حوارات عامة

حوارات عامة

الصحفي الذي جاب كل بحور الصحافة والاعلام مبحرا من دون شراع حظ

عبد الجبار العتابي..

- عشق نرمين المفتي لكنه لم يتعرف عليها يوم مرت بين سرب من الصبايا

- محكمو كرة القدم عندنا اغلبهم يضع ضميره في غرفة نزع الملابس

- صلاح المختار حماني من تقارير تؤدي الى الاعدام، لكنني احمل فضلا للدكتور سلمان

- غير مشهور شاعرا لان الشعر يحتاج علاقات وصداقات وانا لا املكها للاسف

- كان صديقي لكننا اختلفنا بسبب انانيته المفرطة

- جعلت الجريدة محطة للرياضيين والفنانين والصحفيين

- هوار ملا محمد ما كان يستطيع لفظ كلمتين بشكل صحيح

- احيانا يبكيني الغبن واحيانا اتمسك بالصبر

- القطار عالم متحرك فكل شيء يحدث فيه من المغامرات

***

عراقي يحمل طيبة الجنوب لكن جينات دمه مشبعة بطباع طقس العراق الذي نادرا ما يكون معتدلا فالرجل تراه غالبا اما ساخطا ناقما يصب جام غضبه على من حرك (ترمومتر) عصبيته ولا يهم إن كان المغضوب عليه رفيعا او وضيعا او تراه فرحا مسرورا من كل قلبه باد رضاه حتى لو كان مصدر الفرح ابتسامة من شخص أثير او ايماءة من جميلة صادفها ذات يوم او جلس بقربها.. والعتابي صحفي متمكن جدا من أدواته لكنه يفتقد الى أهم شيء في الحياة الا وهو الحظ فالرجل غير محظوظ بالمرة اذا يتعب ويجني الثمرة آخر ويكتب ويزهو غيره بما كتب العتابي وكانه هو من أوحى له ومع كل هذا الغياب للحظ كان للعتابي صبر وتحمل جمل.. نعم يتافف كثيرا لكنه لايشكو لأحد.. عمل في القطارات الصاعدة والنازلة من أجل توفير لقمة العيش وتحمل الأذى والسهر لكن عينه كانت دائما على معشوقته صاحبة الجلالة ولم تسمح له بالاقتراب من عرشها الا بعد ما قدم الكثير من التضحيات.. عمل في الصحافة الرياضية ونجح تماما في التشخيص وإبداء الرأي السليم واستنباط الحلول لكنه فشل في بناء علاقات شخصية مع أولي الأمر في زمن لا تكفي الكفاءة وحدها ولاينجح الا أصحاب العلاقات الرمادية وعمل في دروب الصحافة الأخرى وترك بصمة في كل جانب لكنه كان يعاني من غمط حقه هنا وهناك وتقديم من هو دونه عليه في المسؤوليات.. يراه البعض شتاما ذماما ويراه آخرون موجوعا لايصرخ الا عندما يداس على جرحه.. ربما اكون انصفته في هذه المقدمة او اوجعته.. لماذا لا نمنحه الفرصة ليضحك فرحا او يصرخ متالما ونحن نطرح عليه أسئلتنا بحوار غريب غرابة حظ العتابي الذي لم يعينه ولو لمرة واحدة وخذله حتى وهو ينتظر مرور الفنانة المصرية (نرمين الفقي) عندما كان ينتظرها عند قاعة استقبال فندق الرشيد ذات يوم.. وقبل ان اشرع بحواري معه طلب ان اثبت هذا القول في بداية الحوار والذي يراه هو حقيقة وارى ان هناك اخرين:

(ملاحظة : من دون غرور انا الصحفي الشامل الوحيد في العراق، اكتب في الرياضة والفن والثقافة والسياسة واكتب الاستطلاعات عن الاماكن والمدن فضلا عن كثير غيرها،كما انني شاعر كتبت مئات القصائد لكن الصحافة اخذتني لان باب الرزق.)

* يمنع من تسحب منه اجازة السوق من قيادة سيارة في الشارع.. عن ماذا يمنع من يرقن قيده من الصحفيين؟

* يمنع من استلام المنحة السنوية الحكومية فقط، والا فالصحفي الحقيقي لا يحتاج الى هوية النقابة غير الضرورية له.

*ماهي مشكلتك مع اللون الأصفر؟

* لا مشكلة معه اطلاقا لانني لا اهتم للالوان كثيرا وان كنت شغوفا باللون الابيض لانه لون النقاء ولون الكفن الذي بلا جيوب فضلا عن بياض (الزوراء) و (ريال مدريد).

*عندما يدخل الحكم العراقي الملعب هل يحمل ضميره معه او يتركه في غرفة الملابس؟

* يتباين محكمو كرة القدم عندنا واغلبهم يضع ضميره في غرفة نزع الملابس وينزل الى الساحة لان في قرارته التحيز لاحد الفريقين المتباريين او لفريق اخر من خلال التأثير على منافس له فيفقده بعض النقاط،وهذا حدث كثيرا في دورينا.

* يقال انك في الشعر العمودي تراصف الكلمات مثل (خلفة) بناء ماهر لكن بلا صور شعرية جميلة.. ما قولك؟

* لا اعرف من هذا القائل ولم يسبق لا احد قال لي ذلك،لا اعتقد ان الصور الشعرية تغيب لانها تأتي عفو الخاطر مترادفة مع موضوع القصيدة ومتعاشقة معه، لكنني غير مشهور شاعرا لان الشعر يحتاج علاقات وصداقات وانا لا املكها للاسف.

* متى تشعر بالغبن؟

* عشت عمري كله مغبونا،انسانا وصحفيا وشاعرا، اتعرض للظلم كثيرا،في كل مرحلة من حياتي غبنت وبرز لي ظالمون وحاسدون ومنافسون غير شرفاء، احيانا يبكيني هذا الغبن واحيانا اتمسك بالصبر.

