذا فهي مقدسة تقول العرب ان احسن الشعر اكذبه لهذا فهو كذب مقدس لانجد شاعرا وساردا على طول هذا الكون لايمتهن الكذب المقدس العارف بمقاصده الروحية واول كتبنا الروحية العظيمة المقدسة الف ليلة وليلة وهم اهم مدرسة انسانية لصناعة الاكاذيب المقدسة التي علمتنا الحكمة ومنحتنا مخيلة لاثة تحاول فك طلاسم تلك الاكاذيب التي لايمكن ان تنتهي.3626 شوقي كريم

* هل توقفت ايام البغل على السته؟.

- مادامت الحروب معلنة ايام البغل الستة باقية البغال الشريك الموثر في حروبنا برغم ما يقدمه من عون انتهكنا وجوده الاليف وهو كائن متفرد جدا لاشبيه له في هذا الكون شخصيا اراه صادقاً مع نفسه لهذا ينتحر دون تردد ما ان يشعر بالظلم والاضطهاد والضحر مؤمنا ان خاتمة حياة قاسية احسن الف مرة من حياة قاسية ليتك لتعرف المغزى رأيت دموع بغل وهو يستعد للانتحار احتجاجاً على ظلم الانسان وجبروته.

* من هو جدك السومري الاول؟.

- أجدادي في اور واوروك وكيش ولكش وبابل واشور كثر كتبت ازمنتهم وتواريخهم بدراية معرفية اشرف على توجيهها وادارتها كبار الاثاريين علمني اسرارها الملهم المقدس طه باقر حين كتبت جلجامش الذي جسده سامي عبد الحميد وكشفت سراً ان الملحمة البابلية تختلف عن تلك السومرية بالكثير من التفاصيل ثم جاء فؤاد سفر وبهنام ابو الصوف لاقدم لهم قراءات اذاعية مهمة عن ملوك وعوائل حكمت البلاد منذ اور نمو الفاعل الاول والموحد المجيد حتى بلاد الحضر وماحدث بها اولئك حزمة اجدادي الذين اباهي حتى نفسي بهم واقف مع من قال اولئك اجدادي فجئني بمثلهم،،ملوك بلاد الشروكية التي قدسها الارباب وانشدت من اجلها اهم الاناشيد واحلاها،

* ماهي لاوزان المستخدمة في النقد وماعلاقة البطيخ بالوزن؟.

- ارى اليوم عند بعض النقاد قاعدة او قواعد غريبة تعتمد مبدأ البطيخ الذي في الشاحنة تلك القاعدة تقول كلما اخذت من الشاحنة ما اريد رايت في ما اكتب عنه مهما ومبدعا وموثرا تلك القاعدة موجودة بوضوح للاسف الشديد ولكن البعض ايضا يحاول التغاضي عنها رغم وجودها الغريب والوقح ايضا لا ادري متى تخلص شاحنة البطيخ ولكنها ستخلص ذات يوم،

* هل ترفص وجود المرأة الاديبة والناقدة باعتبارك ترى الادب ذكورياً؟.

- ما انا الذي يرى بل الانسانية كلها يقال ان الاناث بارواحهن الجذابة العميقة التاثير نصف الانسانية او اكثر فلماذا لم يظهر هذا النصف كل طاقاته الابداعية وظل ملتصقا بالذكورة بشكل او اخر لابد ان هناك ثمة اسباب كثيرة الاعتراف فضيلة ان الادب مهمة ذكورية وان وجدت بعض الاستثناءات فهذا يأتي نتيجة طفرات وراثية كل مليون اديب وكاتب وشاعر في هذا العالم نجد ثمان او عشر او مئة وكلهن توابع لذوات الذكوره ولك ان ترى من هي سيمون دبفوار لولا سارتر ومن هي جاك لندن واخناتوفا وهكذا اما عندنا فدعنا نحسب اين هو نصف مجتمعنا الفاعل في الادب منذ الخنساء التي صارت شاعرة من اجل اخوتها حتى اللواتي كتبن ادباً من اجل الحب واماني اللقاء بمحب

جميل يشبه نزار قباني ،،محنة المرأة الاديبة مخيفة لانها بقيت تسعى لتكون اديبة وهي تحت ظلال الذكورة ان انكسرت الذكورة اضاعت المرأة بوصلة اتجاهها

* ماهي قصة الخبر والكتب؟!!

- واهم ذاك الذي قال ليس بالخبز وحده يحيا الانسان،،الخير مكون حياتي فاعل جربت يوما في مدينة نصف سكانها تحت خط الفقر بان اضع خبزا والى جانبه اكوام من الكتب في شتى المجالات للاسف لم ينتبه احداً للكتاب واخذت الارغفة في ومضة عين السؤال الذي لابد منه كيف يستطيع جائع القراءة دلوني على من فعلها او بفعلها الان؟.

* ماذا يعني لك الوطن؟.

- سؤال اراه غريباً يحب ان يكون ماذا اعني للوطن لان الاوطان تعيش بنا هو ليست الارض التي تؤكد وجودنا بل مجموعة متناهية في القدم تعيش في اعماقنا وهي المحرك الاساس لذواتنا مافائدة ارض دون تلك الاحاسيس الانتمائية،،الوطن بالنسبة لي مجموعة مكوناتي الروحية الشديدة التاثير،

* هل تمارس بيع الاكاذيب وسط هذا الحر اللاهب؟.

- طبعا مهنتي تجميل الواقع المليء بالاكاذيب واعادة تكوينه ومن ثم تسويقة ليكون زاداً روحياً جمالياً لمن يرغب بان يكون قريباً من الحياة او في خضمها دلني على اديب واحد لايكذب حين يكتب ادباً يريد به رقي الانسان ورفعته!!

* هل تحفظ أرقام ما انجزت من جميع ضروب الادب المروي والمسموع والمقروء؟.

- نعم لن انسى ازمنتي وجهدي الكتابي الذي تعريت وجعت وسجنت وقاومت من اجل ديمومته انتجث مالم ينتجه غيري في الاذاعة٢٥٠ مسلسلا اذاعيا نلت عن بعضهن جوائز عراقية وعربية وكتبت برامج ظلت لسنوات تبث وكتبت للمسرح٢٠ مسرحية نلت عنها جوائز عراقية وعربية وكتبت٢٠ رواية وثمان مجاميع قصصية ولدي في جعبتي الكثير يمكن ان اقول اني موظف كتابة لا اغادرها ولا تغادرني وان فكرت ضجرا ان احيل نفسي الى التقاعد ولكن كيف ذاك سؤال لاجد له اجابة!!

* ماهي طريقتك في كتابة التاريخ؟.

- ما من كاتب على اتساع هذه الخليقة استطاع الخروج عن مؤثرات التاريخ ومكوناته سوى كانت بعيدة او غادرتنا قبل هنيهات التاريخ بوعية الجمعي هو الحقيقة حتى وان كانت مبالغ فيها الباقية اكبر الاكاذيب الانسانية تلك التي تقول ان هناك حاضراً ومستقبلا كلا الصفتين عبيدا للتاريخ خطوة واحدة ويغدو كل منهما تاريخاً يبقيه حياً ولاني ابن ارض تقدس التاريخ وتراه قاعدة تفاخرها العليا والتي لاتملك سواه انتميت الى التاريخ وجعلت منه اهم مصادر كتاباتي التي اثارت جدلاً ربما اكون الاول الى مهمة ان نجعل من السرد موثقاً تاريخيا،

* يقال اهل الغراف يهبهم الله خامات صوتية جميلة فهل تجيد الغناء واي الاطوار أحب اليك؟.

- مالذي تريده من طفل فتح عينية ليجد نفسه محاطاً بالقصب والبردي والنايات والحناجر الذائبة باحزانها اهاتنا ترتبط بتواريخ الجوع والقهر وادمان الفجيعة لهذا خرج في مدينتي طور غنائي يسمى الشطراوي فيه من الاسى والاحزان جبل انا اعشق النواح خاصة نواح سيدات السواد الامهات اللواتي علمننا معنى الدليلول واساها اعشق هيامات داخل حسن وخضير مقطورة وجبار ونيسة وسيد محمد وسلمان المنكوب ونسيم عوده وسواهم!!

* مانوع علاقة شوقي كريم بالشعر؟. وهل كتبت شعراً فصيحاً او محكيا يوماً؟.

- لا يمكن تصور هذا الكون دونما شعر فكيف الامر مع بلدٍ مثل العراق نهريه وسواقيه تقولان شعراً انا قاريء نهم وبشكل يومي لكل انواع الشعر وبكل تفاصيله المكتوبة بالعربية او باللغة العراقية المحكية تبهرني في المحكي قدرات كاظم اسماعيل الگاطع واراه اهم من النواب لانه شاعراصيل فيما دخل النواب الشعر الجنوبي من باب التعلم والصنعة مع مهارة لاانكرها واتمنى لو ان عريان السيد خلف تخلص من بعض غموض اللغة ومفرداتها القاموسية الخاصة باهلها واهيم طرباً مع بلند الحيدري وقيس لفته مراد ولا احب السياب كثيراً

كتبت داخل مسروداتي قصائد نثرية عن عمد حتى ان الاستاذ فاضل ثامر والشاعرة رسمية محيبس زاير اشارا بدراساتهما عني الى هذه الخصيصة الشعر مجاز جمالي يحتاج الى فهم تفسيري ويجب ان يكتب دون تسرع وانا كائن اخاف الوقت ولا اريد له الانتظار!!

* من هو الشاعر الذي تهتز اريحيتك له؟.

- اشرت في اجابتي عن سؤالك الاسبق عن مجموعة اسماء تفاعلت معهم ورايت فيهم ارواحاً جمالية مهمة في ايام فتوتي رأيت في سعدي يوسف مثل كل ابناء جيلي نموذجا جماليا يحتذى ويتابع لكني وبعد ان اضاع المشيتين هجرته مرغماً لاتابع خطوات حسب الشيخ جعفر الذي قرأته منذ عبر الحائط في المراة بشغف لانه روح باذخة لينة!!

* هل رقص قلبك عشقا؟.

- وآه واحزني على القلوب التي لاتعشق،،الدنيا مبنية على الحب والذي لايحب كائن خارج عن معاني انسانيته عشقت منذ صباي حتى قبل ان اعرف ما اصابني واستمر عشقي حتى اليوم امرأة واحدة ماغادرني عشقها ولا يريد ان يغادر هي امي فطيم وحيلي التي غادرتني مبكرا فبقيت انتظر عودتها كلما انصت الى صوت ماكنة خياطة او رايتها

النصيحة ان على الذي لايعرف العشق ان يرمي بقلبه بعيداً

* هل بياض الشعر يتناسب عكسيا مع عدد المعجبات؟.

- البياض منحني وقاراً وزادني حكمة وتاملاً معجبات اليوم يعجبن بشوقي كريم الكاتب الانسان ونصف متابعي صفحاتي من الاناث اللواتي اكن لهن احتراماً خاصاً واحاول قدر ما استطيع ان اكون قريباً منهن في كل مايكتبن ويقولن ويفعلن الاناث حبيبات الالهة السومرية لهذا بوصفي السومري اجلهن!!

* ماهي قصة الحب الاول؟.

- الحب الاول بالنسبة لي فكرة ساخرة تعجلت بها كثيرا نتيجة نزوات بسيطة ساذجة غير مدروسة كان لامي الدور الاهم بها وقد كتبتها قصة احببت قريبة لي وذهب امي لخطبتها لكن اهلها رفضوا بشدة لاننا فقراء وانا ولد مشاكس لايؤتمن على شيء،،عادت امي منكسرة وظل وجع تلك اللحظة قائماً حتى الان بعد سنوات طويلة التقيتها عند باب سوق مركزي عرفتها وعرفتني ولكننا التقينا لقاء الغرباء!!

* هل لامست قلبك باسئلتي؟.

- لا اجاملك هي المرة الاولى التي اشعر اني اعيش حوارا مغايرا مختلفاً انت نباش جميل ومشاكس ايضا وانا احب المشاكسة بطبعي!!

* انا تعب من طرح الاسئلة ولم اتمكن من الاحاطة بشوقي كريم هل لديك شيئا تضيفه؟.

- نعم اشعر بأني تحولت الى كائن دخل الفراغ من كثر ما اجاب عن الاسئلة شكرا لك فتحت امامي ابواب التذكر.

* واخيرا ايقنت ان رحلتي في قطار شوقي كريم وصلت محطتها الاخيرة مع وجود الاسئلة الكثيرة التي لم تطرح بعد فرضخت للترجل مجبرا على ان يسمح الزمن بسفرة مشابهة في هذا القطار الممتع

***

حاوره: راضي المترفي

حاورته: هدى فخر الدين

ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

***

أدونيس هو الاسم المستعار الذي اعتمده علي أحمد سعيد إسبر. ولد علي عام 1930 في قرية قصابين السورية، وعرف علي البالغ من العمر 13 عاما أنه مقدر له أن يكون شاعرا. عندما سمع أن الرئيس شكري القوتلي كان قادما للزيارة، سافر سيرا على الأقدام إلى البلدة المجاورة لإلقاء قصيدة. بأعجوبة، انتهى به الأمر بقراءة قصيدته أمام الرئيس الذي وعده في المقابل بالتعليم. المستحيل دائما في متناول اليد في قصة حياة أدونيس. اقرأ مقدمة هدى فخر الدين الكاملة في الجزء الأول.

***

هدى فخر الدين: متى ولماذا تم القبض عليك؟

أدونيس: في عام 1955، تم اعتقالي بسبب صلتي بالحزب السوري القومي الاجتماعي. اغتيل عدنان المالكي السياسي والضابط في الجيش في دمشق واتهم الحزب بقتله. وهكذا، قام النظام الحاكم بقمع جميع أعضاء الحزب. كنت في حلب لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية عندما تم اعتقالي.

هدى فخر الدين: ماذا تتذكر من تجربتك في السجن؟

أدونيس: لقد كانت تجربة مريرة للغاية. قضيت سنة في السجن ثم سنة أكملت فيها خدمتي العسكرية. كان السجن من أكثر التجارب المحورية في حياتي. لا أحب الحديث عنها. سيكون السجن محور تركيز رئيسي في السيرة الذاتية التي أكتبها.

فيما بعد، تركت الحزب لأن التجربة علمتني أن بناء مؤسسات فاعلة في المجتمع العربي يكاد يكون مستحيلا ما لم يتم بناؤها وإعادة بنائها مرارا وتكرارا، وإذا لم تتوفر إرادة مستقلة ودرجة عالية من الالتزام الأخلاقي، فإن المؤسسات محكوم عليها بالفشل، خاصة في مجتمعات مثل مجتمعاتنا حيث النقاط المرجعية الأساسية هي الدين والطائفية والعرق. دائما ما يبتلع الوحش الذي يتمردون عليه من الأحزاب السياسية في النهاية.

هدى فخر الدين: دعنا نسأل عن اللقاء بزوجتك خالدة سعيد. ربما تكون أهم قارئ وناقدة لك.

أدونيس: لا أنشر أي شيء أبدا دون أن تنظر إليه. إن تعقيد علاقتي مع خالدة تجاوزته الصداقة الموجودة بيننا التي لا تتزعزع. اكتشفنا أن الحب لا يمكن أن ينمو إذا لم يتم احتضانه من خلال الصداقة، بغض النظر عن مدى قوة أو شراسة هذا الحب. وما أنقذ علاقتنا، على الرغم من كل الصعوبات والاضطرابات طوال حياتنا، هو الصداقة الفكرية العميقة التي كانت قائمة بيننا وما زالت قائمة حتى اليوم. الصديق قادر على التحدث إليك، وأنت تتحدث معه، دون قيد أو شرط وتحت أي ظرف من الظروف. قال أبو حيان التوحيدي ذات مرة: "الصديق هو أنت آخر ".

هدى فخر الدين: متى قابلت خالدة؟

أدونيس: التقينا عام 1952 في دمشق. كانت في كلية المعلمين. التقينا لأول مرة في منزل الصديقة عبلة الخوري كانت شخصية إذاعية معروفة وشخصية بارزة في المشهد الثقافي. كانت مرتبطة بالحزب. كان شقيقها عضوا بارزا.

هدى فخر الدين: هل كانت خالدة عضوة في الحزب السوري القومي الاجتماعي؟

أدونيس: ليس في ذلك الوقت. لكنها انضمت لاحقا إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وأصبحت أكثر انخراطا مما كنت عليه. لقد سُجنت أيضا بسبب علاقتها بالحزب. كان هذا عندما غادرت إلى بيروت - ثم انضمت إلي بعد ستة أشهر.

هدى فخر الدين: هل سبق لك أن اختلفت جوهريا مع أي من قراءاتها لعملك؟

أدونيس: لا ننشر أبدا أي شيء دون استشارة الآخر أولا. أخبرها أن تكون ناقدة، وأن تقرأني بموضوعية، وإذا كان هناك أي شيء لا تحبه، فتقوم بتأكيده بقلم أحمر.

هدى فخر الدين: كيف تصف علاقتكما بابنتيك أرواد ونينار؟

أدونيس: ربما يمكنني أن أفعل ذلك بشكل أفضل من خلال قصة. عندما تخرجت أرواد من المدرسة الثانوية، التحقت بكلية الآداب الحرة لدراسة الأدب الفرنسي. كان العديد من أقرانها نشيطين في الأوساط اليسارية. ذات يوم أخبرتني أرواد أنها تريد الانضمام للحزب الشيوعي. أخبرتها بالضبط ما قاله لي والدي: لن أقول لا، لكنني لن أقول نعم أيضًا. سألتها عن رأيها في ذلك. أخبرتها أن تصادقهم وأن تطرح الأسئلة، وأن تنتبه إلى مدى انعكاس أفكارهم بشكل وثيق في ممارساتهم. إذا عاشوا ما يزعمون أنهم يؤمنون به شيء، وشيء آخر تماما إذا لم يفعلوا ذلك. أتركها تتخذ القرار بنفسها - فهذه دائما أفضل طريقة. ادرسي الأشياء بعناية، جربيها، ثم قرري. لقد اتخذت قرارها بنفسها. بعد شهرين أو ثلاثة، أتت إلي وهي تبدو مستاءة. سألتها ما هو الخطأ. قالت إنها انهت العلاقة مع الحزب الشيوعي!

هدى فخر الدين: هل كنت قريبا من بناتك عندما كن يكبرن؟

أدونيس: لم أجد الوقت الذي أقضيه معهما. كنت دائما خارج المنزل، سواء للعمل أو السفر أو الكتابة. لقد عهدت بحياتهما بالكامل إلى والدتهما. كانت والدتهما متعلمة ومطلعة وناقدة. عرفت كيف تربي أطفالها وتعتني بهم بالطريقة الصحيحة. أشعر بالأسف وأحيانا بالحزن لأن الصداقة لم تنمو بيننا أبدا.

هدى فخر الدين: حتى الآن؟

أدونيس: الآن صداقتنا فكرية، بينما كنت أتمنى دائما أن تكون أكثر حميمية. بهذه الطريقة، إذا حدث أي شيء لهما، فإنهما ستأتيان وتتحدثان معي. سيكون هناك نوع من التعاطف يتجاوز المنطق والعقل - علاقة مبنية على حياة العواطف. لم نحصل على ذلك أبدا، ربما، لأنني كنت مشغولا بنفسي.

هدى فخر الدين: ما هي الظروف الأولى التي أوصلتك إلى لبنان؟ كيف كان الشعور بالانتقال إلى هناك؟

أدونيس: كان لي موعد مع يوسف الخال في بيروت. كان في نيويورك مع الوفد اللبناني في الأمم المتحدة برئاسة تشارلز مالك عندما نشرت قصيدة بعنوان "الفراغ" عام 1954. قرأها وكتب إليّ قائلا إنه ذاهب إلى بيروت ليطلق مجلة جديدة بعنوان "شعر". كان يعتقد أن قصيدتي مهمة لأنه وجد فيها تحولا حقيقيا من الشعر التقليدي إلى الشعر الحر الذي كان يحلم به، وهو الشعر الذي أطلقنا عليه لاحقا اسم شعر التفعيلة.

هدى فخر الدين: وهل كتبت تلك القصيدة الحديثة بمفردك دون أي تأثيرات؟

أدونيس: بمفردي.

هدى فخر الدين: هذا كان عام 1954، لم تقرأ الشعراء العرب الآخرين الذين كانوا يجربون نفس الشكل في العراق مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة؟

أدونيس: من حيث التركيب، كانت قصيدتي مختلفة. كان استخدامي للتفعيلة الشعرية (التفعيلة) مختلفا.

هدى فخر الدين: هل كنت على علم بكتاباتهم بعد ذلك؟

أدونيس: ليس بعد. قابلت نازك الملائكة بعد عام 1960 فقط.

هدى فخر الدين: إذن كان لدى يوسف الخال مشروع واتصل بك للانضمام إليه.

أدونيس: نعم. لم ألتق به من قبل واتفقنا على اللقاء لأول مرة في بيروت. التقينا في مقهى نصر على البحر في بيروت. التقطنا صورة معا هناك وتم نشرها لاحقا عدة مرات. كنا اثنان. توصلنا إلى خطة مفصلة للمجلة، وهكذا بدأت مجلة شعر.

أعددنا العدد الأول، هو وأنا. ليس من المبالغة القول بأنني كتبت معظم العدد الأول بنفسي. افتحنا العدد بقصيدة لبدوي الجبل.

هدى فخر الدين: ومقدمة قصيرة من قبل أرشيبالد ماكليش.

أدونيس: نعم. كان صديق يوسف.

هدى فخر الدين: من قام بتمويل مجلة "شعر"؟

أدونيس: لا أحد. لقد عملنا مجانا وقمنا بتمويلها بأنفسنا. لم ندفع لأي من كتابنا. قمنا بتغطية جميع نفقات الإنتاج وكان لدينا عدد قليل من المتبرعين من بين أصدقائنا. كان من السهل القيام بالعمل، ولم يكلف الكثير. لم يكن لدينا موظفين أو مكاتب. نشرنا في وقت لاحق بعض الإعلانات.

هدى فخر الدين: هل كانت مجلة "شعر" تستجيب لحركة أم تؤس لها؟

أدونيس: لم نهتم على الإطلاق بما كان هناك. كنا حركة جديدة. كان هناك العديد من المجلات والدوريات، وكان أولها الآداب في بيروت. كنا واثقين من نجاح مشروعنا الجديد ولم نكن مقتنعين بالشعر السائد.

هدى فخر الدين: كيف كان شعورك عندما تصدر مثل هذه المجلة المؤثرة؟ ماذا أنجزت؟

أدونيس: تجربة مجلة "شعر" ساعدتني في الوصول إلى الاستنتاجين التاليين. أولا، لكتابة شعر عربي جديد حقا، يجب أن يكون لدى الشاعر معرفة وثيقة بالتقاليد العربية وتقدير صادق لجمال اللغة العربية. لا يمكنك إنشاء شيء جديد أو جميل بلغة لا تعرفها ولا تعرف تراثها وذاكرتها. إن القصيدة الحديثة حقا هي في نفس الوقت شريحة من ثقافتها، وأسر لتاريخها وليست مجرد بيان للآراء والمشاعر الشخصية. ثانيا، لا يستطيع الشعر وحده تحديث ثقافة أو مجتمع. تتطلب القصيدة الحديثة مجتمعا حديثا ومؤسسات حديثة لتتبعها. الحداثة المنفردة في الشعر مثل جزيرة بلا جذور، مشروع عبثي.

وهنا ابتعدت عن المجموعة. كانوا مقتنعين بأن المشروع الجديد لم يستخدم التقليد. اختلفت معهم واضطررت إلى المغادرة. اعتقدت أنهم يجب أن يكونوا على دراية بالسياق الأكبر، السياق العربي، وأن يستثمروا فيه. ما هو لبنان بعد كل شيء؟ إذا كان للبنان صفة قابلة للحياة من حيث الشعر، فهل هو ارتباطه باللغة العربية والتقاليد العربية؟ ما فائدة بودلير بالنسبة لك، قلت ليوسف، إذا كنت لا تفهم أبو نواس أولا؟ إذا كنت لا تعرف المعري فكيف تقرأ دانتي أو إليوت؟ لسوء الحظ، كان لدى يوسف الخال ومعظم المجموعة رأي مختلف. لهذا غادرت.

هدى فخر الدين: إذا كنت قادرا على مراجعة بعض مقترحاتك النظرية التي قدمتها في السنوات الأولى لمجلة شعر، فهل هناك أي شيء ترغب في تغييره؟

أدونيس: سأراجع علاقتنا مع التقليد الأدبي العربي ووجهات نظرنا فيه. كثير من شعراء المجموعة، وخاصة الشعراء اللبنانيين، لم يعرفوا كيف يقرؤون الشعر العربي. كان أنسي الحاج مولعا جدا بالعديد من الشعراء العرب، لكنه لم يستطع قراءتهم. تخيل أنك لا تقرأ أبو نواس. ابتكر اللغة العربية الحضرية، ولا يزال شخصية هامشية. من المسلم به أن هناك مواهب عظيمة بين شعراء الحداثة العربية، ولكن بشكل عام، يجب إعادة النظر في علاقتهم بالتقاليد العربية وكذلك علاقتهم مع الأجانب. المواقف التي عبرت عنها مجلة شعر تجاه القديم من جهة والأجنبي من جهة أخرى كانت صريحة وغير ناضجة.

هدى فخر الدين: وهذا هو سبب قيامك بتأسيس "مواقف"؟

أدونيس: أعتقد أن "مواقف" كانت أكثر نضجا وتوازنا من مجلة "شعر". فشل مشروع مجلة "شعر" في النهاية، وسرعان ما توقفت الصحيفة عن الصدور بعد ذلك. بينما لا أحب أن أنتقد مجلة "شعر"، أعتقد أن الأعداد اللاحقة التي نُشرت بعد مغادرتي كانت ضعيفة وخيانة للمبادئ التي أسست عليها مجلة " شعر" في الأصل.

كنا في "مواقف" ملتزمون بتربية قارئ وناقد حديث، جيل متعلم حديث حقا. كانت هناك مجموعة كبيرة من الأصدقاء المخلصين الذين جعلوا مواقف على ما هي عليه. كان محمود درويش عضوا في هيئة التحرير في مرحلة ما بالإضافة إلى صادق العظم. أشخاص من جميع أنحاء العالم العربي والعالم. انتشرت "مواقف" على نطاق واسع. والدك جودت فخر الدين كان مرتبطا أيضا في "مواقف" لفترة من الزمن.

هدى فخر الدين: هل شكلت تجربتك في الترجمة لغتك الشعرية؟

أدونيس: في شعري، حاولت أن أجعل من لغتي العربية تأثيرا غير عربي. عند الترجمة لم أستسلم للغة الشاعر الأجنبي. عملت جاهدا لكتابة قصيدة باللغة العربية. ينتقد الكثيرون ترجمتي ويشيرون إلى أخطاء في الترجمة. لم تكن هذه أخطاء - لقد سمحت لنفسي بترخيص مهنة التعريب. أبحث عن الكلمات العربية التي تناسب سياق الجملة في نصي العربي حتى لو لم تكن أفضل الكلمات المكافئة للنص الأجنبي. أخطاء ترجمة الكتب المدرسية التي أشير إليها غالبا في ترجماتي هي قرارات شعرية اتخذتها بوعي. بشكل عام، فإن الترجمات إلى اللغة العربية غير مقروءة ومليئة بالأخطاء الشعرية حتى لو كانت صحيحة بالمعنى الكتابي.

هدى فخر الدين: حدثني عن تصميم وترتيب أغاني مهيار الدمشقي.

أدونيس: موضوع واحد مع العديد من الاختلافات.

هدى فخر الدين: شخصية القصيدة هي مهيار - وهي مقتبسة جزئيا عن الشاعر مهيار الديلمي. لكنه أنت أيضا يا أدونيس.

أدونيس: مهيار هي رؤيتي للشخص العربي المثالي في المستقبل. أولا، إنه حر. ليس فقط هو حر، ولكن حريته مجانية. مثلما قال رامبو أن الحرية وحدها لا تكفي لتعني الحرية. يجب أن تكون حريتنا أيضا حرة، مما يعني أنه يجب أن نكون قادرين على ممارستها. هذا نموذج للمستقبل: الشخص العربي المستقبلي الذي يمتلك الحرية. ثم، هو بيان بأن كل الأشياء هي من أجل البشرية أو في خدمتها. كل شيء: الله، الكون، العالم، الحب ... لأن الشخص أو الإنسان هو العالم. بدون الإنسان لن يكون هناك عالم. سيكون هناك شيء آخر: مادة، كواكب، ملائكة، إلخ. العالم البشري هو الوجود الحقيقي الوحيد الذي يخصنا. لذلك يجب أن يكون كل شيء من أجل الإنسان في خدمة الإنسان، بما في ذلك الدين والشعر. ولكن لكي نستحق كل هذه الأشياء، يجب أن تكون البشرية حرة أولا.

هدى فخر الدين: لماذا اخترت تسمية كل قسم من أقسام النثر بـ "مزمور" - بنشيد؟

أدونيس: لاستحضار التعبيرات القديمة. لخلط الأشياء معا وإعادتها إلى الحياة. كما أن أصل كلمة مزمور هو السريانية، لذا كان موطنها سوريا.

هدى فخر الدين: هل كنت تفكر في الأفكار التي خرجت بها مجلة " شعر" عن قصيدة النثر وقد كتبت مهيار؟

أدونيس: نعم. لكننا لم نبدأ كما ينبغي. قدمنا في مجلة "شعر" قصيدة النثر كشكل جديد من أشكال التعبير الشعري لم يسبق له مثيل في الذاكرة الشعرية العربية. لكن الابتكار يتطلب الموهبة والتعليم. تحتاج الموهبة إلى التحدي والصقل حتى تتمكن من المشاركة في العالم وليس الانعكاس الداخلي فقط. كان مهيار بيانا شخصيا مختلفا عن البيان الموجود في مجلة شعر.

هدى فخر الدين: بين أقسام النثر، أو المزامير، والقصائد المكونة بشعر التفعيلة، هناك قسم يجعلني أتوقف دائما. القصيدة بعنوان "أسلمت أيامي". إذا كنت تريد إعادة ترتيب الأسطر على الصفحة، فيمكن أن تكون قصيدة كلاسيكية، أليس كذلك؟ إنه بالمقياس الكلاسيكي (الكامل). لكنك فككته وخربته.

أدونيس: هي شعر مؤلف من تفعيلة متراصة بطريقة الشعر الحر (قصيدة التفعيلة). وهي تختلف في الاعدادات الكلاسيكية أو تعيد ترتيبها، إلا أن هذا لا يجعلها تقليدية. عندما تقرأها، عندما تستمع إليها، لا تشعر أنها تتناسب مع الترتيب التقليدي، فهي تبدو جديدة.

هدى فخر الدين: ما هي الظروف التي أوصلتك إلى باريس؟ لماذا قررت مغادرة بيروت؟

أدونيس: كنت أتلقى دعوات كثيرة من الخارج. قضيت عامين في برينستون ثم عامين في ألمانيا. كان لدي العديد من الفرص للمغادرة. اخترت فرنسا بسبب انتمائي الشخصي للغة الفرنسية وبسبب الأصدقاء الكثيرين هنا في باريس.

هدى فخر الدين: هل ساعد الانتقال إلى باريس والعيش فيها على تطوير أفكارك حول العلمانية وموقفك من الدين؟

أدونيس: لا. لقد تم تطويرها وتأسيسها خلال فترة وجودي في بيروت وخاصة خلال فترة عملي في "مواقف". كانت "مواقف" مجلة ممولة ذاتيا أسسها شعراء وكتاب شباب متحمسون. كما كانت أول مجلة في العالم العربي تقرر وقف النشر. لقد اتخذت هذا القرار بعد أن نشرنا عددا خاصا عن المرأة في المجتمع العربي الإسلامي بشكل عام وخاصة من منظور حقوقي. طلبنا من المتخصصين، الذين ربما كانوا مترددين في تقديم الانتقادات، أن يصفوا مكانة المرأة في هذا المجتمع. سألنا أساتذة القانون والمحامين والأكاديميين. كانت الاستجابة مخيبة للآمال. قالوا جميعا لا نستطيع. سيتضمن الوصف بالضرورة انتقادا للدين وهذا أمر خطير للغاية. لقد نشرنا عددا واحدا ولكننا لم نتابع مع الآخرين كما خططنا لأن معظم الأشخاص الذين قمنا بدعوتهم للمساهمة لكنهم اعتذروا جميعا.

دعوت إلى اجتماع لمجلة "مواقف" وقلت للفريق: إذا لم نتمكن من القيام بذلك، فلماذا نستمر في المجلة؟ اكتشفنا أننا نعيش في مجتمع لا يستطيع التعامل ولا يسمح باستكشاف القضايا الحاسمة التي تؤثر بشكل مباشر على حياتنا. لم أستطع أن أرى فائدة لعملنا في الصحافة، لعملنا الثقافي في مثل هذه الظروف. إذا لم نتمكن من التحدث بجدية وبحرية عن الأمور التي تحدد مصيرنا.

هدى فخر الدين: هل كانت هذه التجربة من الأسباب التي شجعتك على مغادرة بيروت؟

أدونيس: بالضبط. شعرت أنني فعلت كل ما بوسعي في بيروت، وقد حان الوقت لكي أجرب مكانا آخر.

هدى فخر الدين: أين كنت عندما حدثت الثورة الإيرانية؟ ماذا كان رد فعلك عليها بعد ذلك؟

أدونيس: كنت ما زلت في بيروت. لقد سررت ورحبت بها كما فعل كتاب وشعراء العالم.

هدى فخر الدين: هل أثرت عليك وعلى كتاباتك؟

أدونيس: لا، لم يكن لها تأثير علي. كنت سعيدا للشعب الإيراني. في "مواقف" كنا نكتب ضد الظلم والاستعمار والديكتاتوريات وما إلى ذلك. كانت حقيقة أن شعبا ما ثار على فكرة الإمبراطورية، ضد القمع والتدخل الأجنبي أمرا عظيما. علاوة على ذلك، كانت ثورة مثالية لا مثيل لها في التاريخ. لم تكن منظمة من قبل الطبقة العاملة وحدها. لم تكن انقلابا عسكريا. لم يتم تنظيمها من قبل فئة أو فصيل واحد. بدلا من ذلك، تم تنفيذها بالكامل من قبل الشعب الإيراني. من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. هذا أولا. لقد كانت ظاهرة تاريخية غير مسبوقة جذبتنا. كان هذا أول شيء مذهل حقا. هذا ما جذبني وما كتبته في مقالي الأول عن الثورة.

كتبت ثلاث مقالات عن الثورة الإيرانية. أعيد نشر المقالات الثلاثة في الثابت والمتحول. لكن قلة قليلة قد طالعوها. أنا متأكد من أن الذين ينتقدونني ويهاجمونني لم يطالعونها.

في المقال الثاني، صرحت بوضوح أنني ضد ثورة تؤسس مشروعها على الدين. نشر هذا في الملحق العربي والعالمي لصحيفة النهار حيث كتبت عمودا عاديا. كان هذا هو نفس العمود والصحيفة نفسها حيث كان لدي مقالتي الأولى لدعم الثورة الإيرانية عندما حدثت لأول مرة. في المقطع الثاني حذرت من قيام دولة على أساس الدين في إيران.

ثم كتبت مقالا ثالثا بعنوان "الفقيه العسكري" حذرت فيه من تدخل الدين في السياسة ورجال الدين في الحكم ووصولهم إلى السلطة. لكن لم يقرأ أحد المادتين الأخريين. قرأوا المقال الأول لكنهم أدلوا بكل أنواع التصريحات الكاذبة عنه. ليس لدي أي علاقة عاطفية بالثورة الإيرانية. لقد علقت عليها فقط كظاهرة ثم انتقدتها على هذا النحو. لا أعرف أي شخص منخرط فيها. في الحقيقة، أنا أعرف منتقديها أكثر من مؤيديها. لم تتم دعوتي لزيارة إيران عندما زارها معظم الكتاب اللبنانيين.

هدى فخر الدين: رأيك في الأحداث في سوريا معروف. لقد شجبت الثورة لأنها خرجت كما قلت من المساجد. أثار هذا الموقف غضب وخيبة أمل الكثيرين الذين توقعوا منك، بصفتك ثوريا، أن تتخذ موقفا ضد النظام.

أدونيس: أولا، تراجع الكثير منهم عما قالوه. اتصلوا بي واعترفوا بأنهم مخطئون، وكنت على حق. انتقدني آخرون دون قراءة أي شيء كتبته حول هذه المسألة. على سبيل المثال، كتبت كتابا بعنوان "غبار المدن وبؤس التاريخ"، طبع باللغتين العربية والفرنسية، أنتقد فيه النظام وأقول إنني أؤيد المعارضة الداخلية. ومع ذلك، ما زلت أعتقد أنه من الخطأ، إن لم يكن من المستحيل تصوره، لأي ثورة تدعي أنها ضد النظام الحاكم ألا تطالب علانية بتحرير المرأة والمساواة في الحقوق. من غير المعقول أن تعتمد الثورة على نظام سياسي آخر قضى على السكان الأصليين بالكامل، أي الولايات المتحدة. من غير المعقول أن تتعاون مع إسرائيل، دولة إرهابية تقتل شعبك، الفلسطينيين، كل يوم. هناك مبرر أخلاقي لذلك بغض النظر عن عمق فساد النظام وهو فاسد. علاوة على ذلك، لا يمكنك التماهي بين النظام والشعب. فقط لأنك دمرت مدينة تدمر فهذا لا يعني أنك أسقطت النظام.

هدى فخر الدين: لماذا قررت التخلي عن الشعر لبعض الوقت؟ ماذا كنت تفعل بدلا من ذلك؟

أدونيس: ظننت أنني قلت كل ما يجب أن أقوله، لكن الشعر أعادني.

هدى فخر الدين: لكنك كتبت "كونشرتو القدس" بدلا من ذلك.

أدونيس: همست في أذن الشعر، لكنه لم يستمع. رد عليّ وقال: "لن أتركك تنتهي من الشعر".

هدى فخر الدين: حدثني عن "كونشيرتو القدس". كيف نشأت هذه القصيدة؟

أدونيس: لقد جاء ذلك من علاقتي المعقدة مع فلسطين، سياسيا وفكريا. أستطيع أن أدافع عن حماس وحقوقهم كجزء من الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال، لكنني ضدهم عندما يصبحون دولة. لا يمكنني قبول دولة فلسطينية مبنية على أساس الدين. لا يمكنني قبول أي موقف يكون فيه دين في حالة حرب مع دين آخر. إذا اعترفت المسيحية واليهودية والإسلام ببعض الحقائق المشتركة، فعندئذٍ يجب أن يظهر أي رابط بين هذه الأديان، على أقل تقدير، في المدينة التي نطلق عليها القدس، القدس. كان يجب أن تكون القدس أجمل مدينة على وجه الأرض بموضوعية. لماذا هذا؟ لأن القدس هي المكان الذي تتقاطع فيه الديانات التوحيدية التي تحكم هذا العالم، مما يشكل مثالاً للتعايش والثقافة المشتركة والتعبير. لذلك، إذا كان هناك صدق في هذه الممارسات الدينية، فيجب أن يتبع ذلك أن القدس ستكون أعظم وأجمل مدينة على وجه الأرض. ومع ذلك، من الناحية العملية هناك ما هو أبشع. يحدد "كونشيرتو القدس" هذا بالضبط.

هدى فخر الدين: لنتحدث عن "الكتاب" الذي لم يترجم إلى الإنجليزية بعد: الكتاب. في هذا العمل، تجعل الشعر هو النص الأساسي وتدفع التاريخ إلى الهوامش. حدثنا عن العلاقة بين الشعر والتاريخ. تنشغل مرارا وتكرارا بالتاريخ وتعيد كتابة التاريخ وتخربه وتهمشه ...

أدونيس: إنه مثل "الأرض اليباب" لتوماس إس إليوت أو "الأناشيد" لعزرا باوند. لكني أعتقد أن "الكتاب" يخترق السطح بعمق أكثر مما فعلوه.

هدى فخر الدين: لماذا أطلقت عليه "الكتاب" - الكتاب؟ عادة، يشير الاسم إلى القرآن، أو ربما إلى كتاب قواعد اللغة العربية لسيبويه.

أدونيس: يشير مصطلح "الكتاب" إلى شيء أساسي وشامل. الكتاب توسعي وتأسيسي على حد سواء. إنه يمهد الطريق لمرحلة أخرى.

هدى فخر الدين: في "الكتاب"، جربت المقياس واللغة. ما الذي كنت تحاول تحقيقه من حيث الشكل أو الموسيقى في "الكتاب"؟

أدونيس: أعتقد أن الشيء الجديد فيه هو جودته الدرامية، مثل المسرح. لو أردت، كان بإمكاني تحويله إلى قصيدة بأسلوب السرد، مثل هوميروس، جلجامش، أو دانتي. لكنني فضلت أن أضع التاريخ كله على صفحة تواجه نفسها وتتشابك مع نفسها، وكأن الثقافة العربية مسرحية يتم عرضها على خشبة المسرح. هذا هو الجديد في ذلك.

هدى فخر الدين: هل كنت تفكر عمدا في الوسائط المرئية والمسموعة عندما كنت تصمم الصفحة في "الكتاب"، مثل شاشة التلفزيون.

أدونيس: نعم، خطرت لي الفكرة من فيلم إنغمار بيرغمان. لا أتذكر الآن أيهما كان. كنت أشاهد أحد أفلامه. اللقطة تجعل الشخص يستمع إلى الموسيقى ولوحة على الحائط. كل شيء على الشاشة، على متن طائرة واحدة. قررت أن الصفحة يجب أن تبدو مثل هذه الشاشة. كنت أبحث عن نموذج لمدة عام تقريبا. ثم وجدته أخيرا. لهذا بدأت في كتابة "الكتاب".

هدى فخر الدين: لقد وصفت اللغة العربية ذات مرة بأنها لغة ميتة، لكنك تصر أيضا على أنها مكان إقامتك ووطنك. ما هو مستقبل اللغة العربية؟

أدونيس: أتفق هنا مع يوسف الخال الذي قال إن مستقبل اللغة هو عربي بدون علامات التشكيل. هذه العربية التي نتحدثها أنا وأنت الآن. هذا رأي منطقي. لماذا لا نكتب بنفس الطريقة التي نتكلم بها؟

هدى فخر الدين: هل ترى نفسك تكتب بالعربية المنطوقة؟

أدونيس: لا. هذا يتطلب إتقانا ووقتا وتقليدا. لا أستطيع الكتابة بلغة لا أتحكم فيها. سأكتب دائما بالفصحى حتى لو علمت أنها ستموت غدا. أنا غير قادر على الكتابة في أي شيء آخر. من المهم أن يعرف المرء حدوده. لا أستطيع الكتابة في أي شيء سوى الفصحى.

هدى فخر الدين: هل تقرأ الشعر باللغة العربية المنطوقة؟

أدونيس: نعم. بالطبع افعل. وأشجع على ترجمة الشعر من اللغة العربية المنطوقة إلى لغات أخرى. البعض منه شعر عظيم. ما الذي يمنع هذه اللغة التي نتحدث بها من أن تصبح لغة الكتابة؟ سيقول البعض قضية القرآن. ماذا عن القرآن؟ يمكن أن يكون له لغته الخاصة. وعلى كل حال، فإن القرآن قد مات. لا أحد يقرأه حقا. المسلمون لا يقرؤون القرآن رغم أنهم يطبعون ملايين النسخ منه كل عام.

هدى فخر الدين: ما الموسيقى التي تستمع إليها؟

أدونيس: لطالما كنت مفتونا بالموسيقى الكلاسيكية الغربية. لقد انجذبت إلى عالمها الواسع منذ سن مبكرة. الملحن الذي يتحدث إلى نفسي هو بيتهوفن، والمؤلفان اللذان يتحدثان بفرحتي وسعادتي هما موزارت وباخ. أتساءل عن هذا الاختراع الفريد الذي قدمته أوروبا للعالم بمفردها. يمكننا القول إن الثقافة الأوروبية هي في الغالب نتاج التفاعل مع الثقافات الأخرى والاستعارة منها، لكن الموسيقى الكلاسيكية نفسها هي نتاج محض لأوروبا واستمرت في الازدهار أولا وقبل كل شيء في أوروبا. لماذا؟ يقول البعض أن سبب ذلك له علاقة بدور الكنيسة. لا أعرف.

لم أكن دائما من عشاق الأغنية العربية. ذات مرة، عندما كنت أكتب في "لسان الحال"، كتبت مقطعا قصيرا ينتقد أم كلثوم. اكتشفت لاحقا أنها قرأته وقالت إنها تود مقابلتي. كان لدي صديق كان من أشد المعجبين بها وكان يصر على أن أستمع إلى عملها بعناية أكبر. كان يعتقد أنها كانت عبقرية. كان اسمه حنا دميان. أعاد تقديمها لي وأصبحت في النهاية من المعجبين بها. من بين الأصوات العربية، أم كلثوم وفيروز هي المفضلة لدي. أنا بالطبع على صلة وثيقة بعمل الأخوين رحباني كموسيقيين أيضا. هناك أصوات أخرى مدهشة تسحرني مثل وديع الصافي وأسمهان.

هدى فخر الدين: نعلم أنك لست من محبي أحمد شوقي؟ هل تحب سماع أم كلثوم وهي تغني قصائده؟

أدونيس: نعم، أفعل ذلك لأنها أعادت كتابتها بصوتها. ما يبقى هو الصوت وتنسى التكرار من الشعر الضعيف. يمكن لأم كلثوم أن تحول القبيح إلى شيء جميل. لقد تطورت بالتأكيد لأكون من محبيها.

هدى فخر الدين: أين تكتب؟ هل هناك مكان معين يأتيك فيه الشعر؟

أدونيس: أكتب في أي مقهى صغير في أي شارع صغير. يمكن أن يكون المقهى في باريس أو بيروت. لقد كتبت الكثير في مقهى هورس شو ومقهى الروضة في بيروت.

هدى فخر الدين: هل لديك طقوس الكتابة؟

أدونيس: لا. أنا ليس لدي. لا يمكنني أبدا كتابة قصيدة جالسة خلف مكتب. كتابة الشعر مثل الشعر، ليس له قواعد. كل شاعر له قواعده الخاصة. عندما تقرر كتابة قصيدة، فإنها لا تأتي أبدا.

هدى فخر الدين: صِف يوما في حياتك. ماذا يحدث عندما تستيقظ في الصباح؟

أدونيس: ما من يوم لي يشبه الآخر. ليس لدي جدول زمني أو روتين. أنا لا أستسلم لمفهوم الأيام بالمعنى السليم.

هدى فخر الدين: لا يوجد يوم مثل اليوم الآخر. كيف؟ ماذا ستفعل عندما تستيقظ غدا؟

أدونيس: لا أعرف. هذا هو سرّي. أنا لا أستسلم لفكرة الأيام التي يشترك فيها الآخرون. أنا دائما في حالة حركة. أنا لا أشترك في الوقت الرياضي. أنا أخلق وقتي الخاص. الوقت الرياضي للمشي والجري. إنه للجماعة والمجتمع. يتطلب الشعر وقته الخاص، ويخلق خارج الزمان. كل ما هو مشترك وعام بين الناس، أرفضه جذريا في الشعر.

هدى فخر الدين: إذا لم يكن هناك أوقات، فهل لديك أماكن تكتب فيها؟

أدونيس: الأماكن تتغير طوال الوقت. معظم الشعر وخاصة القصائد الطويلة التي كتبتها بالخارج في المقاهي وفي الشارع. نادرا ما أكتب في المنزل. على سبيل المثال، كتبت أجزاء من "مقبرة لنيويورك" بينما كنت أسير في شوارع بيروت ثم في نيويورك. تمت كتابة الأجزاء على الطائرة. كتبت النهاية في دير في بكفيا في جبال لبنان.

هدى فخر الدين: كم من الوقت تقضيه في المراجعات؟

أدونيس: الأشياء مكونة بالكامل تقريبا في ذهني. أنا لا أراجع كثيرا ولكني أقضي الوقت في ترتيب الأجزاء وتأنيقها. يستغرق هيكل القصيدة وقتا، وليس الأجزاء الفردية.

هدى فخر الدين: هل تستخدم الكمبيوتر في الكتابة؟

أدونيس: لا ولم أفعل ولن أفعل. لا أستطيع أن أملك أي شيء يفصل بين يدي والقلم والورق. لا أستطيع الكتابة على الشاشة.

هدى فخر الدين: هل هناك أوقات لا تستطيع فيها الكتابة؟ ماذا تفعل بعد ذلك؟

أدونيس: نعم، هناك أوقات لا أستطيع فيها ذلك. لقد اكتشفت مؤخرا الكلية. هي تبقي يدي مشغولة عندما يكون ذهني عالقا. عندما تنشغل الأصابع باللون والحبر والورق، يتم تشغيل الخيال.

هدى فخر الدين: هل تفكر في الموت؟

أدونيس: لا، أنا مشغول جدا. لا يزال لدي أشياء لأفعلها. أنا لا أخاف من الموت. أعلم أنه قادم ولكن ليس لدي وقت للتفكير في الأمر الآن.

هدى فخر الدين: توجيه شخصيتك يا مهيار، أسألك: من أنت؟

أدونيس: ما دمت على قيد الحياة، فإن الإجابة مستحيلة. حتى بعد الموت، ستبقى الإجابة مفتوحة للآخرين ليعرفوها.

هدى فخر الدين: هل تشعر وكأنك في المنفى؟

أدونيس: أنا منفي من الداخل، ومنفي من نفسي. كل فنان في منفى دائم. يجب أن تكون هناك مسافة بين الشاعر وبينها، وفي تلك المسافة أو الفضاء يحاول الشاعر سد تلك الفجوة أو تلك المسافة مع اللغة والخيال والعمل الفني. المنفى ينتهي بالموت. ننتقل عبر مراحل النفي من خلال الكتابة. الكتابة هي حياة أخرى ووجود آخر.

شكر خاص لروبين كريسويل على ملاحظاته وتعليقاته على هذه المحادثة في مراحلها المختلفة، ولرواد وهبي لمساعدته في ترجمة أجزاء من النص من اللغة العربية.

***

.......................

المصدر:

I Have Been Born Three Times: An Interview With Adonis, Part Two

By Huda Fakhreddine

https://sites.lsa.umich.edu/mqr/2022/06/i-have-been-born-three-times-an-interview-with-adonis/

حاورته: هدى فخر الدين

ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

***

أدونيس هو الاسم المستعار الذي اعتمده علي أحمد سعيد إسبر. ولد علي عام 1930 في قرية قصابين السورية، وعرف علي البالغ من العمر 13 عاما أنه مقدر له أن يكون شاعرا. عندما سمع أن الرئيس شكري القوتلي كان قادما لزيارة الساحل، سافر سيرا على الأقدام إلى البلدة المجاورة لإلقاء قصيدة. وبأعجوبة، انتهى به الأمر بقراءة قصيدته للرئيس الذي وعده في المقابل بالتعليم. المستحيل دائما في متناول اليد في قصة حياة أدونيس.

انتقل إلى دمشق ثم إلى بيروت حيث أسس مجلة شعر، وهي منبر لبعض الأفكار والمواقف الأكثر راديكالية في مشروع الحداثة العربية في القرن العشرين. يقع أدونيس دائما في واجهة التقاليد القديمة والجديدة والطليعية، وعلى حدود التغيير والجدل. وهو مؤلف لقائمة طويلة من المجموعات الشعرية التي يغازل فيها الأشكال الأدبية العربية، ويقسمها لبناء قصيدة عربية دائمة التطور. بعض هذه العناوين هي "أغاني مهيار الدمشقي"، "وقت بين الرماد والورد"، "كونشيرتو القدس" وغيرها التي لم تترجم بعد مثل "مفرد بصيغة الجمع" و"الكتاب". مساهمته في النقد والنظرية الشعرية في اللغة العربية هي مساهمة شاعر يعيد تخيل تقليده باستمرار على أنه جديد. "ديوان الشعر العربي" (1964-1968) هو قانون شخصي يرتب فيه مختارات من الشعر العربي من عصور ما قبل الإسلام إلى بداية القرن العشرين. كتابه "الثابت والمتحول" (1974) هو رواية للتاريخ الأدبي والثقافي العربي من الداخل إلى الخارج. إنه يملأ القصة بأصوات مهمشة تاريخيا ومقموعة وصامتة، ويخلص إلى أن ما يدفع بالتقليد إلى الأمام ويبقيه على قيد الحياة هو الأصوات التخريبية التي تتحداها باستمرار وتهدد مؤسساتها.

في صيف عام 2019، سافرت إلى بيروت للقاء أدونيس. في كل عام، تستعد بيروت للصيف ببعض الأمل والكثير من الترقب. في عام 2019، كان الجو مليئا بالاحتمالات منها الحرب من أجل التغيير. نزل الشباب من مختلف أطياف وفصائل المجتمع اللبناني إلى الشوارع. ما كان غالبا وقودا للحرب الأهلية كان في تلك اللحظة خلاصا محتملا، تحقيق بلد يتخلص أخيرا من جلده القديم المتحلل.

مشهد لم نعتقد أنه ممكن أبدا أن يتشكل. لطالما وجد لبنان طريقة لمناورة التغيير دون تغيير حقيقي. لم يظن أحد أن ثورة ما يمكن أن تحدث في بيروت، في مدينة تفتخر بأنها ثورة على الدوام، لكونها ثورة على الدوام. إنها مدينة لم تأخذ حكامها على محمل الجد. كانت الغفلة والسخرية والاستثنائية المتخيلة طريقة اللبنانيين في المقاومة وليس العمل في الشوارع. كان كل ذلك على وشك التغيير في عام 2019. كان هناك ثورة حقيقية تستعد للخروج إلى الشوارع، وكنت هناك للقاء أدونيس، الثائر كما لقب نفسه والذي اتخذ بيروت نقطة انطلاقه، إنها ولادته الثانية.

منزل أدونيس في بيروت عبارة عن شقة على الجانب الآخر من الشارع من مبنى كلية العلوم الإنسانية التابع للجامعة اللبنانية، وهما مبنيان سكنيان يضمان قسم الأدب العربي منذ عام 1959. درس أدونيس في هذا القسم لمدة 14 عاما قبل إجباره على الخروج بسبب ما كان يُنظر إليه على أنه تأثيره التخريبي على الطلاب. عندما عبر الشارع عائدا إلى شقته للمرة الأخيرة، تبعه طلابه. استمروا في التجمع في غرفة معيشته وظلوا تلاميذه المخلصين. صعدت الدرج بقلق. كنت على دراية بشيء يختمر في قلب مدينة، على أعتاب بداية جديدة، نهاية جديدة. علمت أيضا أن الحديث مع أدونيس كان لا بد أن يكون حديثا على حافة اختراق أو صراع، على وشك حدوث الوحي أو خيبة الأمل.

قضينا حوالي ست ساعات على مدار يومين نتحدث. كان متفائلا وخائفا، حزينا ومصمما. كان سعيدا لأن بيروت كانت تتحرك لكنه قلق من أن قلبها قد ينكسر.

بيروت هي المكان الذي يتم فيه تخيل المشاريع وإطلاقها، حيث تمتلك الأحلام إمكانات، حتى لو لم تتحقق دائما، لتهديد الثابت والمؤسس في الحياة العربية، بزعزعته واستدعاء الجديد والديناميكي والإبداعي. كان من الممكن أن تكون بيروت هي الثورة التي أمضى أدونيس حياته في تخيلها والتنظير لها.

ومع ذلك، لم يكن بمقدوري ولا أدونيس تخيل ما سيحدث بعد ذلك: الانفجار الذي حدث في 4 أب 2020، وتحطيم قلب المدينة وقتل أحلامنا في بيروت وأنفسنا في ذلك البلد. بعد ذلك، ظل أدونيس متفائلا كما لو أنه رأى كل شيء من قبل. في كل مرة تحدثنا فيها، وبدا العالم وكأنه ينتهي، كان مشغولا، إما أن يتذكر نفسه أو يعيد تشكيل ذاته. كان يكتب مذكرات وسجلات عن حياته في النثر والشعر. لا يزال النثر جاريا، ونُشر شعره، أدونيادا، لأول مرة في ترجمة فرنسية في أذار 2021 وتبعه النص العربي في أذار 2022.

واصلنا حديثنا تقريبا بعد انتشار الوباء وتوقف العالم في عام 2020. من طفولته المثالية في ريف سوريا إلى الصدف المذهلة التي أطلقت رحلته الشعرية والفكرية، كانت حياة أدونيس عبارة عن سلسلة من المشاريع المفتوحة، عالم يبدأ ويبدأ من جديد.

لقد صاغ لغة داخل اللغة، وتخيل زمنا موازيا للزمن، واخترع أسطورة عن نفسه لا يزال ملتزما بتحقيقها. لا يزال الشاعر البالغ من العمر 93 عاما يبحث عن قصيدته ويستعد لبدء رحلته.

***

هدى فخر الدين: ها نحن في بيروت مدينة الولادة الثانية كما وصفتها. كيف أثر وجودك في بيروت على كتابتك؟

أدونيس: لقد قلت من قبل أنني ولدت ثلاث مرات. ولادتي الأولى كانت في القرية. كانت تلك هي الولادة الطبيعية التي لم يكن لدي خيار فيها. كانت الولادة الثانية في بيروت، مما سمح لي بالانتقال إلى مناخ حضري بكل صلاته وتوتراته. وبيروت ليست مدينة كاملة كما هي دمشق أو القاهرة، فهي تبدو وكأنها مشروع مفتوح، عمل مستمر. وآمل حقًا أن تظل كذلك، مشروعا مفتوحا لجميع العناصر والتيارات والاتجاهات. آمل أيضا أن يظل المزيج الثقافي الذي نتحدث عنه حاضرا ومتجذرا في بيروت. ولدت للمرة الثالثة في باريس. استقبلتني باريس وقابلتني بأذرع مفتوحة وسأظل ممتنا إلى الأبد على كرم ضيافتها.

هدى فخر الدين: ما هو شعورك بالعودة إلى بيروت؟

أدونيس: العودة إلى بيروت ليست ضرورية فحسب، بل مثرية أيضا، خاصة وأنني اعتدت على حياة أسهل. المجيء إلى هنا أمر مزعج وضروري. الحياة هنا صعبة وتزداد صعوبة بمرور الوقت. الحجاب كثير على الحجاب. العودة إلى بيروت مهمة لأنها تضعني في قلب المشاكل. والشاعر يجب أن يبقى على اتصال بقلب المشاكل. لأنه إذا كان الشعر شكلا من أشكال الوعي وشكلا من أشكال التعبير، فهو بالضرورة شكل من أشكال النشاط السياسي. هذا البعد السياسي للشعر في المجتمع يختلف اختلافا جوهريا عن حضوره الأيديولوجي. تقود الأيديولوجيا الشاعر إلى أفكار مسبقة وكل ما يتم تصوره مسبقا هو ضد الشعر. هذا هو السبب في أنني كنت دائما أعارض الالتزام السياسي الأيديولوجي. إنها ليست ضد الشعر فقط بل هي ضد الحياة نفسها. مثل هذا الالتزام يحول الشعر إلى حجاب عندما يكون الشعر هو الشكل الأكثر مباشرة وحرية للكشف والاكتشاف.

هدى فخر الدين: هل تنعكس علاقتك بالمدن في شكل القصيدة التي تكتبها؟

أدونيس: المدينة شكل يسهل الروابط، شكل متعدد يثري الرؤية. وبمجرد إثراء الرؤية وتحديها، يتم تعميق البصيرة أيضا. المدينة عبارة عن شبكة والقرية عش. المدينة عبارة عن سطح وعمق في نفس الوقت بينما القرية مجرد مستوى أفقي. إذا كان هناك عمق في القرية، فهو عمق فردي مرتبط بطفولة الفرد أو تاريخه الشخصي، وليس بعمق موضوعي. المدينة هي مشروع جماعي بينما يعمل كل فرد في القرية بمفرده، والتجارب المشتركة الوحيدة هي الولادة والموت والزواج والطقوس من حولهم. لا تقدم القرية أي شيء تتم مشاركته على المستوى الإبداعي. المدينة عميقة وامتداد في نفس الوقت. إنها أيضا أفق يتغير باستمرار. وبالتالي، تواجه المدن الحقيقية تحديا يوقظ الحاجة إلى المنافسة وإثبات الذات. المدينة بالنسبة لي هي استفزاز للمعرفة، لمطاردة أفق جديد للمعرفة. المدينة منفتحة على قراءات مختلفة ومتنوعة.

هدى فخر الدين: لكنك نشأت في قرية. أخبرنا عن طفولتك.

أدونيس: لقد نشأت في قرية قصابين، وهي بيئة خاصة جدا. لم تندرج ضمن النسيج الثقافي النظامي لسوريا أو الثقافة العربية في ذلك الوقت.

هدى فخر الدين: كيف ذلك؟

أدونيس: لقد ولدت في قرية فقيرة صغيرة ليس فيها مدرسة ولا كهرباء ولا سيارة واحدة. رأيت سيارة لأول مرة في حياتي عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري.

كانت ثقافتنا، الثقافة العلوية، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأرض - بالزراعة، والحياة الجبلية. وكان تاريخنا مليئا بالأهوال - كنا طائفة دينية متطرفة ضد الشيعة. غالبا ما ينتقد العلويون الشيعة، متهمين إياهم بالقوادة للسلطة، والخضوع للأنظمة الحاكمة التي رفضها العلويون تاريخيا. العلويون متمردون. في تاريخهم الطويل، تم طردهم واضطهادهم. حتى يومنا هذا، هم مزارعون حتى النخاع.

ما فعله البعثيون، الذين يسمون أنفسهم علمانيين، منذ وصولهم إلى السلطة في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، هو تدمير علاقة العلويين بالأرض التي عاشوا عليها ولم يتم بناء أي شيء حضري أو مطور ليحل محله. لم يكن لديهم مدارس أو مستشفيات أو طرق. باختصار، تم تجريدهم من الحياة.

هدى فخر الدين: هل لديك أشقاء؟ هل ذهب أي منهم إلى المدرسة؟

أدونيس: لدي ثلاثة أشقاء وشقيقتان. توفيت أختي ليلى وأختي فاطمة رسامة لامعة ومشهورة. كلهم حصلوا على تعليم كان الأمر أسهل بالنسبة لهم لأنهم كانوا أصغر سنا وبحلول الوقت الذي ذهبوا فيه إلى المدرسة، كان هناك المزيد من المدارس وكانت الأمور أسهل مما كانت عليه في يومي.

هدى فخر الدين: ما هو الدور الذي لعبته والدتك في حياتك المبكرة؟

أدونيس: أمي لم تكن تعرف القراءة أو الكتابة. كانت علاقتي معها بمثابة علاقة مع كائن عضوي - شجرة جميلة، نبع بعيد. في بعض الأحيان كانت تبدو وكأنها نجمة. كان لدينا اتصال طبيعي، وليس من خلال التعليم والثقافة. شعرت وكأنني امتداد لجسدها، لأحلامها، ويديها، وعقلها، ورأسها. كان والدي هو العكس - الفكر والتفكر والشعر واللغة.

علمني والدي قراءة الشعر العربي. كان يقول لي أن أقرأ المتنبي على سبيل المثال. وكان للمتنبي أعلى درجات التقديرعنه. لقد جعلني أتعلم كيف ألفظ النص، ووضع نهايات الحالة على كل كلمة. بحلول الوقت الذي بلغت فيه الثانية عشرة من عمري، لم تكن هناك كلمة واحدة باللغة العربية لم أكن أعرف كيف أعربها نحويا. كان القدماء مفتونون بالإيراد - قواعد اللغة العربية - وكنت كذلك عندما كنت طفلا في القرية. كنت معجزة في اللغة العربية.

هدى فخر الدين: ماذا فعل والدك لكسب لقمة العيش؟

أدونيس: والدي لم يعمل حقا. كان مزارعا، لكنه لم يقم بالعمل بنفسه. لقد استأجر الأرض التي ورثها، وكنا نعيش على هذا الدخل. لقد كان مخطئا ذاتيا. علم نفسه كل ما يعرفه وخاصة الشعر العربي.

هدى فخر الدين: من أين أتى حبه للشعر؟ هل كان اهتمامه باللغة والشعر أمر غير معتاد في سياقه؟

أدونيس: نعم، كان استثنائيا إلى حد ما في سياقه. كان جيله جيل خرج للتو من تحت الحكم العثماني و"مشروعه التتريكي". بالنسبة لهم، كانت علاقتهم بالقرآن والتراث الأدبي العربي وخاصة الشعر العربي وسيلة لتأكيد هويتهم ولهذا السبب كان لديه هذا التفاني الخاص للغة العربية والشعر العربي.

هدى فخر الدين: هل كان متدينا؟

أدونيس: كان متدينا، لكنه لم يتحدث معي أبدا عن الدين. لم يفرضه علي قط. كان له مكانة خاصة في مجتمعنا. وصفه الناس بالشيخ كدليل على الاحترام الاجتماعي وليس على المكانة الدينية.

هدى فخر الدين: ما هي أسباب علاقته الفريدة بالدين؟

أدونيس: لا أعرف. إنه لغز بالنسبة لي. لكن إذا كنت سأحاول التفسير الآن، أعتقد أن له علاقة بانتمائنا إلى أقلية في الإسلام. العلويون، الذين يبجلون الإمام علي، هم طائفة ثانوية ومتطرفة من الشيعة. تاريخيا، دفعوا ثمن ذلك، ورغم الاضطهاد حافظوا على هويتهم وعلاقتهم الخاصة بشخصية علي. كما أنهم معروفون باهتمامهم الكبير بالتعلم والتعليم. لقد عوضوا عن فقرهم واضطهادهم بتعليمهم واهتمامهم الخاص بالتعلم والشعر.

لم يفرض والدي إيمانه علي قط، لكنه أصر على أن أتقن اللغة العربية وأن أتعلم الشعر. لم يجبرني أبدا على فعل أي شيء وشجعني دائما على اتخاذ خياراتي الخاصة. أفكر ثم أتخذ قراراتي الخاصة.

هدى فخر الدين: ما هي الأصوات الأخرى التي دفعتك للكتابة؟

أدونيس: اكتشفت في وقت مبكر أن الشعراء كتبوا لأنهم تأثروا حقا بالكتابة، والذين استخدموا الشعر لأغراض خارجية: للتمجيد، والهجوم، والتأبين. انجذبت إلى أولئك الذين كتبوا الشعر لمصلحته، مثل أبو نواس وأبو تمام وأمرؤ القيس. حررني هذا من قبضة القبة الثقافية المشتركة التي وضع الإجماع تحتها ما أسماه بالتقاليد.

هدى فخر الدين: كيف يمكنك التمييز بينهما في مثل هذه السن المبكرة؟

أدونيس: انقسم الشعراء إلى مجموعات، وشعراء التسبيح والمديح، وشعراء الذم، وشعراء المرثاة، إلخ. وجدت نفسي في سن مبكرة أقاوم هذه الفئات وأبحث عن شعراء لم يقعوا فيها بشكل مباشر. كما أنني لم أرفض شعراء هذه الفئات تماما، لقد بحثت في أعمالهم عما لا يتناسب مع الانقسامات المفروضة تاريخيا. لقد استمتعت بالشعر الذي لم يكن مجرد ظاهرة اجتماعية، بل هو بالأساس ظاهرة فنية أو جمالية، وهذا ينطبق على الشعر الحديث والمعاصر أيضا. شعراء المديح في العصر الحديث هم أولئك الذين يحتفلون بالإيديولوجيات والأفكار التي يؤمنون بها، وشعراء الذم هم الذين يهاجمون أفكار الآخرين وأيديولوجياتهم.

هدى فخر الدين: متى بدأت بقراءة الشعر المعاصر؟ من قرأت؟

أدونيس: في الجامعة. مررت بمرحلة التقليد. قلدت بعض كبار شعراء العصر، وخاصة اللبنانيين مثل سعيد عقل وبدوي الجبل كشاعر كلاسيكي. كان نزار قباني اسما كبيرا أيضا. لم يكن الشعر الحديث مؤثرا في تشكيلتي الثقافية كما كان للتقاليد العربية، لكنني كنت على دراية ببعض الأسماء الكبيرة.

هدى فخر الدين: هل سبق لك أن كتبت الشعر في خدمة الأيديولوجية عندما كنت عضوا في الحزب السوري القومي الاجتماعي ؟

أدونيس: كلا، ولهذا لم أبرز في الحفلة كشاعر. كنت دائما شاعرا فرديا يهتم بالقضايا الشخصية مثل الحب واليأس والطبيعة وما إلى ذلك.

انجذبت إلى الشعراء الذين تحدثوا عن أنفسهم. لا يوجد شخصان لهما نفس الأحلام. والشعر يأتي من اتجاه الحلم والجسد وليس من اتجاه الأفكار. لا يوجد شعر بدون أفكار، لكن هذه الأفكار تأتي عبر الجسد، الجسد الفردي المستقل عن الآخرين. يولد الشعر منفردا ثم يصبح نقطة تقاطع أو لقاء مع الآخرين.

هدى فخر الدين: لقد قلت هذا مرارا - الكتابة الحقيقية تنبع من الجسد.

أدونيس: نعم.

هدى فخر الدين: إذن لابد أن والدتك كان لها بعض التأثير على عملك.

أدونيس: كل شيء "خاص" يأتي من والدتي، وكل شيء "عالمي" يأتي من والدي. لقد جمعت بين الفكري والمنطقي من جانب والدي مع أشياء من الحياة، والجسد، والطبيعة، والأشياء، والعواطف، والمشاعر - هذه الأشياء تأتي من والدتي.

هدى فخر الدين: ما الذي تتذكره من الثقافة الرسمية والتعليم العام؟

أدونيس: قرابة عام 1943، عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، نالت سوريا استقلالها وعينت أول رئيس لها، شكري القوتلي. كنت جالسا تحت شجرة - ربما كانت شجرة زيتون - عندما سمعت أن الرئيس قادم لزيارة منطقتنا. كنت على علم بعلاقة الحب القديمة بين الشعراء والخلفاء. أقسمت أن أؤلّف قصيدة للقوتلي وأقرأها عليه. كنت واثقا من أنه سيحب ذلك ويتيح لي فرصة الذهاب إلى المدرسة.

هدى فخر الدين: هل تتذكر بيتها الافتتاحي؟

أدونيس: للأسف، لا اتذكر. لقد نسيتها تماما! أتذكر أنني قرأتها القصيدة لوالدي أولا. حدق بي متفاجئا. سألته عن رأيه. قال، "انظر، لن أوقفك، لكن لا يمكنني حضور هذا الاحتفال الذي ينظمه المسؤول المحلي." كان والدي ضد هذا الرجل الذي قال إنه إقطاعي.

ارتديت القمباز، رداء الفلاحين التقليدي، وزوجا من الأحذية البالية. وبدأت حلتي في المطر الغزير. عندما حضرت إلى مكان حفل الاستقبال الرئاسي، اقترب مني الزعيم المحلي، الإقطاعي الذي لم يكن والدي مغرما به. سأل، "من هذا الطفل؟" أجاب الناس، "هذا ابن فلان." قال: أخرجوه من هنا! لا أريد رؤيته هنا ". وتم اقتيادي للخارج.

قررت أن أتوجه إلى المدينة التي لم تكن بعيدة، وألتقي بالرئيس هناك. لكن عندما وصلت، لم أكن متأكدا مع من أتحدث. رأيت لافتة كبيرة كتب عليها "عمدة جبلة يرحب بفخامة الرئيس"، فذهبت لرؤية رئيس البلدية. كنت غارقا تماما في الوحل. لن أنسى اسم رئيس البلدية ياسين علاء الدين. أحب الشعر، وخاصة الشعر العربي الكلاسيكي، وسمح لي بقراءة القصيدة. قال لي إن عليّ أن أقرأها على الرئيس.

أرسلني إلى قصر الحاكم، حيث اجتمع الحاكم ومسؤولون آخرون. طلبوا مني قراءة القصيدة، ففعلت. كانوا سعداء جدا. قالوا لي أن أنزل إلى الطابق السفلي وانتظر حتى ينادونني. عندما وصل الرئيس، حصل كل مسؤول على دوره في استقباله، ونسوا كل شيء عني. في اللحظة التي صعد فيها الرئيس إلى المنصة التي تطل على الساحة العامة لإلقاء خطابه، لاحظني أحد المسؤولين. سألني بجدية شديدة لماذا لم أقرأ القصيدة. قلت له إنني لا أعرف. ما زلت أتذكر وجهه، وهو غاضب وأحمر عندما بدأ يقسم: "هذا الكلب! هذا المحتال! هذا خطأ الحاكم ". أخذني من ذراعي، وصرخ بصوت عالٍ قدر استطاعته، "أيها السادة! أيها الناس! عفوكم!" صمت الجميع. "هذا الصبي الصغير الذي جاء من قرية في الجبال موجود هنا لتقديم التحيات نيابة عن سكان القرى الجبلية. من فضلكم اسمعوا ما سيقوله! " حملني الرجل ووضعني أمام المنصة المواجهة لحشد الناس في الساحة العامة. ألقيت القصيدة. أصبح الحشد جامحا. وماذا فعل الرئيس؟ وكرر بيت الشعر الأخير التي كان يقول: "أنت سيف ونحن غمده". ثم التفت إلى الحشد وقال، "تماما كما قال هذا الطفل، لا يمكنني فعل أي شيء بدونكم جميعا."

بعد أن انتهى الرئيس من الكلام، سألني بعد أن وضع يديه على كتفي وقال: "يا بني، كان ذلك رائعا. هل هناك أي شيء يمكننا القيام به من أجلك؟ " أخبرته أنني أريد الذهاب إلى المدرسة. قال: "لقد تم". "أنت ذاهب إلى المدرسة."

بعد حوالي أسبوع، جاء ضابطا شرطة إلى منزلي ليخبراني أن محافظ طرطوس لديه تعليمات لي بالبدء في المدرسة. قلت: وأين طرطوس؟ كانت طرطوس مدينة تبعد ساعة ونصف بالسيارة. كان لديها آخر مدرسة فرنسية في سوريا، لاسية الفرنسية، وكانت مكانا لنخبة البرجوازية. ركبت الحافلة لأول مرة في حياتي. اعتقدت أنني كنت متجها إلى الفضاء الخارجي. وصلت إلى هناك وأنا ما زلت أرتدي القمباز.

هدى فخر الدين: كانت هذه بداية تعليمك باللغة الفرنسية. وهل واصلت دراستك للشعر العربي؟

أدونيس: لم يكن هناك الكثير من الفرص في مدرسة اللاسيه لأن كل شيء قدم باللغة الفرنسية. كانوا أحيانا يعطون درسا باللغة العربية وقد تفوقت في ذلك. كنت أتجادل مع أساتذتي وأناقشهم حول مواضيع كنت على دراية بها. لقد احترموا المواقف التي أتخذها، وقمت بتطوير علاقات هادفة معهم جميعا. صقلت شخصيتي تماما.

لكن بعد عام، أغلقت الحكومة مدرستنا وفتحت مدارس متوسطة . لم أحصل على شهادتي بعد، لكنني أخبرت مدير المدرسة المتوسطة أنني أريد أن أقبل. قال، "هذه ثلاث سنوات من الدراسة وتريد تخطيها كلها؟" قلت له نعم. رفض. لذا، أخبرته أنه لن تكون هناك مدرسة إذا لم يُسمح لي بالتسجيل.

هدى فخر الدين: هل هددته؟

أدونيس: حشدت الطلاب وأغلقنا المدرسة. بعد أن رجع وسمح لي بتخطي السنوات الثلاث، عدنا جميعا إلى المدرسة. لقد كانت ملحمة.

في النهاية، تخرجت من المدرسة الإعدادية مع مرتبة الشرف. وفقًا لسياسة المدرسة، يحصل أي شخص يتخرج بمرتبة الشرف على منحة دراسية. لذلك، قلت لنفسي إنني سأذهب أشكر الرئيس لأنني كنت أعرف أن المبلغ الذي أنفقه على تعليمي كان يخرج من خزينة القصر. لماذا يتعين عليهم الدفع، طالما أتيحت لي الفرصة لمواصلة تعليمي رسميا على نفقة الدولة؟ كان حقي. لقد كتبت خطابا إلى الرئيس أشكره فيه وأرفض بأدب مساعدته منذ أن أصبحت تمول الآن من قبل الدولة. لقد كتب لي متمنيا لي الأفضل! لذلك، ذهبت إلى المدرسة الثانوية في اللاذقية ودرست للحصول على شهادتي.

هدى فخر الدين: أخبرني عن علاقتك بالحزب السوري القومي الاجتماعي.

أدونيس: بدأ كل شيء عندما كنت في مدرسة اللاسيه في طرطوس. كانت الحامية الفرنسية لا تزال متمركزة هناك. ذات يوم رأينا أن بعض الطلاب قد طُردوا. علمنا أن السبب هو أنهم أعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي ونظموا احتجاجا ضد الجيش الفرنسي. لذا، ذهبت أنا وأربعة أو خمسة أصدقاء إلى الحفلة وسألناهم عما يتناقشون حوله. قالوا لنا إنهم علمانيون ضد الطائفية. لقد تأثرنا حقا. علاوة على ذلك، كانوا أناسا أخلاقيين وصادقين وصالحين. كانت علاقاتنا جيدة للغاية، وكنت مغرما بهم؛ كان هناك صداقة. بعد ذلك بقليل، بدأت في كتابة القصائد لاحتجاجاتهم وأصبحت زعيم الاحتجاج.

بدأ الناس في التعرف على اسمي - بعض الأطفال الذين يؤلفون بأسلوب تقليدي تقدمي أيضا. مكثت معهم حوالي ثلاث أو أربع سنوات. كتبت عن فلسطين. في الواقع، كانت أول قصيدة نشرتها عن فلسطين. كان هذا في عام 1948، وقت النكبة. كان يطلق عليها "المشردون".

هدى فخر الدين: أين تم نشرها؟

أدونيس: نُشر في جريدة أسبوعية تُدعى "الإرشاد" في اللاذقية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي أستخدم فيها الاسم المستعار "أدونيس".

هدى فخر الدين: أخبرنا المزيد عن ذلك؟ من أين أتى اسم أدونيس وكيف اتخذت هذا القرار؟

أدونيس: عندما كنت في المدرسة الثانوية، كنت أكتب باسمي الحقيقي علي أحمد سعيد اسبر وأرسل إلى الصحف والمجلات في الغالب في لبنان مثل الصياد والأنوار وغيرها. لم يرد أحد ولم ينشر أحد قصائدي. ذات يوم، صادفت أسطورة أدونيس في مجلة في المدرسة. كان هذا هو المكان الذي عرفت فيه لأول مرة الإله أدونيس الذي وقعت عشتار في حبه، وعن قصة قتاله مع الخنزير البري الذي قتله وسفك دمه الذي يعود كل ربيع عندما تتفتح شقائق النعمان وعندما يتحول نهر العاصي في لبنان إلى اللون الأحمر. لقد كنت مفتونا بهذه القصة، وقلت، هذه المجلات التي لا تنشر أعمالي هي خنزير بري. إنهم يحاولون قتلي ولذا سأسمي نفسي أدونيس. كتبت قصيدة "المشردون" ووقعت عليها أدونيس. نشرت صحيفة "الإرشاد"، التي علمت لاحقا أنها كانت متعاطفة جدا مع الفلسطينيين، وكتبت في الصفحة الأولى ملاحظة تقول: "نطلب من السيد أدونيس زيارة مكتبنا في أمر مهم للغاية ".

هدى فخر الدين: لقد طلبوا منك الكشف عن نفسك.

أدونيس: نعم. كنت طالبا فقيرا ما زلت في المدرسة الثانوية. لم أترك انطباعا رائعا. ذهبت مباشرة إلى مكاتب الصحيفة. سألني الرجل في مكتب الاستقبال: من أنت وماذا تريد؟ عندما أخبرته أنني أدونيس، قام وقال: الآن أنت أدونيس! لقد وصلت إلى مكتب رئيس التحرير، وكانوا جميعا مندهشين جدا. أتذكر رئيس التحرير كان اسمه أديب عازار.

هدى فخر الدين: ما علاقتك باسم أدونيس بعد كل هذا الوقت؟

أدونيس: أحبه، خاصة وأن والدتي تخلت عن اسم علي وتبنته. كانت تناديني بأدونيس. كانت أميّة، لكن غريزيا تبنّت أدونيس كاسمي. إنه اسمي العالمي، وهو يتجاوز اللغات والثقافات والأديان. إنه ارتباط عضوي بالكون، وليس بشعب واحد أو بأرض واحدة أو بثقافة واحدة.

هدى فخر الدين: كتابك الأول، دليلة. ما الذي ألهمك إياه؟

أدونيس: قرأت "الكتاب المقدس" ووجدت قصة شمشون ودليلة. لقد تأثرت بشخصية المرأة القوية الماكرة. كتبت عنها قصيدة بطول كتاب. كانت بسيطة وطفولية. نُشر الكتاب في دمشق حوالي عام 1948. كتابي الثاني هو "قلعة الأرض"، ونُشر أيضا في دمشق حوالي عام 1950. وقد قمت لاحقا باختيار قصائد من هذين العملين وأدرجتهما قصائد " الله" (القصائد الأولى)، والتي نشرها يوسف الخال في بيروت عام 1957. وتضمنت القصائد الأولى أيضا "المنبوذ".

هدى فخر الدين: كان هذا في اللاذقية. ماذا كان المشهد الأدبي هناك؟

أدونيس: كانت اللاذقية مركزا أدبيا رئيسيا في ذلك الوقت. لديها أول مجلة شعرية في العالم العربي: "العود". نشرت فيما بعد عدة قصائد فيها. الناشرون الذين قدموا لي منصة وشجعوني على الكتابة، كانوا مجموعة من الشعراء والكتاب اللامعين: كمال فوزي الشرابي، وعبد العزيز عرنوت، وعيسى علامي. عندما التقيت بهم، علمت أنهم جميعا مرتبطون بالحزب السوري القومي الاجتماعي، مما شجعني على الانضمام إلى الحزب. لقد انجذبت إلى هذه المجموعة من المثقفين الذين كرسوا أنفسهم لبناء مجتمع علماني غير طائفي ومقاومة القوة الاستعمارية الفرنسية.

هدى فخر الدين: كيف كانت استجابة عائلتك لانضمامك إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي؟

أدونيس: كان رد فعل والدي رائعا. قال، "انظر هنا، يا بني. لن أجيب بنعم أو لا. ولكن قبل أن تتخذ قرارا، ادرس واسأل وجرب. خذ وقتك ثم قرر ". لم يقل لا فقط. بدلا من ذلك، شجعني. لسوء الحظ، توفي والدي بعد فترة قصيرة. لم أدرك إلا لاحقا أنه كان صديقا أكثر من كونه أبا.

هدى فخر الدين: متى قابلت أنطون سعادة؟

أدونيس: كانت المرة الأولى عندما كنت طالبا صغيرا في اللاذقية، لكن اسمي كان معروفا في ذلك الوقت. لا أعرف حتى إذا تحدثنا. استقبلته وجلست. كل ما أعرفه هو أنه يتمتع بشخصية جذابة.

المرة الثانية التي قابلته فيها كانت عندما دخلت مسابقة شعر نظمتها الجامعة الأمريكية في بيروت. أرادوا قصيدة في موضوع اليتم. وكان رئيس اللجنة في ذلك الوقت محمد يوسف نجم. كما كان هناك إحسان عباس من قسم اللغة العربية. عندما سمعت الإعلان، قمت بتأليف قصيدة بعنوان "اليتيم" وأرسلتها بالبريد إلى الجامعة الأمريكية. حصلت على الجائزة الأولى. لقد طلب مني الذهاب لرؤية زعيم الحزب. ذهبت إلى مكتب سعادة وقابلته هناك. مرة أخرى، شعرت بالذهول. لست متأكدا حتى من أنني تحدثت معه. لابد أنني كنت في الثامنة عشرة أو السابعة عشرة من عمري. لقد فتنت به. كانت صدمة خالصة. لقد كان اجتماعا وجيزا جدا دون التحدث معه أو إجراء محادثة. لا شيء.

بعد ذلك، بدأت في القراءة عن الحزب. ما زلت أؤمن بجوهر أيديولوجية أنطون سعادة: نحن مجتمع ينتمي إلى أرض تسمى سوريا. نحن لا ننتمي إلى طائفة أو عرق أو دين، إلخ. المسيحيون، المسلمون، الأكراد، كل سكان البلاد الذين يعيشون على الأرض ينتمون إلى بعضهم البعض. معا نحن كلنا سوريون. ولأن العرب كانوا الموجة الأخيرة التي هبطت على هذا البلد، فقد تم تعريبنا منذ ذلك الحين، ولذا فنحن عرب سوريون. اللغة العربية هي ثقافتنا. وهذا رقم واحد. ثانيا، نحن منفتحون على بقية العالم. حضارتنا هي حضارة الإغريق والرومان وخاصة السومريين والبابليين والفينيقيين الذين اخترعوا الأبجدية وأسسوا حضارة عظيمة. كان المبدأ الثالث هو ترجمة مفهوم "الشعب" من خلال فكرة تاريخ الأسرة الحاكمة. كل هذه المبادئ التي ذكرتها للتو تؤكد على "استمرارية تاريخية موحدة" ولهذا السبب لدينا تاريخ مشترك.

***

هاتف العتبي"

- متى نكون شعبا حي ونرفض التسلط؟

- تعلمت من امي الدللول والنعي

- هناك سيد وهناك مسيد وهناك ابن اسياد

- كيف أكون طرفا وانا الطبيب المعالج؟

- عشت الحب بكل ماتحمل هذه الكلمة من معاني

***

التقى اعرابيان في طريق فسال أحدهم الاخر..

- ما اسمك؟

- قال بحر

- اردف وماكنيتك؟

- قال: أبو الندى

فقال السائل: لا ينبغي لاحد مقابلتك الا في قارب!.

وهذه الحكاية تشبه حكايتي مع (هاتف العتبي) الذي هو شيخ بالوارثة لكنه يرفض الصفة كلاما ويمارسها فعلا إذ نادرا ما يخلو منه محضر عشائري (فصل او طلابه) محضر خير وابن اجاويد على طول ساحل دجله وابن (اجواد) على طول شاطيء الفرات وسيط موثوق ومتكلم لبق عارف بالسنائن العشائرية وعلاقات صداقة مع الشيوخ إضافة لكونه شاعر مطبوع تتناقل بعض ابياته في الدواوين وصحفي جريء واعلامي ناجح قدم برامج على أثير بعض الفضائيات وكاتب صدر له أكثر من مطبوع وعضو اتحاد ادباء العراق.. الا ينبغي لي الإحاطة وركوب فرقاطة وانا اروم مقابلته بدلا من قارب قادرة على اقلابه اقل عواصف هذا البحر المتلاطم بالمعرفة بدلا من قارب ذلك الأعرابي؟

نعم انه الشيخ هاتف بن الشيخ حميد الطيف العتبي..

س١: من هو هاتف العتبي؟

ج: هو ذلك الإنسان ابن القرية البسيط الذي تعلم في أكاديمية مضيف والدة الاهزوجة والابوذية والحكاية وفن الخطاب والحيهم النشامه

وتعلم من أمه الدللول والنعي

ما تنسمع رحاي بس ايدي ادير

تطحن بگايه الروح موش اطحن الشعير

هاتف العتبي الامي الذي يجيد القرأة والكتابة

شاعرا شعبيا وفصيحا وكاتبا وناقدا والإعلامي المولع بالكتب والمكتبات المهتم بالتراث والفلكور رائد المجالس الثقافية والمتابع بشغف لاخبار العالم سياسيا وثقافيا

هاتف العتبي

ابن الليالي العاصيات السود

لاريد الگماري ولهن يردني

س٢: لماذا ترفض مسمى (شيخ)؟

ج: كونها اسم مقزز لاقيمة لها تقال لكل من هب ودب ولاتكلف متشيخها شي (عقال ب٥٠٠٠ وعباية ب١٠٠٠٠ وصفحة على الفيس)

اكو سيد واكو مسيد واكو ابن أسياد

واكو شيخ واكو مشيخ واكو ابن جواد

اكو طيب واكو مشعشع واكو للغانمات استاد

الشيخ المامتشيخ مثل البيرق فوگ ايشان

س٣: تابعتك كثيرا فلم أجدك طرفا في(طلابة)؟

ج: كيف اكون طرفا بالطلايب وانا الطبيب المعالج للطلايب انا اترفع عن الطلابة بالتسامح والعفو ولابد أن أسقط حقي للاخرين حتى أتمكن من الحل وليكن لي تقدير

كفاني امرح ورع والتذ بحب الناس

وعملات الگبح مايوم خاوني

اضحك للبجه وحد شرهت المنگود

واسكت لو دثو من الناس لاسني

س٤: عتبة.. عتيبة.. عتاب هل يجمعهم جد واحد؟

ج: عتبه وعتاب نعم اخوه هم اولاد عتاب اخو عتبه وهم بطن من ربيعة. والجد هو عمرو ابن كلثوم صاحب المعلقة الشهيرة. أما عتيبة هذا محل تضارب لكن الثابت نحن إخوة فرقه من عتيبه وهم شيبان في السعودية والامارات. هذا ليس مهم والمهم (أكرمكم عند الله اتقاكم)

فرگتنه احنه المنازل واجمعتنه النيل. ولو صارت الكلفه الذيب يلفي الذيب

س٥: ماهو البخت في العرف وهل لازال المشايخ يعملون به؟

ج: البخت يتكون من مجموعة عوامل في مقدمتها الصدق والعفة وقول الحق وفعله على نفسك قبل غيرك والأمر بالمعروف والنهي المنكر عندما تجتمع تلك الصفات بالرجل يكون عنده البخت وهو الحضوة والمقبولية عند الآخرين وهذا كله لايتحقق الا بمخافة الله

س٦: هل شيوخ اليوم (تنبتية)؟

ج: قليل جدا التنبتية يعدون بعدد اصابع اليد ودعني اتحفظ في هذا الجانب لانه مؤلم ومؤسف

س٧: لمن تكتب شعرا؟

ج: اكتب للحزن والحنين إلى الماضي اكتب خوفا على مستقبل الاطفال اكتب لحدودي التي تقتطع اكتب لشعبي الذي يسرق نهارا جهارا اكتب لدجلة والفرات وعطش شواطيهما

اكتب لعقيدتي ونضالها وامست مهزومه

اكتب للحسين ومانفعل به كل يوم اكتب للوطن

انامن والقصيده تنام طول وياي

وادفه بحضنها وتدفه بحضاني

شاعر والشعر مهره وسرج خيال

ماواحد تعذر يوم للثاني

القصيدة الماتصير جناحي وكت الضيج

اطلجها وبعد ماتركب اللساني

س٨:هل عشت الحب؟

ج: نعم عشت الحب بكل ماتحمل هذه الكلمة من معاني انا أسطورة في الحب، واي حب ليس حب اليوم الفاشل الرخيص. انا عشت حب الريف الاصيل الصادق النبيل العفيف ذات الشوق واللوعة والعذرية والغرام

هل راى الحب سكارى مثلنا

نعم كتبت في الحب كثيرا وتغزلت كثيرا

(احترگنه بنار هجرانك وجنه

بسقر ونگول بالكوثر. وجنه

ثلاثه البل هوى همنه وجنه

جميل وقيس وأنه وهاي هيه)

س٩: من يثير اهتمامك من الشعراء؟

ج: عمرو بن كلثوم والمتنبي والجواهري في الشعر العربي

وفي الشعر الشعبي

عريان السيد خلف مدرستي

وعطاء السعيدي ونائل المظفر

س١٠: انت تدعي أن قبر المتنبي في العزيزية فما هو دليلك؟

ج: ليس ادعاء وانما حقيقة أصر عليها واقاتل دونها إن جميع المؤرخين والمحققين يتفقون أن المتنبي قتل قرب دير العاقول وانا اتفق معهم. فموضع الخلاف يكمن في اين يقع دير العاقول وانا اقول ان دير العاقول يقع قرب مدينة العزيزية أو على حافة شمالها ولاتزال اثار الدير شاخصة حتى ثبتت بسجلات الطابو العثماني بمقاطعة الدير. والدليل الراسخ عندي هو جاء بكتاب (الديارات للشابشتي)

إن دير العاقول يقع بين بغداد وواسط شمال مدينة (همانية) بسبعة فراسخ وهمانية تلال أثرية تقع جنوب مدينة العزيزية. يوكد مكانها ياقوت الحموي في معجم البلدان كذالك يؤكد وجودها البلاذري في الفتوح. وهنا تظهر مشكلة اخرى أن الدير يقع غرب نهر دجلة واليوم شرق النهر لقد حل لنا هذا الإشكال العلامة أحمد سوسة في كتابه ري سامراء حيث أن النهر تحول مجراه في تلك المنطقة

س١١: من أطلق اسم العزيزية على المدينة وكيف؟

ج: سميت العزيزية نسبة للوالي العثماني عبد العزيز باشا لان هو من بناها

س١٢: لماذا هجرت التلفزيون وتقديم البرامج؟

ج: لا توجد حرية للصحافة والإعلام ولاتوجد حرية للتعبير في العراق. والمؤسسة الاعلامية التي تعمل بها تريدك جندي مطيع لسياستها وهذا لا اتفق عليه وارفضه

س١٣: ماهي مواصفات المقدم الناجح؟

ج: يكمن نجاح المقدم بعدة أمور منها الثقافة والخبرة بالمهنية والشجاعة أمام الكاميرا وفصل الخطاب ورجاحة الإلقاء واتقان اللغة وسلامة مخارج الحروف والشياكة والهندام

س١٤: ماهو موقفك من بعض الشعائر الدخيلة على ثورة الحسين؟

ج: ارفضها رفضا قاطعا واحاربها بكل مااوتيت من قوة واعتبرها مدسوسة من الصهيونيه لان أعداء الحسين يريدون طمس الثورة. والحسين شمس لايحق لهؤلاء أن يلبدوها بغيوم مريضة

س١٥: هل مارست السياسة ومارأيك بها اليوم؟

ج: حاولت امارسها ثم اكتشفت انها لعبة قذرة يمارسها المتجرد من المبادئ والقيم والأخلاق

فهي مهنة المنافقين اليوم

س١٦: كيف تنظر للمرأة الشاعرة؟ وهل هناك شاعرات؟

ج: بالشكل العالم انظر للمرأة نضرة الاجلال والاحترام وتعتبر المرأة مثل الماء جعل كل شي منه حيا. فهي مصدر الحياة والسعادة فهي بثقافتي مقدسة وعندما تكون شاعرة مثل الخنساء ونازك ولميعة عمارة تكون نور على نور وتقدس عندي مرتين والمرأة عندما تكون شاعرة اتخذها قائدا، لكن لم ارى شاعرة اليوم

س١٧: هناك مفاهيم اريد توضيحها

آ. الستر...