* عاصرت أكثر من رئيس في صحيفة الجمهورية.. من كان فيهم صحفيا حقيقيا وإداريا ناجحا؟

* وجدت في صلاح المختار الفرصة التي منحها لي على الرغم من التقارير التي كتبت ضدي لابعادي عن الجريدة كما انه كان يفضلني على كثيرين من خلال تكليفي بمهمات صحفية استثنائية كما انه حماني من تقارير تؤدي الى الاعدام، لكنني احمل فضلا للدكتور سلمان زيدان ان منحني فرصة التعيين على الملاك الدائم.

* ماذا جنيت من عملك في صحيفة المؤتمر؟

* الكثير والكثير جدا لاسيما انني امتلكت حرية واسعة للنشر واسست فيها ملحقا رياضيا يوميا وملحقا فنيا اسبوعيا، وقد جعلت الجريدة محطة للرياضيين والفنانين والصحفيين،فضلا عن كوني عملت مديرا للتحرير فيها بصلاحيات مالية وادارية وتحريرية،وذلك تحت ظل الراحل الدكتور لؤي البلداوي رئيس التحرير الذي كان يثق بي ثقة مطلقة.

* ماهي قصة الفنانة المصرية (نرمين الفقي)؟

* في العام 2001 جاءت الى العراق مجموعة من الممثلين المصريين من بينهم (القمر) نرمين الفقي التي ما ان سمعت بحضورها حتى هرعت الى فندق الرشيد عسى ان اقابلها أو اراها عيانا ان لم تسنح الفرصة لمحاورتها، وصلت متأخرا الا انني سمعت انهم لم يرجعوا بعد الى الفندق، فانتظرت مع زملاء صحفيين، ولم يمر الا وقت قصير الا وسمعت انهم جاءوا الى الفندق فتربصت بهم محدقا في الوجوه باحثا عن نرمين الفقي بينهم، مروا من امامي جميعهم لكنني لم أرها ولم امتع ناظري بوجهها، فحزنت وأتيت الى صديقي الصحفي الراحل حيدر بن عباس أسره خيبتي بعدم رؤية نرمين، فوجدته يصرخ بي قائلا (مو توها فاتت من يمك!!)،قلت له : شلون وانا مبحلق عيوني وما اخلي واحدة اذا ما اعاينها بتأمل، قال : والله فاتت من جانبك.يبدو انني لم اعرفها، ويبدو انها هنا على غير ما تظهر في التلفزيون، استرجعت صور المصريات اللواتي مررن مني فتوقفت امام من تشبه نرمين ولكن بلا مكياج !.طلبت من حيدر ان يأتي معي لتحديد موعد لمقابلتها لكنه قال لي: ستسافر الليلة.بعد ثلاث سنوات شاهدت لها مسلسل (الليل وآخرو) وخلتني اعيش لحظات استذكار سيئة.

* لو دعاك غانم حميد للانضمام إلى فرقته هل تستجيب؟

* افكر قليلا،غانم تمتد علاقتي به الى اكثر من 25 سنة وكان صديقي لكننا اختلفنا بسبب انانيته المفرطة، ربما تغيرت احواله وقد بلغ عمرا لا يمكن المجازفة فيه كما انني قد اعينه على تخطي اللاضرورات.

* من هو الفنان الذي اتعبك في حوار معه وندمت على هذا الحوار؟

* لم يتعبني فنان فطالما اسيطر على الحوار، كما لم اندم على لقاء اجريته ولكنني تكاسلت في نشر حوار مع الفنان (جعفر السعدي) عام 2001 لانه قال لي انه لا يقرأ حواراته الصحفي،فاشتغل مزاجي السيء وتكاسلت في نشره الى الان،،ولكن اللاعب هوار ملا محمد اتعبني وانا اجري معه اول حوار له حين قدومه الى بغداد ملتحقا بفريق القوة الجوية لانه ما كان يستطيع لفظ كلمتين بشكل صحيح !.

* متى ترتفع عندك مناسيب الملل؟

* في اغلب الاحيان حتى انه صار صديقا مخلصا يزورني متى ما شاء ويجعلني ادور في الفراغات واطلق التأوهات لا سيما في مرحلة التقاعد وكوني اعيش لوحدي ولا انيس لدي غير التلفزيون والحاسوب،لكن الملل يتعاظم في بعض الاحيان ويسبب لي كآبة او دموعا لان الحياة لا تطاق بالملل وليس عندي القدرة المالية لكسره بالسفر او حتى التجوال داخل بغداد.

* صف ليلة من ليل القطارات الطويل؟

* تختلف الليالي،فتارة خالية ومملة ومخيفة وتارة مفعمة بالانس والجمال، ولأن القطار عالم متحرك فكل شيء يحدث فيه من المغامرات، ليل القطار تارة طويل جدا وتارة قصير جدا وهو في الاغلب حافل بالمسرات والمنغصات، وقد دونت كل ذلك في مخطوطة لي اسميتها (من ذكريات القطار).

* ماذا تمثل المرأة في حياتك؟

* كنت اقول في شبابي (المرأة اجمل ما في الوجود) وما زلت مصرا على هذا على الرغم من العناءات التي نلتها منها، المرأة هي حياة الرجل، والرجل بلا امرأة لا حياة له وان كابر البعض،لكن حياتي مع المرأة جانبها التوفيق.

* كيف تختار شتيمتك ومتى توجهها ولمن؟

* ليس من طبعي الشتيمة لانني اراها ديدن الخاسرين والفاشلين، ولكن في بعض المواقف التي اتعصب فيها اقول (لا بوه لا بو فلان)

* أيهما أصعب المواجهة ام الهروب؟

* المواجهة اعظم وان كانت صعبة، وللاسف البيئة التي عشت فيها علمتني على الهروب فخسرت الكثير،احد اخطائي انني لا اواجه واكتفي بالصمت على الرغم من انني اتهيأ بقوة،والسبب في الاهل الذين يحيطونني بكثير من المنوعات !.

* هل كنت جنديا ملتزما او متمردا؟

* كنت جنديا ملتزما،وعشت سنوات الحربين بمعاناة كبيرة،فنحن نعرف قسوة النظام وتحولاته التى تؤدي الى اذى الاهل،ثم لا اخفي كان خدمتي العسكرية كانت وقت الحرب ونظرتنا آنذاك ان الوطن بحاجة الى من يدافع عنه.