اكذوبه نريد منها إسكات الحق

ب. طايحة حدر الفراش...

- سرقة في وضح النهار لكن بطريقة شيكاغوية

ج. عطوة بيضاء..

- يعني هناك شئ عكسها السوداء اكو (أن) بالسالفه

د. الفرشه..

- افلوس الاكل او جيب غداك معاك

هـ. الفريضة....

- هو استاذ لسوالف جدتي حطب جهنم

س١٨: موقف محرج في (فصل كبير)؟

ج: الفتاة ابنت ال١٨ ربيعا التي ادخلوها داري فجرا وعند الصباح تذبح بأمر من الأهل والعشيرة والشيخ لأنها جلبت لهم العار. ولكي أنقذها من الموت المحتوم عندما تعلقت بثيابي ودموعها حرقت صدري

فقررت اقبلها زوجة لأحد أولادي الا أنهم رفضوا وتركو الدار بل تركوني وحدي اقاوم عشيرة. فقررت اتزوجها انا وهي بعمر بنتي لاكون سببا لإنقاذها. وبفضل الله ولطفه قبل إشراقة الشمس عقدت لها على شاب متفهم وعند بدء الدوام تم العقد عند القاضي وفي الصباح زفت لعريسها قبل أن يعلم احد ولم يظهر شي من العار الجاهلي

س١٩: أمر انت تود ذكرة؟

ج: كثيرة هي الأمور التي في الفكر والمزدحمة في الصدر، لكن اقول: متى نكون شعبا حيا ونرفض التسلط ونطرد اللصوص ونعيش أحرارا مثل الشعوب. متى نرحل عن الغباء والنفاق. ثم تعالوا نرجع الى الله ونتقيه لان الدرب قصير والساعة آتية لا ريب فيها. في النهاية لايسعني الا شكر الشيخ هاتف العتبي على سعة صدره وصراحته والتعامل مع اسئلتي بروح ودية وتفهم كبير

***

حاوره: راضي المترفي

* أرى أن المُترَفَ والمرتاحَ لا ينتجُ إبداعاً مؤثّراً

* نظام طب الأسرة من الأنظمة الصحية الراقية والتي لا تنجح إلّا في المجتمعات الراقية، وليست العربية مع الأسف الشديد

* كنتُ أظنُّ أن النظْمَ في شِعر الطفل والطفولة من أيسرِ الأمور

* قوّة التأثير أجدها في الشِّعر أكثر ظهوراً من النثر

* المتعة التي ينشدها المؤلِّف تكمن في رؤيته لكتابه يوميا في مكتبته أو على رفوف المكتبات العامة

***

لو كان لسيرته الذاتية الثريّة وصفٌ من كلمتيْن، لَما كان سوى (شطّ العرب)؛ ملتقى نهرَي دجلة والفرات، ومصبّ النفط في الخليج، وواحة الخصب والنماء، واجتماع نخيل العالَم، ولم لا؟ وهو من النسل الطائيّ الطيّب الذي يعيدنا إلى مجد الشِّعر مع الطَّائيَّيْن الكبيريْن أبو تمام والبُحتري.

شاعرٌ مطبوع وكاتبٌ مستنير ومثقَّفٌ عضوي؛ وُلد عام 1967، ونشأ على شاطئ الفرات، قبل أن يتخرّج في كلية الطبّ بالجامعة المستنصرية بالكوفة عام 1992. كتب الشِّعر بالسليقة في سنّ مبكِّرة، وسهر على موهبته مدرّسوه في المرحلة المتوسطة، واستعان بمكتبة كبيرة كوّنها على مدار الأيام رغم شظف العيش وأجواءٍ سياسية ملتهبة عصفت بالعراق في التسعينات وما بعدها. له مؤلَّفات عدّة في الشّعر والطبّ والأدب، أحدثها موسوعة الأطباء الشعراء من جزأيْن. وكأديبٍ صاحب رسالة، ومثقَّفٍ صاحب مشروع؛ دشّن عام 2020 مجلسا ثقافيا يشعّ أدبًا ووعيًا مع إطلالة كلّ شهر، وأَلحق به مطبعةً تُعنى بطباعة الكتب والدواوين لزملائه الشعراء وأصدقائه الكُتّاب، كما أَسدى إلى القرّاء خدمة جليلة عبر التسجيل الصوتي لكُتبٍ قيّمة مُنتقاة، وما زال حبل عطائه على الجرّار، وعن هذا العطاء الوافر دار الحوار...

**

* علاقة الطبّ بالأدب؟ سؤال مكرَّر، ولا بأس من زيادة التكرار مرّة؟

- كلاهما يتّخذانِ الإنسانَ موضوعا، وأيّ موضوعٍ؟ هو أشرف الموجوداتِ على هذا الكوكب. وما دام هذا الكائنُ يأتلف فيه ركنانِ أساسيانِ: الجسدُ والروحُ، فقد اختصَّ الطبُّ بالأوّل، واختص الأدبُ بالثاني. وإنه لمن كمال النعمة أن يأتلف الطبُّ والأدبُ في شخص الطبيب الشاعرِ، لينتجا أعمالا إبداعيةً قلّ نظيرُها.

* لكل شيء حسناته وسيئاته، فماذا منهما فيما يُقام من صالونات أدبية و يُعقد من مجالس ثقافية؟

- الصالونات والمجالس الأدبية هي الرئة التي يتنفّس عن طريقها الأدباءُ والشُّعراء. تتلاقح الأفكار، وتتعارف الشخصياتُ، ويُطلَق العنانُ ليدِ النقد وملكة الذوقِ كي تقول كلمتها، فيقوِّمُ كلٌّ من الحاضرين هفواتِه، ويستفيد من تجارب الأدباء الآخرين. هذا كله بالطبع على فرض نقاء الأرواح وصفاء القلوب، والاستعداد لقبول الرأي الناقد، لا بقصد التقليل من الشأن. أنجبَت وقوّمَت المجالسُ الثقافية عددا كبيرا من الأدباء والشعراء والمفكّرين، والمثقَّفين بشكل عام، ليس في الساحة العربية فحسب، بل وعلى المستوى العالمي، ومن ثمرتها كانت الثورة الفرنسية التي قلبت كل الأنظمة السياسية والثقافية في حينها. والحديث ذو شجون في هذا الجانب.

* في أيّ طور يعيش العراق بعد المحنة المزلزِلة للغزو الأمريكي الغاشم، هل يتعافى أم ما زال يتألّم؟

- كل جرح لا بد أن يخلّف ألماً، والجرح أو الجروح التي حلّت على العراق في الخمسين سنة الأخيرة لعبت دورا سلبيا، وغيّرت من أوجه النشاط الثقافي بكل أشكاله. لكنني أرى أن المترَفَ والمرتاحَ لا ينتجُ إبداعاً مؤثّراً، لأن الذي يثير الشجون وينكأ الجروح، لا بد أن يترك أثراً قويا في نفس الأديب، ومن بعده في نفوس المتلقّين. وإذا علمنا أن مجتمعاتنا العربية تعيش ومنذ الأزل تحت تأثير المأساة الدائمة، فلن تهدأ ماكنةُ الإبداع. أما العراقُ فلا يمكن لأي أحد أن يغمط حقه في كونه مصدر الإشعاع الثقافي على وطننا العربي الكبير، ولن ينكر أحد أن آلاف المفكرين والعلماء، ومنهم الشعراء، توافدوا عليه وعاشوا وأنجبوا ورسّخوا جذورهم في أرضه، ولك أن تقلّب صفحات التاريخ، حتى تقف على حقيقة ما أقول. يبقى العراق ولاّدا للمبدعين، لكن حدِّثني في الذوق العام، وما حلَّ به، لأن المطرب دون جمهور، كناعٍ بين القبور!!

* ما أبرز العقبات التي واجهتكم في سبيل إنجاز موسوعة (أطباء شعراء)؟

- أكبر العقبات هي عدم الوصول إلى عدد كبير من الأطباء الشعراء، بسبب عدم معرفتي بهم شخصيا، أو عدم معرفتهم بوسائل التواصل الاجتماعي، وعدم الاستجابة للمشروع من قبل آخرين رغم التواصل معهم وكأنني أبغي منهم أموالا، والذي هو آخِر أمرٍ أفكّر فيه. والشيء الذي لا ينكره إلا جاحدٌ هو الفضل الكبير للشبكة العنكبوتية التي أمدتني بالمعلومات الضرورية من سِيَر وقصائد للمترجَم لهم في موسوعتي (أطباء شعراء) بجزئيها.

* هل من سمات عامة لشعر الأطباء بحيث يمكن تمييزه عن غيره؟

- شِعر الأطباءِ، امتزجت فيه عدة خبرات. الخبرةُ العملية من خلال التعامل مع المرضى وذويهم، أي مع المجتمع، وما أكسبه هذا التعامل من قدرة على فهم البشر عن كثب. الذكاء الذي يتميز به الطبيب عن الآخرين منحه القابلية على ابتكارِ الحلول الآنية للمشاهد الأدبية، والقدرة على رسم الصورة الشعرية استلهاماً من الواقع. الطبيب قادرٌ بذكائه على مزج الخبراتِ في بوتقةٍ ذهبية واحدة، تجتمع فيها عناصرُ الإبداعِ بكل صورها. الطبيبُ يشعرُ بآلامِ المرضى، وقد عركتهُ المواقف المحرجة حينما يُلقي خبراَ صادما على المريض أو ذويه، حينما يخبرهم بوجود مرض خبيث مثلاً، أو وفاة  في غرفة الإنعاش. ورغم كل هذا جاءَ شعرُ الأطباءِ كترنيمة جالينوس أو أبقراط، أو دعاءِ صوفيٍّ زاهدٍ، يأملُ منها شفاء الأدواءِ، كبلسمٍ اعتادَ على منحه لمرضى القلوب والأجساد. أبدع هؤلاء ومنهم الشاعر المصري المعروف (إبراهيم ناجي) وأحمد زكي أبو شادي، وعدد كبير ممن وثقتُ لهم في كتابي (أطباء شعراء)، الذين كنتُ أستمتع بحق بما نظموا.

* كيف وجدتم تجربة النظْم للطفل والتي قد يظنها البعض -خطأً- أهون من النظْم لغيرهم؟

- كنتُ أظنُّ أن النظمَ في شعر الطفل والطفولة من أيسرِ الأمور كما تفضلت، لكنني حينما ولجتُ إلى هذا المضمارِ، أدركتُ مقدارَ المعاناةِ، والصعوبة التي رافقت الكتابة للأطفال. وتكمن الصعوبة في محدودية القوافي وتكرارها، وتحديد النظم على بحورٍ معينة ومجزوآتها، كبحر الخبب، والوافر، والكامل، والرمل. يضاف إلى هذا صعوبة الهبوط بالأسلوب الشعري، والكتابي، كي يحاكي بساطة ومحدودية إدراكِ الطفل. لا أكتمكم خبراً أنني أحسستُ وكأنني لم أكتب شعراً قبل هذه اللحظة. وبالتالي فهي تجربةٌ فريدة لا بد لكل شاعرٍ، باعتباره يتعامل بالعاطفة ويعزف بكلماته على المشاعر، أن يهدي ثمرة القلوب شيئاً من عصارة جهده، وليترك حبيبته جانباً لبعض الوقت، ليكتبَ لزهرة الدنيا وزينتها. وقد كتبتُ أوّل مجموعة شعرية للأطفال بعنوان (أرضنا الزاهية) عام 2022م ونشرتها عام 2023م صادرة من مطبعة المجلس الثقافي في بابل. ولدي مجموعة أخرى لم تكتمل عسى أن ترى النور في العام المقبل 2024م.

* ما الذي تقوله وتعكسه كركوك بخليطها الفسيفسائي العجيب من السكّان العرب والأكراد والتركمان والآشوريين والأرمن وغيرهم؟

- لا بد أن أشير إلى أنني وُلدتُ في هذه المحافظة وانتقلت مع عائلتي عام 1972م إلى محافظة بابل التاريخية المشهورة وترعرعت فيها وقضيتُ أغلب سنوات عمري في هذه المحافظة وفي بغداد والكوفة حيث كنت أدرس الطب. أما كركوك فقد قضيتُ فيها سنين الخدمة العسكرية الإلزامية عام 1996م. وكركوك كما تفضلتَ هي فسيفساءٌ يختلط فيها العربُ مع الكردِ والأرمن والآشوريين والتركمان، وهي بحق متحف لكل هذه الثقافات.

* في عصر التكنولوجيا الجامحة التي غيّرت وجه العالم، ماذا بقي للكلمة المكتوبة من دور للنهوض بالتغيير المنشود في عالمنا العربي المتردِّي؟

- كل  أبناء البشر الآن هم قابعون في هذا القفص التقني العجيب، الذي فَتح، رغم قيده، الأبوابَ أمامنا حتى نتعرّف على مثيلنا في الخلقة، في أصقاعِ الأرضِ المختلفة. اختلطت الثقافات، وانصهر بعضها في بعض، وبات من الواجب أن ننصهر نحن البشر، لأننا بشر، لا فرق بيننا إلّا بمحل السكن، وجودة الطبيعة، أما العقلُ فواحدٌ، والمشاعرُ واحدة، فلا يسوغ لنا أن نفترق في إبداعنا، لأنه ترجمانُ مشاعرنا، نحن الأدباء. أما الكلمةُ المكتوبة، فلها شقان في الجواب: الأوّل: الكلمة المكتوبة على الورق. وهذا النوع أجد أنه قد أصابه النكوص، والعزوف من أغلب القرّاء، سواء أكانوا في الوطن العربي أو في العالم. وفقد كثيرا من تأثيره، لكنه ما زال يناضل. ولا بأس بالتطوّر، لأننا مؤمنون بهذا، والعبرة في التأثير بالآخَرين من خلال هذه الكلمة المكتوبة. الثاني: الكلمة المكتوبة إلكترونياً. وهذه أجدها قد سمت في علياء الأدب وسماء الثقافة ولن يحدّها شيء. وكلاهما أجده مؤثراً في المجتمع الغربي أكثر من تأثيره في مجتمعاتنا العربية اللاهثة وراء فتات الطغاة.

* في ضوء ما تُزاوِج وتُراوح بين الصناعتين على قول أبي هلال العسكري، ما الفرق بين الناثر والشاعر من حيث الأدوات وقوّة التأثير؟

- إذا سلّمنا أن أذواق البشر ليست واحدة، والمستوى الفكري، والقدرة اللغوية والبلاغية، ليست واحدة عند كل البشر، لا بد أن نسلمَ بالحقيقة التي لا ثاني لها وهي: النثر والشعر نتاجان بشريّان، وكلاهما يمتدّان في عمق التاريخ العربي والعالمي، ولّدتهما الحاجة لإيصال الأفكارِ، وسياسة البشر وقيادة المجتمع، وتدبير الشؤون الحياتية المختلفة، واستنهاض الجماهير لأجل قضية مصيرية، فلا فضل لأحدهما على الآخر إنما لكل فئة من الناس منهلهم المناسب. منهم من يتأثر بما يُلقَى عليه من قصائد شعرية ومنهم من لا يستسيغُ هذا اللون، للقصور الذي ألمحْت إليه، فيجنح إلى النثر (وأقصد بهذا فنون النثر لا ما يُسمّى بالقصيدة النثرية وليست كذلك، من المقالة، والخطبة، والرسالة، واللقاء الصحفي، وغيرها). أما قوة التأثير فأجدها في الشِّعر أكثر ظهوراً، بالرغم من عزوف المجتمع عنه بسبب التدنِّي الثقافي، وخاصة في دولنا العربية.

* إزاء سياسة النشر المدفوع التي تتبنّاها أغلب دور النشر الآن، والكُتّاب يعانون من (الفلاكة) كما تعلمون، هل تحبّذ النشر الالكتروني الأيسر والأسرع والأقل كلفة؟

- عانيتُ كثيرا من هؤلاء، وأقصدُ دور النشر والمطابع، ووجدتهم في الغالب لا علاقة لهم بالأدب وهم لا يتعدون مهنة التجارة كحال المهن الأخرى، ويحاولون بشتى الطرق كسب المال ليس إلّا، وإذا ما علمنا أن قرّاء النسخ الورقية في تناقص مستمر، ضاق الأمر على الكاتب والأديب، وقلّ مشترو بضاعته. نعم أجد النشر الإلكتروني أقل كلفة أو بدون، وأكثر رواجاً لكن المتعة التي ينشدها المؤلف تكمن في رؤيته لكتابه يوميا في مكتبته أو على رفوف المكتبات العامة.

* هل يخطر ببالكم سؤال من نوع: متى يقرأ ويبحث ويبدع هؤلاء الأدباء الذين يتواجدون بكثافة على الشاشات وفي المنتديات وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي؟

- ربما أصوغُ السؤالَ بهذه الطريقة: كم من هؤلاء يستحق لقب الأديب؟ كل إنسانٍ يستطيعُ الكتابة أو جلّهم، وهل الكتابة تعني أنّ الكاتب هو كاتب بمعناه الاصطلاحي؟ لا أعدو الصوابَ حين أقولُ: إن الغالبية العظمى من هؤلاء ينطبق عليهم المثل العراقي المعروف (ليس كلّ من سخم وجهه هو حداد!). ابتُلينا بأمثال هؤلاء الذين لم يعترفوا بالرقيب الذاتي، أو الخارجي. ترتكبُ ذنباً كبيرا لا يُغتفرُ حينما تصحّح له بعض الأخطاء التي يرتكبها في كل منشورٍ يرميه على رؤوسنا. ومن صفات العرب أنهم يميلون إلى السهل مع عدم الكلفة، ولن يجدوا غير الكتابة، نثرا أو شعرا، دون كلفة. عُرف عن العرب أنهم كثيرو الكلام قليلو النفع، ونحن منهم مع الأسف. الكل يكتب، ويطرح به إلى سوق الأدب. أشبه ما يحدثُ في وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام بسوق الهرج والمرج!! تحدثت كثيرا مع شعراء نمطيين يكتبون القصيدة والقصيدة وكأنهم ينسخون القصيدة الأولى مع تغيير في بعض الألفاظ، ويلقيها وكأنه فاتح إفريقيا. قلت لهم : لماذا لا تقرؤون الكتب حتى تثقفوا قصائدكم!! يجيبون: لا وقت لدينا!! ولك أن تقدر مقدار الكارثة من أمثال هؤلاء.

* برأيكم، لماذا لا يتمتع تخصص طب الأسرة لدينا بالمكانة الرفيعة التي يلقاها في الغرب؟

- لأنّ النُّظم الصحية العاملة في أغلب دولنا العربية عقيمة، ولا تلبّي طموح أفراد المجتمع، لأسباب كثيرة، منها: عدم قدرة أغلب دولنا العربية على تغطية تكاليف الخدمة الصحية المقدَّمة للمواطن بسبب قلة الموارد المالية. والسبب الآخَر: ضعف الوعي الصحي والذي يرتبط ارتباطا وثيقاً بمُجمل الوعي الثقافي. وإذا علمْنا أن نسبة الأُمّية في مجتمع مثل العراق والتي كانت لا تتعدّى 4% في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين قد وصلت الآن إلى 18% ، هذه كارثة عظيمة. والأُمية الثقافية والمعرفية تلعب دورها السلبي في النسبة المتبقّية من أفراد المجتمع. نظام طب الأسرة من الأنظمة الصحية الراقية والتي لا تنجح إلّا في المجتمعات الراقية، وليست العربية مع الأسف الشديد. يُضاف إلى ذلك قلة عدد الأطباء المختصين في هذا الجانب في كل الدول العربية، رغم أنها لا تشكّل كبير عقبة لو نظرْنا إلى جانب التكامل العربي الغائب في عصرنا هذا.

***

د. منير لطفي

أجري الحوار في 4 يونيه 2023

حوار مع العالم اللغوي نعوم تشومسكي

أجرى الحوار: جيمس ماكجيلفراي

ترجم اللقاء: محمد عبد الكريم يوسف

***

جيمس ماكجيلفراي: لقد نسيت اسم الشخص الذي قام بعمل مثير للاهتمام على العين وجين PAX-6. من هو يا ترى؟

نعوم تشومسكي: والتر جيرينج.

جيمس ماكجيلفراي: جيرينج في سويسرا. قد يلقي هذا النوع من العمل نوعا مختلفا من الضوء على مسألة كيفية دمج نظام تم دمجه فيه..

نعوم تشومسكي: عمله ممتع للغاية. وبشكل أساسي، ما يعرضه - ليس لدي أي حكم خبير، ولكن يبدو أنه مقبول جيدًا - هو أن جميع الأنظمة المرئية (ربما حتى النباتات الضوئية) تبدو وكأنها تبدأ ببعض الأحداث العشوائية التي حصلت على فئة معينة من الجزيئات في خلية - جزيئات رودوبسين التي تصادف أن لها خاصية أنها تنقل الطاقة الضوئية في شكل طاقة كيميائية. لذلك لديك أساس للتفاعل مع الضوء. وبعد ذلك تأتي سلسلة من التطورات التي يبدو أنها مقيدة للغاية. هناك جين تنظيمي يبدو أنه يظهر في كل مكان، والتطورات الإضافية، وفقًا لروايته، مقيدة بشدة بإمكانيات إدخال الجينات في مجموعة من الجينات، والتي ربما يكون لها فقط إمكانيات فيزيائية معينة..

جيمس ماكجيلفراي: العامل الثالث..

نعوم تشومسكي: .. نعم العامل الثالث الذي يمنحك تنوع العيون. هذا موحٍ للغاية؛ إنه مختلف تماما عن الفكر التقليدي.

جيمس ماكجيلفراي: هل لها أي تأثير على اللغة؟

نعوم تشومسكي: فقط لأنها تشير إلى وجود نظام آخر يبدو أن له تأثيرات قوية للعامل الثالث.

جيمس ماكجيلفراي: لقد تساءلت أحيانا عن الموضوع - حسنا، خذ الأشخاص الذين يعملون على أطفال متلازمة ويليامز. أدمغتهم لها أشكال مختلفة - إنهم في الحقيقة مختلفون بشكل غير عادي. ومع ذلك لديهم هذه القدرة المذهلة على..

نعوم تشومسكي: حسنا، بعض اكتشافات إريك لينبيرج أكثر دراماتيكية، مثل العمل الذي قام به على أقزام رؤوسهم نانوية، وهو عمل درامي حقا. ليس لديهم قشرة دماغية على الإطلاق، لكن لديهم قدرة لغوية مثالية تقريبا.

جيمس ماكجيلفراي: حسنا، من المؤكد أنه يلقي بفكرة وجوب توطين اللغة القرود..

نعوم تشومسكي: وهذا يظهر مدى فظاظة فهمنا. لكن هذا ليس مفاجئا للغاية. اللغة هي آخر شيء يجب أن نتوقع فهمه، لأنه النظام الوحيد الذي - لأسباب أخلاقية - لا يمكنك التحقيق فيه بشكل مباشر. كل نظام آخر يمكنك فحصه في الحيوانات الأخرى. نظرا لعدم وجود هياكل متماثلة للغة، فلا يوجد عمل مقارن. العمل المقارن الوحيد هو على أسلافنا - مثل النظام الحسي الحركي.

وينطبق الشيء نفسه على الجانب المفاهيمي. أنا فقط لا أرى كيف يمكنك - مع فهمنا الحالي، على الأقل - أن تأمل في الحصول على أي فكرة ممكنة عن تطور المفاهيم الأولية بخصائصها الداخلية الغريبة. [مرة أخرى] إنها عالمية - إذا ذهبت إلى مواطن من غينيا الجديدة، فسيكون لديه نفس مفهوم "النهر" الذي لدينا. لكن ليس لدينا أي فكرة عن كيفية حدوث ذلك.

جيمس ماكجيلفراي: هناك الكثير من القصص التي تشير إلى أن لها علاقة بالتطور بمعنى أن الاختيار يعطي مزايا.

نعوم تشومسكي: ولكن ما هو المفيد في وجود مفهوم "النهر" الذي يحتوي على الميزات التي يبدو أننا حساسون لها والتي لا يمكن أن يكون لها تأثير واضح على البقاء أو الاختيار؟ يمكننا عمل تجارب فكرية حول مفهوم "النهر" لا يمكنك حتى تخيلها إذا كنت من مواطني غينيا الجديدة. تخيل تغيرا طفيفا في التطور يحول نهر تشارلز إلى مادة صلبة، وهو أمر ممكن على ما يبدو. ثم ترسم خطا عليها، وتبدأ في قيادة الشاحنات على جانبي الخط، فتصبح طريقا سريعا وليس نهرا. لا يمكنك شرح ذلك لمواطن من غينيا الجديدة ؛ لا توجد أي من المفاهيم الأخرى التي تحتاجها للترفيه عن فكرة "نهر" يمر بتغير تطوري ويصبح طريقا سريعا ؛ فكيف يمكن أن يلعب الاختيار دورا في قيادتنا لاكتساب الميزات التي يتمتع بها مفهوم "النهر" والتي تلعب دورا عندما ننخرط في تجارب فكرية مثل هذه، تلك التي تقودنا إلى إعلان أن النهر أصبح طريقا سريعا؟

في الواقع، المواطن لديه نفس المفهوم ؛ إذا نشأ هنا أو هناك، فسيكون لديه مفهوم "النهر". إذن هو أو هي حصل على المفهوم. لكن كيف يمكن اختيارها؟ ما هي الوظيفة التي تقوم بها في حياة الإنسان، في هذا الصدد؟ وبما أن هذا ينطبق على كل مفهوم أولي - خذ، على سبيل المثال، مثال بول بيتروسكي في ورقته البحثية الأخيرة حول كون فرنسا سداسية الشكل وجمهورية. لماذا يجب أن يكون لدينا مفهوم فرنسا هذا؟ لا يمكن أن يكون لها أي دور انتقائي..

جيمس ماكجيلفراي: يبدو هذا واضحا جدا بالنسبة لي. اسمحوا لي أن أعود إلى لورا بيتيتو  للحظة فقط وما كان عليها أن تقترحه حول الطريقة التي يبحث بها اللفيف الصدغي العلوي عن أنواع معينة من الأنماط. كانت فكرتها، على الأقل جزئيا، سبب كوننا ثنائيي النسق - يمكننا تطويره دون صعوبة بإحدى الطريقتين أو كليهما - هو أنك تستخدم نفس النظام في كلتا الحالتين.

نعوم تشومسكي: أظن أن هناك مجالات أخرى يمكن أن يحدث فيها. ربما يمكنك أن تفعل ذلك في الرقص. لا أعرف الحقيقة، لكني أفترض أن الأطفال سيكونون قادرين على إظهار لغتهم في حركات الرقص - بأرجلهم، دعنا نقول ذلك. أو ربما بأي من حركات الرأس، أو رمش العين.. في الواقع،ينطبق ذلك على الأشخاص المصابين بالشلل الشديد.

جيمس ماكجيلفراي: لكن إذا فعلوا ذلك بالرقص، على سبيل المثال، سيظلون بحاجة إلى النظام البصري وأنواع معينة من الأنماط..

نعوم تشومسكي: لا يمكننا فعل ذلك بالرائحة، لأننا لسنا متطورين بما فيه الكفاية. لا يمكننا استخدام الذوق، لأننا لا نمتلك النطاق الحسي - ربما تستطيع الكلاب ذلك، لكن لا يمكننا ذلك. لذا فأنت عالق بين الرؤية والسمع. هذه هي القدرات الحسية الكافية الوحيدة التي لدينا. لذلك كل شيء سوف يستخدم الرؤية والسمع، ونوع من العمل الذي يمكننا القيام به بأجسادنا. هذا فقط معروف. حسنا، هذا يترك بعض الاحتمالات. ولكن ربما تكون أي احتمالية تستفيد من هذه القدرات تعمل من أجل المخرجات. ويمكن أن تكون على حق. يجب أن يقع كل شيء في فئات فرعية معينة، لأن هذا هو كل ما يمكن لأدمغتنا معالجته. لذلك عندما تأتي المخرجات، كجانب من جوانب اللغة، سيتعين عليه الاستفادة من هذه الحقائق حول طبيعتنا. إذا خضعت الكلاب فجأة لطفرة حصلت فيها على الدمج، فربما تستخدم حاسة الشم.

جيمس ماكجيلفراي: جانب رائع آخر من عملها هو أنها تقترح أن الريسوس وقرود المكاك والعديد من الأنواع الأخرى لديها ما يبدو أنها أجزاء متجانسة تماما من الدماغ - اللفيف الصدغي العلوي - لكنها لا تملك هذه القدرة على تطوير حتى الأساسيات من الكلام أو التوقيع. هل هذا بسبب افتقارهم إلى هيئة تدريس لغة أيضًا؟ او لماذا؟ هل تنسبه إلى بعض السمات المحددة للفيف الصدغي العلوي البشري، أم..

نعوم تشومسكي: يمكنك اختلاق قصص مختلفة. يمكن أن يكون أسلافنا من البشر يفتقرون إلى هياكل الدماغ هذه، وقاموا بتطوير الدمج، ثم طوروا هياكل الدماغ. لكن ليس هناك ما يكفي من الوقت لذلك. يجب أن تكون هياكل الدماغ موجودة لفترة طويلة قبل حدوث أي شيء مثل هذا الانفجار. ونحن نعلم أنه لم يكن هناك أي شيء منذ ذلك الحين، بسبب الهوية الأساسية للناس في جميع أنحاء العالم. إذن لديك حد أعلى وحد أدنى، ويبدو أنهما قريبان للغاية. لذلك، ما لم يأتي شيء جديد تماما، فإن القصة الوحيدة المعقولة هي أن الجهاز كان في مكانه، لأي سبب من الأسباب. وربما تم استخدام تعديلات خاصة مثل هذه للهمهمات ؛ بعد كل شيء، يمكن أن يكون لديك عناصر معجمية متعددة المقاطع، وربما تم استخدام عناصر معجمية متعددة المقاطع، وربما مع الخصائص المعقدة للمفاهيم البشرية، لبعض الأسباب غير المبررة وغير المفهومة. لكنه لا يزال يتطلب القدرة على امتلاك قدرة إنتاجية لا نهائية، والتي تأتي على ما يبدو على شكل ومضة، مما يعطي كل شيء آخر.

جيمس ماكجيلفراي: إذا كان، أيًا كان، أيًا كان هذا الجين الذي قدم الدمج وحمله، إذا كان يتصرف مثل جين التحكم على طول خط Gehring PAX-6، فقد يكون كذلك..

نعوم تشومسكي: .. قد يؤثر على تطور أشياء أخرى. نحن لا نعرف ما يكفي عن علم الأعصاب لنقول ما يجري. لذلك ربما ظهرت بعض الجينات التنظيمية التي أعطت الدمج وسمحت للأنظمة العصبية بتجسيده.

جيمس ماكجيلفراي: هذه تخمينات رائعة..

نعوم تشومسكي: .. لا يُعرف سوى القليل عن تطور الدماغ بحيث لا يمكن لأحد أن يعرفه.

جيمس ماكجيلفراي: هل يفكر أي شخص في هذه الأنواع من الأشياء؟..

نعوم تشومسكي: لا أعتقد ذلك، لأن الافتراض السائد هو أن اللغة تطورت ببطء من خلال الانتقاء الطبيعي. ومع ذلك، لا يبدو ذلك متسقا على الإطلاق مع أكثر الحقائق الأساسية. إذا نظرت إلى الأدبيات المتعلقة بتطور اللغة، فستجد أن الأمر كله يتعلق بكيفية تطور اللغة من الإيماءات، أو من الرمي، أو شيء مثل المضغ، أو أي شيء آخر. لا شيء من أي شيء له أي معنى.

***

................

النص الأصلي:

Development, master/control genes, etc.

JAMES MCGILVRAY interviews Noam Chomsky

The Science of Language, Interviews with James McGilvray

Edited by Noam Chomsky and James Mcgilvray, © Noam Chomsky and James McGilvray2012, Cambridge University Press, UK.

حول المفاهيم الإنسانية  في اللغة

حوار مع العالم اللغوي  نعوم تشومسكي

أجرى الحوار: جيمس ماكجيلفراي

ترجم اللقاء: محمد عبد الكريم يوسف

 ***

جيمس ماكجيلفراي: لقد تحدثنا في وقت سابق عن تميز المفاهيم البشرية، وأود أن أوضح قليلا ما يعنيه ذلك. أعتبر أن الأمر يتعلق، جزئيا على الأقل، بحقيقة أن البشر، عندما يستخدمون مفاهيمهم - على عكس العديد من الحيوانات - لا يستخدمونها في الواقع في ظروف يوجد فيها نوع من التطبيق المباشر لمفهوم الظروف أو المواقف الفورية.

نعوم تشومسكي: حسنا، على حد علم أي شخص - ربما لا نعرف ما يكفي عن الحيوانات الأخرى - ما تم وصفه في أدبيات الحيوانات هو أن كل فعل (محليا، أو أيا كان) مرتبط بما يسميه ديكارت آلة تقود إلى حالة داخلية أو حدث خارجي يتسبب في حدوثها. يمكن أن يكون لديك حالة داخلية فقط - لذلك يصدر الحيوان صرخة معينة [أو أي شكل آخر من أشكال السلوك] "يقول" شيئا مثل "هذا أنا" أو "أنا هنا"، أو تهديد: شيء مثل "ابتعد عني، "أو ربما صرخة تزاوج. [تجد هذا] وصولا إلى الحشرات. وإلا هناك رد فعل لنوع من الأحداث الخارجية ؛ تحصل على دجاجة تنظر لأعلى وترى شيئا نفسره على أنه "هناك طائر جارح" - على الرغم من أن لا أحد يعرف ما يفعله الدجاج. يبدو أن كل شيء على هذا النحو، إلى الحد - كما ذكرنا سابقا - أن راندي جاليستل (1990) في مراجعته المقدمة لمجلد عن التواصل الحيواني يشير إلى أنه بالنسبة لكل حيوان وصولا إلى الحشرات، بغض النظر عن التمثيل الداخلي، فهو واحد - لشخص مرتبط بكائن - حدث خارجي أو حدث داخلي مستقل. من الواضح أن هذا ليس صحيحًا بالنسبة للغة البشرية. لذلك إذا كان [ما يدعي] قريبا من كونه صحيحا بالنسبة للحيوانات، فهناك انقسام حاد جدا هناك.

جيمس ماكجيلفراي: هذه فجوة حادة فيما يتعلق بما يمكن تسميته "استخدام" أو تطبيق أنواع المفاهيم ذات الصلة، لكنني أعتبر أنه يجب أن يكون أكثر من ذلك.

نعوم تشومسكي: حسنا، إنها طبيعتهم. مهما كانت طبيعة كلمة (منزل) HOUSE، أو (لندن) LONDON، أو (أرسطو)  ARISTOTLE ، أو(ماء)  WATER  مهما كان تمثيلها الداخلي - فهي ليست مرتبطة فقط بأحداث خارجية مستقلة عن العقل، أو بحالات داخلية. إنها في الأساس نسخة من نقطة ديكارت، والتي تبدو دقيقة بدرجة كافية.

جيمس ماكجيلفراي: حسنا، فهي غير مرتبطة باستخدام المفاهيم، كما أنها غير متصلة

نعوم تشومسكي: أم الفكر. هل هو شيء يتعلق بطبيعتهم، أو شيء يتعلق باستخدامهم؟ يعتمد استخدامها على طبيعتها. نحن نستخدم (منزل)   HOUSE بشكل مختلف عن كيفية استخدامنا  (منزل)  BOOK ؛ ذلك لأن هناك شيئا مختلفا عن HOUSE and  BOOK.  لذلك لا أرى كيف يمكن للمرء أن يميز بينها بشكل مفيد.

جيمس ماكجيلفراي: هناك عدم تطابق كبير، على أي حال، بين أي سمات تمتلكها المفاهيم البشرية وأي نوع من الأشياء والخصائص في العالم التي قد تكون أو لا تكون "موجودة" - على الرغم من أننا قد نستخدم بعض هذه المفاهيم من أجل تنطبق على تلك الأشياء.

نعوم تشومسكي: نعم، في الواقع يبدو لي أن العلاقة تشبه في بعض النواحي الجانب السليم للغة [، كما ذكرت سابقا]. هناك تمثيل داخلي للصوت æ، لكن لا يوجد حدث مادي مستقل عن الإنسان يرتبط به الصوت  æ. يمكن أن ينطق بكل أنواع الطرق.

جيمس ماكجيلفراي: بالنسبة للمفاهيم التي تتبعها، أعتبر أن المخلوق الذي لديه نفس النوع من العقل فقط يمكنه في الواقع فهم ما يقوله الإنسان عندما يقول شيئا ما ويعبر عن المفاهيم التي يمتلكها هذا الشخص. .

نعوم تشومسكي: إذن عندما تعلم كلبا أوامر، يكون رد فعله على شيء ما، لكن ليس مفاهيمك.

جيمس ماكجيلفراي: حسنا، جيد. أود أن أسألك بعد ذلك بمزيد من التفاصيل حول ما يمكن اعتباره أنواعا ذات صلة من النظريات التي قد يستكشفها المرء فيما يتعلق بالمفاهيم. هل يعقل أن نقول إن هناك أشياء مثل المفاهيم الذرية؟ أنا لا أقترح أنها يجب أن تكون ذرية بالطريقة التي يعتقد جيري فودور أنها يجب أن تكون - لأنه بالطبع بالنسبة له يتم تعريفها بشكل لغوي على فئة من الخصائص المتطابقة.

نعوم تشومسكي: الخارجية.....

جيمس ماكجيلفراي: الخصائص الخارجية، نعم.

نعوم تشومسكي: أنا فقط لا أرى كيف سيعمل ذلك، لأنني لا أرى أي طريقة لتفريقها بشكل مستقل عن العقل. لكني لا أرى أي بديل لافتراض وجود ذرية. إما أنها كلها ذرية، وفي هذه الحالة توجد ذرات، أو هناك طريقة ما للجمع بينها. ليس لدي أي فكرة حقا عن ماهية البديل. إذا كانت موجودة، فهناك الذرية. يبدو أنها نقطة منطقية.

جيمس ماكجيلفراي: أتساءل عما إذا كان الرأي القائل بوجوب وجود مفاهيم ذرية لا يتمتع بنفس المكانة التي يتمتع بها شيء مثل افتراض نيوتن بأنه يجب أن تكون هناك جسيمات لأن هذه هي الطريقة التي نفكر بها. .

نعوم تشومسكي: هذا صحيح. يجب أن يكون هناك جسيمات. كل ما في الأمر أن نيوتن كان لديه الأخطاء. يفترض كل شكل من أشكال الفيزياء أن هناك بعض الأشياء الأولية، حتى لو كانت خيوطا. الأشياء التي يتكون منها العالم، بما في ذلك طبيعتنا الداخلية، وعقولنا - إما أن هذه الأشياء مركبة، أو أنها ليست كذلك. إذا لم تكن مركبة، فهي ذرية. لذلك هناك جسيمات.

جيمس ماكجيلفراي: هل هناك عمل في علم اللغة يتم إجراؤه الآن على الأقل يقترب من أن يصبح أكثر وضوحا حول طبيعة تلك الكيانات الذرية؟

نعوم تشومسكي: نعم، لكن العمل الذي يتم إنجازه - وهو عمل مثير للاهتمام - يدور بالكامل تقريبا حول المفاهيم العلائقية. هناك مؤلفات ضخمة حول أفعال النهايات   atelic verbs، وما إلى ذلك - حول الأشياء المتعلقة بالصياغة. كيف تلعب الأحداث دورا، ماذا عن العناصر والحالات.؟ نوع أنصار ديفيدسون من الأشياء. ولكنها علائقية.

تكاد تكون اهتمامات الفلاسفة العاملين في فلسفة اللغة واللغويين العاملين في علم الدلالات مكملة لبعضها البعض. لا أحد في اللغويات يعمل على معنى الماء والشجرة والبيت وما إلى ذلك ؛ إنهم يعملون على أفعال مثل  LOAD وFILL وBEGIN – ومعظمها مفاهيم لفظية.

جيمس ماكجيلفراي: يمكن رؤية مساهمات بعض الفلاسفة العاملين في علم الدلالات الرسمي - كما أشرت في أماكن أخرى - كمساهمة في بناء الجملة.

نعوم تشومسكي: على سبيل المثال، عمل أنصار ديفيدسون.

جيمس ماكجيلفراي: بالضبط.

نعوم تشومسكي: أيا كان ما يفكر فيه المرء، فهو مساهمة في بناء جملة جانب المعنى للغة. لكن على عكس وجهة نظر بعض أنصار ديفيدسون وآخرين، فإن الأمر داخلي تماما، بقدر ما أستطيع أن أرى. يمكنك ربطها بشروط الحقيقة والواقعية، أو بالأحرى مؤشرات الحقيقة من نوع ما ؛ يدخل في تقرير ما إذا كانت العبارات صحيحة. لكن افعلوا كذلك ملايين الأشياء الأخرى.

***

.............................

النص الأصلي:

More on human concepts

JAMES MCGILVRAY interviews Noam Chomsky

The Science of Language, Interviews with James McGilvray

Edited by Noam Chomsky and James Mcgilvray, © Noam Chomsky and James McGilvray2012, Cambridge University Press, UK.

اللغة والوظيفة اللغوية والتواصل.. اللغة واستخداماتها

حوار مع العالم اللغوي نعوم تشومسكي

أجرى الحوار: جيمس ماكجيلفراي

ترجم اللقاء: محمد عبد الكريم يوسف

***

جيمس ماكجيلفراي: سأبدأ بسؤال يتعلق بطبيعة اللغة والوظائف التي تخدمها هذه اللغة. من الواضح أن اللغة مركزية في الطبيعة البشرية: ومن المحتمل أن تكون الشيء الوحيد الذي يجعلنا متميزين. أنت تفكر في اللغة على أنها قائمة على أساس بيولوجي، وبالتالي فطرية - مضمنة في جينوماتنا بطريقة تظهر تلقائيا أثناء نمو الطفل الطبيعي. وأنت تقر بأن اللغة أداة معرفية مفيدة للغاية يمكنها أن تؤدي العديد من الأدوار والتي منحت البشر مزايا معرفية غير عادية، مقارنة بالمخلوقات الأخرى. لكنك تقاوم فكرة أن اللغة تطورت لأنها حسنت قدرة الإنسان على التواصل. علاوة على ذلك، أنت ضد فكرة أن اللغة هي نوع من الاختراع الاجتماعي، مؤسسة أنشأناها معا لمساعدتنا في تلبية احتياجاتنا، ونقلها إلى الشباب من خلال نوع من التدريب أو التنشئة الاجتماعية. هل يمكن أن تشرح لماذا لديك هذه الآراء؟

نعوم تشومسكي: أولا، لنبدأ بمفهوم الوظيفة. هذه ليست فكرة بيولوجية واضحة أو فكرة نفسية. لذا، على سبيل المثال، إذا سألتك عن وظيفة الهيكل العظمي، وقلت: "الهيكل العظمي هو أن يبقيك مستقيما ويمنعك من السقوط على الأرض"، فهذا ليس خطأ. لكن هذا ينطبق أيضًا على وظيفتها لتخزين الكالسيوم أو إنتاج خلايا الدم، أو القيام بأي من الأشياء الأخرى التي تقوم بها. في الحقيقة، لماذا الهيكل العظمي؟ لماذا تختار حتى الهيكل العظمي؟ نحاول أن ننظر إلى الكائن الحي من وجهة نظر معينة من أجل بناء فهم كامل له من خلال فهم مكوناته. لكن هذه المكونات تفعل كل أنواع الأشياء ؛ وتعتمد وظيفتها على ما أنت مهتم به. النوع المعتاد من الطريقة المرتجلة التي يحدد بها الأشخاص الوظيفة المعينة لنظام ما هي الطريقة التي يتم استخدامها بها عادة، أو استخدامها "الأساسي"، لذلك بالنسبة لمثال الهيكل العظمي، بطريقة ما، يمكن لشيء آخر تخزين الكالسيوم، وسيظل الهيكل العظمي ضروريا للحفاظ على تماسك الجسم ؛ لذلك هذه هي وظيفتها.

الآن لنأخذ اللغة. ما هي خاصية استخدامها؟ حسنا، من المحتمل أن يكون 99.9 بالمائة من استخدامها يتم داخليا للعقل. لا يمكنك أن تمضي دقيقة واحدة دون التحدث إلى نفسك. يتطلب الأمر إرادة لا تصدق حتى لا تتحدث مع نفسك. لا نتحدث كثيرا مع أنفسنا في جمل. من الواضح أن هناك لغة تحدث في رؤوسنا، ولكن في أجزاء، بالتوازي، في أجزاء مجزأة، وما إلى ذلك. لذا، إذا نظرت إلى اللغة بالطريقة التي ينظر بها علماء الأحياء إلى أعضاء الجسم الأخرى وأنظمتهم الفرعية - لذا فأنت تأخذ في الاعتبار جميع وظائفها عند التحدث إلى نفسك - ما الذي تحصل عليه؟ ماذا تفعل عندما تتحدث مع نفسك؟ في معظم الأوقات تعذب نفسك [ضحك]. لذلك قد تعتقد أنك تعرضت للخداع، أو تسأل لماذا يعاملني هذا الشخص بهذه الطريقة؟ أو أيا كان. لذا يمكنك القول أن وظيفة اللغة هي تعذيب نفسك. الآن، من الواضح أن هذا ليس خطيرا.

صحيح تماما أن اللغة تستخدم للتواصل. لكن كل ما تفعله يُستخدم للتواصل - تسريحة شعرك، وسلوكياتك، ومشيك، وما إلى ذلك. بالتأكيد، تُستخدم اللغة أيضًا للتواصل.

في الواقع، جزء صغير جدا من اللغة يتم تخليصه - ما يخرج من فمك، أو من يديك إذا كنت تستخدم الإشارة. ولكن حتى هذا الجزء غالبًا لا يستخدم للتواصل بأي معنى ذي مغزى مستقل لمصطلح "اتصال". إذا كنت تعني بكلمة "اتصال" أي شكل من أشكال التفاعل، حسنا، يتم استخدامها للتواصل. ومع ذلك، إذا كنت تريد أن تعني فكرة الاتصال شيئا ما، دعنا نقول نقل معلومات أو شيء من هذا القبيل، فإن جزءا صغيرا جدا من الجوانب الخارجية للغة مخصص للتواصل. لذلك إذا كنت في حفلة، فهناك الكثير من الحديث يدور حولك. لكن حجم الاتصال الذي يحدث بشكل ضئيل ؛ يستمتع الأشخاص فقط، أو يتحدثون إلى أصدقائهم، أو أي شيء آخر. لذا فإن الغالبية العظمى من اللغة داخلية. ما هو خارجي هو جزء ضئيل من ذلك [وما يستخدم في الاتصال بمعنى جدي هو لا يزال جزء صغير]. نظرا لأن الوظائف عادة ما يتم تعريفها بشكل غير رسمي، فليس من المنطقي أن نقول إن وظيفة اللغة هي التواصل.

إن أحد الموضوعات المثيرة للاهتمام التي يجب معالجتها يوما ما هو أن حديثنا الداخلي هو على الأرجح أجزاء من خطاب خارجي أعيد استيعابها، ومن المحتمل جدا أن يتعذر الوصول إلى "الخطاب الداخلي" الحقيقي للتأمل. لكن هذه أسئلة تفتح أبوابا كثيرة، بالكاد تكون مواربة.

حسنا، دعنا نلقي نظرة على اللغة من وجهة نظر تطورية. توجد أنظمة اتصال مع الحيوانات. كل حيوان حتى النمل لديه نظام الاتصال، وهناك دراسات مقارنة مثيرة للاهتمام عنهم. خذ على سبيل المثال كتاب مارك هاوزر عن تطور الاتصال. لا يتعلق الأمر بالتطور كثيرا ؛ إنها دراسة مقارنة لأنواع مختلفة من أنظمة التفاعل بين الحيوانات. ويبدو أنها بالفعل أنظمة اتصال. كل حيوان لديه عدد قليل من الأنماط التي تشير إلى شيء ما للآخرين. نفسر بعضها على أنها تعني، "النسور قادمة؛ اهرب ! " إذا نظرت إليها، إنها مجرد: تلك الأوراق التي تومض، لذا يخرج بعض الضجيج من فم المخلوق. البعض منها تعريف ذاتي: "ها أنا ذا" ؛ والبعض منهم يقصد نداءات التزاوج. لكن ليس هناك الكثير.

هناك نوع من تصنيف صرخات الحيوانات، وأعتقد أن اللغة البشرية لا تتناسب مع التصنيف بأي شكل من أشكال الحواس. مهما كانت هذه الأشياء، يبدو أنها رمزية ؛ لا علاقة للغة البشر بها. هذا ليس مفاجئا: من الواضح أن أقرب أقربائنا على قيد الحياة ينفصلون عنا حوالي 10 ملايين سنة في زمن التطور. لذلك لا تتوقع أن تجد شيئا مثل لغة البشر. إذا لدى الحيوانات أنظمة اتصال، لكن لا يبدو أن لديها أي شيء يشبه اللغة. خذ لغة البشر. من أين تأتي يا ترى؟ حسنا، بقدر ما يمكننا أن نقول من السجل الأحفوري، فإن البشر ذوي الأجهزة الفسيولوجية العالية كانوا موجودين في جزء صغير من إفريقيا لمئات الآلاف من السنين. نحن نعلم الآن أن اللغة البشرية لا تتأخر عن التاريخ منذ حوالي ستين ألف عام. والطريقة التي تعرف بها ذلك هي عندما بدأت الرحلة من إفريقيا. يمكنك الآن تتبعها عن كثب عن طريق العلامات الجينية وما إلى ذلك ؛ هناك إجماع جيد على ذلك. بدأت الرحلة من إفريقيا في ذلك الوقت تقريبا وذهبت بسرعة كبيرة في زمن التطور. وإحدى الأماكن الأولى التي ذهبوا إليها هي المحيط الهادئ - الجزء الجنوبي من أوراسيا. و انتهى بهم المطاف في غينيا الجديدة، أستراليا، وما إلى ذلك، حيث يوجد [الآن] من نطلق عليهم "الأشخاص البدائيون" الذين يتطابقون معنا في جميع المقاصد والأغراض. لا يوجد فرق وراثي كبير من الناحية المعرفية يمكن لأي شخص أن يخبره. إذا تصادف وجودهم هنا، فسيصبحون جزءا منا، ويتحدثون الإنجليزية ؛ لو كنا هناك، لكنا نتحدث لغاتهم. حتى الآن كما يعلم أي شخص، لا يوجد فعليا أي اختلاف جيني يمكن اكتشافه عبر الأنواع المرتبطة باللغة - وفي الواقع، في معظم الخصائص الأخرى. الاختلافات الجينية بين البشر صغيرة للغاية، مقارنة بالأنواع الأخرى. نحن نوليهم الكثير من الاهتمام ؛ هذا ليس مفاجأة. لذا، منذ بعض الوقت، ربما قبل ستين ألف سنة، كانت اللغة موجودة، بشكلها الحديث، دون مزيد من التغييرات. حسنا، كم من الوقت قبل ذلك؟ منذ متى يا ترى؟ من هنا، يمكننا إلقاء نظرة على سجل الحفريات، ولا يوجد ما يشير حقا إلى وجودها هناك. في الواقع، إن آثار وجود نظام رمزي معقد بالكاد يكون موجودا قبل 60.000 - 100.000 سنة ماضية. لا يبدو أن شيئا قد تغير كثيرا منذ مئات الآلاف من السنين، ثم فجأة حدث انفجار هائل. منذ حوالي سبعين، وستين ألف سنة، ربما في وقت مبكر من مائة ألف عام، بدأنا في الحصول على الفن الرمزي، الرموز التي تعكس الأحداث الفلكية والأرصاد الجوية، والهياكل الاجتماعية المعقدة. . .، إنه مجرد انفجار للطاقة الإبداعية يحدث بطريقة ما في لحظة من الزمن التطوري - ربما منذ عشرة آلاف سنة أو نحو ذلك، وهذا لا شيء. لذلك لا يبدو أن هناك أي مؤشر على أنه كان موجودا من قبل، ويبدو أن كل شيء سيكون كما هو بعد ذلك. لذا يبدو أنه - بالنظر إلى الوقت المستغرق - كانت هناك "قفزة كبيرة إلى الأمام" مفاجئة. هناك بعض التعديلات الجينية الصغيرة بطريقة ما أعادت توصيل الدماغ قليلا. نحن نعرف القليل جدا عن علم الأعصاب. لكن لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن أن يكون الأمر بخلاف ذلك. لذا أدى بعض التغيير الجيني الصغير إلى تجديد أسلاك الدماغ مما جعل هذه القدرة البشرية متاحة. ومعها جاءت المجموعة الكاملة من الخيارات الإبداعية المتاحة للبشر ضمن نظرية العقل - نظرية العقل من الدرجة الثانية، لذا فأنت تعلم أن شخصا ما يحاول أن يجعلك تفكر فيما يريدك شخص آخر أن تفكر فيه . من الصعب جدا تخيل كيف يمكن أن يستمر أي من هذا بدون لغة. على الأقل، لا يمكننا التفكير في أي طريقة للقيام بذلك بدون لغة. ومعظمها تفكير وتخطيط وتفسير وهكذا. إنه داخلي.

حسنا، تحدث الطفرات في شخص وليس في مجموعة. ونحن نعلم، بالمناسبة، أن هذه كانت مجموعة تكاثر صغيرة جدا - مجموعة صغيرة من البشر في ركن ما من أركان إفريقيا، على ما يبدو. في مكان ما في تلك المجموعة، حدثت بعض الطفرات الصغيرة، مما أدى إلى قفزة كبيرة إلى الأمام. كان يجب أن تحدث في شخص واحد. حدث شيء في شخص نقله ذلك الشخص إلى نسله. ويبدو أنه في وقت قصير جدا، سيطر [ذلك التعديل] على المجموعة ؛ لذلك لابد أن لديها بعض الميزات الاختيارية. ولكن كان من الممكن أن يكون وقتا قصيرا جدا في مجموعة [تربية] صغيرة. حسنا ماذا كان؟ أبسط افتراض - ليس لدينا سبب للشك في ذلك - هو أن ما حدث هو أننا حصلنا على دمج. لقد أجريت عملية تمكنك من أخذ أشياء عقلية [أو مفاهيم من نوع ما]، تم إنشاؤها بالفعل، وإخراج أشياء عقلية أكبر منها. هذا هو دمج. بمجرد حصولك على ذلك، لديك مجموعة لا حصر لها من التعبيرات [والأفكار] المهيكلة بالأسلوب المتاح لك.

كان لدينا بالفعل أنظمة حركية حسية [عندما تم تقديم الدمج]، والتي ربما كانت تعمل بشكل هامشي. في الواقع، ربما جاءت فكرة إضفاء الطابع الخارجي عليها لاحقا. وقد فكرنا في أنظمة من نوع ما. ومع ذلك، فقد كانت بدائية - ربما تصورنا الأشياء بطريقة معينة، أو أيا كان. مهما كانت، فإنها لا تبدو وكأنها أنظمة حيوانية لأسباب نوقشت جيدا في القرنين السابع عشر والثامن عشر. لكن يبدو أنهم كانوا هناك. بمجرد أن يكون لديك أسلوب البناء هذا ومجموعة لا حصر لها من التعبيرات المهيكلة الهرمية للاستفادة من هذه الأشياء (أنظمة التفكير هذه أو [ما يسميه تشومسكي] "الأنظمة المفاهيمية المتعمدة")، عندها يمكنك فجأة التفكير والتخطيط والتفسير، في بطريقة لا يستطيع أي شخص آخر القيام بها. وإذا كان لدى ذريتك هذه القدرة أيضا، فسيكون لديهم ميزة انتقائية. وإذا ظهرت، في مكان ما على طول الخط، فكرة محاولة إضفاء الطابع الخارجي عليها [فكر] بطريقة ما، فإنها ستعطي مزايا إضافية. لذلك من الممكن تصور أن الأمر يتعلق بتطور اللغة. والسبب في استمرارنا في استخدام اللغة بشكل أساسي للتفكير [داخل] أنفسنا هو أن هذه هي الطريقة التي بدأت بها. ورغم كل شيء، فإن ستين أو سبعين ألف سنة [وربما ما يصل إلى مائة ألف] ليست بالكثير من الوقت من وجهة نظر تطورية ؛ إنها [تقريبا] لحظة. لذلك ما زلنا إلى حد كبير كما كنا في أفريقيا كلما حدث هذا التغيير المفاجئ . و هذا ما حدث، على حد علمنا.

الآن، هناك الكثير من النظريات الأكثر تعقيدا، لكن لا يوجد مبرر لأي منها. لذلك، على سبيل المثال، هناك نظرية شائعة مفادها أن بعض الطفرات بطريقة ما جعلت من الممكن بناء جمل من كلمتين ؛ وقد أعطى ذلك ميزة الذاكرة لأنه بعد ذلك يمكنك التخلص من هذا العدد الكبير من العناصر المعجمية من الذاكرة. لذلك كان لذلك مزايا انتقائية. ثم حدث شيء ما وأصبح لدينا جمل من ثلاث كلمات ثم أدت سلسلة من الطفرات إلى خمسة. . . ؛ أخيرا، تحصل على دمج، لأنه يذهب إلى ما لا نهاية [وهذا يعطي عقولنا طريقة لتجميع عدد محدود من العناصر المعجمية في مجموعة لا حصر لها من التوليفات]. حسنا، كان من الممكن أن تكون الدمج هي الخطوة الأولى، وربما لا علاقة لها بالتخارج ؛ في الواقع، من الصعب تخيل كيف يمكن أن يحدث، لأنه كان يجب أن يحدث في شخص، وليس في مجموعة أو قبيلة. لذلك يجب أن يكون هناك شيء يمنح هذا الشخص ميزة تؤدي إلى مزايا لنسله.

جيمس ماكجيلفراي: لقد فكروا في الأمر. في هذا السياق، كنت قد توقعت في بعض الأحيان، واقترحت و أنا لست متأكدا من الكلمة الصحيحة  التي تأتي مع الدمج مثل الأعداد الطبيعية، تأتي بعض الوظائف اللاحقة. قد يؤدي الدمج في حالة التحديد حيث تقوم ببساطة بضم عنصر واحد إلى نفسه إلى الوظيفة اللاحقة.

نعوم تشومسكي: هذه مشكلة قديمة. كان ألفريد راسل والاس قلقا حيال ذلك. لقد أدرك أن القدرات الرياضية لا يمكن أن تتطور عن طريق الانتقاء الطبيعي ؛ إنه أمر مستحيل، لأن الجميع حصلوا عليها، ولم يستخدمها أحد أبدا، باستثناء مجموعة صغيرة جدا من الأشخاص في الآونة الأخيرة. من الواضح أنهم طوروا شيئا بطريقة أخرى. حسنا، التوقع الطبيعي هو أنهم فرع من شيء ما. هم فرع مما نسميه : ربما مثل معظم ما يسمى "القدرة الفكرية البشرية" [أو السبب] - شيء مثل اللغة.

الآن، هناك طرق بسيطة للغاية للحصول على العمليات الحسابية من الدمج. خذ مفهوم الدمج، الذي يقول ببساطة، خذ شيئين، وابني شيئا يمثل مجموعة الأمرين ؛ هذا هو أبسط أشكالها. افترض أنك قيدته، وأخذت شيئا واحدا فقط، وسميته "صفر"، وقمت بدمجه ؛ تحصل على المجموعة التي تحتوي على صفر. يمكنك القيام بذلك مرة أخرى، وتحصل على المجموعة التي تحتوي على المجموعة التي تحتوي على صفر ؛ هذه هي الوظيفة اللاحقة. التفاصيل أكثر تعقيدا إلى حد ما، لكنها واضحة إلى حد ما. في الواقع، هناك طريقتان أخريان يمكنك الحصول عليهما ؛ لكنها مجرد تعقيد تافه للدمج، والذي يقيده ويقول، عندما تضع كل شيء بهذه الطريقة، فإنه يمنحك الحساب. عندما تحصل على الوظيفة اللاحقة، يأتي الباقي.

هناك حجج ضد ذلك. لدى بريان بتروورث كتاب (2000) حول هذا الموضوع قدم فيه العديد من الحجج ضد التفكير في ارتباط اللغة والقدرات الحسابية. ليس واضحا ما تعنيه الأدلة. الدليل، جزئيا، هو الانفصال. يمكن أن تصاب بالخلل العصبي الذي تفقد فيه إحدى القدرات وتحافظ على الأخرى. ومع ذلك، لن يخبرك هذا بأي شيء، لأنه لا يفرق بين الكفاءة والأداء. قد تكون هذه النواقص العصبية لها علاقة باستخدام القدرة. إذا لأخذ تشبيه، هناك فوارق في قراءة اللغة. لكن لا أحد يعتقد أن هناك جزءا خاصا للقراءة في الدماغ. إنه فقط أن هناك طريقة لاستخدام اللغة في القراءة، وبهذه الطريقة يمكن أن تتضرر ؛ لكن اللغة لا تزال موجودة. ويمكن أن يكون الشيء نفسه بالنسبة للحساب. وينطبق الشيء نفسه على الأنواع الأخرى من الانفصال التي تم الحديث عنها. قد يكون صحيحا أن هناك كل أنواع الطرق لشرحها. في واقع الأمر، يمكن أن يتضح أنه، مهما كانت اللغة، يتم توزيعها فقط في أجزاء مختلفة من الدماغ. لذا ربما يمكن نسخها، بحيث يمكنك نسخ جزء منها والاحتفاظ بها والتخلص من الباقي. هناك الكثير من الاحتمالات التي لا تظهر الأدلة كثيرا. إذن ما تبقى لنا هو التكهنات، ولكن عندما لا يكون لديك أدلة كافية، فإنك تختار أبسط تفسير. وأبسط تفسير يحدث ليتوافق مع جميع الأدلة التي لدينا هو أنه مجرد فرع من اللغة مشتق من خلال فرض قيود معينة على الدمج.

في الواقع، هناك قيود أخرى أكثر حداثة. لذلك خذ ما يسمى "اللغات الرسمية"، على سبيل المثال. . . الحسابية، أو أنظمة البرمجة، أو أيا كان. إنها تشبه اللغة الطبيعية نوعا ما، لكنها حديثة جدا وواعية تماما لدرجة أننا نعلم أنها لا تشبه إلى حد كبير الكائن البيولوجي، اللغة البشرية. لاحظ كيف أنها ليست كذلك. خذ على سبيل المثال دمج ]المبدأ الحسابي الأساسي لجميع اللغات الطبيعية]. كمسألة منطقية خالصة، إذا أخذت شيئين، سميتهما X و Y، وقمت بعمل مجموعة X و Y ({X, Y}) ، فهناك احتمالان. الأول هو أن X يختلف عن Y ؛ والآخر هو أنهما ليسا متميزين. إذا تم إنشاء كل شيء بواسطة الدمج، فإن الطريقة الوحيدة لعدم تمييز X عن Y هي أن يكون أحدهما داخل الآخر. لنفترض أن X داخل Y . حسنا، إذا كان X داخل Y وقمت بدمجه، فستحصل على المجموعة بحيث إذا كانت Y = [. . . X. . .] ثم {X,Y} . في الواقع، الدمج الداخلي (X,Y) = {X,Y} = {X, [. . . X . . .]} . هذا تحول. في الواقع، النوعان المحتملان من الدمج هما أخذ شيئين ووضعهما معا أو أخذ شيء واحد وأخذ جزء منه وإلصاقه على الحافة. هذه هي خاصية الإزاحة [أو الحركة] للغة الطبيعية، والتي توجد في كل مكان. لطالما اعتقدت [حتى وقت قريب] أن الإزاحة كانت نوعا من النقص الغريب في اللغة، مقارنة بالدمج أو التسلسل ؛ لكن هذا مجرد خطأ. كدمج داخلي، يأتي تلقائيا، ما لم تحظره.

لهذا السبب تستخدم اللغة هذا الجهاز لكل أنواع الأشياء. إنه يأتي "مجانيا". بافتراض ذلك، يمكنك طرح السؤال، "كيف يتم استخدام هذين النوعين من الدمج؟" وهنا تنظر إلى الواجهة الدلالية ؛ هذا هو الشيء الطبيعي. هناك اختلافات كبيرة. يتم استخدام الدمج الخارجي، بشكل أساسي، لمنحك الحجة. يتم استخدام الدمج الداخلي بشكل أساسي لتزويدك بالمعلومات المتعلقة بالخطاب، مثل التركيز والموضوع والمعلومات الجديدة وكل هذا النوع من الأشياء التي تتعلق بحالة الخطاب. حسنا، هذا ليس مثاليا، لكنه قريب بما يكفي بحيث حقيقي؛ وإذا تمكنا من اكتشافه أو فهمه جيدا بما يكفي، فسنجد أنه مثالي.

افترض [الآن] أنك تخترع لغة رسمية. ليس لها خصائص متعلقة بالخطاب. لذلك أنت فقط تستخدم الدمج الخارجي. أنت تضع قيدا على الأنظمة - في الواقع، لا تستخدم الدمج الداخلي. وبعد ذلك تحصل، بشكل فعال، على بنية الحجة فقط. الآن، من المثير للاهتمام أنه إذا أعطتنا هذه الأنظمة خصائص النطاق، فإنها تفعل ذلك بطرق معينة، والتي تصادف أنها تشبه اللغة الطبيعية إلى حد ما. لذلك إذا كنت تدرس، على سبيل المثال، المنطق الكمي للطلاب الجامعيين، فإن أسهل طريقة للقيام بذلك هي استخدام نظرية القياس الكمي القياسية - تضع المتغيرات في الخارج وتستخدم الأقواس، وهكذا دواليك. حسنا، نحن نعلم جيدا أن هناك طرقا أخرى للقيام بذلك - منطق بدون متغيرات، كما هو معروف منذ كاري (1930 ؛ كاري وفايس 1958).

ولها كل الخصائص الصحيحة. لكن من الصعب جدا تدريسها. يمكنك أن تتعلمها بعد أن تعلمتها بالترميز العادي. لا أعتقد أن أي شخص حاول - وأعتقد أنه سيكون من الصعب للغاية - القيام بذلك بالطريقة الأخرى، لتعليم نظام كاري ثم انتهى الأمر بإظهار أنه يمكنك أيضا القيام بذلك بهذه الطريقة الأخرى. لكن لماذا؟ إنهم متكافئون منطقيا، بعد كل شيء. أظن أن السبب هو أن الطريقة القياسية لها العديد من خصائص اللغة الطبيعية. في اللغة الطبيعية، أنت تستخدم خصائص الحافة للنطاق ؛ وتقوم بذلك من خلال الدمج الداخلي. لا تحتوي اللغات الرسمية على دمج داخلي ؛ لكن يجب أن يكون لديهم شيء سيتم تفسيره على أنه نطاق. لذا فأنت تستخدم نفس الجهاز الذي تستخدمه بلغة طبيعية: تضعه في الخارج مع المتغيرات المقيدة، وما إلى ذلك.

هذه هي الأشياء التي تتدفق فقط من وجود نظام به دمج بداخلك ؛ وربما ينطبق الأمر نفسه على الموسيقى والعديد من الأشياء الأخرى. لقد حصلنا على هذه القدرة التي أتت وتعطينا خيارات غير عادية للتخطيط والتفسير والتفكير وما إلى ذلك. ويبدأ في تغذية كل شيء آخر. لقد حصلت على هذه الثورة الثقافية الهائلة، والتي كانت مدهشة للغاية، ربما قبل حوالي ستين أو سبعين ألف سنة. في كل مكان يوجد فيه البشر، يحدث في الأساس نفس الشيء.

الآن، ربما في أستراليا ليس لديهم علم الحساب ؛فلغة ورلبيري، على سبيل المثال، لا تسلك نفس السلوك. لكن لديهم أنظمة قرابة معقدة، كما أشار كين هيل، لها الكثير من خصائص الأنظمة الرياضية. يبدو أن الدمج موجود في العقل، حيث يعمل على حل مشاكل رسمية مثيرة للاهتمام: ليس لديك علم الحساب، و لذلك لديك أنظمة قرابة معقدة.

جيمس ماكجيلفراي: يشير ذلك إلى إمكانية بناء علوم طبيعية على الأقل - وهذا ما جاء أيضا مع الدمج أيضا.

نعوم تشومسكي: لقد نجحت، لقد بدأت على الفور. في هذه الفترة تبدأ في العثور عليه - وهنا لدينا أدلة أحفورية وأدلة أثرية لتسجيل الأحداث الطبيعية، مثل دورات القمر، وأشياء من هذا القبيل. يبدأ الناس في ملاحظة ما يجري في العالم ومحاولة تفسير ما يجري. وبعد ذلك يدخلون في طقوس ونحوها. استمر العمل على هذا النحو لفترة طويلة.

إن ما نسميه العلم [أي العلوم الطبيعية ذات النظريات الرسمية الصريحة والافتراض بأن ما يصفونه يجب أن يؤخذ على محمل الجد، أو اعتباره "حقيقيا" هو حديث للغاية وضيق للغاية. قضى جاليليو وقتا طويلاً في محاولة إقناع مموليه - الأرستقراطيين - بأن هناك فائدة من دراسة شيء مثل كرة تتدحرج على مستوى مائل عديم الاحتكاك. "من يهتم بذلك؟ هناك كل أنواع الأشياء الممتعة التي تحدث في العالم. ماذا لديك لتقوله عن زراعة الزهور؟ التي من شأنها أن تكون مثيرة للاهتمام؛ أخبرني عن ذلك ". لم يكن لدى العالم غاليليو ما يقوله عن زراعة الأزهار. بدلا من ذلك، كان عليه أن يحاول إقناع مموليه بأن هناك نقطة ما على درجة من الأهمية في دراسة تجربة لم يستطع حتى إجراؤها - نصف التجارب التي وصفها غاليليو كانت تجارب فكرية، ووصفها كما لو كان قد نفذها، ولكن تبين لاحقا أنه لا يستطيع ذلك. . إن فكرة عدم النظر إلى العالم على أنه معقد للغاية، ومحاولة تضييقه إلى جزء مصطنع من العالم يمكنك في الواقع التحقيق فيه بعمق وربما حتى تعلم بعض المبادئ حوله التي من شأنها أن تساعدك على فهم أشياء أخرى [ما قد نفكر في العلم البحت، العلم الذي يهدف إلى الهياكل الأساسية، بغض النظر عن التطبيقات] - هذه خطوة كبيرة في العلوم، وفي الواقع، لم يتم اتخاذها إلا مؤخرا. أقنع جاليليو بعض الناس أن هناك هذه القوانين التي يجب عليك حفظها. لكن في عصره كانت لا تزال تستخدم كأجهزة حساب ؛ لقد قدموا طرقا لبناء الأشياء وما شابه. لم يتم الاعتراف بالفيزياء النظرية حتى القرن العشرين كمجال شرعي في حد ذاته. على سبيل المثال، حاول بولتزمان طوال حياته إقناع الناس بأخذ الذرات والجزيئات على محمل الجد، وليس مجرد التفكير فيها كأجهزة حساب ؛ ولم ينجح. حتى العلماء العظماء، على سبيل المثال، بوانكاريه - أحد أعظم علماء القرن العشرين - سخروا منه. [أولئك الذين ضحكوا] كانوا تحت تأثير ماشيان [إرنست ماخ]: إذا كنت لا تستطيع رؤيتها، فالمسها. . . [لا يمكنك أن تأخذ الأمر على محمل الجد] ؛ لذلك لديك طريقة للحساب. انتحر بولتزمان في الواقع - جزئيا، على ما يبدو، بسبب عدم قدرته على جعل أي شخص يأخذه على محمل الجد. وهذا شيء رهيب ومن المفارقات أنه فعل ذلك في عام 1905، وهو العام الذي صدرت فيه ورقة بحث آينشتاين البراونية، وبدأ الجميع يأخذها على محمل الجد. لتستمر الحكاية.

لقد كنتُ مهتما بتاريخ الكيمياء. في عشرينيات القرن الماضي، عندما ولدت - لذا لم يكن الأمر بعيدا جدا - كان العلماء البارزون قد سخروا من فكرة أخذ أي من هذا على محمل الجد، بما في ذلك الكيميائيين الحائزين على جائزة نوبل. لقد فكروا في [الذرات وغيرها من "الأجهزة"] على أنها طرق لحساب نتائج التجارب. لا يمكن أخذ الذرات على محمل الجد، لأن ليس لديهم تفسير مادي، وهو ما لم يفعلوه. حسنا، اتضح أن الفيزياء في ذلك الوقت كانت غير كافية على الإطلاق ؛ كان عليك مراجعة الفيزياء بشكل جذري لتوحيدها ودمجها مع كيمياء غير متغيرة.

ولكن حتى بعد ذلك بوقت طويل، حتى بعد بولينج، لا تزال الكيمياء بالنسبة للكثيرين مادة وصفية في الغالب. ألق نظرة على نص الدراسات العليا في الكيمياء النظرية. إنه لا يحاول حقا تقديمه كموضوع موحد. تحصل على أنواع نظرية مختلفة من النماذج لأنواع مختلفة من المواقف. إذا نظرت إلى المقالات في المجلات التقنية، مثل، على سبيل المثال، مجلة العلوم أو مجلة الطبيعة، فمعظمها وصفية للغاية ؛ يختارون حواف الموضوع، أو شيء من هذا القبيل ويتحدثون عنه. وإذا خرجت عن العلوم الطبيعية الصلبة، فإن فكرة أنه يجب عليك بالفعل إنشاء مواقف مصطنعة في محاولة لفهم العالم - حسنا، هذا يعتبر إما غريبا أو مجنونا. خذ اللغويات. إذا كنت ترغب في الحصول على منحة، فما تقوله هو "أريد أن أتخصص في اللسانيات البحتة " - اجمع كتلة ضخمة من البيانات وألقِ بها جهاز كمبيوتر، وربما سيحدث شيء ما. تم التخلي عن ذلك في العلوم الأساسية الصعبة منذ قرون. لم يكن لدى جاليليو شك في الحاجة إلى التركيز والمثالية عند بناء نظرية.

علاوة على ذلك، [في] الحديث عن القدرة على ممارسة العلوم [في صيغتنا التي تم ممارستها مؤخرا، عليك أن تضع في اعتبارك] أنها ليست حديثة جدا، إنها محدودة للغاية. على سبيل المثال، لا ينتحر الفيزيائيون بسبب حقيقة أنهم لا يستطيعون العثور على 90٪ مما يعتقدون أن الكون يتكون من [المادة المظلمة والطاقة المظلمة]. في . . . [إصدار حديث] من مجلة العلوم، أبلغوا عن فشل أكثر التقنيات تطورا حتى الآن، والتي كانوا يأملون أن تجد [بعض] الجسيمات التي يعتقدون أنها تشكل مادة مظلمة. هذا، لنقل، 90٪ من الكون الذي فشلوا في العثور عليه ؛ لذلك نحن ما زلنا في الظلام حول 90٪ من المادة في الكون. حسنا، تعتبر هذه مشكلة علمية في الفيزياء، وليست نهاية المجال. في اللغويات، إذا كنت تدرس لغة ورلبيري أو شيء من هذا القبيل،

ولا يمكنك فهم 50 بالمائة من البيانات، فهذا يعني أنك لا تعرف ما الذي تتحدث عنه.

كيف يمكنك فهم شيء معقد للغاية؟ إذا كنت تستطيع فهم جزء منه، فهذا مذهل. وهو نفس الشيء إلى حد كبير في جميع المجالات. إن نظام التواصل مع الحيوانات الذي يبدو أنه يحتوي على نوع من التعقيد أو التعقيد حيث قد تعتقد أنه يمكنك تعلم شيء عنه من [ما نعرفه عن] اللغات الطبيعية هو النحل. لديهم نظام اتصال معقد للغاية، وكما تعلمون بوضوح، لا توجد علاقة تطورية بالبشر. لكن من المثير للاهتمام أن ننظر إلى علامات النحل. إنه أمر محير للغاية. اتضح أن هناك المئات من أنواع النحل - نحل العسل، نحل لاذع، إلخ. إن أنظمة الاتصال مبعثرة بينهم - بعضهم لديه، والبعض الآخر ليس كذلك ؛ بعضهم له كميات مختلفة ؛ بعض استخدام الشاشات، والبعض الآخر يستخدم الخفقان. . . لكن يبدو أن جميع الأنواع تتفهم أيضًا. لذلك من الصعب نوعا ما معرفة الميزة الانتقائية [لنظام اتصالات النحل]. ولا يوجد شيء معروف تقريبًا عن طبيعته الأساسية. تطورها معقد. بالكاد تمت دراستها - هناك [فقط] أوراق قليلة. حتى الفيزيولوجيا العصبية الأساسية لذلك غامضة للغاية. كنت أقرأ بعض أحدث المراجعات حول علم النحل. هناك دراسات وصفية جيدة جدا - تم الإبلاغ عن جميع أنواع الأشياء المجنونة. لكن لا يمكنك حقا العمل على الفسيولوجيا العصبية الأساسية، والتطور يكاد يكون بعيدًا عن التحقيق، على الرغم من أنه موضوع مثالي - مئات الأنواع، فترة حمل قصيرة، يمكنك القيام بأي تجربة تريدها، وهكذا دواليك. من ناحية أخرى، إذا قارنت الأدبيات حول تطور تواصل النحل بالأدبيات مثل تطور اللغة البشرية، فهذا سخيف. هناك مكتبات حول تطور اللغة البشرية. بينما هناك عدد فليل من الكتب حول تطور اتصالات النحل، و هناك عدد قليل من الكتب المدرسية والأوراق التقنية المتناثرة. وهو موضوع أسهل بكثير. يجب أن يكون تطور اللغة البشرية من أصعب الموضوعات التي يجب دراستها. ومع ذلك، نشعر بطريقة ما أنه يتعين علينا فهمه، أو لا يمكننا المضي قدما. إنه نهج غير عقلاني للغاية للتحقيق.

***

....................

المصدر:

Language, function, communication: language and the use of language

JAMES MCGILVRAY interviews Noam Chomsky

The Science of Language, Interviews with James McGilvray

Edited by Noam Chomsky and James Mcgilvray, © Noam Chomsky and James McGilvray2012, Cambridge University Press, UK.

* الكلمة مسئولية، خاصة إذا كان هناك مَن يستمع لك وينصت

* هناك تقاعس واضح جدّاً من قِبل الصفّ الأوّل من الأطباء تجاه زملائهم ممّن يَبدؤون خطواتهم الأولى في حياتهم العملية

* المصوّر البارع: هو مَن يرى بإحساسه قبل أن يرى بعينه

* تعوّدت أن أصوّر بعدسة كاميرتي كل ما يخطف كلمة (الله) من الأفواه، ويرسم على الشفاه ابتسامة من القلب

* الشرّ في الإنسان ليس مطلقاً، بل هناك دائماً جانب من الخير

* لو تركْتُ لقلمي العنان لكتبْت أكثر من عشرين فائدة للسفر والترحال

***

الموهبة كنز ثمين؛ فبينما يعيش المرء عمرا واحدا، إذ بها تمنح صاحبها عمرا إضافيا ليعيش مرّتيْن، وصاحب الموهبتيْن يعيش ثلاثا، ويضاعف الله لمَن يشاء.. وصديقنا الجميل، طبيب نابغ، يحمل في جعبته سلّة مواهب، ذريّة بعضها من بعض؛ فبعدسة محترف يصوّر كل بديع تقع عينُه عليه، وبريشة فنان يرسم وجوه البشر مستنطِقًا ما فيها من أصالة وإنسانية، إضافة إلى حضور إعلامي بارز عبر وسائل التواصل يبثّه مادّة تثقيفية زاخرة بكلّ نافع ومفيد وسط ركامٍ من الغثّ بلغ الزُّبى في هذا الفضاء المُترامي! ومن خلال أسفار ٍجاب فيها الأقطار، وطِبٍّ سبر فيه الأغوار؛ تجمّعت لديه فيضا من القصص والحكايا نقلها بخفّة دم يُحسد عليها في كتاب ينبض بروح الفكاهة وإن زاحمت فيه العامية الفصحى على غير رغبة سيبويْه. وقد وُلد عام 1966، وتخرّج في كلية الطب بجامعة الاسكندرية العريقة، وتحصّل على درجة الماجستير ثمّ الزمالة البريطانية في تخصُّص الأشعة، ومنذ ربع قرن لبس جلباب الاغتراب الفضفاض ولا زال يعمل استشاريا بالمملكة العربية السعودية. وعبر صفحته العامرة بآلاف المتابعين والمعجَبين على الفيسبوك، كان التعارف والصداقة ومن ثمّ هذا الحوار العفوي الماتع..

1- أين ذهب القلم الذي سطّرتم به كتابكم الوحيد (حكاوي الطبيب) قبل ست سنوات؟

- القلم موجود، والشغف موجود، والأوراق موجودة، وفكرة ثلاثة كتب موجودة، وقصصها موجودة..لكن المشكلة تكمن في وجودي بالسعودية معظم أوقات السنة بحكم عملي، وهذا ما يجعلني بعيداً عن التواصل مع دور نشر مصرية، حيث إن معظم كتاباتي مزيج بين الفصحى والعامية المصرية التي يصعب معها عرض أعمالي على دور نشر سعودية .. لكن إن شاء الله في الأيام القليلة القادمة، سأفتح قنوات من التواصل مع أكثر من دار نشر مصرية عن طريق التواصل عبر الإنترنت .. فلم يبق لي خيار آخر غيره!

٢- ‏مليارات يحملون في أيديهم جوالات بكاميرات عالية التقنية، ويلتقطون آلاف الصور كل فيمتو ثانية، هل يعني هذا أنهم مصوّرون؟

- الجوّالات ذات الكاميرات العالية التقنية، أو حتى كاميرات التصوير الاحترافية ذات العدسات المتغيّرة، تأتي في مرحلة لاحقة في تحديد جودة الصورة بعد فكرة الصورة في المقام الأوّل، يليها الإلمام الكامل بأساسيات التصوير، ثم بعد ذلك تأتي جودة الكاميرات في تحديد جودة الصورة.. فليس كل من تملّك كاميرات عالية الدقة بالضرورة يكون قادراً على تصوير صورة ذات جودة عالية، تماماً مثل الذي يملك أغلى سيارة في العالم، لكنه لا يحسن القيادة! فالمصوّر البارع: هو مَن يرى بإحساسه قبل أن يرى بعينه، فيجعل من أشياء عادية وأقلّ من العادية أمام أعين الناس، شيئاً ذا قيمة عالية عندما يراها هو بعينه! والمصوّر يمكنه أن يرى بكل وضوح كل تفاصيل الصورة في خياله، قبل أن تترجمه كاميرته لصورة يراها الناس! ولعل أًدق وأصدق ما قيل في وصف المصوّر البارع وصفاته، هو ما سطّرته أنامل الكاتبة السورية غادة السمان عندما قالت: (المصوّر إنسان نادر، له أنامل نشّال، وعينا قطّ برّي، وذاكرة جاسوس، وطُموح مؤرّخ، ورؤيا شاعر، ومعدات فلكي، وصبر باحثٍ في مختبر، وجرأة فدائي!).

٣- في عالمنا النامي أو النايم الذي يعشّش فيه القبح، هل من جمالٍ تسلّط عليه عدستك وتعكس على مرآتك صورتَه؟

الباحث عن الجمال لا يجد إلّا جمالاً، والذي لا ترى عيناه سوى القبح لا يمكن أن يعكس شيئاً جميلا! هذا ديدني في الحياة، البحث عن كل ما يغذّي الروح من مواطن الجمال في كل شيء أقدّمه لمختلف المتابعين على اختلاف صورهم. لمتابِعي أعمالي الفوتوغرافية: تعوّدت أن أصوّر بعدسة كاميرتي كل ما يخطف كلمة (الله) من الأفواه، ويرسم على الشفاه ابتسامة من القلب! ولمتابعي كتاباتي: تعوّدت أن تصطبغ قصصي بنوع من الفكاهة حتى وإن كانت في بعض الأحيان فكاهة سوداء بلون ما نعيشه من مآسٍ في الحياة! ولمتابعي محاضراتي: تعوّدت أن تكون المادة العلمية التي أقدّمها، مختلِطة بمواقف مرحة، تثبّت المعلومة وتجعل من تَلقّي العلم شيئاً ممتعا! لا أنسى في أثناء مناقشة رسالتي للماجستير في كلية طب عين شمس، قوْل الطبيب المناقش عندما وجدني منذ بدء المناقشة والابتسامة لم تفارق شفتاي: إياك وأن تفقد ابتسامتك تلك فسوف تفتح لك الكثير من الأبواب المغلقة. ويكفي هنا قول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، في حديثه الشريف الذي أخرجه مسلم (إنّ الله جميل يحب الجمال).

٤- ‏ما الذي رصدتَه في وجوه البشر من سحر وجعلك تحصر ريشتَك في رسمها؟

- لا يوجد شخص سيّء بالفطرة ولا شرّير بالفطرة ولا أناني بالفطرة ولا ظالم بالفطرة ولا كاذب بالفطرة؛ فقد فُطر الإنسان على السلامة والاستقامة، لكنها الظروف التي تغيّر النفوس من الخير إلى الشرّ! والشرّ في الإنسان ليس مطلقاً، بل هناك دائماً جانب من الخير يقبع في جزء منه قد يكون خافياً عنه، وهذا ما أراهن عليه دوماً .. البحث عن هذا الجزء حتى أخرجه من مخدعه وحتى يكون هو المسيطِر بعد ذلك على تصرّفات المرء! هذا السؤال يمكنه أن يكون ملخصاً لـ (رسالتي) في الحياة: عمل الخير والدعوة إليه بلا كلل ولا ملل، سواءً في إبراز الجانب الإنساني في كلّ ما أقدمه من حلقات (قهوة الصباح) على قناتي على اليوتيوب! أو في محاضراتي التي جعلتها متاحة لكل من أراد أن يستعين بها دون حتى إذن منّي، فهي صدقة جارية أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتي! أو في كتاباتي التي أتبنّى فيها دائماً الدعوة إلى مكارم الأخلاق، وإلى التمسّك بديننا الذي هو عصمة أمرنا، وإلى إبراز الجوانب التي يطغى فيها دائماً الخير على الشرّ!

٥- ‏هل من علاقة ثنائية تبادلية بين التصوير والرسم من جهة، وتخصصك الطبي في الأشعة من جهة ثانية؟

- القاسم المشترَك بينهما هو القدرة على التخيّل؛ تخصّصي كطبيب أشعة، وربط المعطَيات في صورة الأشعة بالتشخيص الطبي السليم، يقارب إلى حدّ ما التصوير والرسم ومن قدرتك على جعل الخيال حقيقة دامغة تستطيع أن تراها بعينك بعد أن كانت حبيسة مخيّلتك!

٦- ‏ انطلاقا من مقولة الإمام الشافعي الشهيرة، ما الفوائد الخمس التي جنيتَها من وراء سفرٍ تعشقه وترحالٍ تهواه؟

- لو تركْت لقلمي العنان لكتبْت أكثر من عشرين فائدة للسفر والترحال، لكني سألتزم بخمس فوائد كما قال الإمام الشافعي؛ الفائدة الأولى: اكتساب المزيد من الثقافات: فقبل رحلتي لأي بلد، أقوم جيداً بقراءة تاريخها وجغرافيتها وعادات أهلها وأفضل الأماكن للزيارة، ورؤية أجمل ما فيها على الإنترنت قبل أن تطأها قدماي، حتى تتكون داخلي صورة كاملة وافية عن كل ما يمت لها بصلة قبل قدومي إليها، ولتكن رحلتي لها قد حقّقت الاستفادة القصوى منها. الفائدة الثانية: اكتشاف المجهول: مهما قرأت عن أي بلد قبل أن تزرها، حتماً ولا بد، سيفاجئك الكثير ممّا لم تعرفه عنها سابقاً بعد أن تصل إليها وتقضي عدة أيامٍ فيها.. اكتشاف المجهول متعة لا تعادلها متعة أخرى! الفائدة الثالثة: فهْم الآخَر: فائدة من أجمل فوائد السفر، هو تحاورك وتعرُّفك على (الآخر) من أبناء هذا البلد، ولعل أكبر مثال على هذا هو علاقتي بسائق روسي بسيط جداً، كان يصاحبني طيلة فترة وجودي في روسيا، لم يكن يتكلم سوى اللغة الروسية فقط! وأنا لا علم لي بأي حرف من حروف لغته! ومع ذلك نجحنا في إيجاد (لغة) مشتركة بيني وبينه طيلة أيام رحلتي وفي إقامة علاقة متفردة جميلة قدّمتها في حلقة كاملة على قناتي على اليوتيوب (كيف تكسب الآخر (فاليري)، وما زالت علاقتنا الطيبة الجميلة مستمرة حتى الآن بعد مضي ما يقارب أربع سنوات! الفائدة الرابعة: هي بالطبع فائدة خاصة بالتصوير، فقل السفر لأي بلدٍ من البلاد، أقوم برؤية كل ما تم تصويره عنها في مختلف مواقع التصوير، حتى أستطيع رسم فكرة كاملة عن الأماكن التي سوف أذهب إليها لتصويرها واختيار أفضل الأماكن لوضع الكاميرا وكذلك اختيار زاوية التصوير المناسبة، واختيار العدسة المناسبة لكل منظر يتم تصويره. الفائدة الخامسة: كسب هوايات جديدة؛ فالهوايات هي من تجمل الحياة، بعيداً عن العمل الاحترافي الذي لا بد منه ليعين الفرد على أعباء الحياة، والسفر إلى بلاد مختلفة يخلق هوايات جديدة ومختلفة، أستمدها من ثقافات تلك البلاد، مما يضيف للحياة نوعاً آخر من السعادة والمتعة.

٧- ‏عبر احتكاكك بأكثر من نظام صحي، ما ملامح النظام الصحي الأمثل الذي يُرضي طرفَي المعادلة: الطبيب والمريض؟

- النظام الصحي الأمثل لكلٍّ من الطبيب والمريض، هو النظام الذي يحفظ لهما كرامتهما بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. بالنسبة للطبيب: بمساعدته على أن يكون في أفضل حالٍ يمكّنه من خدمة المريض بصورة صحيحة، وهذا الحال يشمل راتبا محترما يكفيه ويغنيه عن العمل ساعات إضافية خارج المنظومة الحكومية، وتزويده على الدوام بكل الجديد في الطب من أجهزة تساعده على سرعة التشخيص وسرعة العلاج، وتدريبه بصورة مستمرة بطريقة عملية ونظرية من خلال إقامة مؤتمرات وورش عمل يمكنه فيها من التدرّب على كل جديد في تخصصه! وبالنسبة للمريض: بألا يشعر في يوم بأي قلق إذا ما اعتلت صحته عبر توفير منظومة تأمين صحي تشمل كل ما يتعرض له من أمراض، ابتداءً من تشخيصه وانتهاءً بعلاجه حتى لو تكلّف علاجه ملايين الجنيهات . لا يوجد في الدنيا شيء أغلى من صحة الإنسان، ولا يوجد للأسف الآن في مجتمعاتنا أقسى من خوف أحدهم أن يصيبه مرض لا يملك وقتها المال الكافي للتعافي والشفاء منه!

٨- ‏عن سلبيات الاغتراب يثرثر الغرباء كثيرا، ولكن ماذا عن الإيجابيات؟

- السلبية الوحيدة للاغتراب عن موطنك هي مفارقة أصدقائك وأحبابك وأهلك وأماكن نشأتك وذكرياتك في شوارعها وحواريها، لكن على الجانب الآخر، فالأرض كلها أرض الله، والرزق يكتبه الله لنا في أي مكانٍ من مشرق الأرض إلى مغربها، وما علينا إلا البحث عنها كما أمرنا الله سبحانه وتعالى. لذلك، مع الوقت، تدرك الكثير من الإيجابيات للاغتراب أهمها إصلاح حالك المادي والوظيفي والمعلوماتي والخبراتي والتعليمي، ويضاف عليها كل ما ذكرته سابقاً من فوائد السفر والترحال التي لا تحصى ولا تعد ..ويبقى الوطن في حقيبة يدك ممثَّلاً في (جواز السفر)، حيث يمكنك أن تزوره وتجتر ذكرياتك فيه مرة أخرى في أي وقت شئت، ووقتها ستشعر بجمالٍ من نوع آخر قد لا تستشعره إذا كُتب عليك عدم مفارقة الوطن، ألا وهو جمال الإحساس بالذكريات التي ابتعدت عنها، والتي لن تشعر بها بالطبع إذا لم تبرح أماكن الذكريات بالفعل!

٩- ‏ ما اليقظة التي تهدف إليها من وراء ارتشافك قهوة الصباح مع آلاف من متابعيك صباح كل جمعة؟

- قهوة الصباح التي أرتشفها مع أصدقائي على صفحتي في الفيس بوك، وعلى قناتي على اليوتيوب صباح كل جمعة، قد تكون هي المحطة الأهم التي أتوقف فيها أسبوعياً لأجتمع مع أرقى صحبة شرفت بالتعرف عليهم، حتى لو وصل عددهم لآلافٍ من الأصدقاء المحترمين الذين أحرص وبكل اهتمام على اختيار المواضيع التي تناسب أذواقهم المحترمة الراقية، من مواضيع تاريخية أو سياسية أو اجتماعية أو دينية أو ثقافية، أو للتشاور حول بعض المشكلات الحياتية، والتي أستمتع وأنا أقدّمها لهم بهذا الكم من التعليقات التي يضيف كل تعليق لي منها المزيد والمزيد من المعلومات المختلفة في شتى مناحي الحياة.

١٠- ‏كناشط إعلامي عبر وسائل التواصل، ما أبرز العلل التي يعجّ بها هذا القطاع البالغ التأثير في تشكيل الوعي؟

- للأسف، انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي في زمننا هذا بصورة أصبحت متاحة ومباحة ومستباحة من كل من يملك جوالا بحفنة جنيهات، وأصبح للأسف الشديد أيضاً معظم ما يُعرض الآن ويجذب الانتباه هو كلّ ما يلعب على وتر الإثارة بكافة أنواعها، وأصبح غول المكسب السريع من أي شيء - حتى ولو كان فاسدا ومفسدا للمجتمع- هو الهدف من كل صاحب محتوى هشّ مبتذَل رخيص لا يهمه في المقام الأوّل والأخير سوى جذب أكبر عدد من المتابعين بأي صورة حتى لو كانت كما نرى مدمّرة للأخلاق وبصورة تتعارض مع قيمنا ومثلنا العليا النبيلة. لذلك أصبح الوضع أكثر صعوبة على صاحب كل محتوى محترم يهمه نشر الوعي وتذكير الناس دوماً بمكارم الأخلاق، ولكن حتى لو خبا صوته بين إزعاج الأصوات الأخرى، لا يجب عليه الاستسلام أبداً، فالموضوع أصبح بمثابة أمانة، سوف يسأله الله عنها، إذا ما تقاعس عن نشرها.

١١- برأيكم، هل يؤدي الصفّ الأوّل من الأطباء واجبهم التعليمي تجاه زملائهم في أوّل درجات السلّم كما ينبغي؟

- للأسف الشديد، هناك تقاعس واضح جداً من قبل الصف الأوّل من الأطباء تجاه زملائهم ممن يبدؤون خطواتهم الأولى في حياتهم العملية، وفي أمس الحاجة لمن ينير لهم أول الطريق حتى لا تتشعب بهم الطرق ويصبح طريق عودتهم لجادة الصواب أمرا في غاية الصعوبة إذا ما تراكمت عليه الأيام . هؤلاء الأطباء المتقاعسون سواء بقصدٍ أو بدون قصد، في حاجة لتذكيرهم بأن تلك أمانة يجب عليهم أن ينقلوها لمن يأتي بعدهم، ويجب أن نذكّرهم بحديث رسولنا الكريم "خيركم من تعلّم العلم وعلمه". وبتحذيرهم من مغبّة كتم علمهم حتى لا ينطبق عليهم قول رسولنا الكريم «مَنْ سُئِلَ عن عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يوم القيامةِ بِلِجَامٍ مِنْ نارٍ». لذلك، وعلى المستوى الشخصي، فقد خصصت قائمة تشغيل على قناتي على اليوتيوب، لشباب أطباء الأشعة ممن هم في مقتبل حياتهم العملية، أقدم لهم محاضرات مختلفة في كافة فروع التشخيص بالأشعة، والحمد لله المشتركون عليها من أطباء الأشعة في كافة الوطن العربي قد تعدوا الآلاف.

١٢- ميدان الفن بمدلوله العام، واسع ومتشعّب وعميق الأثر، باعتقادكم، كيف يمكننا تسخيره لخدمة الحياة دون الوقوع في محاذير شرعية؟

- هذه نقطة في قمّة الأهمية وقمة المسئولية؛ فالكلمة مسئولية، خاصة إذا كان هناك من يستمع لك وينصت، فقد تصعد بك تلك الكلمة إلى أعلى الجنان، وقد تهبط بك إلى ما لا يتمناه المرء بالقطع. وكما أن هناك حسنات جارية تضاف إلى صحيفتك بعد موتك، فهناك أيضاً سيئات جارية قد تثقل كتابك يوم العرض على الله سبحانه وتعالى، فتتفاجأ بذنوب لم تقترفها في حياتك، لكنها الكلمة غير المسئولة، والبدعة السيئة التي اتبعك فيها الكثيرون بعد موتك، فأثقلت كتابك حتى طغت ذنوبك فوق حسناتك والعياذ بالله!

والفن أكبر مثال لهذا، فمنه الحرام الذي نهانا عنه صراحة ديننا الحنيف، ومنه الذي يغذّي الروح دون الوقوع في محاذير الذنوب، نسأل الله جميعاً أن يلهمنا حسن اختيار الكلمة، وأن يجنّبنا الوقوع في الخطايا والذنوب ما ظهر منها وما بطن ... اللهم آمين

***

د. منير لطفي

أُجري الحوار في مايو 2023م

 

عن النظرية الرسمية للغة وتكييفها مع علم الأحياء؛ الطبيعة المميزة للمفاهيم البشرية

حوار مع العالم اللغوي نعوم تشومسكي

أجرى الحوار: جيمس ماكجيلفراي

ترجم اللقاء: محمد عبد الكريم يوسف

 ***

جيمس ماكجيلفراي: دعني أتابع بعض هذه النقاط التي طرحتها من خلال طرح سؤال مختلف عليك. لقد قمت، في عملك في الخمسينيات من القرن الماضي، بتحويل دراسة اللغة بشكل فعال إلى علم رياضي رسمي - ليس علما رياضيا، بالطبع، بالطريقة التي تكون بها أنظمة ماركوف رياضية، ولكن من الواضح أنها علم رسمي حقق تقدما كبيرا للغاية. كانت بعض علامات هذا التقدم - خلال السنوات القليلة الماضية، على سبيل المثال - الإزالة المتتالية لجميع أنواع المصنوعات اليدوية للنظريات السابقة، مثل البنية العميقة، والبنية السطحية، وما شابه ذلك. علاوة على ذلك، أظهرت النظريات الحديثة قدرة ملحوظة على حل المشكلات الوصفية والتفسيرية على حد سواء. هناك زيادة كبيرة في درجة التبسيط. ويبدو أيضًا أن هناك بعض التقدم نحو علم الأحياء - ليس بالضرورة علم الأحياء كما يفهم عادةً من قبل الفلاسفة والعديد من الآخرين، كقصة تطورية انتقائية حول الإدخال التدريجي لهيكل معقد، ولكن علم الأحياء كما يفهمه أشخاص مثل ستيوارت كوفمان (1993) ودارسي طومسون (1917/1942/1992). أتساءل عما إذا كنت ستعلق على مدى تقدم هذا النوع من النهج الرياضي.

نعوم تشومسكي: منذ أن بدأ هذا العمل في أوائل الخمسينيات - اثنان أو ثلاثة طلاب، إريك لينبيرج، أنا، موريس هال، على ما يبدو لا أحد آخر - كان الموضوع الذي كنا مهتمين به، كيف يمكنك استخدام هذا في علم الأحياء؟ كانت الفكرة غريبة للغاية، ولم يتحدث عنها أحد. جزء من السبب هو أن علم السلوك كان لطيفا. . .

جيمس ماكجيلفراي: معذرة. هل كان هذا العمل [وضع نظرية اللغة في علم الأحياء] دافعا منذ البداية؟

نعوم تشومسكي: بالتأكيد: بدأنا في قراءة علم الأخلاق، لورينز، تينبرغن، وعلم النفس المقارن ؛ أصبحت تلك الأشياء معروفة في الولايات المتحدة. كان التقليد الأمريكي سلوكا وصفيا صارما. أصبح علماء الحيوان المقارن الألمان والهولنديون متاحين للتو ؛ في الواقع، كان الكثير مما ندرسه باللغة الألمانية. كنا مهتمين، وبدا أن هذا هو المكان الذي يجب أن يتجه علم اللغة. كانت الفكرة غريبة جدا لدرجة أن لا أحد يتحدث عنها عمليا حول هذا الموضوع، باستثناء قلة منا. لكنها كانت بداية عمل إيريك لينبيرج. هذا هو المكان الذي بدأ فيه كل هذا حقا.

كانت المشكلة أنه بمجرد محاولتك النظر إلى اللغة بعناية، سترى أنه من الناحية العملية لم يكن هناك شيء معروف. عليك أن تتذكر أن معظم اللغويين افترضوا في ذلك الوقت أن كل شيء تقريبا في هذا المجال كان معروفا. كان الموضوع الشائع عندما تحدث طلاب الدراسات العليا في علم اللغة مع بعضهم البعض هو: ماذا سنفعل عندما يكون هناك تحليل صوتي لكل لغة؟ من الواضح أن هذه عملية إنهاء. ربما يمكنك إجراء تحليل صرفي، لكن هذا ينتهي أيضا. وكان من المفترض أيضا أن اللغات متنوعة جدا لدرجة أنك لن تجد أي شيء عام. في الواقع، تم العثور على أحد الانحرافات القليلة عن ذلك في السمات المميزة لأسلوب براغ: قد تكون السمات المميزة عالمية، لذلك ربما يكون أكثر من ذلك بكثير عالميا. إذا كانت اللغة قائمة على أساس بيولوجي، فيجب أن تكون كذلك. ولكن بمجرد أن بدأنا في محاولة صياغة القواعد العالمية التي افترضتها مثل هذه الرؤية، أصبح من الواضح على الفور أننا لا نعرف أي شيء. بمجرد أن حاولنا إعطاء التعريفات الأولى للكلمات - ماذا تعني الكلمة؟ إلخ - لم يستغرق الأمر منا أكثر من خمس دقائق من التأمل الذاتي لندرك أن قاموس أكسفورد الإنجليزي لم يخبرنا بأي شيء. لذلك أصبح من الواضح على الفور أننا بدأنا من الصفر. كان السؤال الكبير الأول هو العثور على شيء ما حول ما يجري. وهذا نوعاً ما يعيدها إلى الوراء من مسألة كيف سنجيب على الأسئلة البيولوجية.

الآن، السؤال البيولوجي الأساسي هو: ما هي خصائص نظام اللغة الخاص به هذا ؟ كيف يختلف عن المشي، على سبيل المثال - ما هي الخصائص المحددة التي تجعل من النظام نظاما لغويا؟ لكن لا يمكنك الإجابة على هذا السؤال حتى تعرف شيئا عن ماهية النظام. ثم - مع محاولات تحديد ماهية النظام - تأتي توترات الكفاية الوصفية والتفسيرية. الضغط الوصفي - محاولة تقديم وصف لجميع اللغات الطبيعية الممكنة - جعلها [النظام] يبدو معقدا ومتنوعا للغاية ؛ لكن الحقيقة الواضحة حول الاكتساب هي أنه يجب أن تكون جميعها متماثلة بشكل أساسي. لذلك وقعنا تحت هذا التوتر.

بدأت مؤخرا في قراءة سجلات بعض المؤتمرات في الستينيات والسبعينيات. كان المشاركون في الغالب من علماء الأحياء الشباب الناشئين، وعدد قليل من علماء الفسيولوجيا العصبية، وبعض اللغويين، وعدد قليل من الآخرين. واستمرت هذه الأنواع من الأسئلة في الظهور - قد يقول أحدهم، حسنا، ما هي الخصائص المحددة لهذا النظام التي تجعله مختلفا عن الأنظمة الأخرى؟ وكل ما كان بإمكاننا فعله هو وضع قائمة بمجموعة معقدة من المبادئ التي تختلف تماما [عن بعضها البعض] ومعقدة جدا بحيث لا توجد طريقة يمكن تصورها لتطورها: لقد كان الأمر غير وارد تماما.

علاوة على ذلك، و بعيدا عن السؤال المقارن، هناك سؤال آخر يتربص بنا، وهو على حافة الهاوية حاليا في علم الأحياء - إنه السؤال الذي يهتم به كوفمان. هذا السؤال هو، لماذا تمتلك الأنظمة البيولوجية هذه الخصائص - لماذا هذه الخصائص، و لا خصائص أخرى؟ تم التعرف على أنها مشكلة في زمن داروين. أدرك توماس هكسلي ذلك - أنه سيكون هناك الكثير من أنواع الحياة المختلفة، بما في ذلك الأشكال البشرية ؛ ربما تسمح الطبيعة بطريقة ما للأنواع البشرية وبعض الأنواع الأخرى - ربما تفرض الطبيعة قيودا على أشكال الحياة الممكنة. ظلت هذه مشكلة هامشية في علم الأحياء: يجب أن تكون صحيحة، لكن من الصعب دراستها. كرس [آلان] تورينج (1992)، على سبيل المثال، جزءا كبيرا من حياته لعمله على التشكل. إنه بعض الأعمال الرئيسية التي قام بها - ليس فقط ذلك المتعلق بطبيعة الحساب - وكان محاولة لإظهار أنه إذا تمكنت من فهم أي شيء مهم حقا في علم الأحياء، فأنت تنتمي إلى قسم الكيمياء أو الفيزياء. هناك بعض الغايات السائبة التي تصادف أن يمتلكها قسم التاريخ - أي وجهات النظر الانتقائية للتطور. حتى الانتقاء الطبيعي - إنه مفهوم جيدا، وواضح من منطقه - حتى الانتقاء الطبيعي وحده لا يستطيع فعل أي شيء ؛ يجب أن تعمل ضمن نوع من القنوات الموصوفة من الاحتمالات الفيزيائية والكيميائية، ويجب أن تكون قناة مقيدة. لا يمكنك تحقيق أي نجاح بيولوجي ما لم تحدث أنواع معينة فقط من الأشياء، وليس أشياء أخرى. حسنًا، الآن هذا نوع من المفهوم للأشياء البدائية. لا أحد يعتقد، على سبيل المثال، أن الانقسام الفتيلي [عملية تكرار الحمض النووي الخلوي، مما يؤدي إلى الانقسام] يتم تحديده عن طريق الانتقاء الطبيعي إلى كرات وليس مكعبات. هناك أسباب مادية لذلك. أو لنأخذ، على سبيل المثال، استخدام متعددات الوجوه كمواد بناء - سواء كانت قذائف من الفيروسات، أو أقراص عسل النحل. الأسباب المادية لذلك مفهومة، لذلك لا تحتاج إلى أسباب انتقائية. السؤال هو، إلى أي مدى تذهب؟

الأسئلة الأساسية حول ما هو خاص باللغة لها علاقة فعلاً بالقضايا التي تتجاوز تلك المتعلقة بالكفاية التفسيرية [أي، التعامل مع مشكلة أفلاطون، أو شرح فقر الحقائق المحفزة لاكتساب اللغة]. لذا، إذا تمكنت من تحقيق كفاية تفسيرية - إذا كان بإمكانك أن تقول، "ها هي القواعد العامة [Universal Grammar]، قم بتغذية الخبرة بها، وستحصل على لغة - فهذه بداية في بيولوجيا اللغة، لكنها مجرد بداية. ستكون الخطوة التالية، حسنا، لماذا تمتلك القواعد العامة امتداد الخصائص التي لديها؟ هذا هو السؤال الأساسي. حسنا، احتمال واحد هو شيء واحد يأتي تلو الآخر - مجموعة من الحوادث التاريخية، الكويكبات التي تضرب الأرض، أو أي شيء آخر. في هذه الحالة، هو في الأساس غير قابل للتفسير ؛ انها ليست متجذرة في الطبيعة، ولكن في الصدفة والتاريخ. لكن هناك احتمال آخر، وهو ليس غير معقول، بالنظر إلى ما نعرفه عن التطور البشري. يبدو أن نظام اللغة تطور فجأة. إذا كان الأمر كذلك، يتم استبعاد عملية طويلة من الصدفة التاريخية، ويمكننا البدء في البحث عن تفسير في مكان آخر - ربما، كما يعتقد تورينج، في الكيمياء أو الفيزياء.

الصورة القياسية في علم الأحياء التطوري - سبب اعتقاد علماء الأحياء أن العثور على شيء مثالي لا معنى له - هو أنك تنظر إلى الأشياء على مدى فترة طويلة من التاريخ التطوري. وهناك، بالطبع، الكثير من الأمثلة لما يسميه فرانسوا جاكوب "خلق سلسلة من الأشياء من المواد المتوفرة"، أو ما نسميه الترقيع. في أي نقطة معينة، تبذل الطبيعة قصارى جهدها بما هو في متناول اليد. تحصل على مسارات في التطور تتعثر هنا وتذهب من هناك ولا تبدأ من جديد وتذهب إلى مكان آخر. وهكذا ينتهي بك الأمر إلى ما يبدو وكأنه أشياء معقدة للغاية كان من الممكن أن تقوم بها بشكل أفضل إذا أتيحت لك الفرصة لتصميمها منذ البداية. قد يكون ذلك لأننا لا نفهمهم. ربما كان تورينج على حق. ربما يصبحون بهذه الطريقة لأنهم مضطرون إلى ذلك. لكن على الأقل يكون من المنطقي الحصول على تلك الصورة إذا كان لديك تطور تطوري طويل. من ناحية أخرى، إذا حدث شيء ما بسرعة كبيرة، فليس من المنطقي أن تأخذ هذه الصورة على محمل الجد.

لفترة من الوقت، لم يكن يبدو كما لو أن تطور اللغة يمكن أن يحدث بسرعة كبيرة. كان النهج الوحيد الذي بدا أنه يعطي أي معنى للغة هو أن القواعد العامة أو الهبة البيولوجية التي نمتلكها والتي تسمح لنا باكتساب لغة هي نظام معقد جدا بمبادئ محددة للغاية لا مثيل لها في أي مكان آخر في العالم. وهذا يؤدي إلى نهاية أي نقاش حول المشاكل المركزية لبيولوجيا اللغة -ما هو خاص بها، وكيف وصلت إلى هناك؟ والسبب في ذلك هو الارتباط بين النظرية - بين صيغة النظرية اللغوية - ومشكلة الاكتساب اللغوي. كانت صورة الجميع - وصوري أيضا - هي أن القواعد العامة تقدم شيئا مثل تنسيق القواعد النحوية المحتملة ونوعًا من الأساليب لاختيار الأفضل منها، مع توفير بعض البيانات. ولكن لكي ينجح ذلك، يجب أن يكون التنسيق شديد التقييد. لا يمكنك ترك الكثير من الخيارات مفتوحة، ولجعلها شديدة التقييد، يبدو أنها يجب أن تكون شديدة الوضوح ومعقدة للغاية. لذا فأنت عالق في نظرية القواعد العالمية شديدة الوضوح والمفصلة للغاية، وهي أساسا للاكتساب أسباب. حسنا، يأتي إلى جانب نهج المبادئ والمعايير ؛ لقد تشكلت في حوالي أوائل الثمانينيات. إنه لا يحل مشكلة [قول ما يميز اللغة وكيف وصلت إلى هناك]، لكنه يزيل الحاجز المفاهيمي الرئيسي لحلها. النقطة المهمة في نهج المبادئ والمعايير هي أنه يفصل تنسيق القواعد عن الاكتساب. الاكتساب وفقا لهذا النهج سيكون مجرد مسألة التقاط خصائص معجمية (على الأرجح)، ولا شك في أن الخصائص المعجمية يتم التقاطها من التجربة، لذلك كانت هنا طريقة أخرى يتم فيها فصل الاكتساب عن التنسيق.

حسنا، إذا تم فصل كل ذلك عن جزء المبادئ في القواعد العامة، فلن يكون هناك أي سبب مفاهيمي لضرورة أن تكون معقدة للغاية ومحددة. لذا يمكنك البدء في طرح السؤال، حسنا، هل كنا مخطئين بشأن تعقيدها ومستوى التعبير العالي؟ هل يمكننا أن نظهر أنها حقا بسيطة؟ من هنا يبدأ برنامج الحد الأدنى. يمكننا أن نطرح السؤال الذي كان يتربص دائمًا ولكننا لم نتمكن من التعامل معه، بسبب الحاجة إلى حل مشكلة الاستحواذ. مع فصل الاكتساب عن بنية اللغة - بشكل أساسي من خلال اختيار المعلمات - يمكننا على الأقل معالجة هذه الأسئلة. بعد أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، بدأت بقول كل فصل درسته تقريبا، "دعنا نرى ما إذا كانت اللغة مثالية." سنحاول معرفة ما إذا كانت مثالية، ولم تنجح ؛ سننتهي بنوع آخر من التعقيد. وفي الحقيقة، [متابعة هذه القضية] لم يقطع شوطا طويلا حتى أوائل التسعينيات، وبعد ذلك، في تلك المرحلة، بدأت الأمور تتجمع. بدأنا نرى كيف يمكنك الاستفادة من أحدث [الفهم النظري للتكنولوجيا] وتطوير تفسير أساسي لها، وما إلى ذلك. أحد الأشياء - الغريب - الذي كان آخر ما تمت ملاحظته حوالي عام 2000 هو أن الإزاحة [الحركة] ضرورية. بدا هذا وكأنه أكبر مشكلة - لماذا النزوح؟ الإجابة الصحيحة - أنها مجرد دمج داخلي - تصدمك في وجهك بمجرد النظر إليها بالطريقة الصحيحة.

جيمس ماكجيلفراي: ألم تكن القصة تدور حول أنها كانت موجودة لتلبية شروط الواجهة- القيود المفروضة على نظام اللغة الأساسي التي تفرضها الأنظمة التي يجب أن "تتواصل" اللغة بها؟ 

نعوم تشومسكي: حسنا، اتضح أنها تلبي شروط الواجهة. ولكن هذا على أي حال. يجب أن تكون هناك شروط للواجهة ؛ [السؤال الذي يمكننا الإجابة عليه الآن هو] أكبر مشكلة - لماذا نستخدم الإزاحة لمواجهتها؟ لماذا لا تستخدم المؤشرات، أو شيء من هذا القبيل؟ كل نظام [يجب] أن يفي بهذه الشروط، لكنه يفعل ذلك بتقنية مختلفة. حسنا الآن، أفكر في ذلك طوال الوقت، اتضح أن القواعد التحويلية هي الطريقة المثلى لتلبية تلك الشروط، لأنها متوفرة بشكل حر.

جيمس ماكجيلفراي:... عند التفكير في دمج داخلي وخارجي. . .

نعوم تشومسكي: نعم، هي حرة، ما لم تشترط عدم حدوث أي منهما.

جيمس ماكجيلفراي: حسنا، وهذا يساعد في فهم سبب إتاحة الدمج - وبالتالي التكرار بالشكل الذي نستخدمه في اللغة (وربما في الرياضيات) - للبشر وحدهم. هل هذا كل ما هو مطلوب لفهم ذلك ما الذي يميز لغة البشر إذن أننا دمجنا؟ أستطيع أن أفترض، على الأقل لبعض الأسس، أن الأنواع الأخرى لديها قدرات مفاهيمية. . .

نعوم تشومسكي: لكن انظر، هذا مشكوك فيه. من ناحية [واجهة] المحرك الحسي، ربما يكون هذا صحيحا. قد تكون هناك بعض التعديلات على اللغة، لكن ليس كثيرا. خذ، على سبيل المثال، عظام الأذن الوسطى. لقد تم تصميمها بشكل جميل لتفسير اللغة، ولكن من الواضح أنها وصلت إلى الأذن من فك الزواحف من خلال بعض العمليات الميكانيكية لتوسيع الجمجمة التي حدثت، على سبيل المثال، قبل 60 مليون سنة. لذلك هذا شيء حدث للتو. يختلف الجهاز الحركي المفصلي إلى حد ما عن الرئيسيات الأخرى، ولكن توجد معظم خصائص الجهاز المفصلي في مكان آخر، وإذا كان لدى القرود القدرة البشرية على اللغة، فقد يكونون قد استخدموا أيا من الأنظمة الحسية الحركية التي لديهم للتعبير عن الخارج.، تمامًا كما يفعل الموقعون البشريون الأصليون. علاوة على ذلك، يبدو أنه كان متاحا لأشباه البشر في خطنا لمئات الآلاف من السنين قبل استخدامه للغة. لذلك لا يبدو كما لو كان هناك أي ابتكارات معينة.

من الناحية المفاهيمية، الأمر مختلف تمامًا. ربما لا نعرف الأشياء الصحيحة، ولكن كل ما هو معروف عن الفكر الحيواني وعقول الحيوانات هو أن نظائرها - أو أيا كان ما ننسبه إليها - يحدث لها علاقة شبيهة بالإشارة إلى الأشياء. لذلك هناك شيء مثل علاقة كائن بالكلمة. ترتبط كل نداء قرد معين بحالة داخلية معينة، مثل "جائع" أو حالة خارجية معينة، مثل "هناك أوراق تتحرك هناك من فوق، لذا اهرب بعيدا".

جيمس ماكجيلفراي: كما اقترح ديكارت.

نعوم تشومسكي: نعم. يبدو هذا صحيحا بالنسبة للأنظمة الحيوانية، لدرجة أن مسح الاتصالات الحيوانية الذي أجراه راندي جاليستل (1990) يعطيها فقط كمبدأ. يعتمد الاتصال الحيواني على مبدأ أن الرموز الداخلية لها علاقة واحد لواحد ببعض الأحداث الخارجية أو الحالة الداخلية. لكن هذا خطأ ببساطة بالنسبة للغة البشرية - تماما. مفاهيمنا ليست كذلك. وقد لاحظ أرسطو ذلك. لكنها أصبحت في القرن السابع عشر مهنة. خذ، على سبيل المثال، الفصل 27 من مقال جون لوك فيما يتعلق بالفهم الإنساني والذي أضافه إلى مقال الأشخاص. إنه يدرك جيدا أن الشخص ليس شيئا. له علاقة بالاستمرارية النفسية. يدخل في تجارب فكرية: إذا كان لدى شخصين متطابقين نفس الأفكار، فهل هناك شخص واحد أم شخصان؟ وكل مفهوم تنظر إليه هو من هذا القبيل. لذا تبدو مختلفة تماما عن مفاهيم الحيوانات.

في الواقع، لدينا فقط فهم سطحي لما هم عليه. تم التحقيق في هذا الأمر بشكل رئيسي في القرن السابع عشر. أدرك ديفيد هيوم لاحقا أن هذه مجرد تركيبات عقلية أثارتها بطريقة ما خصائص خارجية. وبعد ذلك يتلاشى الموضوع ويحدث القليل جدًا. بحلول القرن التاسع عشر، تم استيعابها في نظريات النمط المرجعي الفريغاني، ثم إلى الفلسفة الحديثة للغة والعقل، والتي أعتقد أنها بعيدة كل البعد عن هذه المسألة.

. . . لكن بالرجوع إلى سؤالك، أعتقد أنك تواجه حقيقة أن النظام المفاهيمي البشري يبدو كما لو أنه ليس له مثيل في عالم الحيوان. السؤال الذي يطرح نفسه هو من أين جاءت مفاهيم الحيوانات، وهناك طرق لدراسة ذلك. لكن أصل الجهاز المفاهيمي البشري يبدو غامضا للغاية في الوقت الحالي.

جيمس ماكجيلفراي: ماذا عن فكرة أن القدرة على الانخراط في التفكير أي التفكير بعيدا عن الظروف التي قد تحفز الأفكار أو تحفزها - قد تكون قد نشأت نتيجة لإدخال نظام اللغة أيضا؟

نعوم تشومسكي: السبب الوحيد للشك في الأمر هو أنه يبدو متماثلا تقريبا بين المجموعات التي انفصلت قبل حوالي خمسين ألف عام. لذا ما لم يكن هناك بعض التطور الثقافي الموازي - وهو ما يمكن تخيله - يبدو كما لو كان موجودًا هناك بطريقة ما. لذلك إذا سألت مواطنا من غينيا الجديدة يخبرك ما هو الشخص، على سبيل المثال، أو النهر... [ستحصل على إجابة مثل تلك التي ستعطيها.] علاوة على ذلك، فإن الأطفال الرضع لديهم [فكر]. هذا هو الجانب الأكثر لفتًا للانتباه - أنهم لم يتعلموا ذلك [ومع ذلك فإن محتواها الداخلي غني ومعقد، وكما ذكرنا - بعيدًا عن متناول قاموس أكسفورد الإنجليزي].

خذ قصص الأطفال. أنها تستند إلى هذه المبادئ ذاتها. قرأت قصص أحفادي. إذا أحبوا قصة، فإنهم يريدون قراءتها عشرة آلاف مرة. إحدى القصص التي يحبونها تدور حول حمار حوله شخص ما إلى جانب صخرة. تدور بقية القصة حول الحمار الصغير الذي يحاول إخبار الآباء أنه حمار صغير، رغم أنه من الواضح أنه صخرة. يحدث شيء أو آخر في النهاية، وهو حمار صغير مرة أخرى. لكن كل طفل، بغض النظر عن صغر سنه، يعرف أن تلك الصخرة هي حمار، وأنها ليست صخرة. إنه حمار لأنه يتمتع باستمرارية نفسية، وما إلى ذلك. لا يمكن تطوير ذلك فقط من اللغة أو من التجربة.

جيمس ماكجيلفراي: حسنا، ماذا عن شيء مثل التشكل الموزع؟ قد يكون من المعقول أن بعض الهياكل المفاهيمية على الأقل - على سبيل المثال، الفرق بين الاسم والفعل - ترجع مباشرة إلى اللغة على هذا النحو. هل هذا معقول؟

نعوم تشومسكي: يعتمد على ما تعنيه به. خذ فكرة الحمار مرة أخرى. إنها فكرة لغوية. إنها فكرة تدخل في الفكر. إذن فهو عنصر معجمي وهو مفهوم. هل هم مختلفون؟ خذ، على سبيل المثال، فكرة جيري فودور عن لغة الفكر. ماذا نعرف عن لغة الفكر؟ كل ما نعرفه عنها هو أنها الإنجليزية. إذا كان هناك شخص ما في شرق إفريقيا لديه أفكار، فهو يتكلم السواحيلية. ليس لدينا فكرة مستقلة عن ماهيتها. في الواقع، ليس لدينا سبب للاعتقاد بوجود فرق بين العناصر المعجمية والمفاهيم. صحيح أن الثقافات الأخرى ستفكك الأشياء بشكل مختلف قليلا، لكن الاختلافات طفيفة جدا. الخصائص الأساسية متطابقة فقط. عندما أعطي أمثلة في الفصل الدراسي مثل جريان النهر وأجري هذه التجارب الفكرية الغريبة [المتعلقة بهويات الأنهار - ما يرغب الشخص في تسميته نهرا، أو نفس النهر الذي تجده في عملي]، لا يهم كثيرا أي الخلفية اللغوية التي يأتي منها أي شخص، يتعرفون عليها جميعا بنفس الطريقة في النواحي الأساسية. كل طفل يفعل. لذا، بطريقة ما، هذه الأشياء موجودة. يظهرون في اللغة ؛ سواء كانوا "هناك" بشكل مستقل عن اللغة، ليس لدينا طريقة للمعرفة. ليس لدينا أي طريقة لدراستها - أو طرق قليلة جدا، على الأقل.

يمكننا دراسة بعض الأشياء حول التطور المفاهيمي بصرف النظر عن اللغة، لكن يجب أن تفعل ذلك بأشياء أخرى، مثل إدراك الحركة، واستقرار الأشياء، وأشياء من هذا القبيل. إنه أمر مثير للاهتمام، ولكنه سطحي جدا مقارنة بأي من هذه المفاهيم. لذا فإن السؤال عما إذا كان قد جاء من اللغة يبدو خارجا عن قدراتنا الاستقصائية ؛ لا يمكننا أن نفهم فكر الرضيع أبعد من ذلك بكثير.

ولكن السؤال المطروح بعد ذلك هو، من أين أتت؟ يمكنك أن تتخيل كيف يمكن أن تكون الطفرة الجينية قد أعطت الدمج، ولكن كيف تعطي مفهومنا للهوية النفسية كخاصية تعريف الكيانات؟ أو العديد من هذه الخصائص بعيدة تمامًا عن التجربة. 

جيمس ماكجيلفراي: لقد تكهنت أحيانا حول ما إذا كانت المفاهيم المعجمية قد تكون بطريقة ما أو طريقة أخرى. يبدو معقولا في ظاهره - إنه يقدم بعض الطرق لفهمه.

نعوم تشومسكي: الأشخاص الذين تمت دراستهم بشكل أفضل ليسوا هم الذين تحدثنا عنهم - تلك التي [في بعض الأحيان] نستخدمها [من قبلنا] للإشارة إلى العالم، [مثل ماء و نهر] ولكن تلك العلاقات، مثل الأفعال الزمنية [العلائقية] - الأفعال الخادعة مقابل الأفعال النشطة [على سبيل المثال] - أو المفاهيم العلائقية، والمفاهيم التي تتضمن الحركة، والتشابهات بين المكان والزمان، وما إلى ذلك. هناك قدر لا بأس به من العمل الوصفي المثير للاهتمام [تم إجراؤه على هذه]. ولكن هذه هي أجزاء الجهاز الدلالي (علم الدلالة) التي ترتبط ارتباطًا وثيقا نسبيا، لذا [في دراستها] فأنت تدرس حقا نظاما علاقيا له طابع نحوي.

النقطة التي يصبح فيها الأمر مسدودًا هي عندما تسأل، كيف يتم استخدام أي من هذا للحديث عن العالم - السؤال التقليدي عن الدلالات. إن كل ما يتم فعله - دعنا نفترض كل شيء - في علم الدلالة الرسمي أو الدلالات اللغوية أو نظرية الجانب، وما إلى ذلك، هو تقريبا كل شيء داخلي [ونحوي بالمعنى الواسع]. ستعمل بنفس الطريقة إذا لم يكن هناك أي عالم. لذلك يمكنك أيضا وضع الدماغ في وعاء أو أي شيء آخر. ثم يأتي السؤال، حسنا، نستخدمها للتحدث عن العالم ؛ كيف لنا أن نفعل ذلك؟ هنا، أعتقد أن الفلاسفة واللغويين وغيرهم ممن هم في التقليد الفكري الحديث وقعوا في نوع من الفخ، أي الفخ الذي يفترض وجود علاقة مرجعية.

لقد وجدته مفيدا وحاولت إقناع الآخرين - ولكن دون جدوى - بالتفكير فيه على أساس التشابه مع علم الأصوات. يطرح نفس السؤال. كل عمل في علم الأصوات داخلي [للعقل / الدماغ]. أنت تفترض أن علم الصوتيات الضيق يعطي نوعا من التعليمات إلى الجهاز المفصلي والسمعي - أو أي نظام تستخدمه للخارج. لكن هذا خارج كلية اللغة. من الجنون أن لا أحد يقترح أن هناك علاقة بين الصوت والرمز. لا أحد يعتقد أن الرمز æ، دعنا نقول ("a" في القطat )، يختار كائنا خارجيا للعقل. يمكنك أن تلعب اللعبة التي يمارسها الفلاسفة ؛ يمكنك القول أن هناك بنية رباعية الأبعاد لحركات الجزيئات وهي القيمة الصوتية لـ æ. ثم تختار æ ذلك، وعندما أقول æ (أو ربما قطة) فإنك تفهمها لأنها تشير إلى نفس البنية رباعية الأبعاد. هذا جنون لدرجة أن لا أحد - حسنا، لا أحد تقريبا، كما تعلم - يفعل ذلك. ما يحدث في الواقع - وهذا مفهوم جيدا - هو أنك تعطي التعليمات إلى، على سبيل المثال، الجهاز المفصلي ويقومون بتحويله إلى حركات من الجزيئات بطرق مختلفة في ظروف مختلفة، واعتمادا على ما إذا كنت تعاني من التهاب في الحلق أم لا، أو ما إذا كنت تصرخ، أو أي شيء آخر. ويفسرها شخص آخر إذا كانوا قريبين منك بدرجة كافية بلغتهم الداخلية وتصورهم للعالم وفهمهم للظروف، وما إلى ذلك ؛ إلى هذا الحد، يمكنهم تفسير ما تقوله. إنها مسألة أكثر أو أقل. يفترض الجميع أن هذه هي الطريقة التي يعمل بها الجانب السليم للغة.

فلماذا لا يعمل جانب المعنى في اللغة على هذا النحو: لا توجد دلالات على الإطلاق - أي لا توجد علاقة مرجعية - مجرد تعليمات نحوية للجهاز المفاهيمي الذي يعمل بعد ذلك؟ الآن - بمجرد أن تصبح في الجهاز المفاهيمي والعمل - فأنت في مجال الفعل البشري. ومهما كانت تعقيدات الفعل البشري، فإن الجهاز - نوعًا ما - يفكر فيها بطريقة معينة. والأشخاص الآخرون الذين يشبهوننا إلى حد ما أو يفكرون في أنفسهم بنفس الطريقة، أو يضعون أنفسهم في مكاننا، يحصلون على فهم جيد مقبول لما نحاول قوله. لا يبدو أن هناك أكثر من ذلك. 

مواد تكميلية من مقابلة 20 كانون الثاني 2009 

جيمس ماكجيلفراي: سأتحول إلى ما أسميته "المعلومات الدلالية" في محاضرة في عام 2007 في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حول إتقان نظام اللغة وأماكن أخرى. لقد ذكرت أنه في الواجهة الدلالية لكلية اللغة، حصلت على نوعين من المعلومات الدلالية، أحداهما يتعلق ببنية الحجة التي افترضت أنها ناتجة عن دمج خارجي، ونوع آخر من المعلومات المتعلقة بالموضوع والنطاق والمعلومات الجديدة - مثل هذه الأمور - التي افترضت أنها ناجمة عن اندماج داخلي.

نعوم تشومسكي: حسنا، قريبا جدا. هناك حجج على عكس ذلك، مثل نظرية نوربرت هورنشتاين للسيطرة، والتي تقول إنك تقوم بأدوار ثيتا theta roles. لذلك لا أريد أن أقترح أن هذا السؤال سؤال مغلق بأي حال من الأحوال، ولكن إذا تبنيتَ وجهة نظر شبيهة بوجهة نظر الله، فإنك تتوقع نوعا ما أنه إذا كان لديك نوعان مختلفان من الدمج، فيجب القيام بأشياء مختلفة. ليس لدي دليل على ذلك. لكن يبدو أن البيانات تشير إلى أنها قريبة جدا من الحقيقة، وهي قريبة جدا من الحقيقة لدرجة أنها تبدو بمثابة حادث كبير. و الحالات القياسية لبنية النقاش هي للدمج الخارجي و الحالات القياسية لتوجيه الخطاب وأشياء من هذا القبيل هي من الدمج الداخلي.

جيمس ماكجيلفراي: إنها نوع مختلف تماما من المعلومات.

نعوم تشومسكي: الأمر مختلف تماما، وإذا عرفنا ما يكفي عن الفكر الحيواني، أعتقد أننا سنجد أن أجزاء الدمج الخارجي قد تكون مشتركة إلى حد ما بين النقاط الرئيسية. ربما يمكنك العثور على أشياء مثل مخطط عمل التمثيل مع القرود. لكنهم لا يستطيعون فعل الكثير معها ؛ إنها مثل نوع من انعكاس الأشياء التي يرونها. يمكنك رؤيته من حيث خصائص نمط كادورث Cudworth وخصائص مدرسة الجشتالت Gestalt والعلاقات السببية ؛ إنها طريقة للإدراك.

جيمس ماكجيلفراي: الأحداث التي لها خصائص n-adic - تأخذ أعدادا مختلفة من الوسائط، وما شابه.

نعوم تشومسكي: نعم، هذا النوع من الأشياء. وقد يكون هذا هو ما يمنحك إياه الدمج الخارجي. من ناحية أخرى، هناك نوع آخر من الدمج، وإذا تم استخدامه، فسيتم استخدامه لخصائص أخرى. من الناحية الوصفية، ينقسم بشكل وثيق إلى البنية الموضوعية الأساسية من ناحية، وتوجيه الخطاب اللغوي، وهيكل المعلومات، وخصائص النطاق، وما إلى ذلك، من ناحية أخرى.

جيمس ماكجيلفراي: يبدو أنها معلومات واقعية...

نعوم تشومسكي: بعد كل شيء، الواجهة دلالية - براغماتية.

هناك الكثير من النقاش هذه الأيام حول عمل دان إيفريت مع لغة برازيلية، البيراها - تم وصفها في صحيفة نيويوركر، من بين أماكن أخرى. ديفيد بيسيتسكي لديه ورقة بحثية طويلة حول هذا الموضوع مع اثنين من اللغويين الآخرين [(نيفينز، بيسيتسكي، رودريغيز 2007)]، ووفقا لهم، إنها تماما مثل اللغات الأخرى. لقد دخل في الأدب الفلسفي أيضا. كتب بعض الأذكياء - فيلسوف إنجليزي جيد جدا ورقة بحثية حول هذا الموضوع. إنه أمر سيء بشكل محرج. يجادل بأن هذا يدل على أنه يقوض القواعد العامة، لأنه يظهر أن اللغة لا تستند إلى العودية. حسنا، إذا كان دان إيفريت على حق، فسيظهر أن لغة البيراها لا تستخدم الموارد التي توفرها القواعد العامة Universal Grammar . لكن هذا الاكتشاف يعني و كأنك وجدت قبيلة من الناس في مكان ما يزحفون بدلا من المشي. يرون أشخاصا آخرين يزحفون، فيزحفون. لا يظهر أنه لا يمكنك المشي. لا يُظهر هذا أنك لست مبرمجا وراثيا للمشي [وأنت تمشي، إذا حصلت على النوع المناسب من المدخلات التي تؤدي إلى ذلك ولم يتم تعطيلك بطريقة أخرى]. ما يدعيه إيفريت ربما ليس صحيحا على أي حال، ولكن حتى لو كان كذلك، فهذا يعني فقط أن هذه اللغة لديها موارد معجمية محدودة ولا تستخدم الدمج الداخلي. حسنا، ربما لا: لا يستخدمه الصينيون لتشكيل الأسئلة. لا تستخدم اللغة الإنجليزية الكثير من الأشياء؛ لا يستخدم خيار بيكر متعدد التركيب. لا توجد لغة تستخدم جميع الخيارات المتاحة.

***

............................

النص الأصلي:

On a formal theory of language and its accommodation to biology; the distinctive nature of human concepts

JAMES MCGILVRAY interviews Noam Chomsky

The Science of Language, Interviews with James McGilvray

Edited by Noam Chomsky and James Mcgilvray, © Noam Chomsky and James McGilvray2012, Cambridge University Press, UK.

التغيير منفذ الذهن الى روح العصر

عدنان أبو أندلس، شاعر وناقد ولد في العام 1956 في إحدى بواد حافات ديالى، نشأ وترعرع في قرية «باجوان»، وأكمل مراحله الدراِسية الثلاث في مدينة كركوك، ثم نال شهادة «الدبلوم» من معهد الإدارة القانونية في كركوك ثم بكلوريوس صحافة واعلام في العام ٢٠١١، عمل في شركة نفط الشمال لحين إحالته على التقاعد.. يقول عن الساعات الأولى لإطلالته على الدنيا (كانت صرختي الأولى في زوايا ذلك الضباب والهُباب البعيد الذي يمخر وجه الأرض، لم أتذكر منها إلا عواصف الرمال وسديم الضباب).

بدأ ابو اندلس مشواره الابداعي شاعرا عبر مجموعته الموسومة (أحلام مؤجلة ٢٠٠٢) ثم توالت كتبه في الشعر والنقد ومنها (أحزان مُغلفة) و(مسارات كيرخو) و (سُحبٌ هُناك.. ساخنة) و(شهقات الحرير) و(معزوفة الدمشقي) و(ترنيمة الغائب)... وخلال هذه السنوات عمل في العديد من الصحف والمجلات والمؤسسات الصحفية المحلية، وكتب المئات من الدراسات النقدية، ولهُ العشرات من نصوص التقديم لأعمال الشعراء في العراق والوطن العربي وشعراء المنافي في الخارج في أكثر الأجناس الأدبية.

متابع دؤوب، له نهمٌ للقراءة، يقظ الفكر، عاشق للغة العربية، حريص على إنتقاء المفردة، يخوض في لب الحرف فيستخرج منه اجمل ما فيه، يحول النص الى حوار مع قارئه فيشده لما يطرحه شاء او أبى، تمتد اهتماماته الادبية الى اقاصي بعيدة ليعود منها بمقال عن احد رموزها الفذة.. لكن قبل كل هذا فهو شاعر قريب الى من في حوله برقة مشاعره ورهافة سلوكه التي اكتسبها من تحاربه الحياتية المرة. وفي خضم هذا السيل من التراكمات والرموز نبلور معا من خلال هذا الحوار نظرته الى البدايات ونتاجه الادبي وجماعة كركوك الادبية والتغيير الذي حول يراعه من الشعر الى النقد:

نقطة الشروع

س 1: ما الذي حدا بك للانغماس في عالم الادب ؟ كيف كانت البدايات واين؟

أبو أندلس: التحولات التي صاحبتني منذ الدراسة "الابتدائية" التي كنتُ اشم فيها ورق مجلة " العاملون في النفط "التي كانت تصدرها" شركة نفط العراق المحدودة " عندما كان والدي يجلبها لي بداية كل شهر لكونه أحد منتسبي الشركة، لذا كنتُ أخفيها بين كتبي لئلا تُلهيني عن الدراسة كما كان أهلي يظنون. وفي المتوسطة كانت " المكتبات " قريبة مني، ومنها بدأت أقرأ ما يتيسر لي من صحف ودوريات. كتب منتصف سبعينات القرن الفارط وما بعدهُ، كانت قراءاتي الأدبية بشغف منصبة على الروايات، فأول رواية قرأتها كانت " طبيب الشمال " للكاتب " والاس ك ريد " عام 1974، هي خميرة مكتبتي فيما بعد، وبدأتُ أقرأ لـ نجيب محفوظ واحسان عبد القدوس بكثرة، وبعدها توالت قراءاتي لكتاب آخرين، ومنهم اجانب.

لماذا النقد الأدبي

س 2: بدأت بالشعر ولك مجاميع عديدة لكنك مؤخرا فضلت النقد عليه.. هل تعتقد أن هذا الخيار مرده إلى التحول من التجربة العاطفية الذاتية إلى التفاعل مع الفكر العقلاني والمنطقي.. كيف تفسر هذا التغيير؟

أبو أندلس: نعم بدأت بالتعاطي مع الشعر باكرا وخاصة "قصيدة النثر" في العام 1978، وقد كتبتُ قصيدة بعنوان "قطرات عذاب" في العام 1981 ونشرتها في جريدة الراصد التي كانت تصدر آنذاك. وكان بالنسبة لي فتحاً معرفياً أتفاخر به، ثم توالت منشوراتي في بعض الصحف المحلية والدوريات حتى الخليجية منها. لكني وجدت نفسي الآن أن قصائدي كانت غير ناضجة، فالشاعر كما يقال هو ناقد نصه، لهذا لم أكن راضياً فيما أكتب من الشعر كما ذكرت، لذا ابتعد تُ عنهُ منذ العام 2016.حيث بدأ هاجسي بالتحول من جنس لآخر وجدتُ فيه نفسي، ألا وهو " النقد " بتأويله وتحليله وتطبيقاتهِ ومناهجه. ذلك التحول الذي بدأ يسايرني منذ أواسط التسعينات لقد تخليت او ابتعدتُ عن الشعر رغم تأليفي لـثمان مجموعات شعرية، ذلك لأني وجدت النقد متنفساً يُعالج صراع هذه الحياة بفكر عقلاني ومنطقي كما ذكرتَ، ربما يدخل تطور العمر في جانب من هذا الاختيار.

الناقد والخزين المعرفي

س3: من خلال متابعة انتاجك النقدي أجد اهتمامك بالسبك اللغوي فضلا عن إثراء المضمون بأسماء كبيرة في ميدان الأدب والفكر العالمي على حساب الوضوح في طرح الفكرة احيانا. هل ان المسألة عفوية أم هي مسعى لتأكيد خزينك المعرفي وضرورته للناقد.؟

أبو أندلس: النسج اللغوي وسبكه مطلوب من خلال رؤى الكاتب ورصف مفرداتهِ بإتقان، لذا كنتُ أتحرى " المفردة " وأصقلها قبل توظيفها في أي كتابة أختارها من الشعر أو النقد.. أتوقع في الشعر تأتي عفوية دون القصدية المُبتغاة، لأن الشعر ايحائي ولا أحبذ تغيير ما بعد توظيفها لأنها تخلخل ما تبتغي منهُ، أما النقد فهو تطبيق دراسةٍ وبحث يلزمان الكاتب بالاختيار الأفضل، لذا كنت أتحرى المفردة وأغيرها حسب الجملة، حتى العتبة القرائية تمر بمراحل من التغيير. نعم تناولت نتاجات كبار أدباء العالم الغربي وخاصة شعراء " قصيدة النثر " من حيث مؤسسيها ومبتكريها ومتعاطيها كونها كونية من حيث التوظيف وتساير لهجة الشارع وهمومه.. وعليه لا ابداً لم أطمح بتوق البروز من وراء دراسة أو بحث يخص الأدب الغربي لأجل الشهرة مطلقاً.. لكن على الناقد أن يكون ملماً بكل جوانب ومناحي الحياة وأن يملأ خزينهُ المعرفي حالما تصدف متغيرات لم تكن في ذهنيته تلك.

النتاج العالمي أم النتاج المحلي؟

س4: المتابع لكتاباتك النقدية يلاحظ اهتمامك بأدب الخارج واضحا مقارنة بما تكتب عن آدبائنا. هل ترى أن المحلي لا يستفزك كثيرا على الكتابة عنه؟

أبو أندلس: نعم، أتلمس ذلك من خلال الردود التي تصلني من خلال اللقاءات الأدبية أو من مواقع التواصل الاجتماعي بأني أساير وأوظف الأدب الأجنبي وأفضلهُ على المحلي، أقول: لا أبداً فللبيئة المحلية مكانة خاصة أعتز بها لأنها مهبط حياتي ومهد صباي.. وحسب رأي " باشلار " في " جمالية المكان " بأن المكان الأليف الذي تعيشه له خصوصية نفسية باذخة في الاستذكار " لكني كتبت عن أدب الخارج لأنهُ يشدني بتحولات لابد منها، كما كتبتُ الكثير من أدب السير والموروث وحتى سيرة حياتي " زوايا الضباب " التي اخذت مني الكثير بأجزائها الثلاثة منذ ولادتي بصرختي الأولى في الضباب في 17-2-1956 وحتى أواخر شباط 2022. لكن ربما التحول جاء نتيجة الإشباع المحلي ولابد من حتمية التغيير.

جماعة جديدة

س5: ضمن المعطيات الراهنة في المشهد الثقافي الكركوكي. هل تتوقع إمكانية بروز تجربة مماثلة لجماعة كركوك الأدبية. ولماذا؟

أبو أندلس: سؤال وجيه جداً طالما نتحاور به في جلساتنا، أقول من غير المعقول أن نبقى نجتر أسماء الجماعة الأولى فقط رغم إبداعهم الذي ربما لن يتكرر وفق معطيات ذلك الزمان البهي، ودون تكرار الحالة بتسمية أخرى. لكن ظهرت بعدهم جماعة كركوك الثانية في منتصف السبعينات وتلاشت في نهايته والأسماء معروفة. نعم هناك مشروع كتابي عن جماعة كركوك الثالثة لكن كيف تقنع من ليس لهُ ضلع في بدايتها المقتصرة على لقاءٍ عابر في مقهى على ضفة " الخاصة " أو في غرفة " فندق الميلاد " كما لاحظت ذلك من خلال تبني الناقد المسرحي " محمد خضر " الموضوع، لكن مشاغله العديدة أبعدتهُ عن هذا المضمار. وهناك ثُلة أسميتهم جماعة كركوك " الرابعة " من الشباب الواعد بتركيبتهم الأثنية تشبه من حيث الرؤى الحديثة التي نقرأ لهم.

الابداع والزمن

س6: قال كازنتزاكي، وهو على فراش المرض قبل موته، انه يحتاج عشر سنوات على عمره ليوصل ما عنده..هذا الهاجس يتنامى مع الكاتب كلما تقدم بالعمر، أو طرح جديدا للقراء. هل ترى هذا الطرح معيار موضوعي للمبدعين؟..

أبو أندلس: طرح في غاية الدقة، الكاتب يشبه الفلاح الطموح الذي يزرع " فسيلة " من النخل ويجلس يُراقبها منتظراً المحصول وهو في منتصف العمر يأمل منها " الثمرة " ولو بعد حين، كذلك الكاتب يطمح ويطمع بزيادة انتاجه كي يستلذ به القراء، لكن ليس كل الأدباء هم وفق هذا السياق، ففيهم من صمت بعد منتصف العمر أو انشغل نفسياً بمصارع الحياة ومتطلباتها حتى ابتعد كلياً عن طموحه المعرفي. أما المعيار الذي تعنيه ربما تتدخل فيه الحالة النفسية أو القابلية الجسمية والفكرية معاً.

هكذا جرت محاورتي مع عدنان ابو اندلس ولاشك ان التغيير في الاسلوب والشكل واللغة فعل يتماهى مع المتغيرات من حولنا، إلا ان المحتوى المتفاعل مع هواجس وهموم وتطلعات الانسان يبقى هو المقصد والمرتجى.

***

حاوره: محمد حسين الداغستاني

- الفيسبوك مدرسة أهلية مجانية بلا مناهج تعليمية، مساؤه أكبر من فوائده

-أسوأ كلمة سمعتها في حياتي هي كلمة الشهرة

- أصل الكلمة كَرميان بتشديد الكاف تعني الدافيء باللغة الكردية

- خلقنا لنعيش حيتنا العبث والفوضى والمزاح وقليلٌ من الجد

- من غير سخرية تغدو الحكاية طعام بلا ملح أو توابل.

- لم أعمل بالسياسة، مسالم، طبيعة عملي حببني للجميع

عراقي عجزتُ عن قص أثره، وتحديد البداية، ففي جلولاء قد تكون هناك الولادة وبعض طفولة، وفي محافظة واسط ميعة الصبا وشغف القراءة، وفي خانقين هوس الأصول والجذور وعطل الحياة المدرسية في الحقول اليانعة، لكن من المؤكد أن في كركوك العمل والسكن الحالي بعد جولات مكوكية من تنقلات سكنية بلغت أكثر من 26 بيتاً وتواجد الأهل والعائلة، وفي بعقوبة العمل ولقاء الصحب في السراي القديم والبدء برحلة المتاعب الأدبية، وفي كفري جذور العائلة والهجرة القسرية وقرب موقع العمل الحالي، وبين أروقة الثقافة اسم ونتاج وروايات وقصص ولواذع فيسبوكية، ينقد نفسه قبل الآخرين، غايته التحفيز لا التقليل والتنقيص من الشأن، متهكم طريف وساخر ممزوج بالمرارة تارة وطوراً بالجمال، أنه القاص والروائي والمسرحي تحسين كرمياني، المنحدر من أرومة كردية، والمترعرع في أحضان اللغة العربية، لا أبالغ اذا أدعيت أنه مع الشاعر إبراهيم البهرزي يشكلان أبرز أديبان موسوعيان في محافظة ديالى، ورغم أني لم أعلمه بنيتي في محاورته، هل يرغب بذلك، أو لا، قررت طرح أسئلتي عليه، وتضييق مسألة الخيارات بين الرفض والقبول عليه. وكان القبول.

***

* هل أصبحت مشهورا؟ أم لازلت تسعى إلى الشهرة؟

ج: سأقول لك بكل صراحة، أسوأ كلمة سمعتها في حياتي هي كلمة الشهرة، أتمنى أن تزاح هذه الكلمة القبيحة من القواميس، لن أسعى لها أبداً ولن ألهث خلفها فهي عجوز شمطاء خرجت من خدمة الغزل، إنها متاهة، أكتب ما يريح مزاجي ويستهدف قلب الهدف الذي أريد، عجبني قولاً لا يحضرني قائله هذه اللحظة رغم أنه مدون ضمن دفاتري القديمة، يقول قائلها: ’’ما أغبانا ونحن نلهث خلف الشهرة، وحين نحصل على الشهرة نحاول أن نتوارى عن أعين الناس!‘‘

* ماذا يعني (كرمياني) لغة؟

ج: أصل الكلمة كَرميان بتشديد الكاف، لأن في اللغة الكرية الحركات حروف، وتعني الدافئ، والياء تلصق بالكلمة للصفة، وكَرميان هي الجزء الثالث من جغرافية الكورد، حسب التقطيعات السكانية، منطقة باهدينان؛ تشمل أكراد تركيا ودهوك وأربيل، ومنطقة سوران؛ تشمل السليمانية وكركوك، أما كَرميان؛ تشمل بقية الكورد من ديالى وحتى الجنوب، كونها منطقة دافئة خلاف المناطق الشمالية المعروفة بالبرودة، لذلك سميت كرميان، كلمة كَرم ـ بتشديد الكاف ـ الكردية، أي دافئ.

* هل تتشابك عندك المفردات عندما يتنوع جلساؤك؟

ج: لا بد من ذلك التشابك المتعمد الذي يمنح الجلسة سرورها، نحن كعراقيين خلقنا لنعيش حيتنا العبث والفوضى والمزاح وقليلٌ من الجد، القوانين لا تليق بنا رغم أنها عدالة العيش، أقولها صراحة، لا نحب القيود، هكذا أجبرتنا السياسة المتلونة، لكن يبقى مجتمعنا مجبول بالأخلاق الحميدة والتماسك العشائري والأصالة والغيرة المتفجرة، لكن الديموقراطية الغربية جاءت لتفكيك تراثنا، وتدمير حضارتنا، وإخراجنا من حيز الأخلاق الحميدة، ودعبلتنا في متاهات لا نهاية لها، بعض القيود تحجم مديات حريتنا، والمعدن العراقي مرن، زئبقي، يتكيف مع كل الظروف مهما كانت القساوة والظلم، لابد من تطعيم حواراتنا بما يشعرنا بالسرور. أوان الجلسات المتنوعة، أتكلم باللغة الرسمية، ودائماً أجد من يتكلم معي بلغة الأم بين الجمع، لكنني أجيبه بلغة الآخرين.

* كم يكفي الروائي من النتاج ليكون معروفا؟

ج: في حقل الآداب ليس للكم الحكم الفيصل، هناك من أشتهر بعمل واحد، ولدينا شعراء القصيدة الواحدة، ’’خوان رولفو‘‘ كتب أعظم رواية في تاريخ أمريكا اللاتيني، ’’بيدرو بارامو‘‘، وألبارو سيبيدا ساموديو كتب رواية ساحرة ’’ البيت الكبير‘‘ والتي كتب مقدمتها ماركيز، و’’ثربانتس‘‘ ما زال معلم السرد العالمي بروايته ’’ دون كيخوته‘‘، كل الروائيين العالميين اشتهروا بعمل واحد رغم ما أنتجوا من أعمال أخرى ذات أقيام أدبية مقبولة، ’’لوليتا‘‘ ’’نابكوف‘‘ ’’الدون الهادئ‘‘ ’’شولوخوف‘‘ ’’ الساعة الخامسة والعشرون‘‘ ’’ قسطنطين جورجيو‘‘ ’’ دكتور جيفاكو‘‘ ’’ باسترناك‘‘... وووو ألخ. أما الروائي العربي ما زال يسير في مسار خاطئ، لأنه ما زال يراهن ويقاتل من أجل الكم، دون أن يفكر بروايته الخالدة، أنه يشتت نفسه، ويبدد حكاياته في اتجاهات متفاوتة في نهجه السردي.

* ماهي علاقتك بالنقاد؟

ج: مسالم مع الجميع، يعرفونني ويقدرونني، لا يعنيني أن كتبوا عني أو لم يكتبوا، لا أفرق بينهم، الكل لدي سواء بسواء أحبة كرام أصحاب قلوب أدبية نابضة بروح الجمال.

* هل تؤمن بالاخوانيات في الأدب؟

ج: كلمة أخرى أضيفها إلى قاموس المحذوفات، عندما تنقص الروائي الثقافة الروائية، يضيق صدره، وينحسر فكره، يتقوقع حول نفسه، ولا يعجبه العجب، ويتخيل نفسه فوق الجميع، تنجرح مشاعره إذا مست كلمة من كلماته نسمة مضادة، وأظن هناك فئات تتعامل بهذه الإخوانيات وهم عرايا بإمكانك أن تشخصهم من بين الآخرين من دون اللجوء إلى دليل يشير ببوصلته إليهم..

* لماذا يصر بعض من يكتبون الرواية على استعارات اسماء روايات شهيرة؟

ج: هل تقصد عناوين روايات شهيرة؟ أم مقاربات لتلك العناوين؟ إذا كان السؤال يعني ذلك، فهم يبغون إلفات نظر القرّاء حول رواياتهم ليس إلاّ، باتت العناوين البراقة هي شراك صيد المغفلين في يومنا هذا.

* ماذا يعني لك الفيسبوك؟

ج: مدرسة أهلية مجانية بلا مناهج تعليمية، مساوئه أكبر من فوائده، لعدم وجود قوانين ضابطة تقيد وتفرز الغث عن السمين، أغلب الذين يكتبون على حيطانهم المشققة ليست من بنيات أفكارهم، بل تغريدة تولد عندهم تغريدة، يفسرون أو يشرحون ما يكتبه الآخرون، أغلبهم سرّاق أفكار، أو مطوري أفكار إن جاز التعبير.3342 حسين كرمياني

* من هو الروائي المجتهد ومن هو الروائي الكسول؟

ج: الروائي المجتهد من يتابع أخبار الرواية المحلية والعربية والعالمية، ويتابع المقالات الكثيرة، وهي متوفرة على شبكة الأنترنت، وفي مواقع مهمة رصينة، وهذا ما أعنيه بحملة الثقافة الروائية، أما من لا يملك الثقافة الروائية، فهو روائي كسول مهما كتب، همه أن يكتب فقط، ولا يعنيه من حرق روما؟ ولم حرقها؟ وماذا سيجني من وراء حرقها؟ ولصالح من حرقها؟ ومن دفعه لحرقها؟

* عندما يفتح أحدهم كوة في جدار منزله فإنه يبحث عن الارتزاق لكن عن ماذا يبحث الروائي عند فتح كوة في جدار روايته؟

ج: قبل أيام نشرت عن الموازنة والتشابه، أو تقارب الفكرة، ما بين من يشوه الزقاق وخريطة بيته بفتح دكان للارتزاق، طبعاً الرزق مطلوب في يومنا هذا، ولكن لا يجب أن يكون على حساب الذوق العام، وتدمير جمالية الأزقة والأمكنة والتي باتت تتحول يوماً أثر يوم إلى مناطق تجارية، وهذا يؤدي إلى هروب الناس، وتفكك المجتمعات القديمة المتماسكة، هرباً من الضجيج نحو الأطراف وتشكيل مجتمعات جديدة غير متوائمة وتكون بؤر لمشاكل اجتماعية كثيرة، عكس أيامنا السابقة والتي كانت الأزقة حرمات على الغريب والكل يدافع عنها. أما بخصوص الكوة في الرواية، كنت أقصد بها دس أو إقحام ما ليس للرواية من أجل غاية أو ظناً منه جمالية، طبعاً الرواية بناء فني، وإن تداخلت الأجناس الأدبية اليوم لتغدو سريالية البناء، لكن يبقى العمود الأساس للحكاية واضحة مهما تعرج خط سير السرد. وممكن ذلك إذا كان جانب تنويري يضيف للحكاية جوانب مضيئة خادمة.

* لماذا تشبه النتاج الأدبي بالمحاصيل الزراعية؟ .. هل لأنك فلاح؟ أو لسهولة الحصول عليها؟ أو أن هناك أمر آخر؟

ج: كل عمل إنتاجي لابد من أولويات، القراءة تقود للوعي وفتح الذهن وادامة كاميرات العقل للعمل والرصد ومن ثم تبدأ مرحلة التعبير عن الحياة السلبية دائماً، والإيجابية قليلاً، لأن المرء كائن مرهف غاضب فضولي، بسبب سلبيات الحياة من حوله يرغب أن يدلي بدلوه في أي بئر يراها مكاناً لتفريغ همومه، كذلك الفلاح، لابد أن يمتلك خبرات قبل أن يبدأ بالزراعة والسهر قبل أن يجني ثمار تعبه. الحياة مقاربات متوازنة ومتشابهة، لكن ضيق الفكر وأفق التفكير يحجب عن الأغلبية أن يروا الحياة ككفتي ميزان.

* تغيض من بسخريتك اللاذعة؟

ج: السخرية منبع الحكايات، من غير سخرية تغدو الحكاية طعام بلا ملح أو توابل.

’’دون كيخوته‘‘ كانت أعظم سخرية لاذعة مقنعة في تاريخ الأدب، لذلك خلدت، والمرء طبعه ميّال للمزاح، كونه دواء الروح من تفاهة الحياة ورتابتها، السخرية وقود دافعة لأرواحنا كي نبقى أحياء أصحاء.

* أين تجد نفسك مناطقياً وادبياً؟

ج: أي مكان أتواجد فيه حتى لو لدقائق هو منطقتي، لذلك يسموني أصدقائي ماجلان الأدب، مثلاً أكون في النهار في المتنبي مع أصدقائي، وعصراً نكون في خانقين، وحين يتصلوا بي ليلاً، أقول لهم حالياً أنا في كركوك. ويصيحوا بي: متكلي أنت شنو ماجلان؟

* لمن تغني وما هي اغنيتك المفضلة؟

ج: رغم مضي قطار العمر، واندثار فترة المراهقة، أيام كنت مغرماً بالعندليب الأسمر، وحالياً ما بين يوم ويوم هناك بعض الأغاني تمنح أوقاتي الفائضة سلوى من الرتابة، ’’ مخاصمني بقالو مدة لشادية‘‘ ’’ يا صبابين الشاي لطروب‘‘ ’’ مثل العود من يذبل بلاي وداع لصباح السهل ‘‘ ’’ جا وين أودي الحجي وأتعاتب ويامن لحسين نعمة‘‘ ’’ أيه العمل أنا حبيتو من غير أمل لراغب علامة‘‘ ’’ صوت السهارى لعوض الدوخي‘‘ ’’ وشويخ من أهل مكناس وسط الأسواق يغني رجاء محمد‘‘ ’’ عملوها حكاية.. قصة ورواية لشريفة فاضل‘‘ ’’ عيني سلملي على البنية لسعيد العجلاوي‘‘ ’’ لو بتدعن ما بينعدو.. الكانوا بدن ياني.. يا ما ترجوا يا ما ودو رسائل شعلاني لكاتيا حرب‘‘ ’’ عليك أسأل عليك أسأل.. من الرايح والجاي لفاضل عوّاد‘‘ ’’ كل ده كان ليه .. لما شفتو عينيه. لمحمد عبد الوهاب‘‘ وووو ألخ..

* هل تعرضت لمحاولة اغتيال؟ وهل يصنعون الرصاص بطريقة فنية؟

ج: كلا.. لم أعمل بالسياسة، مسالم، طبيعة عملي حببني للجميع، كنت أمر بمركبتي في شوارع ملغومة بحاملي الأسلحة القاتلة ولا أبالي ولا أحد يلتفت نحوي، ولم يعترضني أحد، أينما أتواجد الاحترام يحظر لي من قبل الجميع، أما بخصوص الشطر الثاني من السؤال غير مفهوم. هل من توضيح أكثر؟

* ما لفرق بين قاتل البشر وقاطف الورد؟

ج: هناك فرق كبير جداً، قاتل البشر هادم لروح الحياة، لأن البشر روح الوجود، بزواله يزول الوجود، وفي الحديث الصحيح (الإنسان بنيان الله، ملعون من هدم بنيانه) ويقول ماركس لا أحبه لكن لمقاربة الفكرة أعيد ما قال (الإنسان أكبر رأس مال)، أما قطف الورود فهو قتل لجمال الحياة وتجفيف لجواهر الطبيعة، لأن الورد يمنحنا نفحات من السعادة بجمال ألوانها وأريجها، قطفها إزاحة مساحات مجانية لعلاج النفس والعين من أيامنا.

* هل بالإمكان إعادة النظر ببناء الرواية ونحن لازلنا في المنتصف؟

ج: ممكن ذلك، إذا تعذر المواصلة، أو حدوث تغيرات في الأفكار وبروز معطيات جديدة تلح على الذاكرة تخالف ما بدأنا، والرواية غالباً ما تتعرض لتغيرات عند الرواة الأصلاء، شخصياً قمت بتهديم أبنية روائية مرات ومرات قبل أن يستقر المزاج على البناء الأخير.

* متى وكيف تكون للرواية أهمية؟

ج: عندما تكون الرواية تعالج مشكلات المجتمع المستعصية، وتكون شعبية بلغة ومنطق الجميع، خالية من النرجسية وغسيل الذات، أغنية نادية مصطفى (بلديات) غربلت العرب يومها، وكانت تصدح ليلا ونهاراً داخل المركبات، دفعت ملائيين المصريين أن يعودوا إلى بلدهم، لأنها أيقظت فيهم روح الوطنية التي غشاها المال. لابد للرواية أن تجد الحلول للمجتمع، لا تشريح وترويج الهزائم اليومية، روايتي’’ حكايتي مع رأس مقطوع‘‘ أنقذت شخص موجود حالياً في موقع المسؤولية في بلدتي، أنقذته من الموت الحتمي، أتصل بي وقت عند صلاة الفجر يشكرني، لأنه أتخذ قرار الانتحار في لحظة يأس، وكان المسدس مسحوب الطلقة قربه، أتصل بي فجراً قبل أن يميز الخيط الأبيض بداية النهار قال لي: ’’ قررت الانتحار كحل نهائي، وقبل أن ارفع المسدس، سقطت عيناي على روايتك ودفعني دافع مجهول أن أقرئها قبل أن أضع الطلقة في رأسي، وحين أنهيتها أحببت الحياة ولعنت الشيطان وها أنا ذا أتصل بك لأشكرك!‘‘.

* ماهي وظيفة الأديب؟ وهل تزاحم وظيفة السياسي؟ أو تكون مكملة لها؟

ج: لا أظن للأديب وظائف حقيقة في حياتنا السياسية، على الأديب أمّا أن يكون آلة أو بوق، أو ينزوي ليغرد بعيداً ولا أحد يسمع أنين جراحاته ليموت ويدفن بتأبين مخجل، الأدب في العالم الغربي وظيفة شخصية تجارية مربحة، الأديب يكتب ليعيش ويمنح الناس فرص الراحة النفسية والتثقيفية عبر قراءة ما يكتب، وهناك مؤسسات أخرى تعيش على ما يكتب أيضاً، مثلا تحويل الأعمال إلى دراما وأفلام من أجل كسب الأموال، الأدب في الخارج تجارة رابحة، وعندنا مهنة العاطلين وأصحاب القلوب الجريحة التي لا تجيد فن القتال سوى إشهار القلم وطرح الهموم، السياسي العربي يستند على أكتاف الأدباء من أجل تلميع شخصيته، وهناك أدباء يستندون على أكتاف السياسيين، أو الجلوس عند عتبة أبوابهم من أجل لقمة العيش والمناصب، فهي معادلة احتيالية، فالطرفان طفيليان.

* ماذا تعني لك الحياة؟

ج: مسرحية قدرية متشظية محكمة البناء والإخراج، نؤدي أدوارنا سلباً وإيجاباً ونخرج منها أموات ليناول بعدنا الأحياء مساوئنا ومحاسننا لحين من الدهر.

* يقال في الآخرة يتبادل الرجال والنساء الأدوار فهل تقبل ان تكون هناك زوجة لمن كانت لك زوجة؟

ج: يبدو أنك تتابع ما أكتب على خاصرتي الفيسبوكية، هذا ما كتبته للمزاح قبل أيام، الفيس بوك بالنسبة لي مسرح المسرات والتنفيس عن الهموم وترسبات الأحزان التي تراكمها الأيام وتقلبات حياتنا اللا مستقرة، هناك من يتخذ الفيس بوك الجدار الحر لطرح أفكاره، أو للترويج عن صوره وتنويعات حياته، من مسرات وأحزان، ولكل نوع أتباع يتفاعلون، لا يوجد نص يؤكد ما قلت، بل كانت ضربة جزاء حاسمة أردت بها تسجيل هدف في مرمى بعض الأصدقاء من باب المزاح طبعاً.

*عندما لا يملك الروائي المعلومات الكافية هل يجازف بكتابة رواية؟

ج: للأسف هذا ما يحصل، اللغة مشاعة والفضول سامق اليوم، لكن قلّة من يمتلك الحكاية، وقلّة من يستطيع أن يحكيها فنيّاً من تلك القلّة القليلة.

* هل تعشق الجمال أو تبحث عنه؟ ما موقفك من دروع الجص والشهادات الفخرية وهل فرحت يوما بأحدها؟

ج: الجمال أن نعيش بسلام، أن نعيش كما كنّا، أبحث عن الجمال في صحبة الأوفياء، الذين يقدرون ولا يستغلون وقتي الثمين، أما بخصوص الشهادات، سبق وأن أشرت أننا نعيش عصر التفاهة، وهذا العصر مخطط له بذكاء ومهيأ له اللوازم التي ستديمه وتمضي بالكائن البشري نحو حيونته الأولى، هناك لوبي يعمل على تقليل البشر على البسيطة من خلال الحروب وصناعة الأوبئة والأطعمة التي تحدد أو تقتل النسل، وتجحيش البقية الباقية التي يريدون بقاءه، وما يحصل هو الضحك على النفس، عبر التكريمات المخجلة لمنح الشهادات الوهمية من جهات مجهولة أو معلومة. لم أفرح يوماً ما، ولا أدري أين رميت بعض ما منحوني، أتدري أنني لا أملك سوى كتابين أو ثلاث كتب من 22 مؤلف لي روايات ومجاميع قصص ومسرحيات ومقالات في مكتبة بيتي، وهذه النسخ مهداة لصديق في الخارج انتهز فرصة لإرسالها إليه لأنظف مكتبتي من مؤلفاتي، أنا أؤمن بأن ما نكتبه يغدو ملك الآخرين، فلا داعي أن نحتفظ بما نكتب، من وجهة نظري، الاحتفاظ بها غالبا ما يكون للتباهي، وهذا يقلل فرص التجديد والمواصلة نحو الحلم الذي ننشده.

* هل فزت بإحدى الجوائز المرموقة؟

ج: جوائزي هي ثمرة ما كتبت، شهادات ماجستير ودكتوراه نالها طلبة وطالبات داخل العراق والوطن العربي وفي أوربا وأمريكا، الوظائف التي حصلوا عليها من خلال رواياتي وقصصي هي الجوائز التي سأفتخر بها، كتبي كانت طرق ممهدة لأكثر من 15 طالب وطالبة للوصول إلى وسيلة العيش. ربما كانت جائزة النور للقصة في السويد عن قصة’’ مزرعة الرؤوس‘‘ وجائزة الحوار الوطني للقصة في ديالى، عن قصتي’’ يوم اغتالوا الجسر‘‘ وجائزة اتحاد النساء للقصة، عن قصتي’’ وقت للرقص وتم تبديل العنوان من قبل اللجة’’ وجائزة الكلمة ـ مصر ـ للرواية، عن رواية’’ أولاد اليهودية‘‘ وجائزة ناجي نعمان للمجموعة القصصية، عن مجموعة’’ ثغرها على منديل‘‘ كانت ثمرات ذات مذاق شهي بالنسبة لي. لكن تبقى حسرة واحدة سترافقني، سرقة جائزة القصة في العراق يوم منحوني الأولى عن قصتي(صندوق الوجدان) وتم تبديل الأسماء الفائزة في القصة والشعر والنقد بناء لتوجيهات سياسية عندما خصصوا مبالغ كبيرة للفائزين وثار يومها جدلاً في الصحافة، ستبقى مدار غضب أبدي عندي. ولا أكتمك القول، كتبت ذلك: الجوائز جنائز للأديب العربي، كل اللذين فازوا بالجوائز عن أعمالهم تدحرجوا نحو الهاوية في أعمالهم اللاحقة، وهذا دليل على إن الروائي العربي لا يملك الثقافة الروائية، وسبق أن قلت أيضاً، في الرواية الفائزة يجلس في قمة النخلة ليلتقط التمرات ولكن في الرواية اللاحقة يحبو تحت النخلة ليلملم التمرات الساقطة.

* كيف توزع سخريتك بين لغتين تجيدهما؟

ج: السخريات ومضات تولدها كوميديا ما نعيش، أنها تسكننا ودائماً ترصد الأجواء وتنطلق بشكل عفوي، ما يحصل من خروقات في جميع مناحي الحياة، هي منابت للسخرية، وحياتنا بنيت على المزاح، أينما تجد مجلساً تجد هناك من يسخر ومن يضحك، تجد واحداً على الأقل من بين الجالسين نسميه (كمش) وما أكثرهم، هو محور الضحك، والضحك هو العقار الشافي لجراحاتنا اليومية.

* من هو امتدادك الأدبي من العائلة؟

ج: لم يكن في بيتنا المتنقل دائماً مكتبة، كنت أحب المطالعة، ولم أجد غير كتاب المطالعة المنهجية ورثاثة ما فيها، وسيلة أخرى لإشباع الرغبة والفضول الطفولي.

*هل الزواج جريمة أو توئم لها؟

ج: (شر لابد منه) كما قال سيدنا علي عليه السلام.

* متى يضعف الكاتب؟

ج: إذا ظلّ يكرر نفسه، عندما تقل القراءة ونوعية القراءة، ومتابعة ما ينشر ويطبع على الساحة المحلية والعربية والعالمية، ما لم يتفاعل مع الأيام والآخرين والقراءة الموسوعية، المسرح والشعر والقصة والرواية والنقد والسيّر والملفات التاريخية والسياسية، هذه التنويعات هي من تمنح القدرة الضاغطة للكتابة والتطور.

* متى تنظر إلى نتاج الكاتبة؟ ومتى تنظر إلى قوامها؟

ج: بعضهن يكتبن بطريقة ناجحة، وبعضهن مقلدات، لا يعنيني قوام المرأة، القوام طبيعة فسلجية، وربما بسبب التكاسل الحياتي، لأن الرشاقة بحاجة إلى مراقبة النفس عبر وسائل كثيرة، بعيداً عن الشراهة في تناول الطعام والمسمنات، فأنا محافظ جداً في هذا الجانب، قلب المرأة غايتي.

* هل أنت رومانسي وكيف؟

ج: البشر كائن رومانسي، لكن الظروف هي التي تتحكم بآلة رومانسيته، شرقنا محكوم بالعذاب، والعذاب قاتل حي للرومانسية البشرية. رومانسيتي لا تخرج من حدودي النفسي والمجتمعي ، استثناء الكتابة لأنها نزف هموم، وقول ما هو مقبول ومعقول أو مرفوض، ما أكتبه لا يمثل طبيعة حياتي، في الكتابة منفتح إلى أبعد حدود وفي الحياة محافظ إلى اقسى الحدود. ما زلت أوازن بين النقيضين، وتلك هي من شجاعة إرادتي.

* ماهي الصفة الأدبية التي تحب أن يشار لك بها؟

ج: بلا صفة. أجدها تقليل للشأن وإهانة لمركزية ما جبلنا وخلنا، إنسان يكفي، أنه أعظم كلمة، وأسمى، وأرقى من كل الصفات الأخرى لسائر المخلوقات، الصفة الأدبية إقلال لشأن المرء، تحجيمه، وتلبيسه ثوباً واحداً يرميه في خانة ضيقة داخل المجتمع.

* هل مارست الصحافة؟

ج: بصورة وقتية لم تتعد كتابين (امرأة الكاتب) و(السكن في البيت الأبيض) مقالات أدبية نشرت معظمها في جريدة الزمان والتآخي بشكل يومي بعد 2003 مباشرة. لكن ظروف عملي وانشغالي الأدبي ومتطلبات البيت وراء عدم مواصلة المشوار، وحسناً فعلت لأن الصحافة ماتت موتاً أبدياً بسبب انفجار المعلوماتية.

* هل تتذكر حبك الأول؟

ج: أتذكر جملة فتيات حبوني، وحاولن بما استطعن من أحابيل نسوية أن أحبهن، لكنني كنت متكابراً على الفتيات. وما زلت امتلك طبيعة تمردية نحو هذا الجانب، ولو عدت شاباً سأنتهج ذات النهج. سأجعلهن في حسراتهن واجمات، لا أعرف كنت دائماً أرتجف أمامهن، ويتعطل لساني عن الكلام، لذلك أنتقم في كتاباتي من خجلي كما في رواياتي ’’زقنموت‘‘ و’’ قفل قلبي‘‘ و’’ ليالي المنسية‘‘ و’’ الحزن الوسيم‘‘ وروايات قادمة قيد الكتابة.

*هناك الكثير من الأسئلة التي تنتظر دورها لكني سأؤجلها الى حوار قادم واذا كان لديك ما تضيفه في النهاية فعلى الرحب والسعة.

ج: ستجدني جالساً على مقعد الاعتراف متحرر الفكر واسع الصدر مفتوح القلب متهيئاً للإعدام أن تطلب الحوار. كنت ممتعاً معي بأسئلتك، ومحفزاً لي، كي أستنفر خلايا ذاكرتي النائمة لتنهي صومها، وتعلن هلال عيدها، لتبدأ بحصاد هواجسي التي أنضجتها محاورتك.

***

حاوره: راضي المترفي

- ثقافتنا في العلوم الإنسانية المرتبط بالأديان ثقافة بسيطة

* الدكتور خزعل الماجدي: أكاديمي وباحث عراقي؛ في علوم وتاريخ الأديان والحضارات والأساطير، كاتب مسرحي وشاعر. حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم صدر له مؤلفات عديدة، في حقل تاريخ الحضارات والأديان والميثولوجيا، منها: (علم الأديان، حضارات ما قبل التاريخ، الحضارة السومرية، الحضارة المصرية، الحضارة الهندية، متون سومر، المعتقدات الكنعانية، تأريخ القدس القديم، المعتقدات الآمورية، المعتقدات الآرامية، الدين المصري، آلهة شام، المندالا الميثولوجية، ميثولوجيا الخلود، بخور الآلهة، إنجيل سومر، الحضارة البابلية، الحضارة الآشورية ... وغيرها)

* صابر مولاي أحمد: الدكتور خزعل الماجدي المحترم؛ مرحبا بك وشكرا لك على قبول الدعوة لإجراء هذا الحوار معك؛ تبعا لمهمتك كمفكر وباحث في الميثولوجيا وتاريخ الأديان؛ ما هي الآفاق العلمية والمعرفية التي بسطها ويبسطها هذا العلم في وجه الإنسانية؟ وهل هناك اهتمام حقيقي بهذا العلم في الوطن العربي؟

خزعل الماجدي: علم الأديان هو أحد العلوم الإنسانية، والذي نشأ في حدود منتصف القرن التاسع عشر على يد عالم اللغويات والأساطير الألماني (ماكس مولر)، واستمر هذا العلم بالتوسع في تخصصاته الدقيقة لأكثر من قرن ونصف القرن حتى يومنا هذا. وتأسست لهذا العلم كليات وأقسام أكاديمية في جامعة السوربون - قسم علم الأديان (1885). جامعة شيكاغو - قسم الأديان المقارنة (1893). جامعة مانشستر - قسم الأديان المقارنة (1904). جامعة توبنغن في ألمانيا - كرسي علم الأديان (1910). جامعة ميلانو - کرسي علم الأديان (1912). وازداد عددها في العالم المتحضر بعد بدايات التأسيس، وهناك، اليوم، المئات من المختصين في هذا العلم في العالم. أما في عالمنا العربي، للأسف، فيخلو من أقسام متخصصة ومن متخصصين بالمعنى العلمي العميق للتخصص. وواضح أنه علم غير مرحب به بسبب الخوف، غير المبرر، منه، وبسبب الوهم في أن هذا العلم سيشوّه الأديان أو إنه سيقود إلى الإلحاد، وأنا أرى عكس ذلك تماماً في كونه سيجعل الإيمان خالياً من الشوائب، وسيزيل التعصب، ويجعلنا نرى الأديان من منظور التسامح والحوار والتفاعل.

يتسع علم الأديان لما يقرب من خمسين علماً فرعيا ومنهج بحث علميّ في مكوناته، ولذلك فهو مشحون بالثراء المعرفي العميق والراسخ، فقد أثمرت جهود معلميه الكبار عن بيدر كبير من الكتب والبحوث والدراسات المعمّقة التي ننهل منها اليوم مادتنا في البحث والتعليم. وإذا كان هذا العلم، اليوم، مطروداً من جامعاتنا ومنابرنا الأكاديمية؛ فإنه، بلا شك، سيؤسس مكانته الكبيرة، ذات يوم، مع زيادة التنوير والتقدم في عالمنا العربي والإسلامي.

* صابر مولاي أحمد: هناك وعي لدى البعض من القدماء بأهمية معرفة فهم التنوع الذي تعرفه الأديان والطوائف الدينية... ونستحضر هنا على سبيل المثال، تجربة أبي الفتح الشهرستاني (-1153م) وكتابه الملل والنحل، بصفتك ناقدا ومحللا؛ كيف تقيّم جهود القدماء في هذا المجال؟

خزعل الماجدي: ربما كان المسلمون من أكثر الشعوب الوسيطة في اهتمامها بالأديان فيما عُرف بـ (الملل والنِحل)، لكنك عندما تدرس ما كتبوه في هذا المجال، ستجدُ أنه مكتوب لإعلاء شأن الإسلام من خلال عرض باقي الأديان والبحث في اضطرابها وأخطائها، من وجهة نظر المسلمين، وبذلك يكون هذا العلم الإسلامي الوسيط مؤدلجاً وعقائدياً، فيفقد صفة العلم الحقيقي. وقد شرحت بالتفصيل في كتابي (علم الأديان) هذا الأمر عبر نتاجات أغلب المفكرين الإسلاميين لحوالي ستة قرون متتالية. ولكي أكون دقيقاً، أقول إنه حتى حين يتم تناول شرح مذاهب وفرق الإسلام، فسنجد الانحياز المذهبي واضحاً في معالجة هذا الموضوع حسب معتقد ومذهب كاتبه، وهو ما يشير، أيضاً، الى عقائدية ودوغمائية هذا العلم الإسلامي الوسيط، وخروجه عن مسار العلم الحقيقي. وربما يكون البيروني هو الأفضل في هذا المجال بسبب نزعته الأنثروبولوجية في عموم كتبه، ولكن كتابته عن الأديان تبقى محدودة وغير منهجية بسبب طبيعة العلوم الإنسانية في العصر الوسيط.

* صابر مولاي أحمد: ما هي أوجه الفرق بين الأسطورة والوحي الذي تميّزت به الأديان الإبراهيمية؟ وهل هناك أوجه تشابه بين الأسطورة والوحي؟ نوجه لك هذا السؤال مع العلم بأن مفهوم "الأسطورة" في الثقافة الإسلامية اليوم يعرف نوعا من الالتباس وعدم الوضوح؛ فهناك، مثلا، من يجعله مرادفا للخرافة وما شابه ذلك.

خزعل الماجدي: الفرق واضح بين الوحي والأسطورة؛ فالوحي هو الوسيط بين الإله والنبي (ويسمى التابع، الرائيّ)، وهو الناقل من الإله إلى النبيّ. أما الأسطورة، فهي إرث متواتر لشعب من الشعوب ينقله الكهنة ورجال الدين للناس، وقد يكون أسلاف هؤلاء الكهنة من وضع هذه الأساطير وأحاطها بالقداسة. الوحي والأسطورة كلاهما مقدّس عند الشعوب، لكن قداسة الوحي تزداد في الأديان الوسيطة ومنها الإسلام.

الوحي، بشكل عام، هو كلام أو نصٌّ مقدّس لا يتضمن، بالضرورة، أسطورة أية قصة مقدسة، بينما الأسطورة هي حكاية مقدسة، أسماها المسلمون (أساطير الأولين)، وهي حكايات الأنبياء والأولياء والحوادث التي تنطوي على عظةٍ أو عبرةٍ ما.

مع العصر الوسيط، خلال انتشار الديانات الإبراهيمية، لم تعد الأساطير كما كانت في العصر القديم حكايات مقدسة عن الآلهة، بل أصبحت تأريخاً مقدساً وأشخاصاً وكائنات ذات طبيعة مقدسة، وهو تحوّل مهم جدّاً حصل بسبب وحدانية الله الذي لم تعد له أساطير وحكايات، فتسربت شحنة الأساطير إلى الحوادث والمعجزات والملائكة والأنبياء والأولياء.

في الحالين يكون نص الأسطورة ونص الوحي مقدّساً، عند الشعب الذي يؤمن بذلك الدين، رغم اختلاف مصدرهما، وهذا أحد جوانب تشابههما.

أما التباس مفهوم الأسطورة، في الثقافة الإسلامية اليوم، فهو إما ينمّ عن الجهل بها أو التعمد في إطلاق الخرافة عليها، كنوع من الشتيمة؛ لأنهم يدركون أنها لصيقة بالشعوب القديمة (متعددة الآلهة) التي سبقتهم. وكما قلت أن الأسطورة الوسيطة تغير مضمونها، ولم يعد يشمل الإله الواحد.

* صابر مولاي أحمد: في نظرك كيف تساعدنا الميثولوجيا وتاريخ الأديان في الحد من ظاهرة التطرف والتشدد وأعمال العنف التي تتبناها وتدعو إليها الأصولية الدينية باسم الإسلام؟

خزعل الماجدي: التبصّر العلمي، في كل مجال، يساعدنا على تجاوز محننا وظواهره المتطرفة. لكن ما يمنع ذلك هو الجهل والتشدّد والتمسك بالأصول. يمكن للميثولوجيا كعلم منهجيّ دقيق أن ترصد جذور أساطيرنا وعلاقتها بديانات أخرى، لتوضّح أن ما نتداوله هو متداول عند من سبقنا وعند غيرنا، بطريقة أو بأخرى. ويمكن لتأريخ الأديان أن يصلنا بأعمق محطات ظهور الأديان في عصور ما قبل التاريخ مروراً بكل أديان العالم، لنشعر فيما بعد بوحدة الأديان وتأثرها ببعضها فنقبل بفكرة حرية العبادة، ونتعلم أن لا نكره ونسيء لأديان غيرنا، حتى لو كانت منقرضة، وهو ما يجعلنا نحترم الإرث البشري وننظر إليه بعين أخرى لنتخلص من التعصّب.

* صابر مولاي أحمد: التعدد الذي تعرفه الإنسانية من حيث الأديان؛ هل هو نتيجة لفكرة وأصل واحد من حيث الجوهر تفرعت عنه كل الأديان؟ أم إن ذلك يعود إلى اختلاف في الأصل والجوهر؟

خزعل الماجدي: سيطر السحر بقوانينه النظرية والعملية على أغلب تاريخ الإنسان، وفي العصر الحجري الحديث (نيوليث) في حدود 8000 ق.م نشأ الدين من رحم السحر، واختلف عنه في كونه أدرك أن الآلهة هي التي تسيطر على الحياة والكون كلّه، وقد كانت طبيعته زراعية ماترياركية، ثم تحول إلى طبيعة باترياركية أخرى، ثم رافق حضارات وثقافات الشعوب، وكان التعدد سمته الرئيسة، وبسبب اختلاف بيئات وثقافات ولغات الشعوب نشأ التعدد في الآلهة والأديان، وحين جاء التاريخ الوسيط ظهرت دعوات لعبادة إله واحد كصدى لتكوّن أول إمبراطورية جمعت الشرق والغرب، وهي الإمبراطورية المقدونية، ورافقت طموحات عبادة الإله الواحد نزعات سياسية واجتماعية مختلفة، ومازال التوحيد إلى يومنا متعددا بطبيعته حسب الثقافات التي حملته. خذ مثلا: التوحيد اليهودي يختلف عن التوحيد المسيحي، وهذان يختلفان عن التوحيد الإسلامي، وكلّ هذه الأديان تختلف عن التوحيد الهندوسي والصيني وغيرهما. التعدد في الأديان أمر طبيعي بسبب التعدد في الثقافات. أما تعدد الآلهة، فكانت له ظروفه القديمة المعروفة التي هي نتاج الباترياركية ما قبل التاريخية.

* صابر مولاي أحمد: كما تعلم بأن القرآن يشترك مع العهد القديم والعهد الجديد في الكثير من المواضيع، كيف تقرأ هذا التشارك والتداخل بين هذه الكتب الثلاثة؟ وفي رأيك بما تتميز به بنية النص القرآني في نظرتها من حيث المضمون والمنهج لتلك المواضيع؟

خزعل الماجدي: التشابه جاء بسبب البيئة الثقافية الواحدة لهذه الأديان الثلاثة، وهي بيئة الشرق الأدنى القديم، وهي ذاتها بيئة الأديان المتعددة الكبرى، والتي تكمن في تربتها أديان الشرق الأدنى كالسومرية والمصرية والبابلية والكنعانية والآرامية والفارسية... إلخ. وربما سيكون السؤال الحاسم والأقوى هو لماذا تتشابه هذه الأديان الثلاثة مع تلك الأديان المتعددة التي سبقتها في المكان نفسه؟ وهو مجال بحث غزيرٍ ونوعي عند العلماء الآن!

لو أن كلّ دين، من هذه الأديان الثلاثة، نشأ في بيئة مختلفة (كالصين والهند وأمريكا القديمة) لما وجد تشابه بينها في موضوعاتها وفي أسلوبها وتفاصيل مكوناتها.

* صابر مولاي أحمد: تخبرنا العلوم الانسانية وعلم الأديان وتاريخها أن الثقافي يكون حاضراً في نشأة وتشكل مختلف الأديان؛ فتبعا لطبيعة التطور العلمي والتكنولوجي، الذي يعرفه العالم، هل هذا يعني ظهور أديان وتشكل معتقدات جديدة فيما هو قادم؟

خزعل الماجدي: نعم هذا مؤكد، بل إن مثل هذه الأديان ظهر بعد الإسلام مثل السيخية والقاديانية والبابية والبهائية والربوبية، والرائيلية وأديان الكائن الحي والسنتولوجي وغيرها من الأديان المعاصرة التي تتناسل في المجتمعات الغربية واليابان وكوريا والصين وغيرها. وسيحفل المستقبل بظهور أديان جديدة ونزعات روحية جديدة. وهذا يشير إلى العلاقة بين الثقافة والدين، حيث التلازم بينهما وشيج وقويّ.

المشكلة، عندنا، أننا نتصور نهاية واحدة، أيضاً، للأديان وهي انتصار دين واحد سيكون دين البشر كلّهم، متناسين أن هذا هو المستحيل بسبب تنوع الثقافات وتحولها الدائم، بل لابد أن أقول إن الأديان التي ستبقى في حاضنة الجهل والتعصب ستذبل وتتآكل وقد تموت، وربما يمكن القول إن الأديان التي في حاضنة حضارية ومتطورة ستحافظ على تماسكها بسبب مرونتها ومطواعيتها للتفاعل مع تطورات الزمن.

* صابر مولاي أحمد: هناك نوع من الالتباس في تعريف الأسطورة في الثقافة العربية والإسلامية بشكل عام بكونها تتعارض مع العقل أو قريبة من الخرافة ما هي الأسباب التي من وراء سوء الفهم هذا؟ وكيف بالإمكان رفعه؟

خزعل الماجدي: نوّهت سريعاً عن هذا الموضوع، وسأتفصّل فيه. ولابد من القول، أولاً، أن ثقافتنا في العلوم الإنسانية المرتبط بالأديان، سواء علم الأديان أو مقارنة الأديان أو تاريخ الأديان أو علم الاجتماع الديني وغيرها ثقافة بسيطة وغير معروفة إلاً عند المختصّين. أما الجماهير العريضة ورجال الدين، فلا علاقة لهم بها، وإذا تناولوها فإنهم سيوظفونها بطريقة أيديولوجية لصالح ما يعتقدونه، وهذا أمر مربكٌ. هذه علوم لابد من إبعادها عن النزعات الدوغمائية والعقائدية والدينية والقومية وغيرها. الناس لا يريدون فهم هذا؛ لأنهم تعلموا ذلك من داء العصر العربي الحالي الذي هو السياسة. ولذلك، تنأى حقيقة الأسطورة بعيداً وتلتبس وتخلط بالخرافة والحكاية والملحمة وغيرها.