* يقال انك تجيد الغناء؟

* لو كنت اجيده لما انتظرت،لكنني اغني،اطلق العنان لحنجرتي لاسيما وانا وحدي في البيت، وكنت في ليالي القطارات اجلس في عتبة بابه واغني ألمي، انا اهوى الغناء وأعده ثقافة جميلة.

* متى كنت محضر خير ومتى تكون مصدر فتنة؟

* لم اكن فتنة وكانت تدخلاتي لرأب الصدع وهناك من يقبل ذلك وهناك من يعده تدخلا في شأن شخصي فاحترم ذلك وانسحب.

* متى يؤلم الضمير المهني للصحفي؟

* امام الظلم الذي يتعرض له الناس وفي تصريحات المسؤولين غير المسؤولة وفي الترويج للسوء والاسفاف ودحض الحقيقة او تغطيتها او حينما لا تجد الانسانية مكانا لها على صفحات الجرائد.

* اذكر ثلاثة مواقف محرجة اثنان مررت بها والثالث لشخص لا ترتاح له؟

* احد امواقف حين كادت الكلاب تأكلني في صباح معسكر الرشيح في العام 1987 لكن معجزة حدثت وانقذتني، والثاني حينما تركني القطار وكنت مسؤوله في المحطة العالمية فلحقته الى السماوة راكبا قطار بضائع او تاكسيات، اما الثالث فلا اتذكر موقف كهذا !.

* ماهو رأيك بالمرأة الشاعرة وهل تثبت او تنفي وجود المراة الشاعرة؟

* من الصعب الجزم بعدم وجود شاعرات جيدات لكنني اظنهن لم يظهرن الى النور،فيما اغلب الظاهرات على الساحة لا يمتلك لقب شاعرات لانهن يكتبن خواطر بسيطة، واعتقد ان من يستحقن اللقب معدودات جدا جدا.

* هل تمارس الخباثة أحيانا وكيف؟

* لا، لانها ليست من شيمي ولم اتعلمها،قد اكون مارستها في سنوات بعيدة للمزاح ليس الا مثلما في الجيش حينما نزعج زميلنا النائم ونوقظه لنقول له (فلان اكعد اكعد لان فلان راد يكعدك وما خليناه) وهكذا.

* صف لي اتحاد كرة قدم عندنا واذكر واحدة من حسناته؟

* الاتحاد يعكس واقع الحياة العراقية حيث الصراعات والخلافات وتفضيل المصالح الشخصية * ومهما يحاول ان يكون على قدر من المقبولية والنجاح لا يستطيع لان التقاطعات تستفحل واغلب الظن ان وراءها احزاب وما شابه، وحسنته الوحيدة هو اقامة الدوري وان كان طويلا ومملا.

* متى ينضج التين؟

* حين اشتهيه !!، فهو يطرق بابي من حيث لا ادري، يجعلني اتفرج عليه واتلمسه بأصابعي وأشمه، لان ما يربطني به ليس الاكل فقط بل الاستمتاع بمنظره حيث هو اجمل الفواكه !.

* ماهو الفرق بين الصحفي والكاتب؟

* فرق كبير وأدواتهما ليست واحدة، فالصحفي يمارس الفنون الصحفية التي تتفاعل مع الواقع ابتداء من الخبر وانتهاء التحقيق الصحفي، مرورا بالحوار والتقرير،فيبحث عن السبق في دهاليز مظلمة،اما الكاتب فهو متابع للاحداث وقاريء لها فيبسط رأيه محللا او كاشفا خفاياها.

* عتاب.. عتبه.. عتيبه هل هي عشائر يجمعها جد واحد او فقط تقارب أسماء؟

* لا افهم كثيرا في تفاصيل العشائر ولا اسعى الى البحث عنها مع اعتزازي بشيوخ وشخوص عشيرتي التي انتمي اليها.

* ماذا يعني لك محسن فرحان؟

* ملحن جميل ملتزم،عرفته عن قرب وعرفت حماسته للالحان المؤثرة مثلما عرفت اسباب احباطه،كان يحاول ان ينشر الفرح ويعطي للشباب دروسا في الحفاظ على الاصالة.

* كم مرة احببت في حياتك؟

* انا في الحب قارب تلاطمه الامواج،لكنه لم ينجح في الوصول الى الضفاف بسلامة، احببت بذلك الحب الذي لا يبقي ولا يذر، فأحترق ولكنني احاول ان اتجدد وانفض عذاباته فأحبط ثانية ومن اسباب ذلك الفقر الذي لا يمنحني الجرأة والقدرة احيانا على البوح واتمام قصة الحب بالنجاح،احببت بصدق وعانيت كثيرا ولم انل سوى السراب والعذاب والاكتئاب ولله الحمد.

* هل لديك رفاق سوء؟

* مررت بالكثير ولكنني في اغلب الاحيان احسم الامر واختم العلاقة بالمقاطعة، كثيرون انكروا معروفي وكثيرون اساءوا لي، ومن المهم انني لا استمر معهم واحتفظ بنتائج التجربة.

* لمن تبيع سرك؟

* للدنيا كلها !!، ليس عندي اسرار عظيمة سوى الضيم الذي يرهق قلبي والظلم الذي يجعلني اصرخ به ليسمعه الاخرون وربما يعتبر من باب (الفضفضة) التي تريح الروح،انا للاسف ما في قلبي على لساني وهذا من الاخطاء التي لم اصححها في حياتي.

* كيف يقضي المتقاعد يومه؟

* ليس كل المتقاعدين سواء،لكنني لاسباب صحية صرت مدمنا على البيت على الرغم من انني كنت اتوق الى التجوال وزيارة اماكن تكتظ بالناس،فيومي متعب وممل لاسيما انني اعيش وحدي تقريبا وكل متطلباتي انا اقوم بها وهذا مزعج للمتقاعد وان كانت في العزلة فوائد كثيرة من اهمها الصمت، الا ان عدم النوم هو احدى المنغصات،انا اتنقل ما بين التلفزيون والحاسبة والمشي في مساحة غير مبنية في البيت.