الأسطورة لا تحمل الحقيقة ولا تريد أن تعبّر عنها، بل ما يهم في الأسطورة ليس صدق ربط السبب بالنتيجة، وليس ما فيها من أحكامٍ ومعتقدات، وليس صحة أو خطأ المعلومات التي تحملها. المهم هو ما ترويه وكيف ترويه، وما تشحنه في الحواس، قبل الدماغ ... وفي اللاعقلي قبل العقلي، من شحنات وبرقٍ يضيء، ولو لوهلةٍ !؛ ذلك العالم اللامتناهي في أعماقنا. المهم أن تكشف شيئاً سينغلق على نفسه بعد كشفه السريع هذا.

في الأسطورة، لا بد من المبالغة، ولا بد من اللاعقلانية لكي تكون الأسطورة على حقيقتها، وإلاّ ما جدواها إذا كانت بدون هذا، وهي، في هذا الحال أو ذاك، خطاب يخاطب الحواس قبل مخاطبته للعقل. والحواس بحكم طبيعتها الغريزية لا تحتمل العقلنة. إنها تريد أن توصل لنا رسالة وليس حقيقة راسخة، وهذه الرسالة تفيدنا في الإيمان والقلب، وليس في التاريخ والعقل؛ فالأسطورة، إذن، نصّ غريزة وحواس لا يمكن أن يرقى ليكون نصّاً عقلياً؛ لأنه سيتحول إلى فكر أو فلسفة، وهذا ما يؤيد نشوء الفلسفة في بواكيرها الأولى، من الأسطورة، وهي، بهذا التحديد، لا تعني أنها نتاج هابط القيمة، بل ربما هذا هو ما يرفعها إلى كونها نتاج الطراوة الجمالية والروحية، والذي يمنحها القدرة على البقاء والتنوّع.

تختلف الأسطورة عن الخرافة في أن بطل أو أبطال الأسطورة هم من الآلهة أو الكائنات الإلهية. أما أبطال الخرافة، فهم من الجنّ أو العفاريت أو الشياطين، والخرافة هي الشكل الشعبي للأسطورة حين تقل فيها القداسة، وتهبط القيمة المقدسة العليا لبعض الآلهة، فيتحولون إلى أشباه آلهةٍ ثم يتحولون إلى أنواع من الكائنات الغيبية القليلة أو المعدومة القداسة، وتكون الخرافة مثقلة بالخوارق والمبالغات والأحداث البهلوانية، في حين تعبِّر الأسطورة عن تناسق عميق ودفين وتتوازى أحداثها في إيقاع واضح وتأخذ خوارقها منطقاً معقولاً ومتوازناً. وتظهر الأسطورة كجزءٍ مقدس وعضويٍّ من الدين الذي تكون جزءاً منه، في حين لا تكون الخرافة جزءاً من الدين وليس لها أية علاقة عضوية به.

فرق الأسطورة عن الخرافة يكمن في أنها مقدّسة مهابة تتحدث بجلال عن إله ما، أما الخرافة فليست مقدسة وبطلها الجن والشياطين والغيلان والسعالي وغيرهم، وهي ليست جزءاً من الدين، بل هي جزء من الذاكرة الشعبية المثقلة بالخوارق.

* صابر مولاي أحمد: كلمة أخيرة

خزعل الماجدي: جميع الأديان محترمة، ويجب أن نضعها في زمنها ومكانها ومجتمعها وأن لا نعتدي عليها ولا نزدريها، ولكن من حقنا أن نناقشها ونحللها علمياً دون المساس المتعمّد بها.

كان البابليون يكتبون على معابدهم عبارة (لا تشتم إلها لا تعبدُه) وهذا، في رأيي، هو أرفع أنواع السلوك الديني على مرّ العصور، ويمكننا القول اليوم (لا تسئ لدينٍ لا تعتقد به)، لكي نعيش بسلام مع الجميع. وثق أن أعظم ما يمكن أن نعمل للدين، أيّ دين، هو النظر إليه علمياً، ونقل أهله من بيئة التخلف إلى بيئة التحضر لكي ننقذه من الضياع والموت، الجهل هو الذي يميت ويدثر الأديان وليس العلم والتحضّر.

***

حاوره: الدكتور صابر مولاي احمد

كاتب وباحث مغربي مختص في قضايا الفكر والدراسات القرآنية

"الكناري لا يغرّد الا عندما يكون وحيدًا"

نافت حياته الادبية عن الخمسين عامًا، كما نافت حياته العملية في الصحافة عن الاربعين عامًا.. أما عدد مؤلفاته فقد تجاوز الستين. كتب القصة والرواية والمسرحية.. كما كتب الشعر والمقالة الادبية. تُرجم الوفير من كتاباته إلى العديد من اللغات. حصل على جائزة الابداع الادبية عام 2000، يقول إن حياته لا تعدو كونها قصة تمسك بيد أختها. له قصة طريفة مع البلبل الغريد يرويها في المقابلة التالية مع تيماء عمرو.. إنه الكاتب الاديب ناجي ظاهر ابن مدينة الناصرة الضاربة جذوره عميقًا في أرض قرية سيرين المُهجّرة.

- كم لك من الوقت تعمل بالصحافة؟

* قاربت هذه السنة الخامسة والاربعين عامًا من العمل في الصحافة. أعرف أن هذا رقم مخيف لطلاب في ميعة الصبا، إلا أن هذه هي الحقيقة وعلينا أن نتعامل معها عندما نكون في لحظة جدية مثل هذه. أتيت إلى الصحافة من باب الادب، لهذا عملت في الصحافة الادبية والاجتماعية. إنني اعتبر نفسي إنسانًا جديًا لهذا عملت منذ البداية وطوال الوقت على تنمية قدراتي في مجال الصحافة، فقرأت العديد العديد من الكتب التي تناولت موضوع الصحافة بالدراسة كما التحقت بالعديد من الدورات.. بعضها كان عاليًا. حقيقة أنا من المؤمنين بالموهبة إلا أنني مؤمن أيضًا بأن علينا أن نحقن الموهبة دائمًا بالمكتسب من المعرفة.. أنا طالب مجدّ في حقول المعرفة واؤمن تمام الايمان بأن الواحد منا نحن بني البشر يبدأ تعلّمه منذ اليوم الأول له في هذه الحياة.. ولا ينتهي بانتهائها.. نحن طلاب دائمون ومدرستنا هي الحياة والكتب كما قال الكاتب الروسي المبدع مكسيم جوركي في كتاب مذكراته.

- ما هي الصحف التي شاركت فيها؟

* عملت في العديد من الصحف.. أذكر بعضها على التتالي: مجلة المواكب التي كان يحررها ويرئس تحريرها صديقي الشاعر الاديب فوزي عبدالله رحمه الله، الراية، الميدان وقد أصدرتهما حركة أبناء البلد قبل العشرات من السنين. وعملت مدة سنة في صحيفة الاتحاد الحيفاوية، كما عملت إلى جانب صديقي ورفيقي الراحل مبكرًا الكاتب عفيف سالم في صحيفة الجماهير وبعدها في مجلة الآداب. بعد ذلك انتقلت للعمل في صحيفة الصنارة.. عملت فيها نحو العشرة اعوام. كما عملت مدة أربعة عشر عامًا مراسلًا ومديرًا لمكتب وكالة الانباء الفلسطينية الرسمية في مدينتي الحبيبة الناصرة. آخر صحيفة عملت فيها كانت حديث الناس التي تصدر في الناصرة وقد عملت فيها حوالي السبعة أعوام. كما عملت محررًا في موقع الكتروني. أما بالنسبة للكتابة والنشر فقد نشرت في معظم الصحف والمجلّات الصادرة في بلادنا خلال فترة كتابتي التي نافت عن الخمسين عامًا، ونشرت أيضًا في مجلات أدبية وصحف كانت تصدر في الضفة الغربية لعلّ أبرزها مجلة الفجر الادبي التي كان يحررها الكاتب الصديق الراحل علي الخليلي.

- هل كنت رئيس تحرير و ما هي المجلات التي عملت فيها؟

* نعم رئست تحرير مجلة الشرق التي كانت تصدر في مدينة شفاعمرو إلى ما قبل مدة عام. و رئست تحرير مجلة الشعاع التي ما زالت تصدر في يافة الناصرة بهمة صديقي الشاعر نقولا مسعد. كما رئست تحرير مجلة الفجر الجديد في عهدها الاول، وقد كنت عضو تحرير في العديد من المجلات أذكر منها: المواكب، الفجر- إلى جانب الكاتب المرحوم صليبا خميس وغيرها. وقبل هذا وكله مجلة الجديد الحيفاوية.

- هل شاركت في تعليم الطلاب ضمن ورشات لتعلم الكتابة الابداعية في مجال كتابة القصة القصيرة؟

* قبل حوالي الخمسة عشر عامًا اقترحني الصديق الراحل مدير دائرة الثقافة العربية الكاتب موفق خوري لأكون معلمًا في عدد من المدارس لموضوع الابداع، كان ذلك ضمن مشروع ميلاد قصة. وقد قمت بالفعل بتدريس الابداع في عدد من المدارس القائمة في بلدات مختلفة. وأصدرت عددًا من الكتب للطلاب المشاركين. بعد انتهاء هذا المشروع قلت لنفسي لماذا لا تبادر لمواصلة هذا المشروع وأنت واحد من عشّاق الابداع؟ وكان أن اقترحت على عدد من المدارس القيام بهذه المهمة المحبّبة فوافقت في معظمها. في هذه الدورات حاولت نقل ما تعلمته وجرّبته على جلدي إلى الطلاب المشاركين فيها.. وكنت طوال الوقت أفكر في عدم الانغلاق على الذات.. وأردت نقل التجربة على أمل أن يولد كتّاب ذوو معرفة في بلادي الحبيبة. التجربة كانت ناجحة.. وأنا متأكد من أنها ستترك أثرًا واضحًا في الفترة المقبلة. بالمناسبة عملت مدة اعوام معلمًا للكتابة الابداعية والدرامية منتدبًا من مشروع كاريف الرائع في المدارس العربية.

- حدثنا عن بداياتك في كتابة الأدب؟

* بداياتي الادبية تمّت وأنا على مقاعد الدراسة.. ابتدأتها في مجلّات للصغار مثل " اليوم لأولادنا" وزهرة الشباب"، وأذكر ان رئيس بلديتنا السابق رامز جرايسي كتب في هذه الاخيرة وجمعتني به مدرسة واحدة. كما كتبت ونشرت ضمن برنامج الادب الاذاعي إلى جانب محرره الكاتب الصديق عرفان أبو حمد طيب الله ترابه وذكراه. فترة التمرين تواصلت مدة ثلاث سنوات من 1965 حتى 68، في هذه السنة كتبت قصة عنوانها الكلمة الاخيرة تحدثت فيها عن مدينتي وحبيبتي وأمي، وأرسلتها إلى أهم مجلة أدبية كانت تصدر في تلك الفترة، هي مجلة الجديد الحيفاوية التي حررها في حينها الشاعر سميح القاسم رحمه الله. في العدد التالي فوجئت بالقصة تنشر فيه. فانتابتني مشاعر ما زالت تبعث الدفء في قلبي وروحي حتى هذه الايام. شعوري بأنني أصبحت كاتبًا دفعني إلى المزيد من قراءة الكتب.. وبإمكاني أن أقول إنني لم أنم منذ تلك القصة ونشرها كما ينام الناس.. ففي روحي مكتبة. ولعلّي أشير هنا إلى أنني أيام كنت طفلًا صغيرًا أتصوّر الجنة مكتبة. أنا اليوم مؤلف أكثر من ستين كتابًا توزّعت على القصة القصيرة والرواية وقد كتبت المسرحية ولي فيها إنتاج لا باس به للكبار والصغار كما كتبت الشعر وصدر لي فيه أربع مجموعات، إضافة إلى المقال الادبي الذي كتبته طوال أيام حياتي. كم أحن إلى ايام البدايات بكل ما فيها من قسوة وتحد.. وإثبات للوجود في عالم لا يخلو من شراسة.

- ما هي أكثر الكتب التي أحببتها عند كتاباتك؟

* لأعتبر هذا السؤال حول أهم الكتب التي قرأتها في حياتي.. لأقل لكم أولًا إنني أحببت قصص الف ليلة وليلة.. ومنذ قرأتها وأنا أبحث عن كتاب يضم قصصًا مثلها. كما قرأت كتابات للأديب العربي العريق أبو حيان التوحيدي لا سيما كتابه عن مثالب الوزيرين ولهذا الكتاب قصة تروى لقد عثرت عليه مجردًا من غلافه.. قرأت بعضًا مما ورد فيه فانبهرت.. أردت أن أعرف مَن هو مؤلفه فعرضته على معلمي المحبوب في المدرسة الاستاذ المرحوم الكاتب ابن عرابة البطوف محمود كناعنة، الذي أقام في مدينتي الناصرة وكتب عنها كتابًا جيدًا أعادت مطبعة الحكيم طباعته قبل سنوات وحمل عنوان تاريخ الناصرة، فما كان من الاستاذ محمود إلا أن أجابني قائلًا بعد تصفّحه له إنه كتاب مثالب الوزيرين للتوحيدي.. لقد قرأت طوال حياتي وما زلت وسوف أبقى.. وبإمكاني أن أقول إنني قرأت من آداب العالم المختلفة ويندر أن يكون هناك أدب معروف في العالم لم اقرأ منه الكثير ولم أطّلع عليه.. فانا قارئ نهم.. وفي الامس قلت لابنتي إنني أحببت الكتاب وسوف أحبه مشيرًا أن هذا الحب يزيد كل يوم سنة.. الكتاب باختصار صديقي وعالمي الجميل.

- ما هي أشهر الروايات التي كتبتها؟

* كتبت حتى الآن عددًا وفيرًا من القصص القصيرة، ونشرتها في العديد من المجموعات كانت أولاها اسفل الجبل وأعلاه وأخراها ظل على السطح، كما كتبت قصصًا للطلاب الفتيان. أما في مجال الرواية فقد صدرت لي حتى الآن ست روايات قصيرة.. كانت أولاها الشمس فوق المدينة الكبيرة وأخرها حارة البومة..

- هل كتبت قصة عن سيرتك الذاتية؟

* عندما توفى الله والدتي رحمها الله وطيب ثراها عام 2007 بعد وفاة أخي الاكبر جوهر وزوجة خالي خضرة فودي. تفجّرت مكامن الفراق في قلبي فشرعت في الكتابة عن هؤلاء لأرى نفسي وقد غرقت في بحر الغياب ولأنطلق بالتالي في الكتابة عمّن أحببت في هذه الحياة وكان نصيبه الغياب.. هكذا انفجرت في الكتابة عن أحباء غيبتهم أيدي الردى بينهم كتاب وشعراء وأناس عاديون.. بعد فترة من حُمّى الكتابة تراكمت لدي مجموعة من الكتابات أطلقت عليها عنوان حياض غثيم- سيرة ذاتية من خلال آخرين.. وكان أنني لاحظت أن مَن يقرأ هذا الكتاب يكتشف سري أكثر فجاء عنوانه على ما جاء عليه.. في هذا الكتاب يوجد الكثير عني وعمن أحببت.. وقد استمددت عنوانه من رسالة في العزاء لابي العلاء المعري ومعناه الموت.

- ما هي أهمية الكتابة بالنسبة إليك؟

* هي قدري وحياتي.. ذات يوم سألني صديق ثري: أما زلت تكتب؟ فنظرت إليه مستغربًا، فأردف قائلًا أقصد هل يوجد قرّاء؟ عندها فهمت ما رمى إليه من وراء سؤاله فبادرت إلى التساؤل: وهل ينتظر البلبل مَن يستمع إليه ليغرد.. ضحك ذلك الصديق ومضينا في طريقنا.. باختصار أقول لك إنني سأكتب حتى لو بقيت الرجل الاخير على أرض الكتابة.

- هل لديك موهبة غير الكتابة والصحافة؟

* سبق وقلت إنني كتبت للمسرح إضافة إلى ما ذكرته وأشرت إليه من كتابات نثرية.

- كلمة أخيرة.

* أتمنى لكم التوفيق.. لقد ذكرتموني بالبدايات الاولى لقصتي مع الكتابة.. كنت مثلكم.. بالضبط مثلكم.. أريد أن أكتب، أن أعبّر وأن أجد موطئ قدم على هذه الأرض.

* * *

مقابلة أجرتها الطالبة تيماء عمرو ضمن وظيفة مدرسية.

* المسؤول الصحي في بلادنا العربية لا يعتمد على الكفاءة العلمية والإدارية، بل على العلاقات والوساطات والمحسوبيات

* الطب النووي في غالبه تشخيصي بنسبة تقارب 75% أو يزيد، وعلاجي بنسبة 25% تقريبا أو يقل

* الكتابة في العلوم الشرعية أصعب من الكتابة العامة في الفكر والأدب والثقافة

* مطالَعة كتب الأدب ضرورة للعالِم والداعية وطالب العلم

* نحن في عصر تزداد فيه الحاجة إلى تواصل بين علماء الشريعة وعلماء الطب، لكثرة المستجدّات والنوازل فيما يتعلّق بالمجال الطبي

* دراسة العلوم الشرعية تَصلح بها الأرواح والأبدان، والطب تَصلح به الأبدان وهو المُعين على صلاح القلوب

* نحتاج لتحرير المصطلحات والألفاظ قبل نقدها أو وصفها أو الحكم عليها

***

رغم اغترابه لنحو عشرين عاما فيما تُسمَّى جنّة الله في الأرض (كندا)، ورغم الدعاوى الحثيثة للاندماج التام في مجتمع غربي يتوفّر على مقوّمات الحياة الحديثة الكريمة؛ إلّا أنه ظل مهمومًا بوطنه المريض ليبيا، ووفيًّا لقضايا أمّته العربية والإسلامية التي ليست أقلّ مرضا من أحفاد عمر المختار. وُلد في طرابلس بليبيا عام آخر انتصاراتنا القليلة (١٩٧٣)، وتعلّم في المدارس الدينية حتى المرحلة الإعدادية، ثم أكمل في التعليم العام حتى تخرّج عام ٢٠٠٠ في كلية الطب جامعة طرابلس. ومنذ عام ٢٠٠٥ وحتى اليوم يواصل مشواره الطبي بكندا متخصّصا في فرع دقيق وهو الطب النووي. وفي إطار الآية الكريمة: "ومَن أحسن قولًا ممّن دعا إلى اللهِ وعمِل صالحا وقال إنّني من المسلمين" يفضّل تعريف نفسه بطالب علم شرعي، وينفق الساعات الطوال في بلورة مشروع فكري دعوي، أسماه تصحيح المفاهيم، أعدّ له نفسَه منذ بواكيره، وشرع في نشره عبر صفحته الفيسبوكية وعبر مؤلَّفات عدّة طُبع منها كتاب (ثمرات السنين) قبل عامين، والبقية تأتي بحول الله، وحول هذا المشروع وغيره كان حوارنا المتشعِّب الأطراف..

1- برأيكم، ما التّبعات التي خلّفها قرار إلغاء التعليم الديني في ليبيا عام ١٩٨٦؟

- كان قرارًا خطيرًا وجائرًا، بُنِيَ عليه ما بعده من قحطٍ وجدبٍ وتصحُّرٍ في وجود طلاب العلوم الشرعية في ليبيا بعد هذا التاريخ، و توقفت عجلة الإنتاج العلمي الديني الرسمي لعقود ثلاث أو يزيد، إلَّا من قِلَّةٍ التزموا علماء ليبيا داخلها في ظروف صعبة ومراقبة شديدة من أمن النظام السابق، ومجالس خاصة لبعض الطلاب، مما ترتب عليه شُحًّا ظاهرا في الساحة من طلّاب العلوم الشرعية الجدد المؤهَّلين للترقِّي على سلّم التعليم الشرعي والوصول إلى درجات تؤهّلهم ليحلّوا محل العلماء الموجودين في تأدية حمل الرسالة وإرشاد العباد والدفاع عن الدين. مع ما رافق ذلك القرار الحائف القاهر، من سجْن وقتْل وملاحقات وتضييق على العلماء الموجودين، ولعل أخطر تلك التبعات أن التجأ كثير من الشباب اليافع ممّن يتعطّشون لتلقِّي علوم الشرع والدِّين إلى بعض الدول العربية التي ظنوا أنَّ فيها البديل عن غياب مراكز التعليم الديني في ليبيا، ورحلوا إلى بعض تلك البلاد والتحقوا ببعض الأماكن التي تُدَرَّسُ فيها بعض العلوم الشرعية، وللأسف كثير منها لم تكن على الطريق المعتدل العلمي الصحيح الذي سارت عليه الأمة لقرون طويلة، فتلقوا الغلو والانحراف في فهم الدِّين وفهم الكتاب والسنة، ورجعوا إلى ليبيا وأحدثوا فيها شرخًا لازال يتسع كل يوم بين أفراد المجتمع، وحاربوا علماء البلاد الراسخين في العلم وسفَّهُوا علمهم واجتهاداتهم، ونشروا الفتن بين المسلمين، وأرادوا فرض تلك الآراء والفهوم والاجتهادات التي جلبوها معهم، حتى وصل الحال ببعضهم إلى التبديع والتضليل والتكفير واستحلال الدماء لمن خالفهم. ومما زاد الطين بلة تضييق النظام السابق على العلماء الربانيبن الراسخين في العلم وكان منهم سيدي الوالد العلامة الفقيه القاضي الشيخ مصطفى التريكي رحمه الله وغيره، فتصدّر جهّال ذلك الجيل من الشباب ممّن جلبوا غرائب العلم إلى بلادنا، ودعَمهم النظام لفترة من الزمن؛ وأحدثوا ولازالوا فِتنًا في المجتمع تحتاج لزمن طويل لرأب صدعها ومحو أثرها.

2- بحكم اطّلاعكم عن قرب على واقع الممارسة الطبية في ألمانيا وكندا، ما الذي يميّزهم وينقصنا في هذا الميدان؟

- في كندا، يملكون نظاما أكاديميا وإكلينيكيا شاملا، وتعليميا منظَّما وصارما، وبمواصفات عالية متطوّرة تؤهل الطبيب المتدرّب في تخصصه ليصعد السلم العلمي تدريجيا بخطوات مؤسَّسة ومنظَّمة، ليتخرّج كاستشاري مؤهل أكاديميا وإكلينيكا لتعليم الطلاب في كليات الطب البشري، ولعلاج المرضى، والتطوّر مع الزمن لمواكبة التقدّم العلمي. وهو نظام صارم يُطبَّق في كل جامعات كندا الطبية بنفس الشروط والقوانين والمتطلَّبات وتحت مظلّة واحدة وهي مظلة الكلية الملكية للأطباء والجراحين في كندا، وهذا يجعل من التدريب موحَّدا ومنظما بكفاءة عالية، وينعكس إيجابيا على العمل في المستشفيات وعلاج المرضى والتطوّر الطبي، وهذا ما نفتقده في أغلب البلاد العربية بسبب عدم وجود نظام أكاديمي وإكلينيكي موحَّد وبكفاءة عالية وتحت مراقبة منظمات حكومية وأهلية متخصصة، لأنها لا تولي للتعليم ولا للصحة أهمية كبيرة، بل تعتمد على توفير بعض الخدمات الطبية بطريقة عشوائية وغالبا ما تفتقد حتى لأساسيات العمل الطبي. وكلك المشكلة عندنا في الدول العربية، أنَّ النُظم الصحية - إن وجدت- تعتمد على الأفراد ممّن يتولى المسؤولية، ولا يوجد نظام مؤسَّسي موحَّد وشامل يتطوَّر مع الزمن ولا يتوقّف على صلاحيات ورغبات مسؤولي الصحة، وكذلك وجود المسؤول الصحي في بلادنا العربية لا يعتمد على الكفاءة العلمية والإدارية، بل على العلاقات والوساطات والمحسوبيات، ولهذا من الصعب الثقة في تغييرٍ صحيح إلّا ما ندر.

3- ما الآفاق التي يجوبها الطبّ النّووي الذي تخصّصتم فيه؟

- الطب النووي ( Nuclear Medicine ) هو أحد تخصُّصيْن يقعان تحت مظلة تخصّص علمي طبي تشخيصي يُسمَّى (Diagnostic imaging) أو التصوير التشخيصي وهو يشمل أيضا تخصص "طب الأشعة" Radiology ، والفرق الرئيسي بين التخصصين" الطب النووي وطب الأشعة": أنَّ تخصص الطب النووي، هو تصوير وظيفي؛ أي لتشخيص الأمراض في طورها الوظيفي functional imaging، وهذا قد يكون فيه تشخيص لبعض الأمراض في مرحلة متقدّمة قبل وضوحها على التشخيص بالأشعة ، بينما طب الأشعة Radiology هو تصوير تشريحي Anatomical imaging. والطب النووي في غالبه تشخيصي بنسبة تقارب 75% أو يزيد، وعلاجي بنسبة 25% تقريبا أو يقل، ولكن الطب النووي في الغالب هو تخصص تشخيصي يعتمد على استخدام الأشعة النووية السِّلمية - غير الضارة في العموم- بنسبة ضئيلة جدا؛ وذلك بحقْنها في الجسم بعدة طرق، أو الشراب أحيانا لتصوير الأشعة المنبعثة منها في داخل الجسم وخاصة أشعة جاما بأجهزة متطورة خاصة، حسب نوع المادة النووية المحقونة، والعضو المُراد تصويره، والغرض الطبي من التصوير، وشروط تقنية وفنية أخرى..وتوجد فروقات أخرى دقيقة، فكثير من الأمراض يمكن تشخيصها عن طريق طب الأشعة، لكن تبقى أمراض ومراحل في تشخصيها تتطلب التشخيص بالطب النووي. ثم الطب النووي مع تطوره المستمر والتقنية العالية في تصوير الأمراض في مراحل مبكرة، بما يُسمّى بالتصوير الجزيئي Molecular Imaging، بدأ يدخل في أبحاث وتشخيص أمراض وراثية وجينية كثيرة.

4- بناء على قول ابن الجوزي في صيد الخاطر: لكلّ عِلم بعِلم تعلُّق..ما أبرز القضايا الفقهية التي يجب أن يلمّ بها كل طبيب؟

- كأطباء مسلمين، نحتاج لمعرفة الأحكام والقواعد الفقهية المتعلقة بممارسة المهن الطبية بالعموم، وبالطب البشري بالخصوص؛ من حلال وحرام، وضوابط شرعية في التعامل مع المرضى وفي المستشفيات، وفيما يتناسب مع قضايا طبية حساسة؛ مثل كشف عورات المرضى، والموت السريري وغيرها. فهناك قضايا فقهية عامة يحتاج معرفتها كل طبيب مسلم يمارس المهنة، وهناك قضايا فقهية خاصة تتعلق بكل تخصص طبي على حدة، وهناك قضايا دقيقة خاصة تحتاج منا الرجوع إلى مجامع ففهية مرتبطة بلجان طبية ونقاشات وحوارات طويلة ومكثفة مستجدّة في الفقه الإسلامي" كعمليات الزراعة بأنواعها؛ كأطفال الأنابيب، وزراعة الأعضاء وغيرها. لأننا كمسلمين نخضع لعبادة الله وأوامره خالق الجسم البشري في إطار علمي منضبط.ونحن في عصر تزداد فيه الحاجة إلى ترابط وتواصل وتشاور بين علماء الشريعة وعلماء الطب، لكثرة المستجدات والنوازل فيما يتعلق بالمجال الطبي، وهذا يتطلب فقهاء مُلِمُّون بالواقع الطبي المتسارع بما يحتاجون معرفته في فهم الأحكام الشريعة وتأصيلها، وما أراه هنا: يتطلب التعاون مع مجمَّعات فقهية دولية ومحلية، أو تكون لها فروع عديدة يتم التنسيق بينها في اجتماعات روتينية، واجتماعات آنية كما حدث في زمن فيروس كورونا المستجَد.

5- ما مدى حاجة الداعية إلى مطالعة الأدب جنبا إلى جنب مع العلوم الشرعية؟

- مطالعة كتب الأدب ضرورة للعالم والداعية وطالب العلم لتحسين لغته وتطويرها وترشيدها وتقويمها، لتكون له أداة طيعة في فهم الكتاب والسنة وعلوم الشرع الحنيف؛ من فقه وتفسير وحديث وعقيدة، فاللغة العربية بها نزل القرآن الكريم والسنة المطهرة، وبها كُتبت كل علوم الشرع ، فلا سبيل لصيانتها وتحسينها وتطويرها ووضعها في سياقها المراد، إلا بقراءة كتب الأدب ومعرفة دقيقة بأدواتها، وبلغة العرب ودلالات الألفاظ ومعانيها عند العرب الأقحاح ، وهذا يتطلب التنقيب والبحث والاطلاع على كتب الأدب واللغة بمختلف أنواعها ؛ من نحو وصرف وبلاغة وشعر ونثر وقصة وغيرها، ليستقيم الفهم والقراءة والكتابة عند العالم وطالب العلم والداعية، ولذلك مما تميز به الإمام الشافعي رحمه الله، أنه تعلم لغة فصحاء العرب من قبيلة هذيل وغيرها ومكث فيهم زمنا في مقتبل عمره ، حتى استقام لسانه وقلمه، مما سهل عليه طلب علوم الشرع والدين، بل أصبح حجة في اللغة وعبقريا في استنباط الأحكام وفقه الدين.

6- ما المهارات التي تراها لازمة لاجتراح فعل الكتابة بوجه عام، والكتابة الشرعية بوجه خاص؟

بالنسبة لمهارات الكتابة بصفة عامة تتطلب:

1. قراءة مكثفة ومنظمة ومؤسسة لزمن طويل، يمتد من زمن الطفولة أو مطلع الشباب، ولا تتوقف إلا يوم الرحيل من هذه الدنيا.

2. تنوع في القراءة الهادفة، واطلاع واسع على ما يحتاجه الكاتب من مبادئ وأساسيات في ثقافات وعلوم مختلفة؛ لأن الكاتب لابد أن يمتلك قدرا هائلا من المعلومات والمفردات والأفكار التي تسمح له بالتفكير والخيال وفهم الحياة والواقع ومكونات الفكر الإنساني وطرق عيشه وتفكيره وتواصله...، وأذكر في هذا الصدد كلاما بديعا سمعته من الأديب الموسوعي "عباس محمود العقاد" في حوار إذاعي مرئي، تحدث فيه عن أهمية القراءة الموسوعية للكاتب، وذكر أنه يملك أكثر من مائة كتاب في علم الحشرات يقرأ فيها، مع أنه لا يكتب عن الحشرات!

3. الحرص على الجلوس والحوار والنقاش والتواصل مع أهل العلم والثقافة والمعرفة؛ لأن هذا يشحذ همته وينظم تفكيره. ويُمكِّنَه من الاطلاع على مختلف الأفكار والعلوم والمعارف.

4. الممارسة المستمرة للكتابة، فيما يحبه ويجيده وفيما يجد نفسه وراحته فيه ونفع أمته، وهذا يطور من قلمه وفكره ويزيد من خبرته، ويفضل وخاصة في بداياته أن يختار مجموعة قليلة من أهل العلم والفكر والثقافة ممن يثق فيهم ويعرض عيلهم ما يكتب ويستمع لرود أفعالهم ونصائحهم ليستفيد منها.

5. أن يمارس الكتابة العامة، فيكتب للجمهور بقدر يضبط به وقته ونفسه، لأن الكتابة والنشر للجمهور هو أصعب من الكتابة والنشر في الكتب التي يقرؤها طبقة خاصة من المتعلمين والمثقفين بلغة علمية وأدبية واصطلاحية خاصة؛ ففي الكتابة للجمهور تحتاج لدِربة وخبرة عالية، وخاصة في انتقاء الأفكار والمواضيع والجمل والعبارات التي تناسب الجمهور بمختلف مستوياتهم التعليمية والفكرية، وهذا يعطي خبرة زائدة للكاتب وفهما أعمق لواقعه، ويزيد من قدرته على اختيار ما ينفع الناس ويصلحهم ويرفع من مستواهم الفكري والوعي والثقافي، وهذا لا يتأتى لمن يمارس الكتابة الخاصة وينشرها في الكتب والمجلات فقط. وهناك مهارات أخرى ولكن أكتفي بهذا.

وأما بالنسبة للمهارات التي يحتاجها الكاتب في العلوم الشرعية:

فهو لاشك يحتاج كل ما سبق ذكره من مهارات الكتابة العامة بالعموم، ولكنه يحتاج إلى مهارات إضافية خاصة بطالب العلم والكاتب في العلوم والتخصصات الشرعية:

1. تعليما مباشرا على علماء لفترة من الزمن، ولقراءة واطلاع واسع لمختلف العلوم الشرعية، وهذا يتطلب معرفة بعلوم الآلة؛ من نحو وصرف وبلاغة ولغة وأدب.. ومعرفة بعلوم الشرعية؛ من فقه وحديث وتفسير وأصول فقه وغيرها، ولهذا هناك شروط قد فصَّلتُها في أحد كتبي؛من تأسيس علمي رصين على يدي علماء متخصين في بداية الطلب، وقراءة واسعة مستمرة ومنظمة ومتطورة وواعية للكتب في مختلف علوم الشرع وعلوم الآلة.

2. تدريس ما يُتقنه من هذه العلوم للطلاب، لأن التدريس يُكسبه مَلَكَات ٍخاصة ودقيقة، ويُنظِّمُ فكره ويُطوَّره.

3. المُذاكرة والحوار مع العلماء وطلاب العلم والشخصيات المميزة في تخصصاتها الشرعية، وهذا يعطيه مَلَكَات زائدة ويُكسبه الانفتاح والتنوع الفكري والعلمي.

4. الكتابة في العلوم الشرعية أصعب من الكتابة العامة في الفكر والأدب والثقافة؛ لأنها تتطلب معلومات كثيرة متخصصة ودقيقة ومهارات عالية وقدرات زائدة، ومن سيقرأ لك هم علماء ومتخصصون يُدقَّقُون في كل كلمة وحرف تكتبه لأنك تحمل دِينا وتكتب عنه وفيه.

7- ما ملامح المشروع الذي تعمل عليه في الكتابة؟ وهل تراه يسير بالوتيرة المطلوبة؟

- بحكم دراستي الشرعية القديمة في مدرسة ومعهد ديني شرعي متخصص قبل إلغائه من قبل النظام السابق، وبحكم ملازمتي الطويلة لسيدي الوالد العلامة الفقيه والقاضي الشيخ مصطفى التريكي رحمه الله، وقراءاتي الشرعية المستمرة ولله الحمد، وبحكم دراستي في الطب وتخصصي فيه، وحياتي الطويلة في الغربة مع التواصل اليومي المستمر مع علماء ومثقفي بلادي ليبيا وغيرها من بلاد العالم؛ وجدت نفسي أكتب في مشروع متنوع ولكنه يحمل فكرة عامة، يحمل مشروعي فكرة عامة في الكتابة أسميته " تصحيح المفاهيم"؛ ولذلك كثير مما كتبته في العلوم الشرعية وخاصة في الفقه وأصوله، وفي طلب العلم وغيرها، ومنها كتابي المُعَدُّ للطباعة بإذن الله " شبهات حول المذهبية الفقهية والرد عليها" أو ما كتبته في سلسلتي التي أسميتها " ثمرات السنين" وطبع منها الجزء الأول ولله الحمد، وهي سلسلة علمية ووعظية وفكرية وتربوية وسلوكية وأدبية منتقاة بما يناسب مختلف الشرائح، وكتبات أخرى لم تطبع؛ فكرية وعلمية شرعية وسيرة ذاتية لسيدي الوالد، وأودبية، وقصصية وغيرها..، كلها أو غالبها تصب في غرض مشروعي الذي أسميته " تصحيح المفاهيم"؛ تصحيح مفاهيم علمية شرعية ودعوية وفكرية ووعظية وسلوكية وثقافية وأدبية وغيرها، بطريقة خاصة ومختلفة لايشعر فيها القارئ أن هناك من ينصحه أو يُلزمه بطريقة تقليدية معينة أن يفهم كذا أو يفعل كذا أو يقول كذا.. بل بطريقة الحوار والمحبة والعبرة والقصة والوعي والمعلومة، وهذا بسبب ما عايشته ورأيته من تغيير وتشويه كبير لمفاهيم وأفكار في مختلف مجالات العلم والفكر والمعرفة في مجتمعاتنا لأسباب كثيرة، ونسأل الله عز وجل الإخلاص والقبول والتوفيق. وتصحيح المفاهيم الذي أقصده، ليس هو بمعناه الضيق المحدود، بل بمعناه الواسع في نشر العلم والوعي بطريقة علمية توافق الأصول الصحيحة في كل مجالات العلم والمعرفة والفكر والتوجيه، بما يفتح الله سبحانه وتعالى وبتوفيقه وحده.

8- من واقع المسؤولية الوطنية، كيف تشخّص الداء وتصف العلاج لليبيا المريضة ككثير من دولنا العربية؟

- هناك أسباب عامة مشتركة لهذا الداء بين ليبيا ومختلف الدول العربية؛ ومن أهمها: الحكم الدكتاتوري الشمولي في ليبيا - الذي كان ولازالت امتداداته وآثاره موجودة- وفي كثير من الدول العربية؛ الذي عطل الحياة العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية لعقود طويلة، وحتي بعد تغيير بعض هذه الأنظمة لازلنا نعيش تربيتها وتبعاتها وتدميرها للتعليم والصحة، ومحاربتها للعلماء والعلم والثقافة والفكر، ونحصد اليوم نتائج زرعها. وهناك أسباب أخرى خاصة بليبيا جعلت الصراع يستمر، ووفرت للدول الأجنبية الغربية والعربية المناخ المناسب لتتحكم في مصير ليبيا ومن أهمها؛ وجود النفط والغاز، ومساحة ليبيا الكبيرة مع قلة عدد السكان، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي في قلب شمال أفريقيا، وهي بوابة مهمة إلى العمق الأفريقي، وتميزت بشاطئ طويل ورائع على البحر الأبيض المتوسط يصل إلى 1700 كم، مما زاد الأطماع فيها، ولأسباب سياسية أخرى مع ما حدث في بعض دول الجوار من انقلابات عسكرية وسياسية على ثورات الربيع العربي مما أثر سلبا على التغيير في ليبيا، وأسباب أخرى مبنية على الأطماع في ليبيا، وأيضا لافتقار التغيير في ليبيا إلى قيادات واعية وقوية وصادقة لقيادة مشهد التغيير مابعد سقوط رأس النظام السابق، واستمرار سيطرة وتغلغل رموز النظام السابق في كل الوزارات والمؤسسات العسكرية والمدنية واختراقهم لمعظم تشكيلات ثورة فبراير السياسية والعسكرية.

9- ما ردّكم على مَن يتّهمون الكُتّاب الإسلاميين بأنهم على طول الخطّ ناقدون ناقمون ساخطون يصدّرون التشاؤم ويبغّضون إلى الناس الحياة؟

- التعميم غالبا لايصف الواقع ولا يأت بحكم منصف ويكون فيه شطط وظلم. لكن الحقيقة أننا أحيانا نحتاج لتحرير المصطلحات والألفاظ قبل نقدها أو وصفها أو الحكم عليها.فما المقصود بالكتاب الإسلاميين؟! إن كان المقصود بهم من يكتب في العلوم الإسلامية والشوون الإسلامية، فهذا أمر آخر ويحتاج إلى حصر وتوصيف. وأما إن كان المقصود بهم من لهم خلفية إسلامية فكرية وأظن هذا هوالمقصود بالسؤال؛ سواء أكانت تلك الخلفية حزبية أو مؤسساتية أو انتماء لجماعات وتيارات تحمل شعارات إسلامية أو ما شابه ذلك،فالحقيقة والواقع يبين من وجهة نظري قلة وجود هؤلاء الكتاب المحترفين أصلا الذين يشحذون القلم والهمة لخدمة دينهم وقضيتهم في مختلف الجوانب العلمية والسياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية وغيرها، ومن يكتب فيهم؛ قلة منهم من يكتبون بعلم وإنصاف وتوسط وشمولية وموضوعية وتحليل واطلاع واسع ومعرفة حقيقية بالواقع، وهؤلاء للأسف لا تُفتح لهم المنابر الإعلامية والعلمية إلا قليلا وهم موجودون ولله الحمد، لكن القضية تحتاج إلى الآلاف بل عشرات الآلاف من أمثال هؤلاء. ثم هناك فعلا مجموعة لابأس بها يكتبون وينتقدون لحب النقد وتأزيم الواقع وتضليل الناس وتخطئتهم بالجملة وزرع التشاؤم والشك وسوء الظن بالناس والمجتع، فيعمقون الخلاف ويزيدون المشاكل ويزرعون الأحقاد والصراعات، ولا شك أن أمثال هؤلاء تُفتح لهم القنوات وتيسر لهم منابر الإعلام لأنهم أفضل وسيلة لتشويه الإسلام والدين وإعطاء مبررات لأعداء الإسلام في حربهم الواسعة والجارفة لكل ما ينتمي للإسلام.ولاينتشر هؤلاء إلا بسبب تحييد العلماء والمفكرين والكتاب العقلاء المدركين للعلم وللواقع.

10- ما الذي أضافه إليك الطب ككاتب في العلوم الشرعية، لا سيما أنّ الإمام الغزالي وغيره من الفقهاء يرون دراسة الطب تقرّب صاحبها من الإيمان؟

- نعم، لا شك أن الطب هو أجل العلوم بعد العلوم الشرعية في تقريب الناس إلى رب الناس سبحانه وتعالى ولنفع الناس والتخفيف عنهم. فعلوم الشريعة وهي أشرف العلوم وبها يعبد الله عز وجل في الأرض على مراده وتقام أحكامه وشعائرة وتعمر الأرض كما أرادها له، وبها تحفظ الحقوق ويقام العدل ويتحقق نفع الناس. وتشترك دراسة الطب في كثير من تلك المقاصد؛ فدراسة الطب به يزيد اليقين بالخالق سبحانه وبديع صنعه وهو من أعظم ما يعين العبد على تحقيق العبودية، وبدراسة الطب يتحثث مقصد عظيم وهو نفع الناس والتخفيفي عنهم وصلاح أبدانهم المعينة على صلاح قلوبهم. فدراسة العلوم الشرعية تَصلح بها الأرواح والأبدان، والطب تَصلح به الأبدان وهو المعين على صلاح القلوب. وأذكر حكمة سمعتها من سيدي الوالد رحمه الله بعد نجاحي في الشهادة الثانوية العامة بامتياز ولله الحمد بعد إلغاء المعاهد الدينية التي كنت طالبا شغوفا بها، فقال لي رحمه الله: "كنت أعددتك منذ يومك الأول في الدراسة لتسلك مسالك العلم الشرعي لتنتسب إلى الأزهر الشريف وتنفع أمتك، ولكن بعد إلغائها، فلا أرى مجالا أنفع للناس والتخفيف عنهم كدراسة الطب"، فقد كان همه دائما نفع الناس.

11- في ظل المفاهيم المغلوطة عن الإسلام في الغرب، والدعم المحدود للمسلمين الجدد هناك، ألا ترى حاجة ماسّة إلى إسهام قلمكم الإنجليزي المكين في هذا الاتجاه؟

- الحقيقة هو كما تفضّلتم ووصفْتم، لكن كما تعلمون يصعب أن يشتّت الإنسان نفسه وجهده، وتبقى طاقة الفرد محدودة مهما تعدّدت ونمت، فقد أخذْت خطًّا معيَّنا في استخدام ما رزقني الله به من معلومات في علوم الشرع والتجارب والخبرات مع ما تعلّمته ومارسْته في الطب في تصحيح المفاهيم ونشر الوعي والمعرفة في مختلف المجالات العلمية الشرعية والفكرية والسلوكية والتربوية وغيرها بما يفتح الله وبما أجيده وأتقنه، وهذا يستلزم التركيز على اللغة العربية وفنونها، لأنها الأداة لنشر ما ذكرته، وكما تعلمون هذا لوحده يأخذ العمر كلّه ولا تَقضي منه حاجتك وما ينفع الناس. وأيضا مع إجادتي للغة الإنجليزية، لكن ما أعتقده وعايشته مع الدعاة في الغرب الناطقين بلغتهم الأم الإنجليزية، فأرى أن اللغة المستخدَمة في الدعوة كتابة ومشافهة هي لغة مختلفة وخاصة ومتخصصة، تحتاج لمهارات مختلفة وهذا يحتاج لوقت طويل وتفرُّغ، وهذا ما يصعب فعله مع اهتمامي بما ذكرته لكم آنفا مع ظروف الحياة والعمل. فلذلك فضّلت التركيز على ما أجيده وأتقنه ولمست نفعه بفضل من الله للناس، ومع ذلك أتابع وبكثرة ودقّة دروس ومحاضرات وحوارات الدعاة المتخصّصين في الغرب وأفهم بفضل من الله لغتهم المميزة، وهذا مما أحتاجه كطالب علم وككاتب وكطبيب.

***

د. منير لطفي

أُجري الحوار في 12 فبراير 2023م

د نجاح عرنجي:

- بعد الحرب وتفشي داعش وفرض قانون قيصر انهارت سوريا

- لم يبق في سوريا سوى الأرامل والأيتام وذوي الإعاقة النفسية

- منذ صغري وانا انتظر العطلة المدرسية لاذهب الى قريتي

- العراق بلد أحببته منذ نعومة اظفاري

سوريا مثل كل البلدان العربية التي هبت عليها زوابع وعواصف ما يسمى بالربيع العربي لكنه تحول في الشام الى زلزال عصف بالبلد فحوله الى اطلال ودفع بأهله الى الهجرة والتغرب الى كل منافي العالم بعد أن زحفت عليه فلول الإرهاب من كل جحور الظلام محملة بكل حقد وظلامية وبغض للجمال مدفوعة بالمال والسلاح العربي لا لشيء انما فقط لتخريب بلد جميل أمن تنفيذا لرغبة هذا الأمير أو ذاك الحاكم، ومن الذين عاشوا المعاناة وحملوا المأساة مضاعفة. الطبيبة الشاعرة نجاح حسين العرنجي التي تفرقت عائلتها بين المنافي حتى اتعبها البحث عنهم وهي تتنقل من بلد لآخر وهي اليوم في العراق علها تحضى بخبر مؤكد عن بلد هجرة ابنتها الأخير لتطمئن على وجودها ونجاح هي:

- نجاح حسين العرنجي خريجة أدب انكليزي

- دبلوم لغة إشارة وخبيرة لغة الاشارة في وزارة العدل

- دكتوراة بتأهيل النطق من جامعات السويد

- عضو الأكاديمية الطبية السورية

- أمين سر جمعية الموهبة والإبداع

- مدير عام مجلة البنفسج

- محاضرة بالمراكز الثقافية

- مدربة لمعلمات ومدربات حالات التوحد: الشلل الدماغي، المتخلفين عقليا، وتاهيل زاريع القوقعة

- معالجة ومدربة في العلاج الطبيعي الفيزيائي

وإضافة لحملها هذا المؤهل الإنساني فهي شاعرة تحاول إيصال معاناتها وماساة بلدها من خلال القوافي ولنا معها هذا الحوار اليوم:

* كيف كانت سورية قبل الحرب وكيف أصبحت بعده؟

- منذ بداية نشوء المدن السورية على ضفاف نهر بردى، والعاصي، والفرات، و الكبير الشمالي،وبقية الأنهار التي تنبع او تعبر الأراضي السورية وهي جنة الله على الأرض حيث الزراعة تغطي حاجة البلد ويتم التصدير الى باقي الدول والمدن الصناعية توفر الحاجات والأغذية والأدوية وكل متطلبات الحياة الرغيدة.. سوريتي قبل الحرب تنعم باقتصاد جيد وموفورة ميزانيتها التي تعتمد على السياحة الداخلية والخارجية.. اما بالنسبة للحركة العمرانية فهي مزدهرة والمسكن جميل وبناؤه على الطراز الحديث .. دخل الفرد يكفيه ويدخر من راتبه بسبب توفر الحاجات ورخص اسعارها.. ومن لا يملك وظيفة في الدولة هناك اعمال حرة.. وتجارة.. وزراعة مزدهرة.. سوريتي كانت من اجمل البلاد واهلها من اسعد البشر.لذلك نرى الزائر يستمتع كثيرا بزيارته ويتمنى ان يكون له مسكن دائم في سورية. اما بعد اندلاع الحرب وتفشي داعش بين المدن.. والقصف العشوائي والتدمير والخراب الذي لحق بالاراضي الزراعية وتدمير المدن وظهور تجار الحرب والفاسدين.. وكذلك الحصار الإقتصادي.. وقانون قيصر.. انهارت سورية وانهار الإقتصاد.. وساد الفقر والجوع والتشرد والهجرة. وفي بداية عام 2023 / 6/2 بدات الزلازل فانهارت معظم المدن الساحلية الجميلة المباني والحقول والحدائق الوارفة وتحولت سوريتي إلى بلد منكوب جراء الحرب والكوارث الطبيعية.. .ومن بقي من العوائل اصبح يعيش على المساعدات الخارجية. سوريتي دمرتها الحرب والزلازل. شبابها استشهدوا في الحرب. وبعضهم. هاجر. لم يبق في سوريتي سوى الارامل والايتام وذوي الإعاقات النفسية بسبب الحرب والفقر والجوع. والتشرد.

نسأل الله الفرج. وأن تهدأ ثورة الزلازل ويستقر الوضع لنعود إلى ديارنا التي كانت بالعز والخير والياسمين عامرة واليوم اصبحت قفارا.

* هل علمتك الحرب الترحال؟

- انا بطبعي احب تغيير الاماكن والتنزه وأعشق البحر والجبل.. اجالس الضفاف والشطآن.. واتحدث إلى العصافير والفراشات في حقول القمح وبساتين الرمان واللوز.. وقد نشأت في بيئة تحب السفر والترحال. كان والدي ووالدتي من هواة السفر القصير.. فمثلا هناك بعض الطقوس المتعارف عليها في سورية الا وهي ان جميع العوائل تخرج وتسافر يوم الجمعة وفي الاعياد إلى الجبل او البحر او على ضفاف الأنهار حيث الطبيعة الخلابة. وأماكن الإقامة المريحة والأجواء الجميلة.

فمنذ،صغري وانا انتظر العطلة المدرسية كي أذهب مع الأسرة إلى قريتي الجميلة (الكافات) او نسافر الى احدى المدن الساحلية

أما في فترة الحرب فكان الجميع يبحث عن الترحال إلى اي بلد لا يوجد في حرب ولا دمار ولا حصار.. وانا أنشد الهدوء والإطمئنان والسلام.. لذلك تراني اسافر كثيرا..

* ماهي قصة رحيل ابنتك؟

- ابنتي محامية شابة متخرجة من كلية الحقوق جامعة دمشق. في عام 2012 في اوج الأزمة والحرب.. وتعمل بالمحاماة وهي مجتهدة ولامعة منذ كانت تدرس القانون في جامعة دمشق. تزوجت من شاب برتبة ضابط وهو مسؤول مالي في جيش التحرير الفلسطيني، وبسبب رتبته العسكرية ومكانة ابنتي في القضاء فقد تعرضا للإغتيال أكثر من مرة. كما تم تفجير المكتب الذي يعمل به زوجها بعد ان تمت سرقة اموال ورواتب الجيش آنذاك. ففي لحظات الهلع والخوف والتفجير وتفخيخ سيارتها.. قررت ابنتي وزوجها الرحيل لينجوا بروحيهما وهكذا تمت إجراءات الإستقالة وأيقاف العمل والرحيل الى احدى الدول الأوروبية وقد انجبت بنتا جميلة تشبه الأميرات. وولدا محبوب المشاكسة والمشاغبة.. كل هذا حصل وأنا أقارع كؤوس الحزن والغياب على سفرها الذي تجاوز عامه الثامن.. وفي كل ليلة أمني النفس بلقياها واحتضان أطفالها.. هي ابنتي الوحيدة.. وفرحي البعيد.. الذي حرمته بسبب الحرب والإرهاب والقتل.. وكم اشكر مخترعي الموبايل ووسائل التواصل الصوتي والمرئي لانه يوفر لنا نصف المشاهدة وتشتفي الارواح بالصورة والصوت.. وقد اتفقنا مؤخرا ان نلتقي في العراق.. لان الدنمارك تمنع مواطنيها من زيارة سورية بسبب الكوارث الطبيعية..

* هل تنوين الإستقرار في العراق ولماذا؟

- العراق بلد احببته منذ نعومة أظفاري. احببته لان والدي رحمه الله كان يملك سيارة كبيرة وكان يعمل على هذة السيارة سائق سوري يسافر بها الى العراق يتاجر بحمولة زيت الزيتون في بغداد والبصرة والموصل ومختلف المدن العراقية ويعود بالسيارة وهي محملة بأنواع متعددة ولذيذة من التمور. وبما انوالدي رحمه الله كان يحب السفر فقد كان يرافق السائق او يسافر الى مطار بغداد للتنزه وانتقاء حمولة السيارة ومتابعة امور تجازة زيت الزيتون. وقد كان في كل مرة يسافر بها الى اي دولة ياخذنا في المرات القادمة بعد ان يكون قد استكشف البلد والأماكن ما عدا العراق. فقد رحل الى جوار ربه قبل ان نسافر الى العراق لذلك عندما اندلعت الحرب.. وقررنا انا وابنتي اللقاء اخترت العراق. وهي بلد لا تختلف كثيرا عن عادات وتقاليد سورية فنحن شعب واحد في بلدين. وتضاريسيا وجغرافيا متصلين فالقائم وحديث هي تتمة المدن السورية ويمكن التنقل بالسيارة وبساعتين تكون في الاراضي السورية.. كذلك الموصل قريبة جدا على مدينة حلب السورية الجميلة بلد الصناعات وطريق الحرير.. اما بالنسبة لبقائي واستقراري في العراق.. حاليا لا اود المغادرة لان وضع سوريتي لايشجع على العودة

* منذ متى تكتبين الشعر؟

- كان والدي كبير قومه بالرغم من انه كان في عمر الزهو والشباب كما انه كان ثريا. بسبب انتقاله من القرية الى العاصمة منذ الصغر وزواجه بسيدة هي سليلة الحسب والنسب والثراء.والدتي رحمها الله كانت من آل شقرة تدعى (آمنة شقرة) المنتشرة في لبنان وسورية وتركيا بسبب العمل في تجارة البولمانات والسيارات وتجارة العاج من دول افريقيا. حيث تعلمت مهنة الخياطة لسيدات الحي فكانت مشهورة في جميع احياء العاصمة لانها تخيط أثواب العرايس.. ومعلمات الكتاتيب والمدارس.. ومشهورة بفن الخياطة والتطريز وتملك ورشة تعليم هذه المنه مجانا.. وخاصة للبنات الفقيرات حيث تعطيهن ادوات الخياطة مجاننا مكافئة لهن في اتقان المهنة.. فقد كان يتردد على (المنزول) أو (المربع) وهذه اسماء لاماكن كانت تابعة للدار الكبيرة التي يملكها والدي في أحد أحياء مدينة دمشق العريقة واسم الحي (ركن الدين) وهو من أجمل الأحياء في مدينة دمشق خاصة وأن هذا الحي يقع على سفح الجبل الأشم جبل (قاسيون). فكان يتردد على هذا المكان مختلف صنوف الأشخاص من أدباء وشعراء.. فقراء وأثرياء. عازفوا الرباب ومن ينقرون على الطبل. وأصحاب الأصوات الجميلة حيث ينشدون الأناشيد الدينية وتصدح الأصوات بالغناء التراثي والشعبي.. ويرددون القدود الحلبية.. في ليالي الشتاء الطويلة وفي تلك الحقبة الزمنية كان والدي هو اول من يملك مايسمى ب(الرائي) أو (التلفاز) وهذا مايسر الزائر لبيتنا. حيث يتعرف على هذا الاختراع الحضاري الجديد.. . يترددون الى المنزول ويكونون في ضيافة والدي رحمه الله فترة وجودهم في العاصمة التي قصدوها بسبب البحث عن العمل.. او للاستطباب.. او التبضع.. أو للبحث عن العمل وسبل المعيشة.. ولأن والدي معروف بجوده وكرمه فكان القادمون من الأماكن البعيدة والسفر الطويل يقيمون عندنا ونحن شعب متحضر منذ فجر التاريج بالمناسبة انا من مدينة (السلمية) الملقبة بمدينة الفكر والثقافة.. والتي احتفلت منذ نهاية التسعينات باخر أمي في المنطقة. فالثقافة والفكر تولد مع أبناء(السلمية) بالفطرة. وبما ان الشعر ومايزال فاكهة سماوية.. تولد مع الشخص وتصقلها الثقافة والقراءات والبيئة والمواقف وفي بيتنا كان هذا المزيج من الثقافات والحضارات فكنت اتسلل من وقت لآخر الى (المنزول) وانصت الى القصائد النبطية.. والصوفية. والقدود الأندلسية واحفظها بسرعة عجيبة والقيها في اليوم التالي امام والدي وزائرات والدتي من اجل خياطة اثوابهن وانا في عمر 8 او 9سنوات وكنت الاقي الاستحسان والاحتضان والتصفيق من أسرتي والأقرباء ومعلمي مدرستي حيث كنت انشد اما م الطالبات واردد ما سمعته بالأمس في سهرة الأنس والمربع المكتظ بالمثقفين. وكنت عريفة لحفلات المدرسة حيث القي الكلمات والمواد الاحتفالية بصوت والقاء جميل وجهوري امام المفتشين الذين يترددون على المدرسة واول قصيدة نشرتها لي مجلة الحائط في مدرستي (العربي) كان عمري 10سنوات واتذكره تماما حيث يقول مطلعا:

ايها النهر لا تسر

وانتظرني لأتبعك

انا اخبرت والدي

بانني ذاهبة معك

وقد ذكرتني بها احدى مديرات المدرسة السيدة الفاضلة (الدكتورة فريدة وانلي)، حين التقينا في احدى الأمسيات الشعرية في للمركز الثقافي في مدينة دمشق بأن سجلات المدرسة تحتفظ بهذه الأوراق الصفراء وبأن القصيدة موجودة في السجلات المدرسية. وبعدها بدات بنشر القصائد والخواطر بالحرائد السورية اليومية المتداولة في ذالك الوقت ومازالت مثل جريدة (الثورة) وجريدة (تشرين) وما زلت انشر فيهما الى الان وبالمناسبة اذكر هنا بان اسم الشارع سمي بشارع (العرنجي) وهي كنية والدي واسم عائلتنا سمي باسمه تيمننا بما كان يقدمه من خدمات ومساعدات لاهالي المنطقة على مختلف أطيافهم وتوجهاتهم. وكذلك بسبب وجود مهنة الخياطة لدى والدتي رحمها الله فكان أهالي المنطقة يطلقون اسم الخياطة(العرنجي) على اسم عائلة والدي رحمه الله. وهكذا خلد التاريخ ذكرى والدي لقيامه بأعمال البر والخير والإحسان بين الناس رحمهما العلي القدير..

* انت تجمعين اختصاصين مختلفين. كيف توفقين بينهما؟

- سؤال وجيه دائما يوجه لي في اللقاءات التلفزيونية والمقابلات الصحفية وحتى في الجلسات الشعر ية والعادية.. إن اختصاصي العلاجي لمختلف حالات التوحد والإضطرابات النفسية.. وتأهيل النطق.. والعلاج الطبيعي يحتاج إلى ثقافات عالية.. وقراءات متعددة.. وصبر وقوة وعزيمة جبارة كي ينجح العلاج وهنا تبرز المواقف الحياتية اليومية على سجية تنقلني إلى عالم المريض الذي أُعالجه واتعرف على ذويه والإطار والبيئة المحيطة بالمريض هذه المعطيات تولد عندي فكرة تتمحور في اعماقي لتخرج بما يسمى بعلم الطاقة الإيجابية ولادة قصيدة. أو قصة قصيرة. او خاطرة.. ويكاد لا يمضي نهاري دون ولادة لفكرة قصيدة او قصة استقي بنودها من ملامح المريض او ذويه. وهكذا أجد نفسي اتماهى وانصهر في بوتقة عملي العلاجي ومواقف الاحساس الرهيف لدي لتعيد القصة القصيرة والخاطرة والومضة هيكلتي الإنسانية. شعرك كله لوعة، وفراق،والم،وغربة،.. ألم تمر بك مواسم فرح؟.. لقد توالت في أيام حياتي الفصول كلها.. ففي طفولتي المبكرة وحتي أيام الجامعة كنت الطفلة المدللة في أسرتي حيث أن والدي ينحدر من سلالة تقل بها ولادة الأنثى فجل أفراد العشيرة رجال.. لذلك تحظى البنات في أسرنا العرنجية بالدلال والرفاهية وتحصل على حقوقها الشرعية بالميراث واستفتاء قلبها بالخاطب الذي يتقدم لها. من هذة الأعراف والتقاليد الموروثة عن أجدادي لاهل المرحوم ابي فقد حظيت انا واخواتي الاثنتان وأخواتي الذكور السبعة بكل انواع الرفاهية والدلال والاكتفاء المادي والمعنوي وخلافا لباقي العوائل والعشائر التي تعامل الانثى معاملة لاتليق. لذلك مررت بطفولتي وايام صباي بمختلف الوان الفرح والسعادة والذي زاد من السعادة وضع والدي المادي الجيد في تلك الحقبة حيث نشتري مايحلو لنا.. ونسافر للاستجمام ونتعرف على الأماكن والمدن سواء داخل سورية او في البلدان المجاورة مثل الاردن ولبنان.. بقيّ الفرح ملازم لي كظلي الى فترة الجامعة.. في الجامعة وبالتحديد في السنة الثالثة تزوجت من شاب وسيم عن طريق ما يعرف (بزواج الاهل) وقد انجبت منه ولدان وبنت. وكنا في غاية السعادة والسرور والعيش الرغيد إلى ان أصيب في السنة الخامسة لزواجنا بمرض عضال. مرض حبيبي وزوجي وأبو أولادي جعل ستارة الأيام سوداء قاتمة في حياتي. على الرغم من معاملته الراقية،وتقبله للمرض، ورفضه القاطع للحزن واليأس .. فقد كان رحمه الله محب للحياة وللشعر والموسيقا.. وللجمال وللطبيعة. وللسفر والتمتع بكل ما هو جميل في هذه الحياة. اما انا فقد نال الحزن مني مبتغاه.. وكان شتاء مدامعي يحصل مبتغاه وغايته وهذا طبعا لا أظهره امام زوجي واولادي كي لا يقنط من رحمة الله وكي لا ازيد المه ووجعه. لكن نزف اليراع على سطور المذكرات والدفاتر تنال منوجعي ما تري.. بعد رحيل زوجي الى السماء في 2011 /3 /6.. اضافت الدنيا الى حزني على مرض شريك عمري وجعا وحزننا جيديد هو فقد الزوج ومسؤوليات الاولادالثلا ثة فكانت الفرح بعيد المسافات عني وعن كتاباتي. ومازاد حزني والمي ووجعي اندلاع الحرب بنفس العام الذي رحل به زوجي.. كما تم تدمير كل ممتلكاتي في دمشق ولم ينجو من هذه الحرب الطاحنه سوى انا والاولاد الثلاثه دون مأوى. دون معيل.سوى رحمة ربي ومنه المدد.. وللأسف هذا حال اهلي وجيراني وكل ابناء سوريتي.

قلي بربك أين تخيم مضارب الفرح//

وكيف للسعادة ان تزور الأحياء المدمرة

والوجوه الشاحبه

وجلسات الأرامل والأيتام فوق اطلال//

بالأمس كانت ديارا منارة بالياسمين وضحكات الاطفال وملاعب الصبا//

كيف السبيل إلى الفرح

دلني يا سائس الريح

هلا عبرت بقومي//

ا خبر عزيزا ان لي في العاديات مركب

وأهزوجة حداء

ونعش احمله

في نبضٍ

وارتعاش

* من غازلتي في شعرك غير دمشق؟

- انا عاشقة للجمال بمختلف ألوانه واشكاله..

ومغرمة بالطبيعة الخلابة

والشتاء الباكي

لي قصة وله مع المدن

والمطارات

ومحطات المسافرين

مع الليل وهو يتعسعس

مع الفجر يأترز الضوء ويتنفس

والقمر بدرا وبعد اكتماله اونس

لي وقفة مع الجبال الخضر ونسيمها يتهسهس

أُغازل بساتين العنب والتين

والبحر ومراكب محملة بالبخور والشوق والحنين

اغازل الاطفال وحقائبهم والدفاتر وأقلام التلوين

أغازل الأجداث وكيف توسدها من احببتهم مرغمين

أغازل الأكفان البيض.. ليزهر المدى دُفلى وياسمين

أغازل بيروت وعمان وجرش واربد

اغازل بغداد وبها القلب يستكين

أغاز بنيتي المهاجرة وهي في الوريد تقيم

أغازل أحفاد واولادي في الوتين

الغزل هنا في الاحداق يعزف النغمات للشرايين.

كان لي قصيدة مطولة غازلت فيها بغداد

وكذلك العيون العسلية

وسبتني عيون بلون القهوة العربية

وسافرت مع العيون البحرية

وكان لي قصيدة للعيون الخضر واللوزية

.. .

* كيف تستنطقين فاقد النطق؟

- بحسب صاحب المشكلة او المرض.. هنا اطفال يولدون فاقدي النطق.. وهناك اشخاص أصيبوا بارتفاع الحرارة وكان لديهم نطق وكلام ولغة ولكن بسبب ارتفاع الحرارة أصيب مركز النطق بالتعطل. هناك أشخاص أصيبوا بجلطة دماغية. او تعرضوا لحادث. سقوط.. أو حادث سيارة. او.. او.. اوو..

فالعلاج يكون بنظريات علمية اولا..

وبرامج اكاديمية ثانيا

وبالنظر الى المرض على انه ظاهرة جمالية متفرة خاصة تكسب صاحبها خصوصية التعامل في هذا الكون ثالثا

بالحب الذي بين البشر تبنى الأنفس وتحلو دُفلى الأيام رابعا

بالموسيقا تهدأ الأرواح وبها في عملي بعد الله استعين خامسا

بالإبتسامة ونظرات الثقة والتواصل الفعال يكون استنطاق البكم فعال سادسا

علينا أطباء ان يكون لدين العلم والثقافة والخبرة الكافية عن المرض والإحاطة به من كل جوانبه لنستطيع إعطاء العلاج المناسب لفاقد النطق.

ادربه بحسب قدراته وما لديه من مهارات.. فبعضهم ينطق باللغة المحكية،، وبعضهم يعبر بالرسم واللون،، وبعضهم يعبر بالعزف على آلة موسيقية،،

بعضهم يعبر بالإشارات اليدوية،،،

بعضهم يحتاج إلى ادوية وووو

وهكذا اتعامل مع كل حالة مرضية لوحدها وهكذا انجح بعملي كمدربة وخبيرة ومعالجة

* انت تمارسين كتابة القصة القصيرة والخاطرة والومضة لكن الملاحظ ان قصصك ترتبط بالواقع المرضي لمرضاك.. لماذا هذا الإختصار؟

- الكتابة حالة نفسية وشعورية مرتبطة بواقع ملموس او محسوس، لذلك استقي من عيادتي الاحداث التي اجعل منها بنود ارشاد وتوجيه لمجتمع قلت فيه ثقافة تعبر عن مشاكل الامراض التي اعالجها. في عصرنا الحالي وهو عصر التقدم والتكنولوجيا مازالت بعض الاسر تخفي مرض اولادهم. او تخجل نن ان تعرضهم على طبيب او اخصائي. أو تخاف ان يعلم الناس بان لديهن طفل معاق فيحجم الناس عن طلب يد بناتهم. او لا يوافقون على زواج ابنتهم من شاب يوجد في اسرته مريض. أو معاق. فتكون قصصي وكتاباتي توجيهية ارشادية بطريقة محببة ومتابعتها مشوقة.. وانا اكتب قصصا للاطفال.. وعن الحرب الطاحنة في العالم. وكذلك قصص الحب المغايرة للمألوف لدى بعض الشعوب. امثال (الرباعيات) وهي قصصا جميلة مختصرة رشيقة احبها القراء كثيرا

* لماذا غادرت ابنتك سوريا وهي محامية ناجحة؟

- ذكرت لك الاسباب في سياق الحديث. واكرر بان ابنتي وزوجها الفلسطيني الجنسية قد تعرضا للضغط، وتفجير مقر عمل زوجها اكثر من مرة،، كما تعرضت للاغتيال والقتل اكثر من مرة،، وستعود الى سوريا باذن الله بعد ان تهدأ الأوضاع.. وكلنا امال بالعودة إلى سورية الحب والجمال والياسمين.

* ماذا تعني لك عبارة وتمضي الايام؟

- تكاد لاتخلو مقابلة ولا لقاء او حديث عابر إلا وأُسأل عن ماذا تعني لك (وتمضي الايام)..

منذ الصغر كنت استمع الى قصصا كانت تحكي عن تاريخ اجدادي ايام الحروب،، والأجتياحات،،

والاحتلال العثماني،، والاحتلال الفرنسي وقصصا كثيرة تصف احوال الشعوب،، كذلك عندما كنت صغيرة اشترى لي والدي مذياع كهدية لي بمناسبة نجاحي وتفوقي في نهاية المرحلة الإبتدائية وكان عمري 14 وكنت قد المحت لوالدي بحبي وشغفي بسماع اخبار العالم خلال نقاشاتنا واحاديثنا العزيزة على قلبي.. واتذكرها الان تماما حيث كان يجلس والدي على كرسيه المخصص له بالصالة ينظر إلي بعينيه اللتين تشبهان اخضرار البوادي والسندس والإستبرق وابتسامته الوقورة تملأ ثغره الوردي ولؤلؤ اسنانه المبترد ودشداشته البيضاء التي تشبه بياض قلبه.. كان يضمني ويربت على كتفي ويقول ستكبرين وتتذكرين هذه الجلسات وتمضي بك الأيام إلى ايام مغايرة. وتمضي الأيام اعتبرها شعار في جدار الزمن المنطلق كالسهم.. إن احسنت الضغط على الزناد انطلقت بسرعة كبيرة فانتشر تاثيره على كل المجتمعات وإن أخطأت سيعود السهم إلى صدري ويقتلني

وتمضي الايام.. حكاية سأرويها فيما بعد.

* واخيرا ماذا لديك؟

- ارجو ان أكون قد قدمت للقارئ اشياء مفيدة ومميزة تبعث في النفس الحبور

دمتم بصحة وسعادة والياسمين عطور.

وتمضي الأيام

***

حوار / راضي المترفي

في 19 شباط الماضي أجرت مجلة كيليت Quillette الاسترالية مقابلة مع جون سيلر المؤلف واستاذ الفلسفة في جامعة لندن حول ارسطو والرواقيين. المحاور هو رايلي مور. بالنظر لأهمية المقابلة سنقوم بعرضها على جزئين، وهذا هو الثاني:

مور: اذاً، ارسطو يعتقد ان الانسان هو حيوان اجتماعي، لكن طاقتنا في التفكير هي التي تحدد حقا ماهية الانسان. ارسطو ايضا يكتب كثير عن "الروح". ماذا يعني بها؟

سيلر: إعتقد افلاطون ان الروح هي شيء متميز عن الجسم، أي تتجاوز موت الجسد ويمكن استنساخها. ما يُعتقد به الآن - كالفكرة المسيحية للروح – لم يكن قد تقرر بعد. ارسطو يرفض تلك الطريقة من التفكير حول الروح. بالنسبة له، الروح ببساطة هي سبب لشيء ما حي. لذا، انها ليست شيء فريد في الانسان. دعنا نفترض لديك انسان وجثة corpse . كأشياء مادية، هما متشابهان كثير ام قليل . لكن احدهما حصل على شيء لم يحصل عليه الآخر. تلك نقطة البدء. هو يتحدث عن خاصية او سمة لنوع معين من الشيء – شيء حي – بدلا من شيء منفصل عن الجسد ويستطيع العيش بشكل مستقل بالطريقة التي يفكر بها افلاطون.

ذلك يقودنا الى سؤال أوسع: ماذا يعني ان شيئا ما حي؟ بالتأكيد، الفرق بين الفرد الحي والجثة هو ان الفرد الحي يمكن ان يعمل اشياءً بينما الجثة لا تستطيع. هو يستطيع الحركة و التفكير والتناسل. وهكذا، هذا يقود ارسطو لتعريف الروح كسلسلة من القابليات، سلسلة من الأشياء يستطيع شيء ما القيام بها.

مور: مختلف مدارس الفلسفة استعملت كلمة "روح" بطريقة مشابهة جدا لارسطو – بدون أي دلالة دينية. انا أقصد الرواقية بالذات. انت تكتب في "دروس حول الرواقية" بان ابكتيوس وصف الفيلسوف كـ "طبيب". ماذا يعني هو بهذا؟

سيلر: ما في ذهنه وذهن الرواقية هو فكرة ان أرواحنا – يمكن ان تمرض او تتعكر بمختلف الطرق وقد تستفيد من العلاج بنفس الطريقة عندما تمرض أجسامنا فيزيقيا و تستفيد من العلاج. هذه الفكرة تعود لسقراط، وانها حقا فكرة الصحة العقلية. سقراط اشتهر بوصفه ما يقوم به كـ "علاج للروح". هو ينتقد معاصريه في اثينا ويقول، انظروا، انتم تنفقون مزيدا من الوقت في الاهتمام بأجسامكم وملكيتكم وسمعتكم، ولكن لا أحد منكم يهتم بروحه. الرواقيون أخذوا بهذه الفكرة. هم خصيصا اهتموا بالطريقة التي تُنتج بها العواطف من خلال عقائد يمكن ان يكون لها تأثير سلبي علينا.

مور: ماذا يعني ان تكون رواقيا؟ الاستعمال الحديث والشائع للكلمة عموما يشير لشخص هادئ او مقاوم لإظهارالعواطف. كيف يبيّن ذلك الارتباط بالرواقية؟

سيلر: فكرة ان الرواقي هو شخص ذو شفاه متيبسة او شخص يكبح او ينكر عواطفه تختلف كثيرا عن نظرة الرواقية القديمة. عادة، الناس يعتقدون ان الرواقية هي حول قمع وإنكار العواطف، ومن ثم هم يهاجمون الرواقية لأنهم يقولون ان ذلك لا يبدو شيئا صحيا للعمل. و بالطبع، الرواقيون لم يعتقدوا بعلاقة هذا الشيء الصحي ايضا. الرواقيون يقترحون ان نحاول النظر الى العالم بطريقة مختلفة ونصدر حكم قيمي مختلف حول الاشياء لكي لا نمارس تلك العواطف السلبية منذ البدء. وكما كتب ريتشارد سورابجي مرة في " العواطف وهدوء الذهن"، انها ليس حول صرير الأسنان، انها حول رؤية اشياء بطريقة مختلفة لكي لا يجب عليك ان تعض على سنك.

مور: الرواقية تدهشني كفلسفة عملية، شيء يمكن تنفيذه مباشرة في الحياة. انها لاتزعج بأسئلة مثل "هل الكرسي او الطاولة موجودان؟" انها تركز على الشخصية والصحة الذهنية. الرواقيون الرومان العظام الثلاثة سينيكا و وابكتيوس و ماركوس ارليوس قادوا راديكاليا حياة مختلفة. ابكتيوس كان عبدا، ماركوس ايرليوس كان امبراطور روما . هل هذا يشير الى ان الرواقية هي بالأصل ديمقراطية وعالمية؟ وانها قابلة للتطبيق على أي شخص؟

سيلر: انا أعتقد نعم. نحن نرى نطاقا واسعا من الناس انجذبوا الى افكار الرواقية اليوم. انت سوف ترى الناس في الجيش، في مهن الرعاية، في رياضة النخبة، في الناس المهتمين بالبيئة والاستدامة، في الناس من كل الأعمار والخلفيات الدينية. من غير الواضح ان هناك أي جماعة معينة تروق لها الرواقية اكثر من غيرها. الرواقية هي اولا حول الاهتمام بعقيدتك وأحكامك وتطوير سمات الشخصية التي تمكّنك من ان تعيش حياتك. واذا حصلت على ذلك في مكان ما عندئذ انت ستكون قادرا على التأقلم بفاعلية في أي بيئة. ذلك العمل الداخلي هو الشيء الأعظم أهمية. نحن جميعا مطّلعين على قصص مشاهير هوليود الذين اصبحوا أغنياءً جدا و ذوي شهرة، وأمام هذا، هم حصلوا على كل شيء ومع ذلك هم اصبحوا أسوأ حالا لأنهم لم يمتلكوا سمات الشخصية للانسجام مع كل ذلك. لا يهم البيئة الخارجية كم هي جيدة، انها ليست كافية لتمكّننا من عيش حياة جيدة. لكن سمات الشخصية الصحيحة ستمكننا من النجاة في أصعب المواقف والبيئات.

مور: هل يعتقد الرواقيون مثل ارسطو، ان الناس حيوانات اجتماعية؟

سيلر: نعم، بالضبط. هناك بعض الاختلافات الهامة بين النظام الأخلاقي لارسطو ونظام الرواقيين، لكن هذه المسألة بالتأكيد احدى المسائل التي يتفقان عليها بقوة.

مور: ارسطو يقول ان الخصائص المعرّفة للانسان هي قدرته على التفكير. انه يبدو افتراضا معقولا ، ومن ثم يكون الطريق الى السعادة مرتبط مباشرة بعيش حياة الذهن. الرواقيون يبدو يتفقون ان السعادة تأتي من الداخل. لكن كل من ارسطو والرواقيين يعتقدون ان الناس حيوانات اجتماعية. أليس حياة الذهن تستبعد كثيرا حياتنا كحيوانات اجتماعية؟

سيلر: بالنسبة لارسطو، انا اعتقد هناك شيء من التوتر. وصحيح في نهاية كتابه "اخلاق نيقوماخوس"، هو يحاول الاشتباك مع هذه الافكار المختلفة. في نمط التفكير اللاحق، هذا سُمي عيش حياة نشطة، كمضاد للحياة التأملية والتي ارسطو ذاته كما اظن انجذب اليها كثيرا. انت تصل لإحساس انه كان يحب كثيرا ان يعيش حياة الذهن وغير منهمك في المسؤوليات التي ربما لديه ككائن اجتماعي. لكني لا اظن ان الرواقيين يعتقدون اننا يجب علينا ان نعيش حياة الذهن بنفس الطريقة. الرواقيون اكثر نشاطا وانخراطا. عندما هم يشجعوننا للانتباه للشخصية، هم يقومون بذلك لكي نكون اكثر فاعلية في العالم. اذاً، انت ربما تأخذ بعض الوقت كراحة وتفكر وهكذا، لكن ذلك سيكون فقط لفترة قصيرة لأن الهدف هو ان تذهب نحو الخارج وتمارس دورك كمواطن ضمن جماعة واسعة. انا أظن، ان ارسطو سيكون سعيدا جدا للاختفاء في دير ليُترك وحيدا مع مساعيه الفكرية.

مور: لكن ارسطو لم يعش حياة منعزلة في الماضي مساوية للدراسة او المكتب. انا لا أتصوره جاثيا على ركبتيه في بحيرة ماء يلاحق البعوض او يشرّح جراد البحر او الاخطبوط. لكن هذا بالضبط ما قام به. ألا يجب ان نجد طريقة للحديث عن ارسطو لا تختزله لمجرد شخصية أكاديمية؟

سيلر: نعم، بالضبط. انا أعني هو عالِم بحث خارج في الحقل، غير ملتصق في الدراسة. نحن فعلا نمتلك حكايات ونوادر تقترح انه كان شخصية مولعة بالكتب عندما كان شابا. والعديد من أعماله تبدأ بتاريخ الموضوع. اذاً، هو من الواضح يقوم بذلك النوع من البحث ايضا. لكن هدفه من الدراسة هو العالم من حوله، سواء كان دراسة النجوم او تشريح الحيوانات او النظر للجماعات السياسية او الذهاب الى المسرح ومحاولة فهم كيف تعمل المسرحيات . كل ذلك يستلزم فتح عينيه والنظر الى العالم. هو يريد معرفة ماذا اعتقد أي شخص آخر حول العالم، ومن هنا يأتي ولعه بقراءة الكتب. الكتب تساعده في فهم العالم الواقعي حوله.

مور: نعم أتفق معك. اذاً، ليس من الضروري ان تجذبه الكتب ذاتها وانما الحافز لفهم العالم. وطالما الكتب تساعده في فهم العالم، هو اصبح مولعا بها.

سيلر: بالضبط

مور: هل هو أجرى أي اكتشافات في البايولوجي أثبتت صحتها اليوم؟

سيلر: في كتبه البايولوجية، هو عمل الكثير من التصنيفات – تجميع مختلف الحيوانات الى مختلف الانواع. هذه هي الحشرات، الزواحف، اسماك. وهكذا بالارتكاز على مواصفات مشتركة. بعض هذه التصنيفات جرى استبدالها، لكنها حقا وضعت الاسس للطريقة التي يحاول بها الناس دراسة مختلف انواع الحيوانات. هو حقا اول شخص حاول القيام بذلك.

مور: انت لاحظت في كتابك ان 25% من جميع كتابات ارسطو اختصت بالحيوانات – يحقق فيها، يشرحها، يعمل ملاحظات ومشاهدات. انت تقول ان كتابات ارسطو حول السياسة، ودستوره للاثنيين، له سمة مشابهة لدراساته البايولوجية.

سيلر: في عالم السياسة، او العلوم الاجتماعية، اذا كنت تريد فهم ما هي الجماعة السياسية وكيف تعمل، عليك النظر في أمثلة. ارسطو اتخذ ما نعتقده الان مساعدي باحث، بينما هو وجّه العملية. نحن نفترض احدى الاشياء التي قاموا بها هي جمع نسخ من دساتير مكتوبة لعدة مدن حول المتوسط تمكنوا من وضع يدهم عليها. نحن قيل لنا ان المجموعة التي جمعوها كانت 150 دستورا. لذا، هناك قاعدة لدليلك، ومن ثم انت تبحث عن مواصفات مشتركة. انت ربما تريد تجميعها الى مختلف الانواع. هذه هي الملكيات، الاوليجارتيات، الديموقراطيات. انت ربما تقوم بذلك النوع من التصنيف بنفس الطريقة التي تقوم بها في الحيوانات. ومن ثم، بالارتكاز على معلومات تاريخية حول مختلف هذه المدن، انت ستمتلك احساسا أي منها ازدهر وأي منها لم يزدهر. وانت قد تريد طرح استنتاجات من ذلك. اذاً هو يجلب روح علمية جدا لدراسة السياسة. انها بداية العلوم الاجتماعية.

مور: انت ايضا تلاحظ في كتابك ان ارسطو اعتقد بانه عندما تصبح الدولة كبيرة جدا هناك خوف من ان يصبح المواطنون "مجرد افراد خاضعين لسيطرة حكومة بعيدة". واذا كانت الدولة صغيرة جدا، انت سوف لن تكون قادرا على العمل بشكل جماعي للحصول على سلع اكبر واكثر قيمة. هو فضّل الدولة او الجالية المتوسطة الحجم. هذا جزئيا بسبب اعتقاده ان الفن ازدهر في هكذا بيئة. لماذا اعتقد ارسطو ان الفن كان هاما ولماذا اعتقد انه ازدهر في دولة صغيرة الحجم؟

سيلر: الفعالية الثقافية هي عنوان واسع، تتضمن العلوم، الفلسفة، الفنون الجميلة والادب. ارسطو مقتنع ان هذا هو ما يميز حياة الانسان عن حياة الحيوان. وهكذا، حياة الانسان الغني يجب ان تتضمن تلك الانواع من الاشياء. الادب او الدراما يمكن ان يوحيا لنا بحقائق عن أنفسنا. هذه هي الطرق التي نتعلم بها دروسا هامة جدا حول انفسنا وحول سلوك الانسان وطبيعته بشكل عام. هو ليس ماديا اختزاليا في ذلك المعنى. نحن نتعلم عن علم نفس الانسان عبر دراسة المأساة اليونانية. نحن نرى الطريقة التي يمكن ان تصبح فيها مختلف السلوكيات مدمرة. لذا، هنا يصبح الفن هاما جدا له. لكن ليس أكثر او أقل اهمية من الفلسفة او العلوم.

ولماذا المدينة المتوسطة الحجم؟ حسنا، المدينة المتوسطة الحجم هي أصغر مدينة تكفي بحجمها في تهيئة الانتاج الثقافي. الآن، من الواضح ان الدولة الأكبر حجما مثل الولايات المتحدة يمكنها تهيئة انتاج ثقافي ايضا. لكنها كبيرة جدا لدرجة ان المواطن بالمتوسط لايستطيع الانخراط بفعالية اكبر في السياسة. لم يعد المواطن هو الحيوان الاجتماعي المنخرط بفعالية. انت تريد ان تُبقي الدولة بأصغر ما يمكن لكي يستطيع الناس لعب دور سياسي فعال وايضا كبير بما يكفي للانتاج الثقافي. تلك الطريقة المثالية تكون في مكان ما في الوسط.

مور: أحد الأسباب التي رآها ارسطو، في انتاج مسرحية ثمينة هو بسبب ان المشاهدين كانوا قادرين على التعبير عن عواطفهم في المسرحية بدون ان يتحتم عليهم المشاركة الحقيقية فيها. في هذه الطريقة يمكنك ان تمارس بأمان عواطف عنيفة. هل ترى ذلك صحيحا؟

سيلر: نعم، ارسطو يتحدث عن التنفيس، تحرير عاطفي يمكنك ممارسته عندما تشاهد بعض هذه المسرحيات. هناك احساس نحصل فيه على بعض الفوائد من ذلك. انها تشبه لو كنت تشاهد فيلم رعب في البيت. تتسارع دقات قلبك، تشعر بتوتر، لكنك ليس في أي خطر. لذا، انت تحصل على ذلك التشويق العاطفي ولكن بدون ان تكون تحت التهديد وانه يعطيك تنفيسا عاطفيا في النهاية . هذا يمكن ان يكون مفيدا نفسيا. هناك ايضا احساس انت تمارس فيه عواطف حادة بدون مواجهة تهديد حاد ويمكن ان تكون مفيدة. ومن المفيد ان تتعلم كيف تدير تلك العواطف في الحياة الواقعية عندما لم تكن في المسرح. اخيرا، انت تستطيع ان ترى نتائج اتخاذ الناس لقرارات سيئة وكيف ستصبح حياة الشخص وبسرعة اكثر سوءاً نتيجة لذلك. ذلك يمكن ان يكون انذارا لك بدون ان يتوجب عليك الاشتراك في العملية بنفسك. انت تستطيع ان ترى انك تحتاج ان تكون حذرا بشأن القرارات التي تتخذها لأنه احيانا قد يقود قرار واحد أحمق وبسرعة الى نتائج مدمرة. انه يمكن ان يقدم تحذيرات أخلاقية ثمينة.

مور: كتب ارسطو بان "الشعر أكثر فلسفية وخطورة من التاريخ". لماذا هو اعتقد بذلك؟

سيلر: انه ادّعاء مثير حقا، أليس كذلك؟ انا كنت مندهش به. انا توقعت من ارسطو العالِم والعالِم الاجتماعي ان يرى التاريخ مهم حقا، موضوع ثمين. ولكن في كتابه "فن الشعر" هو يقترح ان الشعر اكثر أهمية. ذلك ربما بسبب هو كان لديه تصوّر فقير للتاريخ. هو يعتقد ان التاريخ اساسا فقط حول تسجيل التواريخ. نحن الان نعتقد ان التاريخ حقل اكاديمي اكثر تعقيدا من ذلك. ولكن بالنسبة لارسطو، عملية جمع المعلومات عن ما حدث ليست ثمينة لأنها تخبرنا فقط عن حقائق معينة. وواحدة من الافكار المركزية في "ميتافيزيقاه" هي ان الحقائق الثمينة ليست حقائق محددة وانما حقائق عالمية. الشعر والدراما ، كما يرى، تعلّمنا حقائق عالمية حول طبيعة الانسان. لذا، انت تشاهد مسرحية حول اوديب او الملك أجاممنون، لكنها في الحقيقة ليست حولهم . انها حول ظروف الانسان. الحقائق العالمية التي تستنتجها من تلك القصص تجعلها ثمينة. انت تستطيع رسم مقارنة هنا مع العلوم ايضا. الملاحظة الفردية ليست بالذات ثمينة وانما القانون العلمي الذي هو عالمي، او على الأقل قابل للتطبيق الواسع، هو معرفة هامة.

مور: دعنا ننهي بعنوان فرعي في كتابك. طبقا لك، ارسطو أعظم فيلسوف عالمي. لكن انت ايضا تدّعي شيء اكبر في مقالة لك نُشرت قبل شهر من نشر كتابك. انت تدّعي ان ارسطو هو أعظم شخص في التاريخ. لماذا انت تعتقد بذلك؟

سيلر: العنوان الفرعي للكتاب "أعظم فيلسوف في العالم" ليس لي. ذلك كان فكرة الناشر. لكني سوف ادافع بسعادة عنها. بالنسبة لعمق افكاره واتساع ونطاق الموضوعات التي كنا نتحدث عنها، هو حقا الأعظم أهمية. انه حول تحقيق مفتوح. هو ليس دوغمائي. هو فقط يريد ان يحاول فهم العالم ونفسه ومكانه فيه. وفي مكان آخر، انا كتبت، ان ارسطو هو في الحقيقة ربما الشخص الوحيد الاكثر اهمية في اي وقت مضى بسبب حجم تأثيره على الثقافة . هو اخترع حقل البايولوجي ووضع اسس للعلوم الطبيعية. هو اخترع بفاعلية العلوم الاجتماعية، المنطق الصوري، النقد الادبي. انت لايمكنك ان تتصور الجامعة الحديثة بدون ارسطو. وعندما تبدأ التفكير في كل الاشياء التي جعلتها تلك الموضوعات ممكنة مثل تطوير لقاحات والحاسوب – والتي تعتمد على أنظمة منطقية صورية – فان امتداد تأثيره سيكون هائلا.

هناك فقط عدد محدود من الناس الذين اثّروا على حياة ملايين الناس عبر القرون ان لم يكن عبر آلاف السنين. انا لا استطيع تصوّر أي شخص ترك تأثيرا اكثر من ارسطو. ولكن أقول لأي شخص يعتقد ان هذا ادّعاء أحمق، انا أسأله: منْ هو مرشحك الأقوى؟

***

حاتم حميد محسن

في 19 شباط الماضي أجرت مجلة كيليت Quillette الاسترالية مقابلة مع جون سيلر المؤلف واستاذ الفلسفة في جامعة لندن حول ارسطو والرواقيين. المحاور هو رايلي مور . بالنظر لأهمية المقابلة سنقوم بعرضها على جزئين:

مور: من الصعب الحديث عن ارسطو بدون مناقشة كل شيء، لأن ارسطو كتب حول كل شيء – الاخلاق، المنطق، بايولوجي، السياسة، الادب، وكل ما قام بتحقيقه. انت ذهبت في هذا بالتفصيل في كتابك الجديد (ارسطو: فهم أعظم فيلسوف في العالم). دعني اتظاهر بأني لم أسمع بارسطو من قبل. منْ كان ارسطو؟ هل كان تلميذا لإفلاطون مثلما كان افلاطون تلميذا لسقراط؟ هل هناك علاقة نسب مباشرة؟

سيلر: نعم هناك. ارسطو في الأصل كان من شمال اليونان. ابوه كان طبيبا و مات عندما كان ارسطو بعمر 10 سنوات. تربّى ارسطو عند عمه الذي كان تلميذا في اكاديمية افلاطون قبل وقت مبكر. عندما بلغ ارسطو سن 17 او 18 ذهب الى أثينا للدراسة في أكاديمية افلاطون وبقي هناك لمدة 20 سنة. افلاطون بالتأكيد كان مرجعية رئيسية. سقراط وافلاطون وارسطو شكّلوا هذا الثلاثي من المفكرين اليونانيين العظام، وكانوا جميعهم منشغلين في أسلافهم. نحن نرى ارسطو يكافح تجاه افكار افلاطون وبالنهاية يحاول الخروج منها لكي يطور افكاره الخاصة. تلك كانت بداية عمل ارسطو المهني.

بعد ذلك، مات افلاطون وانتقلت ادارة الاكاديمية الى ابن اخ افلاطون. ارسطو ادرك ان هناك سببا جيدا للمغادرة. ربما لم تكن العلاقة جيدة بين ابن اخ افلاطون وارسطو، نحن لا نعرف، لكنه اتجه الى مينور الاسيوية وهي ما نسميه الآن تركيا مع عدد من الطلاب الآخرين من الاكاديمية الذين غادروا في نفس الوقت. بعد ذلك انتقل مسافة قصيرة الى ليسبوس التي هي أقرب جزيرة يونانية، وبدأ دراسة العالم الطبيعي. بالذات، هو درس علم الأحياء البحرية . قام بهذا لعدة سنوات ومن ثم دُعي للعودة شمالا لمدينته من قبل الملك فيليب من مقدونيا ليعلّم الابن الشاب فيليب الاسكندر الذي استمر ليصبح الاسكندر الاكبر. كان ابو ارسطو الطبيب فيزيائيا في مقدونيا. لذا، ربما كان هناك ارتباط عائلي.

ازداد الاسكندر نضجا بعد عدة سنوات من الدراسة مع ارسطو وبدأ مغامرته الكبرى في الشرق الاوسط والى الهند. فيليب مقدونيا قُتل في نفس الوقت، وارسطو كونه ضيف فيليب مقدونيا أدرك عدم وجود بيئة آمنة لذا هو عاد الى اثينا وبدأ مدرسته الخاصة (ليكيوم)، كبديل للاكاديمية. هو أمضى السنوات الاخيرة من حياته بشكل رئيسي في اثينا. لذا، هناك فترة مبكرة كبيرة في اثينا وفترة لاحقة فيها . هناك فاصل زمني قصير حينما كان يسافر الى ليسبوس ومقدونيا.

مور: يُعتقد ان موت افلاطون شجع ارسطو على مغادرة اثينا عندما لم يرث الاكاديمية. موت فيليب مقدونيا شجع ارسطو للعودة الى اثينا. هذان الحدثان للموت لهما تأثير قوي على حياته.

سيلر: نعم، ذلك صحيح. بالطبع، عندما يأتي ارسطو الى اثينا هو خارجي. هو ليس مواطن اثيني. هذا ربما لعب دورا في القصة. كونه غير اثني، هو لم يكن مؤهلا للملكية الخاصة. اذا كان خليفة الاكاديمية يستلزم نقل الملكية، ذلك يعني ان ارسطو لم يكن خليفة معقول لأنه لم يستطع امتلاك أي شيء. هو خارجي وذو اسلوب حياة عابر. ولكن في نفس الوقت، ربما كان ابوه في محكمة مقدونيا. من الواضح ارسطو حصل على دخل خاص كافي ليخصصه لمتابعة حياته الفكرية . هو كان يتحرك في حلقات راقية جدا. ولكن في نفس الوقت، هو ليس لديه الاستقرار الاجتماعي والأمان الذي يريده المرء.