* هل صحيح انك تنوي الزواج من أرملة متقاعدة لكن تخشى اولادك؟

* اضحكتني يا رجل، بالطبع لا، وتجربة الزواج الثاني الفاشلة جعلتني اكره كلمة الزواج وربما احرض الاخرين على الاختيار المناسب وبدقة.

* اين مضت السنين بحبك الأول؟

* راحت معتقة بالفشل والخيبات ولكن ظلت بقاياه مترسبة في قعر القلب سرعان ما تقفز الى غدد الدمع تفززها مع أي لمحة تمر من الذاكرة.

* هل عملت في الأرشيف؟

* لا، على الرغم من انني مهووس بالارشيف !

* كيف تبدأ حديثك مع النساء؟

* لا ابدأ بالحديث معهن، وانتظر ان يبدأن هن، فأنا لا امتلك الجرأةة ولا الشجاعة في ذلك بل اخشاهن واتوجس خيفة منهن لاني اجهل ردود افعالهن، وهذا متأتي بسبب البيئة التي عشتها التي تحذر من النظر الى بنات الجيران او اداء التحية للقريبات،وكان هذذا واضحا عندما دخلت الجامعة فكنت ارتجف حينما انظر الى زميلة ولا اتحدث معهن الا لماما.

* هل كنت وسيما؟

* بالطبع لا !، فأنا في الطفولة سمين وما بعده شوهني جرح في ذقني، المهم لا اعتقدني وسيما.

* كم حلما تحقق في حياتك؟

* لم احقق الا حلم واحد وهو ان اكون صحفيا وكان ذلك بعد جهد جهيد بذلته، اما الاحلام الاخرى التي تمتد الى الطفولة فكلها باءت بالفشل واحزنتني صعوبة تحقيقها وكان ذلك لاسباب منها الفقر وعدم وجود الجرأة والخوف مما لا ادري.

* لماذا يرعبك صوت الرصاص؟

* لانه يعني القتل، ارتكاب جريمة وموت انسان او كائن حي، ثم ان صوت الرصاص مزعج،مقلق ونشاز ولا يمت الى الانسانية بصلة.

*هل هناك معكر مزاج لم أسالك عنه؟

* كثيرة هي المعكرات للمزاج لا سيما في سنوات الفقر والعوز وقد امضيت حياتي اطلع من معكر وانزل في معكر، طفولة بائسة ومراهقة بائسة وشباب بلا ربيع وركض من اجل لقمة العيش ومحاولات البحث عن الامان وهكذا مضى العمر !

* اخيرا هل بقي لديك شيئا لم تقله؟

* علمتني هذه الحياة العراقية ان الحياة الدنيا فيها مجرد (كلاوات) كما نقول باللهجة الشعبية، وان (الكلاوجي) هو الفائز الوحيد فيها والواقف على كل منصات الفوز،وفي هذا (الكلاوجي) تجتمع الكثير من الصفات كالمكر والخديعة والخيانة والنذالة والحقارة والكذب والمداهنة والنفاق والمجاملة على حساب الحق والباطل والضحك على الذقون والتستر بالدين والمباديء والقيم والاخلاق الحميدة،وهو ابعد ما يكون عن الشرف والالتزام وعنده الغاية تبرر الوسيلة مهما كان ثمنها.

***

حوار: راضي المترفي

محمد القذافي مسعودخاضت الدكتورة بشرى أقليش البحث في عدة قضايا فكرية وفتحت باب الحوار بين شخصيات مختلفة عبر ترأسها لمنتدى تحالف الحضارات وحوار الديانات إلى جانب كتابتها لمجموعة من المقالات بمجلات محكمة حول سؤال التراث والحداثة وسؤال العقل والنقل في الفكر الإسلامي كما انها تعمل أستاذة زائرة بكلية الآداب والعلوم الانسانية .ظهر المهراز- وعضو المنتدى الإجتماعي المغاربي

والمنتدى المغربي للديموقراطية وحقوق الإنسان

ولها عدد من المؤلفات الصادرة

الإسلام السياسي ودولة الخلافة

قيم الحداثة في القرآن الكريم

نقد نظم المعرفة في الثقافة العربية الإسلامية

أجرينا معها هذا الحوار حول عدة قضايا ومواضيع

- الأهم لنا كعرب في بناء مجتمع متقدم الدين أم الأخلاق؟

* نحتاج للإنسان الذي تنادي به الأخلاق والأديان. لأن الإشكال ليس في الدين ولا في أية منظومة أخلاقية، إنما في الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على البشرية باسم هذا المعتقد أو ذاك.نزد على هذا أن مفهوم الأخلاق ذاته عندما نسعى إلى مقاربته، نجد أنه يحضر في كثير من المعاجم والمقاربات بمعنى الدين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية،يطلق أيضا لفظ أخلاق على"جميع الأفعال الصادرة عن النفس محمودة كانت أو مذمومة". لكن عندما ننظر للأخلاق باعتبارها مجموعة قواعد تهذب السلوك، فأكيد أننا نلامس هذا التلاقي أو التكامل بين الدين والأخلاق. لأن الدين إيمان وممارسة وتنظيم للسلوك، ولربما ما يميزه عن الأخلاق كمفهوم وكسلوك، إنه اعتقاد ذو بعد روحي.الذي يطرح لنا سؤال الدين، أننا نتمثل الأديان من خلال المتدينين، وهنا المشكل، المتدين إنسان، قد يصيب، قد يخطئ. سلوكياته، وصراع قوى الخير والشر فيه، أكيد لا علاقة لها بالمنظومة الأخلاقية-الدينية التي ينتمي إليها. لهذا علينا التمييز، وعلينا الإيمان أيضا بالبعد المثالي للقيم الأخلاقية والدينية. وبين هذا البعد المثالي والطبيعة البشرية، هناك جهد الفرد للإرتقاء بذاته نحو الإنسانية بأسمى معانيها.وفي الأخير، لا تعارض بين الدين والقيم الأخلاقية،وإن انطلقنا من مرجعيتنا الدينية مثلا، يقول عليه الصلاة والسلام:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". ثم إن الدين نظام أخلاقي بالدرجة الأولى.4030 بشرى قليش

- "تجاوز ثنائية كفر- إيمان، في حواراتنا مع الآخر " كيف نحقق هذا التجاوز فعليا؟

* تجاوز ثنائية كفر- إيمان، يقتضي منا فهم واستيعاب منطوق النص الديني القرآني، المؤسس لعلاقة المسلم بغيره، وأيضا استيعاب كونية الرسالة المحمدية، وتكاملها مع باقي الديانات السماوية، وأيضا باقي المعتقدات على اعتبار إن الخير واحد. وإن الطبيعة الخيرة في الإنسان لا ولن تتنافى مع القيم النبيلة التي تتوحد عندها كل الأديان والمعتقدات. وبالعودة إلى النص الديني القرآني، فقد أسس بل دافع عن الحق في الإختلاف، والحق في التدين، والحق في اختيار الكفر أو الإيمان. وعلى سبيل المثال لا الحصر:

1-على مستوى التأسيس لثقافة/سنة الإختلاف: يقول عز وجل(ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)."الروم،الآية:22.

(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)."هود،الآية:118.

الإختلاف إذن، إرادة الله في الكون.

2-على مستوى الحرية الدينية: يقول عز وجل: (لا إكراه في الدين) "البقرة، الاية :256".

وأيضا (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون)."المائدة،الاية:105.

الدين إذن براء من كل أشكال الوصاية الدينية التي تعتبر إيديولوجية الإسلام السياسي، ومبررا لثنائية كفر-إيمان. ولئن كانت حرية الإنسان قيمة من أبرز القيم العليا، فإنها أيضا مقصدا من أهم مقاصد الشريعة.

3-على مستوى سنة الإيمان والكفر:

يقول عز وجل: (ولوشاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)." يونس، الآية:99".

لقد كفلت الشريعة الإسلامية حرية المعتقد للأفراد،وماكان لأحد أن يصادر هذا الحق حتى وإن كان باسم الله. لهذا فثنائية كفر- إيمان، فيها تحد صريح للإرادة الإلهية:(وقل الحق من ربكم فمن شاء فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)" الكهف:29". من هنا فلا مجال لفتح الباب أمام ذهنية التكفير التي تهدد أركان التعايش السلمي بين أتباع مختلف الديانات والمعتقدات. هناك أيضا من يختزل مفهوم الإيمان في مرجعيته الدينية، في حين إن الإيمان سيرورة وجود، وجدلية كفر- إيمان، أيضا جدلية وجود. لكن الخطير أن نقطع مع إنسانيتك، وترى في نفسك الإيمان وترى في الآخر الكفر.

- أين تكمن المشكلة في عدم ايصال مفهوم الاسلام الحقيقي إلى العالم الاخر أو الآخر المختلف؟

* أولا، هي أزمة أفهام. كل يسلك وفق فهمه وقناعاته، ويصرف هذه القناعات على ّإنها حقائق مطلقة.ثانيا، سأعود للفكرة السابقة، وهي اختزال الدين في السلوكيات الفردية أو حتى الجماعية. في حين الدين عموما، منظومة قيمية - أخلاقية - مثالية، موجهة للفرد ولتهذيب السلوك الفردي. الفرد هنا تتنازعه قوى الخير والشر، يقول عز وجل: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها). وبعيدا عن التأصيل الديني للذات البشرية، الطبيعة الإنسانية غير متعالية عن الأنانية، وإيثار المصلحة الخاصة وحب التملك، إلى جانب الميل أيضا إلى الخير، ومن ثمة فالسلوك البشري يبقى بشريا، في حين الدين كقيم ومبادئ وقواعد ،يبقى دينا. لهذا كي تقترب من دين ما باشره كنصوص كمبادئ مسطرة...،وانظر للمتدين وفق طبيعته البشرية حيث الصواب والخطأ.

هناك أيضا منطق الوصاية، الذي يحول دون حوار إنساني بناء يقربنا ويقرب منظومتنا الدينية من الآخر. الشيء الذي يتنافى وجوهر الدين الإسلامي، القائم على الحوار والكلمة الطيبة والإيمان بحق الآخر في التواجد والعيش وفق ما يراه هو مناسبا.

أيضا غياب فقه الواقع، جعل من الشخصية المسلمة شخصية فصامية - إن جاز القول- عاجزة عن محاورة احتياجاتها الدنيوية والروحية. ما يجعل السلوك منافيا للمبدأ الديني.

لهذا نحتاج فقها يصل الواقعي بالمثالي، ويصل المبادئ الدينية بالحياة العامة المليئة بالمتناقضات والتي جعلت أغلب المسلمين مسلمين بالإنتماء فقط، أو كما نقول دوما تعبد العادة الذي لا يفتح المجال لمراجعة سلوكياتنا وقناعاتنا.

” فإنه ليس من الحداثة أن نظل حبيسي تراث مليء بالتناقضات لدرجة أننا أصبحنا بحاجة لآليات ومناهج خاصة ، لفهم هذا الكم من الاجتهادات والمعارف الدينية التي ورثناها عمن ادعوا قدرتهم على فك شفرات الخطاب الرباني ، ليظل السؤال ماذا بعد الماضي؟" ورد هذا في كتابك هل استطعت ان تضع يدك على موضع الألم بالكامل وبالتالي وصف علاج له؟