مور: هل تستطيع رسم ارضية او خارطة بأعمال ارسطو؟

سيلر: انها تغطي تقريبا كل شيء. تغطي كل شيء نفكر به كفلسفة اليوم. الميتافيزيقا، ابستيمولوجي، الاخلاق، الجماليات، الفلسفة السياسية، المنطق. كل الاشياء التي نفكر بها كجزء من الفلسفة، هو فعل كل ذلك. لكنه ايضا منخرط في سلسلة من المساعي الفكرية الواسعة التي اصبحت الان حقول بذاتها. هناك احساس انه أسّس حقا حقل البايولوجي. لا احد قبله قام بذلك النوع من العمل بعناية وبقرب في دراسة انواع المخلوقات.

هو بدأ بالميتافيزيقا عندما كان في اكاديمية افلاطون – وهي المادة الأكثر تجريدا وتعقيدا. ومن ثم انتقل لدراسة الطبيعة. هناك منْ يرى ان وقته اللاحق مع فيليب مقدونيا والاسكندر شجعه ليصبح اكثر اهتماما بالأسئلة السياسية. هو أمضى وقته يدرس الادب، متأملا في تراجيديا اليونان، يفكر حول ما الذي يجعل الفن عملا جيدا . من جهة، نحن قد نعتقد ان ارسطو كعالم باحث لكن هذه الايام نحن لا نتصور ان عالِم البحث ايضا مهتم باسئلة النظرية الادبية. لكن ارسطو قام بكلاهما. في عالمنا اليوم المفرط في التخصص، ذلك نادرا ما يحدث.

مور: هل تستطيع تعريف "الميتافيزيقا" بشكل أوسع؟ ماذا تعني لارسطو؟

سيلر: "الميتافيزيقا" كلمة حديثة. هي ليست تلك التي عرفها ارسطو ذاته. طبقا لـ قصة معينة – والبعض قد يعارض القصة – ان ملاحظات محاضرات ارسطو قد ضاعت بعد وقت قصير من وفاته. احد تلامذته ورثها. لكن الملاحظات تم تجاهلها لقرن او قرنين ومن ثم اعيد اكتشافها وروجعت. سلسلة من الاعمال حول العالم الطبيعي جرى تجميعها الى بعضها واعطيت عنوان فيزياء. وسلسلة من اعمال اخرى جرى تجميعها وسميت ميتافيزيقا، وتعني "بعد الفيزياء". لذا، الكلمة لا تشير لشيء وراء العالم المادي او فوق الطبيعة او اي شيء من هذا القبيل. انها فقط العمل الذي يأتي بعد الفيزياء. ارسطو أطلق على محتوى تلك الاعمال اسم "الفلسفة الاولى" – الاسئلة الاساسية التي تتعامل مع الحقائق الاساسية حول طبيعة ما موجود. لذا، اذا كنا نسأل حول طبيعة الوجود، نحن نسأل السؤال الاكثر جوهرية لأنه ينطبق على كل شيء. بعد ذلك نحن نستطيع ان نسأل سؤالا مثل "ما هو الكائن الحي؟" لكن هذا سؤال ضيق لأنه لا ينطبق على كل شيء، هو فقط صنف فرعي.

مور: ارسطو غاص في العديد من المواضيع لدرجة اُعتبر في العصور الوسطى كـ "الفيلسوف". في الكوميديا الالهية، دانتي أطلق على ارسطو اسم "سيد العارفين" لكن انت تجادل ان هذا الاتجاه لارسطو هو ضد الارسطية. لماذا؟

سيلر: ارجع الى اعمال ارسطو وانظر في ما كان يعمل. حقا هو كان يحاول فهم العالم الذي حوله ويطرح بعض الاجوبة المعقولة لأسئلة. لكنه واضح جدا في اعماله المنهجية لدرجة ان الاجوبة التي كان يعطيها مؤقتة فقط، وان أحسن التوضيحات التي يستطيع تقديمها هي حول اساس الدليل الذي حصل عليه . في احدى اعماله البايولوجية، هو يقول هذا بصراحة – الدليل يجب دائما ان يتفوق. لذا، عندما يأتي دليل جديد للضوء، بالطبع، النظرية يجب تبنّيها. هو واضح جدا بان لا شيء من نظرياته يجب التعامل معها كحقائق دوغمائية. هو سيُصاب بالفزع لو وجد في الاجيال اللاحقة جرى التعامل مع نظرياته بتلك الطريقة بدلا من فرضية تناسب الدليل بشكل أفضل وانها مفتوحة دائما للمراجعة.

مور: هل عارض ارسطو من حيث المبدأ شخصية سلطوية في الفلسفة؟

نعم بالضبط. بالنسبة له، الشخصية السلطوية كانت معلمه، افلاطون. والكثير من فلسفته تحاول الهروب بعيدا عن فلسفة افلاطون ليطور جوابه الخاص به. هناك مقطع شهير جدا في احد كتبه يقول فيه نحن مدينون بالتزامنا لأصدقائنا، لكننا مدينون بالتزام اكثر للحقيقة. نحن يجب ان نتجنب أي سلطة تقف في طريق سعينا للحقيقة.

مور: ارسطو يرغب ان يتجه الناس نحوه مثلما اتجه هو نحو افلاطون.

سيلر: نعم. هذه أفضل طريقة للتفكير حوله.

مور: انت تدّعي في كتابك ان تأثير ارسطو كان سائدا في كل مكان لدرجة لايمكن تمييزه . كيف يمكن تصوّر الصورة الحقيقية لارسطو؟

سيلر: انا اعتقد يمكننا التمييز بين ارسطي دوغمائي ملتزم حرفيا بما يقوله ارسطو، ونوع مختلف من ارسطي ملتزم بروح ما يعمله ارسطو. انه قليل حول العقائد والكثير حول الطريقة. انا اعتقد نحن نستطيع ان نكون ارسطيين بذلك المعنى في كوننا ملتزمين بطريقته واتجاهه بدلا من استنتاجاته. معظم العلماء الحديثين هم ارسطيون بذلك المعنى لأنهم يتبعون فكره. نحن نعيش في عالم تكوّن بفعل افكار ارسطية، سواء أحببناه ام لا. الأسس التي خلقها في البايولوجي والمنطق والنقد الادبي وكل تلك الاشياء التي صاغت العالم الحديث بطرق لا نتوقعها. فمثلا، كتابه، (فن الشعر)، الذي يحلل فيه المأساة اليونانية يطرح سلسلة كاملة من القواعد التي تصنع قصة جيدة حقا و رواية جيدة . كتّاب هوليود لايزالون يدرسون هذا بإحكام لكي يكتبون افلاما.

مور: اذاً، عندما تتفق مع ارسطو، انت ارسطي. لكن عندما لا تتفق معه، انت لاتزال ارسطيا. انها تعتمد على اتجاهك في عدم الاتفاق معه. هل هذا صحيح؟

سيلر: اعتقد كذلك.

مور: هل هذا يشير، الى انه عبر جميع موضوعات ارسطو هناك فكرة او مبدأ اساسي؟ هل اتجاهه في البايولوجي مشابه لإتجاهه عندما يريد تعريف ما يميز الانسان؟

سيلر: هناك بعض الافكار المرشدة تربط كل ذلك مجتمعا، وهناك افكار صاغها اول مرة عندما كان يدرس البايولوجي والتي طبقها فيما بعد في مجالات اخرى. دعنا نتصور انك على الساحل مع ارسطو، وانك تشرّح سمكة وتحاول التفكير كيف تعمل السمكة وماذا تعمل مختلف الاعضاء فيها. هو سيقول لو انت تدرس الكائنات تلك، انت تستطيع النظر لكل الاجزاء المختلفة من مادة رخوة وتصفها لترى مما صُنعت وكم هو حجمها . لكنك سوف لن تفهم حقا ما يجري داخل هذا النوع ما لم تعرف الغاية من كل شيء. العين للرؤية، مثلا. كل الاجزاء الصغيرة المختلفة للنوع تخدم وظيفة. تلك الفكرة أعاد تطبيقها ارسطو في ميادين اخرى.

وهو يتأمل حول الكائن البشري، سيسأل: ما هو الهدف من الانسان؟ ما الغاية من الناس؟ هل ذلك السؤال له معنى عند التفكير حول الكائن البشري ككل، بالضد مما لو قلنا فقط عين او قلب او أي عنصر اخر؟ وكذلك الجماعات السياسية ومختلف طبقات الناس ضمنها ومختلف الوظائف التي يؤدونها لكي يجعلوا المجتمع يعمل – ما الغاية منها؟ ما هو دورها وما وظائفها. تلك الغائية هي الفكرة الجوهرية. في فن الشعر، هو يقول: تصوّر انك تشاهد لعبة او فيلم وتأتي شخصية الى القصة في نقطة معينة ومن ثم تختفي. الان، انت سوف تتوقع بان الشخصية تعود في نقطة ما في المستقبل وتخدم هدفا مفيدا، لأنه بدون ذلك، لماذا هي كانت هناك في البداية؟ لكن السؤال الذي سوف تطرحه انت هو: ما الغاية التي لأجلها؟ انها مثل بندقية شيكوف. اذا أدخلت البندقية في اللعبة، انت تتوقع ان تطلق النار في نقطة ما. والا، ماذا تعمل هناك؟

مور: سؤال ارسطو الاساسي هو: ما الذي يجعل الانسان انسانا؟ كيف سيجيب على هذا؟

سيلر: هو سوف يبحث عن مواصفات مميزة. ما الذي يفصل هذه الحيوانات عن الحيوانات الاخرى؟ الاول هو العقلانية. الناس هم ايضا حيوانات اجتماعية. هناك الكثير من الحيوانات الاجتماعية الاخرى بالطبع، لكن الانسان هو بالتاكيد واحد من الحيوانات الاجتماعية. اذا، نحن الحيوان الاجتماعي العقلاني.

مور: اذاً، ارسطو يعتقد ان الانسان هو حيوان اجتماعي، لكن طاقتنا للتفكير هي التي تحدد حقا ماهية الانسان. ارسطو ايضا يكتب كثير عن "الروح". ماذا يعني بها؟

***

يتبع: 

حميد حاتم محسن

- كلّ شِعر إنساني هو شعر إسلامي

- القرآن الكريم هو سجلّ الوجود وسبيل الخلود

- لا أرى أبدا توظيف ألفاظ الحبّ الإنساني في مناجاة الله تعالى

- دراسة الأدب العربي في الجامعة ليست شرطا لازما لكلّ أديب

- ثمّة فرق كبير بين الكتابة للأطفال والكتابة عن الأطفال

***

طبيب وشاعر إسلامي، جعل كتابَ الله قِبلته في الأدب فلُقّب بشاعر الإيمان. وُلد في مدينة حمص السورية عام 1961م، وتخرّج في كلية الطب جامعة دمشق عام 1985، ثم تخصص في المختبرات والتحاليل الطبية. ولشغفه بالأدب؛ التحق بجامعة حلب، ودرس الأدب العربي في سابقة قلّ أن يفعلها طبيب أديب. ومن بين ضروب الأدب المتشعّبة، وجد نفسَه في عروس البيان وكعبة اللغة، الشِّعر، فامتطى هدْأة الليل حين يصمت الكون ويصفو الذهن وينشط الخيال، مستحضرا صدق الإحساس وعمق الشعور، ومستعينا بثقافة اجتناها من سعة الاطلاع وبتجارب خاضها في دروب الحياة طولا وعرضا، وعلى أثر ذلك كلّه نظم من الدواوين الكثير، طائفا بالحبّ والجمال والمرأة والقيم الروحية والأخلاق الإسلامية. وبينما اتخذ من شاعر الرسول (حسان بن ثابت) مثله الأعلى في الشِّعر، فإن أديب العربية مصطفى صادق الرافعي هو المتربّع على عرش أستاذيّته في النثر الفنّي. وكما نظَم للكبار وأجاد، فقد نظم للأطفال والفتيان، بحسبانهم نصف الحاضر وكلّ المستقبل، وبوصفهم الحصان الرابح في حلبة أيّـة أمّـة تطمح لبناء حضاري. وبكل الودّ تلقّى أسئلة الحوار عن بُعد، وها هنا أجاب بكلمات قطّرها على أساليب الحكماء فجاءت موجَزة على طريقة: ما قلّ ودلّ..

= ما جوابكم على من يتّهم الشعراء الإسلاميين بقصر الباع في الإبداع، ويدلّل على ذلك بأنهم يقتصرون في شِعرهم على غرض واحد دون بقية أغراض الشِّعر المتشعّبة؟

- الأمداء فسيحة أمام الأقلام المؤمنة الجميلة، سواء في حقل الشعر أو النثر الفني، وكل شعر إنساني هو شعر إسلامي؛ فالشعر الإسلامي لا يقتصر على الوعظ، بل ثمة أغراض عديدة مثل :

- الحبّ في مناجاة الله تعالى، وفي البوح عن محبّة الرسول الخاتم صلّى الله عليه وسلم.

- وكذا الحب الإنساني النظيف، ومحبة الأبناء، ومحبة الوطن، وشِعر الأخوّة.

- وكذا الإبداع في الشعر التأمّلي الفلسفي، سواء في آفاق الكون أو في أعماق النفس.

- وكذا الإبداع في شعر الطفولة.

= إذا كانت ملَكة البيان ممّا يُعلَّم بقراءة القرآن والحديث وآداب العرب، فكيف يكتسب المرء قوّة التصوّر اللازمة للإبداع الأدبي؟

- مِن شروط الإبداع الشعري أن يمتلك الشاعر قوة التصوّر، وتأتي من التأمّل الواعي لآفاق الكون وأعماق النفس. ومِن قراءة التاريخ والحضارات الإنسانية، وقراءة أشعار وآداب المتميزين سواء من العرب أو من باقي الشعوب.

= وصفْتم "جمال القرآن" شعرا، فبم تصفونه نثرا؟

- القرآن الكريم هو سجلّ الوجود، وسبيل الخلود ..وهو رسالة الله الأخيرة إلى الإنسان الظامئ إلى الهداية والنور. اختار الله تعالى سيّدة اللغات لتكون آنية هذا الكتاب المبين، الذي أعجز بجلاله البلغاء، وأدهش بجماله الفصحاء .

= إذا قلنا: "إنّ لكلّ ذي قلم، أديبا شُغف به فكرا وتَعلّق به روحا حتى ملأ عليه أقطاره"، فمَن يكون أديبك وصاحب حظْوتك؟

- الأستاذ مصطفى صادق الرافعي؛ إمام الأدب، وحجّة العرب، وسيّد بلغاء العصر، ونديم الجمال، وساقي البيان، وفيلسوف الفكر والمعاني، رحمه الله تعالى، ورفع درجته في الفردوس الأعلى من الجنة. فالرافعي هو عندي القلم الإمام!

= ما الإضافة النوعية التي أضافتْها دراسةُ الأدب لكم، وهل ينبغي لكل أديب أن يحذو حذوك في الالتحاق بمعاهد الأدب وكلّياته؟

- أفدتُ من دراسة الأدب في سدّ الثغرات المعرفية والأدبية، وخاصة في علوم النحو واللغة. ودراسة الأدب العربي في الجامعة ليست شرطا لازما لكل أديب، فكثير من كبار الأدباء والشعراء لم يدرسوا الأدب في الجامعة.

= كيف ترى تحفُّظ البعض تجاه مناجاة الربّ سبحانه بأشعار فيها ألفاظ الحبّ والعشق ممّا يتداوله الناس فيما بينهم؟

- ثمّة ضوابط في مناجاة الله تعالى، وأهمها التأدب في الألفاظ. فلا يخاطَب الله جلّ وعزّ إلّا بما شرع، واللفظة المختارة للحب هي الحب: (يحبّهم ويحبّونه) . فلا أرى أبدا توظيف ألفاظ الحب الإنساني في مناجاة الله تعالى، من مثل لفظة "العشق" وأمثالها.

= في ضوء ما نظمتم للطفل من دواوين، كيف هي الصورة الشعرية الأقْرب لنفسه والأفْيد لصياغة وجدانه؟

- أدب الأطفال ليس أدبا سهلا، فثمّة فرق كبير بين الكتابة للأطفال والكتابة عن الأطفال. ولا بد من انتقاء المفردات المناسبة للطفل، وكذا الصور التي تنتمي إلى عالمه الملوَّن الصغير.

= أين نجد بذور وجذور هذا الفيض الروحي الذي يسطع في سماء قصيدكم؟

- أمضيت طفولتي في بادية العرب، قرب تدمر، حيث الصحراء آفاق وأمداء، وصفاء واتصال بالسماء. وقد انعكس تأمّل هذا الجمال المؤمن الأخّاذ على قلمي ونتاجي الأدبي. لكن الدور الأهم آت من التربية الإيمانية، والقدوة الوالدية، رحم الله آباءنا وأمّهاتنا أجمعين ..

= هل وراء اختياركم للتخصّص الطبي في التحاليل والمختبَرات مغزى من حيث إيجاد فرجة للأدب؟

- منحني تخصّصي في التحليل المخبري فرصة كبيرة لضبط الوقت وترتيبه؛ فهو من (الاختصاصات تحت السريرية) والاحتكاك بالمرضى يبقى في حدود قطف عيّنات الدم عند الصباح .

= من وحي ديوانكم (لكم يغنّي الربيع)، متى يغنّي الربيع لسوريا الكَسيفة؟

- سيعود بعون الله تعالى الأمان والسلام إلى بلدي الحبيبة سورية، وما ذلك على الله بعزيز.

الشام تدري لن يفرّج كربها   والله، إلّا الواحد القهّار

= ما الذي وددْتَ قوله بين سطور كتابك (ربحْت محمّدًا ولم أخسر المسيح)؟

- إن الإسلام هو دين الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام. وإن رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم، هو أولى الناس بالمسيح ابن مريم. وإن المسيحي الذي يدخل إلى عالم النبي، فيحبه ويؤمن برسالته، لن يخسر محبته للسيد المسيح، بل سيحبه أكثر..صلاة ربي وسلامه عليهما .

= إذا اتفقنا على أن اللغة وطن الأديب، والفصحى جواز سفره.. فكيف تنظر إلى ما يُسمّى بالشِّعر العامي؟

- الشّعر العامي سفر بغير زاد ولا راحلة إلى غير وطن، ولن يُكتب له الخلود.

***

د. منير لطفي

أُجري الحوار في 5 مارس 2023م

كركوك وجماعتها الادبية في قبان الزمن

الاديب فاروق مصطفى المولود في العام ١٩٤٦ نشأ وترعرع في (جرت ميدان) وهي احدى محلات كركوك الشعبية، ودرس في مدارسها، ثم نال البلكلوريوس من قسم اللغة العربية بكلية الاداب بجامعة بغداد، غني عن التعريف فهو من اعمدة كركوك الثقافية وله حضور مهم في الفعاليات الادبية سواء في بغداد اوالمحافظات، وتُدرج كتاباته عن مدينته التي عشقها ضمن اروع ما كتب في ادب المكان.

ولا يختلف إثنان على انه ليس هناك من له حق الكلام عن كركوك وجماعتها الأدبية من منظور ادبي وفكري اكثر من الاديب فاروق مصطفى.. لقد صادق اقطابها، وصاحبهم في بدايات ظهورهم، وعقد معهم صلات وشيجة، حضر اجتماعاتهم وجلساتهم، بل وتواصل معهم وتفاعل مع ابداعاتهم حتى وهم في الشتات والمهجر ايضا.

عن كركوك العريقة التي سحرته، وعن جماعتها الادبية التي اضاءت المشهد الثقافي العراقي ردحا طويلا من الزمن ولا تزال، أجريت هذا الحوار مع الاديب الكركوكي البارز فاروق مصطفي.3127 فاروق مصطفى

* حالما يرد اسمك تقفز الى الذهن صلتك الحميمة مع كركوك وجماعتها الادبية.. من هم.. وكيف نشا هذا الهوس.. ومتى بدأ.؟

** تعود معرفتي بالاصدقاء الذين عرفوا فيما بعد ب (جماعة كركوك) الى العام ١٩٦٤، واول شخص تعرفت عليه هو (جان دمو) وهوا الذي قادني الى جليل القيسي ويوسف الحيدري حيث تعرفت عليهما في مقهى النصر، ويُعرف اليوم ب (المدورة) ثم جاء مؤيد الراوي وسركون بولص وصلاح فائق. اما انور الغساني فكنت اعرفه من قبل لانه درسني مادة التربية الفنية في المتوسطة الشرقية. الاب يوسف سعيد كان قيما على رعوية كنيسة تشرف على ساحة العمال. قحطان الهرمزي كان مبعدا الى البصرة. فاضل العزاوي كان ببغداد يعمل في صحافتها ويكمل دراسته بعد ان اطلق سراحه من السجن، جالسته كثيرا في مقهى البرلمان ومقهى ابراهيم ببغداد. زهدي الداوودي لم اعرفه في هذه الفترة لقد كان موقوفا ثم غادر العراق بعد ان اطلق سراحه لكنني تعرفت عليه في جامعة الموصل عام ١٩٧٨. كل هؤلاء الاصدقاء كانوا رائعين وملتحمين بالثقافة العراقية والعربية والعالمية. فالتحمت بجلساتهم وقراءاتهم وجدالاتهم ومع معظمهم تمتنت صداقتي والصداقة هي العلامة المميزة التي وسمت هذه الجماعة واستمريت معهم بالرغم من تشتتهم في اصقاع المعمورة. وصداقتي مع صلاح فائق لا تزال متينة حتى اليوم.

* يتبوأ المكان جزءا مهما في النسيج القصصي والروائي وقد تحول الى عنصر جذب واستقطاب.. كركوك كمدينة حضارية سرمدية حولتها أنت في كتاباتك من مكان إلى معشوقة ! كيف اينع هذا البرعم بداخلك وصار شجرة حب وارفة؟

** عندما تفتح وعيي على المدينة وبدات أعي ما تحيطني كانت كركوك بمثابة حدائق وبساتين واشجار الكالبتوس تظلل العديد من شوارعها، والكهاريز المتدفقة تقطعها من الشمال الى الجنوب، ولا اخفيك عن صالات سينماتها الصيفية تلك النوافذ المضيئة في اسمار لياليها وومقاهيها هي الاخرى عامرة بجلاسها وسمارها وما زلت اذكر كيف كانت لدينا مكتبات تتعاطى بيع الصحف والمجلات الاجنبية. وكركوك مدينة من الشعر قلعتها ونهرها الاسطوري المتدفق شتاءً والمنزوي الى هدوئه صيفا، هذه المشاهد التي انتشيت بها في صباي وشبابي المبكر صرت في كهولتي افتقدها وافتقد هارمونيتها فغدوت اعيشها في كتاباتي واحاول ان أعيد إليها الازهرار بعد ان شاخت واهملت وانطفأت ودبّ الاهمال في شراينها فصرت اعيش كركوكي التي استوطنت ذاكرتي وإنقلبت الى بيوت من الاحلام.

* احد الروائيين العرب قال ان خصائص المكان في الابداع السردي العربي لا يزال غائبا عن الدراسات الادبية مقارنة بالكم الكبير منها في الأدب الأجنبي.. هل تقر هذا الطرح ، وبمعنى أخرهل تصدى النقاد للإنتاج الابداعي الذي وثق المدينة، لك أولمعاصريك من جماعة كركوك مثلا؟

** هناك مدن اقترنت باسماء الروائيين والقصاصين الذين وظفوها في منجزاتهم السردية فإسم نجيب محفوظ اقترن بالقاهرة، والاسكندرية بابراهيم عبدالمجيد والبصرة بمحمد خضير وطنجة بمحمد شكري. وأظن أن غواية الامكنة راجت كثيرا في السردية العربية والعديد من النقاد تصدوا لهذه الظاهرة ، وانا لا استطيع في هذه العجالة ان اؤشر اسماء النقاد الذين انبروا لهذا الموضوع ولكن انا من ناحيتي كثيرا ما درست وكتبت عن كركوك في قصص جليل القيسي وثمة كتاب للدكتور نوزاد احمد اسود يحمل عنوان (المدينة في قصص جليل القيسي) ، والكثير من الدراسات كتبت عن المكان في منجزي، اذكر على سبيل المثال ما كتبه الدكتور يوخنه مرزا الخامس، الدكتور فاضل التميمي، الدكتورة سلوى النجار، الاديب نصرت مردان، الناقد عدنان ابو اندلس. وعشرات غيرها من الدراسات تصدت الى هذه الظاهرة ايضا.

* بالعودة الى جماعة كركوك الأدبية يرى البعض أن اقطابها وخلال وجودهم في كركوك وبغداد ستينيات القرن الماضي كانوا أكثرحضورا وتأثيرا على مسار الأدب العراقي الحديث مما اصبحوا عليه وهم في دول الشتات. اذا كان هذا الطرح صائبا فكيف تفسر موقفهم من مدينتهم بل وطنهم أيضا وهم في سعير الغربة؟

** علينا ألا ننسى بان الصحب في جماعة كركوك ابان الستينات كانوا في اول شبابهم ممتلئين حماسا وعنفوانا ووإقداما وجرأة في اقتحام سوح الادب فجربوا كتابة قصص مغايرة للمالوف وكتبوا قصائد جديدة بنكهة غير معروفة وتقانات مستحدثة لم يعهدها المشهد الثقافي، وكذلك ألا ننسى بان معظمهم كانوا يتقنون اللغة الانكليزية فقرؤا ادابها وتأثروا بها وترجموا منها، وباستثناء جليل القيسي الذي آثر البقاء في كركوك وقحطان الهرمزي الذي انفصل عن الجماعة في ذروة صراع اليسار واليمين في العراق. خرج الصحب الى ارجاء المعمورة وتشتتوا في بلاد الله البعيدة فتوالت كتبهم السردية والشعرية ولم يتوقفوا عن الكتابة والابداع في اجناسها المختلفة. والى اليوم فإن عطاء فاضل العزاوي مستمر من مستقره في برلين وصلاح فائق غزير الانتاج يتواصل كل يوم في نشر قصائده على صفحته الشخصية في العالم الافتراضي بخياله الجامح وذاكرته الممراعة. عندما غادر الصحب كركوك حملوها معهم وفهرسوها في دفاتر قلوبهم وبقيت تتمرأى في كتاباتهم بقلعتها ونهرها وجسورها وخاناتها وناسها الطيبين واظن العراق نفسه ظل شاخصا في ادبهم يتألمون للمحن التي يمر فيها ويسعدون اذا ما ذاق الراحة وانتشى بها وظلوا يحلمون به وبزيارته متى سنحت الفرصة لهم كما زار صلاح فائق كركوك في العام ٢٠٠٣.

* رغم ان تاريخ كركوك يعود الى اكثرمن سبعة الاف عام وشهدت عصورا من الحضارات الا انها لا تزال تفتقر الى اية مقومات ثقافية َ توفر بيئة َللابداع الفكري او الفني، ومع ذلك فهي مدينة ولودة رفدت المشهد الادبي والفني وكذلك الرياضي باسماء مميزة.. اليست هذه السمة تشكل مفارقة حقا.؟

** الانسان لا يعرف متى يجود الزمان باعطياته وربما كانت من باب الصدف الماتعة ان يجتمع اولئك الناشئة في اعدادية كركوك اواخر الخمسينات وبدواميها الصباحي والمسائي ويتعارفوا ويتبادلوا النشرات الجدارية، واعني فاضل العزاوي ويوسف الحيدري وقحطان الهرمزي ومؤيد الراوي، ومن هذه اللحمة انبجست تلك الصداقة الملتحمة بينهم واستمرت بالرغم من تشتتهم في ارجاء المعمورة فكان انور الغساني وسركون بولص يزوران مؤيد الراوي في برلين دائما، والاب يوسف سعيد استقر في السويد ولكن لقاءاته بصحبه القدامى لم تنقطع والذي خدم جماعة كركوك التطورات الادبية التي شهدها العقد الستيني وصعود التيارين اليساري والوجودي وكثرة الترجمات من الادب الروسي والفرنسي والانكليزي والامريكي ، واهم دالتين في حياة هذه المجموعة الصداقة المتينة التي ربطتهم وكذلك كانوا دائما يجدون الوقت للاصغاء الى كتابات بعضهم البعض، والاجمل تجمعاتنا الليلية في كركوك قبل التشتت والخروج منها والقراءات التي كانت تستمر الى ساعات متاخرة من الليل.

* اعمدة جماعة كركوك الادبية.. زهدي الداوودي رحل عن عالمنا في المانيا. فاضل العزاوي مقيم في المانيا أيضا صلاح فائق سعيد في الفلبين سركون بولص رحل وهو في امريكا جان دمو في استراليا وأنور الغساني في كوستاريكا.. في رأيك هل ادى هذا التشتت في اقطار المعمورة الى إنهاء ودور الجماعة في مسار الادب العراقي الحديث.؟

** بقي صلاح فائق في الفلبين عشرين عاما. في الوقت الحاضر يقيم في بريطانيا في بلدة تبعد عن لندن حوالي الساعة. سركون بولص توفي في برلين الا ان جثمانه دفن في سان فرانسيسكو وهكذا مع بقية الصحب، الاب يوسف سعيد توفي في السويد، وأنور الغساني في كوستاريكا ولم يبق من الجماعة الا اثنان، صلاح فائق وفاضل العزاوي - طول العمر لهما - وهذا الاخير ترجمت اعماله الى الانكليزية والالمانية وغيرها من اللغات الحية، وروايته (اخر الملائكة) ذاعت شهرتها حتى ان (كولن ولسن) كتب عنها. صلاح وفاضل مازالا متواصلين في عالم الكتابة والابداع. صلاح فائق غزير الانتاج، شعره يستقي موضوعاته من وقائعه اليومية المعاشة ترفدها ذاكرته الممراعة وخياله المخصاب. فاضل العزاوي جاب ميادين الابداع كلها من شعر وقص ورواية ونقد وترجمة وقد بزّ في جميعها وفي اخر المطاف المنجز الادبي للجماعة يشهد على توهجهم وتميزهم ومازالت الاطاريح الجامعية تكتب عنهم والنماذج التي تركوها في مضمار قصيدة النثر وفن القصة القصيرة وترجماتهم ما فتئت تاخذ باهتمام النقاد والدارسين وبعد ذلك الزمن هو الذي سيغربل كل شيء ولا يبقى الا الجميل الحسن البناء يقاوم معاول النسيان.

* هل تتوقع بأن البيئة الثقافية في كركوك الآن قادرة على انتاج جماعة فكرية او فنية جديدة تعزز التراث الحضاري للمدينة اسوة بجماعة كركوك الادبية.؟

** تحدث الاديب الراحل وحيد الدين بهاء الدين ان كركوك عرفت جماعات ادبية عدة، وأطلق الدكتور عبدالله ابراهيم على نفسه وأصدقائه من الادباء الذين برزوا بعد منتصف العقد السبعيني بانهم (جماعة كركوك الثانية) الا ان شهرتهم لم تبلغ شهرة الجماعة الاولى وهناك من تحدث عن جماعة كركوك الثالثة عرفتهم تسعينات القرن المرتحل وهكذا كما ترى كركوك مدينة ولادة لا تتعب من انجاب ابنائها المبدعين وحاليا في كركوك العديد من المنشئين والمنشئات يتعاطون ويتعاطين امور الكتابة اذا طوروا ادواتهم الفنية وصقلوها ربما تفوقوا وبلغوا القمة التي يطمحون الوصول إليها، ولا اظن في الوقت الحاضر البيئات صالحة لإنضاج الجماعات الادبية والفنية كما عرفتها العقود السابقة. تغير الزمن وتغيرت الظروف وظهرت معها سمات وعلامات غير التي كانت موجودة في السابق.

* اذا مُنحت فسحة حديث قصير نختم به هذا الحوار. فماذا تقول؟

** في البدء شكري الموصول لكم على هذه المحاورة والاسئلة الرصينة التي طرحت من قبلكم. اتمنى العناية بتراث جماعة كركوك وبالاخص انشاء قسم في المكتبة المركزية في كركوك يعنى بامور هذه الجماعة ويضم كتبهم ورسائلهم وصورهم ومصادر الدراسة عنهم وكل ما يتعلق بهم ، واذا استحال ذلك في المكتبة المركزية فلدينا جامعة كركوك وقسما اللغة العربية في كليتي التربية والآداب للعناية بتراث الجماعة ، هذا التراث الذي اوصل إسم كركوك الى أبعد اصقاع المعمورة.

***

حاوره: محمد حسين الداغستاني - كركوك 

 حب الوطن يقتل المرء 

مثلما يقتله السيف 

مثلما يقتله السرطان 

مثلما يقتله الكوليرا*

* * *  

الشاعر لطيف هلمت

طيف القلب النابض بين هموم الناس والمسارات السياسية 

* * * 

يعتبر الشاعر لطيف هلمت احد الشعراء الكورد المحدثين والأكثر غزارة وتنوعا واصالة في الإنتاج الادبي والإبداعي. الشاعر من مدينة كركوك والتي تعتبر عراقا مصغرا وتعددي الانتماءات والعقائد. قدمت المدينة كوكبة من الادباء اغنوا الادب العراقي والانساني بنصوص خالدة امثال: 

مؤيد الراوي، زهدي الداوودي، صلاح فائق، الاب يوسف سعيد محي الدين زنكنه، يوسف الحيدري، سركون بولص، جليل قيسي، قحطان الهرمزي، عبد اللطيف بندر اوغلو، فاضل العزاوي، جان دمو، انور الغساني، عبد الله ابراهيم، هشام قيسي، إسماعيل ابراهيم، عواد علي، حمزة حمامجي، خاجيك كرابيت آيدنجيان، نصرت مردان،.. .. .وعشرات الاخرون اعتذر منهم جميعا، لا مجال هنا لذكرهم جميعا. مما أضفى طعما خاصا على الإنتاج الإبداعي لأدبائها. 

ألتقي اليوم بقامة ادبية وعبر صفحات الشبكة العنكبوتية " الانترنت" وكنت قد كتبت له قبل سنوات عن رغبتي لاجراء حوار معه. اليوم مشكورا ارسل لي اجوبة تلك الاسئلة. لنتحاور حول هموم المبدعين والأدب بصورة عامة وبصورة خاصة هموم الاديب الكوردستاني. ومسار الادبي للشاعر والحياة الأدبية عامة. 

في هذا سفر يأخذنا أديبنا الجليل في رحلة عبر تاريخ الأدب لنكتشف من خلاله معاناة الكاتب المبدع ومخاض ولادة النص الإبداعي الإنساني.3117 لطيف هلمت* عملية الكتابة الإبداعية ذو مسار تاريخي معقد والمبدعين عانوا ما عانوه وفي غياب الحرية من السلطات الحاكمة في معظم أنظمة الحكم في العالم، كيف تقيمون هذا المسار التاريخي بصورة عامة وبصورة خاصة في العراق وفي إقليم كوردستان؟ 

- بصورة عامة لا يمكن ربط عملية الإبداع الأدبي بوجود الحرية وعدم وجودها. هناك مبدعون قدموا أعمالا أدبية رائعة في كلتا الحالتين. أمثال بوشكين ، ليرمنتوف ، غوركي ، غوغول ، تولستوی ، تورغنيف ، ديستویفسكي وعشرات آخرون من الكتاب والشعراء برزوا كمبدعين في العهود القيصرية التي سادت فيها قوانين العبودية والاضطهاد والاستبداد. 

لا تظن بان جميع عهود النظام الماركسي كانت حقولا وبساتین للحرية بل كان مقص الرقابة يقص أحيانا كلمات وكلمات وان تطلب الامر كان يقص الكلمات والألسن والرؤوس معا و يمحو المبدع من الوجود محوا والمثل علی ذلك اغتيال الشاعر المبدع (اوسیب مندلشتام) واخرون. 

ومنعت الشاعرة (آنا اخماتوفا) من نشر قصائدها لمدة طويلة وكتب باسترناك روايته الرائعة ــ دكتور زيفاغو ــ في زمن ستالين الاستبدادي وحین حصل علی جائزة نوبل منعه ستالين من استلام الجائزة واجبره علی ان يقول بانه لا يرغب في استلام الجائزة دون اية مضايقات او تهديدات سياسية. 

وكتب الشاعر الداغستاني رائعته الخالدة ــ داغستان بلدي ــ في العهد الماركسي ولا احد ينكر الرقابة الاستبدادية الشديدة علی الفنون والآداب في ذلك العهد. 

وفي فلسطين المحتلة كتب مجموعة من شعراء فلسطين اروع قصائد المقاومة ، قصائد اعترف بعض رموز الكيان الصهيوني المحتل بانها قصائد تخيفهم اكثر من الأسلحة الفتاكة وفاقت آنذاك شهرة أسماء شعراء وكتاب من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران والشاعرة فدوی طوقان وغسان كنفاني شهرة أسماء جميع ملوك العرب ورؤسائهم وهم كانوا يكتبون في ظل الاحتلال الصهيوني 

وفي العراق كتب الشاعر العراقي الخالد بدر شاكر السياب مجموعته الشعرية الرائعة ــ أنشودة المطر ــ في العهد الملكي الذي كان الاستعمار البريطاني المستبد يحكم العراق. 

كما كتب الجواهري الخالد قصيدته الرائعة (اخي جعفر) وعشرات القصائد الاخری وكتب حسين مردان رائعته المسماة (قصائد عارية) وعوقب بسببها قانونيا في فترة الاحتلال البريطاني المستبد. 

كتب الشاعر الكردي الكبير عبدالله گۆران كثيرا من روائع قصائده في العهد المذكور واستوحی الهام احدی اروع قصائده الغزلية وهو مكبل بالأغلال تقوده الشرطة الملكية للسجن. 

ان الأرضية الحقيقية للإبداعات الشعرية بصورة خاصة والإبداعات الأدبية والفنية الكردية تٱسست ابان اتفاقية 11 / 3 / 1970 التي دامت اربعة سنوات. خلال تلك المدة برزت الی الوجود حركة جماعة روانگە ــ المرصد ــ الحداثوية في مدينة السليمانية عاصمة الثقافة الكردية الی الوجود. 

وكذلك ازدادت نشاطات جماعة قصبة كفري المسماة بـــ: جماعة كفري التي تشكلت سرا في اواخر ستينيات القرن المنصرم وكانت جماعة متطرفة متاثرة بالأفكار السريالية والدادائية تدعو في بداية تشكيلها الی نبذ كل قديم وتقديس كل ما يرتبط بالحداثة وكنت انا احد مؤسسي تلك الجماعة.. والی جانب هذين الجماعتين اجتاحت الساحة الشعرية والأدبية عشرات الأسماء البارزة وقدمت اعمالا شعرية وقصصية وفنية ابداعية لايمكن تجاهلها او نسيانها.. وبصورة عامة لا تخلوا اي مرحلة من مراحل الشعر الكوردي من الابداعات الشخصية فالشاعر الكردي احمدي خاني كان مبدعا كبيرا ورائعته الإبداعية ــ مم و زين ــ وعشرات من قصائده الخالدة تشهد علی ذلك. وكذلك ملا الجزيري ونالي وعبد الرحيم المولوي. يعتبر الشاعر الكوردي الكبير عبدالله كوران رائدا عظيما للحداثة الشعرية الكوردية في النصف الاول من القرن الماضي ولا يمكن تجاهل دور الشاعر نوري شيخ صالح صديق عبدالله گوران في تللك الفترة في الحداثة الشعرية الكردية. 

برٱيي ان حكومة إقليم كوردستان لم تهتم بالإعمال الأدبية والفنية بالشكل الذي تتطلبه المرحلة الراهنة. كافة الإبداعات هي إبداعات شخصية او إبداعات تقدمها جماعات مغرمة بالحداثة دون تقديم اية تسهيلات حكومیة للمبدعين. لا تغرانك الأمسيات والمهرجانات الأدبية والشعرية والثقافية وتوزيع الهدايا والشهادات التقديرية لهذا وذاك وتلك.فأكثرها احتفالات روتينية تقام سنويا او فصليا لأسباب شبه سياسية. 

مختصر الكلام ان الثقافة الكردية نالت نوعا من الغبن والإهمال في ظل حكومة كردستان ومؤسساتها الثقافية الحزبية ولكن المبدع الكردي كالسيل الجارف يقفز علی كل السدود والمتاريس و يخلق إبداعاته دوما.3115 لطيف هلمتالف تحية وتحية للمبدع الكوردي الذي ابدع ويبدع في اي مجال من المجالات الثقافية بجهوده الخاصة لا بمساندة اي مؤسسة ثقافية حكومية ــ حزبية. 

* اللغة مهمة في العملية الإبداعية وعدم وجود لغة موحدة للكورد حاجز في عملية التواصل كيف ترون مستقبل اللغة الموحدة؟ 

فلتسكت البنادق 

إن طفلا ينوي أن ينام 

ولتسكت الأباطرة والقياصرة 

إن شاعرا يود أن يتكلم. 

- الإبداع غير مرتبط بوجود لغة موحدة او عدم وجودها كتب دانتي رائعته الخالدة ــ الكوميديا الالهية ــ باحدی اللهجات الشعبية الايطالية. وكما قرأت في مصادر كثيرة ان اللغة التي كتب بها الشاعر الانجليزي الكبير شكسبير هي غیر اللغة التي كتب بها برناردشو مسرحیاته وكتب بها الشاعر الانجليزي المبدع ت. س. اليوت رائعته الشهیرة المسماة ــ الأرض اليباب ــ وهناك شعراء شعبيون كتبوا باللهجات الشعبية العربية وابدعو فيها اشهرهم الملا عبود الكرخي صاحب قصيدة (اين حقي) ومظفر النواب وغيرهم في العراق واحمد فؤاد النجم في مصر ووو الخ 

علی صعيد اللغة الكوردية كتب كثير من الشعراء البارزين من امثال عبد الرحيم المولوي و بيساراني وصيدي هورامي قصائدهم باللهجة الهورامية وأبدعوا قصائد خالدة يتباهی بها تاريخ الشعر الكوردي. 

الجدير بالذكر بدات علی صعيد الشعر العربي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي محاولات جادة لكتابة القصائد السياسية وحتی الغزلية واصدار صحف ومجلات باللهجات الشعبية العربية وان لم تخنني الذاكرة قادت الاحزاب الشيوعية العربية تلك الحملات لتسهيل عملية توصيل الشعر والكتابة الی الجماهير الشعبية والطبقات البائسة. 

لا يخفی ان معظم الأغاني العربية من المحيط الی الخليج مكتوبة باللهجات الشعبية العربية وهي لهجات بعدد الدول والقبائل العربية وأفخاذها ولا تنسی بان اللهجة الموصلاوية تختلف عن اللهجة البغدادية.. والبغدادية تختلف عن البصراوية. 

ان اللغة الموحدة هي شبه أسطورة فبرٱيي لا يوجد شاعران او كاتبان يكتبان بلغة موحدة واحدة. 

* فهل لغة الروائي السوداني المبدع الطيب صالح هي ذات اللغة التي كتب بها الكاتب المبدع عبدالرحمن منيف او جبرا ابراهيم جبرا او الكاتب الجزائري مولودفرعون رواياتهم..؟ 

- اما علی صعيد اللغة الكردية. فقد كتب نالي ومحوي وسالم وعبدالله كوران واخرون باللهجة السورانية وأبدعوا ايما إبداع. كما كتب شعراء مبدعون اخرون قصائدهم باللهجة الكرمانجية وابدعوا الی درجة الاندهاش وفي مقدمتهم احمدي خاني وملاي جزيري وقدري جان وكامران بدرخان وجكرخوين وغيرهم. برأيي تكمن عملية الإبداع في شاعرية الشاعر ومساحة موهبتها الشعرية وثقافتها وليست له اية علاقة باللغة الموحدة او باللهجة التي يكتب بها قصائد. 

اكتب بأية بلهجة تريدها وحين تبدع في الكتابة تتهافت ملايين القراء علی كتاباتك لقراءتها. 

وأخيرا أقول في استطاعة اي شاعر موهوب الإبداع حتى بلهجة قريته التي يعيش فيها.. وكما يقول الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت: 

أنتظر آخي 

لدي عسل في وعائي 

ستأتي النحلة من بغداد 

* إشعارك وصلت للبسطاء ويتغنون بكلماتها بينما هناك شعراء يكتبون ويكتبون لكن الجمهور لا يستسيغ كتابتهم ولا يحفظون إشعارهم ما السر وراء ذلك؟ 

- انا منذ مجموعتي الشعرية الاولی المسماة بــ): الله ومدينتنا الصغيرة (شاعر تجریبي اجرب الكتابة مع جميع التيارات والمدارس الشعرية القديمة والحداثوية في آن واحد فمجموعتي الاولی المذكورة والمطبوعة في العام 1970 في مطبعة ــ الشمال ــ في كركوك الی جانب عشرات القصائد الحداثوية تضم عددا من القصائد المقفاة المكتوبة بالأسلوب السائد في الشعر الكوردي في تلك الفترة وبرٱي ان من لايجيد كتابة الشعر بشكله القديم ربما يستحيل عليه ان يكتب قصائد حداثوية مبدعة. لان الحداثة ليست نبذ كل قديم بل الحداثة هي استعمال كل الأدوات الشعرية القديمة بشكل حديث.. فالحديد الذي كان يحوله الحداد الی محاريث يدوية.. تقوم المصانع الحديثة الآن بتحوله الی محاريث تجرها العربات الضخمة بدل الثيران.. وتحوله ايضا الی طائرات مدنية وحربية وصواريخ عابرة القارات والخ وفي استطاعة الشاعر الحداثوي المبدع ان يكتب بنفس الكلمات التي كتب بها اي شاعر قديم قصائده ان يكتب قصائد حداثوية عابرة البلدان والقارات والقلوب والأذواق الشعرية. 

واحد أسباب شهرة قصائدي هي انني ولدت ونشٱت في أحضان عائلة دينية مثقفة حيث كان ابي الی جانب كونه شاعرا وشيخا من شیوخ الطريقة القادرية.. كان مثقفا يجيد الی جانب اللغة الكوردية اللغة الفارسية واللغة العربية وكانت مكتبته عامرة بدواوين حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي وفريد الدين العطار وديوان خيام وكتب اخری كالف ليلة وليلة وبعض اعداد مجلة كلاويز الكردية.. وكان في ليال كثيرة يقرا لنا بعض نصوص كتابي بستان وكلستان الشاعر الفارسي الكبير سعدي الشيرازي وبعض قصائد حافظ الشيرازي او فريد الدين العطار او غيرهم من شعراء الفرس ك ــ بيدل ــ و ــ كليم ــ وغيرهم ثم يترجمها لنا الی اللغة الكردية وكنت استمع الی ترجماته لتلك القصائد باشتياق ولهفة ومن هنا عشقت الكلمة الجميلة وعشقت الشعر اي إنني أشبعت روحي بروائع هؤلاء الشعراء العظام ثم بدأت بكتابة الشعر. 

وورثت شفافية الكتابة من تلك المجالس المرصعة بدرر وجواهر حافظ وسعدي و فريددين العطار.. وبعد ذلك وقبل سن الرشد تطلعت علی قصائد كبار شعراء العالم والعرب وقرات دواوين او بعض قصائد رواد الحداثة الأوربية والعربية.. حيث قرات في سن مبكر قصيدة ـ الارض اليباب ـ الشهيرة للشاعر الامريكي / الانجليزي (ت. س. الیوت) في العدد 40 / 1968 / من مجلة ــ شعر ــ أللبناية ترجمة الدكتور لويس عوض.. ثم قرات دواوين رواد الحداثة العراقية والعربية دواوين بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي وبلند الحيدري وادونيس وشوقي ابي شقرا وانس الحاج ويوسف الخال ونزار قباني وجبران خليل جبران وغیرهم وكنت متلهفا في سنوات شبابي اي في اواسط وٱواخر ستینيات القرن الماضي بقراءة مجلة العاملون في النفط و مجلة الاداب ومجلة شعر اللبناني ومجلة الكلمة التي كان يشرف علی ادارتها حميد المطبعي.. والاعداد الاربعة الصادرة من مجلة :شعر 69 العراقية.. وفي تلك السنوات قرات بودلير وماياكوفسكي واراغون ولوركا وناظم حكمت ولامارتين والخ وحسب تعبير بول فالیري اذا كان الاسد يتكون من الخراف والغزلان و الثيران التي اصطادها فانا كشاعر اتكون من الكتب والمجلات والدواوين التي قراتها.

3116 لطيف هلمت

سبب اخر لشهرة قصائدي هي انني من رواد شعر المقاومة بعد انتكاسة ثورة ايلول حيث نشرت عشرات قصائد المقاومة والدواوين الشعرية في اواسط سبعينيات القرن المنصرم ولم يسبقني تاريخيا في تلك الفترة اي شاعر كوردي آخر في كتابة شعر المقاومة ونشره ولا زلت احتفظ بعشرات الرسائل التي وصلتني من الشعراء الكورد وقرائهم يكيلون المديح لروعة تلك القصائد وتاثيرها الايجابي في زرع روح المقاومة والصمود في قلوب الجماهير في تلك الفترة الرهيبة.. ويشجعونني علی كتابة المزيد من امثال تلك القصائد لابد ان اقول بان مسيرتي الشعرية المفعمة بالتمردات الجميلة والفوضی الرائع قربتني من الجماهير وخاصة بعد ان منعت من الاشتراك في الندوات التي اقامتها اتحاد الادباء الكورد في المؤتمر الثاني للاتحاد التي اقيم في اربيل في تموز 1971 واجبرت علی العودة الی كركوك بامر من شرطة اربيل آنذاك مع مجموعة من أصدقائي الفوضويين حسب اقوالهم. وفي المهرجان الشعري الذي اقيم في عام 1971 في كركوك طردت وألقت علي القبض شرطة امن كركوك وكان من الصعب إنقاذي من براثن شرطة كركوك آنذاك لولا تدخل رئیس اتحاد الأدباء الكورد الشهيد الخالد صالح اليوسفي رحمه الله. 

تقلبات جغرافية 

حفر صورة فتاة علی صخرة كبيرة 

وامطر في ثغرها دمعتين 

فعطست الصورة 

وبدٱت تتبادل الكلام مع الفنان 

تحت سقف المساء ناما معا 

وفي الصباح ولد من تلامسهما 

نهر عمق 

فصنع الفنان من أشجار الغابة سفينة 

وصعدا علی متنها معا 

فجرفهما النهر الی البعيد البعيد.. 

ربما ارادا ان يعثرا علی ارض جديدة 

لاحفادهما.. . 

وهناك الی جانب النواحي الإبداعية في شعري أسباب اخری جعل شعري محبوبا في قلوب الجماهير وهو لعدم انتمائي لاي حزب من الأحزاب في اية فترة من فترات عمري.. وشاركت في ثورة ايلول عام 1974 / 1975 دون ان اكون عضوا في الحزب الديمقراطي الكوردستاني.. ولان قصائدي مكتوبة بلغة سلسة شفافة ترجمت الكثير منها الی بعض اللغات الأوروبية والعربية والفارسية ولا زلت احتفظ باحدای رسائل الشاعر والناقد الإيراني الكبير سید علي الصالحي يشید بقصائدي ويصفها بقصائد عالمية.. وافتخر بان كثيرا من كبار النقاد والأدباء في العراق كتبوا دراسات هامة عن جماليات قصائدي و مستواها الإبداعي. 

هناك سبب آخر لإعجاب القراء بقصائدي وهو انني شاعر قومي ولكن شاعر أنساني وغیر عنصري وبعید بعد السماء والأرض عن الافكار الشوفينية فكما أحب الحرية لشعبي أحب الحرية للشعوب التي تعاني من ويل الاضطهاد وجبروت المحتلين. فنشأتي الخاصة في أحضان عائلة دينية بذرت في قلبي افكارا صوفية. 

اعتز بديني الإسلامي ومقدساته واحترم كافة الاديان والمذاهب والطوائف ومقدساتها. رغم عدم انتمائي طوال عمري لاي حزب شيوعي نلت وسام الدرع الذهبي للحزب الشيوعي الكوردستاني.ورغم عدم انتمائي للاتحاد الوطني الكوردستاني فزت بجائزة الشاعر والروائي والسياسي الكوردي الكبير ابراهيم احمد ــ بله ــ القیادي البارز او الأوحد في صفوف الاتحاد الوطني الكوردستاني.. ونلت جائزة بابا گوڕگوڕ الذهبية من قبل الاتحاد الوطني الكوردستاني في كركوك ولم اكن في اي يوم عضوا في صفوفه.. وربما احيانا رشقته بشواظ من نیران قصائدي ان تطلب الامر ذلك.. واخيرا انا صوفي والصوفية حركة تحررية نادت وتنادي بالحرية لجميع الاديان والامم والشعوب والمذاهب والطوائف وضحت من اجل نشر افكارها بصوفيين كبار كالحلاج والنسيمي والسهروردي.. .. وآخرين.. 

أتعجب من صمت معظم المثقفين في العراق والبلدان العربية ودول العالم تجاه ما تمارسها الدول العظمی وبعض الدول العربية من الانتهاكات التعسفية للحريات والتوجهات الشوفينية والمذهبية والدينية والطائفية والجغرافية ضد الآخرين. 

المجد كل المجد للشعر الذي لا يتجمد في دائرة السياسة وللمثقف الذي لا يستسلم لاية سلطة. 

* النقد الأدبي بصورة عامة ليس بالمستوى المطلوب وربما لقلة النقاد او لان آلنقد بصورة عامة غير مرغوب في المجتمعات الشرقية كيف تقيمون تجربتكم في النقد؟ 

- الناقد الجيد هو الناقد المزود بطاقة ثقافية واسعة وبدون تلك الثقافة الموسوعية يستحيل علی اي ناقد ان يكتشف جماليات اي نص شعري وأدبي او سلبياتهما.. ولكن من المؤسف جدا هناك من اصبحوا نقادا لا يقرؤون طوال حياتهم سوی النصوص التي ينتقدونها سلبا او إيجابا حسب أهوائهم الشخصية وذائقتهم الأدبية الخاصة وهي ذائقة واطئة في اكثر الاحيان. 

مع ذلك ثمة نقاد بارزون في العراق واقليم كوردستان في المستوی المطلوب ولا يقلون شٱنا عن النقاد العالميين.. وبمناسبة ذكر كلمة العالمية اقول ان العالمية لا تدل في اكثر الاحيان علی الجودة والتمايز والابداع. فهناك قصائد عالمية هي رديئة بكل معنی الرداءة ومع ذلك نالت جوائز عالمية. 

ربما هناك اسباب سياسية او عنصرية في نيلها تلك الجوائز فانا أتعجب كيف فازت الشاعرة الهولندية (شیمبوريسكا) بجائزة نوبل ولم اجد في اعمالها الشعرية المترجمة للعربية قصيدة في مستوی قصائد بدر شاكر السياب وادونيس ونزار قباني وغادة السمان وفدوی طوقان ويوسف الخال ونازك الملائكة وبلند الحيدري وانس الحاج وابو القاسم الشابي وخليل حاوي والشاعر الكوردي عبدالله گوران ومحمد ماغوط.. وعبدالوهاب البياتي والجواهري ومحمود درويش وسميح القاسم ومحمود البريكان ومظفر النواب وفاضل عزاوي وجان دمو وامل دنقل والشاعر التركماني عبداللطيف بندر اوغلو وووو..  

فباستطاعتي تعداد عشرات الشعراء المبدعين في العراق واقليم كوردستان مكانتهم الشعرية ارقی واعلی بعشرات المرات من مكانة (شيمبوريسكا) ولم ينالوا اية جوائز محلية او عالمية. 

ان مثل هذه الاختيارات لنيل الجوائز هي وليدة النقد السياسي او النقد العنصري او الديني.. ولندع شعراء العراق واقليم كوردستان جانبا ونتذكر الشاعرة الإيرانية الراحلة (فروغ فروخزاد) المتمردة المبدعة التي لا يمكن مقارنة قصائدها الراقية بقصائد شيمبوريسكا الاعتیادية.. ولم تنل اية جائزة عالمية رغم ابداعاتها.. ومثال آخر علی دور النقد السياسي او العنصري هو فوز رواية ــ الارض الطيبة ــ للروائية الامريكية / الصينية (بيرل باك) بجائزة نوبل وهي رواية اعتيادية في حين ان روايات الشهيد غسان الكنفاني وحنا مينا وعبدالرحمن منيف وجبرا ابراهيم جبرا والطيب صالح والروائي التركي الكردي يشار كمال والروائي السوري الكوردي سليم بركات والروائي الايراني الراحل صادق هدايت كاتب رواية (البومة العمياء) الرائعة ورواية (موبي ديك) الرائعة جدا جدا للروائي هرمان ملفل اكثر عمقا وابداعا من رواية ــ بیرل باك المذكورة بمقياس تجاربي الخاصة لقراءة الروايات. وفي راي ان السبب الوحيد لمنح جائزة نوبل لرواية ــ دكتور زيفاغو ــ هو عداء كاتب الرواية الروسي ــ باسترناك ــ للنظام الشيوعي السائد آنذاك في روسيا السوفيتية. وفوز الشاعر الهندي طاغور بجائزة نوبل له أسباب سياسية ودينية ولا اود الدخول في التفاصيل.. وبروز الروائي سلمان رشدي من قبل الأوساط النقدية يرجع الی عداء سلمان رشدي المسلم للإسلام والتراث الإسلامي ومقدساته. وأتعجب كيف حصل الشاعر الايطالي (روفائیل البيرتي) علی جائزة نوبل فبمقارنته بالشاعر التركي الكبير ناظم حكمت ان روفائيل البيرتي يعتبرشاعرا اعتاديا فكيف فاز هو بالجائزة ولم يفز بها ناظم حكمت اذن تستطيع ان نقول ان النقد له دور رئيسي هام في ابراز بعض الاعمال الادبية وان لم تكن في المستوی الإبداعي المطلوب وذلك لأسباب سیاسية او ربما دينية او عنصرية او جغرافية او مذهبية. 

في استطاعة النقد أيضا ان يزيح عن الأنظار كثيرا من الإعمال الأدبية الإبداعية للأسباب المذكورة آنفا. 

فانا اعتبر نفسي قارئا جادا التهم الكتب التهاما منذ صباي كما يلتهم الجائع اقراص الخبز الحار ولا يعجبني كثير من الروايات والدواوين الشعرية والمجاميع القصصية التي يصفها بعض النقاد بالعالمية. 

تعجبني احيانا كثيرة اعمال شعرية وقصصية وروائية لم يصنفها النقد الادبي ضمن الاعمال الابداعية واكتشف فيها جوانب ابداعية تصلها للعالمية ومع ذلك لم يتطرق اليها النقد باية صورة من الصور. ولا بد ان اقول انني راض عن الكثير من الدراسات النقدیة التي ناولت اعمالي الشعرية من قبل نقاد وادباء كبار لهم مكانتهم البارزة في الادب العراقي والكوردي والفارسي.. ونالت دواويني الشعرية وقصائدي واعمالي الشعرية والقصصية المكتوبة للأطفال كثيرا من الشهادات التقديرية.. والجوائز المحلية.. وكثيرا من شهادات الدكتوراه والماجستير في جامعات إقليم كردستان وبغداد وتبريز وسنندج في الجمهورية الاسلامية الايرانية.. وفزت بجائزة ــ آبيك ــ الادبية الكردية السويدية.. عن اعمالي القصصية الشعرية المكتوبة خصيصا للأطفال لمختلف الأعمار. 

ان النقد البناء ساهم كثيرا لترجمة عدد غير قليل من مجاميعي الشعرية وقصائدي المكتوبة للكبار وقصصي المكتوبة للأطفال الی اللغة الفارسية وغيرها من اللغات وترجمت روايتي الوحيدة المسماة ــ زوجات شيخ محمود الجنيات ــ الی الفارسية مرتين الاولی من قبل الشاعرة الكوردية الايرانية سارا قوبادی والمرة الثانية من قبل الشاعر الكوردي الايراني المعروف فرياد شیري وهي رواية غرائبية كتب عنها عدد من نقاد الكورد في اقليم كوردستان و ايران وصنفوها في قائمة الروايات الحداثوية ووصفها الناقد الكوردي الايراني ـــ محمد بوور ـــ قائلا رغم بعض آرائي الخاصة حول محتوی الرواية اقول بانها رواية تمتاز باسلوب تجريبي رائع نادر ولا نظير لاسلوبها في عالم الرواية الكوردية حتی الآن. 

كلمتي الأخيرة حول النقد ودوره الايجابي والسلبي أقول ان كثيرا من الشعراء والروائيين وكتاب القصة القصيرة الأوربيين ليسوا كبارا بالحجم الذي قدمهم ويقدمهم الناقد الغربي للقارئ الشرقي.. كنت في صباي و طوال سنوات شبابي اؤمن بما يقوله نقاد الغرب حول شعرائهم وكتابهم وإبداعاتهم ولكني الآن لي مقاييسي الجمالية الخاصة للتحكيم بمستوی اي نص أدبي اقرٱه ومن المحال تصديقهم كسنوات صباي وشبابي.3117 لطيف هلمت * الإنتاج الأدبي يسير بصورة متوازية مع الحريات وخاصة الحرية السياسية لانها تعكس الواقع اَي ان غياب الحريات الأساسية في المجتمع يؤدي الى انحسار وهزالة الإنتاج الأدبي ما رائيكم بهذه المقولة وهل يمكن مقارنة الإنتاج الأدبي إبان الحقبة البعثية و ما انتج بعد ٢٠٠٣ ؟ 

- فكما تنمو كثيرا من الورود والأعشاب والأزهار الزاهية في ثنايا الصخور وعلی المنحدرات الجبلية الصلدة وحتی احيانا في ثقوب بعض الاقفال المزنجرة (الصدئة)هكذا تولد الإبداعات الأدبية والفنية في أحلك وأصعب الظروف وتحت الرقابات الشديدة التي تفرضها الأنظمة الدكتاتورية وكذلك في العهود المفعمة بالحرية المطلقة ايضا.. وكمثال علی ذلك كتابات الروائي دستويفسكي وروايته الشهيرة ــ ذكريات من بيوت الموتی ــ التي كتبها في اظلم العهود وأقساها وهو يعاني آلام سجون سيبريا القاسية. 

كما كتب الشاعر الكوردي الكبير عبدالله گوران اجمل قصائده المدججة بالابداع في العهد الملكي الذي كان الاستعمار البريطاني يسود البلاد ويحكمها بالحديد والنار وكتب الشاعر الكردي الكبير المبدع الملا خضر الملقب بــ : ـــ نالي ـــ بعض قصائده الشهيرة في أحلك الظروف التي كانت تعيشها كوردستان في ظلال الامبراطورية العثمانية. 

وكتب الشاعر بوشكين واوسيب مندلشتام وتولستوي وغوغول وبونين روائعهم الشعرية والقصصية والروائية رغم الرقابة المشددة في العهود التي عاصروها. 

وفي فلسطين المحتلة والمحاطة بالاستبداد الصهيوني ولد شعر المقاومة وكان شعر المقاومة العربية كقصائد فدوی طوقان ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وعزالدين المناصرة وغيرهم من الشعراء في فلسطين المحتلة اشد فتكا بالكيان الصهيوني من ازير البنادق ونيران المدافع وخطابات ملوك ورؤساء العرب آنذاك كما اعترف في حينه احد قادة الصهاينة 

وهناك اعمال ابداعية يستحيل تعدادها ولدت في ظروف سادت فيها حريات مطلقة.. وبالنسبة للادب الكوردي في حقبة العهد المباد وفي فترة يمكن حصرها بكل دقة في: (1970 والی 1990) شهد الأدب الكوردي بصورة عامة والشعر الكوردي بصورة خاصة تطورا ابداعيا كبيرا ربما لامثيل له في تٱريخ الادب الكوردي.. فازداد قراء الكتب الكوردية وكان الاكراد الساكنين في بغداد والمثقفین الكورد المنفيين في بغداد وجنوب العراق وطلاب الكورد الدارسين في جامعات ومعاهد بغداد وجنوب العراق من هواة قراءة الكتب الكوردية يزورون القسم الكوردي من المجمع العلمي العراقي ودار الثقافة الكوردية ببغداد وجمعية الثقافة الكوردية في بغداد للحصول علی الكتب والمجلات الكوردية التي كانت تطبعها تلك المؤسسات الثقافية الكوردية باعداد وافرة.. كنت آنذاك أطبع حوالي الفين او ثلاثة آلاف او اربعة آلاف او سبعة آلاف من دواويني الشعرية وتنفذ اعدادها المطبوعة في مدة شهر او شهرين او ربما اقل. 

كان هناك مكتبات كمكتبة مكنزي في شارع الرشيد ببغداد مخصصة لبيع الكتب الكوردية وكان المثقفون الكورد يقتنون تلك الكتب مهما كانت أثمانها ناهضة.. وكانت كل المكتبات البغدادية تفتح صدورها وترحب باستلام الكتب الكوردية وبيعها.. وفي كركوك وسليمانية واربيل ودهوك كان القاريء الكوردي يرتاد كل المكتبات ليقتني كل الكتب الصادرة آنذاك ويقراها بلهفة واشتياق.. . واتذكر ان لهفة القاريء الكوردي للقراءة بلغت الی درجة تهشمت الزجاجات الأمامية لاحدی المكتبات وذلك لشدة ازدحام هواة المطالعة امامها للحصول علی احدی الصحف الكوردية التي انا قلت فيها ان حركة جماعة روانكه بيضة فاسدة لم تفقس اي شيء وكانت حركة روانكة حركة ادبية تدعو للحداثوية.. فكلما ازداد النظام الدكتاتوري بطشا كلما ازداد المثقف الكوردي حبا للكتاب والمتابعات الثقافية. وكان للشعراء الكورد صداقات ثقافية واخوية متينة مع عدد غيرقليل من الشعراء والأدباء العراقيين العرب والتركمان والمسيحيين. 

من دواعي فخري ان الدكتور حاتم الصكر كتب عدة دراسات هامة عن قصائدي ومستواها الابداعي آنذاك وكتب في ذلك العهد اقلام اخری عراقية عربية مبدعة وبارزة دراسات عميقة عن قصائدي بصورة خاصة وعن الادب الكوردي وادباء وشعراء آخرون بصورة عامة لامجال هنا لذكر اسمائهم ولكني اقدم لهم شدات ورود اعتزازي وافتخاري بكتاباتهم تلك في تلك الظروف السوداء والاخص لاخي الكاتب والمترجم المسيحي بنيامين يوخنا دانيال الذي قام بترجمة مجموعة من قصائدي الی اللغة العربية في تلك الحقبة السوداء.. ولا زال مستمرا في ترجمة قصائدي ونشرها في مختلف الصحف العربية وفي فيس بوكه الخاص. 

ان العقدين الذين ذكرتهما كانا عقدين مفعمين بالابداع وحب الادب والهيام بالكتب الكوردية واقامة الندوات والمهرجانات الثقافية رغم الارهاب السائد فيهما وخاصة بعد فشل المفاوضات بين النظام العراقي وقيادة الثورة الكوردية.. ورغم اشتداد الإرهاب اكثر فاكثر بعد اخماد نار الثورة بعد المعاهدة العراقية الايرانية التي عقدت في الجزائر في عهد الرئیس الجزائري بومدين العام 1975 قدم الشعر الكوردي نماذجا رائعة مدججة بالخصائص الإبداعية من القصائد والدواوين المكتوبة باللغة الكوردية.. ولا زالت العملية الإبداعية مستمرة في الشعر والرواية والقصة والفنون التشكيلية الكوردية واني متفائل تجاه الحركة الابداعية رغم قلة او ندرة او عدم اهتمام المؤسسات الثقافية الحكومية والرسمية بالمبدعين والاعمال الابداعية في اقليم كوردستان.. وذلك لان الابداع عمل فردي ولا علاقة له بالمساندات الحكومية والحزبية فكل الحكومات والدكتاتوريات والأنظمة العادلة والفاسدة لاتستطيع ابدا خنق اي مبدع حقيقي.. .. او خلق اي مبدع من لاشيء. 

* اللغة الأدبية يتعدى الضوابط القواعدية الى لغة الشاعر المفهوم من لدن الجميع. الكتابة الأدبية السردية السلسة تصل للمتلقي بصورة اسرع والنصوص الجأفة تحتاج في احيانا الى مفسرين وحتى علماء وخبراء في اللغة. كيف ترى عملية إيصال النص للعامة؟ 

- باعتقادي ان اللغة الموحدة او اللغة العليا المسماة بلغة (الستاندارد) ليست لغة جاهزة بل هي لغة خاصة يخلقها الشاعر او الكاتب المبدع داخل اللغة التي يكتب بها.. فلكل شعب لغة وكل لغة تتكون من الكلمات ولكل كلمة معناها الخاص ودلالاتها الخاصة.. فكلمة المنجل في جميع لغات العالم تدل علی آلة للحصاد.. وكلمة قلم تدل علی آلة للكتابة وكلمة البندقية تدل علی آلة للقتل والحرب.. فالشاعر او القاص او الروائي المبدع هو الذي يخلق اللغة الموحدة او اللغة العليا من ادوات اللغة التي يكتب بها عبر نصه الابداعي المتميز. 

كل يوم يصطاد حلما 

وكل يوم يدفن جثة دمعة في مقابر الضباب: 

قلبي 

كتب دانتي الكوميديا الالهية بلغة محلية دارجة باسلوب مميز فحول اللغة الدارجة الی لغة موحدة في انحاء ايطاليا.. وروايات الروائي الطيب صالح مليء باللغة السودانية الدارجة ولكن الطيب صالح استطاع باسلوبه الابداعي المتميز ان ان يخلق لغته الكتابية العليا رغم تعامله مع الكثير من مفردات اللغة الشعبية السودانية.. وكتب الشاعر الكوردي الكبير احمدي خاني رائعته المسماة : بــ ــ مم و زين ــ بلغة مدينته باسلوب مبدع فحول لغة مدينته الی لغة موحدة يكتب بها جميع الكورد في كوردستان توركيا وبعض مناطق كوردستان العراق وايران..  

براي لكل كاتب وشاعر مبدع لغة خاصة به و داخل كل لغة قومية لاي امة توجد لغات بعدد كتابها وشعرائها المبدعين.. فبالنسبة للشعر الكوردي المكتوب باللغة الصورانية ان لغة الشاعر القومي الكبير حاجي قادري كویی لها مميزات لاتتشابه مع لغة الشاعر الغنائي الكبير طاهر بيك الجاف ولغة الشاعر الكورد اثیري لها مميزات تميزها عن لغة الشاعر الكوردي الشيخ رضا الطالباني..  

وفي الشعر الكوردي المكتوب باللغة البهدينانية لكل شاعر اسلوبه الخاص وبتمايز اسلوبه الإبداعي يخلق اللغة الموحدة داخل لغتها القومية.. وهكذا ان لغة المتنبي ليست لغة ابي نواس بكل حذافيرها فلكل منهما اسلوبهما الخاص لخلق اللغة العليا داخل اللغة التي يوظف كلماتها للكتابة.. .. ولغة ادونيس تختلف عن لغة بدر شاكر السياب نوعا ما. 

ولغة محمود البريكان هي غير لغة محمد الماغوط ولغة احمد عبد المعطي الحجازي تختلف عن لغة عبدالوهاب البياتي و لغة محمد مفتاح الفيتوري تختلف عن لغة امل دنقل ولغة محمد شكري ليست بلغة محمد زفزاف طبق الاصل والخ.. فاللغة العليا ليست لغة جاهزة بل هي لغة يخلقها المبدع باساليبه الابداعية المتميزة. واستطاع الشعراء الكورد الناطقين باللهجة الهورامية وفي مقدمتهم الشاعر الكوردي عبدالرحيم المولوي وبيساراني وصيدي الهورامي وخاناي قوبادي استطاعوا ان يجعلوا من تلك اللهجة لغة ادبية دامت الكتابة بها منذ اكثر من قرن وحتی الآن وهي لهجة كوردية تتكلم بها مناطق واسعة وشاسعة من كوردستان العراق وكوردستان ايران. 

القارئ الذكي بفطرته ينحاز الی قراءة الأعمال الإبداعية وهي مكتوبة بأسلوب السهل الممتنع الذي يعجز عن كتابتها الآخرون الهائمون بالكتابات العكرة المعقدة المكتظة بالشفرات والألغاز اللغوية والدلالات الغامضة التي تحتاج الی تفاسير وتوضيحات كثيرة.. وذلك لانهم عاجزون عن خلق لغة موحدة لكتاباتهم داخل اللغة التي يكتبون بها واقول مرة اخری ان اللغة الموحدة ليست بلغة جاهزة وليس بمقدور كل شاعر واديب الكتابة بها بل اللغة الموحدة هي لغة يخلقها المبدع من أدوات لغته التي يتكلم بها و هناك لغات موحدة لكل قومية بعدد شعرائها وكتابها المبدعين.. والاهم لدي هو الإبداع وليست اللغة او اللهجة التي نكتب بها. 

* إقليم كوردستان يعيش حركة أدبية وتنشر الكتب وتقام المهرجانات الثقافية ومعارض الكتب لكن الشباب لا يزالون ملتفون حول اجهزة الكومپيوتر والتلفون الخلوي يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي مبتعدين عن الكتاب. كيف ترون مستقبل الكتاب في عالم الكومبيوتر والمعلوماتية؟ وماذا ننتظر في المستقبل من انتاج لشاعرنا لطيف هلمت؟ 

- لقلة هواة المطالعة والمتابعات الثقافية هناک ا سباب سياسية واسباب مادية واسباب لايمكن تسميتها مثل هجرة عشرات الالوف من الشباب او اكثر الی خارج اقليم كوردستان للبحث عن لقمة العيش او الهروب منك بطش دول الجوار او استنكارا للفساد الاداري والاقتصادي والسياسي السائد في اقليم كوردستان بصورة خاصة وعموم المنطقة بصورة عامة. 

فهناك بطالة ولاتوجد اعمال مهنية او وظيفية رسمية وغير رسمية تضمن حياة سعيدة للكل وهناك نعرات حزبية وقبلية وطائفية ونزاعات داخلية وهذه الأسباب لاتدع مجالا كافيا لهواة الكتب للمطالعة والمتابعات الثقافية.. وخلق اجواء ملائمة للتبادل الثقافي بين مكونات مجتمعاتنا وهذه المعوقات لا تشجع دور النشر ان تنشر مجموعات كبيرة من الكتب باعداد كثيرة.. فالوضع الاقتصادي المتدني بصورة عامة هو السبب الرئيسي لنفور هواة الكتب من المتابعات الثقافية والفنية وشراء الكتب.. . 

اتذكر اني كنت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كنت اطبع من كل كتاب الفين او ثلاثة آلاف او اربعة آلاف نسخة او سبعة آلاف نسخة وتنفذ جميع الاعداد في غضون شهر او ثلاثة اشهر وكان هواة الكتب يسجلون اسمائهم مسبقا لدی احدی المكتبات ويستلمون وصلا من المكتبة كضمان للحصول علی الكتاب ويدفعون ثمنه مسبقا وكان اصحاب بعض المكتبات يدفعون قبل طبع الكتاب مسبقا نصف ثمن الاعداد التي يريدونها من اي كتاب.. اتذكر كان صاحب مكتبة السليمانية في مدينة السليمانية وصاحب مكتبة ــ آسو ــ كاك جبار آسو في كركوك وبعض اصحاب مكتبات هولير كانوا يدفعون مقدما اثمان الاعداد التي يطلبونها من كتبي قبل صدورها من المطبعة. 

الآن رغم كل المعوقات انا متفائل تجاه الكتاب الكوردي والثقافة الكوردية والقاريء الكوردي فرغم قلة هواة المطالعة وعشاق الكتب بالنسبة للماضي لا زالت توجد مجموعات غير قليلة من القراء وهواة الكتب والمطالعة نفتخر بهم ويفتخرون بكتاباتنا وهناك جسور تواصل ثقافية وادبية بينهم وبيننا.. وهناك قراء مبدعون لهم ذائقة ادبية وثقافية عالية وراقية يميزون بفطرتهم القرائية بين الذهب والنحاس بطرفة عين.. وربما هذه النكسة الثقافية الصعبة واتصورها نكسة وقتية شائعة في بلدان اخری ايضا ولكن بنسب متفاوتة ربما للاقليم فيها حصة الاسد. 

في ختام لقائنا هذا نتمنى لشاعرنا دوام الصحة والعافية والإنتاج الوفير والى لقاءات اخرى في المستقبل باذن الله. 

*** 

أجرى الحوار: د. توفيق رفيق التونجي 

................. 

* الترجمة للعربية لأبيات الشعر من الكوردية: الاستاذ المرحوم سعدي المالح (1951- 2001 

* بقية الأشعار من ترجمة الشاعر.

 

 

هل هي جريمة

أن ارقص

أن اكتب

أن اغني

أن ارغب

أن أحب

هل جريمة أن أولد

في بلد يشنق عنق الحرية؟

البعد الاجتماعي في أشعار الشاعرة مرام المصري

تكاد ان تكون التجربة الشخصية للإنسان مرآة تعكس روحه ووجدانه. التعبير شعرا عن ماسي البشرية وما يجول في الفكر والسلوك الإنساني من خوف يتمثل في استخدام العنف والشدة في التعامل مع الأقربين من أبناء العائلة. هذا السلوك الإنساني السلبي يكاد ان ينحصر عند الذكور وللقاعدة استثناء. استخدام مصطلح "العنف الأسري" للدلالة على ما يجري داخل جدران البيوت من استخدام الشدة والعنف في معاملة "الذكر" في الغالب، ورب الأسرة مع أبناء عائلته، مصطلح حديث التداول رغم كونه سلوكا إنسانيا متأصلا. الأعراف الشرقية تستخدم كلمة "الستر" لتفادي الحديث والبوح بإسرار العائلة وقلما نجد شكاوى في سجلات الشرطة.

هناك العديد من العوائل المهاجرة في المجتمعات الغربية، قد فقدت حق حضانة أطفالهم او ابعدوا الأطفال من عوائلهم جراء المعاملة السيئة لهم من قبل الوالدين من ضربهم وتعنيفهم وكذلك إهمال تربيتهم وامور أخرى كتعاطي الوالدين للكحول والمخدرات والبيئة الغير الصحية. القانون الدولي يحمي الطفل ويعتبر مراعاة مبدأ اختيار" القرار الأفضل بالنسبة للأطفال " أولا، أساسا في اتخاذ جميع القرارات. القانون في معظم دول العالم لا يعطي الحق للرجل استخدام العنف الأسري كأسلوب لتعامل مع إفراد داخل العائلة.

في حواري اليوم مع الشاعرة مرام المصري سأحاول ان أقدم لكم، قارئي الكريم أجوبة الشاعرة حول السؤال حول:

كيف يتم توظف الشعر في هذا الموضوع الشائك؟. وكيف يمكن التقاط تلك اللحظات في العجز في السلوك البشري السلبي؟ وتقديمها للقاري عن طرق الشعر وخاصة ترجمة عواطف الضحية شعريا، سألتها.3084 مرام المصري

* الشعر كنص أدبي سهل الوصول الي القاري او المستمع. لكن كيف تعاملتم مع النص الشعري كرسالة تربوية أخلاقية واجتماعية؟

- لأنني اعتقد ان للشعر دورا كبيرا بصياغة أرواحنا. ولأنني أومن بقوة الكلمة بأهميتها في تأسيس الإنسان والمجتمع. كم حرب بدأت بكلمة. بكل بساطة حاولت ان اعمل منظر ا بانوراميا للعنف اعتمدت على فبركة بطاقات هوية التي هي عنوان القصيدة او باب للدخول اليها. وكشهرزاد قصصت حكايا النساء من كل المستويات والأعمار ومن كل البيئات. بدون محاكمة بدون إعطاء دروس. فقط عرض الحالة. الشعر والأدب والفنون والفلسفات في بحث دائم لإعطاء معنى للحياة ولمحاولة سبر غموضها. معرفة الاخر تسهل معرفة الذات فالإنسان يحتاج دائما ان يقارن نفسه ان يحدد موقعه وعلاقاته بكل ما حوله.

لماذا لا تذهبين إلى الطبيب

ليعيد لك ابتسامتك

ابتسامتك العذبة

يا أمي.

عندما كنت صغيرة أتذكر ان أمي قد روت لي قصة وحش عملاق يسود على الأرض استبدادا وفجرا يحطم كل شي إثناء ركضه بلا هوادة كان هو محكوما بشره فلا يستطيع التخلص منه لأنه إذا عمل خطوة للوراء يموت وان استدار يموت أثناء ركضه تخرج ام من منزلها ترجوه ان لا يهدمه وان لا يقتل أطفالها. غنت له كلاما عذبا القت عليه شعرا فرق قلبه فاستدار. ربما هذه الحكاية ما جعلتني اكتب شعرًا ليتغير العالم القاسي ويصبح رؤوما لكي أساهم بجعله أكثر إنسانية.

* في ثقافة "ألانا" في المجتمعات الغربية يتحول الفرد مجموعة متكاملة " أناني" في تصرفاته. يتحمل بنفسه فقط تبعات أعماله. أما الشرقي فينتمي الى ثقافة "نَحن" وبذلك يحاول دوما اعتبار فعل الآخرين جزء من شخصيته وطبعا يؤدي هذا بالنتيجة الى اعتبار الآخرين وخاصة الأقربون ملكا خاصا به وأفعالهم، جزء من فعله هو. أي خطا يرتكبه أحد أفراد "العشيرة" مثلا "عاراً "على الجميع.

كيف تمكنتِ من عكس هذه الإشكالية في أشعارك؟

- لا ادري فيما إذا كنت حقا قد استطعت ان اقلب المعادلة؟

بالنسبة لي الثقافة الفردية ليست هي هدف هدفي وليس هدف شعري ما أهدف إليه هو جعل الأخر يفهم بانه جزء من المجتمع. أفعاله توثر على الأخر. لأننا في النهاية جميعنا نعيش على هذه البسيطة. ناكل من ثمارها ونشرب من مائها نشن حروبا نبني حوائط نحتمي من الاخر نسن أنظمة. هل راقبت الناس في المترو وهم يصعدون السلالم وهم يمشون في الممرات.هل راقبت السيارات عند ساعة الحشد. لا تستطيع تخطي الأخر من يسوق بطيئا يعرقل السير يصبح الجميع خاضعين لنفس السرعة أظن إننا مسئولون عن الآخرين بشكل ما.

حاولت استدراج ذاكرتها

في آخر مرة رأت فيها وجهها الحقيقي

لا تتذكر؟

إنها واثقة كل الثقة من كونها هي، هي لعلها ماتت

لعل جسدها أثر تلك الصفعة - هجرها

وفضل أن تقطن روحها

في جسد آخر

المجتمع سجادة محاكة بتلك العلاقات التي تربطنا ببعضنا مرئية وغير مرئية هذا ما يجعل منا مجتمعا انسانيا بالوقت نفسه انا معك بانه ليس من الطبيعي ان نتحمل أخطاء الآخرين ولكن على الرغم من كل شي لكوننا مرتبطين عاطفيا بالآخرين يجعل من الامر صعبا ان نشعر بعدم الإحساس بالمسؤولية. حتى بوجود قوانين لا تعاقب الجماعة لحسن الحظ الا ان هناك الجانب العاطفي الذي يحملنا هم الاخر ويجعلنا مرتبطين بمصائرهم. اشعر بمسؤولية عندما ارى احدا ما ينام في الشارع صحيح لست مسئولة عنه قانونيا الا ان شعوري الإنساني يحملني همه.3082 مرام المصري

* معالجة الظواهر الاجتماعية في الشعر العربي يعتبر تجديدا وقد حاول الشعراء العراقيين أمثال الزهاوي والرصافي وصولا الى الشاعر مظفر النواب، حاولوا نقد الموروث الثقافي والأعراف. كدعوتهم لسفور النساء وصولا الى نقد الحكومات وسياستها وحتى الحكام. كيف تم التعامل مع أشعارك التي اتخذت من نقد المجتمع وتحريرها من الإرث البالي والقديم؟

- المجتمع او المجتمعات هي بشر يعيشون بالقرب من بعضهم يتشاركون المكان الماء وثروات الأرض يتحابون وأيضا يتقاتلون. الأديان والفلسفات وكل مظاهر التعبير هي أنتاج أنساني مثله مثل القمح والزيتون والقطن للتبادل وللتعارف وللعيش بسلام ومع هذا لا تزال الحروب تشتعل هنا وهناك بفضل او بسبب الانترنت المجتمعات أصبحت مكشوفة إلا من قبل طبعا المناطق النائية الذي من الممكن ان لا احد يعرف ما يحدث هنا وهناك.

الحجاب

تمرين..

غراب أسود

يلبسك

يضمك بجناحيه

غطاء يلف جسدك

جسد الشهوة

جسد الخطيئة

بيت الشيطان

فصدقت

تعودين لبطن العدم

راضية أن تُمحي

حجاب

عباءة

تشادور

غطاء

قبر

كنت يوما في مطار الدنمارك مرت بالقرب من عائلة عربية او بالأحرى مسلمة. الأب يمشي في المقدمة والباقي من افراد العائلة تلحق به في عباءات سوداء ونقاب وفتاة في العاشرة او التاسعة تقفز لاعبة لاهية على رأسها ايضا حجابا. كان المنظر محزنا ومؤلما كان بودي ان اقول للفتاة اخلعي حجابك لا تطيعي أباك كان بودي ان اقول للام اخلعي هذا السواد كان بودي ان اقول للأب بانك ظالم وجاهل. تسالت حقا الى اي مدى نستطيع ان ننقذ من لا يريد ان ينقذ لربما كنت انا بالنسبة لهم المنظر المؤلم لخروجي عن مفهومهم و عن معتقداتهم. وهل لي ان أحرض فتاة على الخروج من طمأنينتها؟ يقال ما نجهله لا نحتاجه؟ لماذا اخلق لها حاجة. بالوقت نفسه هل هي حياة تلك التي تعاش بجهل دون اختيار دون معرفة؟3083 مرام المصري

* التحرر من قيود المجتمع ليس بالأمر الهين للمرأة في المجتمعات الشرقية. كيف عالجتم تحرر المرأة شعريا؟

- كما عالجته من قبلي الكاتبات والكتاب الذين اهتموا بوضع المرأة وساهموا بتوعيتها وتفتيح ذكاءها.وهناك الكثير الا انه كما تعلم المعرفة ليست بمتناول الجميع. هناك من يسبح في جهله

وهو سعيد.

كنت أرى أبي

شادا شعر أمي

جارا إياها الى

الحمام

فاختبئ في الخزانة

حتى ينتهي العراك

في وسط الصالون

صورة تمساح

سميناه وأخوتي

بابا

التحرر ليس امرا هينا وبالخص في المجتمعات الشرقية. حيث القيود اكثر إحكاما حيث القيود تاخذ صبغة دينية اي مقدسة وكل ما يلمس المقدس لانه راسخ ومهيمن من الصعب جدا ان لم يكن هناك احتكاك مباشر. يبدو ان غسل الدماغ لا يحصل الا لتحويل الناس للأسوأ؟

اكتب بدون محاكمات وبدون تنظير وبدون استعلاء. اعرض أنواع العنف من خلال قصائد كالحكايات واترك للمتلقي ان يفهم وان يقرر.

* العنف الأسري ينعكس على روح الأطفال وهم الشهود والضحية على ما يجري خلف الجدران. لديك محاولات في هذا المسعى. كيف تلقى المجتمع الشرقي تلك النصوص الشعرية؟

- لسوء حظي هذا الديوان وبقية دواويني لم يحظوا بالنشر في البلاد العربية بينما كتبي مترجمة ل تسعة عشرة لغة ! رفضت وزارة الثقافة السورية طبع كل كتبي بعد "أنذرتك بحمامة بيضاء " لأسباب ما لا يقال. وعندما قدمت "أرواح حافية" لظني انه عمل اجتماعي رفض أيضا او بالأحرى قبل بشرط حذف قصيدتين فلم اقبل بالعنف الأسري والاجتماعي في مجتمعاتنا هو امر شائع لغياب دولة الحقوق ولتأصل فكرة بان الأبناء ملكية أهلهم يفعلون بهم ما يشاءون. لهذا لا يزال هناك جرائم الشرف وما يسمى بالتقويم في الدين كالرجم الذي يصل الى درجة القتل وما اليه للأسف.

أم في عطالة

ممنوع

أن أمارس أمومتي

أن أحضر لأطفالي الطعام

أن أسمع تنفسهم

وضجيجهم

صبرت حتى

وجدت نفسي نصف ميتة

أبحث عن وجوه أطفالي

وأحاول إعادة

حبي لي

مصرة ان أصبح أمهم

التعليم والتثقيف كما القوانين الحازمة التي تحمي الطفولة هما واذهب بأبعد من هذا ان يكون هناك فحص نفسي برنامج تعليمي للآباء لكي تستحق الأبوة والأمومة لطالما تركنا التربية للفطرة أظن ان المجتمعات تغيرت ولم تعد الأبوة والأمومة مجرد فطرة.

* في ختام حوارنا هذا أقدم شكري الجزيل للشاعرة الدائمة البسمة مرام المصري متمنيا ان تصل دوما الى مرامها.

أنا، التي تشكرك لاهتمامك بشعري ولاهتمامك بالقضية النسوية وبالأطفال.-

* * * *

حاورها: د. توفيق رفيق التونجي

................

الشاعرة مرام المصري:

شاعرة سورية ولدت في مدينة اللاذقية العام 1962.

درست الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق؛ شاركت كل من شقيقها الشاعر منذر المصري والشاعر محمد سيدة في إصدار ديوانهم الأول «أنذرتك بحمامة بيضاء»، عام 1984.

استقرت في فرنسا منذ العام 1982.

صدر ديوانها الشعري الثاني «كرزة حمراء على بلاط أبيض» في تونس من دار نشر «تبر الزمان»، والذي نالت عليه جائزة أدونيس للإبداع الفكري في العام 1997 في باريس. ترجم أشعارها إلى عدة لغات: الفرنسية، الألمانية، الإنكليزية، الإيطالية، الإسبانية، الصربية والتركية.

المؤلفات:

- أنذرتك بحمامة بيضاء 1984 بالاشتراك مع الشاعرين منذر المصري ومحمد سيدة عن وزارة التربية والتعليم السورية.

- كرزة حمراء على بلاط أبيض 1997 دار تبر الزمان للطباعة والنشر في تونس.

- أنظر إليك 2000 عن الشركة اللبنانية للطباعة والنشر في بيروت.

- العودة، عنوان مجموعتها الرابعة الذي صدر باللغتين العربية والإسبانية عن دار إسكريتو الإسبانية.

- من نبع فمي عن دار برونو دوسية.

- أرواح حافية الأقدام عن دار تامب دو سيريز Le Temps des cerises , 2009، الذي نالت علية جائزتين في 2011 و2012.

- اقلب الصفحة لجان كلود مارتان (مترجم) - دار التكوين 2011.

- يلزم كل شيء لصنع العالم وأكثر (ترجمة) - دار الفراشة 2014.

 

زينب الخفاجي:

- مذموم من ينسب نفسه لأحد الأبوين دون الآخر

- أيقنت أن كل حب أمام حبي لهن باطل

- لا يمكن لأي بشر العيش دون التحدي الإيجابي

- العلاقة مع الله حبيبنا لا تحتاج إلى وسيط

- مزاجي سريع التلون تتحكم به نشرات الأخبار

- بعض الحضور غياب مع مرتبة الشرف

***

عرفتها منذ أصبح الوعي بلا قيود والآراء تسافر بكل الاتجاهات.. امراة جبلت من محبة وحنين وام تناثر حنانها ذات اليمين وذات الشمال لا تجيد الكيل إلا بالمحبة للجميع لها رقة لو وزعت على كل النساء لكفتهن ووضوح يطرد كل تدليس وعذوبة تحسدها عليها السواقي وحنان غمرت به بناتها وبنات الآخرين وأخوة سعى لها الجميع فكانت نعم البنت والام والاخت والصديقة والانسانة وها أنا اليوم اجرر معها حبل دردشة عفوية لا يتذوق حلاوتها إلا من عرف زينب الخفاجي عن قرب ..

- يقال انك ثمرة شراكة بين خفاجة والسواعد.. كيف؟

١- انا فعلا كذلك.. مذموم من ينسب نفسه لاحد الأبوين دون الآخر.. ابي الخفاجي ورثت عنه الهدوء والقوة والتماس الأعذار للآخر الف مرة ومرة.. ومن والدتي الساعدية الاف اطنان الصبر والتضحية واللون والحرف و التمسك بواجب العلاقات الاجتماعية مع سبق الإصرار والترصد.....

- هل لا زلت تحبين الجلوس على الشط؟

٢- النهر حبيبي وصديقي وايضا نومي الجالس على الشط الذي كان يحث سيدة النهر.. كانت هذه السيدة تظهر كالدعاء ..تحدّق في السماء،.. تبحث عن مطر في احشاء غيمة حبيبة. وهكذا كانت تفعل كل يوم.. ومازلت امتداد لجلستها تلك.. وقد اتقمص دور المسعدة التي بيتها على الشط.. واعد البط وابتسم فقط.. اظن اني مسعدة جدااا.

- في الماضي كنت أما لدمية وفي الحاضر انت أم لاميرتين.. مالفرق بين الامومتين؟

٣- دميتي وردية كانت بداية امومتي.. صدقت انها روح وتنطق واهتممت بها كثيرا جدا.. مع لعابتي كان الدور سهلا.. أما في الواقع.. لا اخفيك.. صعب جدا جدا.. صرن الحب واعظم نبض.. اخاف عليهن حتى من نسمة الهواء.. وايقنت ان كل حب أمام حبي لهن باطل.. فخورة بهذا التعب اللذيذ والقلق.. واني ام لاميرتين.. احب البنات كثيرا وهن كل ياءاتي وعكازي في أيام تغيب فيه الفرحة.

- كم رجلا احببتي في حياتك؟

٤- لو تقصد الحب العشق.. فإنه مفقود من حياتي تماما.. اؤمن بالتعود والمودة.. وعموما انا احب كل الرجال ضمن عائلتي من الجد حتى الأبناء والزوج.. إنما حتما بنسب متفاوته.

- هل تعشقين التحدي؟ وهل تقبلين الخسارة؟

٥- لا يمكن لأي بشر العيش دون التحدي الإيجابي.. ما يرفعنا في نظر أعيننا اولا.. واخيرا وليس آخرا نظر احبابنا.. ونعم اتقبل الخسارة رغم اني لا اقبلها.. هناك خسارات موجعة حيث يذهب من نحب إلى الله.. نحزن لكن لا اعتراض.