طرحت إشكالية التراث في الفكر العربي المعاصر بقوة، ليطرح معها أكثر من سؤال، خاصة وأن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الأمة العربية - الإسلامية، هو في مدى قدرتها على استشراف المستقبل والصمود أمام سيل العولمة الجارف. لهذا حضرت إشكالية التراث بقوة لتحضر معها حقيقة عجز الفكر العربي عن التحرر من قيود الماضي ومعطياته المتناقضة في كثير من الأحيان. إشكالية التراث إنه ارتبط بما هو ديني، ليحضى بقدسية حالت دون إخضاعه للمساءلة .قدس التراث- خاصة الديني- وقدست معه كل الأحداث والمعطيات التاريخية، التي جعلت المسلمين عاجزين عن استثمار الإنتاجات الفكرية-الدينية الماضية لأجل خلق واقع مرضي والتطلع إلى مستقبل زاهر، قادر على منحنا حضورا حضاريا قويا. من هنا تاهت الرؤى الفكرية بين الخجل أحيانا وعدم الجرأة على المقدس أحايين أخرى. لأن ما ميز الثقافة العربية الإسلامية، كما أشار إلى ذلك المفكر المغربي محمد عابد الجابري، أنها ثقافة دين، ومن ثم فأي حراك فكري/ معرفي، لم يتجاوز النص القرآني، وهذا ما حل دون الوقوف من التراث مواقف ناقدة بناءة تنتشل المعطيات الدينية من الجمود، وتتجه نحو خلق فضاء للتحرك الإيجابي بالديني ومعه. لهذا وحسب فهمي نحتاج للفصل بين قدسية الدين وما أنتج وفق مرجعية دينية كي يتسنى لنا تشخيص مآزقنا المعرفية والوجودية أيضا. لتحرير فكرنا ولرؤية مزالقنا الحضارية بعيدا عن المقاربات الوجدانية ونظريات المؤامرة. لهذا أنا مع طرح المفكر المغربي عبد الله العروي، القائل بضرورة تجاوز تراثنا الفكري،لأن علامات التأخر يقول عبد الله العروي، هي"تخلف الوعي عن الواقع".4032

- النخب العربية وبنية تفكيرها ومهامها ومشكلاتها وجهت لها الكثير من الانتقادات حول عدم توجهها إلى أكثر التحديات الحضارية والسياسية الكبرى التي نواجهها كيف ترين اداء النخب العربية؟

* بداية النقد ظاهرة معرفية صحية، لأنها دليل تفاعل النخب العالمة مع ما ينتج، ودليل رغبة أيضا في المضي قدما لأجل وجود حضاري لائق. لا أراني مؤهلة لتقييم أداء النخب العربية، فأنا لازلت أتلمس الطريق، وهذه النخب فتحت لنا أفق التفكير في وضعياتنا الفكرية والمعرفية الشائكة. يعود لها الفضل أيضا في رصد مواطن الداء. ولئن أخفقت حسب بعض الآراء في مقاربة التحديات الحضارية التي نواجهها، فأعتقد أنه يكفيها شرفا أنها حاولت.

في المقابل لي أن أقول أن النقد ونقد النقد استنزفنا أو استنزف القوى المفكرة. في حين المطلوب الاستمرارية لأجل التقدم على مستوى رصد المشاكل وأيضا على مستوى تقديم أطاريح ورؤى جديدة.

- دراسات كثيرة تنشر عن " عوائق التقدم الحضاري " وتحتل مجموعة من الموضوعات الاهتمام الاكبر في هذه الدراسات ( الاصلاح الديني / الاستشراف / الانتلجنسيا ) بينما تغيب قضايا أخرى قد تبدو اهم في هذه المرحلة ومراحل قبلها كباحثة ومتخصصة كيف تنظرين لهذا الامر؟

* في الحقيقة لدينا أزمة"المثقف الشمولي"،القادر على رصد التجديد والتأطير لثورة علمية في الآن ذاته. في المقابل لدينا المفكر والمثقف المتخصص-إن جاز القول- ولأن الحضارة المتفوقة اليوم هي النموذج، فالثورة العلمية مطلب حضاري لا يستقيم التنظير لنهضة حضارية أو جهد نرتقي به إلى عوالم التقدم والتطور خارج دوائر العلوم الحقة. وهذا ما جعل من الغرب غربا؛ أن التنوير والتحديث اقترنا بالثورة العلمية وبتطور مناهج العلوم، وبظهور علوم جديدة :"العلوم الإنسانية". ثم إن سيرورة البناء العلمي لازالت مستمرة لدى الغرب، في حين نعاني نحن أزمة علوم حقة. اللهم بعض الإشعاعات الفردية المرتبطة بتفوق بين الفينة والأخرى في بعض المجالات الاقتصادية والعلمية.

- اهتمام بعض الباحثين / الباحثات بموضوع الجندر ومحاولة طرحه كقضية أساسية في المجتمع العربي كيف ترينه أنت؟

* سؤال النوع الإجتماعي، سؤال ملح أمام ما نراه من تمييز على أساس النوع، بالرغم من كل الجهود المبذولة لأجل الرقي بوضعية المرأة وتجاوز التمثلات السلبية التي تستثني بعدها الإنساني. وإن كنا نطمح إلى إزدهار حضاري، فالأمر لن يستقيم ونحن لا نؤمن بقدرات المرأة وأهليتها للتسيير والتدبير. فوضع المرأة بماضيه وحاضره هو حلقات متواصلة من العنف والإيذاء، ما يدفعنا في كل مرة إلى الدعوة إلى ضرورة مراجعة ونقد كل ما أنتجته البشرية من أفكار وقيم وعادات وتقاليد تهم المرأة، خاصة وأن تمثلات الناس للمرأة ولقدراتها تستند في الغالب إلى ما حمله التراث الإنساني من أفكار ضدها. وعندما نقول التراث الإنساني فإننا نضمن ما هو فلسفي وما هو ديني وما هو سياسي، إلى ما غير ذلك. لقد اختزل التراث الإنساني المرأة في الغواية والشر، فهي أخرجت آدم من الجنة، وهي التي تسببت في حضور ثقافة القتل في العالم، على اعتبار أن أول جريمة في تاريخ الإنسانية ارتكبت لأجلها...وغيرها من التهم والصفات التي أسست للأوضاع المهينة التي مست المرأة.لقد استنكرت المجتمعات قدرات المرأة، وغض التاريخ الطرف عن كل النساء اللائي استطعن فرض هيمنتهن فكريا وسياسيا، بل في كل المجالات، في جحود تام لجهودها، بل وإنكار لإنسانيتها. بل هذا الجحود كان المشترك بين الإنتاجات الفلسفية الكلاسيكية وبعض الاجتهادات الفقهية الضيقة. استطاع الغرب في إطار إعادة بناء الذات، تجاوز مجموعة من التمثلات والأفكار.في المقابل مازالت المفاضلة على أساس النوع تحكم معاملاتنا. لهذا سؤال النوع الإجتماعي سيظل قائما إلى أن تعامل المرأة كإنسان.ولئن ارتبطت فلسفة حقوق الإنسان بتطور مبادئ وقيم الديمقراطية والعدالة والتسامح، فإنها اكتست طابع العالمية والشمولية لأنها دافعت عن كرامة الإنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أو ديانته أو عرقه أو مكانته الاجتماعية والاقتصادية.

- الخطاب الديني المطروح في الاعلام والمنابر الدينية ولنأخذ المغرب نموذجا هل يتناسب مع الواقع وعقلية المتلقي العادي أم أنه يحتاج إلى اعادة نظر؟

* الحديث عن الخطاب الديني المطروح في الإعلام والمنابر الدينية بصفة عامة، لي أن أقول إن"بعضها"، يحتاج إلى مراجعة. أما إذا وقفنا عند التجربة المغربية، فكما هو معلوم، تبقى تجربة رائدة. فخطاب التكفير مثلا، لن تجد، ثنائية كفر- إيمان، وغيرها من عوائق التعايش والحوار مع الآخر. والفضل في ذلك يعود إلى الثوابت الدينية للملكة التي ساهمت في التأسيس لهوية دينية تمثل الإسلام الحقيقي بمبادئه السمحة. وكما تعلمون تستند هويتنا الدينية على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، وتصوف الجنيد. وهذا ما جعل الشخصية المغربية بحمولتها الدينية منسجمة مع الواقع. نزد على هذا كله الإصلاحات المهمة التي نهجها المغرب برعاية أمير المؤمنين "الملك محمد السادس"، خاصة بعد تدفق الفكر المتطرف، وأحداث"16 ماي"، وهو فكر دخيل على الثقافة والشعب المغربيين. حيث ستعتمد المملكة مجموعة مشاريع أبرزها سيرتبط بالعالم الرقمي، ولنا أن نقف عند جهود الرابطة المحمدية، التي عمدت إلى إطلاق برامج رقمية لأجل حماية كل فئات المجتمع وخاصة الأطفال والشباب من خطر التطرف، خاصة في العالم الرقمي.

هي إذن خصوصية التدين المغربي، والجهود المبذولة جعلت من المغرب نموذجا يحتدى به، بل جعلته في منأى عن الصراعات الدينية الضيقة.

- بعيدا عن النخب في رأيك كيف يمكننا الوصول إلى العامة من الناس ونجعلهم يشاركون في حوار هم طرف أساسي فيه؟

* عندما يرتبط الأمر بالخطاب الديني، أعتقد إنه بالإمكان وصل الوجداني بالمعرفي لدى الناس، متى اخترنا لغة سهلة قادرة على خلق التواصل المنشود مع الآخر بغض النظر عن إمكاناته المعرفية. وهذه وظيفة المفكر عموما الذي يسعى إلى التغيير. لكن نحتاج أيضا بالموازاة لهذا الجهد غير اليسير، أن نعمل على الرقي بالمستوى المعرفي للجميع، عبر، محو الأمية، الانخراط إلى جانب المؤسسات في عمليات التوعية والمبادرات التطوعية سواء بتنظيم لقاءات خارج ما هو أكاديمي لأجل مد جسور التواصل مع الجميع وكسر الصورة النمطية للمثقف والمفكر النخبوي. ففي نهاية الأمر الفكر-أي فكر-يعكس هواجس المجتمعات بكل فئاتها، بل ويرصد مكامن الخلل لأجل بناء الفرد ومن ثمة بناء المجتمع.

فيما هو عام، يعني كمعارف عامة، بل وحتى أكاديمية أعتقد أن التكنولوجيا اليوم ساعدت في إخراج المعرفة من النخبوية. المعلومة تصل بأكثر من طريقة. نحتاج فقط آليات ضبط وتنقيح ومراقبة، وإبداع طرق جديدة لتبسيط المعلومة وجعلها في متناول الجميع. علنا نتجاوز أزمة استغلال الأمية خاصة في إنتاج خطابات العنف والكراهية والتطرف الديني.

***

حاورها: محمد القذافي مسعود . كاتب وصحفي مستقل من ليبيا

- تحسين كرمياني: لم تكن جلولاء مدينة عابرة كبقية المدن، بل هي مدينة مفصل حيوي في سفر التأريخ

- تحسين كرمياني: كلماتي نبض ضميري، القصة كوخي، والرواية حديقتي، والمسرحية أرجوحة قيلولتي، والشعر قيثارتي

تحسين كرمياني قاص وروائي ومسرحي ومقالي، عراقي من مواليد مدينة جلولاء 1959، ومن ابرز الكتاب الكرد الذين يكتبون باللغة العربية ويحتلون مكانة بارزة بين الأدباء العراقيين والعرب المعاصرين، بدأ مشواره كاتبا وقاصاً تميز بلغة عربية وسطى ذات حس شعري تنضح عذوبة، وسلاسة، قبل أن يلج فضاء التأليف المسرحي ويطرح فيها فلسفته الخاصة في محاربة الظلم والدكتاتورية في كل حين، بأسلوب يقترب من الأسلوب الواقعي ومن البناء الأرسطي التقليدي شكلا لبناء مسرحياته درامياً، ثم وجد من الرواية المساحة الأوسع للتعبير وإيصال الأفكار حتى باتت هويته الإبداعية.

تفجرت غزارة الكرمياني الإنتاجية بعد تغير النظام السياسي 2003،ولايزال يتمتع بتدفق الكتابة بشكل لافت. أغنى المكتبة العربية بخمسة مجاميع قصصية ومثلها كتب مسرحية بالإضافة إلى ثمانية روايات، وكتابين جمع فيها مقالاته المتنوعة. نالت منجزاته السردية اهتماماً نقدياً متميزاً بدراستها في اكثر من عشرة رسائل واطاريح داخل العراق والأردن وتركيا وأمريكا، بالإضافة إلى كتابين نقدين مهمين (مغامرة الكتابة) للدكتور محمد ناصر عبيد إذ حوت على 22 دراسة أكاديمية عن مجمل أعماله القصصية والروائية والمسرحية والمقالية، و(روايات تحسين كرمياني من غواية الكتابة إلى تجليات المنهج) وضمت 15 دراسة أكاديمية من تقديم ومشاركة الدكتور سامان جليل إبراهيم.