- لو كان بين ممتلكاتك رجل دين هل تقايضينه بشجرة رمان؟

٦- هذا سؤال يحمل بين طياته الكثير ههههه.. لن يكون بين ممتلكاتي اي رجل دين يرتزق بجهل شعوبنا.. العلاقة مع الله حبيبنا لا تحتاج لوسيط.. يكفي ان نتعامل بانسانية ديننا.. ونكف الاذى.. وساستبدله لو استطعت باي شجرة مثمرة تشبع الجائع ولا تسرقه تحت أي بند.

- ماذا تعني لك الابتسامة؟

٧- الابتسامة هي وجه الله ومحبته لنا.. هي الرضا بكل ماكتب وقسم.. هي بنياتي حبيباتي.. اخوتي وأصدقائي جميعا.. المطر.. أمي..

الإبتسامة تجمل المرأة اكثر من كل مساحيق التجميل والعمليات الكريهة.

- متى يتغير عندك المزاج؟

٨- مزاجي سريع التلون.. تتحكم به نشرات الاخبار.. الموت.. وربما كلمة او نظرة.. يعكره الكذب والنفاق ويصفو مع اغنية او وردة.. وربما اعتذار..

- ماذا تعني لك القوافي؟

٩- مع اني اعشق الشعر الموزون المقفى.. لكني لا اشترط رسم حدود وقواعد للتعبير.. الجمال حر ولكل ذوقه وما يروقه..

- اين يكمن الحب في الحضور او الغياب؟

١٠- بعض الحضور غياب مع مرتبة الشرف.. الحب لا يعترف بالغياب تحت أي مسمى.. كما لا يحتمل الحب الأعذار.. كلها واهية أمام عتبة جنونه.. الحب الصادق حضور.. وأنصح كل امرأة.. لا تتسولي نبض من يسبب الأسباب للغياب.

- من هو عالمك؟

١١- الأمومة تجب ما قبلها.. هن كل الحب والعالم.. وليس هناك من هو أهم من أولادنا.. في مرة سالتنا مدرسة اللغة العربية ماهو الحب.. ورغم كل الإجابات كانت اجابتها الأروع والأكثر صدقا.. (من تفديه بعمرك وانت تبتسم).

- عندما يفقد الحب الاهتمام واللهفة ماذا يبقى منه؟

١٢- الإهمال مقبرة الاستمرار في اي علاقة.. دونه اكون مكسورة الجناح.. الملم أطراف صبري وانزوي عند ضفائر حكاية طفلة ترملت (لعابتها).

- بماذا تملئين طاسة التوق؟

١٣- ارفع اسم الله

وأقرأ المعوذات

واشعل بخور هواي

واعبرك من قلعة ياسين ثلاث

وادلق خلفك دمع العين

بطاسة التوق

وانت انت معي

اترقب طريق خطاك متى تأتي

وهل هناك أغلى من دمع العين؟!.. املأ به طاسة التوق.. هي لمن نحب بصدق فقط.

-هل انت أكثر من امراة؟

١٤- انا اكثر من الف امرأة.. احمل في ذاكرتي كل أنثى قرأت عنها او لها.. انا كلهن.. انا طفلة في ربيعها ال الرابع والخمسون.. انا كل نون عرفتها يوما وتأثرت بها..

- ماذا يعني لك البنفسج؟

١٥- يسعى القلبُ لينشدَ أغاني البنفسج.. علهُ يقدرُ أن يوصِفَ شهقةَ المرافىء القصيةْ.. منذ أولِ دمٍ سالَ من جسدِ البنفسج وأنا أصرُ على لهجتي العراقية،. وعلى الآخرين أن يفهموا ما أريد.. البنفسج عراق ولون وبصمة ولهجة.. وهل أجمل منه؟!

- لمن ترفعين راية الحب؟

١٦- الحب لله أولا.. ولابنتاي.. وعائلتي.. ارفعها لوردة لكلمة جميلة لصدق النوايا.. رايتي خفاقة لكل ماهو أنيق ورائق.

- هل تكرهين الصمت؟

١٧- انا يا سيدي

امرأة تخشى الصمت

ولا تأتمن الكلام

والجنون بخير

احتاج لصمت آخر

وكلام لا يراوغ معناه

وتأكد المعضلات وحدها

تحفل بصدق النوايا

احب ان اصمت لاسمع الآخر.. الانصات موهبة صعبة.. اعشق الاصغاء عند عتبة اي حكاية وأصدق حديث العين جدا.

بعد أن شكرتها على سعة صدرها والإجابة على أسئلتي بروح مرحة ودعتها على أمل اللقاء في رمضان قادم أن شاء الله .

***

حوار: راضي المترفي

 

بلقيس البرزنجي: امراة عراقية تشبه النحلة من حيث الحركة والدوران والبحث من مصادر الشهد لتقدمه لذة للشاربين لكن الفارق بين النحلتين أن الأولى دورانها بين الازاهير والأشجار في حين يتسع دوران بلقيس البرزنجي على كل طوائف وقوميات وأديان والوان الطيف العراقي لتعود لنا بشهد الحديث عن كل طائفة وقومية ودين وتعرفنا بأعيادهم ومناسباتهم وازيائهم وعاداتهم ومعتقداتهم وبمناسبة رمضان كانت لي معها هذه الدردشة الجميلة

* بلقيس لمن تنتمين من الطيف العراقي؟

- انا انتمى لأرض الرافدين أولا مع هذا أميز جيدا بين التطرف وشعور الانتماء فأنا كوردية إبنة الشمس والجبال لكن شربت ماء فرات ودجله وارتويت حبا بجميع فسيفساء العراق.3030 التنوع الديني

* كم ديانة في العراق حاليا؟

- فقد كان العراق القديم مرجلا هائلا تغلي وتتخمر فيه عقائد وأديان الغنوص والهرمسيات، ولو أن التاريخ قيض للعراق آنذاك مدرسة كبرى (مثل الاسكندرية في مصر) لكانت عقائد وأديان العراق والشرق المدفونة في طيات الزمن قد ظهرت وتفاعلت وكونت أعظم تيارات الثقافة والمعرفة.....

لكن حاليا فقط تتواجد تسعة ديانات وهي: الإسلام والمسيحية واليهودية في كوردستان العراق والبهائية والايزيدين والصابئة المندائيون والزرادشت، والكاكائية، والعلوية في مدينة عانه في الانبار3031 التنوع الديني

* هل تعرفين عدد القوميات في العراق؟

- نعم بالتأكيد،

1.السواد الاعظم العرب

2.الاشورين، الكلدان، السريان

3.الكورد،الكورد الفيلية.

4.الشركس

5.الغجر

6.الاثورين، الاقباط.

7.افارقة في العراق

8.الفرس العراقيين

9. رافيديون مستعربين

10. قومية اليهود.

11.الايزيدين ديانة وقومية بنفس وقت

12. الصابئة قوميتهم ارامية.

13.التركمان.

ومع هذا الكثير لايعرف بها ويظن ان العراق فقط عرب وكورد.3033 التنوع الديني

* ماذا يلبس الايزيديين في أعيادهم؟

- الزي التقليدي للايزيدين يختلف من منطقة لأخرى يعني زي بعشيقة وبحزاني به اختلاف عن زي سنجار لكن يصنف زيهم ضمن ازياء كوردية من فلكلور من حيث ألوان الربيعية الزاهية والإكسسوارات.

* لماذا يتعمد الصابئة بالماء في عيدهم؟

- التعميد عند الصابئة المندائيين وهي الصباغَة، كما هو ثابت في الصابئية هي طقس الدخول من العالم السفلي إلى العالم العلوي (عالم النور) ولا نميل، بل ننفي قول من ذهب إلى القول، كونها، أو من أنها تعني غسل الذنوب، (حيث أن نبي الله ورسوله يوهانا) موصبانا قَد صُبِغ َ أو اصطبغ وقد انقضى من عمره (ثلاثون يومًا)، وقد أقيمت أو جرت مثل هذه الصباغة للكثير من الأطفال الصابئة. يقال الله كتابه: الكنز العظيم مبارك اسمه باسم الحي العظيم.

اصبغوا نفوسكم بالصبغة الحية التي أنزلها عليكم ربكم من أكوان النور، والتي اصطبغ بها كل الكاملين المؤمنين.

من وسم بوسم الحي، وذكر اسم ملك النور عليه، ثم ثبت وتمسّك بصبغته وعمل صالحًا، فلن يؤخّره يوم الحساب مؤخّر.3032 التنوع الديني

* ماهو الفرق بين البهدانيين والسورانيين؟

- هناك فرق كون السورانين هم الكورد الذين يسكنون جنوب كوردستان بالأخص وتختلف لهجتهم وزيهم عن البهدانين الذين يسكنون شمال كوردستان ولغتهم الكورمانجي وهي نختلف عن السورانين كالاختلاف بين الايطاليه والانكليزية.

* هل الكرد امة واحدة؟

- الكورد أمة واحدة كلنا ابناء كوردستان لكن القبائل الكوردية المكونة لكوردستان هي خليط من عده انساج ملونة كونت جميعها الكورد.3036 التنوع الديني

* من اين جاء اختلاف اللهجات في القومية الواحدة؟

يحدث هذا بسبب الهجرة والترحال ودخول ناس جدد للمناطق فنرى فلهجة العراقيه العامية الكثير من مصطلحات الإنكليزية والايرانية وكله بسبب تجار وترحال. والخ

* من هم البهائيين وماذا يعبدون؟

- هي إحدى الديانات التوحيدية والتي تؤكد في مبدأها الأساسي على الوحدة الروحية للجنس البشري. وترتكز الديانة البهائية على ثلاثة أعمدة تشكّل أساس تعاليم هذه الديانة:- وحدانية الله_ أن هناك إله واحد فقط وهو الله الذي هو مصدر كل الخلق.

* اين يكون النوروز اجمل؟

- في كوردستان السلام في جميع بقاعها.

* هل في دين الصابئة صيام؟ وكم مدة صيامهم؟

- الصيام في الدين الصابئه عِبادة، وهي الركن الخامس في الدين الصابئي، لقد شَرّع الله الصيام، ليهذّب (النفس: النشماثا) عند الإنسان الصابئي، فعلى الصابئي أن يحذر من الأعمال التي تخدش هذا الصوم من قبل نفسه، حتى يتحقق الغرض والهدف من الصيام.

بسم الحي العظيم أيها المؤمنون بي

صوموا الصوم الكبير، صوم القلب والعقل والضمير * لِتَصُم عيونكم، وأفواهكم، وأيديكم.. لا تغمز ولا تَلمز * لا تنظروا إلى الشّر ولا تَفعلوه * والباطل لا تسمعوه * ولا تنصتوا خلف الأبواب * ونزهوا أفواهكم عن الكذب * والزيف لا تقربوه * أمسكوا قلوبكم عن الضغينة والحسد والتفرقة * أمسكوا أيديكم عن القتل والسرقة * أمسكوا أجسادكم عن معاشرة أزواج غيركم، فتلك هي النار المحرقة * أمسكوا ركبكم عن السجود للشيطان وللأصنام الزيف * أمسكوا أرجلكم عن السير إلى ما ليس لكم * إنه الصوم الكبير فلا تكسروه حتى * تفارقوا هذه الدنيا.

أما الصوم أو الصيام (صوم ربّا) عن (تناول الأطعمة والأشربة) في الصابئية، فهو مقصورا على عدم تناول اللحوم.

* هل المسيحيين طوائف مثل المسلمين ومالفرق بين تلك الطوائف؟

- نعم تقسم إلى ثلاث مذاهب وثمان قوميات تقريبا وهناك اختلافات دينيه كثيرة كالبعض يعتقد ان مريم ام الله والبعض لايعتقد هذا شي.

* ماهو الفرق بين ازياء الريف وأزياء الحضر عند الكرد؟

- ازياء الريف او بيئه صحراوية تخلو من الوان والإكسسوارات على عكس من ازياء الكورد نرى فيها ألوان الزاهية الربيعية بجمالها كأنها قوس قزح وهناك 320 نوع من الملابس الكوردية.

* ماذا بقي من ازياء السومريين في الجنوب؟

- ارتداء اليشماغ سمة بارزة وهوية تراثية معروفة في مدن جنوب العراق، ويحظى من يلبسه بمكانة اجتماعية مهمة، ويعطي تأثيرا سحريا وكبيرا في الحياة ...3034 التنوع الديني

* إلى كم نوع يقسم غطاء الرأس (العمامة) عند الاكراد؟

- هناك 320 نوع من انواع عمامات وهي تختلف من عشيرة لأخرى أيضا ومن مناسبه دينيه لأخرى.

* هل العقال العربي موروث سرياني أو ابتكره عرب الجزيرة؟

- موروث سومري.

* ماهي المدن التي قمت بزيارتها؟

- أربيل، فقط هولير. قبلة الكورد ونبض كوردستان الحي.Iraqi Yazidis gather outside the Temple of Lalish in a valley near the Kurdish city of Dohuk on April 19, 2022, during a ceremony marking the Yazidi New Year. - The Yazidis, who number about 1.6 million, commemorate the arrival of light into the world during the new year celebrations. (Photo by Ismael ADNAN / AFP) (Photo by ISMAEL ADNAN/AFP via Getty Images)

* هل هناك ديانة اسمها العلى الهيه؟ ومن هم اتباعها؟ وأين يتواجدون؟

- نعم هم الكاكائية متواجدون في كوردستان وديالى وبغداد، وهي أحد ديانات الكوردية القديمة وهي امتداد للمثرائية

* اي زي راق لك وجربت ارتدائه؟

- مع حبي لجميع الازياء، لكني فقط متمسكه بزينا الكوردي

* هل تتأثر الطوائف الأخرى برمضان المسلمين؟

- نعم، سمعت ان مسيحين في موصل يرتدون شال في رمضان احترام للمسلمين

* كيف يتزاوج الصابئة والايزيديين والبهائيين؟

- الصابئة دينهم مغلق وكذلك الايزيدين لايوجد زواج خارج الدين نهائيا.

اما البهائية فحسب معلوماتي يوجد زواج لديهم مع غيرهم من الطوائف

* من اين تحصلين على معلوماتك؟

- المعلومات الدينية من رجال الدين خاصة. وتاريخية اتحدث مع باحثين واناقشهم واحصل منهم عل الذي أريده او اقوم ببحث في كتب وهكذا.

* هل تعايشتي مع من كتبت عنهم؟

- نعم تعايشيت مع الايزيدين في سنة 2014 في أربيل.

3037 بلقيس البرزنجي* اي الأديان أكثر احتراما للمرأة؟

- (الإسلام)

* لو لم تكوني مسلمة ماذا تختارين من دين؟

- إذ لم أكن مسلمة فأنا مسلمة ملة أبينا ابراهيم حنيفا مسلما وماكان من المشركين.

* اي طائفة صعب عليك معرفة عباداتها وعاداتها؟

- الديانات المغلقة الايزيدين والصابئة

* هل اتعبك الترحال؟

- اتمنى الترحال ولم اجربه للان

***

حاورها: راضي المترفي

 

فوز حمزة

نورس عراقي يمم أجنحته صوب أوربا الشرقية في زمن المواجع والمحن واتخذ من ملاذ الجواهري ويساريو العراق في أيام محنتهم ومطاردة حكومات البعث لهم سكنا وبنتْ عشها هناك ومن صوفيا تحديدا يصلنا خفق روحها شوقا وقصصا وحنينا للعراق وكلما فاض حنينها كلما هطلت علينا أمطارها قصصا قصيرة مؤطرة بالحب والجمال والحنين للعراق وها أنا اجاذبها الحديث عن العراق والغربة وصوفيا وقصصها التي تزين المنشورات وضفاف النت وصفحات الجرائد والمجلات ..

- اسمك يسعى له الجميع في كل مايعملون فمن أسماك فوز؟

* قبل أن أجيب عن هذا السؤال أحب أن أقول أنا لم استبدل بغداد بصوفيا، بل استبدلت الخوف بالأمان، الموت مقابل الحياة، استبدلت استقرار العائلة التي كانت مهددة. إنها الظروف التي تجبرنا على صنع مستقبل جديد في بقعة أخرى من الأرض عجزت بلادنا عن توفيره لنا. أما عن اختيار اسمي، أعتقد أنه القدر وأنا آمن به.

- من أين أقص أثرك؟

* ستكون رحلتك طويلة إن بدأت في تقصي أثري، لكن أستطيع القول بإمكانك اختزال كل الرحلة في كتاباتي، ستجد في كل نص لي جزء مني ربما هو غير مرئي أو يكتنفه الغموض لكنه موجود.

- حدثيني عن رحلة التغرب؟

* سأحدثك عن رحلة لم تنتهي بعد. رحلة دفعت ثمن غال لها وما زلتُ مستمرة بالدفع وأخشى أنني قد أكون فقدت تذكرة العودة. لكن لو طلبت مني تسمية هذه الرحلة سأقول لك أنها رحلة اكتشاف الذات أو الأصح العثور عليها. في هذه البلاد عرفت كيف أن المرأة لا تدافع عن وجودها أو حريتها، بل تكفلت بذلك القوانين والأنظمة المؤمنة بذلك وتعاملها بما يليق بها وبما يحفظ لها كرامتها.

- ماذا تعني لك القصة القصيرة .. ترف .. هم .. طريقة هروب من الواقع .. أو نافذة للتواصل مع الآخرين؟

* مصطلح ترف فيه ظلم كبير لهذا الجنس الأدبي الرفيع بالإضافة إلى أن الكتابة عموما لم تكن يوما ما ترفا، بل العكس تماما، الكتابة استحضار للألم والوجع ، نبش في ذاكرتنا وعواطفنا التي نسخرها لتقوم بتجسيد مشهد مماثل قد مررنا به لنسقطه على الورق. كما يقول ستانسلافسكي إنها لو السحرية. الكتابة هي تجربة قد اختبرت آلام الولادة آلاف المرات لتصبح من خلال هذه التجربة جاهزة للتعبير عن ذلك من خلال الكلمات والمعاني وتبني للكاتب نافذة عريضة للتواصل مع الآخرين.

- متى يحكم القاص سيطرته على بطل قصته؟ ومتى يكون القاص يركض خلف بطله؟

* إذا أراد الكاتب إحكام سيطرته على أبطال قصصه، عليه أن يختار الجلوس بعيدا عنهم ومراقبتهم دون أن يحشر نفسه بينهم ، يترك لهم مساحة من الحرية يمارسوا في هذه الساحة حقهم المشروع في التعبير عن مكنوناتهم دون خوف دون انتظار العقاب، بهذه الطريقة يحكم السيطرة عليهم ، في النهاية العملية لست سهلة وتحتاج إلى دراية ودربة. أما إذا كان القاص ممن يحبون الاستعراض بكل أنواعه، فإنه بذلك سيفقد الخيوط التي تحرك أبطاله ويبدا في الركض خلفهم لكن دون جدوى.

- لماذا اخترت صوفيا منفى؟

* أنا مؤمنة بالمقولة التي تؤكد أن للأماكن أرواح كما البشر، كي تشعر بالراحة والألفة والأمان أختر ما يتناسب مع روحك وهكذا فعلت. صوفيا تشبهني كثيرا، بسيطة، مسالمة، تنشد السلام والسكينة.

- ماهي أوجه الشبه بين صوفيا وبغداد؟

* إذا كان هناك ثمة شبه بين الصخب والهدوء أو بين الحرية والقيود بين الحرب والسلام سيكون هناك شبه بين المدينتين.

- ما هي ذكرياتك عن ايام الدراسة في كلية الفنون؟

* كلية الفنون الجميلة مثل أي مكان في العالم تتواجد فيه، تتشكل فيه ذكريات جميلة وأخرى مؤلمة لكنها في النهاية ستمدك بتجربة ضرورية لفهم الحياة والناس، في العموم ذكرياتي فيها أغلبها سعيد ومفرح.

- من تشبهك من النساء؟

* سؤال غريب حقا ومستفز، فأنا أحيانا استيقظ صباحا لأجد امرأة أخرى في فراشي لا تشبهني، وحينما استذكر فوز قبل سنوات كأني استحضر امرأة غريبة عني. أنا لا أشبه نفسي فكيف بامرأة آخرى؟

- كيف يقع الإنسان في الحب؟

.الإنسان لا يقع في الحب، الحب ذو منزلة عالية لهذا هو يرتفع بالمحبين عاليا. أما إذا كنت تقصد كيف يعثر الإنسان على الحب فأقول لك: إن الحب هو من يتولى الأمر، هو من سيبحث عنه وهذا يحدث حينما تكون لاهيا عنه ومشغولا بأشياء أخرى.

.ماهي أجمل لحظة في حياتك؟

* لم تأتِ بعد هذه اللحظة، لكن أستطيع القول أن وجود كتاب في يدي مع فنجان قهوة أمامي قد تجعل من اللحظات جميلة لكن لأجل مسمى.

- لمن حنينك في الغربة؟

* أحن لأشياء كثيرة بعضها غير منطقي مثل شاي العصر في بيتي في بغداد والتسكع مع جاراتي. أحن لكتبي التي بعتها قبل أن أسافر، أحن إلى المتنبي وأجوائه التي تشعرك كأنك في عالم خاص ، والقائمة تطول. باختصار أنا في حالة حنين دائم لكل شيء في وطني.

- هل لازالت صوفيا ذات وشاح أحمر؟

* صوفيا تتلون بلون كل فصل، لكن وشاحها الأحمر كان إعلان ولادة لمولودي البكر، مجموعتي القصصية الأولى الوشاح الأحمر.

- متى تكتمل أناقة المرأة؟

* بطريقة حديثها ونبرة صوتها، طرحها للأمور وكيفية معالجتها، تكتمل أناقة المرأة حينما تختلف معك وتظل تحمل لك مشاعر الود والاحترام. أما ثقتها بنفسها وإيمانها بوجودها النابع من وجود الكون فهو التاج المرصع الذي يزين أناقتها.

- هل تخفي شمس ابتسامتك الدائمة ركام غيوم في نفسك؟

* نعم. غيوم كثيرة تجمعت على مر السنين وأحاول بشمس ابتسامتي كما تقول ابدد تلك الغيوم ليهطل المطر وتزهر الأشجار.

- هل قصصك رسائل ولمن توجهينها؟

* نعم إنها رسائل، بعضها يحمل في طياته وبين سطوره معاني للجمال وللحياة، أجعل منها مرآة لكل شيء يعزز من قيم الجمال والنبل والبعض الآخر تكون كيد الطبيب حينما يضعها على عضو في الجسم يعاني الاختلال والاضطراب، بدون هذه اليد لن تعرف موضع المرض ولن تستطيع في النهاية إيجاد العلاج له.

- كيف تولد القصة عندك؟

* لايوجد وقت أو زمان محدد لولادتها، قد تولد على إشارة المرور أو وأنا أتبضع أو من خلال كتاب أقرأه وربما من حديث عابر، حينها أقطع حبلها السري وأضعها على الورق بين السطور .

- ماذا تجيدين من الفنون غير القصة والرسم والشعر؟

* بالمناسبة، أنا لا أجيد الرسم، ظن بعض الأصدقاء أنني أفعل ذلك حينما وجدوا أنني أختار لوحة مناسبة لموضوع القصة كتعزيز للفكرة التي كتبتها. أما عن سؤالك ماذا أجيد من الفنون غير القصة والشعر، لا أجيد غيرهما.

- هل النشر في الصحف يعتمد العلاقات الشخصية أو الإبداع يفرض نفسه؟

* ربما الاثنان معا ولا بأس في ذلك حتى وإن كان النشر معتمدا على العلاقات الشخصية، في النهاية لا يصح إلا الصحيح وسيطرد الإبداع والجودة كل دخيل.

- اين تضعين نفسك بين كاتبات القصة في العراق؟

* لا أضع نفسي في أي مكان ولم يشغلني هذا الأمر بتاتا، لأني على يقين أننا - أي الكاتبات – في النهاية نقدم شيئا مختلفا، نحن كأشجار الحديقة مختلفات في عطائنا لكن في النهاية نمنح الطبيعة لوحة جميلة وجديدة.

- ماذا يعني لك الفوز في المسابقات؟

* يعني أنني على الطريق الصحيح، فالنصوص التي تفوز قد مرت على لجان تحكيم ومختصين وجدوا فيها ما يستحق الفوز أما على الصعيد الأوسع، فكل فوز هو للعراق ولفوز الإنسانة.

- هل تجيدين الرقص تحت المطر؟

* نعم أجيد الرقص تحت المطر لأني حينها أتوحد مع هذا الكون الفسيح لنصبح شيئا واحدا، أرقص مع المطر لأولد من جديد، المطر ملهمي.

لمن تغنين ومتى؟

* لا أسمح لنفسي بالغناء، فذلك تطاول على من يمتلكون تلك الموهبة، لهذا أنا استمتع بالإصغاء وأسمح للأنغام في حملي ولو لوقت قصير بعيدا عن هذا العالم.

- هل أنت محظوظة؟

* لا أعتقد، إذا اعتمدت على معنى الحظ فأنا لست كذلك، كي تصنف نفسك من المحظوظين يجب أن يتهيأ لك كل شيء في الحياة وأنا لست من هؤلاء، فكل شيء حصلت عليه دفعت ثمنه غاليا جدا.

- متى يكون المرء قادرا على كسر الاعتياد؟

* حينما يمتلك الجرأة الكافية والتحلي بالشجاعة و أمتلاكه للحرية والتي هي أهم العقبات التي تقف بوجه التجديد وكسر المألوف، والأهم من كل هذا وذاك هو شعور المرء بأنه يعيش الاعتياد، فبعض الناس تآلف الاعتياد حتى يصبح جزء من شخصياتهم لهذا يمضي في طريقه دون أن يخطر على باله كسر أي شيء.

- أنت فوز لمن؟

* لكل من عرفني ونال احترامي، أنا فوز لمن امنحه حبي ومحبتي، أنا فوز حتى لأعدائي لأنني لو اضطررت لمحاربتهم فسأحارب بنبل وشرف، في النهاية أنا فوز لنفسي التي تعبت معي وصبرت عليّ.

- هل تحبين الشتاء؟

* كان عشقي عندما كنت في بغداد، التفاف العائلة حول الموقد والدفء الذي يغذي أرواحنا قبل أجسادنا، صورة احتفظت بها في ذاكرتي، قد تستغرب لو أخبرتك أن شتاء بغداد هو أجمل شتاء على وجه الأرض، أما الآن وهنا في صوفيا وفي درجة حرارة تحت الصفر بعشرين يتجمد الحب ويتصقع. الشتاء في صوفيا قاس جدا لهذا علمني الحزن ومنحني شيئا من الملل.

- ماهي حدود النرجسية؟

* النرجسية لا تملك حدودا لنفسها، بل أنت من عليك أن ترسم حدودها وتغلق عليها الأبواب والنوافذ، النرجسية مرض نفسي خطير وتكمن خطورته على الآخرين وليس على النرجسي نفسه.

- هل تعشقين الورود؟

* وكيف لا أعشق من كانت مخلصة للطبيعة الأم فالورود لم تغير صفاتها منذ الأزل، كأنها أبرمت عهد وفاء بينها وبين الكون الفسيح على أن تحافظ على كل شيء جميل فيها ولتكون رسل محبة بين البشر تغفر خطاياهم وتستبدلها بعبيرها الأخاذ وألوانها التي تحول البؤس إلى فرح واليأس أمل وسعادة.

بماذا يختلف مطبخ البيت عن مطبخ القصة القصيرة؟

- الاثنان يصنعان مادة للحياة، لكن إحداهما تغذي المعدة ليستمر الإنسان في المسير والأخرى تغذي الفكر ليستمر الوجود، فالإنسان كان وما زال تشده قوتان، واحدة للأعلى والأخرى للأدنى-

* تحيين لأجل من؟

- لأجل الحياة نفسها، الحياة رائعة الجمال وكل يوم نحياه فيها هو مكسب بذاته، اما الباقي فهو تحصيل حاصل.

* هل الكتابة ميزة لصالح المرأة؟

- في رأيي، يختلف جواب هذا السؤال من مكان لآخر، بعض الأمكنة تصبح كتابات المرأة عيبا وعبئا عليها، مثلا في مجتمع ينظر للمرأة نظرة دونية سيكون الثمن غال، قد يكلفها حياتها الاجتماعية والأسرية أو ينال من سمعتها لأنها أصبحت تحت الأضواء، لكن في مجتمع يدرك أن المرأة هي نصف المجتمع الذي يلد نصفه الآخر أكيد ستكون الكتابة إضافة مهمة للكاتبة نفسها، سيمنحها وساما للتميز والتفرد.

- كم مجموعة قصصية صدرت لك؟

* لدي أربع مجموعات قصصية صدرت عن دور نشر مختلفة، أسماءها على الترتيب: الوشاح الأحمر، مذكرات زوجة ميتة، مذكرات امرأة في سلة المهملات، صباح كهرماني.

- وأخيرا، هل أنت راضية عن نفسك؟

* لو لم أكن راضية عنها لما سمحت لي بالكتابة، لما ساعدتني لأكون من أنا، لكن لقد تعلمت التصالح معها ومنحتها الحب الذي تستحقه، فالحب الذي تمنحه لنفسك يعود لك بأشكال مختلفة وصور متعددة.

في نهاية هذا اللقاء أقول: أنا ورمضان أشكر الأستاذ راضي المترفي لإنه تذكر فوز حمزة.

***

حاورها: راضي المترفي

حميدة جاسم علي ..

عراقية من ديوانية الخزاعل برعت في دروس الكيمياء منذ سنوات طويلة حتى حملت لقب (مدرسة الكيمياء) في المنطقة والوسط واروقة مديرية التربية لكنها عشقت الأدب فكتبت الخاطرة والومضة والقصة والقصيدة بتنوعاتها واحبت العزلة حتى بدت كراهب في دير لا يستظل بجداره المتعبون تختار قصائدها بأناقة واصدقائها بحذر شديد وهي أم فرح رغم ادعائها بأن الفرح ليس مهنتها وها انا اليوم اخترق جدار عزلتها واشاكسها محاورا ممنيا النفس بحوار فيه من المشاكسة والفرح الكثير ..

- كيف تلملمين بعضك؟

ج١: الملم ما يتناثر من ذاكرتي تلك التي تحط رحالها بين صور الحياة لتنسج صوره صالحة للشعر

- لديك نظرية تقول (لايزال المرء اميا حتى يقرأ ذاته) كيف؟

ج٢: المرء حين يبتعد عن معرفة شخصيته ويعيش تفاصيلها لا يمكنه قراءة الاخر او الحياة بكل تجلياتها لذلك من يقرأ نفسة لا يقرا ما يحيط به فيصاب بالعاميه

- متى يتحول القلب إلى ناي ينثر الحزن؟

ج٣:

للحزن أبواب متعددة ولكن الغريب احيانا ان يتحول الحزن الى نص شعري يريح القلب ويزيل الهم فتتداخل لحظات الحزن المنتجة بروعة ما نكتب

- اين تبني حميدة مضاربها؟

ج٤: مضاربي عند كل نص جديد ستجدني هناك دائما

- مالفرق بين قراءة الشعر وقراءة الكيمياء؟

ج ٥: الكيمياء رغم حبي لها لكنها تبدو جامدة والشعر حركة الروح

- من الذي سألك عن مقامه في قلبك؟

ج ٦ نصي الشعري الذي لم اكتبه بعد

- هل هو نوع من النفاق أن يبتسم الإنسان وفي قلبه نهر حزن ترتفع مناسيبه كل لحظة؟

ج٧: لا ليس كذلك.. نخفي حزننا لانه حالة ذاتية وليس بالضرورة أشغال الناس بها وهي تأكيد أقوى المواجهة

- كم بابا الفرح عندك؟

ج٨: أبواب الفرح على قلتها لكن دائما ما أجد وسيلة للمضي إليها وأغلق باب الحزن.. فالحياة واسعة لاقتناص لحظات الفرح

- ماهي مواصفات من تختارينه صديقا؟

ج ٩: أن يكون نقيا

- هل الحب قدرا مثل الرزق .. مثل الموت أو هندسة وصناعة؟

ج١٠: نعم هو قدر نبحث عنه عند ارصفة الحياة لتهتدي به ارواحنا للجمال

- اين يضيء قمرك؟

ج١١: قمري يضيئ لحظة أجد التفاتة مبهرة عند نص شعري خرج من قلبي دافئا

- هل تخافين الغيوم؟

ج١٢: الغيوم بداية النماء حيث تنثر مطرها تغسل ارواحنا قبل الأرض

- كيف تصنعين يوما جميلا في وضع محبط؟

ج١٣: احاول دائما تفريغ ذاكرتي من كل ما يقلقني في محيطي فليس في العمر متسع لقلق اخر.. لذا اذهب صوب الكلمات ارتب بها يومي

- لمن تتركين وردة على ناصية الطريق؟

ج١٤:

اتركها لمن يصنع الابتسامة على وجهي

- هل تحبين القهوة بمرارتها؟

ج ١٥: القهوة ليس تقليد مهما عندي وحين اشربها فاتناولها مره هي هكذا أطيب

- كيف نميز بين من يرقص طربا ومن يرقص مذبوحا من الألم؟

ج١٦: من تمتماتة لحظه الرقص فكل منهم له تمتمة مختلفة تلك التي تصنعها الحروف

- لماذا تخصصت بالكيمياء وليس الأدب؟

ج١٧: كثير من التخصصات تفرضها قوانين القبول حتى لو كانت ضد رغبتنا ولكن الاجتهاد بها ضرورة وبالنهاية هي لا تتضادد مع الكتابة الأدبية فكل منها حالته الخاصة

- صفي الغياب واذكري بعض أسباب الرحيل؟

ج١٩: الغياب مر اغتراب الروح عن الجسد أصعب انواع الاغتراب

- لماذا أصبحت جميع النساء متشابهات؟

ج٢٠: متشابهات بسبب مشرط الحداثة الذي صنع الوجوه الجديدة

- هل الشوق يطوي المسافات أم أن المسافات تقتله؟

ج٢١: الشوق نعم يطوي المسافات ومن الممكن أن يولد الاقتراب وفي النهاية نحن من يصنع الحالتين... شخصيا بالشوق أحيل المسافات الى وهم

- كيف يصلي الحبيب عشقا؟

ج٢٢: يصلي عشقا حين يحيل كل فراق إلى لقاء حتى عبر المسافات

- هل يتبادل الامل والألم الأدوار وكيف؟

ج٢٣: الحياة على سعتها فيها كل شيئ.. فهي رحلة امل والم ولكن العبرة هي كيف نتصرف مع كل حالة فنتجاوز الألم ونستثمر الأمل

- كيف تملأ قلوبنا بالضوء؟

ج٢٤: بالحب: حب الحياة بمجملها

- من اين يبدأ الوجع؟

ج٢٥: بالفقد.. فقد الاحباب، فقد طعم الفرح، فقد الاحساس بالوجود، فقد القدرة على طرح ما بداخلنا لتفريغ كل لحظات القلق

- ماهو أعلى الأوسمة بالنسبة للمرأة؟

ج٢٦: أعلى وسام تحصل عليه المرأة هو تقدير الناس لها وما يتجلى من حب واحترام

- ماذا يشغل خيال الأنثى؟

ج ٧ ٢: بشغلها ان تعبر عن وجودها بشكل صحيح

- ماذا تعني الورود للمرأة كهدية؟

ج٢٨: الورود تعني الجمال بكل معانية فلونها الأحمر يعني مساحة الحب

- هل الحزن رفيق تعشقه الروح؟

ج٢٨: لا ليس بالضرورة.. فالروح تعشق الفرح ولكن الحزن يفرض عليها

- هل تجيدين الغناء؟

ج٣٠: لا أجيد الغناء رغم اني احاول ان اتمتم بداخلي بأغنية ما

- واخيرا من هي حميدة جاسم علي؟

ج٣١: هي حميدة جاسم التي قرأتها بين السطور

***

حاورها: راضي المترفي

 

- للشّعر ملائكة كما أنَّ له شياطين حسب تُقى الشاعر ودرجة صلاحه ومضامين أناشيده وقصائده

- الملاحم الشعرية تهَب السامعَ متعة لا توجد في القصيدة

- أسماء الله الحسنى ومعانيها العظيمة هي أساس التوحيد والتوكّل على الله

- التذوّقَ الأدبي في تاريخنا الحالي أصابه التقزّم!

- لا أرى شيئاً يفوق القصيدة الخليلية

***

بينما تقول العرب: أَعذبُ الشّعر أكْذَبه. ما أرى الطبيب والشاعر مروان عرنوس إلّا قائلا: أعذب الشعر أصدقه، وأبقاه ما كان للروح مخاطِبًا وللإيمان داعِما. أو هذا على الأقلّ ما أوحت به إليّ عناوينُ دواوينه الناطقة بتوجُّه شِعره الرقيق والكاشفة عن فحوى أدبه الراقي، ومنها: مصاحف تمشي، ولكنّ الله رمى، وللسماء صهيل، رواح الأرواح. وُلد في مدينة حمص بوسط سورية عام 1955م، وتخرّج في كلية الطب جامعة حلب، ثم حصل على شهادة الماجستير في تخصص الأمراض الباطنية، وظل وفيا للمعطف الأبيض لا يغادره، دون أن يَحول ذلك بينه وبين الشِّعر الذي عشقه واجْترحه منذ الصغر، فركب موْجَه وسبح بمهارة في بحوره، بل اختار الصعب حين نظم المسرحية الشِّعرية وكاد يتخصّص في الملاحم الشعرية التي تتطلّب حِسّا قصصيا ونفَسا طويلا وثقافة لغوية وتاريخية واسعة. هذا إلى جانب المقامة الأدبية والرواية اللتيْن خاض غمارهما وترك فيهما بصمة غائرة. وكالعادة، تعرّفْت عليه عبر الكوكب الأزرق، وبدماثة خلُق وهدوء طبع ورصانة قول كان على موعد لم يخلفه وهذا الحوار:

* ما قولكم في أن (عرنوس) ليس مجرّد لقب لعائلة ولا عنوانا لحارة، ولكنه تاريخ عابر للقرون؟

- في أحداث دواويني (قيودٌ أزهرتْ حُبّا)، إجابة على سؤالك.. وهو أن ابنة أمير طرابلس الصليبي وقعت أسيرة في أيدي رجال إسماعيل أبي السباع، وذلك في عهد نجم الدين الأيوبي بعد معركة حطين، فأحسن معاملتها. وبعد ذلك بشهور، وأثناء جولة على الأسرى، طلبَتْ منه فكَّ أسرها، فوافق، ثم أعلنتْ إسلامها، وأبت أن ترجع إلى أهلها، بعدما أحبّت العرب المسلمين. وما كان منه إلّا أن تزوّجها وأهداها أيقونة ذهبية ليلةَ عرسهما وأنشد:

قيودٌ أزهرَتْ حُبّا

تسرّ القلبَ واللبَّا

لقد كانت أسيرتَنا

فصارتْ من ذوي القُربَى1

ومرّت الأسابيع وحملَت، ثم أبدت رغبتَها بزيارة أهلها، فسمح لها، وهناك غضب أبوها وأُمّها منها لأنّها تزوجّت من عربي مسلمٍ، ونفوها إلى روما حيث جدّها وجدّتها، وانقطعَت أخبار زوجها عنها، وأنجبت ابناً سمته عرنوس، وبثّتْه ذكريات أبيه، لكن جدّه كان ينشئه على الحقدِ والانتقام من العرب، ثم شبَّ وأُرسل في حملة صليبية، وعند وداعها ابنها الزاحف إلى قتال أهلها وضعت الأيقونة في عنقه، وقالت له: هذه من والدك إسماعيل أبي السباع أهداني إياها، وأَعلمتْه أنه سيقاتل أهلَه وأعمامَه العرب، وهذا ذنب عظيم، لكن الابن ظنَّ كما قال له جدّه أنَّ بها مسّاً من الجنون.

وجرت معركة بين جيش عرنوس والجيش العربي المسلم عند مشارف حلب، وقَتل فيها عرنوس عدداً من أبطال الخصم بشجاعة أثارت الانتباه وبثّت الخوف في قلوب العرب، ثمَّ تصدّى له قائدٌ كبير العمر يريد أسْر هذا الفتى الشجاع، وبعدما انهزم عرنوس، وهمَّ البطل المسلمُ أن يشدَّ وثاقه، فوجئ بالأيقونة في صدره، ودار بينهما حوار ذو شجون، تعرّفا من خلاله على بعضهما، قبل أن يتعانقا ويتبادلا القبلات، ويعلم الابن أنّ جده زوّر الحقائق، وينضم إلى جيش أبيه ويعلن إسلامه، لينشد والده:

قيودٌ أزهرتْ حُبّا  

   تسرُّ القلبَ واللبا

أتى خصماً يبارزني

   فكان ابني وكنتُ أبا

ثمّ دارت الأيام دورتها، وقُتل والدُه في إحدى المعارك، بنما كبر هو وسكن دمشق ومات بها ودفن في ساحة سُميت باسمه وهي ساحة عرنوس الشهيرة الآن في دمشق.

* باعتقادكم؛ لماذا يَكثُر الشعراءُ في الشام مقارَنة بغيره من البلاد العربية؟

- يجيبك على سؤالك العلّامة الدكتور الأستاذ عبد الكريم اليافي رحمه الله في تقديمه ديواني (مصاحف تمشي) الطبعة الثانية. حيث قال: ربوع الشام من أجمل بلاد العالم وأعرقها وأعرفها قاطبة. وذلك بماضيها الحافل بالمجد والسؤدد والبطولات والمآثر الإنسانية. أرضها متنوّعة بين السهل والجبل والروابي والأنهار والجداول والإشراف على البحر وعلى الصحراء. وكثيرة هي خيراتها و خضراواتها وأشجارها وفواكهها العسلية المذاق وأعنابها الفائقة الطعوم. آرامها وغزلانها كانت وحشية تسرح في المروج والسهول وعلى الروابي وأصبحت إنسية تقطن البيوت الأنيقة وتسحر بألحاظها القلوب والألباب. فراشاتها الطائرة كأوراق الورد تحوم دائما فوق شجيرات الورد وبراعم النَّور وأكمام الأزهار. سماؤها بديعة تزدان بأنصع النجوم وأشهر الكواكب وأهم المجرّات. وأخيراً، شعبها ملتئم مُجدٌّ دؤوب محبّ للسلام والتعارف والتعاون مُتيَّمٌ أبداً بالقيم الإنسانية الرفيعة.. كلُّ هذه الملامح تُفتِّحُ الفِكْر والمواهب والقلوب للعلوم والفنون، ولاسيما فن الشعر الذي امتاز العرب فيه وتفوَّقوا في قريضه باعتماد الإيقاع المناسب البارع واختيار الكلمة الطيّبة واصطفاء الصور الرائعة واصطياد الخاطر المُلهَم، وكم من شاعر عاش وأنشد وغنّى تلك المحاسن الطبيعية والمفاتن الإنسانية.

وربوع الشام نريد بها المعنى الجغرافي التراثي الواسع على الرغم من تقاسيمها المصطَنعة في العصر الحاضر. وكل شامي شاعر بالفطرة وبالقوّة أو بالفعل حسب تعابير أرسطو الفلسفية. لذلك كثر الشعراء عندنا قديماً وحديثاً. منهم من اشتُهر بالشِّعر وغدا مُخلَّداً به. ومنهم من يغازل الشِّعر ويغازله ملَكُ الشِّعر أو شيطانه، ذلك أن للشّعر ملائكة كما أنَّ له شياطين حسب تُقى الشاعر ودرجة صلاحه ومضامين أناشيده وقصائده.

* إلام تُعزَى ندرة المسرح الشِّعري؟ وما الذي أغراك بخوض غمار الملاحم الشعرية؟

- المسرح الشِّعري يحتاج إلى موهبة قوية، وفيضٍ في العطاء، ولا أقلّل من قيمة الشعراء الآخَرين بذلك، لكنها الحقيقة، وفي الشعراء العرب عدد كبير من الفطاحل، لكنهم ربما رأوا ذلك الطريق وعرا.

والملاحم الشعرية تروي وقائع تاريخية أو خيالية في أزمنة متباعدة وفي بلدان عديدة، وربما تهَب السامعَ متعة لا توجد في القصيدة، ناهيك عن كتابة التاريخ شعرا، وفي هذا متعة للشاعر والقارئ.

والحمد لله لديّ ملاحم شعرية ثمانية مطبوعة:

1- (مصاحف تمشي) تتحدث عن الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة السهمي مع ملك الروم عندما كان أسيرا عنده.

2- (حوارٌ...لا خناجر) تتحدث عن هجرة المسلمين إلى الحبشة، وحوار الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مع النجاشي.

3- (ولكنَّ الله رمى) تتحدث عن معركة القادسية.

4- (وللسماء صهيل) تتحدث عن غزوة بدر الكبرى.

5- (وللرماح دموع) تتحدث عن الصحاب الثلاثة الذين تخلّفوا عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك.

6- (قيودٌ أزهرت حُبّا) ذكرتُ عمّ تتحدث في جواب السؤال الأوّل آنفا.

7- (نزف الأقصى لهيبا) تتحدث عن معركة حطين المظفرة.

8- (وترنّحتِ الأسوار) تتحدث عن فتح القسطنطينية والسلطان محمد الفاتح.

وتبقى ملحمة مخطوطة أرجو الله أن ييسر طبعها وهي (كأنّها كوكبٌ دري).

* من وحي ديوانك (رواح الأرواح) الذي قبس من أسماء الله الحسنى، ما الخلفية الإيمانية التي أنجبت هكذا شعرا يبدو وكأنه في المحراب يسجد وبالمسبحة يسبّح؟

- على كلّ إنسان أن يتقن فهمه الصحيح للدين، وأسماء الله الحسنى ومعانيها العظيمة هي أساس التوحيد والتوكّل على الله، فمَن لا يفقه معاني الأسماء الحسنى ولا يعمل بما توحي وتأمر ولا يعتبرها لبُّ الدين؛ فعليه مراجعة فهمه وحساباته. وهل هناك من تجليات للروح، ومن داعٍ إلى سكب الدموع أكثر من الخضوع أمام عظمة معانيها، ومناجاة العظيم الذي قال في كتابه الكريم: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" .(الأعراف: 180)

* برأيكم، لماذا انقرض أدب المقامات الذي يفوح عطره من سنّ قلمكم بين حين وآخَر؟

أدبُ المقامات سهلٌ ممتنعٌ، وفنٌّ عظيم كجبلٍ مرتفع، يتقنه مَن أحبّه وكان مبدعا، وقد أصاب التذوّقَ الأدبي في تاريخنا الحالي تقزّمٌ، وسيّر الاستمتاع باللغة وجمالها وسحرها قصورٌ، لذلك نراه قليلا، لضعف الرصيد اللغوي، ووقرٌ أصاب الآذان،، فلا نرى إلّا عند القليل أذنا مرهفة الشعور.

وفي الحقيقة كانت مقاماتي في كتابي(نفوسٌ ملوّنة) فنّا فريدا، حيث أذكرُ القصة نثرا، ثم شعرا، وأظنَّ أنَّ هذا الفنَّ نادر، بل ربما لم يسبقني إليه أحد. وعندي مخطوطة كتبتُها ولمّا أطبعها (عقولٌ مجنّحة)، وهي مثل كتابي (نفوسٌ ملوّنة) تروي قصص طبيب حمصيٍّ مع مرضاه، وتغوص في تحليلات نفسية لهم، وتروم استخلاص العبر، طبعا دون ذكر أسماء المرضى- فسرُّ المرضى سرٌّ دفين- وربما تغلبُ عليها حيناً روحُ الفكاهة، والقصص حقيقية، وليست من نسج الخيال.

وما كتبتُه يحدث مع الأطباء عادة، لكن الشاعر والأديب يرى لِما يحدث مغزى كبيرا، وهذا هو الفرق بين ما يراه الطبيب الشاعر وما يراه الطبيب الذي ليس بكاتب ولا شاعر.

* الملاحَظ أن دواوينكم المطبوعة تكاد تحتكرها دار الفكر؟

- دارَ الفكر، دارٌ عريقة متقنة الإنتاج، وتتميز بدقة المواعيد، والوجه البسّام، ولكن طبعْتُ في دار الإرشاد أيضا كتابيْن: ملحمة وترنّحت الأسوار، وكتاب نفوسٌ ملوّنة وهو كتا ب نثري شعري يتحدث عن مكابدة الطبيب وما يحدث بينه وبين المرضى من قصص نادرة.

* مَن الطبيب الشاعر الذي تستحضره في ذهنك حين تمزج بين الطبّ والشّعر؟

- الشاعر الدكتور عبد المعطي الدالاتي الحمصي، والشاعر الدكتور وجيه البارودي الحمَوي.

* في مرآتك الداخلية، هل تراك طبيبا شاعرا أم شاعرا طبيبا؟

- أعتبر كلَّ طبيب شاعرا؛ فالطبيب الذي يصغي بمِسماعه إلى تغيراتٍ في جسم الإنسان، ويجس بيده آلام المريض، عليه أن يكون ذا نفس مرهَفة تقاسي مع المريض آلامه، وتصغي إليه وإلى أنّاته بأذن المُواسِي والآسي، فهل يوجد فرق بين الطبيب الذي يسمع الأنين وبين الشاعر الذي يتلوّى من فرط الشوق والحنين؟ وهل هنالك فرق بين مريض فقد جزءاً من أعضائه وبين شاعر محِبّ يتلظّى لفقد حبيبه ولبعْده عنه؟..فأنا طبيبٌ حلَّ في عقله الطب وفي قلبه الحب فأنشدُ وأُعالج، واعتبرني كما شئت، فقد بيّنتُ لك حالي.

* هل صحيح أن القصيدة غير الخليلية لا توافق مَعِدتك الشِّعرية؟

- المعاني الشعرية والتخيلات والإبداعات وإصابة الحقيقة وإظهار المراد أساس في الكلام، فإذا فقدنا ذلك فالكلام ليس إلى القلبِ بسالك، والموسيقا الشعرية الجميلة هي التي تضفي على الأقوال السحر، وأقول السحر لأن البيان سحرٌ لا يستطيعه أحدٌ إلّا مَن حباه اللهُ نعمة القريض. وأنا أحبُّ أيّ شعر دُمغ بهذه الصفات، ولا أرى شيئاً يفوق القصيدة الخليلية .

* كثير من الشعراء اتجهوا إلى كتابة الرواية التي طغت حديثا على سماء الأدب، أين أنتم من هذا الطوفان؟

- الرواية فنّ يحتاج إلى خيالٍ واسع، وموهبة كبيرة، وربما لا يحتاج إلى رصيد لغوي كالشِّعر، لكنْ لابدَّ من بعض ذلك، وقد كتبتُ روايتين لمّا أطبعهما وهما: سيوفٌ تسلُّ ورودا، ومآذن العاشقين.

* ما الحكمة التي أسرّت إليك السنون بها وتودّ تمريرها إلى من يلتمسونها بصدق من شباب الأطباء والشعراء؟

- الطبيب والشاعر والأديب عليهم أن يقولوا ما يفيد ولوكان طُرفة، فعلى الأطباء الشعراء الشباب أن يلتزموا بأهداف يسيّرون أدبهم إليها، فإذا نطقْتُ بكلمة فعليَّ أن أراعي أن كلامي يجب أن يكون كعلاجي للمرضى فعّالا. وأنْ أبني بكلامي أخلاقا كريمة عند الجيل الكبير والشاب، فليس المهم أنْ أنشر، لكن المهم أن أكتب وأنشر ما يفيد، والكلام جيّده يسيّر إلى الفلاح، وربما يقول أحدُنا كلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في جهنم كما ورد، والدنيا دار عمل، والآخرة دار الجزاء وهناك إما خلودٌ أبدي في النعيم، وإما جحيم وندم.. فلنقلْ خيراً أو لنصمتْ

***

حاوره: د. منير لطفي    

17 فبراير 2023م

................

1- الأبيات من نظم الطبيب والشاعر مروان عرنوس

* ففي كثير من الأحيان كل ما نريده هو أن نُسمع فقط.

أخيرا وبَعد بُعد المسافات والمرض، وفي هذا الصباح المشتاة يُتاح اللقاء لنفتح بابا مع أيقونة محبة وعنوان إنساني صاحب "رذاذ بقاع المدينة، و"إلى حين تمطر" و"كأن لا أحد" وهو الذي كان يكتشف نفسه في الشَّارِع الطويل الذي أخذَ ينسَحِبُ من تحتِ قدميه، شهادات قصصية فنّية تلميحية، شحنة مركزة وجرعات مكثفة من المشاعر الرقيقة والقيم الانسانية، لفظاعة ما يعرفه الواقع الإنساني، وهي بمجموع نصوصها النّابضة بالحياة، وبحُرقة الواقع المعيش، وما يَعتريه، تشي بقلم متجدد لمحمد آيت علو، الذواق للإبداع، والمؤمن بقوته لتجاوز اللَّحظة الآن، البارع الماهر في اقتناص اللّحظة و تشكيلها… و الذي تَعِدُ مجموعته هذه، بعطاءٍ كثير على درب الإبداع الجميل السحري الرائق، كما عوَّدَنا دوما. وهو الذي يعتزُّ ويحترمُ قراءهُ كثيراً، ويستفيدُ من طرق مقارباتهم وإبداعهم في تصور المعاني وفي التعبير عنها، ويبقى من حق المتلقي لأي نص أن يبني أفق انتظاره بالطريقة الممكنة والمناسبة له.

إلتقيناه بعد طول غياب محمّلاً بجماليات السرد وسحره وعذوبته، مضمّنا بعطر الطفولة، موشّى بالحب والفرح، مفعما بشذى البراءة والأمل والصفاء، يمتطي صهوة الكتابة في رحلة تجاوز التفاهات والانهيارات والخيبات والإحباط والرتابة والوحشة والوحشية واللامعنى وقبح العالم، وإعادة بناء الذات والحياة، والانتصار لكل ما هو جميل، والخروج لعالم أرحب لمواجهة قسوة العالم، وقد كان لنا معه هذا الحوار لإلقاء الظلال على كتاباته القصصية الناجحة ونشاطه الثقافي عموما.

* فحين تتشظى العلاقات تتحول المسافات انفلاتا، ويصير الاقتراب احتراقا...جاءت نصوص مسافات منفلتة من بؤس الواقع، متداخلة بين ما هو سردي وشعري...كما يمتزج فيها الواقعي بالمتخيل... حيث ذات السارد تسافر إلى الداخل لاكتناه انفعالاتها وعقدها ممتطيا لغة شاعرية منتقاة بحرفية مخترقة ذاكرتنا. في هذا الحوار سنحاول طرح بعض الأسئلة على كاتبنا محمد آيت علو وهي كالتالي:

حول تجربته الإبداعية عامة والمزاوجة بين السردي والشعري خاصة. وحول عنوان آخر إصداراته. فالثيمات المهيمنة فيها، ثم خصوصية المجموعة القصصية الأخيرة.

- السؤال الأول: لاحظ أن المجموعة القصصية الأخيرة " كأن لا أحد" - والمترجمة حاليا ضمن دور النشر الأوروبية وبطبعة أنيقة - بالمقارنة وإبداعاتكم السابقة عرفت طفرة جد مهمة، تكمن في طريقة تعاملكم مع اللغة، التي كانت محبوكة بحرفية نادرة. هل لكم أن تحدثنا عن كيفية تعاملكم مع اللغة؟

الجواب: بداية أشكركم على أسئلتكم الجميلة وأتمنى أن تكون الإجابة إثراء للحوار الممتع معكم كمبدع ومثقف مواكب ومتتبع، الواقع أن هذا المؤلف ليس آخر الإصدارات، حيث جاءت من بعده إصدارات شعرية منها"أنفاس تحت كمامة" ومؤلف إلكتروني"أشرعة لمباهج وبركات من نور"، واليوم نصوص مترجمة عن هذا الكتاب الذي ذكرت، فضلا عن نصوص موازية له في إصدار جديد بعنوان" خفيف الظل" وهي كلها تسير وفق المشروع الذي بدأناه "نصوص منفلتة ومسافات" ، وجملة ما فيها أنها نصوص انفلتت من عقال التجنيس المقيد لكل نفس إبداعي أحيانا، ويأخذ مشروعيته ويمتلكها من الدلالة اللغوية نفسها، وها هو الحنين يتجدد إليها كتجربة انمازت بتفردها وخصوصيتها، ثم من منظور المشهد والفضاء الثقافي الذي يتسم بالتعدد ويعج بالتجارب المتفردة، ومعناه فأنت مطالب بالبحث وتقديم تجربة توفر الجديد والمتفرد، وبالتالي التحليق خارج المألوف والرتابة، والإنطلاق إلى كافة العوالم بأجنحة فنية لاحدود لها، والمعول عليه هو الإبداع، وبخصوص سؤالكم عن التعامل مع اللغة أقول إن الحروف تموت إن لم تكن مسكونة بهاجس روعة اللغة، فهي رهان متجدد باستمرار، علاوة على أنها جوهر الكتابة القصصية ولحمتها، عبر لغة راقية تسمو بالذوق، وحبك اللغة في مثل هذه النصوص يستدعي التكثيف والاختزال، فضلا عن الإيحاء الذي يضفي جمالية للكتابة وبأسلوب سهل ممتنع، مع ضرورة توفير متعة القراءة للمتلقي، أما بخصوص المزاوجة بين ما هو شعري وسردي قصصي، فلكل رونقه وجماليته، كمن يحمل ريشة يلوّن بها مساحات الفرح حينًا، أو يغيّرفاللغة الشاعرية كما لايخفى عن نباهتكم تعطينا حياة، أقلّ قبحًا من الحقيقة؛ فقد جاءت المقاطع الشذرية والشعرية لتجمّل الحقيقة، ولتعطي جمالا وبدلالات عميقة مُضمَّنَة في سواد الكتابة، وبدلالات مغيبة في بياضها، لأنها مسافات نصية، يتداخل فيها الشعري والصوفي، ويمتزج فيها الخيالي بالواقعي، وتتعرى فيها الذات من عقدها، وكبريائها لتفصح عن صراعاتها، ومشاعرها وانفعالاتها، إنها مسافات ملغومة حقا بتشكيلها، ولغتها وشرعيتها وواقعيتها وخيالها وصوفيتها، وما يميز هذا العمل هو مدى التلاحم بين ما هو إبداعي فني، شعري وتخييلي، وما هو معيشي واقعي وجودي، فهي تؤشر على حقيقة بادية ولكنها غير عادية، تتمثل في التكثيف و التنوع والغزارة في التجربة، والتعبير عن التفاصيل من على شاشة الإرسال النفسي، مع إشراك المتلقي في عملية الإضافة والتأويل أيضا ضمن بياضات الكتابة والحذف المعتمد.

- السؤال الثاني: ألا يمكن اعتبار" كأن لا أحد " امتدادا لإبداعات سابقة ك " مسافات منفلتة.." ما دامت تشترك في طرح نفس الثيمات ك: الوحدة- الضياع- الغربة- التيه- الفقد- الموت- قليل من الأمل..؟ وما هي حدود الشعري والسردي في المجموعة القصصية الأخيرة خاصة، و في تجربتكم عامة؟

- الجواب: أجل، فمؤلف"كأن لا أحد" هو استمرار وامتداد للتجربة نفسها مع "باب لقلب الريح" كما أسلفنا ضمن مشروع "نصوص منفلتة ومسافات" والتي لقيت استحسانا وإقبالا كبيرا في ساحة التلقي، لكن ليس من باب الاشتراك في التيمات نفسها، بل من منظور آخر يقوم على التباين والحداثة، فكلها نصوص سردية و تمثيلية، هاجسها المشترك هو الدعوة إلى التغيير وإعادة بناء الذات والحياة بتحد وجرأة كبيرين، مع التزام الجدة والطرافة وشرعية الوجود، على أن هذه العودة أملتها بواعث عدة، ومنها الإقبال الكبير والاستحسان للتجربة، فضلا عن الإشادة لثلة من الكتاب والنقاد والأصدقاء، وهو مشروع وجد له موقعا وصدى في سوق التلقي الأدبي عموما، جعلنا نواصل الحفر في التجربة وبثقة كبيرة...

السؤال الثالث: ورد العنوان مثيرا وجذابا "كأن لا أحد"، يحتمل أكثر من جواب...كأن لا أحد يحس بوجودك في عالم منشغل ومشتغل بنفسه ولنفسه. لا أحد يحس بوحدتك. لا أحد يسمعك. لا أحد يشاركك أفراحك أو أحزانك. لا يستطيع التحرر من هذا العمى المسيطر. لا أحد قادر على الوقوف ضد النفاق الاجتماعي المهيمن. لا أحد يتخلص من أنانيته ويتحرر من قبح العالم...و الآن ماذا تريدون أن تقولوا من خلال العنوان؟ وما العلاقة بينه وبين اللوحة التشكيلية التجريدية والنصوص الواردة بين دفتي المجموعة القصصية؟

- الجواب: سؤال وجيه، إن التعالق الموجود بين العنوان وغيره، تعالق نصي يكثف التجربة الإبداعية و يلخصها، فالعنوان عتبة مركزية، وهو يشكل بؤرة ملهمة، ومن تم ضرورة أن يحضى بانشغال كبير، على أن يكون مشهيا ومثيرا وجذابا، فقد شغل بالي كثيرا، فالعنوان كما لا يخفى على نباهتكم إن لم يحط بالكتاب إحاطة سوار بمعصم، وإن لم يبد مرتاحا على غلافه كاطمئنان وليد في حضن أمه، فإن وهج الكتاب سينقص، هذا إن لم يضلل القارئ العجول، وفي غمرة حيرة تطل وتختفي وأمام عشرات العناوين وبين عناوين شتى تشع ثم تنطفيء، استقر الأمر على هذا العنوان المثير" كأن لا أحد"، والذي يثيرٌ حبا وشجنا وريبة وألما وغبنا وتشويقا وشكا ودلالات عميقة لاحصر لها، مما يجعل مقارباته عديدة ومن تم درجات إبداعيته بامتياز، على الرغم من الدلالة الواضحة والمتاحة للجميع على مختلف مستوياتهم، والتي لن تلتبس على أي أحد، فهذا العنوان يحيلك إلى التيقن بأن الإنسان وحيد من البداية حتى النهاية فما بعدها، فهو وحيدٌ من المهد حتى اللحد، الدنيا تبدلت ومعها أهلها، وفي ظل الخداع والمكر والخيانة والغدر والأنانية والإنتهازية، والتبدل والقلق والتشتت والضياع، وتوالي الخيبات وغياب الوفاء، ولن تعتمد على أحد، "لقد كان قومي مثل رمال الشواطئ، وأنا الآن أناديهم فلا تجيبني سوى الرياح"، فضلا عن ذلك فكلنا نشتهي سفراً ورحيلا نعود بعده لا نعرف أحدا، وعالمنا إذن هو ما فلت، وما يفلت، وما سيفلت منا، ماذا يريد الإنسان من هذا الوجود إذن…؟ يقينا وجوده، فعلى الرغم مما قد يصطنعه المرء في محيطه وحياته من أواصر وقرابات باعتباره كائنا إجتماعيا بطبعه، ويصيريشعرُ بالاحتماء والانتصار المزيَّف، لكن سرعان ما يجد نفسه في وحدة قاتلة، خصوصا عند أحلك الأحوال، يغيبون بل يندرون، ، يبقى عزاءه الوحيد رحمة الله التي وسعت كلَّ شيء..."فنسأل الله ألايكلنا إلى أحد، ولايحوجنا إلى أحد، وأن يغنينا عن أي أحد، فهو وحده نعم المستند والمعتمد، الفرد الصمد، الواحد الأحد.

* وفي السياق ذاته شق آخر من السؤال: ما العلاقة بينه وبين اللوحة التشكيلية التجريدية والنصوص الواردة بين دفتي المجموعة القصصية؟

- أما بخصوص لوحة الغلاف فهي جد مُعْتَبَرة ومُعَبّرة في الآن نفسه بل وتتناغم وتنسجم وتأتي وفق قصة السيناريو أو ضمن السكريبت ، وللإشارة فاللوحة هي للفنان التشكيلي خالد عروب، وسواء تعلق الأمر بالتشكيل أو الألوان فهي ذات دلالات مرتبطة بطبيعة التجربة والمنفتحة على فنون موازية، مثل اللقطة السينمائية أو السكريبت و السيناريو"نص يحدد البناء العام للفيلم أو المسرحية..."..التكثيف والاختزال والانزياح، واقتناص الدهشة في غابات الحياة بجمالها وأسرارها وأسئلتها وغموضها، والمزج بين ما هو خيالي وواقعي، والمنطق والحلم. وهي نصوص تتميز ببعدها الإنساني، وعمق معانيها ورمزيتها ودلالاتها في الأغلب الأعم، كما أنَّها تمتحُّ من صور واقعية لترتقي بالمتلقي إلى رحابة القيم الانسانية، وبخاصة لما يدرك الواحدُ منَّا حقيقة وحدته الملازمة له في الأول والأخير، فيضطرُّ إلى أن ينعش ويطهر بالحب ساعات لقائه ووداعه لمن حوله.

- السؤال الرابع: هل يمكن اعتبار المؤلف صرخة في وجه العمى المنتشر، الذي يأخذ مظاهر عدة منها: الوحدة والتيه وانعدام الثقة بين الناس واستفحال الأنانية...فجل الشخصيات الواردة ترتد إلى الذات، إلى الداخل. أليس هذا نوعا من الانتكاسة بدل التمرد على هذا الوضع الكسيح؟ لماذا نجد مساحة الأمل أقل من مساحة قبح العالم؟ وهل الإبداع هو الخلاص من هذه الآفات المبثوثة بين ثنايا النصوص؟

- الجواب: ذكرني هذا بصديق كاتب حينما تناول الكتاب لأول مرة وتصفح بعض صفحاته، همس لي قائلا: ما هذه السحابة الداكنة؟ ابتسمت له، وقلت: أترى غيرها؟ فلعلها تمطر، وأنت على حق وبمثل براعة استهلالكم، فالإبداع لا يولد إلا من رحم المعاناة، فبقدر ما يكون الألم، بقدر ما يصبح الوعي، إن ما يجعل الإنسان وهو يحمل صخرته إلى أعلى الجبل لتتدحرج، فيعيد الكرة مرات ومرات، هو قدرته على أن يحيا هذه الحياة بالرغم كل ما يعرفه عنها وعن ماله فيها، الحياة كلها مسافات بحلوها ومرها، العسر مع اليسر، ولن يغلب عسر يسرين، الوحدة والصبر والأمل وزرع الفرح في قلوب الناس ولو من خلال"كوة للفرح"، فالحياة لا تدرك إلا بالإبداع، والإبداع عموما هو إدراك ورؤية للواقع من خلال ارتسامات الفكر، وهو الحافز لحياة ممكنة ومرضية وتلك الفسحة لنشدان الجميل والمشرق الكامن في الذات وهي تكابد اليومي المعيش وتحلم، وليس هروبا من الحياة، بل العيش في عمقها ومحاولة إنقاذ الإنسان من حصار ذاته والساعي نحو الخروج لعالم أرحب، وهو أيضا حين نحتسي قهوتنا بمرارة الألم والوحدة، فضلا على أنه الملاذ والتجاوز والخلاص، تجاوز التفاهات والانهيارات والخيبات والإحباط والرتابة والوحشة والوحشية واللامعنى وقبح العالم ، إنه صرخاتنا ونبضنا ووجودنا على أننا لازلنا نتشبث ونصارع وننتصر لكل ما هو جميل، ومواجهة قسوة العالم، ونشرالفرح الإنساني، ثم لإعادة الاعتبار للقيم الإنسانية، وكل ذلك من أجل إنسانية الإنسان. انتصار لما هو إنساني.

- بعد هذه الإصدارات ما هي مشاريعك المستقبلية؟

- العمل كثير، والعمر قصير والوقت بخيل، وطموحات الكاتب لا حدود لها، حاليا أعمل جاهدًا وبعد تفكير ملي، أنا الآن بصدد إعداد سيرة ذاتية على اعتبار أنها تحتل مكانة مرموقة في تاريخ آداب كثيرة، حيث تقدم دليلا حيا على أن هذا الجنس الأدبي يلامس عمق الإنسان، ويجسد تجربته الذاتية في الحياة، وتعبير عن الإنسانية بصورة عامة وعن وجودهم ومصيرهم، من خلال إمكانية البوح والاعتراف عبر هذا الوسيط. وكحصيلة تجربة حياتيّة تجسّد مسار الذّات في جميع أبعادها، كما أن هناك إصدارات جديدة في الأفق مع بعض الترجمات في السياق ذاته.

- كلمة أخيرة ؟

- شكرا لشخصك الكريم على هذه الأسئلة القيمة، ففي كثير من الأحيان كل ما نريده هو أن نُسمع فقط، فكل الامتنان على هذه المساحة لنقل أفكارنا وتجربتنا الإبداعية ومشروعنا في الكتابة، الحقيقة أنا ممتن لك، فكم شرفتني كلماتك وأسئلتك في هذا اللقاء الماتع والشائق، حيث فتحت لي المجال للتحدث بإسهاب عن هذه التجربة الإبداعية وعن قضايا هامة جدا ثقافية وأدبية.

- في الختام لايسعنا إلا أن نشكر الكاتب محمد آيت علو على سعة صدره . واسمحوا لي أن أشكركم على هذه المحادثة الشيقة للغاية، ونتمنى له طول العمر والمزيد من العطاء والابداع مع أجزل آيات التقدير والاحترام .

***

أجرى الحوار المبدع عبد الرحيم بيضون

...............

* الصورة للأديب محمد آيت علو

آمنة محمود، شاعرة رصينة وخلاقة، ولدت في اعظمية بغداد لكنها تنتمي الى كركوك قلبا وجسدا، وهي تتخطى الجغرافيتين لتنتقل كفراشة ملونة تمتص رحيق زهور مدن العراق شمالا وجنوبا، تمتلك شخصية آسرة، ولها اسلوب شعري فريد وقدرة فذة على استنباط معان موحية وسخية من مفردات لغوية تقليدية، تقرأ شعرها في الغالب بصوت خفيض وهادئ، لكنها تهيمن على الأسماع وتفرض علي المتلقي سطوة الكلمة المعبرة ذات الحضور والتفاعل.. نقية.. تلقائية. ضاجة بالاحاسيس الرفيعة ومتلفعة بالاناقة والسكينة، وخلال سنوات ابداعها المفعمة بالمشاعر والأحاسيس الرقيقة، رفدت قراءها بحصيلة تنبض بالود والوجع معا.. فلها ثلاث مجاميع شعرية مدهشة وهي (فراشات آمنة) و(كتاب الحب) و(ممتلكات لا تخصني).

كتبتُ ونشرتُ عن أمنة مرتين. الأولى عندما كانت لا تزال في بداية درب الشعر الشائك، وبالتحديد في اذار من العام ٢٠٠٠ وكنت مأخوذا بنصوصها وكانت مقالتي المعنونة (الدهشة مخاض الكلمة العسير) قد تناولت بعض نصوصها التي تستحق الوقوف عندها ومنها:

حين طعنتني في فؤادي

أقسم إنني أعلم

لم تكن تعنيها في الفؤاد

لولا انني إلتفت فجأة إليك

تلك اللحظة.

وفي الثانية صدمتني إحدى قصائدها الطويلة التي شكلت برأيي آنذاك انعطافة نوعية نحو التخلص من التقريرية والمباشرة والانعطاف نحو الرمز، وكانت مقالتي بعنوان (تحولات آمنة محمود الصادمة)، لذا ولكي اتخطى تلك الانطباعات المسبقة التي كونتها عنها آثرت أن أوفر لها فضاء رحبا (وهذا استحقاقها بإمتياز) لكي تتحدث هي عن نفسها بدون رتوش ونكون نحن على تماس بهواجسها وإنطباعاتها عبر هذا الحوار التلقائي..

س: طلبت منك التحدث عن نفسك بدون قيود، فماذا تقولين عن آمنة محمود بحيادية تامة؟

ج: بحيادية تامة: آمنة محمود: نرجسية، قلقة، هشّة أمام المواقف الإنسانية، صلبة ومقائلة فيما يخص المبادئ والقيم والبنتين(بنتيها).، تتنفس الحياة شعرا وامومة، مخذولة دوماً لكنها شجاعة.!

س: إبتداء لنتحدث عن الينابيع. ما هي المؤثرات التي دفعتك الى عالم الشعر؟

ج: بدايةً الشعر ليس عالماً بالنسبة لآمنة بل هو كيان داخل هذا العالم، هذا الكيان كان مؤثراً الى زمن قريب، لكنه ولأسباب عدة أصبح قليل التأثير وتقريبا بلا جمهور. أما البداية فكانت الالتفات لأي قصيدة مغناة والتأثر الشديد بها ثم البحث عن الشعر في كل مكان ومن ثم الإصغاء.. تعلمت فن الإصغاء وأصبحت كالإسفنجة التي تشرب السوائل، فكان الشعر ينبوعي والموسيقى والسينما، وكل القصص والدراما التي تدور حولي وأدور في افلاكها، كلها كانت ينابيعي.

س: في رأيك.. ما وظيفة الشعر.. هل هو في حقيقته بوح آني يعكس المشاعر الذاتية للشاعرفحسب، ام انه اداة سحرية وسرية للتغيير والتواصل مع الآخر. ام انه الاثنان معا؟

ج: أعتقد بأن الشعر أصبح بلا وظيفة (بشكل عام) نحن سرب تشرد وأصبح يغني على أبواب مبان دينية، القصيدة صارت تكتب لمهرجان أو مناسبة، والكثير من هذه المناسبات خاضعة لسياسات معينة أو اشتراطات خاصة. أما عن المفاضلة بين أن كان الشعر بوحاً ذاتياً وانفعالا آنيا، أم هو أداة سحرية وسرية للتغيير والتواصل؟ فحسب تصوري فأن لكل شاعر طريقاً خاصا، وطريقة مختلفة تشترك في تغذية تلك الخلفيات الثقافية والمرجعيات الفكرية بل وحتى المعتقدات والقيم، ويختلف الأمر باختلاف كل شاعر وطريقته واسلوبه في التعبير بل وحتى كل شاعر ستختلف بداياته عن مراحله المتقدمة.

وبالنسبة لي فأنا أنطلق من الشخصي العام فالمرأة أصبحت قضيتي التي احمل همومها على عاتق القصيدة وكل ما يعنيها هو بالنهاية متصل بي فقد يرى البعض في النص الذي اكتبه ملمحاً شخصياً لكن بالنهاية تجد أنه يعالج همّا مشتركاً تعيشه معظم النساء ٠‏

س: كيف تكتبين نصوصك.. هل تستنزفك معاناة ووقتا. ام انها تنهمر دفعة واحدة ثم تولد القصيدة؟

ج: كل نص يختلف عما سواه فبعض النصوص اكتبها في جلسةٍ واحدة ولا تحتاج بعدها الاّ الى بعض المعالجات الصغيرة وبعض النصوص يحتاج نموه الى مدة اطول وانفعال اشد وأقسى.

س: حزنك الآسر يطغى على نصوصك ويغمر مساحة واسعة في براري الشعر.. اصرارك على عودة الغائب الحاضر يشي بالكثير. هل حزنك مرده هو ام انه لغة العصر السائدة وربما المآسي المحيطة بكل ما في حولك؟

ج: في جلسة شعرية نسوية خاصة قرأتْ الشاعرات قصائد حب وشوق وعَشقٌ وغرام.، وحين جاء دوري لم أجد قصيدة حب كاملة فكل نص كتبته يغيم الحزن سمائه وإن فتحث باباً مغلقاً وجدثٌ الخيانة خلفه فكيف سأحتفل بالحب وهوغير حاضر أو حقيقي؟ ومن أين تاتي السعادة ونحن نعيش في بلاد يتيمة الفرح؟

س: اذا طلبت منك ذكر اربعة ابيات من أقرب النصوص الى نفسك من شعرك، فماهي الابيات التي تختارينها؟

رَمَدٌ على عينيك يا بنت ُ

أم غيمةٌ هطلت ولا نبت ُ

أهلي غيابٌ والحضور عدا

والقاتلان الليلْ والصمت ُ!

س: كركوك: ضاجة بأصوات الشعراء.. كيف تقيمين هذا السيل من الدفق الشعري؟

ج: لم أطلع على النتاج الشعري كي استطيع التقييم بشكل موضوعي لكنني كنت استمع الى قصائد جيدة من شعراء شباب في بعض الجلسات الشعرية. اتمنى الموفقية للجميع.

س: لو منحتك نافذة تطلين منها الى خارج ذاتك. ماذا تقولين بحرية تامة؟

ج: ما سأقوله لها بحرية تامة لن يكون، لكنني سأهمس لها: كوني بخير!!

هنا أتوقف عن إلقاء الاسئلة، لكن آمنة محمود لن تتوقف عن مشوارها الطويل، فهي ستواصل رحلتها مع الحرف، تنسج لنفسها عوالم متداخلة تشع بدفء العنفوان ونبض الوداد، والتوق الى الفرح الضنين !

***

حاورها: محمد حسين الداغستاني

 

الخوف عدونا الرئيس، يجب كَسرُه

[أدوارد غاليانو المولود في مونتيفديو( أوروغواي) عام 1940، وغادر عالمنا في 2015، يُعتبر واحداً من ألمع الكتاب والأدباء اليساريين في أمريكا اللاتينية، ترأسُ تحرير مجلتين لليسار المستقل في أوروغواي. يقول غاليانو عن نفسه: "لفترة طويلة كنتُ أكتب ما يمليه عليَّ ضميري، وعندما لم تطاوعني يدي، كنتُ أُجبرها على الكتابة. لكن منذ فترة غير قصيرة، صرتُ لا أَكتبُ، إلاّ ما يسرُّ يدي."]

س: "الكرة مدورة" عنوان أحد كتبك الصادرة بالألمانية، وهو إستعارة تبعث على الإرتخاء: كل شيءٍ ممكن، وقابل للتغيير بشكل سريع.. وكل الإتجاهات مفتوحة. عندما تنظر إلى العالم من ملعب كرة القدم ستلاحظ أنه /العالم/ مرعبٌ، لكنه دائري. إلى أيِّ مدى يمكن القول أنك إنسانٌ متفائل، يؤمن بخاتمة جيدة للأشياء؟

ج: أنا إنسانٌ لديه أمل. لكنني لا أؤمن بالأمل الخامل، الذي يبقى دون مساس، ولا يجري عليه أيَّ تغيير. فكل شيءٍ موجود لأنه يحمل نقيضه معه. حتى الحقيقة لا توجد إلاّ مع نقيضها. كذلك الأمل لا يوجد إلاّ مع اليأس... وكل شيءٍ يحدث في آنٍ واحد..

س: سابقاً إستطاعت طاقة الجماهير المُسيّسة أن تُحدث بعض التغيير حقاً، إذ إنخرطت كُتَل بشرية في أحزابٍ وحركات سياسية. أما اليوم فأن الفردانية تتغلغل في كل شيء، العزلة والشك يتسعان، ذلك أنه في ظل هيمنة السوق، غدا كل فرد ضد الآخر.الأحزاب تضمحل وتتراجع بأضطراد نسبة المشاركة في الإنتخابات. كيف ترى مستقبل الحركات السياسية؟

ج: يتراءى لي أنَّ العالم يمرُّ اليوم في زمن فقدان الذاكرة. لذلك يتعين علينا أنْ نقوم بشيءٍ يسترجع شيئاً جوهرياً بالنسبة لنا – أي ذاكرتنا الجمعية – التي يبدو أننا نسيناها: درس الحس المشترك، وهذا ما تفتقدونه في بلدكم – العراق - الآن كما ألاحظ وأسمع. فالحس المشترك هو مصدر حياتنا، الذي يمكنه أنْ يمنحنا الحرية. وإلاّ لماذا إستطاع أسلافنا البقاء على قيد الحياة رغم العصر الجليدي الذي مرّوا به؟فالكائن البشري لم يكن قوي البنية وسريع الحركة، لم يمتلك أنياباً كالفيل أو الماموث، أو فرواً طبيعياً. عليه كيف إستطاع هذا الكائن الضعيف أن يصمد ويقوى على البقاء؟ إنَّ ما أَنقذهم هو الحس المشترك: فقد دافعوا عن بعضهم بصورة مشتركة وتقاسموا الغذاءَ والخبرة والذكاء. فلو كانوا مثلما نحن عليه الآن لما أمكنهم البقاء على الأرض إلاّ فترة قصيرة.

س: هل يعني أنَّ الكارثةَ مُعلِّمتنا؟

ج: الخبرة تُرينا أنَّ الناسَ تستطيع الصمودَ إذا ما تكاتفت سوية. وهذا ما ينطبقُ سواء على العائلة أم على أرقى أشكال التنظيم الإجتماعي. لكن من ناحية أُخرى أننا مؤهلون للتمايز عن بعضنا البعض. وهذا هو التناقض الذي تشتغل عليه كل سلطة. وإلاّ لماذا يسود الكذّابون؟لأنهم بأكاذيبهم قادرون في كل مرة على حرف الناس عن مصالحهم المشتركة.

س: ذات مرة قُلتَ: "أنَ كل ثقافة سائدة هي ثقافة تبضيع، تريد أنْ توحي لنا بأمكانية فصل العام عن الخاص والماضي عن الحاضر..إلخ "

ج: لنأخذ بوليفيا مثلاً. القوى السياسية هناك منقسمة، وتوجد بينها ما لا يُحصى من خطوط التعارض والمصالح المتناقضة. ورغم ذلك تمكنت مختلف التجمعات، قبل فترة وجيزة، من توحيد نفسها في النضال من أجل هدف واحد.فقد سال الدم حين إغتالت الحكومة 80 شخصاً. لكن الحكومة سقطت! كان الأمر يتعلق بالدفاع الوطني عن غاز النفط. فيما مضى، أيام الحكم الإستعماري، كانت بوليفيا غنية بالفضة. ماتت أعدادٌ كبيرة من الناس عبيداً.بعدها جاء القرن العشرون، عصر الإغتراب، وجاء معه الإنتاج الهائل والعملاق للزنك. فماذا جلب إنتاج الفضة والزنك لشغيلة البلاد؟ أرامل وأيتام! لذلك دافع الناس عن الغاز. ونتيجة لتلك الهبّة تطوّرَ العزم على أنْ لا يجري السماح بأنْ يظل التأريخ يعيد المأساة بصورة لا نهائية!

س: هل كان ذلك عملاً للحفاظ على الذاكرة الجمعية؟

ج: هذا أولاً. وثانياً أنَّ الناس، ومن مختلف المشارب، إلتقت في لحظة مثلما تلتقي خمسة أصابع في يدٍ فاعلة، رغم علمهم أنم سيفترقون غداً، لأن هناك ما يميزهم عن بعض، ونظراً لأختلاف رؤاهم..

س: لكن إحترام الذات لدى عدد غير قليل من الناس، راح يتضاءل: فأصبحوا قابلين للأبتزاز بفعل عوامل إجتماعية وإقتصادية. هل خابَ أملُكَ في الناس كقوة تأريخية؟

ج: الأنسان بالنسبة لي مقولةٌ مجردة جداً! الأمر يتعلق، كما يبدو لي، أيَّ إنسان؟ متى؟ أين؟ ولماذا يتصرف بهذا الشكل دون غيره؟! أُفضّلُ التعامل مع الملموس على المجرد. فمثلاً أرى أن الرأسمالية ليست قَدَراً لا رادَّ له بالنسبة للأنسانية، يتحتمُ الإنصياع له بقنوطٍ إغريقي!كذلك الحال بالنسبة للزمن الحاضر فهو الآخر ليس مصيراً محتوماً، بل يجب إعتباره تحدياً يستلزم إنتاجَ معرفةٍ تؤمن بضرورة بناء عالم آخر. فغالبية سكان العالم اليوم ترى كوكبنا بأعتباره جحيماً بالنسبة لكواكب وعوالم أخرى. على المرء أنْ يتعامل بوعي مع الواقع، بأعتباره تحدياً، دون الخوف من الشك المشروع في إمكانية قيام مثل هذا العالم البديل. ومهما بدا مُخالفاً للرأي السائد، فأن هذا الشك ضروريٌ. لأنه يشكل حماية ضد التسطيح، تسطيح المقولات والأفكار.اليقينية الوحيدة التي أؤمن بقيمتها، هي يقينية الشك، بهذا المعنى يمكنك أنْ تقول عني أنني إمرؤٌ شكّاك! فالشك يناكدني ويلاحقني منذ الساعات الأولى لأستيقاضي. فهذا الشك أهم أداةٍ ضد روتين فكرٍ يؤمن بأنه يتخذ مساراً مستقيماً على الدوام.

س: تقصد أنَّ الشك لديك قيمة ومقولة فلسفية؟

ج: بالضبط! هذا ما أردتُ قوله، ولا أدري لماذا فاتني ذلك. شكراً لك على الأستدراك.

س: هل أنَ التأقلُمَ مع المُعطى (ولا نقول الإنتهازية) حق من حقوق الإنسان؟

ج: كلنا ضحايا الخوف. إنه سجن كبير ونحن سجناؤه. لقد صنع الحكام ماكنة خوف تُنتج "غازات" تُشِلُّ قدراتنا، كي لا يقوى الناس على الفعل والتصرف، فيظلون أسرى الخوف من الحياة. ما زلتُ أتذكّر إجتماعاً جرى قبل بضعة عقود لعمال المناجم في بوليفيا. كانت النساء أيضاً تلعب دوراً شجاعاً في المقاومة. وقفت واحدة من النسوة وقالت :"نحن نناقش طويلاً وبحماسة شديدة عمن يكون عدونا الرئيس، البرجوازية؟ الرأسمالية؟ دولة تابعة للأجنبي؟ أريدُ أنْ أقول شيئاً كي لا تُصدعوا رؤوسكم بمزيد من النقاشات، التي لا طائل منها. عدونا الرئيس هو الخوف، يجب كَسرُه..". سأحكي لك مثلاً من كرة القدم...

س: ها قد عُدنا إلى مبتدأ الحديث. مرة أخرى إقتباسٌ من غاليانو:"لن أستجدي مباراةً جيدة في كرة القدم.لن أجولَ العالم وملاعبه، قُبّعتي بيدي وأنادي.. حَسَنةٌ يُعوِّضها الرب!لعبة جميلة جزاكم الله..!"

ج: كذلك هي الحال! في نهاية السبعينات من القرن المنصرم جرت مباراة نهائية هامة لكأس بطولة بوغوتا بين فريقي "سانتا فَيْهْ" و"المليونيريون". وكان كل فريقٍ منهما منهمكاً في كره الفريق الآخر، وقد أهملا كرة القدم!عليكَ أنْ تتصور جاراً يكره جاره ولا شيء غير الكراهية! في تلك المباراة كان الملعب مرجلاً هائلاً يغلي بسائل شيطاني! وهو أمرٌ طبيعي في الملاعب! وقبل أنْ يُصفر الحكم بقليل إيذاناً بضربة جزاء لصالح "سانتا فَيهْ"، حيث كان اللاعب عمر لورنسو، هو الذي يتوجب عليه القيام بضربة الجزاء لأن الفاول جرى ضده.. تقدم عمر من الحكم وقال له أنَّ الخطأ (الفاول) ضده لم يكن مقصوداً، إنما تعثَّرَ هو بقدمه.. الحَكَم من جانبه أشار إلى الجمهور المستشيط حماسةً في الملعب، وأنه ضمن هكذا ظرفٍ لا يمكنه التراجع عن قراره!فماذا كان على اللاعب عمر لورنسو أنْ يفعل؟ هيأ الكرة كي يركلها. وفعل ذلك حقاً... ولكن ليس بأتجاه الهدف، بل بعيداً كل البعد عنه. كانت تلك اللحظة نهايةَ مسيرته الكروية! لكنه تفوق على خوفه وإنتصر عليه، رغم غضب الجمهور وأقرانه في الفريق، الذين شعروا بالعار.. ورغم معرفته ما سيحلُّ بمستقبله. من المؤكد أنه تحاور مع نفسه. لقد إتخذ قرارا مناسباً ومهماً له شخصياً. مثل هذا القرار نواجهه في الحياة دوماً.

س: كرة القدم عمل تجاري قاسٍ، ذلك أنَّ الأمر يتعلَّقُ بمبالغ ضخمة. لذلك فأن كل مباراة تستدعي أقصى درجات الحذر وإجراءات أمنية.. المشاهدون والمشجعون يكونون ضحايا للمضاربات وعمليات الخدعة عدة مرات. لكن رغم كل ذلك يظل ملايين الناس أُمناء لكرة القدم. وهكذا ينتصر النظام.

ج: نعم! لعبة كرة القدم، في العالم كله، قضية مثيرة للعواطف، لا نحتاج لمناقشتها، وهي من بين أكثر الألعاب قسوةً، وفي الوقت عينه لعبةٌ مُدرّةٌ لربح وفير جداً. وهذا ليس بسر، بل يعرفه كل متحمِّسٍ لها.لكن مهرجان اللعبة نفسه يظلُّ "مقدساً وطاهراً "! وفي الموقف من كرة القدم، يتبيّن أنَّ المثقفين، لاسيما اليساريين منهم، يحبّون الأنسانية بشكل عام، وليس الأنسان الملموس وسلوكه الفعلي والواقعي. لا يُنكر أنه في عصر ما يسمى بالعولمة الحالية، تغدو كرة القدم واحدة من فروع الصناعة المزدهرة جداً. لذلك فأن السرعة ورشاقة الحركة وجمالية الفعل تجري التضحية بها لصالح "عامل الأمن"!لكن إزاء هذه الممارسة يغدو المرء جزءأً من تناقض، لأنَّ الجمال والأبداع يظل رغم ذلك جزءاً من الصفقة. فكما أنَّ الناسَ لا تريد الموتَ من الجوع، كذلك لا يريدون الموت بسبب لعبة أو ممارسة مُملّة. فالأنضباط(ديسبلين) وما هو غير مُتوقّع يتقابلان مع بعض. لذلك يتعيَن على المرء أن يكون حذراً كي لا يختزل كرة القدم إلى شيءٍ متناقض. فعلى الرغم من أنَّ الربح يقتل الفرحة في اللعبة وتُقزَّمُ المخيلة وتُحرم الأقدامُ من المجازفة، مقابل ذلك يوجد دوماً لاعبون يخرقون قواعد أمن اللعبة! إذ ينتزعون حريتهم في ممارسة المغامرة الممنوعة لينطلقوا نحو هدف لا رجاء فيه!

س: هل حقاً أنَّ كلمة ثورة ما عادت أكثر من ذكرى؟ وهل أنَّ الأجيال القادمة ستقولها مصحوبة بالغَرابة؟

ج: يتراءى لي أنْ ثمة طاقة للتحول موجودة، دون أنْ تمرَّ بمرحلة الإنفجار. نحن نحيا ونتحرك، لكن لا يمكننا في الوقت عينه أنْ نحظى بنظرة شاملة ذات طابعٍ إستخلاصي لهذه الحركة. لذلك فأن الثورة لا يمكن تصورها فقط على أنها فعل عنفي "يحرث"الواقع، إنما أعتقد، بل أُؤمن بأنها تحوّل جوهري، يجري بهدوءٍ دون أَنْ يُلحَظْ. فدروس الوقائع الأخيرة صلدة. إنها دروسٌ متواضعة، تدعونا إلى الخطوة، دون القفزة!!

س: ماذا يمكنك أنْ تنصح فيديل كاسترو، لو إلتقيته فجأة؟

ج: لا شيء. لا يمكنني أنْ أكونَ معلماً لشخص آخر.

س: ليس تعليماً، بل إسداء نصيحة.

ج: إني أُحب، بل مغرم بكوبا منذ الثورة. إنها رمزٌ للكرامة في عالم تعوزه الكرامة. كوبا أكثر بلد في العالم يمتلك طاقة التضامن، التي هي أحوج ما نكون إليه الآن. كنتُ أقول دوماً أنَّ التضامن الأصيل ينبع من حرية الضمير، لا من شعور بالإلزام أو كبت الحرية. في ولائي لكوبا أرفض فكرة أنَّ كليانية الدولة نقيضٌ لكليانية السوق. لا أثقُ بأحزاب وحدة (أو مُوَحدة) ولا بأجهزة تُراقبُ كل شيء وكل فرد. لا يصمدُ أيَّ نظام يقوم على أنَّ الولاء يعني طاعةً عمياء لكل الناس إزاءَ نظامٍ، حتى لو كان أحسن النظم. فمثل هكذا نظام يجب أن يقبل بأن يكون مكروها ومرفوضاً بعض الشيء، من قبل بعض الناس. فما جدوى أنْ تُردِّدَ تراتيلَ الأحد عن الجنة، في الوقت، الذي تدري فيه أنَّ الأثنين سيكون جحيماً! لذلك فأنَّ كوبا ليست الجنةَ الموعودة. إنما هي مغامرة أرضيةٌ رائعة، وكل شيءٍ أرضي ليس طاهراً، بل مُلطّخاً بوحل الحياة!!

***

حاوره: يحيى علوان

.....................

حاورته عام 2014 في مدينة فوبرتال، حيث صدرت نسخة من أعماله الكاملة عن دار بيتر هامر المتخصصة بترجمة ونشر آداب أمريكا اللاتينية باللغة الألمانية. كانت مسودة الحوار قد ضاعت مني مع كثير غيرها من النصوص في فوضايَ مع ورقياتي، التي لم أُحسن يوماً ترتيبها.. وقد وجدتها مؤخراً بالصدفة في صندوق مركون في الزاوية، وأنا أبحثُ عن شيءٍ آخر!

- ليس أقرب إلي روح الإنسان من الطبيب والأديب

- القرآن الكريم دستور العربية وكتابها الخالد ومعجمها علي مرّ القرون

- محمد عبد الحليم عبد الله هو روائي هذا العصر

- الأدب في أزمة والثقافة في محنة والكِتاب في مأساة

- الكتابة أوّلا وأخيرا انعكاس لشخصية الكاتب

طبيب وروائي، أَحبّ العربيّة من خلال القرآن، وعشق الطبَّ من خلال الأدب؛ إذ شبّ في أحضان أسرة عامرة برجالات القرآن فكان ذاك الشبل من ذاك الأسد، وبينما يتحسّس موضع قدميْه في الثقافة إذ به يقرأ رواية (اللقيطة) للروائي محمد عبد الحليم عبد الله ويقع في غرام الطب من خلال بطل الرواية د. جمال. وُلد عقب انقلاب يوليو 1952 بعاميْن، ونشأ بين الخضرة والماء والوجه الحسن في إحدى قرى مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية ذات السبعة ملايين نسمة، وتخرّج في كلية طب المنصورة زمن اتفاقية السلام المزعوم بين مصر والكيان الصهيوني عام 1978، ثم تخصّص في طب الأطفال واعتركه في قارات ثلاث حيث مصر والخليج وألمانيا. أخلص للرواية دون غيرها من الأجناس الأدبية، فصدر له روايات (وزير في الجحيم) و(الانتقام المشروع) و (الندم)، وفي الجعبة حزمة أخرى تنتظر دورها في الطبع والنشر. ورغم أننا لم نلتقِ وجها لوجه، إلّا أن شعورا تولّد لديّ بأننا أصدقاء طفولة، ولهذا كان التواصل سهلا ميسورا عبر وسائل التواصل الحديثة. وببديهة حاضرة وسجيّة فيها من النّدَى كثير شبه؛ ما إن تلقَّى الأسئلة حتى شرع يدوّن إجاباته بلغة سلسلة متدفّقة وكأننا في حوار تليفزيوني مباشر على الهواء.

- برأيكم، هل غرّر بنا تشيكوف عندما أشار إلى إمكانية الجمع بين الطب والأدب في مقولته الشهيرة؟

* تظل كلمة تشيكوف الشهيرة بخصوص الجمع بين الطب والأدب أصدق كلماته، فليس أقرب الي روح الإنسان من الطبيب والأديب؛  الأديب يسبر أغوار النفس البشرية من خلال تجاربه وقراءاته، والطبيب يسبر النفس البشرية من خلال انشغاله بآلام مرضاه ومعاناتهم فتتجلّي له الحياة بحلوها ومرّها، ولا تنْسَ أنّ الغالبية العظمي من الأطباء ذوو  روح شفّافة وقلب رحيم ووجدان حيّ متدفّق بكل المعاني الروحانية.

- ما الذي تركه القرآن من أثر في كتاباتك؟

* القرآن الكريم دستور العربية وكتابها الخالد ومعجمها علي مرّ القرون، ولا يمكن لأديب أن يتذوّق العربية دون أن يمرّ عليه، فهو الكتاب الذي يُصلح ما اعوجّ من ألسنة الأدباء والشعراء. ونحمد الله سبحانه أن أنزل كتابه بالعربية، فهذه أعظم نعمة منحها الله سبحانه للعرب، وبذلك لا يمكن للعربية أن تندثر على كرّ الدهور لأنّ الله قد تعهّد بحفظ كتابه (إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، وطالما بقي كتاب الله سبحانه فقد اطمأننا إلى بقاء لغتنا وثقافتنا وتاريخنا.

- لِمَ جذبتْك الرواية إلى عالمها، ألم يكن لك في بقية الأجناس الأدبية غناء؟

* الرواية أجمل فنون الأدب العربية، فهي تسمح لنا بمرافقة أبطال الرواية عبر سنين، فنأخذ من حياتهم وتأخذ من رهافة إحساسنا ونعيش معا في كهف واحد نتبادل خبرة الأيام والسنين. أما القصة القصيرة فتتحدّث عن موقف واحد فقط وليس بها حبكة درامية من عقدة يتم حلّها بتوافُق الكاتب والقارئ.

- مَن الروائي الذي استحوذ على اهتمامك وقرأْتَ كامل أعماله؟

* أعتقد أن الأديب العظيم محمد عبد الحليم عبد الله هو روائي هذا العصر برهافة حسّه ورقّة مشاعره التي فاض بها علي أبطاله وبطلاته، وقد شاءت الأقدار أن تجني عليه رقّة طبعه حين تطاول عليه أحد الأوغاد وكان سائقا لسيارة حقيرة يركبها الكاتب الكبير مع بقية الركّاب، ولم يستطع الكاتب الكبير أن يجاري هذا الوغد في حماقته ووضاعته وكتم غيظه وذهب الي منزله، فأُصيب بنوبة قلبية وصعدت روحه الي بارئها! وانظر كيف كان لا يركب سيارة خاصة، بل يُحشر مع بقية الناس في مركبة وضيعة يملكها أحد الرعاع! صحيح أن الدولة أعطته جائزة الدولة التقديرية عن رواياته، وتحوّلت بعض أعماله مثل لقيطة وشجرة اللبلاب وغصن الزيتون إلي أعمال سينمائية، ولكن ذلك لا يمنعنا من القول بأن المكانة الاجتماعية التي حصل عليها لا تتناسب أبدا مع موهبته ومكانته الأدبية التي تصل الي عنان السماء.

- باعتقادكم، كيف نحلّ معضلة القراءة في عالمنا العربي؟

* مجتمعاتنا مجتمعات متخلّفة، وشأنها شأن كل المجتمعات المتخلفة لا تهمها الثقافة في شيء، ولا يحقّ لنا أن ننسب قلّة القراءة للتطوّر التكنولوجي وانتشار الفيس وجوجل ويوتيوب؛ لأن الذين اخترعوا هذه الاختراعات هم أكثر الناس إقبالا علي الكتب، وبعض الروايات الأمريكية يتم طبع الملايين منها. ولا شك أن الأدب في أزمة والثقافة في محنة والكِتاب في مأساة بعد انصراف معظم الناس عن القراءة وانشغالهم بالوجبات المعرفية السريعة التي تصلهم من وسائل التواصل الاجتماعي، فلم يعُد للكاتب دور في الارتقاء بذوق الناس والحضّ علي القيم والمثل العليا، ولم يعُد للشخص العادي مورد لإنعاش روحه وتزويدها بما يروي ظمأها للخُلق القويم و الطابع النبيل.

- كيف تلخّص تجربتك مع النشر؟

* أغلب دور النشر تخلّت عن مسئولياتها في دعم الكتاب ونشر الثقافة، وراحت تجري وراء الأعمال التافهة المثيرة التي تحقّق ربحا مضمونا، ولا تبذل جهدا يُذكر للترويج للقراءة كنموذج حياة.

- بعدما كادت الكتابة الروائية تصبح مهنة مَن لا مهنة له، ما المعايير التي يمكن الاحتكام إليها للتمييز بين رواية غثة وأخرى سمينة؟

* المعايير التي يمكن الاحتكام إليها لتقييم العمل الروائي هي: موهبة الكاتب الأدبية، وامتلاكه لناصية اللغة العربية نحوا وصرفا وبلاغة، وقدرته علي النفاذ لأغوار النفس البشرية وتشريحها وعرضها علي القارئ في بلاغة وعذوبة.

- هنا لك مدارس في النحو وأخرى في الشعر والرسم، فكيف انسحب ذلك على الرواية؟

* لا شك أن للرواية مدارس واتجاهات عديدة تختلف حسب شخصية الكاتب وثقافته ونشأته، لأن الكتابة أوّلا وأخيرا انعكاس لشخصية الكاتب المتفاعلة مع قضايا الرواية، هناك المدرسة الرومانسية الرقيقة ورائدها الروائي العظيم محمد عبد الحليم عبد الله، وهناك مدرسة الحدَث أو الأكْشن ورائدها نجيب محفوظ، ومدرسة الخوض في نفوس الأبطال ورائدها إحسان عبد القدوس، وغيرها مثل الروايات البوليسية. وإن شئت قمّة الرومانسية وجدتها في رواية (شمس الخريف) لمحمد عبد الحليم عبد الله، أما قمّة الاستغراق في بحر الشخصية المريضة فمثالها (شيء في صدري) لإحسان عبد القدوس.

- ما الوصية التي تُسديها للأمهات من أجل صحة أفضل لأطفالهم؟

* أُوصي الأمّهات بالحفاظ على صحة أبنائهنّ النفسية وقراءة نفس الطفل من خلال وجهه، فاذا فعلَت الأمّ ذلك، تكون قد حقّقت الركن الركين في تربية أولادها.

- بالإشارة إلى روايتكم (وزير في الجحيم)، كيف رصدتَ علاقة المثقَّف بالسلطة؟

* روايتي (وزير في الجحيم) تتحدّث عن خيانة المثقّفين الذين نالوا حظًّا كبيرا من العلم والثقافة والشهرة ثم وظّفوها لأغراض حقيرة مثل البحث عن المال أو السلطة، وفي الرواية لم يَنعم بطلها الدكتور حمدي حسين بعلمه ولا مكانته كأستاذ جامعي، وظلّ في عذاب أليم طيلة حياته يبحث عن منصب الوزير ويرتع في أحضان النساء، وانتهت حياته بفاجعة مأساوية بعد إصابته بالإيدز وخوف مَن حوله مِن الاقتراب منه، ومات وحيدا لم يصلِّ عليه أحد ولم يشيّعه أحد الي مثواه الأخير!

- ما قولكم في اتهام الروائي ذي الحسّ الإسلامي بأنه يغلّب الوعظ على الفنّ؟

* الرواية كما قلنا تنطبع بروح الكاتب، وإذا كان الكاتب ذا حسّ اسلامي فإن ذلك يصبغ الرواية بطابع أخلاقي، فهو لا يرفع العصاة والزناة والأفّاقين، واذا كان موهوبا فإن ذلك يتسلّل إلى القارئ دون أن يشعر. أما إذا كان كاتبا ساذجا فانه يلجأ الي الوعظ وهذا يفقد الرواية قيمتها ويفقد شغف القارئ بالعمل الأدبي فينصرف عنه ويشيّعه باللعنات. ولابد أن نعرف أن الأدب له مهمّة مقدَّسة في الحياة، ولا ينبغي أن تكون الرواية مجموعة حكايات الهدف منها جذب القارئ بخسّة. وصحيح أنّ الأعمال المنحطّة التي تغرق في الجنس والمِثلية تحقّق أكبر المبيعات وتصل الي القارئ بسرعة مذهلة، ولكن مع نجاحها يكون الكاتب قد باع شرفه بعرَض دنيء، ولعلنا نتذكّر أعظم الروايات علي مرّ التاريخ وهي رواية (آنا كارنينا) للكاتب العظيم تولستوي التي تطرّقت الي الخيانة الزوجية ولكن الكاتب أفصح عن اتجاهه لرفض هذا السلوك المشين حين جعل بطلة القصة تُسلم عنقَها الي عجلات القطار.

- في عصر وسائل التواصل الحديثة التي محت المسافات، هل لا زالت الإقامة في العواصم تلعب دورها في شهرة الكاتب من عدمه؟

* انتشار الكاتب لم يعد معبّرا عن موهبة الكاتب بقدر ما يعبّر عن قدرته علي التواصل مع دور النشر ووسائل الإعلام وأبواق الدعاية، وذلك لم يكن ممكنا في القرون الماضية، بل كانت موهبة الكاتب هي المعيار الوحيد لنجاحه.

***

حاوره: د. منير لطفي

- القراءة الموسوعية تدفع المرء لكي يساهم في مجالات أخرى غير اختصاصه

- لا أجد تناقضاً بين التخصصين الأدب والسينما فأحدهما يكمل الآخر ويثريه

- ولد د. جواد بشارة في بابل ـ العراق ـ 1955، - بكالوريا علمي من الثانوية المركزية في بابل سنة 1973.

- غادر الى باريس منتصف السبعينيات، وحصل في البداية على ليسانس علوم سينمائية وإعلامية من جامعة باريس 1977، - ماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة باريس 1978، - دبلوم دراسات معمقة من جامعة باريس الأولى السوربون في النشاطات الإعلامية والسمعية البصرية 1980، دكتوراة الحلقة الثالثة في السينما من جامعة باريس الأولى سنة 1982 عنوان الأطروحة « نحو نظرية جديدة في اللغة السينمائية من منظور السيميولوجيا ـ نظرية الإشارات والرموز أو النظرية الدلالية ـ «، - دكتوراه دولة في الأدب الفرنسي وعلاقته بوسائل التعبير السمعية البصرية من جامعة باريس الأولى 1984 عنوان الأطروحة « البنى السردية في روايات وأفلام مارغريت دوراس

- أسس شركة للإنتاج السينمائي والنشاطات الإعلامية بإسم « أفلام عشتار ASHTAR FILMS " انتجت بعض الأفلام القصيرة ونظمت دورات سينمائية للشباب. كما أسس دار للنشر بإسم بابلونيا EDITIONSBABYLONIA" ساهمت في نشر وإخراج وطباعة العديد من الكتب الفرنسية.

له خبرة عملية وتقنية في الطباعة والعمل على الكومبيوتر MAC ماكنتوش وPC منذ سنة 1988 على مختلف البرامج العربية والأجنبية.

مارس العمل الصحفي والإعلامي والنقد السينمائي وكتابة الأبحاث والدراسات السينمائية والفنية المنشورة في مختلف المجلات المتخصصة بالفن السينمائي والمسرحي منذ سنة 1967 بصفة محلل وصحافي وإعلامي سياسي واقتصادي واستراتيجي وثقافي في العديد من الصحف الفرنسية ومحرر لدى مجلة دراسات شرقية الصادرة في باريس منذ عام 1986 إلى الآن. لديه خبرة واسعة في الإعلام الفرنسي والدولي والعلاقات العامة في المؤسسات الإعلامية الفرنسية

عمل مراسل في باريس لإذاعة أوروبا الحرة 2000-2001، و- نشر مايزيد عن خمسة آلاف دراسة وبحث ومقالة بين تأليف وترجمة في مختلف المجالات الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والعسكرية في مختلف الصحف والمجلات العربية والأجنبية

كما عمل في الدائرة الصحفية للسفارة اليمنية من سنة 1980 إلى سنة 1992 في ترجمة وإعداد ودراسة وتحليل النشاطات الإعلامية على الساحة الفرنسية والعالمية وخاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي وكتابة التقارير الدبلوماسية التحليلية في كل أسبوع مع ترجمات مختصرة أو كاملة لما يكتب في الصحافة الفرنسية والعالمية.

وعمل مراسلا في فرنسا لعدة مجلات وصحف عربية مثل "المدى" و"النهج" و"لنور" و"الدفاع الخليجي" و"الموقف" و"الحياة السينمائية" و" نزوى" و"الدفاع الخليجي"، و"مجلة المجلة" الخ... وتعاون مع بعض المجلات والصحف الفرنسية في الكتابة والترجمة مثل مجلة " مشرق ـ مغرب الصادرة عن مركز الوثائق الفرنسي " ولوموند دبلوماتيك " وكورييه انترناسيونال " ومساهمات في ترجمة النص العربي لصحيفة لوموند ديبلوماتيك.

أجرى المئات من المقابلات مع مختلف الشخصيات العالمية وفي مختلف الاختصاصات التي نشرت في مختلف وسائل الإعلام

- عرض وقراءة ونقد وتعليق على مئات الكتب الصادرة باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية. تعاون مع مركز الدراسات العربي الأوروبي بباريس منذ تأسيسه سنة 1992 من خلال الترجمات والكتابة في مجلته " الملف العربي ـ الأوروبي " ومن ثم العمل فيه كموظف منذ سنة 1997 إلى 2001، وكتابة العديد من الدراسات والأبحاث والتقارير للمركز والإشراف الفني من ترجمة وإعادة صياغة وطباعة وإخراج وتحرير لجميع المداخلات التي ألقيت في مؤتمرات مركز الدراسات العربي ـ الأوروبي التسعة منذ سنة 1992 وصدرت في كتب عن منشورات المركز.

نظم وأدار أربع دورات تدريبية سينمائية للأطفال والشباب بين 8 إلى 18 عاماً تمخضت عن إخراج وتنفيذ أربعة أفلام سينمائية روائية قصيرة مقاس 8 مللم و16 مللم و35 مللم عرضت في التلفزيون الفرنسي وفي بعض دور العرض والنوادي السينمائية.

القى العديد من المحاضرات الفنية والفكرية والعلمية في العراق وأوروبا. وعمل رئيس لمؤسسة العراق والعالم للدراسات السياسية والإستراتيجية، مديراً عاماً للعلاقات الدولية في مؤسسة معهد المدينة الفرنسية للشرق الأوسط.. ومديرأً عاماً للإعلام في وزارة الثقافة العراقية 2003-2005، ومستشارأ لوزير الثقافة للشؤون الفنية

كما عمل مراسلا لصحيفة المدى العراقية في باريس ومستشارأ إعلاميا في عدد من الصحف والمواقع الإعلامية المكتوبة والمرئية والانترنيت مثل إيلاف والحوار المتمدن والأخبار وغيرها وقناة فرنسا 24 الفرنسية الفضائية باللغتين الفرنسية والعربية وإذاعة فرنسا الدولية وإذاعة مونت كارلو وإذاعة الشمس وغيرها 2005-2010.

له العديد من المؤلفات منها:- كتاب " نقد العقل اليهودي الغربي " باللغة الفرنسية، - كتاب " إيران تحديات العقيدة والثورة " صدر عن مركز الدراسات العربية الأوروبي سنة 1999، - كتاب" السياسة السينمائية في العراق من سنة 1940 إلى 1990" دارالمدى سنة 2000، -الكون أصله ومصيره 2011، -الكون الحي بين الفيزياء والميتافيزياء 2012، الكون المطلق بين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبير 2013، جذور الفوضى في خمس دول عربية العراق سوريا لبنان اليمن وليبيا 2023، - السنة والشيعة الفتنة الكبرى في مائة سؤال وجواب 2023، الإسلام المتشظي الجذور التاريخية للانقسام الشيعي والسني 2023

ومضات سينمائية في لغة الفيلم وجمالية السينما.2023

كما أن له كتب مترجمة عن الفرنسية منها: المحرقة تحت المجهر ليورغن غراف " نشر في دار المدى 1994، - الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلة لروجيه غارودي دار عطية 1997، - محاكمة الحرية لروجيه غارودي دار نشر البراق 2002

- المستقبل برنامج عمل لروجيه غارودي دار نشر البراق 2002، - مذكرات روجيه غارودي دار نشر البراق 2002

- العنصرية كما شرحتها لإبنتي للطاهر بن جلون 2001، - دروس في الإخراج السينمائي سيرغي آيزنشتين وزارة الثقافة سوريا2002

4825 جواد بشارة

* حدثنا عن نشاتك وطفولتك، وماهي المراجع التأثيرات في طفولتك التي جعلتك بهذه الاهتمامات الفنية والأدبية؟

ج: ولدت في بيئة فقيرة وشبه معدمة مادياً في محلة تعيسة تسمى محلة التعيس في الحلة في خمسينات القرن الماضي في أواخر العهد الملكي حيث تسود الأمية والجهل والفاقة والعوز والحرمان من أبوين أميّين متدينين وفق الأعراف الدينية السائدة وكان والدي يتمنى أن يراني، عندما أبلغ سن الرشد، من طلبة الحوزة العلمية لابساً للعمامة على نهج جد والدتي المرجع الديني العلامة آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي المعاصر لأبي الحسن الأصفهاني في عشرينات القرن الماضي. رغم فقر العائلة واصلت دراستي بالضد من رغبة والدي الذي يريدني أن أتعلم مهنة البقالة وبيع الخضروات في دكانه في السوق الكبير وأخذ مكانه فهو لايؤمن بأهمية المدرسة والدراسة والشهادة الدراسية على العكس من والدتي التي كانت ترغب أن تراني معلماً وكان هذا أقصى طموحها. كنت شغوفاً بالقراءة ومصاباً بالفضول المعرفي وعاشقاً للسينما منذ نعومة أظفاري ومن ثم عاشقاً للفيزياء في مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية. في سنة 1963 كنت أتردد على مسجد المحلة وأقيم أذان الفجر أحياناً فالتقيت في أحد الأيام بشاب شيوعي مختبئاً في سطح المسجد لأنه كان مطارداً من قبل الحرس القومي البعثي الذي يريدون اعتقاله وتعذيبه وقتله فدار بيني وبينه حديث إذ سألته يقال عنكم أنتم الشيوعيين بأنكم ملحدين ولاتؤمنون بالله وها أنت تختبيء في أحد بيوت الله، فرد علي بأني مازلت صغير السن لمعرفة تفاصيل الموقف الشيوعي من الدين لكن مايشاع مغرض هدفه التسقيط وتشويه سمعة الشيوعيين. وكان خائفاً أن أشي به للسلطات وقبل أن يغادر ترك لي كتاب « الكون الأحدب» لعبد الرحيم بدر. لم أفهم من الكتاب شيئاً رغم قراءتي له عدة مرات لكنه خلق في داخلي رغبة عارمة في فك طلاسمه، وبعد ذلك وجدت كتاب آخر عن نظرية النسبية لعبد الرحمن مرحبا. وبعد أشهر وقع بين يدي كتاب عن نظرية التطور لسلامة موسى فزاد فضولي المعرفي وعثرت على التناقضات بين الخطاب الديني التقليدي الذي تربيت عليه والخطاب العلمي عن موضوع الخلق والعقاب والثواب والخطيئة الأولى وخرافة آدم وحواء. كانت اللحظة الفاصلة في حياتي قد حدثت سنة 1969 عند صدور كتاب نقد الفكر الديني للراحل الكبير الدكتور صادق جلال العظم الذي صقل رؤيتي ومفاهيمي وقلبها رأساً على عقب. وباعتباره فيلسوفاً ماركسياً فقد حثني على قراءة الكتب الماركسية الصادرة عن دار التقدم في موسكو رغم حداثة سني. كنت أقرأ كل مايتوفر في السوق عن السينما وكانت لغتي الانجليزية جيدة جداً فكنت اقرأ بها بعض المقالات والمجلات عن السينما وكافة الكتب المترجمة عن السينما في ذلك الوقت ولم تكن كثيرة. بين الخامسة عشر والتاسعة عشر من عمري شعرت إني نضجت كثيراً وازداد وعيّي ومعارفي المتنوعة وكنت مصراً على دراسة السينما في أحد المعاهد العليا المشهورة إما في موسكو في « الفغيك» أو في باريس في « الإيديك». كما كنت مغرماً بالثقافة الفرنسية والفكر الفلسفي الفرنسي لاسيما الوجودية حتى كانوا يطلقون علي لقب « جودي الوجودي» ولقد وثّق الصديق المبدع نوفل الجنابي ذلك في كتابه (الحلة الساخرة) من منشورات المدى. كنت منعزلاً عن محيطي ووسطي الشبابي لاختلاف نمط تفكيري عن باقي شباب المحافظة. كانوا ينظرون لي بسخرية لأني لا أمتلك مقومات السفر للخارج فليس لدي بعثة أو زمالة حكومية ولا أهل أغنياء يتكفلون بمصاريف دراستي في أوروبا ولم أكن أتحدث الفرنسية ورغم ذلك سافرت وبجيبي مائة دولار فقط. وبالمثابرة والإصرار والتحمل والمغامرة وصلت لباريس في بداية السبعينات ونجحت في دراستي للسينما وحصلت على الدكتوراه من السوربون كما تخصصت بالفيزياء الكونية الكوزمولوجيا كما كنت مخططاً لذلك. كنت مطارداً من قبل أزلام البعث وهيئتي الخارجية الرثة الهيبية تجذب الأنظار والاشمئزاز في نفس الوقت مع شعري الطويل الأصفر وملابسي غير المألوفة. رفضني الجميع المجتمع والأهل والأقارب وحتى الأصدقاءوزملاء الدراسة عدا قليلين منهم.

* في رحلتك الأولى الى باريس كانت السينما هو إنحيازك الأول وحصلت على شهادة علمية بذلك.. ما الذي جعلك إذن تتجه الى الادب والترجمة والاهتمامات العلمية؟

- في باريس تتوفر للشخص الراغب كل سبل التعلم والعلم والمعرفة والمصادر الأكاديمية الجادة ومن الغباء عدم استغلال هذه الفرص المتاحة، فلا يجب أن نكتفي بالاختصاص الضيق، بينما الأفق واسع ومفتوح على مصراعيه لننهل من هذا المعين المعرفي الرائع فالقراءاة الموسوعية تدفع المرء لكي يساهم في مجالات أخرى غير اختصاصه، والأدب والترجمة والبحث العلمي جزء من هذا الحيز المعرفي والابداعي المتوفر فكتبت في مختلف المجالات في النقد الأدبي والفني والبحث التاريخي والتنظير والنقد السينمائي، وبالطبع في المجال العلمي الكوسمولوجي حيث نشرت عدة كتب رصينة في هذا المجال مثلما نشرت في مجال السينما والفلسفة ونقد الفكر الديني كجزء من دوري كمثقف في عملية التنويروالتوعية ومحاربة الخرافة والشعوذة.4825 جواد بشارة

* حصلت على شهادتين علميتين من جامعة باريس الأولى عن السينما عام 1982 والثانية عن الأدب عام 1984.. الا ترى ان ذلك تشتتا بوسائل الوصول الى هدفك، ام أنك كنت متقصد دراسة هذين التخصصين من منطلق كونهما متكاملين.

- بالفعل لا أجد تناقضاً بين التخصصين فأحدهما يكمل الآخر ويثريه. فالسينما عبارة عن نافذة على العالم تضم كافة العلوم والفنون ولايمكنك أن تصنع فناً سينمائياً عميقاً بدون معرفة وخلفية ثقافية موسوعية متنوعة، أدبية وفنية وجمالية وفلسفية وتاريخية واقتصادية وتكنولوجية الخ.. كما يمكن للمبدع في أي فن الاستلهام من السينما عناصر التعبير الفني المتطورة. وهذا لايحدث أي تشتت بل بالعكس تكامل وتدعيم أحدهما للآخر، لذا كنت متقصد للتعمق في المجالين بنفس المستوى خاصة وأطروحتي الثانية كانت عن مبدعة روائية ومخرجة سينمائية طليعية هي مرغريت دوراس وعن البنى السردية في رواياتها وأفلامها، أما الأطروحة الأولى فكانت تحت عنوان» بحثاً عن لغة سينمائية جديدة على ضوء نظرية السيميولوجيا، أي نظرية الدلالات والإشارات والرموز.

* ماذا ترى إذن في هذه الاهتمامات المتعددة سينما صحافة إعلام أدب علم..؟ هل هناك ما تود ان تشرحه للقارئ في ذلك؟

- هناك ممارسات فرضتها ظروف المعيشة في الغرب ولذلك اخترت المهن الأقرب للتخصص كالإعلام والصحافة، وإلى حد ما الترجمة، لأن ممارسة السينما كمهنة ليست بالأمر الهين خاصة إذا كنت تنوي صنع أفلام من نوع أفلام تاركوفيسكي وبيرغمان وبازوليني فلن تجد منتجاً أو موزعاً يقبل بك. ثم بالنظر إلى الوعي المتدني والمتقهقر لدى المتلقي في العقود القليلة الماضية، كان لابد من فعل شيء يعالج هذا التردي من خلال التأليف والكتابة الجادة في مختلف الفروع والاختصاصات والخوض في مواضيع كانت ومازالت تعتبر من الممنوعات والمحرمات ويمنع الاقتراب منها كالسياسة والدين والعلم. أسست دار نشر بإسم منشورات بابيلونيا ونشرت كتابين الأول باللغة الفرنسية بعنوان» نقد العقل اليهودي الغربي» والثاني مترجم عن الفرنسية بعنوان» الهولوكوست تحت المجهر» لكن اللوبي الصهيوني الفرنسي حطم مشروعي وحاربني واتهمني بتهمة ناكري المحرقة.

* رغم غنى معرفتك في السينما التي توجتها بشهادة متخصصة وقربك من اعظم إنجازاتها اعني في باريس لكنك لم تخرج منجز فيلمي عدا بعض الأفلام القصيرة.. ما سبب ذلك؟

- لقد أسست شركة للانتاج السينمائي في باريس تحت إسم أفلام عشتار وانتجت بعض الأفلام الوثائقية وكتبت ست سيناريوهات لأفلام طويلة حاولت إنتاجها مع ممثلين نجوم معروفين كنت قد حصلت على موافقتهم بعد قراءتهم للسيناريوهات لكن العقبة كانت تمويلية فلم أنجح في تأمين ميزانياتها كاملة ولم أنجح في إيجاد موزع يقبل بتوزيعها وعرضها على الصالات وهذا يعني الحكم عليها بالاعدام والموت قبل خروجها للعرض فالفشل التجاري والافلاس كان محتوماً لو غامرت أكثر وانتجتها بالامكانيات الضعيفة التي توفرت لها وهي كما قلت أفلام ذات رسائل فكرية وفلسفية عميقة ومعقدة في نهجها ولغتها السينمائية غير الجاذبة للجمهور.

يفتقد تخصص السينما في العالم العربي للتنظير فهو خالٍ من الدراسات النظرية.. هل تعتقد انك في الكثير من مؤلفاتك تتجه لهكذا مشروع.

حاولت وأحاول دوماً سد الفراغ في هذا المجال فلدي الكثير من الكتابات التنظيرية الجمالية والأكاديمية التي يحتاجها طلاب ومدرسي مادة السينما فهي وفيرة في اللغات الأجنبية وشبه مفقودة أو نادرة في اللغة العربية فلدي كتاب في جزئين سيصدر قريباً جداً عن دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة تحت عنوان» ومضات سينمائية في لغة الفيلم وجمالية السينما: كما صدر لي كتاب « النظريات الكبرى في لغة الفيلم وجماليات السينما « عن دار أهوار في العراق في شارع المتنبي وهناك كتاب تحت الإعداد بعنوان: وتريات سينمائية» وآخر ترجمة عن الأدب والسينما وكتاب عالم الاجتماع والمنظر الفرنسي إدغار موران « السينما والإنسان الخيالي» الذي انتهيت من ترجمته للتو وسينشر في دار أهوار أيضاً، وكتاب آخر عن غودار وعالمه السينمائي.

* عملت في كتابة النقد السينمائي في أكثر من منبر اعلامي. ما هي قراءتك للحركة النقدية في العراق... وما سبب تأخر تطورها؟

- النقد السينمائي مجال رائع ومهم ويحتاج لتخصص وقلم متمكن ومحيط سينمائي مزدهر سواء في مجال الانتاج أو العرض، والحال إن النقد السينمائي بمعناه الحرفي في العراق ليس منظماً ومحبوكاً مثلما هي حال السينما في العراق عدا بعض الاستثناءات التي تعد على أصابع اليدين، وأغلب النقد عن أفلام لم تكن متاحة للجمهور إلا في الآونة الأخيرة بفضل منصات العرض المتخصصة كنتفليكس ويوتيوب وغيرها وغالبًاً ما يكون المقال النقدي مقتضباً بسبب شروط النشر المجحفة في الصحف اليومية، لذلك لاتتاح للناقد أن يطور أدواته ويكتب أبحاثاً مطولة وعميقة عن مخرج بعينه وسينماه أو عن مدرسة سينمائية ما، فعبر هذا الطريق تحول نقاد متمرسين إلى مخرجين عظام أسسوا مدارس سينمائية مهمة كالموجة الجديدة الفرنسية التي تخرّج معظم كادرها من بين صفحات مجلة كاييه دي سينما أي كراسات السينماعلى سبيل المثال لا الحصر .

* ما الذي يجعل للمثقف دورا مفصليا في شؤون بلده اعني في العراق.. وانت احد المثقفين؟

- قبل كل شيء يجدر بنا التساؤل أولاً ما هو المثقف ومن هو المثقف وما هو تعريف المثقف ومن الذي يقرر ما إذا كان هذا أو ذاك الشخص مثقفاً؟ وعلى افتراض وجود إجابة ناجعة مقبولة فهل هناك ما يميز من نسميه المثقف عن باقي أفراد مجتمعه، من النخبة إلى قاع المجتمع؟ الدور الذي يجب أن يقوم به كل فرد، وعلى نحو الخصوص، من نسميه المثقف، هو العمل على تنوير المجتمع وتوعية فئاته المتعلمة والجاهلة ووضع الحقائق التي يتوصل إليها بين يدي أبناء مجتمعه ويمنحهم عصارة خبرته وتجاربه وما توصل إليه من معرفة ومعلومات وحقائق لكي ينير الطريق أمام كافة فئات المجتمع وأن يتصدر النشاطات التي تطالب بتحرير المجتمع من الجهل والخرافة والتغييب المتعمد ويساهم بحركة التنوير والتوعية والارتقاء بالتفكير الجمعي وأن يكون ملتزماً بقضاياً شعبه من خلال عطائه وإبداعه وهو الذي يسميه سارتر بالمثقف الملتزم. ينبغي أن يكون المثقف الحقيقي قدوة لغيره ومتجرد من انانيته ومصالحه الشخصية الضيقة. وهذا النموذج من المثقفين نادر. لم نكن مثقفين فحسب، بل كنّا منخرطين بالعمل السياسي المعارض للفاشية والديكتاتورية ونعمل بجد ونشاط لفضح النظام السابق وإدانته في المحافل الثقافية والإعلامية. شاركت في تأسيس رابطة الكتاب والصحفيين العراقيين الديموقراطيين في المنفى وحضرت مؤتمراتها وساهمت في مجلتها " البديل" كما كتبت ونشرت في مجلات معارضة مثل النهج والمدى.4826 جواد بشارة

* ماهي أهم الأحداث التي واجهتك منذ لحظة وصولك إلى باريس؟

- لقائي بالفيلسوف والأديب والمعلم الكبير جان بول سارتر. فقد كان حدثاً زلزل كياني ومنحنى قوة وسعادة لا توصف. كان حلماً يستحيل التحقيق وأصبح حقيقة واقعة لا يمكنك أن تتخيل مدى أهمية ذلك وقيمته في نفسي كان اللقاء يفوق الوصف مع إنه حدث هكذا وبكل بساطة ولم يكن معجزة.الحدث الثاني كان لقائي بأستاذي ومعلمي وأبي الروحي جان ميتري الكاتب والمؤرخ والمنظر والأستاذ في الفن السينمائي. كان قامة عملاقة وغاية في اللطف والتواضع احتضنني بلا قيد أو شرط سوى تعلمي وبسرعة للغة الفرنسية ومواكبته الأبوية لي ولتطوري الدراسي والمهني الذي انتهى بإشرافه على أطروحتي للدكتوراه. إنه مثقف موسوعي وشاعر مرهف وناقد ومنظّر فريد من نوعه وكنت محظوظاً بقربي منه. كما كان لتعرفي على فريق عمل مجلة كاييه دي سينما ومجلة بوزتيف عميق الأثر في ثقافتي وتطور ذائقتي الجمالية خاصة وإن أغلبهم كانوا من أساتذتي كسيرج توبيانا وسيرج داني وميشيل ماري وإريك رومير وغودار ودومنيك نوغيز وغيرهم كثيرون. تعلمت منهم الكثير ولهم فضل كبير على تكويني وثقافتي السينمائية. كذلك تعرفي بميشيل فوكو وجيل دولوز وجاك دريدا وإدغار موران وكريستيان ميتز وميشيل أونفراي ومتابعتي لنشاطهم وكتبهم وأبحاثهم ودروسهم ومحاضراتهم وندواتهم.

* ماهو أهم شيء تعلمته في غربتك ومنفاك الباريسي؟

- تعلمت أن أكون حراً ولا أخاف من أحد أو أخضع لأحد أو لأي ابتزاز وتهديد. تعلمت أن أكون صادقاً ووفياً لمبادئي وانحيازي للفقراء والضعفاء ومقاومة الظلم والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ومساعدة المحتاجين. وتعلمت ألا أضيّع وقتي لأن الزمن محدود وثمين والعمر قصير وله نهاية فعلينا أن نحقق وننجز كل مالدينا من مشاريع وطموحات قبل فوات الأوان.

* ماهي الكتب الفكرية التي تركت أثراً عميقاً في نفسك عدا كتب السينما ؟

- الوجود والعدم لجان بول سارتر والكينونة والزمن لهيدغر وأصل الأنواع لداروين ورأس المال لماركس، تاريخ القرآن لنولدكه ونقد الفكر الديني لصادق جلال العظم وبالطبع مؤلفات سيغموند فرويد ونيتشة لا سيما هكذا تكلم زرادشت.

* ركزت في كتاباتك ومؤلفاتك وكتبك في الآونة الأخيرة على موضوع مناقشة الفكر الديني وبجرأة مثل الإسلام السياسي من المنبع إلى المصب والثالوث المحيّر فما هو فحوى هذا الكتاب الأخير على سبيل المثال لا الحصر؟

- كتاب الثالوث المحيّر يتناول ثلاث محاور أساسية في حياة البشر وهي الله، والدين، والعلم، بثلاثة أجزاء. العنوان الفرعي للجزء الأول هو" لغز الألوهية" أما الجزء الثاني فهو تحت عنوان فرعي" الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي" فيما حمل الجزء الثالث عنوان فرعي " المواجهة بين العلم والدين"

وهذه محاولة للغوص في هذه المفاهيم الجوهرية الوجودية الثلاثة التي حكمت حياة البشر عبر آلاف السنين. ناقشت هذه الدراسة البحثية المستفيضة مفهوم الله أو الإله وكيف نشأ في التاريخ القديم والحديث وخاصة الصورة التي قدمته بها الأديان السماوية ونصوصها المقدسة كما ناقشت موضوع الدين وكيفية نشوء الأديان بمنطق تفكيكي وتحليلي نقدي بعيداً عن القدسية وتطرق الكتاب إلى التساؤلات الوجودية الكبرى عن الأصل والمصير ومحاولة سبر أغوار الجانب الخفي من الحقيقة الكونية وأصل الحياة ومصيرها وذلك خارج مملكة الله السماوية وفي أعماق التعدد الكوني الأزلي والأبدي فالكون في حقيقته متسامي ومطلق والإنسان فيه ضئيل وأقل من لاشيء فالكون لا يهتم بالانسان وليس موجوداً من أجله وقد عرض الكتاب لمسألة وحدة الوجود الصوفية وحقيقة الكون المتسامي كما تناول موضوع الكائنات التي تملأ الكون وهي كائنات غير بشرية وقدم رؤية مغايرة لقصة الكون المرئي وناقش موضوع الصراع بين العلم والدين وكسر مسلمة تقديس السماوات من خلال عرض مفهوم الله بين العلم والفلسفة والدين وعرض بعض المطارحات الفلسفية والعلمية عن الكون والله وتناول مسألة التعاطي مع العقل عند الأديان ومن وجهة نظر العلم وهل العقل قادر وحده على اكتشاف الحقيقة وإثبات وجود أو عدم وجود الخالق؟ من خلال دحض الأوهام والخرافات التي لعبت دوراً في تعطيل العقل وترهيبه بالخرافات ودحض الرؤية الغيبية والماورائية عبر مناقشة إشكالية الخلق والأزلية ولم يتردد في نقد الآيديولجية الدينية وحقيقة الوجود بين الواقع والخيال عند الإنسان وكشف معضلة الوجود بين العلم والخرافة في الكون المرئي. تناول الجزء الأول من الكتاب موضوع في غاية الحساسية ويتعلق بلغز الألوهية وماهية الله من الناحية الفلسفية والثيولوجية الدينية أو اللاهوتية والعلمية تحت عناوين مثل الله ذلك المجهول هل هو فرضية زائدة في العلم؟ و" العلم والفلسفة يستجوبان الإله. ومن ثم التعمق في مسألة الألوهية من تساؤل " هل الله من اختراع البشر؟" والمضي أبعد من ذلك في البحث واستقراء" هل نستطيع إثبات وجود أو عدم وجود الله؟ كما عالجت في كتابي ثيمة فلسفية ودينية بعنوان " الله والشيطان ومعضلة الشر" التي أرقت البشر ونخبهم المثقفة ناهيك عن بسطاء الناس. وواصلت بحثي في تناول الموضوعات المتعلقة بلغز الألوهية و" نشوء الإلحاد والملحدين" ومناقشة مفهومي"الطبيعي والخارق للطبيعة، وقدمت عرضاً موجزاً لــ " علم الكونيات الملحد" والتعمق في " إشكالية الآلهة والألوهية والله الواحد" ووكرست الاستنتاج لــ" بحث في الإلحاد".فـــ " الله"، من حيث المبدأ، كان وما يزال وسيظل لغزاً يصعب سبر أغواره من قبل البشر، في الوقت الحاضر على الأقل. ولقد تبارى الفلاسفة وعلماء الدين وعلماء الطبيعة كل من زاوية اختصاصه للتعاطي مع هذا الموضوع الشائك كل ما لدينا لحد الآن مجرد إنشاء ومسلمات مفروضة وغير مثبتة وفرضيات لا حد لها حاولت وتحاول رسم صورة بورتريه لهذا " الله" الغامض المجهول والمعلوم في آن واحد والذي يحير ذوي العقول الواعية والعاقلة الذكية والمفكرة التي تتأمل في سره وماهيته وحقيقة وجوده أو عدم وجوده. كما تطرقت في كتابي لــ" الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي. وعادة ما يذهب بنا التفكير إلى أن العقل الثيولوجي هو العقل الديني الذي تهيمن عليه الخرافة والأساطير وبالتالي فهو عقل خرافي عموماً يؤمن بالخرافات والمعجزات وانتهاك أو خرق القوانين الطبيعية. والتعاطي مع مفهوم مع الحتمية والإرادة الحرة بين العلم والدين، وتطرقت إلى موضوع " التطور والداروينية مقابل الإله التوراتي الخالق وتخريجة التصميم الذكي. وهناك " تساؤلات وجودية كبيرة" حاولت الإجابة عليها ولو على نحو نسبي متواضع.

4827 جواد بشارة

حاوره: علاء المفرجي

- أميل في كتاباتي الى لشعر الذي يعبر عن الشجن الروحي ويميل الي الانطباعية في رسم الحلم والواقع..

- كان لي الشرف ان كنت من بين الشاعرات والشعراء الذين مروا من التجربة الشعرية الي التجربة القصصية والروائية وقد نجحت في ذلك..

- الشعر قادر على رصد الانفاعالات اللامتناهية وهو المدرسة الأولى التي يقف أمامها النقد صغيرا لاهثا وراء مراكماته.

- لحظة الكتابة تبقى لحظة فارقة وخارجية عن النص والزمان والمكان..

- كتبت في عدة أغراض شعرية.. في الشعر الغناىي والملحون والقصائد الموزونة وبين العمودي والحر والقصيدة النثرية..

- شاركت في عدة منتديات ومهرجانات عربية في تونس وخارجها كمصر وسوريا والعراق من خلال جوائز أدبية او تكريم لمسيرتي الابداعية..

الأديبة فتحية نصري متحصلة على الأستاذة في اللغة والحضارة العربية مربية اصيلة مدينة القصرين بدأت بكتابة الشعر والقصة القصيرة متحصلة على عدة جواىز وطنية في القصة القصيرة والشعر صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان "مدينة اغتيال الأحلام" عن دار سحر للنشر ورواية بعنوان "امرأة الليل" عن دار كنعان للنشر بدمشق وطبعة ثانية للرواية عن دار بيبلومانيا للنشر سنة 2021 تحصلت علي جائزة عربية في مصر عن رواية "امرأة الليل " من قبل المركز العربي للدراسات وللدقيق اللغوي وخدمات ما قبل الطباعة بإشراف الاستاذ فايز ابو جيش وعن منتدى غادة صلاح ولها قيد النشر مجموعة شعرية عن دار بيبلومانيا للنشر ورواية تتحدث عن زمن الكوفيد.. اختارت العمل الحقوقي أيام الثورة وبعدها وهي رئيسة منظمة نسوية تدافع عن حقوق النساء وترافق النساء ضحايا العنف وعضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وناشطة حقوقية.. بدأت بالشعر الذي تتقول عنه ".. وكلما اشتد الوضع قسوة اعتبر الشعر ملاذي وراحتي الأبدية وبيتي السري.. ".

هنا حوار معها عن الكتابة والتجربة والمسار الأدبي:

1/ كيف تتحدث الشاعرة والكاتبة فتحية النصري عن تجربة البدايات مع القصيدة.. مع الشعر.. والسرد.. ومع أرض السباسب.. الذات والمكان؟

- تجربة البدايات: اعتبرها تجربة العنوان والاندفاع الثوري والتمرد واكتشاف العالم.. كانت تجربة البدايات تتشكل وتنغمس في سجايا الروح وتبحث عن النقاء الثوري الذي نصبو اليه فكان من الطبيعي أن أميل الى الشعر الذي بيعبر عن الشجن الروحي ويميل الي الانطباعية في رسم الحلم والواقع وكذلك لانه قادر على رصد الانفاعالات اللامتناهية للحظة الشعرية التي تبحث دائما على أشكال تعبيرية آنية وانفعالية كانت أيضا متعلقة بالمزاج العام الذي كانت فيه القضية الفلسطينية هي البوصلة لتشكل وعيي الثوري كاغلب أبناء وبنات جيلي الى جانب التعلق بالمكان والوجه الحبيبة التي تدفعك للكتابة وفك شيفرتها حقيقة للمكان بلدتي التي اعشق تأثير كبير في مسيرتي الإبداعية والشرعية أين يتماهى الذاتي بالموضوعي فتربة الشعانبي الندية تلك المحمية الطبيعية العالمية والقمة الشماء والاابات الوارفة الظلال تاتير ارتبط بمخيلتي جعلت من وعيي يتفتح مبكرا وينتصر فيه للحب والجمال المحطة القديمة والَمقطورات المعملة والبيوت ذات الطابع الفرنسي القديم التي هجرها اصحابها جعلت من خيالي ينفلت بلا حدود حكايات تحفر في الروح وانا أمر في شوارعها التي احتضنها أشجار الكلبتوس والصفصاف تلك السواقي التي تشق البساتين والممرات.. كانت توشوشني بمالاف الحكايات بساتين العريش رىة القصرين التي تلطف الأجواء بغاباتها واشحارها المثمرة كجنة حان قطافها لتهدي العابرين ثمارها.. وادي الدرب الذي يتفتح على المسرح الروماني والمدينة الأثرية بسيليوم هي وسفيطلة بوابات النصر التي تذكر بأمجاد هذه الربوع المنسيك لتحدث العالم انها كانت عاصمة أفريقية لمىات السنين.. الوجو المتعبة للامهات والجدات المنحوتة بيد ريشة فنان فلورنسي فتواري أسرارها بالرسم الامازيغي الذي بخلتل الزمان ويعبر الحضارات محتفضا بالأصل محافظا على لغة الأجداد في الوجة الوشم الذي بحدث الدنيا عن اصولنا للرجال الاحرار الامازيغي مايدة يوغرطا والجبال التي كانت حصنا للوطن وللفلاقة ايام الاستعمار فعاقبونا لأننا ثرنا فزرعوا فيها الارهاب العيون الخضر والأزرق والشهلاء تحدث التاريخ عن المال في هذه الربوع رغم القبح الذي يحاصرنا ورغم الإهمال والنسيان تجعل مني شاعرة فلا خيار لي في ظل بيئة حاضنة للعشق والعرفان كل هذا الحب والجمال الطبيعي والطقس البارد الشتوي القاسي والصيف الحار الذي يتحفك لنسمات جبلية لا مثيل لها تسكن روحي فكلما ارتحت عنها عدت العاشقةالتي يدميها الهجران معهد الشهابي ابطي درست فيه اتاح لي المرور اليومي أمام معلمها البسيطة فتحفر في الروح آلاف القصص والحكايا التي لا تموت ومنه كانت بدايتي بالخاطر والمحاولات العربية في سن الثالثة عشر..

2/ الشعر والنقد.. ماذا تقولين عن العلاقة بينهما؟

- أعتبر الشعر المدرسة الأولى التي يقف أمامها النقد صغيرا لاهثا وراء مراكماته باحثا عن تجلياته بلا جدوى محاولا سبر أغواره فيعود متعبا مهزوما منكسرا أمام قوة حصونه المحكمة البناء لان الشعر وليد اللحظة الشعرية الفارقة والاحساس الروحي الصادق الذي لا يخضع للقواعد والقوالب والاملاءات متجاوز المنطق الذي يرغب النقد في اخضاعه له فلا ينجح وان ربح المعارك فهو الذي يخسر الحرب داىما مهما اجتهد في تفسير هذه الظاهرة الإنسانية الراقية يظل طفلا غريرا يعوزه الاحساس الصادق باللحظة الشعرية فيفسر مالا يفسر لذلك يظل الشعر أرقى انواع التعبيرات الفنية في نظري ويظل النقد بوابة منطقية تحاول توجيه الشاعر الي بوصلة لا يقصدها في أحيانا كثيرة على أهميته وبروز العديد من المدارس النقدية الحديثة موفقيالشخصي اعتبر الفنان كلما تخلص من سيف النقد والايدبولوحيا ظل قادرا على الإبداع اكثر حرا طليقا ثاىرا على على كل القوالب والقيود أما السرد فلي معه قصة عشق لا تنتهي بدأت منذ طفولتي سن الثامنة اوالتاسعة تقريبا إذ يعطي للمبدع مساحة للتداعي والتفسير والحكي بعيدا عن الترميز والابهام والغموض تاركا مساحة للتاريخ مراحل طويلة باسهاب فيه مكان للانفعال والخيال اكثر اتساعا وطلت تجربتي مراوحة بين الكتابة والسعر ولم أجد صعوبة في ذلك فالشعر يعطي مساحات اكثرا للأنثى ان تعبر عن عفويتها وميرلاتها في زمن ذكوري جارح هو بيتي السري وصندوق القديم وهو البوابة التي تترك لي مساحة للتعبير عن أحلامي وارهاصاتي وانتكاساتي التي تختزلني في عالم موجع للنساء في زمن التسليع لهذا الكاىن المفعم احساسا وشاعرية هذا المخلوق الذي قمعه التاريخ والجغرافيا والعادات والتقاليد والدين. لذلك أجد في قلمي سلاحي وبيتي السري الذي يلهمني التحدي ومواصلة المشوار الطويل والمنضني

3/ كتبت القصيدة.. هل ترين أنك أضفت لها.

- بدات بكتابة القصيدة الموزونة في البدايات وتأثرت بالمخزون الشعري العربي القديم شعراء المعلقات وشعراء القرن الرابع كالمجتون وبن ابي ربيعة وقيس وليلى وشعراء الخمري لأبي نواس وبشار بن برد.. وانتقلت الس الشعر الحديث شعراء مطلع القرن العشرين شعراء رابطة القلم العربي والمدرسة الرومنطيقية وتأثرت بالنجددين في السعر كنازك الملاىكة والشباب والجواهر ثم ادوتيس وأنسي الحاج وعشقت تجربة نزار قباني لكن كان ميلي اكثر لشعر محمود درويش نهبت من كل هذه الشارب لكن ام أكن من هواة التقليد واومن بالطابع الخاص وخصوصي كل تجربة شعرية وحقيقة اميل الى الشعر الثوري عموما ولا اميل الي القيود والتفعيلة والقيود في الشعر فكتبت تأثرت لكل المدارس الشعرية واخترت قصيدة النثر وبدأت تجربتي الشعرية تتشكل بعيدا عن التقليد والقوالب الجاهزة اما عن اضافتي للشعر او القصيدة اترك ذلك للتاريخ والقارىء لكن لدي ايمان راسخ ان لكل شاعر خصوصياته الإبداعية وعليه ان يدافع عنها حتى تتشكل تجارب متنوعة وللنقاد والتاريخ قولهم الفصل

4/ ماذا عن أحوال القصيدة العربية؟ وما هي القضايا الشعرية التي شغلتك مع جيلك؟

- القصيدة العربية الثورية عانقت الروعة بعد خمسينات القرن الماضي واتسمت بالجمالية والتمرد على الساىد وتماهت مع هموم الشعوب ضمن مدارس راىدة متنوعة المشارب لذلك أعتبر أنه من الطبيعي أن يبحث الشعراء عن التجديد والتمرد عن القوالب (القصيدة الموزونة...) وكان من الطبيعي أن يبحث الشاعر عن طرق أخرى للتعبير ويعود سبب ذلك الى الانتسكاسات والارهاصات التي مرت بها شعوب المنطقة وفشل شعارات أمن بها المبدع ودافع عنها في تجربته الشعرية أو الانسانية والايديولوجية والفكرية جعلت من الواقع لحظة اقتراف للذنوب او خداع تلك الطوباوية الثورية لشعراء أصابهم ما حدث من خراب بون وتشاؤم في مصر النكسة او ما حدث للقضية الفلسطينية من تخل عن الأرض والدخول في المفاوضات او الحرب على العراق وربيع الخراب الذي قضى على بقية الحلم رغم انه كان كل الحلم وليبيا وسوريا واليمن صور مؤلمة وصراع مع رجعيات عانينا تديرها المنهج للوعي الجمعي في العشرية السوداء في تونس.احدث كل ذلكر.تاثير فارق فالحروب والوهن والخراب جعل من الشعر في حيرة بين الساىد والحلم لذلك اعتبر ان من الضروري ان يبحث الشعر عن صورا جديدة تتناسب مع حجم ما وصلنا اليه من تغييرات ليفتح متافذا أخرى للحلم والأمل حتى اكون اكثر وضوحا كل ما حدث من خساىر علينا أن نتجاوزه بثورة فكربة وابداعية تجعلنا نعبر الراهن بسلام وأكبر دليل على أن القادم أجمل وجود أقلام واعدة ومبدعة وملهمة لنا حتى نستمر لأن جل ما شغل جيلنا قضايا مفصلية كتحرر شعوبنا من نبر الاستعمار المباشر او الغير مباشر فتوحش الرأسمالية الغربية والأمريكية أعاد هذه الشعوب الى البدايات كل هذه الانتكاسات أنجبت جيلا هاربا من واقعه متاثرا بجنة الغرب التي احرقتنا في ظل تعقيدات ومؤامرات تشهدها المنطقة لم يكن االفنان والمبدع في مستوى تحديات الراهن وانخرط في معارك جانبية اما مع الربيع اوضده متناسيا ان الثورات أساسها فكري وفلسفي وثقافي حتى تنجح. في ركام ولجج هذه التغييرات المذهلة والمتتالية يبقى (الشاعر الكاتب المبدع المسرحي الرواىي الرسام..) مشتتا بين مرارة الواقع وقسوته وكثرةالتحديات المطروحة عليه ما شغلني كجل أبناء وبنات جيلي القضايا العادلة مسألة الحرية وانتكاسة أحلامي بمستقبل يسود فيه العدل والحرية والمساواةالتامة والفعلية والقضاء على الظلم وقد ذكرت فيما سبق تأثري بقضايا التحرر العادلة في أمريكا اللا تينية وجنوب افريقيا وخاصة بالقضية الفلسطينية كانت لي رؤية كونية وانسانية للعالم كنت حالمةرو تاىقة للعدل والحب والجمال وقد راكمت تجاربا ايديولوجبة وسياسية أثناء الدراسة وفي النقابات وتأثرت بالفكر التقدمي ودافعت عن موقفي من الوطن والكون والحياة

5/ ماذا عن لحظة الكتابة لديك.. وهل نال شعرك ما يستحقه نقديا؟

- لحظة الكتابة تبقى لحظة فارقة وخارجية عن النص والزمان والمكان في الحقيقة حافظت دوما على عفويتها ومزاجيتها التي تبقى رهينة الإلهام والصفاء الروحي وتوفر شروط ذاتية وموضوعية للكتابة ظلت تراودني داىما فكرة اخضاعها للحرفية لكن فشلت ولم افلح في ذلك وتبقى طفلتي الحالمة التي تشبعت بقيم النقاء وجمال روح البدايات تغلب على طبعي وهذا ما يجعلني مقلة في النشر رغم أنني لم انقطع عن الكتابة نظرا لايماني باللحظة الإبداعية الفارقة والجمالية والكمال (الحق والحب والجمال...) لا -أنكر مزاجيتي واتمنى أن أصل الى الحرفية وأتمنى ان أتجاوز ذلك.. انا ابنة السباسب وحبي لمنطقتي وبقاىي فيها لم يتح لتجربتي الإبداعية الشعرية والرواىية ان تأخذ حظها كما أرى أن ذلك يعود لعدة أسباب اهمها تمركز الحركة الأدبية في العاصمة او المركز وعدم تفتحها على الداخل او الهامش وعدم أطلاعه وتعرفه على تجارب إبداعية واعدة رغم ان كتاباتي وجدت احتفاء عربيا في الجراىد والمجلات الخليجية والمشرقية كروايية وشاعرة نالت جوايز عربية لافتة معلي المستوى المحلي اسم فتحية نصري المربية والشاعرة والرواىية والمتاضلة الحقوقية والنسوية يعرفه الصغير قبل الكبير وايضا على مستوى العربي في دمشق والقاهرة عترف اهم النقادلعرب والمبدعين بجودة قلمي لكن اتمنى ان يتم تثمين تجربتي في وطني والتعريف بها وهذا ليس مقتصرا علي انا فقط فقد تم تهميش العديد من الأقلام المتميزة والمتمكنة من الفعل الإبداعي في تونس فقط لأننا لسنا في المركز لذلك لم تحضى تجربتي الشعرية والرواىية بحضها من النقد والتعريف

6/ بعض الشعراء مروا إلى الرواية وأبدعوا فيها.. كيف ترين ذلك؟

- كان لي الشرف ان كنت من بين الشاعرات والشعراء اللذين مروا من التجربة الشعرية الي التجربة القصصية والروائية وقد نجحت في ذلك فمجموعتي القصصية الأولى مدينة اغتيال الاحلام عن دار سحر للنشر تحصلت أقصوصاتها على جواىز وطنية كذاك روايتي امرأة الليل في طبعة أولى عن دار كنعان للنشر بدمشق والطلعة الثانية عن دار بيبلومانيا للنشر بالقاهرة تحصلت على جاىزة عربية سنة 2021 عن المركز العربي للدراسات والمراجعات الأدبية الذي يشرف علبه الاستاذ فاىز ابو جيش وعن منتدى حسام عقل وغادة صلاح وقد لاقت صدى طيبا فقد كنت فخورة ان قلمي مثل المرأة المبدعة التونسية أرقى تمثيل

لاننا جيل قد راكم تجربته الثقافية بشكل متنوع المشارب وكان لنا اهتمام خاص بالكتاب وتربينا على عشق المطالعة فكنا نحتفي بالكتاب فنطالع الشعر والرواية والنقد والمقالة الأدبية والكتب السياسية.. وقد بدأت تجربتي الشعرية وتجربة الكتابة القصصية في نفس الفترة ونلت عن ذلك العديد من الجواىز الوطنية مع انني اؤمن بأهمية الموهبة التى لا غنى عنها حتى أن جل النقاد الذين اطلعوا على كتاباتي القصصية أجمعوا على شعريتها في نظري لا حدود للشعر والقصة والرواية في الإبداع مادام القلم قادر على خط ملامحه الإبداعية بحرفية شرط الاقدار والتمكين والموهبة حتى لا نشرع لتداخل التخصصات الابداعية.

7/ هل ترين للشعر من جدوى في الزمن الراهـن؟

- للشعر في كل الأزمنة والأمكنة ضرورة واضحة فاضحة للرداءة والظلم والقهر معليا بذلك راية احق والحب والجمال سيبقى الشعر ما بقى الإنسان أداة جمالية راقية تكشف مكامن الروح ورقي الوجدان تكشف انحطاط الإنسان وتعري حيوانيته وتدعوه الي خوض التجارب المجهولة ذلك الكاىن المحب للطبيعة والقادر فجأة على حرق كل إنجازاته.. سيبقى الشعر ما بقى الانسان حرا من كل القيود.. تايقا للابهي والاجمل الشعر نبض حي ضمير الشعوب وموقف من الحياة بل هو الحياة نفسها وهو تشريع للحلم وبعد جمالي نابض باللمل والديناميكية أحمد فؤاد نجم بابلو نيرودا درويش نزار.. منهم تعلمنا أن الشعر هو الإنسان يتجل بهيا فيرسم بالكلمات ما تعجز عنه ريشة الرسام يؤرخ للحظات الإبداع الفارقة منه فقط راكمنا تجارب الشعوب وتعلمنا ان الافق كوني أرحب وأن الجمال هو غاية انسانية يمارسها الشعر ويقترفها كل بوم فكلما ضاقت بي السبل التعبيرية انحاز حتما للشعر والشعربة.

8/ هل كتبت شعرا وقع التغني به.. وكيف تقيمين حال العلاقة بين القصيدة والأغنية التي تمر الآن بأزمة إبداع وطرب؟

- كتبت في عدة أغراض شعرية كتبت الشعر الغناىي والملحون والقصايدة الموزونة وبين العمودي والحر والقصيدة النثرية. اذكر انني كتبت قصيدا غناىيا اثر وفاة شكري بلعيد لاحد الفنانين الهواة لتبقى العلاقة بين الشعر والغناء علاقة روحية متلازمة فمتى كانت الكلمة راقية وصادقة ومرهفة وفيها مجال للإبداع والجمالية تضمن للفنان الانتشار وللاغنية الخلود. هذا لا يجعلنا نغفل عن أزمة الأغنية في الفترة الأخيرة وتعمد الكلمات السطحية مع الإيقاع السريع وجنوح الفنانين لاختيار أغاني تجارية تخضع لمتطلبات السوق التي تفرض سطحية المفردات وسوقيتها وتعمق أزمة الأغنية اليوم كذلك بروز فن الراب او فن الشارع وميل الذوق العام نحو هذا النوع من الغناء هو ظاهرة تستحق من المبدعين النزول الى الواقع وفهم مشاكل ومشاغل الشباب إضافة إلى تردي الذوق العام وفشل المشاريع الفكرية الثقافية والتربوية لبلداننا خاصة في تونس كأزمة الكتاب او نفور هذه الأجيال من المطالعة ف دورنا اليوم هو كيف نعيد الثقة في الكتاب بكل مضاربه وكيف يستعيد المبدع دوره في مجتمعه ويتماهى وواقعه الثقافي بعيدا عن التقوقع والعنجهية والتعالي باعتباري ناشطة في المجتمع المدني لا القي بالمسؤولية على هذه الاجيال بقدر ما هو تحميل الدولة والمثقف ما وصلنا اليه من ترد ثقافي الحل في مشروع فكري وثوري متكامل تتبناه الدولة بكل تعبيراتها مع إعطاء المبدع دوره الحقيقي وتشجيعه. حقيقة في وطني لا نقدر كفاءاتنا ولا نحترم مبدعينا إضافة إلى انتشار وساىل التواصل الاجتماعي التي خلفت لنا مبدعين من وهم ومن ورق وادمان الانترنيت جعل من هذه الاجيال تنفر من الكتاب وتبحث عن الاستسهال وادمان الألعاب الاكترونية والتقوقع هذا الوهم الافتراضي جعل من الجميع يستسهل الشعر والكتابة الي جانب نفور المبدع من واقعه وتهربه من الفعل الثقافي الحقيقي في واقعه والتهرب من أهمية التجديد في واقع متغير بشكل مذهل ويومي وضرورة الوقوف على أهمية التغيير والتجديد في الأساليب الإبداعية المعتمدة والتي قد لا تناسب هذه الاجيال حتى نقلل من الفجوة بين الفنان المبدع وواقعه.

9/ هل يمكن أن نتحدث اليوم عن جماليات أخرى جديدة ومغايرة تتطلبها القصيدة العربية؟.

 - ان التغيير المذهل الذي يمر به العالم وبروز وساىل التواصل الاجتماعي كطرق حديثة للتعبير والتواصل يجعل من الضروري ان نفكر في طرق جمالية وابداعية متطورة تتناسب وهذه الفجوة الرقمية التي تفصلنا عن الكون والحياة حتى لا نكون خارج التاريخ ولا نتعامل مع الأحداث بحرفية وحضور يشكل لدينا وعي حقيقي بالتغيير لنقترب اكثر من القارىء والمستهلك الأساسي للمادة الإبداعية بشتى انواعها حتى لا نبني فجوة بيننا وبين الواقع باعتبار ان المثقف العضوي هو الفاعل وليس كيانا منفعلا يسلب نفسه الموقف من الكون والحياة بعيدا عن الشعبوية والشعارات الزاىفة للسياسيين وللأسف سقط في ذلك المثقف وأصبح حبيس التصنيف الأيديولوجي حقيقة علبنا ان نفكر في طرق إبداعية وجمالية قريبة من الواقع الإنساني والمجتمعي الذي يجبرنا على خوض الكثير من التحديات.. ان التوحش الامبريالي والعولمة المتسارعة جعل من المثقف او المبدع حبيس الروتين اليومي والضغط الاقتصادي داخل داىرة مغلفة تجبره على الاستسلام او الاكتىاب يجعلنا نفكر بكل جدية في مشاريع ثقافية وفكرية تتبناها الدولة وبكون المثقف شريكا فاعبا فيها حتى نتقذ الإبداع من هذا الانحطاط والرداءة اللتان تحاصرانه ونبني جسرا من الثقة والود بيننا وبين المتلقي هذا الزمن الذي توحش فيه الإنسان وداي على كل القيم الإنسانية من أجل متافعه وصالحه اما كدول او كأشخاص غزل الأمل وبناء الثقة بيننا وبين القاريء او المستهلك للثقافة امر ضروري فالمصالحة لا تنبني على التعالي الغطرسة فكلما اقتربنا من هموم الناس كلما ضاقت داىرة الخوف وأسعدنا دور المثقف الفاعل في واقعه مثلا الأغراض في استعمال لغة أكاديمية لن يفهمها هذا الجيل ولن تعبر عن مشاغلةه ومشاكله صناعة حقل لغوي يناسب الواقع وطموحات هذا الجيل هو مشروع على المبدع والدولة تبنيه من خلال مشاريع ثورية متطورة في النهاية نحن نرنو الي يلاية التعبير والواقعية والاقتراب من روح المستهلك للفن والابداع بكل أنواعه وتجلياته ولسنا دعاة للاستسهال او للرداءة

10/ هل ترجمت أشعارك لغات أخرى؟.

 - لم تترجم كتاباتي الشعرية او الروائية الى أي لغة وأتمنى ذلك لانه سيمنحني فرصة التواصل الإنساني مع ثقافات أخرى وبلدان أخرى للأسف اتمنى ذلك وهو حلم كل مبدع ان تترجم كتاباته الي لغات أخرى وبالتالي سيمنحه حياة أخرى امل ذلك في أقرب فرصة

11/ ما هي أهم مشاركاتك الشعرية العربية والدولية إلى حد الآن؟

- شاركت في عدة منتديات ومهرحانات عربية في تونس وخارجها كمصر الشقيقة وسوريا والعراق من خلال جوائز أدبية او تكريم لمسيرتي الابداعية في الشعر وقد نلت التكريم في الشعر في أكثر المهرجانات ذات الطابع الدولي مثلا من قبل رابطة جمال الدين والعنقاء الأدبي بالعراق الشقيق في تونس وتحصلت روايتي امرأة الليل عن دار بيبلومانيا للنشر على جاىزة عربية وتم تكريمي في القاهرة من قبل المركز العربي للمراجعات وللدراسات الأدبية الذي يشرف عليه الاستاذ فاىز ابو جيش وومنتدى غادة صلاح والدكتور حسام عقل الى جانب استقبالي والاحتفاء بي من قبل اتحاد الكتاب العرب بإشراف الدكتور علاء عبد الهادي الى جانب السفارة التونسية في القاهرة وهذا يجعلني على ثقة تامة بأهمية التعريف بتجاربنا الإبداعية خارج حدود الوطن لأنها أينما حلت تترك أجمل الانطباعات كذلك لنتعرف على التجارب الإبداعية العربية او الإنسانية لنثري تجاربنا ونستمر في الفعل الثقافي والتميز والابداع

12/ وأنت في أوج هذه المسيرة الشعرية والسردية.. ماذا تقول الأديبة فتحية النصري؟

- مازلت أخوض تجاربي الشعرية والرواىية بشغف وأحلم بربيع اللوز يحف الخطى على هذه الأرض الخضراء الندية والحبيبة أنا هناك من جبال السباسب الشامخة ومن سفوح الشعانبي الذي مر بمحن كثيرة راكمتها كشاعرة وكرواىية وابنة هذه الربوع المناضلة ضد النسيان والتخلي أنتصر للحب وللحياة اقول لك صديقي مازلت طفلة تقترف ذنب الكتابة وتتعامل مع الكون بوجدان الثاىرة على النمطية والرتابة في الكتابة وفي الشعر سعدت كثيرا بهذه المصافحة الراىعة وهذه الصدفة التي جمعتني بك صديقا أكن له كل الاحترام والتقدير شكرا للعاصمة الخضراء التي جمعتنا والف شكر لك مبدعا أصيلا وصديقا وفيا تحياتي لك لأنك فسحتم لي المجال من خلال منبركم الاعلامي الراقي لشخصي المتواضع فتزدحم الأفكار وتتردد الكلمات فأقول في حبك يا بلدي /مازلت ليك نغني ومازلت نزرع دروب الورد بعزفي وفني / سنبقى الأقرب رغم المسافات وسيخط قلمي آيات العشق والعرفان لهذا الوطن الجميل الذي عشقنا رغم المركزية الضيقة والنسيان من جبال الشعانبي الشماء سنظل أوفياء للحب والجمال من ربيع الزعتر ومن نسماتها البهية وغاباتها سنحضن عشقنا لخضراء العيون سأبقى طفلة عاشقة للوطن بوصلتي الإبداع والكتابةضد الرداءة والنسيان نابضة بالحياة لأن في الكتابة حياة سأكتب حتى ينصفنا التاريخ على العهد دوما وان باعدت بيننا المسافات سنكتب عن تونس التنوع والمحبة سأكتب عن السباسب التي عشقنا خراىط وجع ووشمات امازيغية تحدث العابرين عن الثورة والحب والحياة سنكتب ضد الرداءة سنتغنى بالشعر ضد القبح وسنعلي رايات التمرد والحق والجمال.. اذا دجن المبدع وتخل عن التمرد عن الساىد سيظل الطريق لذلك سأحافظ على روح الثورة والتمرد في داخلي

13/ بماذا تحلمين ككاتبة.. الشاعرة والانسانة؟

 - أحلم كإنسانة وكشاعرة أن تلغى الموانع الحدود وتبقى غايتنا الأساسية الإنسان سنشرع سفينتنا للريح ونترك للحلم فسحة أخرى ونبحر مهما اشتدت العواصف كل ما اتمناه أن لا نذبح أماني أبناءنا ونقاوم بكل عنفوان المركزية الضيقة وان يفسح المجال للجميع حتى لا نكون على الهامش ونقاوم العنصربة والجهوية المقيتة وأنا ن تبقى تونس اما لنا تحضن إبداعات ابناىها ولا تتركهم فريسة للتخلي والنسيان والتطرف أرفض التقسيم والتسطيح الذي جعل منا غرباء داخل هذا الوطن العزيز اكتب اكثر من ثلاثين عام كنت المتمردة التي ترفض التاطير انتميت اخيرا الي اتحاد الكتاب أحمل خلفي ارثا لسفيطلة وسيليوم عاصفة أفريقية لمىات السنين أحلم بتونس الممكنة أحمل خلفي وزر سنوات من النضال الحقوقي والنسوي ضد التهميش على أساس النوع والجنس والعرق واللون ما أعد به =الكتابة ثم الكتابة ضد الرداءة وانتصارا للحياة

14/  وأخيرا..

.. واخيرا تركت لي فسحة حرة من الانفلات الفكري فمارست كعادتي طقوس اقتراف الكتابة دون قيود او تابوهات.. كل الشكر والتقدير على هذا المتنفس الاعلامي الذي فسح لي المجال كي اعبر عن كل اختلاجات وثورتي وحبي للإبداع ولهذا الوطن الحبيب والجميل.. فقط سأقول لك عشت فترات كانت فيه المنتديات الأدبية والمهرجات الشعرية من شمال البلاد حتى جنوبها تدفعنا للمنافسة والكتابة.. هذا يجعلني متأكدة ان على هذه الأرض الخضراء الندية من أقلام متمكنة ومبدعة ما يترك لنا مساحات للحلم والفعل الثقافي ما يستحق عناء الكتابة والابداع والحياة فتحية نصري الشاعرة والرواىية والقاصة ستواصل الكتابة ضد القبح واعلاء قيم الحق والحب والجمال والتمرد على السائد والتأسيس ضمن جيل من الشعراء والكتاب كان وفيا ومنحازا للإبداع والجمال.

***

حاورها: شمس الدين العوني - تونس

- الشِّعر إذ مُنح الطبيبُ موهبتَه مبكّرا، فإنه سيكون أكثر عمقا وإبداعا وتألُّقا عمّا سواه.

- المِحَن قد لا تقدح شرارة الشِّعر إلّا متأخّرة بعضا من الوقت.

- للأطباء في العصر الحديث حضور متميز في الإبداع الشعري.

- الهايكو؛  نثر جميل وأحاسيس عميقة  تتناسق وتتهادى على ضفاف بحور اليابان  لا على بحور شعرنا العربي الأصيل.

-النظر بالعين، أما البصر فهو بالمراكز الحسّيّة للإبصار في الدماغ، وتحديدا في المنطقة القذاليّة منه.

- الأنانية وحبّ الذات حقّ لكل البشر، ولكن بنسبة لا تؤثّر على مصالح الآخرين.

***

لا زال العراق يذكّرنا جيلًا بعد جيل أنه مهبط المتنبّي والفرزدق وجرير؛ إذ راح ينساب الشعر فيه انسياب دجلة والفرات، وشرع يثمر الشعراء تلو الشعراء كما يثمر نخيلُه التمر، وهكذا كان الطبيب والشاعر عبد الودود القيسي، الذي وُلد بين جنباته عام 1946، وتخرّج في كلية الطب بالعاصمة بغداد عام 1969، ثم تحصّل على شهادة التخصّص في طب وجراحة العيون من لندن عام 1976. شارك في عدّة مهرجانات شعرية عراقية وعربية، ونظم ثلاثة دواوين تَعانق فيها الطب والشعر حين احتلّت العيون صدارة عناوينها: (همس الأحداق) و(أوتار الأحداق) و(فاء الأحداق)،  كما صدر له مؤلّف عن الإعجاز القرآني في طب العيون.

ومن نافلة القول، أننا تواعدْنا لتناول وجبة فكرية وأدبية على مائدة هذا الحوار، ولمّا حان الموعد لم يغفله متعلّلا بالانشغال كمَن يظنون أنهم يحكمون العالم ويديرون دفّة الكون بينما هم أفرغ من شاشة التلفاز بعد انتهاء الإرسال، كما لم يسوّف كعادة أكثر القوم اليوم حين يَعِدون ويخلفون ثمّ يَعِدون ويخلفون وهم في ذلك أكذب الناس وأشرّهم ولا ريب، بل طلب إمهاله لبعض يوم مقدِّما عذره، ولمّا أجبْتُه إلى طلبه، ارتجل هذين البيتيْن الرقيقيْن:

"يا لطيفا يا كريما يا منيرا

سيكون العسر في صبحٍ يسيرا

أنــــــــــا للعهدِ قمينٌ قـــلبُه

ولـــــــــه أبقى بلا قيدٍ أسيرا"

ويبدو أنه ما زال وفيًّا للقلم والقرطاس، إذ وافاني بأجوبته مكتوبة على غير عادة القوم في هذا الزمان الإلكتروني، وأظنّها كانت تجربة استثنائية شاقّة بعض الشيء بالنسبة لي، ولكن أمام الإبداع يهون كل شيء.

الحوار

* ماذا لو خلَت الأرض من الشِّعر والشعراء؟

- الشعر ليس شهدًا للُّباب والقلب فحسب، إنما هو أنوار تنير جوانح النفس التي ران عليها ظلام الحياة، وخاصة في عالمنا الحالي الذي يكاد أن يكون مجرَّدا من الإنسانية! لقد كان الشعر ديوانا للعرب، ومتنَفَّسا للمنشِد والمنشود، ووجود الشعر في الأمّة لا يمكن أن يكون إلّا ضرورة وحاجة إذ فُقدت فقد المجتمع أواصر روحية وعاش في حيرة التعبير عن كوامنه سعادةً وألما.

* ما مدى مصداقية قولنا: الشعر أقرب إلى أطباء القلب والنفس منه إلى الجرّاحين؟

- لا أرى للمهنة علاقة في القرب أو البعد من الشعر، وقد يكون الجرّاح أقرب مِن سواه في الأطباء بكافة تخصصاتهم، فالشِّعر تعليم ربّانيّ، وهذا الكلام استنتجتُه من قول الباري عزّ وجل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وما علّمناه الشّعر وما ينبغي له" ، أي أنه منْحة من الله وهبة، قد تُصقَل وتنمو وتُثمر بالاطلاع على ما قاله الشعراء السابقون، وبتثقيف اللباب بلغة الضاد. وإذا ابتعدْنا عن الأطباء، فإنني رأيت أساتذة كبارا يحملون درجة الدكتوراه في اللغة العربية ولا يستطيعون نظم بيت واحد من الشعر، فمعرفة اللغة والتعمّق فيها لا تعطيك الموهبة الشعريّة. وللأمانة أقول، إن الشِّعر إذ مُنح الطبيبُ موهبتَه مبكّرا، فإنه سيكون أكثر عمقا وإبداعا وتألُّقا عمّا سواه، لأنه وبحكم تفوّقه الدراسي، أكثر قابلية للحفظ والتصوّر والفهم.

* ماذا وجدتَ في العيون من سحر فَتَنَت به الشعراء وسجّلَت حضورَها الأخّاذ في قصيدهم؟

- الأعين –وليس العيون- منحة الباري عزّ وجلّ لكل إنسان، فبها يرى ومن خلالها يبصر. وقد كتب الشعراء عن الأعين الكثير؛ لأن العين هي الباب الأوّل والناصع الألوان لكل المشاعر الإنسانية: شوقا وحنانا،  حبًّا وهياما، أو بغضا وتألما، هلعا وخوفا..وقد كتبْت عدّة قصائد تغزُّلا وهياما بالوطن والأمّة، فضّلْت افتتاحها  غزلا وتشبيبا بعين الحبيبة التي قد يظنّ البعض أنها المرأة، ولكنها أرض الوطن وترابه ونخيله، فقلْت:

هي المكاحل من عينيكِ تكتحلُ

وفوق خدّيْكِ لون الورد يكتملُ

*

لا تُوصَفينَ بأشعارٍ منمَّقةٍ

فأجمل الشعر بالمحبوب  يُرتجَلُ

أَسْدلْتِ شَعركِ فوق الوجه مُطرِقةً

كأنما الصبح تحت الليل ينسدل

* أعلن الشاعر أحمد مطر كفره بالشّعر الذي لا يُوقف الظلم ولا  يحرّك الضمائر، فبأيّ الشعر تؤمن وبأيّه تكفر؟

- كل جميل في الشعر أحبه، ولا أميل إلى كلمة الكفر فيه، من أيّ وعاء وإنسان خرج. سُئلْت في مقابلة صحفيّة عن رأيي في أحد الشعراء العراقيين الكبار، فقلت: أُكبره وأحب شعره ولكن أبغضه فكرا وخُلُقا. لقد كان شاعرا جميلا جدا ولكنه شعوبيّ ملحد وفاسد مفسِد، لا يحب وطنه ولا عروبته ولا دينه،  ويميل قلبا وعملا إلى الذين يبغضون العرب والمسلمين، ولهذا السبب أو ذاك، فإني أحب الشّعر بالشاعر وأحب الشاعر بالشّعر. الشاعر الذي يدافع عن أمّته وقيمها وتاريخها في شعره هو الأهم، وهو الذي يجب أن يُحَبّ ويُقيَّم، مع تألّقه شعرا.

* العراق ليس بخير الآن على أكثر من صعيد، هل انعكس ذلك على الشعر أيضا، أم أن المحن تقدح شرارة الشعر وتحفّز قرائح الشعراء؟

- عندما أذكر الشعر، أتذكّر بفخر أيام المِرْبِد الجامع لشعراء العرب من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي وأحيانا الشعراء الأجانب، وعندما احتلّ المجرمون العراق العربي الأصيل، صوّبوا سهام أحقادهم إلى قلب الضاد ونبضه، وإلى قلوب كل العاشقين المغرَمين به، لأنه لم يكن احتلالا فحسب، وإنما تخريبا وذبحا لكل وريدِ نقاءٍ وشريانِ ارتقاء.  والواقع أن المحن قد لا تقدح شرارة الشعر إلّا متأخرّة بعضا من الوقت، ويبقى هول المعاناة من الغادرين العملاء أكثر من المحتل، لا سيّما لقلوبٍ اعتادت على الطِّيبة والنيات الحسنة والصدق.

* حسب إحدى بحوثكم الصادرة حديثا، ما أبرز ملامح الإعجاز القرآني في طب العيون؟

- أوّل بحث ألقيتُه كان في مؤتمر دولي للعيون أُقيم في العاصمة الأردنية عمّان،  وقلت في بدايته إنّ أوّل ما جلب انتباهي للسبق والإعجاز القرآني في طب الأعين، هي الآية الكريمة من سورة البقرة: "يكاد البرق يخطف أبصارهم كلّما أضاء لهم مشَوْا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إنّ الله على كل شيء قدير"،  ونحن نعلم اليوم أن البرق عبارة عن أشعة تحت الحمراء، وعندما تخترق العين مباشرة فإنها تصيب البقعة المبصِرة للعين وهي مركز النظر في الشبكية، فتكون النتيجة إمّا حرقها  أو تلفها أو حصول وذْمة فيها، وبعد أيام أو علاج تعود إلى حالتها الطبيعية عقب امتصاص الوذْمة، ولذلك فإنّ كلمة (يكاد) في الآية الكريمة مفتاحا للدلالة على الإعجاز والسبق القرآني. وكذلك الآية الكريمة "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" ، تقرّر أن النظر بالعين، أمّا البصر فهو في المراكز الحسّيّة للإبصار في الدماغ، وتحديدًا في المنطقة القذاليّة منه. وهناك إشارات أخرى كثيرة على هذا الإعجاز يضيق الحوار بسردها.

* كيف رصدتم إسهام الأطباء الشعراء في فضاء الشعر العربي على امتداده زمانا ومكانا؟

- للأطباء في العصر الحديث حضور متميز في الإبداع الشعري، وقد واجهْت في حياتي كثيرا من المضايقات والاستهجان عندما أشترك في مهرجانات شعرية أو عند  نشر بعض قصائدي، وأتذكّر أنني في ستّينات القرن  العشرين وقتما كنت أدرس الطب، كتبْت قصيدة بعنوان (الأمة الحَيْرى)، وأرسلتُها إلى مجلة أدبية متميزة في العراق والعالم العربي وهي (الأقلام)، ونُشرت بعد مقابلة لا أنساها مع مدير تحريرها حينذاك الأديب المعروف خالد الشواف، إذ كان لا يصدّق أنني كاتب القصيدة، خاصة حين علم أنني طالب في كلية الطب!

* على أيّ وجه تتعاطى مع ما يُعرف بقصيدة النثر وقصيدة الهايكو وغيرها من أنماط حديثة؟

- لقد جُبل الإنسان على حبّ السماع إلى نغمات تحرّك شغاف القلب طربا، وتتمايل من بعده الأجساد بحركات متناغمة قد لا تكون إرادية. والشعر العربي مثل أعلى في الألحان والنغمات ولا يُتقبَّل منه سوى ذلك، وهو الشعر الذي نسجه شعراء العرب ببحور (نغمات) وقوافي على سليقتهم وفطرتهم، ولذا فإنني أرى ما يُكتب الآن بدون وزن ولا قافية ما هو إلّا نثر وسجع لا يمكن أن يُسمَّى شعرا. فالشعر الحرّ، لماذا يسمّى حُرّا؟ هل الحرية انفلات من الحقّ والحقيقة! هذا لا ينفي أنني وجدت في بعضه نصوصا جميلة فيها مشاعر عميقة، ولكنها تبقى سردا ولا يحقّ لها أن تكون شعرا، وأكثر من ينسج من هذا النسج الجديد يريد أن ينال لقب شاعر وما هو بشاعر، بل هو ناثر مجيد أو ساجع عتيد. أمّا الهايكو؛  فهو نوع من السرد الأدبي يلائم مؤسّسَه الياباني القديم، وهو نثر جميل وأحاسيس عميقة  تتناسق وتتهادى أمواجا هادئة على ضفاف بحور اليابان  لا على بحور شعرنا العربي الأصيل. وهنا أوجّه سلامي وتحياتي لكل عربي يكتب الهايكو وأقول لهم: رفقا بحرف الضاد والشعر الأصيل.

* هل ترى أن ثلاثة دواوين كافية لتلخيص مشوارك الشعري؟

مَردّ ذلك إلى الواجبات التي تحمّلْت ثقلها وأوزارها أثناء حياتي الطبية في المحيط العسكري الذي تطلّب منّي جهودا مضنية لا أظنّ أقراني في المحيط الطبي المدني عانوها، وخصوصا الأحداث التي تعرّض لها بلدكم وبلدي العراق في تاريخه الحديث والقريب. ومع ذلك، فالدواوين الثلاثة أراها نعمة من الله ومنّة منه، وأرجو الباري عزّ وجلّ أن يمكّنني من إصدار الديوان الثالث وهو أكبر وأكثر غزارة من الديوانيْن السابقيْن. 

* بلغة الكيمياء –والشعر كيمياء من نوع خاص- ما هو أوكسجين شِعرك؟ وما ثاني أُكسيده؟

- إنّ حبّي لشعبي العربي ولبلدي العراق، وحبّي لضاد العروبة ولديني الحنيف، جعلنّي محبًّا لشعر أنسجه بمعاني هذا الحبّ. وأنا مؤمن أن حبّ الأمّة يبدأ بضمير حيّ محِبّ لأهله وعائلته، ومنه ينطلق لحبّ الأقربين ثمّ للأمّة ومُثلها العليا، وأعتقد أن البداية السليمة تكون على هذا السياق، ولا أتصوّر فردا يدّعي احترام الأمّة والمبادئ السامية وهو لا يحترم أبويه وأهله. وأرى أننّي أتنفّس بشعري -وكما نسمّيه الأوكسجين- إن انطلق بهذه المعاني التي سطّرتُها. أما الزفير في شعري -وكما نسميه ثاني أوكسيد الكربون- فهو التعبير عن رفضي وبغضي -شعرا- لكل غريبٍ معتدٍ آثمٍ على أمّتي ومبادئ ديننا الحنيف. إذن، أوكسجيني: هو ما أتنفّسه حبا، وثاني أوكسيدي: هو  ما أرفضه وأبغضه بغضا.

* في اعتقادكم، لمَن تذهب إمارة الشعر العربي اليوم؟

- أظنها ستذهب كما تذهب جائزة نوبل إلى الفائزين بها..

ليس للشِّعر إمارهْ      ضادُنا يعرف دارَه

إنه أمرٌ سِجالٌ     سِرُّهُ أضحى جَهارَه

والشِّعر كما تعلّمت من خبرته بي وخبرتي به، سهل النسج لمَن تعلّم تفعيلات بحوره، ولكن الشّعر حقيقة هو شعور دقيق من قلب رقيق ولبّ عميق، يسافر بصاحبه إلى آفاق رحبة ومعان جميلة أخّاذة مؤثّرة في قلب المتلقّي. وأرى أن معاني الشعر بدأت تُعاد في الغالب، ولكن ببحور وتفعيلات شتى، والذي يأتي بمعنى جديد لم يقله شاعر قبله هو صاحب سبق جديد مبارك. ومن هذا الشعر الجديد المعنى قلت:

أعداؤنا والخائنون ديارَهم

وجهان، صارا واحدا فتكشّفا

إن هم يديرون الظهور تستُّرا

فلقد عرفنا الوجه من ذاك القفا

* هل من وصية جامعة تهديها إلى الأطباء ومِثْلها إلى الشعراء؟

- الإنسانية والأخلاق الحميدة قاسم مشترك بين جميع الخلق ولا فرق بين الأطباء والشعراء في هذا، والتذوّق السليم للفعل والكلام ميزانه واضح جليّ. فعلى الطبيب أن يحب الخير للناس كما يحبه لنفسه، وتبقى الأنانية وحبّ الذات حقا لكل البشر، ولكن بنسبة لا تؤثّر على مصالح الآخرين وتؤرجح  حقوقهم في الصدق والخير. أما الشعراء الأطباء أو غيرهم، فهم في فضل من الله، إذ وهبهم هذه المنحة الراقية، وعليهم مراقبة المانح البارئ المصوِّر في كل ما يقولون وينشدون، فلا يكون شعرهم سلعة بيد الشاري ممّن يتقربون إليه به، لأن الشعر رقيّ وارتقاء ولا يُباع ولا يُشترى. موهبة الشعر عطاء رباني، وعلينا أن نكون بها أمناء أوفياء لأمتنا ولعروبة ضادها ولمُثلها العليا وتاريخها المجيد.

***

أُجري الحوار: د. منير لطفي

في  18 ديسمبر 2022م

 

- رجاء بكرية، أديبة، وفنانّة تشكيلية، ناقدة في مجال الفنّ المرئي.

- أستاذة محاضِرة في موضوع التعدّديّة المجاليّة، والكتابة الإبداعيةّ، في المراكز الثّقافيّة والكليّات الأكاديميّة تعيش في حيفا منذ 1996

صدر لها:

- عواء ذاكرة رواية، النّاصرة 1995 .

الصّندوقة (مجموعة قصصيّة). المؤسّسة العربيّة، بيروت 2003

- امرأة الرّسالة (رواية)، دار الآداب، بيروت 2007 سبتمبر

امرأة الرّسالة (الطبعة الثانية)، دار الجندي، فلسطين 2014

- امرأة الرّسالة، رواية (ترجمه للكرديّه)، وزارة الثّقافه، أربيل، 010

- باهرة، مجموعة قصصيّة ( ترجمة للكرديّة)، مؤسّسة نما، أربيل، 2009

- الباهرة، مجموعة قصصيّة، دار الجندي- القدس، 2015

- عَيْن خَفشة، رواية، الأهليّة – عمّان، يناير، 2017

- نمِرُ الثّلوج، (رواية للفتيان). عمّان، يناير يناير 2022

جوائز

حصلت على عدة جوائز:

- جائزة القصة القصيرة النسائية لنساء حوض المتوسط لعام 1997، عن قصّة "الصندوقة"، مارسيليا، فرنسا.

- جائزة، فنان مبدع، قسم الفن التشكيلي، وزارة المعارف.

 - جائزة فناّن مبدع بين السّنوات 2001 \2002، 02 \03.

- جائزة الإبداع الأدبي 06 عن روايتها "امرأة الرّسالة"، وزارة الثّقافة- القدس.   

- جائزة الإبداع الأدبي 09، عن ترجمة روايتها "امرأة الرّسالة" للكرديّة، وزارة الثّقافة، أربيل.

- جائزة الإبداع الأدبي 018، عن مجمل إنتاجها الأدبي، وزارة الثّقافة – القدس.

- درع مؤسّسة نما الكرديّة لشخصيّة العام الأدبيّة في التّرجمه.

4678 رجاء بكرية

* ما هي أهم التحديات التي تواجه الرواية العربية؟

- كيف تكسر منطق السّرد الرّوائي بالجذب الفنّي الحرّ، ولو كان من ثوابت المكان مكانك. وأعني التّأسيس لعالم سردي يزخم المتلقي بجماليّات العالم على تفاوت مستوياته. فما لا يتنبّه اليهِ صُنّاع الرّواية أنفسهم أنّ روتين العوالم المزدحمة بالوجوه مثلا قد يُفسدُ ايقاعَ جماليّاتها وأدوات سفرها الحسيّ الى المتلقّي. على اعتبار أنّ المنطق الحسيّ هو منطق اخر يقابل إيقاع المنطق السّرديّ ويؤسّس لعناصره الجماليّة. أذكر رواية اشتغلت على تكرير البطل على طول الحدث وأفسدت متعة دهشتها تماما. أسميتها رواية مأزومة ورغم ذلك حازت على جائزة لضيق الخيارات في حينه. الرّواية عموما مطالبة بتوفير رصيد يكفي الرّوح كي تُخَض بِها المخيّلة لتتوهّج. هكذا تستفزّ المتلقّي حسيّا، وما لم تفِ بشرطِ وصولها اليه ستظلّ تجربة مارقة، ونحن نريد التّجربة الّتي تدعم ثباتها فينا بدون ثرثرة لا طائل منها، نقديّة كانت أم تنظيريّة لأنّ لحظة الكتابة لا تحتمل الثّقل، بل تحتاج أن تتجرّد ممّا هو أرضي وتسمو خفيفة في رهف السّماء.لا بدّ من الإشارة هنا أنّ المدرستين عموما لا تعنيان القارىء كثيرا حين يملّ ما يقرأه، يرميه وينام.

* إلى أي حد تضر الأدلجة بالنص؟

- الأدلجة بعينيّ فنٌّ وليس توثيقا، يتعلّق بالزّاوية الّتي يرى منها الرّوائي نصّه. هي تقنيّة ليست سهلة ويمكن للكاتب أن يخطىء مسار قلمه وهو ينسحب خلف تيّارها، السرّ في الحنكة الحسيّة الّتي سيعتمدها. الحسيّة حتما قبل الفِكريّة لأنّها منجى التشوّش السّردي، والكاتب منجاهُ الحقيقي تيّارهُ الشّعوري، حين يمتطيهِ يزخمهُ فكرهُ. روايتي "عَين خَفشَة" اشتغلت على هذا الموضوع بفيض ذاكرة وقلب وعلى حذر. عبر مسارها المتداخل استطعتُ أن أستعيد ذاكرة النّكبة الفلسطينيّة في حرّ تفاصيلها ومواقعها.

* ما ضرورة أن يبحث الروائي عمّا لا يقال ويقوُله بطريقته؟

- الضّروري في الرّوائي ألّا يشبه أحدا الا ذاتهُ وحين يضع بصمتهُ فأن تنتقل بالعدوى الى سواه كعدوى شافية تأخذ كلّ من يُلامِسُهُ الى الرّغبة في احداث تغيير. سؤالكَ جميل ويصبُّ في باب الاختلاف، وبعينيّ مُهمّةُ الرّوائي أن يتجاوزَ رتلا طويلا من الممنوعات كي يُعلنَ ما يعجز عنه سواه في الحياة بالمجمل. ثمّة أشياء لا يمكن لأيّ أحد حتّى أن يقولها ما عداه. هذا هو فنّ الكينونة، اذ لا يكفي أن تكون كائنا تحت سماء اللّه، بل أن يكون لك دور لا يجيدهُ سواك. مهمّة الرّوائي أن يًدهِشَ الحياة بما لم تصادفهُ ولم تره. يثوّر اللّغة، يختطف لغة السّرد مثلا الى غابات لا يعرفها الاّه، ومدن تعيش تحت بحار لم يسمع بها غيره، وربّما يعثر على مسبّبات منطقيّة لأن يعيش الحبّ في مناطق أخرى من العالم لا تعرفها الحياة ذاتها. فتغيير مفاهيم التّواصل مع الرّوح كما الشّخوص المتخيّلة والأمكنة تقع على عاتق الرّوائي، هو ناسجها وهو الحاكم بأمر غاباتها أو حدّة صخورها. ومن هذا المفترق يأتي السّؤال ماذا نكتب؟ نكتب أنفسنا أوّلا خارج ذاتنا في خضّة عنيفة للثّابت في مدلولاتها. نثير الشّك في عوالم لم يجرؤ عليها غيرنا، فنغسلها من المرايا العابرة كي تحدّد وجهها الأوّل بتفاصيله العذبة، أليست العذوبة جلّ ما نطمح اليه في مذاق الحرف حين نضع لبنة الدّهشة الأولى في رواياتنا؟4679 رجاء بكرية

* كيف ترين الرواية خلال العقد الاخير؟

- ما يثير استغرابي الاقبال الكمّي على كتابة الرّواية، حتّى أنّ رتلا طويلا من الشّعراء خاصموا قصائدهم وانشغلوا بالسّرد وعوالمه الدّخيلة. وبقدر ما يثير الأمر السّعادة لاحياء هذا الفنّ العميق بقدر ما يدفع لتساؤل لحوح، هل انتشار الجوائز حول المشاريع الرّوائيّة سببا فيما يحدث؟ وللاجابة على سؤال شائك كهذا سوف نتجنّب الخوص في الأسماء ومناحي وهجها، والنّبش في معاني قصائدها وتخصّصات رُصاصِها أو حبرها الحيّ الّذي أفرغتهُ من مادّتهِ أو أطلقتهُ على رؤوس العصافير المارقة وطارت.

وفق ما تابعته، فانّ التّجارب الرّوائيّة الحديثة مسلك فرعيّ في صرح الرّواية العربيّة الواسع. يزخر بالمغامرات لهدف واضح، انجاز نصّ يستحقّ أن تحتفي به الجوائز. وهو ما يضيّق على خناق جماليّات الهجس الفنّي في الكتابة الرّوائيّة، لأنّ الحقيقة الّتي تسعى اليها الرّواية على اختلاط مذاهبها وأدواتها وأساليبها غير ذلك. من يخوض غمار هذا الفنّ النّوعي يدرك جيّدا أنّه يؤسّس لتجربة ذاتيّة ثرّة، تراكميّة جدّا، كثيفة الفصول شتائيّة المواسم. تفيضُ ولا تشتّي، تزخّ ولا تكزّ، تخبىْ في صدور النّساء الفاتنات حكايا عشق لا أسماء لها. تُشرعَ أعراش المخيّلة على كنوز رجال تجاوزت مُغُر علي بابا بأميال، فتجاوزت الدّهشة الّتي نستحق. وأريد هنا أنّنا كقرّاء وكتّاب على حدّ سواء نستحقّ أبوابا أشدّ ثراء من تفاصيل الحاصل كي نطلق أسماءنا على عمل روائيّ. فالرّواية فتح جديد للقلب أوّلا وللفرادة ثانيا، ولدهشة النّوعي في التّجربة ثالثا، لذلك تظلّ كرَزا نادرا مُشتَهى، وربّما هذا ما لا يفهمه من يطلقُ رصاصهُ مكانَ وَردِهِ على الفضاء فيصيب العصافير على خطأ، ويُسقِطُ دهشةَ سماءٍ تلزَمُهُ، وهوَ يخوضُ أدغال الكتابة.

* ماذا تغيّر في شكل الرّواية؟

- ذات يوم شكّل صدور رواية عيدا للأدب. وتسألني ماذا تغيّر؟ قبل الآن كانت للرّواية قيمة أشدّ بهجة ومتعة وجمال، تتقاسم ظهورها الحالة الثّقافيّة من أقصاها الى أقصاها، على غير ما يجري الآن حيث أخذت مسلكا فرديّا بحتا. ما يحدث الآن أنّ معايير الفكر، تغيّرت، وشروط الدّهشة والمتعة والمشاركة تغيّرت أيضا. جنون الشّهرة السّريع أخذ من جماليّات الكتابة رحلتها الماتعة إلى الحُلُم والسّفر والاكتشاف، وكلّ ما يحدث اليوم أنّنا نتابع أقلام مهرولة نحو أبطالها. سريعة العبور بين محطّات الحدث. وأنت لا تعثر تماما على جماليّات المشروع بقدر ما يلازمك جماليّات التّجربة، تجربة غالبا ما تكون لمعة لمرّة واحدة تريد أن تستنفذ طاقتها في عمل واحد تصل به لأبعد مكان وتختفي. واذا كانت ستتابع فسوف تفعل لكنّها لن تكون بنفس الجودة. جيل الحبق الّذي ننتمي اليه في التّسعينيّات جيل رعى الفكرة في أُصص الخلّ الفارغة وأنبتها كَما يُنبِتُ نرجِسة في عمق صخرة. على مهل وبكامل شغف الأصابعَ والرّوح لصناعة حياة على الورق. تأخذ من الواقعِ شيئا يجذّرها في قلب الحكاية ثمّ تعلو في غاباتها البعيدة حيث لا يعثر عليها أحد حتّى تقبض على عوالمها الدّافقة غبطة وحياة.

* وما ينقصك كروائية؟

- سؤال جميل، والاجابة عليه أبسط ممّا تتوقّع. لا ينقصني شيئا غير أن ترفل مدينة روحي بسكينتها. ما أفعلهُ للرّواية مصدره ايماني بضرورة تغيير النّهج في الكتابة، أسلوبها، أفكارها، خطّتها، مصادر ثرائهاـ واضافتها لمحيط الكتابة العام. أهجس بلا آخر بفكرة لم يغامر بها أحد، لم يستيقظ على مساكبِ اخضرارها سواي، لأنّها من خصوصيّات أفكاري ومرجعيّاتي العقائديّة، السيّاسيّة، الحسيّة وأبعادها الجماليّة. الحسيّة تحديدا الّتي ترهَف كلّما عثرت على قوقعة بحريّة خالية من كائنها الجميل الّذي غادر وتركَ مكانا فارغا للنّبوءة. على صعيد العلاقة بيننا كفلسطينيين يعيشون في مناطق ال 48 والعالم العربي، ينقصنا الاعتراف بجهادنا الطّويل في حفظ هويّتنا وحقّنا أن تتعامل المرجعيّات الثّقافيّة بمادّتنا الأدبيّة كما تفعل مع أيّ كاتب في العالم. يرهقني مثلا فكرة تهميش رواياتنا في المسابقات الأدبيّة لمجرّد أنّنا نعيش داخل الخطّ الأخضر. فرواية الفتيان الأخيرة والوحيدة الّتي كتبتها في الآونة الأخيرة "نمر الثّلوج" هُمّشت في عديد المسابقات الأدبيّة وحرمت من التّوازي مع شبيهاتها من العالم العربي. وفكرة اعتبارنا عرب ال 48 مرفوضة تماما. فصِبغةُ الهويّة الّتي نتوفّر عليها تصنّفنا دون حق في خانة الغرباء، ما لا نقبل فكرة تأثيثِهِ المغلوطة وغير المتوازنة مع خطوط الكتابة الصّفراء والحمراء. لسنا يهودا ولسنا جزءا من عالم عربي واسع يتعثّر في تحديد انتماءاتهِ، ماذا نكون إذن؟ على المنظومة الثّقافيّة العربيّة أن تفيق من نومتها الطّويلة بشأن لوننا. العالم تغيّر وانقلبت معاييره، وعلى ضيوف الحالة الثّقافيّة أن يعتبروا معايير الاختلاف في مُنجز الحالة الأدبيّة منوطة بكمّ الاختلاف الثّقافي النّوعي لمشروع الفردانيّة لكلّ أديب على حدة. أن تفتّح عيون الابداع على استثناءاتهِ هو من يحكم في السّبق على مستوى الإنجاز والحضور معا.4680 رجاء بكرية

* مدى قبولك لآراء النقاد بشكل نهائي؟

- لاخلاف لي مع النّقاد، مهمّتهم أن يصدّروا انطباعات عن المُتَع الفكريّة والرّوحيّة الّتي ترافق رحلة سفرهم في العمل الأدبي. تعجبني صحوة حبرهم حين يندهشون. المنظومة السّليمة مطالبة أن توفّر للنقّاد منبرا يوزّعون منهُ أوراقهم النّقديّة، وأعني يصدّرون فكرهم الانتِقائي عن الأعمال الأدبيّة، فالسّاحة الأدبيّة بحاجة ماسّة للفكر. لا يمكنها العيش بعلا من أدبها الجميل؟ كيف سينشأ حِراكا نوعيّا اذا اقتصر الأدب على اجترار نصوصه وسط غيابِ زجاجة مكبّرة ترى الى التّجديدات الخارقة للعادة فيه. لكنّ الحقيقة أنّ حضورهم لن يكون سببا في تبنّي رُؤاهُم. سيرمي فكرهُ ويترك لي حريّة التأمّل. لن يكون الاجتهاد النّوعي في النّقد عبر اقناعك بجدوى التّغييرات المفترضة في بصمتك، بل بتلميع ما تُستَثنى فيهِ وتختلف فيهِ عن سواك، لذلك أنا أعتبر النّقد بصمة من بصمات الجمال النّوعي في الكتابة أكثر ممّا أعتبره بوصلة. حتما هو لا يوجّهنا بقدر ما يمنحنا مسافة لتأمّل ما أنجزناهُ. ويبدو لي أنّنا نختلف في تعاملنا مع هذا اللّون النّوعي في الكتابة حتما كمُتلقّين سواء كنّا كُتّابا أم رُواة كلّ وفق حاجتهِ الشّخصيّة لمرايا يرى منها ذاتهُ دون حاجة أن يفسّر لهُ سواهُ ذاتهُ.

* الطموح لتحقيق أسلوب جديد؟

- أسلوب الرّوائي هي بصمتهُ، ولونه. السرّ الحقيقي في مشروعهِ هي بصمته. البصمة هي الكتابة بمُتَعِها واشكالاتها، بازدحاماتها وزحمِ هواجسها، بازدهار خِطابِها. كلّها معا تشكّلُ طبعة لخطوط الفِكر الأدبيّ الخاص بكاتبها. أمّا عن طموحي، فأنا لا أطمح بل أفعل. ومنذ الحرف الأوّل الّذي سجّلتُهُ في روايتي الأولى الّتي توجّس النّقد في الاقترابِ منها خالَفتُ السّائد، واعتليتُ صهوَ المُغامَرة. هناكَ اقتطعتُ لنفسي مسارا فرديّا مشيتُ فيهِ بثقة بالغة لكن بحذر شديد. مشروع التّجريب الذّاتي هو من يفتح دروب جديدة لبصمات الأصابع والقلب. علينا كروائيّين اختاروا مسار الفِتنة والادهاش أن نطمح بتجديد مشاريعنا الرّوائيّة قلبا لثورات المياة الرّاكدة في بحار الأدب. هاجس التّجديد حالة وجوديّة من حقّ الرّوائي أن يقلب نظامها حدّ ارباكِ القارىء الّذي يجرُؤ على اللّحاقِ بقِطارِ عَوالِمِه. هكذا أرى رحلة الكتابة قطار يتجاوز خطوط العالم كي يثأر من الغائب في الرّواية الجيّدة. بصمة لا يُساوَمُ على جودةِ الرّيش الّذي تحاكُ منهُ حكايتها ولا فنيّة الارتطام الّذي سيلفّ بمخيّلةِ قارئها عالما يصيرُ ملكُ . الجديد يعني أنّك تلجأ لشكل جديد يخ في الكتابة الرّوائيّة لم يلجأ اليهِ أحد. في كلّ مرّة يخوض كاتب رواية يدخل من باب لم يطرقه

* ما رأيك بمستوى الرواية بعد نجيب محفوظ؟

- أعتقد أنّ المقارنة غير عادلة. نجيب محفوظ حالة كلاسيكيّة على مقاس عالم يجنح الى الواقعيّة بتحيّز واضح حتّى على مستوى رسم الصّورة فنيّا. هو من أسّس لمدرسة الحياة الّتي لاطَمَهُ مِخرَزها. بعينيّ مقارنتها بسواها تجَنٍّ على مشروع الرّواية العربيّة عموما لأنّ من كتبَ بعد محفوظ امتطى صهوة تيّارات تجريبيّة أخرى منطلقات عوالهما المغامرة والابتكار. غَسلُ الرّؤياا بزيتِ القلبِ والمخيّلة سفرٌ ملوّن بينَ مطبّات الهواء، وهو سفِر أسلوبيّ يتبعُ جسور الدّفق، ولا علاقة لهُ بمتون الرّواية التّقليدي مثلا الّا فيما ندر، حتّى أنّنا لا نتبيّن الشّخوص ولا أبعادها في أحايين كثيرة. الجهات اليوم مفتوحة على عصف التّجريب، بتطرّف طروحاتهِ أحيانا. محفوظ سفينة محمّلة بالغرائب، وما بعدهُ مراكبَ تمخرُ عبابَ الموج.

* من أين تخلق الشخصيّة الروائيّة في أعمالكِ؟

- تقصد البطل حتما. لا بطولة في غياب الشّغف. من الممرّ الخلفيّ للشّوق والهجس والانفعال تشتعلُ أنفاس البطل. لكنّ الهجس ليس جسرا حتميّا اليه، ولا تزاحم الانفعالات واقتتالِها عليه، لكن حتما هوَ كمُّ الاثارة الّتي يخلقها مرورهُ غيبا أو حضورا في النَّفَس والمُخيّلة معا. سيمتلكُ من الغرائبيّات والوضوح ما يؤدّي بكَ لملاحقتِهِ أكثر ممّا يُلاحِقُكَ، والنّبش في خصوصيّاتهِ حدّ ابتكارِ ما يُجنِّبُكَ التّصادمِ بهِ عينيّا. حتّى مشاريع السّفر اليه طيرانٌ بلا هدف غالبا على درجِ الرّوحِ. كلّ دهشةٍ في حضورِهِ ممكنة، وكلّ تطوير لأبعادِهِ اتّساع نحو ازدحام القلب بالصّور لأنّه لا يظلّ على صورة واحدة. هو التّداخل في الأمزجة ومصادرها، متعُها وخَرابُها، عَتمُها ووهجُها وانفلاتاتها. تأتي من حالات التّناغمِ في شفافيّة روحِكَ كصانِعٍ للحالة أوّلا ثمّ تتجاوزُها لتفاصيلِ الاختلاف، من هناك تتشابكُ الصّور وتُمطُرُ الحياةُ من نوافِذِ جسَدِكَ عليها. البطل لا بدّ أن يدَوِّخَ عالمَكَ أنت ويصارعَكَ قبل أن تُرسِلَهُ الى قارئكَ، هو اختبارٌ لنضج مشروعِكَ في أوّلهِ وآخرهِ.

* إذا ما فكرت يوما في كتابة سيرتك الذاتية هل ستكتبين كل شئ عنك (المحرج والصعب والحساس و و الخ) أم انك ستقدمين شئ وتستنين أشياء ..؟

- بعينيّ السّيرة الذّاتيّة لا تُكتَب بأيّ حال! بل تُعاش، وحين تُكتب فلأنّ مادّتها تطاولت عليك ولم تعد قادرا على التّنفّس معها، لكنّك حتما ستجدُ لها مسارات في عملك الرّوائي، ومساراتها وشوشة قد لا يسمع بها سواك. ولا يصغي الى موجها غيرك. هي مطالبة أن تبقى لك وما تحرّرهُ من تفاصيلها سيغني مادّتك الرّوائيّة بنُسغِ حكاية لن يسمع بها قارئُكَ الّا معَك. هكذا أرى الى مشروع السّيرة الذّاتيّة حصرا. أحببتُ بعض ما سُجّل في فنّ السّيرة الذّاتيّة، لكنّ ما خلبني بِحَق هو ما خُيِّلَ أليّ أنّهُ سيرة ذاتيّة. قد أكون تمازجتُ مع مقتطفات من حياتي في رواياتي، لكنّي حتما لم أسجّل فصولا طويلة تحكي عنّي واذا حَكَت فبضمير لا يعود اليّ، وعبر تقنيّة سرديّة جماليّة تقود لفنيّة الكتابة أكثر ممّا تقود للحقيقة لأنّنا حتما نبحث عن المستوى الجمالي وتشظّياته الفكريّة الحسيّة أوّلا، والغزارة في منجم الحكايا الّتي ادّخرناها لرحلة بهاء سريّة في الرّوح؟ أنا على اعتقاد أنّ جماليّات سيرتِكَ تكمن في أسلوب تقنينها وتفنينها كجزء لا ينفصل عن جسد الرّواية. تداخل غير مباشر يثري العمل الّذي تعالجه. كلّ هذا يسمّونهُ ابتكار لسيرورة الحالة الابداعيّة، لا تهمّ فيها المُسمّيات بقدر ما تهمّ فنيّة المضامين.

* هاجس البحث عن هوية للرواية العربية أو التي يكتبها كُتاب عرب كيف ترينه؟

- الهويّة هذه الأيّام مسمّى لم يعد متداولا بقدر ما نُصِرّ على تقنيّة الكتابة وجماليّات مناحيها. هما سرّ الحالة الّتي تخرج بها. ويضاف أنّ الرّوية هي مشروع شخصيّ بحت ينقص أو يزيد بقدر ما يُضاف اليهِ من لون. واللّون هو المفردة والفكرة والهجس، وشكل الحوار، ومسافة العُبور، وعدد بطاقات الدّهشة الّتي تفعِم المخيّلة والقلب وتحرّض النّشوة على الاستشراء في منطقة المتعة المّتاحة، للكاتب والقارئ معا. فالمُتَع لا تأتي من الصُّدَف في رواياتنا، بل من ملاحقة متبادلة بين الرّوائي وشُخوصِهِ والإصرار على تبادل أدوارها.

* كيف تنظرين للعالمية وما يقولونه عنها؟ وما ينتج عن الجوائز العالمية المعروفة ضرورتها للكاتب، والسعي إليها؟

- العالميّة بعينيّ تخضع لفضفاضيّة بالغة، وأكثر ممّا ينبغي، وقد يحدث أن نتصرّف بها خارج سياقاتها. الحالة العربيّة الرّاهنة تعوّل على العالميّة كثيرا. وكل رواية تصدر تريد أن تصل لأبعد ما يمكن في محيطها الابداعيّ، لكنّ ما لا ينتبه اليه كُثُر أنّ العالميّة لا تُصَنَّع بقدر ما تخلقها شروط المكان والزّمان الانيّين والمحليّين لكاتبها وأنّ اختراقها مسافة عوالم كاتبها الفيزيائيّة الى بلاد بعيدة لا يقلدّها نيشان الانتشار العشوائيّ. فقد تكتب رواية عن الحيّ الّذي تعيش فيه وتصل أصداؤها لاخر العالم، وقد تكتب عن اخر العالم ولا يقرأكَ غير محيطكَ الضيّق. هذا يعني أنّنا سنجاوِر حقيقتنا وذاتنا القريبة ما أمكن حين نشعلُ نار الحكاية كي تصلَ ذواتا غريبة لا نعرفها. هذا هو منطق التّجاوز، فالدّفء الحسّي ولغة القلب هي من يوقد وليمة الحكاية. وليمة من نوع لم يجرّبه القلم العربيّ الّا على صُدف. قلّة يفهمون معنى أن تولم حكايتك وتملأها بحضوركَ كاملا كأنّ قبيلة كاملة تشغل أماكن حولك. هذه هي أبعاد التّواصل الحسّي مع شرارة الفكرة الرّوائيّة حين تتّسع وتغرف من نشوة التّواصل معها، وشروط تحقّقها أقلّ ممّا نتخيّل.

* أمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية هل يمكن أن تنتج الرواية بطلا يحمل انتصارا قادما أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟

- ليس من وظيفة الرّواية أن تأتي بأبطال تتوّجُ أمجادهم وتطلقهم الى العالم، كما أنّ البطل ليس العنوان الصّحيح لصناعة البِشارة. وهم الخلاص عبر بطل أسطوريّ بعينيّ هو من يبقينا في أماكننا. الوهم يصنع رواية بامتياز لكنّه لا يصنعُ أبطالا لأنّ الوهم سهم قاتلة للواقع، فالرّواية تتغذّى من تفاصيل الكينونة الواقعة أيضا. لم يهزمنا غياب الابطال انّما تعلّقنا المرضي بنجمِها الرّخو وبأيّ ثمن. كلّ بطل يسعى لروايتهِ الفرديّة حين تُناديهِ دعساتُ أصابِعِها خلف أذنهِ، يأتي اليها محمّلا بعُروشِهِ ولا يتركها قبل أن يتأكّد أنّها أكملت دورة انفعالاتها.

***

حوار / محمد القذافي مسعود

كاتب وصحفي مستقل من ليبيا

الكاتب والمترجم العراقي بنيامين يوخنا دانيال اسم لامع وكبير في عالم ترجمة الهايكو من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية والكردية. هذا بالإضافة إلى مؤلفاته الأخرى في مجال الأدب الكردي والعربي ومجال السياحة والفندقة.بلغت اصدارته أكثر من أربعين كتابا في مختلف المجالات انفة الذكر. العلاقة الخفية بين علم الاقتصاد - اختصاصه الدقيق - والهايكو، قادته إلى اكتشاف الهايكو والوقوع في شغفه وترجمته. كان لنا معه هذا الحوار لتسليط الضوء على تجربته في ترجمة الهايكو:

١ – لنبدأ بالسؤال التقليدي، متى كانت البداية والخوض في ميدان ترجمة الهايكو الى اللغة العربية ولماذا اخترت الهايكو بالذات؟

ج١– في الحقيقة كانت تجربتي في الترجمة لشعر الهايكو من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية متأخرة نسبيا إذا ما قورنت بتجربة الترجمة للأشكال الشعرية الأخرى من الإنكليزية والكردية إلى العربية، والتي بدأت منذ أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي . إذ لم أقم بترجمة الهايكو العالمي إلا في الأعوام الثلاثة الأخيرة، ونشرت معظمه في العام الماضي . وقد اخترت ترجمة الهايكو أخيرا لما له من سحر خاص وفتنة الادهاش ومقومات جمالية، و لنكهته المتميزة . ومن أجل فهم أعمق وأشمل لهذا الشكل الشعري الذي صار مقروءا ومكتوبا في شتى أصقاع المعمورة، وأصبح يشكل مكونا فنيا في مختلف الشعريات.

٢– حدثنا عن الانعطاف في مسيرتك الإبداعية من الاقتصاد إلى الهايكو وترجمته؟ وهل هنالك علاقة غير مرئية بين الهايكو وعلم الاقتصاد؟

ج٢– لم أزل أنشر بعض المقالات في اقتصاد السياحة والفندقة بين حين وآخر، غير أن جل جهودي منصبة الآن على قراءة وترجمة الهايكو العالمي . أما حول العلاقة بين الهايكو والاقتصاد، فقد عبر عنها الشاعرالدكتور (ستيف زيلياك) أستاذ الاقتصاد في جامعة جورجيا الامريكية بقوله (بعد سنوات طويلة من تدريس الاقتصاد وكتابة الهايكو، أرى أن الهايكو والاقتصاد يتقاربان أكثر مما يصطدمان على مستوى المبادئ .. يمكن للهايكو أن يكون أكثر من مجرد مخفف للألم الاقتصادي)

٣- لقد ترجمت قصائد هايكو لشعراء أجانب من مختلف البلدان وقد كنت مبدعا، ما هي الاعمال التي ترجمتها؟

ج٣– نعم، لقد ترجمت قصائد هايكو لعدد كبير من الشعراء ومن مختلف البلدان، وبخاصة للشعراء الذين لم يسبق وأن ترجمت أعمالهم الشعرية إلى اللغة العربية، أو ترجمت بعض أعمالهم، وهذه خطة أتبعها منذ البداية . أما القصائد التي ترجمتها من الإنكليزية إلى العربية فهي إما منشورة رقميا ضمن إضمامات في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية مثل (حانة الشعراء، المثقف، الانطولوجيا، رابطة أدباء الشام، واحة الفكر، الفكر، بصرياثا، الناقد العراقي، مجلة اتحاد كتاب الانترنت المغاربة تللسقف) وغيرها، وإما منشورة ورقيا ضمن سبعة كتب مستقلة في العام الماضي 2022 وتضمنت معظم القصائد المترجمة المنشورة رقميا . وقد حملت العناوين التالية: على عتبة الباب – قصائد هايكو عالمية، في مهب الريح - قصائد هايكو عالمية . قبلة أخيرة قبل الذهاب إلى الحرب – مختارات من شعر الحرب العالمي، رياح الهرمتان – هايكو معاصر من غانا، أشجار الكرز المزهرة – مختارات من شعر الهايكو الياباني، وتحت قسطل الحصان – مختارات من شعر الهايكو الكرواتي . قفزة الضفدع .. نقيق العلجوم – إضمامات من شعر الهايكو العالمي .

٤– نلاحظ اهتمام على ترجمة الهايكو الكرواتي إلى اللغة العربية ولك في ذلك كتاب؟

ج٤– لقد أنتشر الهايكو في كرواتيا ترجمة ومحاكاة وكتابة وقراءة في وقت مبكر نسبيا، ومنذ عام 1953 على وجه التحديد، ليبلغ عدد شعراء الهايكو فيها في عام 2004 نحو (400) شاعر وشاعرة وفقا ل (دجورجا فوكيليتش روزيتش)، وهو عدد كبير نظرا لعدد سكان كرواتيا في العام المذكور والبالغ (4،2) مليون نسمة . وبحسب (دجوردجا) فإن التشابه القليل الموجود بين اليابانية والكرواتية من حيث الهيكل ربما ساعد على تأليف الهايكو على نحو سلس وموفق، إذ أن عدد المقاطع في كلماتهما متشابهة تقريبا . وقد جاء كتابي الموسوم (تحت قسطل الحصان: مختارات من شعر الهايكو الكرواتي) ليضم بين صفحاته مقدمة مطولة وقصائد هايكو لعدد كبير من هؤلاء الشعراء . وما زلت أترجم وأنشر لغيرهم من الشعراء الكروات .

٥– أكثر أعمالك المترجمة كانت من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية؟ لم لا يكون العكس؟

ج٥– ربما مستقبلا، فلدي في الوقت الحاضر خطة واسعة لترجمة الهايكو العالمي، ويتطلب ذلك بذل المزيد من الجهد، وسوف تأخذ الكثير من الوقت .

٦- ما هي أصعب التحديات التي تواجه مترجم الهايكو من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية؟

ج٦– يحضرني هنا قول القاص والمترجم الليبي (عمر أبو القاسم الككلي) (تواجه الترجمة عموما صعوبات تتعلق باختلاف المعطيات اللسانية بين لسان وآخر، وكذلك في العناصر الثقافية غير المنظورة المضمرة في مفردات وتعابير كل لسان .. وتزداد هذه الصعوبة وتأخذ بعدا خاصا فيما يتعلق بترجمة الهايكو، ربما بسبب من بساطته الخادعة) .

٧– هل تختلف خصائص الهايكو باللغة الإنكليزية عن نظيره العربي، وذلك من خلال النصوص التي ترجمتها؟

ج٧- يحضرني هنا قول الشاعر والكاتب المغربي سامح درويش (تتمثل أهم خصوصيات الهايكو العربي في وجود نفحة غنائية وجرعة من المجاز وحضور ذات الشاعر بشكل أقوى من باقي تجارب الهايكو عبر العالم، يضاف إلى ذلك الخروج على التوزيع الايقاعي المعروف في اللغة اليابانية – 5 / 7 / 5 – نظرا لخصوصية اللغة العربية) .

٨– تقييمك لتجارب ترجمة الهايكو إلى العربية؟

ج٨– إنها تجارب ترجمة رائعة وقيمة ولكنها غير كافية البتة إذا أخذنا بعين الاعتبار مدى انتشار الهايكو عالميا وحجم الهايكو المنتج في مختلف أصقاع العالم، فهذا النوع من الشعر ذا المنشأ الياباني أضحى يكتب اليوم بكل لغات العالم تقريبا بعد أن استهوى ذائقة الشعراء والقراء .. ومنها على سبيل المثال لا الحصر الترجمات المنجزة بأقلام الأساتذة (سلام دواي، آزاد اسكندر، محمد عضيمة، عبدالكريم كاصد، جمال مصطفى، محمد الاسعد، عبدالقادر الجموسي، رأفت خليل، محمد حلمي الريشة، ونور الدين ضرار) . وهي ترجمات محصورة في الجهد الشخصي .

٩– كيف ترى الهايكو الناطق بالعربية والكردية؟

ج٩- هنالك نجوم لامعة ومتميزة في سماء الهايكو العربي والكردي . وأتمنى أن تترجم أعمالهم إلى اللغات العالمية، وأن تخضع للنقد والتقييم على نحو واف . ومن شعراء الهايكو العربي على سبيل المثال لا الحصر (الدكتورمحمد حلمي الريشة، الدكتور محمد الاسعد، سامح درويش، هدى حاجي، عاشور فني، محمود عبدالرحيم الرجبي، الدكتور جمال محمد الجزيري، والدكتور عبدالستار البدراني) . ومن شعراء الهايكو الكردي (لطيف هلمت، قوبادي جليزادة، ملكو أحمد كريم، وشمال آكري) .

١٠– كيف تختار القصائد بهدف الترجمة؟

ج١٠– أختار الموضوع أولا في معظم الحالات ثم أختار القصائد المطلوبة لترجمتها ومن مصادر عديدة . مثلا (53 قصيدة تحت عنوان الغربان، 40 اليراع، 90 أوراق الشجر، 319 الورود والزهور، 25 الأسماك، 25 العصافير، 30 الفراشات، 41 المرجوحة، 393 الباب، 268 الرياح، ندف الثلج 21) .

١١– مشاريعك القادمة في الترجمة؟

ج١١– أنا بصدد نشر البقية الباقية من قصائد الهايكو المترجمة التي سبق لي وأن نشرتها رقميا في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية بالإضافة إلى إضمامة لم تنشر بعد، وضمن كتاب مستقل لم أعنونه بعد . كما لدي خطة لترجمة قصائد هايكو لكوكبة أخرى من الشعراء والشاعرات من بلدان أخرى مع التركيز على الافارقة منهم في الوقت الحاضر، مثل السنغال وكينيا ومدعشقر وجنوب افريقيا وزامبيا، كما فعلت سابقا بالنسبة لشعراء كثر من غانا ونيجيريا وكرواتيا واليابان، مع دراسة ظاهرة الهايكو وكيفية انتشارها وتطورها في بلدان باتت حاضرة وبقوة على خارطة الهايكو العالمية إن جاز التعبير. كما ستصدر لي قريبا الطبعة الثانية من كتاب (من مشكاة الشعر: قصائد مختارة) في طبعة جديدة ومزيدة ويضم بين صفحاته ترجمات لقصائد من تأليف شعراء أكراد وأجانب، وهو مترجم عن الكردية، وقد صدرت طبعته الأولى في عام 2002 . كما انني بصدد ترجمة مجموعة قصائد تانكا من مختلف البلدان .

قصائد هايكو من ترجمات الأستاذ بنيامين يوخنا دانيال:

١- الرسم بالاسود والأبيض

غابة

في الثلج

فلاديمير ديفيدي

كرواتيا

**

٢- في لمعة

التفاح الأحمر

شمس متأرجحة

دجوردجا فوكيليتش روزيتش

كرواتيا

**

٣- قطرة ماء

لا أكثر

هذه حياتي

انتو جارداس

كرواتيا

**

٤- عن طريق قطعة سكر

احتفال في مستعمرة النمل

ائتلاف أثير

شتيفانيجا لودفيج

كرواتيا

**

٥- احتساء الشاي

تنعش رائحة البابونج

وجه أمي

بوريس فيرغا

كرواتيا

**

٦- العودة للوطن

يلوح لي كلبي

بذيله

كواكو فيني أدو

غانا

**

٧- دمية خشبية -

ضحكة باهتة

لطفل أفريقي

أدجيي أجيي باه

غانا

**

٨- تظهر المسارات الجديدة

بعيد العاصفة الثلجية -

السماء المنقشعة

جين ريتشولد

الولايات المتحدة الأمريكية

**

٩- الياسمين

على عتبة بابي

نفحة المساء

دانييلا ميسو

إيطاليا

**

١٠- فصل ذاتي

بصمات أصابع محيت

من على جرس بابي

حفصة اشرف

باكستان

**

١١- يوم الأم

ثمة اضمامة من الخزامى

موضوعة على مقبض الباب

إليسا ألو

سويسرا

**

١٢- يقبل الأحفاد

ويجرونني خارج الفراش -

نهاية العالم

كاواي شيغيتسو

اليابان

**

١٣- أشاهد وجه أبي

في المرآة التي أحدق فيها

في أول صباح خريفي

موراكامي كيجو

اليابان

**

١٤- محطة خالية

تعج بزقزقات

العصافير

فيدا جليلي

ايران

**

١٥- عشب ذابل

يصبح لونه ذهبيا

عندما أفكر بحبيبي

ماساجو سوزوكي

اليابان

**

١٦- اليراعات

حفنة من الزمردات

في شجرة نخيل

ليودميلا سكريبنيفا

روسيا

**

١٧- نعيق طائر النورس –

شكل الموجة

قبل أن تتجعد

مايكل ديلان ولش

المملكة المتحدة

**

١٨- القزحية الأولى

بيضتان

تحت ريش اللقلق

فرانسوا موريس

فرنسا

**

١٩- فقاقيع الصابون …

كسرت الوهم

الى الابد

تيجي سيثي

الهند

**

٢٠- خطوات الام

ثمة سلحفاة يافعة

قد بلغت الساحل

أجوس مولانا سونجايا

اندونيسيا

**

٢١- رحل والدي

خفه في فم

الكلب

فلاديمير خريستوف

بلغاريا

**

٢٢- الحنفية تنقط –

يقول السمكري

انه الخريف

فاندر جراو

السويد

***

أدار الحوار: عباس محمد عمارة

بغداد - أربيل

......................

* الصورة للاديب بنايمين يوخنا دانيال

د. ماجد رمضان، قلم ٌجمع بين جَماليْن؛ جمال التعبير وجمال التفكير؛ إذ يكتب بحرف سلس يخلو من الزخرفة اللغوية، وبحماس ولكن دون صخب، وبمسئولية قِيَميّة مستمَدّة من نبعنا الإسلامي الثريّ. عبر أكثر من دار نشر أطلّ علينا بتسعة عشر مؤلَّفا طرقت محاور مهمّة وميادين متعدّدة، منها في تطوير الذات وإصلاح المجتمع، ومنها في الإيمانيات والثقافة الصحية، مدلّلا بذلك على ثقافة واسعة  لا شك أنها محصلة اطّلاع أفقي ورأسي. وُلد قبل نحو ستين عاما (1963م) في ريف محافظة المنوفية بالشَّمال المصري، وتخرّج في كلية طب القصر العيني عام 1987م، ثم تخصّص في جراحة الأنف والأذن والحنجرة وجمع إليه تخصصا ثانيا في الإدارة الطبيّة التي سلك طريقها مبكّرا ولا زال. بتواضع جمّ حاول الاعتذار عن الحوار بدعوى محدودية تجربته! ولكن لا يصحّ إلا الصحيح، والصحيح أن تجربته ثرية للغاية كما سيتبيّن في ثنايا حوارنا التالي:

* الطلب على الخدمة الصحية يبقى دائما أكثر من المعروض أو في الغالب طارئ وملحّ ولا يمكن تأجيله.

* الكتابة ذاتها مغامرة بما تعنيه الكلمة من مدلول لفظي ومعنوي.

* لكونك طبيبا، قد تتفهّم معنى المرض، لكنك لن تدركه بحق إلا إذا أصابك.

* من يدّعون أنهم يملكون أسرار النجاح ويستطيعون تقديمها لزبائنهم عبر كبسولات سريعة، فهذا وهم كبير وأمل زائف.

* استطاع قلم الأطباء أن يتبوّأ مكانه متقدّمة في مسيرة الأدب والفكر والثقافة.

*الاستسلام لوميض الشاشات أفقَد القراءة الشيءَ الكثير.

***

١.هل من مقوّمات خاصة تتفرّد بها الإدارة الصحية عن غيرها من الإدارات؟

- النظام الصحي من أعقد الأنظمة الإدارية بسبب تعدد الخبرات والمهارات وعدم تجانسها، ورغم وجود أشياء مشتركة بينه وبين الأنظمة الإدارية الأخرى، إلا أنه يوجد اختلافات أساسية وجوهرية في النظام الصحي، لا نظير لها في بقية الأنظمة مثل: محدودية الموارد المتاحة وكلفتها العالية وبالمقابل الطلب الكبير على هذه الموارد والتوقعات العالية لمستهلكي الخدمات الصحية، وعدم خضوع الخدمة الصحية لقانون العرض والطلب - الطلب على الخدمة الصحية يبقى دائما أكثر من المعروض أو في الغالب طارئ وملح ولا يمكن تأجيله – وكذلك الطبيعة الفردية للخدمة الصحية، والتي تجعل العمل اليومي للمؤسسة الصحية مختلفا ومتشعبا وغير خاضع إلا للقليل من التنميط والقياس. ويأتي على قمة هذه الخصائص الاعتبارات الإنسانية والأخلاقيات الاجتماعية والمهنية والتي تضع قيودا وتحديات أمام الإدارة الصحية. وهذه الخصائص المميزة للنظام الصحي تتطلب عناصر قيادية مؤهلة ذات مواصفات عالية تستطيع التعامل مع خصوصيات هذا النظام وتعقيداته وحل المشاكل والقضايا التي تواجهه.

٢. ألا ترى أنك ظلمْت الابن حين خاطبْت الابنة في كتابيْن ولم تفرد له أيًّا من كتبك؟

- كتابة الآباء للأبناء، عادة قديمة قصها علينا القرآن الكريم في نصيحة لقمان لابنه، وكثيرا ما كتب الكتاب لأبنائهم، مثل "ولدي" لأحمد أمين، و"رسائل إلى ابنتي " لنعمات أحمد فؤاد، و "إلى ولدي " و "الي ابنتي" للأديب على طنطاوي، فآثرت أن أجري مجراهم مراعيا اختلاف البيئة واختلاف العصر، وان كان الكتاب موجه لأبنتي فغيرها أيضا مقصودات، وكان الداعي للكتابين خصوصية لها وهي تعبر مرحلة سنية يخشى فيها عليها.  وليس في ذلك ظلما للأبن، فجل ما كتبت صالح له .

٣. السرايا الصفراء! ما الذي جرّ قلمك إلى هذا العالم المثير والخطِر في آن واحد؟

- هي فرصة أُتيحت ليً على حين غرة، فاحتفيت بها، والكتابة ذاتها مغامرة بما تعنيه الكلمة من مدلول لفظي ومعنوي، فقد تدخل في تجربة تحفها المخاطر، من أجل الاستكشاف والبحث والتعرف على ما تحويه الحياة والواقع وسلوكيات البشر من حقائق وأسرار، وهذا ما كان في هذه المغامرة، بكتابة ما شاهدته وعايشته من حكايات عن المرضى والأطباء والمكان.

٤. ما خلاصة تجربتك العميقة مع مرض باركنسون؟

- أنه ليس من رأى كمن سمع، وليس من سمع كمن عايش وجرب، فلكونك طبيبا، قد تتفهم معنى المرض، لكنك لن تدركه بحق إلا إذا أصابك.

من جرّبَ الكيَّ لا ينسى مواجعهُ

 ومن رأى السمَّ لا يشقى كمن شربا

وقد كان أفلاطون محقا عندما قال: إنه من أجل أن يصبح المرء طبيبا حقيقيا، لابد أن يكون قد اختبر جميع الأمراض التي يأمل أن يعالجها وجميع الحوادث والحالات التي سيشخصها. عرفت أنه هناك فارقا بين أن تكون طبيبا أو أن تكون مريضا، فعندما يمرض الطبيب، فكثيرا ما يكون المرض أشد وطأة عليه، فهو أعلم بمصائر الأمراض، وما تؤول إليه الأمور، فتساوره الهواجس والشكوك. وأدركت بأن بعض البوح قوة لا ضعف، وأنه لابُدَّ من التفريج عن الصدر والترويح عن النفس بالبوح والشكوى لذي مروءة وحكمة، وصداقة ومودة، كما يقول بشار بن برد:

ولابُدَّ من شَكْوَى إِلى ذي مُروءَة

يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع

ورغبت بأن تكون تجربتي سلوى لغيري من المرضى، و عبرة وفائدة لمن يحملون تاج الصحة فوق رؤوسهم. فسردت حكايتي مع المرض وسقت تفاصيلها بلا مواربة ولا خجل، في كتاب "مسني الضر – تجربتي مع مرض باركنسون " غير مبالي بما قد يجره عليً ذلك البوح من سمعة سيئة أو وصمة معيبة، فما من مرض عورة، ومما لا يُخجل منه الدين لا خجل منه في المرض.

٥. برأيك، هل تثمر كتب تطوير الذات عن تغيير حقيقي أم أنها نوع من الوهم والسراب؟

- دعني أطرح سؤالك بطريقة أخرى، هل أحدثت كتب تطوير الذات، فارقا حقيقيا وملموسا في حياة من قرأوها، كثيرون سيقولون نعم، وآخرون سينفون ذلك، ولكن الحقيقة هي أن التغيير والتحفيز لم يكن بسبب كتب تطوير الذات نفسها، بل بسبب عدة عوامل أولها وأهمها، أن من تغيروا كانوا مهيئين لكي يتقبلوا هذا الكلام ولديهم القابلية للاستهواء فيما قرأوه، فذلك الأثر من دواخلهم واستقبالهم لما يقرأون ويقتنعون به، وهذا ما تفعله كتب تطوير الذات بدون مبالغة، تستغل بعض النقاط التي يحتاجها أشخاص لا يعرفون ماذا يفعلون أو كيف يجتهدون في اكتشاف مغزى لحياتهم، عن طريق قول بعض النصائح والارشادات التي قد يحتاجوها بالفعل في حياتهم . أما من يدعون أنهم يملكون أسرار النجاح ويستطيعون تقديمها لزبائنهم عبر كبسولات سريعة، فهذا وهم كبير وأمل زائف، ومطاردة السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده ووجد هلاكه عنده.

٦.بالإشارة إلى عنوان أحد كتبك، لو وُضع مصباح علاء الدين بين يديك، ما الذي ستطلبه لعلاج أوطاننا المنكوبة على أكثر من صعيد؟

- أن تتحرر الأوطان من حكم الفرد الذي يقيد الحريات ويخنق المبادرة وروح الإبداع، وأن يُعلىَ شأن المؤسسية والحوكمة، وأن تعود شخصية المواطن العربي إلى سابق مجدها وحضارتها، تثق بنفسها وتؤمن بقدراتها وتمتلك إرادتها وتتخلص من التبعية للغرب فننتج غذائها ودوائها وسلاحها.

٧.ما الركائز العلمية والأخلاقية التي تراها ضرورية للطبيب المسلم؟

- فيما يخص الركائز العلمية: أن يكون قمة في تخصصه المهني، متقنا له، يستزيد دائما من العلم، مطلعا على الجديد فيه، عنده قدر من الدراية بالفقه وأحكام العبادات والاجتهادات الفقهية لما استحدث في حياتنا الحديثة والمعاصرة من أقضية في عالم الطب والمرض. أما الركائز الأخلاقية: أن يكون حسن الهيئة، مخلصا في عمله، صادقا في قوله، مجندا لاستكمال الصحة مادامت الحياة، حريصا على نفع الناس، متواضعا رقيقا رحيما، حييا ستيرا يحفظ الأسرار، لا يغالي في أتعابه وينفس عن المعسر.

٨.على صعيد الأدب والفكر والثقافة، كيف تقيّم قلم الطبيب وسط أقلام تنتمي إلى مهن أخرى كثر؟

- أعتقد أنه لا علاقة وظيفية أو نفسية للطب مع الأدب والفكر والثقافة، فالطبيب الأديب كالمهندس الأديب، والتاجر المثقف كالمحاسب المثقف، والمحامي المفكر كالمدرس المفكر. نعم قد يمتلك الطبيب تجربة إنسانية شاملة وأوسع من غيره باعتباره يتعامل مع المرضى بمختلف أعمارهم وثقافتهم ولغتهم ومفرداتهم مما يزيد من توسع قاموسه الحسي الشعوري والإبداعي، لكن ليس ذلك وحده كافيا لولادة أديب أو مفكر أو مثقف، والفيصل يرجع إلى من يمتلك موهبة حقيقية ونزعة صادقة وعارمة نحو الأدب أو الفكر والثقافة.

ومع ذلك فقد استطاع قلم الأطباء أن يتبوأ مكانه متقدمة في مسيرة الأدب والفكر والثقافة، وحقق بعضهم شهرة ونجاحا ساحقا، وكثير منهم تجاوزوا الأدباء والمفكرين والمثقفين المتخصصين، بدأ من أنطون تشيكوف. ومرورا بميخائيل بولغاكوف، ووليام سومرست موم، ومايكل كاريتون، وآرثر كونان دويل، وإبراهيم ناجي، ومصطفى محمود وعلاء الأسواني ويوسف أدريس ونجيب الكيلاني ومحمد المخزنجي، وأحمد خالد توفيق وغيرهم الكثير.

٩. ما الذي وقفْت عليه من عجائب وغرائب الأنف والأذن والحنجرة، وتغيب عن معرفة غير المتخصّصين؟

- ليس من باب الغرائب ولكنه مفهوما شائعا عند الكثير، وهو أن الطبيب الذي لا يستخدم سماعة وجهاز ضغط هو أقل شأنا من تخصصات الطب الأخرى كالطب الباطني وطب الأطفال، و لا يعلم أكثر الناس بل أكثر المرضى أنه تخصص من التخصصات الجراحية التي يقوم فيها الطبيب بفحص المرضى أكلينيكا وإجراء الجراحات المختلفة.

١٠. بعد آلاف الصفحات التي ضمها نحو عشرين مؤلَّف لكم، ما شاء الله، هل وجدت الكتابة ضربا من الوجع أم نوعا من الفرح؟

- الكتابة كما وصفها جبرا إبراهيم جبرا في معايشة النمرة "هي تلك الحورية الرائعة، الذاهبة بالنفس في طرقات الجنة ودركات الجحيم، متعة ولا كأية متعة أخرى يعرفها الجسد: فهي وجد صوفي، وهي عذاب عذب ".

فهي نوع من الفرح عندما تستطيع تشكيل صوتك الداخلي العميق على الورق، بحيث تطلق فرسك البرية في سهوبك الواسعة. فما أعظم الفرح، إذا انتهيت من كتابك، فرح الحس والعقل، وسعادة الوحي والنشوة.

وهي ضرب من الوجع وجزء من الجحيم كما وصفها ماركيز: إن تأليف الكتب مهمة انتحارية. والمبتلى بعشق الكتابة كمن ابتلي بجوع جحيمي، وبشبق لاهث وراء سراب. مثل الطاقة المشتعلة الكامنة الجبارة، ان لم تجد مساربها دمرت مكانها، واشعلت نيرانها جدرانها، وأبقت الدخان وبقايا الحرائق على هياكلها الخارجية بقايا نار، وحزن وكأبة .

١١. بحساب المكسب والخسارة، ما تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على القراءة كفعل ثقافي وعلى الكتابة كعمل إبداعي؟

- من المؤكد أن الاستسلام لوميض الشاشات أفقد القراءة الشيء الكثير، فمواقع التواصل الاجتماعي بصفحاتها اللانهائية التي تغرينا بالاستمرار بالتقليب فيها تُصبح بمنزلة ثُقب أسود يبتلع الساعات والأيام، ولكن هذا لا يعني موت القراءة وضعف الكتاب. فعلى الجانب الآخر، أتاحت هذه المواقع روافد جديدة للقراءة والكتابة، فتقنية الكتابة في هذه المواقع من شأنها أن تشجع على التركيز المتناهي في أسلوب الكتابة، على اعتبار محدودية الحيز المتاح للكتابة. وهناك محاولات إبداعية لم يكن يكتب لها الظهور والانتشار إلا بفضل هذه المواقع، كما أن هذه المواقع جعلت الكتب متاحة إلكترونيا، فأصبحت النصوص الجيدة والرائدة في متناول الجميع، وتعددت الخيارات المطروحة للمفاضلة بين أكثر من كتاب وآخر، كما تنتقل النحلة البرية بين زهر وأخرى، تتغذي على رحيق هذه وتلك، وتنتج في النهاية شرابا مختلفا ألوانه سائغا للشاربين .

ولعل المستقبل كفيل بكشف ما سينتج عن هذه المؤثرات من ظواهر أدبية مختلفة.

12. هل من رسائل قصيرة توجهّها إلى الناقد، والناشر، والقارئ، والكاتب، كلّ على حِدة؟

- أقول للناقد: كن موضوعيا ومنصفا، بعيدًا عن المجاملة والمداهنة، لا تلعب دور الشرطيّ الباحث عن الأخطاء، ابحث عن المواهب وشجعها.

أقول للناشر: لا تنظر إلى الكتّاب والمؤلفين كمشاريع ربح فقط، انشر العمل المتميز، وادعم الكاتب الجيد.

أقول للقارئ: لتكن لك رؤية واضحة في تكوينك المعرفي والعلمي، وكن منهجيا في قراءتك وحدد الغرض منها، وإلا فلن تكون شيئا مذكورا .

أقول للكاتب: اقرأ.. ثم اقرأ.. ثم اقرأ، فمن لم يقرأ طويلا ويجدً في قراءته، فلن يكتب نصا متميزا، فجودة الكتابة بمقدار جودة القراءة، والكتابة تحتاج إلى جسارة وإرادة جادة، وعزم لا يكل ولا يمل، وإذا لم يكن دافعها نابعا من الأعماق، لن يكتب لك التوفيق والاستمرار في طريقها، ولا تتعجل النشر والشهرة، ولا تتأخر كثيرا.

***

حاوره: د. لطفي منير

16 نوفمبر 2022

 

دكتور صالح الطائي قامة عراقية وطنية، حارب من أجل وطنه بما تيسر له من السلاح، بالقلم والخطابة والموقف الصلب.. له أكثر من مشروع وطني، وألف العديد من الكتب، بلغت بحدود 78 كتابا، ويقف اليوم خلف مشروع وطني جديد آخر، يتمثل في حشد كل ما تيسر له من الشعر في ساتر الدفاع عن العراق من خلال ثقافة وإسهام الشعراء العراقيين والعرب، ولنا معه هذه الدردشة حول المشروع الأدبي الجديد..

- لماذا العراق؟

ج: العراق جرح نازف في ضمير كل عربي وكل إنساني شريف لأنه صاحب فضل كبير على الإنسانية جمعاء، ومن واجب الإنسانية أن ترد له جميله عليها. أليس هو الذي علمها الكتابة والحضارة والتمدن؟ أليس هو من صنع لها العجلة، وعلمها علم الفلك والحساب؟ أليس هو الذي شرع لها القوانين؟ فهل من المعقول والإنصاف ان تتنكر لكل هذا الجميل؟

العراقُ عريقٌ منذ أن خلق، وفجر الحضارة من أرجائه انـبثق، وأعظم عجائب العالم وجدت على أرضه، ومن سماء حضاراته القديمة والحديثة شعت الحضارة على الكون، فصار الإنسان إنسانا.

وحينما نراه اليوم يتألم، ينتقل الألم إلى قلوبنا فيوجعنا بعنف، ولأننا تعلمنا الكرامة منه فقد انتفضنا حينما تأوه لنعلن للعالم كله أنه (هذا العراق) الأب الذي عقه الجميع، والذي سننتصر له من خلال الشعر ليعود أبا للجميع، ولو كنا نملك غير الشعر لنصرناه به.

ولأني أعشق العراق إلى حد الوله، وأعلم أن هناك من يشاركني هذا العشق، لا بين العراقيين والعرب وحدهم وإنما في العالم كله، استنهضت همم الشعراء منهم ليكتبوا للعراق، وهو مشروعي الجديد.

- من هو العدو، وكيف يُوظَفُ الشعر؟

ج: سؤال بمفصلين مهمين، الأول عن العدو، والعدو مثلما هو معروف مصطلح نسبي، تنطبق عليه كل مواصفات النسبية، فمن هو عدو لي قد يكون صديقا لك، وهو يمثل في معناه حالة ما تشكل خطرا جسديا أو فكريا على الواحد فيكون عدوا شخصيا له، أو على المجموع فيكون عدوا للجميع، يسهم تعريفه اللغوي والاصطلاحي في تعريف الهوية الفردية والجمعية، فهو يسهم في بلورة الهويات، وهذا الإسهام يؤدي إلى الفصل بين (عدوي/ عدونا) و(صديقي/ صديقنا) ويحدد مواقفنا منهم، مثلما يوضح جوهر الصراع التاريخي بين الجماعات والأفراد، وسببه الاختلاف في الرؤى والعقائد وأشياء كثيرة أخرى، وتلعب السياسات دورا فاعلا في تأجيجه أو كبته تبعا لرغباتها ومصلحتها، مما يتسبب في تبدل الفهم الشامل لمعناه، إذ تلعب السياسة أحيانا أدوارا خبيثة تتسبب في تأجيج روح العداوة داخل المجموعة ذاتها والهوية المشتركة الواحدة، لذا تعتبر السياسة برأيي أحد أخطر دوافع انبثاق العداوات بين البشر.

أما المفصل الثاني من السؤال فهو عن توظيف الشعر، وأجد في ربط المفصلين داخل سؤال واحد التفاتة رائعة من السيد المُحاوِر، فالعداء يستوجب دائما أن تكون هناك مصدات له، تُوظَفُ لها كافة الإمكانيات المتوفرة لتمكينها من تحقيق النتائج، ولما كان الشعر أحد أهم أسلحة التصدي التاريخية، فإن توظيف الشعر في مجابهة العدو لا يقل أثرا عن توظيف جميع الأسلحة الأخرى. لكن كيف يوظف الشعر؟ هذا هو السؤال المهم، فقد عانينا من مغبة التوظيف السيء لمصادر الدعم ومنها الشعر عبر الأجيال، وأغلب هذا التوظيف كان عدوانيا يؤجج روح البغضاء بين الأفراد والجماعات، فيسلب الشعر نقاءه وبنائيته، ويحوله إلى أداة تخريب ممنهج.

من هنا جاءت محاولاتنا المتكررة لاستخدام الشعر سلاحا في البناء ولم الشمل من خلال المشروعين السابقين (قصيدة وطن رائية العرب) و(جرح وطن عينية الوجع العربي) اللذين اشترك ببناء قصيدتيهما نخبة من أفضل شعراء الوطن العربي من أكثر من سبع عشرة دولة عربية. ولأن العراق يمر اليوم بأزمة خانقة ويحتاج إلى النصرة أردت من مشروعي الثالث الذي أطلقت عليه اسم (هذا العراق) تذكير العرب والعالم بفضل العراق على الإنسانية، وهو فضل يعترف به الجميع ولا ينكره أحد، بدليل أن المشاركات الكثيرة التي وصتنا لم تقتصر على العراقيين وحدهم وإنما أشترك ببنائها شعراء من أغلب بلداننا العربية.

- هل يكتفي مشروعك بجمع أبيات الشعر في ديوان وينتهي الأمر؟ وهل في نيتك يطبع الديوان؟ وكيف سيتم توزيعه؟

ج: لا أبدا. فالتوقف في هذه المرحلة لا يخلف أي أثر نافع، ولا يخدم القضية، ولذا أخذنا على عاتقنا مهمة جمع المشاركات وطبعها بكتاب وتوزيعه على الوزارات والجامعات والمدارس والمؤسسات الثقافية والسياسية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني في الداخل والخارج، وسنعمل على الاتصال بالفنانين والتشكيليين لتوظيف العمل في مشاريعهم، حتى يصل صوت شعراء الأمة إلى مداه الأقصى. فضلا عن ذلك سوف نرسل نسخا من الكتاب لجميع الذين شاركوا بكتابة قصيدته ليروجوا له ولفكرته. ثم لا تنسى صديقي أن مجرد الحديث عن الموضوع بحد ذاته في وقت تسلطت فيه قوى الفرقة والجهالة على مجتمعنا مما زاد حياتنا قرفا، وزاد التناحر والتباغض بين بلداننا، وتفككت روابط الفة شعوبنا يعتبر انتصارا نحن بحاجة إليه، يعد بحد ذاته انتصارا رائعا.

- من هم الشعراء الذين وجهت لهم الدعوة؟

ج: مثل المشروعين السابقين، وضعت أنا أساس المشروع الجديد من خلال خمسة أبيات قلت فيها:

هذا العراق منيعٌ ليس يُقْتَحَمُ

له كما الريحُ في عليائها شممُ

*

ويستخفّ إذا ما الحتف صادفهُ

ويستزيرُ المنايا وهو يبتسمُ

*

في أرضه وسماه دائما القٌ

ومن ضياء علاه تُطردُ الظلمُ

*

هو العراق كبير في مواقفه

فأينما دار؛ دار العز والكرمُ

*

حياك يا موطنا رفت بوارقه

فليس يحدوه إلا السامق العلمُ

ثم كتبت إعلانا ونشرته على صفحتي في الفيسبوك؛ التي تضم عددا كبيرا من الشعراء وطلبت منهم المشاركة في المشروع، وحث أصدقائهم ليشاركوا معهم، ثم تبنت المشروع مواقع أدبية رصينة جدا منها منتدى هاملت للأدب العربي المعاصر، ومجموعة شعراء المتنبي، ومنتدى مملكة الحب، ونفائس واحة التصحيح والتجديد والابتكار، ورابطة الشعراء العرب، وبيت الشعراء العرب، والأدب العربي الرفيع وغيرها، فضلا عن تطوع شعراء كبار آخرين لدعم المشروع. كل هؤلاء، بعضهم وجهت له الدعوة مباشرة أو من خلال الإعلان، وبعضهم تطوع من تلقاء نفسه بسبب حبه للعراق وللأدب، وبدعم ومشاركة كل هؤلاء انتشر المشروع في الوطن العربي، ووجد صداه لديهم.

- هل تقف معك جهة سياسية أو دينية أو سلطوية، أو أفرادا معينين في مسعاك هذا؟

ج: أعتقد، بل أنا على ثقة بأنك تعرف موقفي من السلطة ورجالها، فأنا لا أثق بها ولا أثق بهم، ولا أعتقد أن فيهم من يمكن أن يُسهم بتذكير الناس بـ(هذا العراق)، ولاسيما وأن أغلبهم بكل توجهاتهم واعتقاداتهم ومناطقهم الجغرافية آذوا العراق بأساليب وطرق لا تحصى، وهم بذلك لا يمكن أن يكونوا صادقين في دعمهم لمثل هذه المشاريع، لأن مجرد دعمهم لها يكشف زيفهم ونفاقهم.

أما على مستوى الأفراد المستقلين المحبين للعراق فالدعم كان كبيرا، ففضلا عن الشعراء الكرام الذين اشتركوا في الكتابة، هناك أساتذة أجلاء أسهموا في تقديم الدعم اللوجستي منهم الدكتور علي الطائي والدكتور لؤي شرع الإسلام الإمارة والدكتور محمد تقي جون والدكتور رحيم الغرباوي، وجنودا مجهولين آخرين مثل الدكتورة ملاك السامرائي، والأستاذة فاتن الجبوري وآخرين. ومن خلالكم أتقدم بالشكر الجزيل لهم كلهم.

- من تتوقع أن يستجيب لدعوتك؟

ج: كل عمل مستقبلي قابل للتأويل واختلاف الرأي والرؤى، ينضوي عادة على مجازفة ومخاطرة، ونسب النجاح والفشل فيه تتساوى، بل ربما يتقدم الفشل وتقل نسبة النجاح حتى تكاد تتلاشى، لكن المراهنة على الطيبة المغروسة في نفوس البشر الأنقياء هي التي تحفز الإنسان ليكون جريئا ويخاطر وينفذ ويصر على النجاح. وهذا المشروع مثل المشاريع الأخرى، حينما طرحته توجست الخوف من عدم الاستجابة أو عدم التجاوب، بل كان لقلة عدد من استجاب في اليوم الأول دافعا لإثارة الرعب في نفسي، لكني تعودت المراهنة طوال عمري، وقد راهنت بعمري أكثر من مرة، والمدهش أني ربحت فيها كلها، وهذا كان حافزا لأراهن مرة أخرى.

جدير بالذكر أن عدد المشاركات التي وصلتنا لحد الآن زاد على المائة وخمسين مشاركة، واعتقد أن عدد المستجيبين يزداد يوميا، وقد تبلغ المشاركات عددا لا يستوعبها الكتاب.

ـ وهل ستراهن مرة أخرى؟

ج: تسألني: وهل سأراهن من جديد؟ أقول لك: نعم بكل تأكيد، فالرهان جزء من عقيدتي في الحياة، وهو الذي يصنع حياة أجمل ويرفع نسب الادرنالين عند الإنسان، فيسهم في تحريك سبات خلايا دماغه وينشطها، وأنا بعد السبعين أحتاج لمثل هذه المنشطات ولذا سأراهن وأراهن دونما انقطاع، ثم لا تنسى أني في هذا العمر لم يعد لدي ما أخاف أن أخسره.!

- يضع المؤلفون عادة أسماءهم على أغلفة كتبهم، فمن سيضع اسمه على غلاف هذا الكتاب؟

ج: ينماز هذا العمل بكونه من الأعمال المشتركة، ولذا لا يحق لأي شخص أن ينسبه لنفسه، بما فيهم أنا الذي وضع الفكرة وأنهك نفسه في جمع المشاركات من خلال مواقع التراسل الاجتماعي الخاصة ومواقع التواصل العامة والمواقع الأدبية العامة وغيرها، ومن ثم تنظيمها وتوحيدها وترتيبها في الكتاب وكتابة المقدمة له. لهذا السبب اتبعت أسلوبا خاصة لا يغمط حق أحد فيه، يتبين من خلاله جهد كل الذين اشتركوا بالعمل ابتداء من وضع الفكرة ولحين صدور الكتاب، وقد اتبعت هذا الأسلوب في الأعمال السابقة، إذ ذكرت تصدرت غلاف المشروع الأول المعلومات أدناه:

فكرة القصيدة ومطلعها والعمل على الكتاب: الدكتور صالح الطائي

تأليف ونظم: مجموعة من شعراء الأمة

إشراف وتدقيق وربط المشاركات: الشاعر المهندس ضياء تريكو صكر

وأرى ان المعلومات نفسها سوف تذكر على غلاف الكتاب الجديد ليأخذ كل ذي حق حقه، ويكون العمل مفخرة للجميع.

- هل تقبل أبيات الشعراء المخالفين لك بالرأي لكنهم يتفقون معك على حب العراق؟

ج: الهوية مفهوم يستخدم في علم النفس والعلوم الاجتماعية والسياسية والدينية والفلسفية، وتعرف الهوية بأنها مجموع السمات التي ينماز بها شخص ما أو شيئا ما أو مجموعة ما، أي هي مجموع الصفات والمقومات التي تجعل الشخص مطابقا لذاته ومتميزا عن الآخرين، وتجعل المجموعة صغيرة كانت أم كبيرة مطابقة لذاتها ومتميزة عن غيرها، وقد أسهب صموئيل هنتنغتن في كتابه "من نحن" في الحديث عن الهوية اتضح من خلاله أن هناك الكثير من الأشياء التي يمكن لها أن تجمع شخصين أو مائتين أو مليونين داخل إطار هوية رغم اختلافهم الفكري والعقدي والديني، مثال ذلك هوية مشجعي فريق برشلونا أو هواة صيد السمك.

وفق هذه الأطر أرى أن هناك هوية أسمها (حب العراق) تجمع بيني وبين من يتفق معي على حب العراق سواء كان متوافقا أو متخالفا مع رأيي ورؤاي الأخرى. بل إن هؤلاء أحب إليَّ من غيرهم، فغيرهم قد يجامل أو قد يشعر أن ذلك من سمات المشاركة التكوينية، أما هؤلاء فهم يقولون الحقيقة، وهم أصدق من غيرهم بالتأكيد.

- ماهي المدة المحددة للمشروع؟

ج: الشعر ليس مهنة لها قواعد يمكن للمرء فهمها ليمارسها يوميا مثل مهنة المهندس والطبيب والخلفة والسائق وغيرهم، فالشعر فضلا عن متطلباته المعروفة مثل الثقافة، الدراسة، التخصص، معرفة الأوزان والبحور، الملكة، الاستعداد، الخزين الفكري والغنى اللغوي، ولذا لا يمارس مهنيا وإنما ينتظر الشاعر الفرصة المناسبة ليقتنص الصورة ويرسمها بالكلمات، ومقولة "لم يأتيني شيطان الشعر لحد الآن" التي سمعتها من أكثر من شاعر ممن تأخر وصول مشاركاتهم، كانت دارجة منذ القدم حتى قيل إن لافظ بن لاحظ هو شيطان الشاعر امرؤ القيس الذي يُملي عليه الشعر، وأن امرؤ القيس ما كان يقول ذلك الشعر الرائع الخالد إلا بعد ان يلهمه له شيطانه.

يعني هذا أن العجلة في ختم الكتاب ستؤدي إلى فقدان مشاركات كبيرة وفي منتهى الروعة، لأن الشعر الذي توحيه شياطين الشعر هو الأجمل، ولذا سيبقى باب المشاركة مفتوحا لأكثر من شهر.

- هل تحب العراق فعلا، وهل أن حبك هذا هو الذي دفع لتطلق هذا المشروع، وقد لا يعتبر مشروعك دليل حب؟

ج: لا يوجد حب أصدق من أن يحن عليك شيء ما كل يوم أكثر من محنَّة وحب والديك، ولا يوجد كرم أكثر من كرم شيء يحتويك ويمدك بسبل الحياة منذ أولى لحظات ولادتك، ثم يحتويك بعد موتك، ولا يوجد شيء أعظم من شيء يجعلك تفخر على باقي الأشياء طوال عمرك مثل بلدك، والعراق؛ رغم الذي عانيته فيه، قدم لي كل هذا وأكثر، ولذا رفضت مفارقته وهجرانه رغم الفرص العديدة التي أتيحت لي، فانا سمكة تعيش في بحر حب العراق، متى خرجت منه اختنقت وماتت. ثق أنى لا أعرف السبيل إلى ترجمة حقيقة حبي للعراق وأهله كلهم، فذلك فوق طاقتي وتعجز عنه قدراتي، وعقيدتي أن الله والعراق هما المقدسان المطلقان في حياتي.

كما الحب شيء روحاني غير ملموس، هو علاقة بين الحبيبين لا يقدر عمقها إلا صاحبها، وبالتالي تخفى ملامحه عن الآخرين تماما مثل الصيام، فأنت قد تدعي بأنك صائم ولكن الله وحده يعرف حقيقتك، من هنا لا يهمني رأي الآخرين في حبي للعراق، يكفيني أنه يعرف مقدار حبي له.

أما المشروع فهو بكل تأكيد يأتي ليترجم حبي للعراق وليكون دليلا عليه، طالما أن غيري لم يتبرع بتقديم مشروع مثله يسبقه.

- ماذا تقول في النهاية؟

ج: أقول: إن الوجع الذي يشعر به العراق اليوم تسبب لي بحزن لا حدود له، وأني والله لو تمكنت من أن أحمل عنه حزنه حتى لو أدى بي إلى الفناء لحملته بكل فرح وسرور، وأنا لست وحدي، فهناك ملايين البشر يحبون العراق مثلي وهم على استعداد للتضحية من أجله، وما دام مثل هؤلاء موجودين فالعراق رغم ما يعانيه سوف يشفى من جراحه ويعود عراقا تتغنى به الإنسانية.

***

حاوره: راضي المترفي

 

 

هدلا القصار:

المرأة الكاتبة بين فكي الاحساس بالدونية والخروج إلى الذات الثقافية والفكرية.

. العمل الأدبي والثقافي هو تاريخ ذكوري

- الكشف عن (الانا) عند المرأة مرتبط بالغواية واغراء الرجل. ظهرت مي زيادة كأول كاتبة بعد معاناة مريرة مع العقيدة. يكون الجمال سبة إذا حاولت المرأة استغلال أنوثتها من أجل الشهرة. اميل بشكل جنوني إلى الدبكة اللبنانية. الرجل هو من جعل المرأة لا تعترف بعمرها هي امرأة بصلابة قلب ناقد وخيال شاعر وجرأة كاتب ورقة الأنثى وصباحة وجوه البيروتيات وثبات الواثق وضحكة المنتصر ولوعة الطاعن في الحنين، درست في بداياتها الإعلام وبعد أن اشتد عودها وقويت شوكتها ومن دون ان علم العائلة دخلت الجامعة مرة اخرى ودرست الادب وتخصصت بالنقد وبعد نجاحها شعرت ان لديها ميول فطرية بعلم النفس، وعادت ودخلت الجامعة ودرست علم النفس ونحن اليوم أمام فارسة تمتطي صهوة الإعلام وتمارس النقد وسلاحها معرفة النفس البشرية وتقرض الشعر فتعالوا إلى دردشة جميلة جريئة مع تلك الناقدة والشاعرة واختصاص علم النفس الإعلامية اللبنانية الحسناء هدلا القصار..

- ما قصة مهرة الحكاية؟

* اولا هو عنوان ديواني الثالث الذي يحمل قصيدة بنفس الاسم وهي تحكي ملخص او اهم حكاية في حياة مهرة الحكاية، التي تمثلني لهذا اطلق علي لقب مهرة الحكاية.

وكما اطلق علي القاب عديدة منها "صنوبرة الارز" و"نبتة برية" وهو عنوان ديواني الثاني، المنسوب لقصيدة " نبتة برية" وهي كذلك امثل فيها غربتي بين اشجار النخيل والبعد عن الوطن.

- ما معني أسم (هدلا) في اللغة؟

* أولا أصل الاسم "هدلاء" ومعناه الدقيق هو (همسة حمامة) وهناك بيت شعر قديم يقول: (وهدلت الْحَمَامَة هَدْلاَء وَاحِدَةٍ عَلَى الْجَبِين) وبما ان الحمام لا يطلق نقرة صوت بل صوت متكرر فعلى ما يبدو كانت الحمامة في تلك اللحظة التي شاهدها الشاعر على جبين احدا ما فاجأها فقطعت الصوت وطارت، وهنا أصبح الهديل غير مكتمل ليصبح همسة الحمامة وان كان احدا لديه تفسير اقرب فليتفضل ويعلمنا وبالنسبة لي هو اسم موروث عن جدتي من والدي وبما ان قديما لم يكن يهتم باللغة العربية فيكتب الاسم كما يلفظ.

ثانيا اسم هدلاء هو أسم قبيلة في الأردن، عرفت بالشهامة وحسن الخلق والمبادئ الطيبة وكان كل من يظلم يذهب لهذه القبيلة ويصرخ بطلب النجدة ويقول: يا اخوة هدلا...

- النقد الأدبي كان حكرا على الرجال.. كيف ولجته الحسان؟

* نعم لأنه كان يعتبر العمل الأدبي أو الثقافي تاريخ ثقافي ذكوري، كان الرجل يستولي على جميع المجالات الثقافية والمعرفية... المحتكرة له مستبعدين المراة عن الفضاء الخارجي الذي هيمن عليه الرجل وحصرها بالفضاء الداخلي، كامرأة مرتبطة بصورة الحريم ليظل الرجل هو المتكلم باسمها...والمعبر عن كينونتها وشأنها وغيره من العوامل المحتكرة له.

وبالرغم من ذلك أن لم تكن الساحة الادبية خالية كليا من وجوه نسائية في الشعر، واخص بالذكر "الخنساء" و"رابعة العدوية" من المشرق و"ليلى الأخيلية"....

إلى أن شعرت المرأة الكاتبة بأنها أصبحت بين فكي الإحساس بالدونية والتفكير بالخروج الى الذات الثقافية والفكرية..

ومن هنا بدأت تبرز أقلام نساء عربيات كما في مجالات الشعر والقصة والرواية.

ومنذ أن بدأ هذا النزاع والتحدي والمناقشات حول هذه الظاهرة الإبداعية المكبوتة... والتي لم تخلوا من مغالطات الرجل ليثبت للعالم عدم تكافؤ إبداعات المرأة مع الرجل، وخاصة من سيطرت العقيدة الإسلامية الدينية، التي تعتبر أن الكشف عن "الأنا " المرأة مرتبط بـغواية واغراء الرجل...

وهكذا كان يحارب الرجل فكر المرأة غير المألوف، لارضاء القيود السائدة على حرية إبداعاتها.

إلى أن تضاعفت هذه القيود حولها بشكل خاص، مما جعل المرأة تشعر بأن عليها الاختيار بين نهوضها او الاستسلام التام لرغبة العقيدة...، الى ان اختارت أن تبرمج نفسها كما تريد هي لا كما يفرض عليها المجتمع الاسلامي الديني المهيمن....

ومن هنا بدأت المرأة الكاتبة بإحايلها الإبداعية الأنثوية تمارس مهنة الابداع بأسماء مستعارة من خارج الوطن كمرحلة أولى لتنجو بنفسها من التصادم مع المجتمع الذكوري الذي يحاول ترصد وصف الكاتبة أو الشاعرة بعلاقاتها الحميمية مع الرجل الشاعر وتجاوزها للقيم... ووضعها تحت المساءلة والقيود الأخلاقية...

بإختصار من هنا قفزت المرأة الكاتبة عما كان يسيطر عليه الرجل.

الى ان ظهرت الاديبة "مي زيادة " كأول كاتبة بعد معاناة مريرة مع سوق العقائد الاسلامية المتزمتة، ومن ثم ظهرت "ليلى بعلبكي" التي وضعت بتساؤل عن مفهوم الرجل للمرأة، وأيضا الكاتبة "كوليت خوري" التي أصدرت أول رواية بعنوان (أيام معه) سنة 1959 وهناك العديد من الاسماء لم يحضرنا الان ممن عملن على إلغاء الصورة النمطية للنساء.

الى ان سجلن في تاريخ الثقافة العربية صفحات مضيئة لأبداع المرأة من المحيط الى الخليج وهكذا حققت المرأة المبدعة إنجازات أدبية يشار إليها بالبنان كنوع من الخروج عن كونها سيدة الصالونات، الى كاتبة تفوقت في إبداعها المتنوع كنوع من التحدي والخروج من الدونية.

- جمال الأنثى متى يكون سبة ومتى يكون ميزة؟

* هناك معايير لجمال الانثى بشكل عام هو الجمال الحقيقي /جمال الروح/ ثقافتها/ كرزيمه الاطلالة /الجمال الداخلي/ الابتسامة الخفيفة/ البشوشة المبتسمة/ اخلاقها _ادبها تصرفاتها/ صوتها الهامس_ طريقة التصرف اللطيف/ المشي المتناسق وعدم التصنع /طيبة الخلق/ والتحدث بثقة ولطف، بما ان التواصل مع الآخرين له أهمية كبيرة، والتحدث عند الضرورة،/ وتجنب استخدام الأسلوب العدائي، وحسن الاستماع/ واحترام الرأي الآخر/ الثقة بالنفس الاهتمام بشكلها الخارجية بطريقة لبقة /والتفكير الايجابي وهناك عوامل لا تعد ولا تحصى.

وهذه القوالب قد تكون فطرية عند الاثنى وقد يكون وراثي ومن ثم يعود للتربية المنزلية والبيئة ومن ثم المدرسة وجميع هذه العوامل هي من تمنحها ميزة الاثتى.

أما متى تكون سبة أو نقمة؟ حين تخرج عما ذكر لجمال الانوثة إذ استغلت انوثتها خارج الأخلاق والأدب أو إذا لاحقت الأضواء من خلال استعلال أنوثتها للحصول على السعادة والشهرة للفت الأنظار من خلال توظيف انوثتها للإغراءات...

- ما أهم نشطاتك التي تفتخرين بها أو تركت بصمة لديك؟

* حين اقمت في شتاء عام 2016 دورات تقوية لمواهب ابداعية فذة رايتها داخل كل فرد من الجيل الصاعد الذي يحمل روح الابداع الفذ لكنهم بحاجة الى ترسيخ المعرفة والتوعية.... للفوز بقصائد خالية من العيوب لذا كان هذا للبرنامج من أن أهم وأجمل نشطاتي التي تركت بصمة جميلة في حياتي الادبية والابداعية والتي كانت تعني لي الكثير لمن شاركتهم نغمة الكلمات ولمن شاركوني تصميمي على النجاح كما منحتني تجربة صعبة خضتها ونجحت بها بعد أن تعرض برنامجي منذ بدايته لمضايقات من اعداء النجاح بسبب غيرتهم... مما لم يخطر على بالهم أن يكونوا أشخاص يسعون الى مساعدة الجيل الناشئ بدل تعبئة كراسي امسياتهم الفارغة

واذ بي اجد حولي كل من يمكنه الدعم من للوقوف بجانبي بطريق لم اتوقعها من اعلاميين وصحفيين وكتاب وادباء ومعلمين لغة عربية.... الذين قدموا تعاونهم والوقوف بجانبي دون أي مقابل بل كانت مواقفهم تنبع من دوافعهم لما اقدم عليه من اجل الجيل الصاعد ودعه كانت دهشة فرحتي اكبر من ان اتوقعه (يقال من احبه الله احب عباده فيه)

ومن بزرة هذه الفكرة التي كبرت وتطورت ونجحت بابنائي المواهب الصاعدة الذين تجاوزوا الصعاب لنشرب من انهار حروف كتاباتهم الشابة والمبدعة بكل ما تحمل من بيوض المجتمع والعوامل المعيقة والمعبرة في حروفهم....

الى ان حصلوا على شهادات موثقة ومعترف بتوقيها من قبلي ضمن عرس احتفالي لم تشهده مدينة غزة كما قيل والى الي اليوم ما زلت اتلقى طلبات لاعادة تكرار هذآ البرنامج لكن الوقت لم يسعفني.

(ومن خلالكم اوجه لهم كلمة لا تفي حقهم وكرمهم ووقوفهم بجاني طالمة هناك دم بجري في عروقي وان بصمتهم ما زلت افتخر بوجودهم بحانيى ومعي حتى الان.)

- هل حاولت اقتحام الفن من باب التمثيل؟

* لا أبدأ ولم يغريني بالشكل الصحيح لكن أذكر حين كنت في الصفوف الابتدائي أمثل في مسرحيات تخص حفلات او مناسبات تابعة لمدرستي.

بينما كنت أميل بشكل جنوني للدبكة اللبنانية، ولا اذكر مر احتفالا في مدرستي إلا واستدعوني للتدريب والمشاركة... وكنت دائما أخرج عن صف الدبيكة واقف في وجههم لادير الدبكة من تلقاء نفسي، ولأنني كنت أشعر أنني اتميز بطول قامتي التي لم تتناسب مع طول بنات صفي او جيلي.

- ما لذي يدفع المرأة لكتابة الشعر.. الترف.. الحاجة.. أو التشبه بالرجال؟

* أولا أريد أن أنفي كلمة التشبيه بالرجل، وقد أقول أن الإلهام الشعري قدري.. لان ملكة الشعر لا تصنف لمن لا يملك ملكة الشعر، والشعر لا يفرق بين شاب وشايب وبين امرأة ورجل.

الشعر أولا وأخيرا هو شعور لمن لديه قريحة الشعر أو الإلهام.....

فالشعر الحقيقي كثير ما يأتي من حالة غضب، أو ألم /صدمة او حالات اجتماعية مؤلمة او إنساني / ووجدانية... أو حرمان....على خلاف شعراء تكنولوجيا الحاسوب.

- لماذا تخفي الأنثى عمرها الحقيقي وهل لديك القدرة على أخبارنا بعمرك؟

* صدق أو لا تصدق أن من جعل المرأة لا تعترف بعمرها! هو الرجل، ولو كان الرجل يصدق ما تقوله المراة عن عمرها، تأكد لقالت، لكن مهما صدقت المرأة ستظل بعين الرجل انها تخبئ عمرها وانا منهن.

وممكن الآن أن اختلف عن اسلوبهن: واقول لك عمري مائة عام، بالطبع انت كذلك لن تصدق، لكني اوجزت عمر المعرفة وليس عمر السنين. وهنا اغاير قاعدة النساء بالهروب العملاق والمشرف..

- اعترف الشعراء الرجل أن المرأة من تستكبهم بوجودها الملهم، فهل النساء كذلك؟

* لا يمكن ان نجزم أو نجمع الشعراء الرجال عامة كي لا يصبح تعسف، هناك شعراء تنوعت قصائدهم، وسبق وكتبت دراسات عن عشرة عن شعراء عالجوا قضايا المجتمع عامة وكتبوا عن عن المجتمع والسياسة... عن السجن وعن الجامعة والحياة والطبيعة والمال وغيره من العوامل البيئية، ولم تكن المرأة لديهم هي المتلسط على المشهد الشعري في قلم الشاعر ورؤيته

اما اذ اردنا عن نتكلم بشكل عام، في معمعة التكنولوجيا الحديثة نتكلم عن نسبة ستون بالمائة يكتبون عن المرأة ويبتدعون ويتنوعون في علاقاتهم بالنساء من أجل أن يكتبوا الشعر ويتغزلون ويستباحون جسد المرأة وتفاصيلها بحروفهم التي لا تجدي معناها إلى أن يشعر المتلقي او الناقد انه يشاهد فيديو كليب، معتقدين انهم سيصلون الى الشاعر نزار قباني (كما قال لي احد الشعراء الذي صنف نفسه بشاعر المراة بكتباته المفبركة او لنقل المصنعة وحتى الشاعر نزار لم يستبيح جسد المرأة بأقلامه كما يفعلون، علما أنه غير مستحب عامة عند الرجل او المرأة استباحة جسد المراة باللفظ الحرفي... هذه قاعدة اساسية.

أما النساء او المرأة الشاعرة لم يسيطر عليها أو عليهن إلا بحالات نسبية لا تذكر بالنسبة للرجل الشاعر.

فالمرأة الشاعرة او الكاتبة لديها أشياء كثيرة تدفعها للكتابة ومن بينهم الرجل الذي يدخل في نبض حياتها، ومنها حالة الكبت والاعاقات المجتمعية، والظروف النفسية، ومشكلاتها مع الزوج، وهناك ظروف وعوامل الابناء وما يلحق بهم، وقد تكتب عن الحرمان، والغيرة، والشعور بالنقص عن بنات جنسها... والدوانية والقبلية... وتعسف الاب او الشقيق....

لذا لم يستولي الرجل بشكل على اقلامها بشكل منفرد كما تسيطر المرأة على قلم الرجل الشاعر.

- من هم قرائك؟

* لا ادري لكن حسب اعتقادي انه من الطبيعي ان يبحث الرجل عن المرأة من خلال كتابات المراة الكاتبة.. وهو عامل بديهي لأن الرجل دائما يبحث عما ينقصه لمعرفة المراة ولم يدركه، او كنوع من الفضول لمعرفة المرأة والتعمق بتفاصيل حياة الشاعرة، وهناك عوامل عديدة تدفعه للفضول... ولو أردنا ان نشرح أكثر سنحتاج فصولا منفردة.

فمن وجهة نظري ورؤيتي، لا أنكر أيضا أن المراء في بعض الاحيان تنظر الى قلم الشاعر الذي قد تجد من يحك انسانيتها ووجدانها... او قد تجد ما لم تدركه من اشياء لم لم تكتشفها فيما سبق في عاطفتها او ميولها ووجدانها بقلم الرجل الشاعر كنوع من تفكيك حبال الممنوعات بتعاملها مع الرجل عامة ولو من باب الفضول... وأنا أقول هذة هي المعرفة التي أتت بادم وحواء.

- انت على ذمة الشعر وذمة النقد، من هو الأقرب إلى قلبك فيهم؟

* لا يمكنني أن أفصل ما بين الشعر والنقد، فالشعر يفرغ ما في داخلي من شعور جميل ليخرج من روحي ويمنحني عظمة العطاء واكتشاف دواخل الذات المكتومة من خلال قريحة الشعور بالرؤية الشعورية التي تندلق باللاوعي لتلوك خصوبة الشعور او المواقع المسيطرة على مخيلة الشاعر عامة.

اما النقد نحن من نخرج ما في جعبة كلمات الكاتب او الشاعر وهي التي تستولي على رؤيتنا التي تسجل هالات واكتشاف الجمال في الرؤية والكلمة والتكنيك المصاغ بفطرة الشعر الملهم لتسجيل حالات الشاعر في اللحظة..

وبالنسبة لي النقد لم يبتعد كثير عن تلبس الشعر هذا اذا امتلأت او عبقت من نصوص الشاعر فتتحول المشاعر الى مخيلة تستحضر ملكة الشعر لدي الشاعر نفسه بما ان النقد ليس بالنسبة لي مهنة اصيغه وأضع النقطة اخر السطر بل هو تلبس حسي بمشاعر الناقد الذي لم يصيغ نقده من أجل الحصول على ثمن او مكافئة نقدي من مجلة او صحيفة ما، هناك فرق.

- ماهو حال الإعلام العربي حاليا؟

* مع أني لا أفضل الحديث عن سياسية الاعلام، لكن يمكنني أن اقول لم يعد هناك أفق سياسي في الإعلام العربي الذي يعمل لنقل الخبر او الحدث والتقييم المنطقي او تصور واضح عما سيحدث من تغيرات درماتيكية او تقلبات سياسية....

فالاعلام اصبح تعبوي بمعني تابع لتنظيم حركة او جه تدفع ثمن توجه الاعلام المسيطر...

ليصبح بعيدا عن التحليل المنطقي.. وهذا ما تسبب بعدم تثبيت أي قرارات توجه....

ولأن سيأتي من يعارضها.... فبأي أفق يمكن للإعلام الحقيقي ان يتعاطى مع الوضع السياسي الإعلامي المتقلب

- هل لك مؤلفات مطبوعة؟

* نعم لي ثلاثة مطبوعات الاول "تأملات امرا"ة والثاني بعنوان "نبتة برية والثالث " مهرة الحكاية"

ولدي دوانين جاهزين للطباعة انتظر فرصة لكي اطبعهم في بيروت.

كما لدي كتاب في النقد الأدبي المعاصر وتقنباته تهجين لغة الشعر تقريبا جاهز.

كما استكمل بحثي حول موضوع اتحفظ على فكرته سبق وبدات به ومن ثم هجرت أوراقه._ اي من الدول العربية أقرب إلى قلبك بعد لبنان؟ اعتقد جزيرة قبرص ربما لأني أقمت فيها لسنوات عديدة، وربما لأن معالمها وجبالها وما حولها كمعالم لبنان....وحتى شعبها بسبط طيب الخلق وهو المكان المريح والهادئ الذي يحتاجه المرء للتخلص من ضجيج الحياة....

- ماهو رأيك بالشعراء والنقاد العرب المعاصرين؟

* أحيانا تكون الصراحة جارجة، لكن لا بد من الحقيقة المرئية، فاذ كان لا بد من الإجابة أقول لك ان هناك نوعان من الشعراء والنقاد اذ لم نقل أكثر.

هناك شعراء يشار اليهم بالبنان ولا يمكن ان تضعهم بين شعراء اليوم فما بالك بمقولة (ما اكثر الشعراء وما اقل الشعر) فالمستشعرين يملكون الاعجاب بالكلمات لكن لا يملكن قريح الشعر ومن عرفته الامس لا تعرفه اليوم.

بينما كانوا يأتون إلى الندوات والامسيات فقط لتمضية الوقت او للتعارف الاجتماعي او قد يستدعوا لتعبئة الكراسي....

والان اصبحوا شعراء الاستنساخات من هنا وهناك الى ان خلت كلمات الشعر من الروح الشاعرية وتحولت الى رسائل فيسبوكية، وأصبحت مجرد كلمات..... او حكايات لمبتدئين يضعونها بشكل عامودي ثم يقولون "بقلمي".

الى ان وصلت بهم الوقاحة ان يستسنخوا الدراسات النقدية والمقالات العلمية لكتاب.... من صفحات السيد جوجل ويضعونها باسمائهم اما النقد الاصيل لم نعد تراه الا باقلام قليلة او قديمة طالمة أصبح قلم بعض الناقد يوظف للمجاملات والمحاباة.... واستنساخ رأي الاخرين، وكذلك سبق وكتبت عن هذا الموضوع مرارا وتكرارا الى أن أصبحنا نبحث عن الناقد المهني لنقرأ له بتجلي ومتعة تامة.

للأسف فكل هذا التشوش وانحلال المشاعر والرؤية بسبب التكنولوجيا الحديثة التي اسيئ استعمالها مما جعلت المرء يفكر بعينيه وليس بفكره او قريحته.

أحيانا او كثيرا ما احزن على تعب نقاد يبذلون مجهودات كبيرة لإيصال مفهوم النقد والفكرة والمعني للمتلقي على صفحات الفيسبوك للاسف دون جدوة..

- كيف توفقين بين متطلبات البيت وانشغالاتك الأدبية؟

* بالنسبة لي اهم شيئ لدي هو تنظيم الوقت واومن ثم عملي الالتزامي هز من البديهي منظم اما مشاركاتي في الندوات او الأمسيات والمرتمرات فجميعها اتكيف معها جسب الوقت المقرر لها اما انشغالاتي الادبية في المنزل يمكنني ان ارتبها حسب الظرف والوقت دون ان تؤثر سلبا على اسرتي.

اما بالنسبة لملكة الشعر حين تستدرجني القصيدة فاترك كل ما بيدي لاسجل الوميض وبكل زواية من المنزل ستجد دفتر وقلم.

واسرتي الصغيرة اعتادوا على ذلك ويقدرون هذه اللحظات ولان الجميع في المنزل لديه قريحة القلم الزوج كاتب والابناء لديهم ما يشغلهم واحدهم يحمل قريحة القلم فالجميع يحترم مزاجية وانشغالات الاخر وبهذه المناسبة قبل سنوات كتبت قصيدة بعنوان "متطلبات الصباح ذكرت مثل هذه الاجابات اقول:

أفتحُ بابَ الصباح على رائحةِ القهوة

أُحصي حباتَ النومِ من ليلي

بينما أعلن العبث بنعاسِ صحوي

يباغتُني حضورُ اليومِ ومتطلباتِهِ

قبلَ أنْ تتسللَ صورُ أجنحتي

ويسيلُ انزلاقُ نَزفي

أُدوِّنُ لحظاتِ نهاري الأولى

وأسألُ نفسي ما هو المطلوبُ من مُخيلتي

مطلوبٌ: أنْ ألتقِطَ لحظةَ الانبثاقِ

أتمسَّكُ بالومضةِ الأولى

وأثبتُ اللحظةَ الثانيةَ

الاحق تسابقَ نشوةَ القصيدةِ حين يلتهم قلمي الحروفَ أسعى لتوظيفِ مفرداتي أُخَوْضِرُ عيناي لأزفَّ الوَلَهَ في شِعْريتي وأُحركُ زجاجَ الواقعِ المفترض ان ترتجفَ مكوناتُ الجسدِ في سريرتي

مطلوبٌ: أن تتدلى أنوثةُ الموقفِ على السطورِ

ومرافقةُ النصّ حتى الوريدْ

استفحالُ الشوقُ

رذاذُ الحروف اللولبية

إقراء شغف الهذيان

ثم أبوحُ بسرِّ الوميضِ

لأصِلَ إلى التأويلِ

مطلوبٌ: أنْ ألبسَ الشُرفاتِ العاريةِ

وأُطمئنَ عَتمةَ الليلَ بوجودي

أُسجلُ هالاتِ النجومِ في السماءِ

لأنحنيَ أمامَ القصيدةِ كالسنبلةِ ببذورِها اجمعُ طرقاتِ القلبِ أُعَنونُ أسماءَ الكواكبِ أُصفِفُ أكوابَ الرؤيةِ وأصِفُ اغتصابَ مُخيلَتي لتشرقَ القناديلُ في أناملي وأُسرِجُ خيولَ توهجِ النرجسِ قبلَ السقوطِ

مطلوبٌ: أنْ أكتبَ على الورقِ الأبيضِ

قصةً بألوانِ الطباشيرِ

وأهمسُ لهُتافاتِ هواجسي

أطيرُ بفضاءِ رأسي

لأرى بعينِ أفكاري

ثم أُمَحورُ مُخيلتي كما تشتهي

وطفلٌ أبيضُ: يطلبُ أنْ أهدبَ صلاتي في محرابِ تهجدِهِ

والثاني: يطلبُ احترامَ طقوسِهِ وقراءةِ نَملِ أفكارِهِ

والثالثُ: يطلبُ إعادةَ تكويني كما يريدُ

وآآآخرٌ يطلبُ أنْ أجاريَ أفكارَهُ

أسرحُ في ملكوتِ خيالِهِ......

اللهو الوله على......

أبتسمُ متى يريدُ.....

أتكلمُ بما يشاءُ.....

دونَ أنْ أذهبَ بإلهامي إلى مُخيلتي الشِّعريةِ

وأنا أطلبُ: الوقتَ لأتفقدَ وِلاداتي الهاربةَ لاختراقِ دهاليزي المخبأة وأدخلُ ومضاتِ الخواطرِ......

والقلمُ يطلبُ خِصبي

الورقُ ينتظرُ حِبرَ نهري

ونفسي تطلبُ البوحَ كمرارةِ حنظلةٍ بريةٍ

أهربُ من عنكبوتِ النهارِ

لأمسكَ مساحاتِ صوتي

و أَحْبِكُ خيوطَ القصيدةِ

وسحرِها الذي يشبهُ لحظاتِ صَحْوتي

وما تبقى مني لأحيا بمتعةِ الكتابةِ

- آخر ما كتبتي شعرا؟

* لا اذكر تماما لانني حين اكتب قصيدة لا اراها الا بعد تركها والعودة اليها لتهذيب اللغة او تعديل او اضافة وقد تكون كاملة الخلق والتكوين فانقلها الى ملف النصوص الحديثة لكن بإمكاني ان اشرح هذا النص الذي استئذان احدهم ان يترجمه لاعجابه به. يقول:

"عِنْدَمَا أَسْمَح"

عِنْدَمَا أَسْمَح لكِ "بالتجوال فِي رَأْسِي"

أَرْجُوك لَا تَلَمَّس صَمْتِيّ !

أَخَافُ عَلَيْك مِنْ قَهْرً يُؤْلِمْك

لَا تَلَمَّس مَنْ أَحَبَّ..

أَخَافُ أَنْ يرعدني الْحُنَيْن

أَرْجُوك لَا تَقْتَرِب مِمَّن يَسْكُن الرُّوح..

أَخَافُ أَنْ تزعج سَاكِنَها...

لَا تَقْتَرِبْ مِنَ الْجَسَدِ....

أَخَافُ أَنْ تُكْسَرَ ضِلَع أَدَمْته السِّنِين ولَو تجولت بِالْخَاطِر تَأَمَّل وُرُود افكاري...

وَكَلِمَات خواطري

وَلَو تَبَعْثَرَت بِقَسْوَة أَحْبَابِي..

أَتْرُك مِسَاحَة لأوردة اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ افكاري...

لَا تَنْسَى أَنْ تَمْسَحَ حُزْنًا خَبَّأْتَه مِن السَّاقِي وَأَنْ لَا تُنْسَخُ رَسَائِل احباري...

وَقبل أَن تُودَع الْمَكَان...

اتْرُك السِّرّ بَيْن رَسَائِل اسراري.

إلى هنا وأدركت هدلا الصباح فسكتت عن الكلام المباح واكتفيت انا من طرح الأسئلة بعد بدأت العصافير زقزقتها فرحلت مع تباشير الصباح.

* * *

حاورها: راضي المترفي

 

الصفحة 1 من 5

في المثقف اليوم