حصد الكرمياني جوائز عديدة ابرزها جائزة الإبداع عن المجموعة القصصية ثغرها على منديل ضمن مسابقة ناجي نعمان الثقافية الدورة الخامسة 2007لبنان، والمرتبة الأولى عن قصة مزرعة الرؤوس في مسابقة مركز النور 2008 السويد، علاوة إلى المرتبة الثانية عن رواية أولاد اليهودية جائزة نجيب محفوظ للقصة والرواية 2010 مصر.3957 تحسين كرمياني

الحوار

أرجو أن نبدأ حوارنا بنبذة عن حياتك ونشأتك، ومتى ادركت أول مرة أنك ترغب في أن تصبح أديبا؟

- لا أعتقد أن هناك اختلافاً متبايناً ما بين حياتي وحياة الآخرين، كلنا نولد أحراراً قبل أن نكتشف، بعد مسافة زمنية قليلة من العمر، أننا محاصرون داخل سجون مغلقة ومتنوعة، اقساها سجن العوز، الفقر، الحرمان، مضافاً إليها سجن الظروف السياسية، كونها السجن المركزي العام، فهو سجن من يحدد مسارات أحلامنا، قامعتها تماماً إلّا فيما ندر، لذلك نضطر اللجوء إلى وسائل المراوغة في الحياة، تصل ويا للأسف إلى فاصل التحايل والنفاق لنتجنب مخالب هذا السجن الأزلي والمرور بأمان إلى ضفة الحياة. ولدت متخماً بأحلام أجهلها، فعقل الطفل ما يزال ورقة لم تتهيأ لاستقبال ألف باء الحياة، كنت ألهو كما يلهو الأطفال، قبل أن أجد أن هناك شيئاً ما، مجهول الكنه، لكنه جاذب وجميل، في الرأس يسلبني معظم وقتي، التفكير وسط متاهات بلا نهاية، قبل أن أجد سجن الكتاب هو المنقذ من هذا الشرود المتواصل، كانت القراءة الخلدونية وكتاب النصوص والمطالعة وبعض الكراريس العسكرية والتي تتحدث عن المسدسات والبنادق وجدتها في حقيبة والدي كونه كان عسكرياً. في تلك اللحظة بدأت أرسم مع وجود ممانعة من السيد الوالد، كوني كنت بكر البيت، وأراد أن أهتم بدروسي وكنت متفوقاً فيها، تأخر ذلك حتى مرحلة المراهقة وجدت الخواطر العمودية ملاذ سالك لأكون شاعراً.

* كيف صنع كرمياني من شخصيات واقعية أو متخيلة وجوانب مهمشة أو مقصيّة، من أحداث بلدة جلولاء الصغيرة جغرافياً نموذج لأدب عام وإيصاله إلى حدٍ بعيد؟

- من وجهة نظري، الأدب هو الحياة، الحياة المنشودة، حياة الجمال والسلام، لم تكن جلولاء مدينة عابرة كبقية المدن، بل هي مدينة مفصل حيوي في سفر التأريخ، على أرضها طوى التأريخ صفحة مُظلمة لعبدة النار، وفتح صفحة ناصعة لحملة مشعل النور، على أديمها جرت واقعة جلولاء الشهيرة، فانتقلت المدينة من صفحة النسيان إلى صفحة الخلود، علينا أن ندرك، أن مثل هذه المدن تخزن في أرضها كنوز تتشرب إلى المواليد، جلولاء مدينة أدب وأدباء، مدينة شاكر نوري وجلال زنكابادي وسعد محمد رحيم وصلاح زنكنه وعدنان حسين وجمال نوري وروناك آزاد ورحمن وردة وعادل أصغر وحميد شكر وعامر العلي ومحاورك وووو. ألخ. أينما أحط موطئ قدمي، ثمة صرخة، أو فرحة، أو ومضة فكرة، تدفعني نحو طاولة الكتابة، في جلولاء شخصيات تبحث عن مؤلفين، ناجي وغبين ويحيى وخالد دلي وعدولي الذي بات يشغلني طويلاً لاحتوائه في عمل روائي بعد مقتله في أيّام سقوط البلدة، وووو. هؤلاء هم من يوصلون الفكرة والكلمات إلى مديات أوسع وأنأى لو تم التعامل معهم أدبياً، احاول ذلك لكن الوقت وطبيعة عملي حواجز مانعة مهادمة لكل فكرة وامضة ما تزال في ذاكرتي، رغم مساحة جلولاء وعشوائيتها لكنها كبيرة جداً في التاريخ، كبيرة بطبيعة كنوزها الشبابية وباتت حديقة تفريخ للأدباء عبر الأجيال، وهذا ناجم عن كونها مدينة لقاء، كانت مأوى لالتقاء القاطرات، محطة توزيع ما بين العاصمة بغداد وكركوك النفطية وخانقين النفطية أيضاً، وكانت موقعاً عسكرياً مهماً، كونها مدينة تربط الوسط بالشمال، لذلك وجدت منح شخصياتها على قدر أحلامها المقموعة لا على قدر هياكلها الخارجية.

* هل التعدد والتنوع الكلامي في الخطاب اليومي لسكان جلولاء من تأثير على لغتك ولغة كتاباتك الأدبية؟ وهل تدين للغة العربية في تنمية مهاراتك الأدبية؟

- من وجهة نظري البيئة هي من تحدد خطاب الأديب، هي من تصنعه وتمده بمواده المعرفية والثقافية، تنوع اللغات تمنح فرص أوسع للتحرك، ومساحات واسعة للكتابة، كون الاختلاط العرقي يوفر تنوعاً في الثقافات مما تمنح الأديب فرص أكبر للتعامل مع شخصيات متنوعة الأحلام وطبيعة العيش والإرث الثقافي والتقاليد، بكل تأكيد جلولاء ما تزال تمنحني أسرارها القديمة والحديثة، ولا أنكر أن اللغة العربية، كونها كانت لغة العيش والدراسة والقراءة، هي من صنعتني كاتباً، وسبق أن ذكرت مرة، أنا أكتب بثقافتين، وهذا ما يوفر لي مساحات غير منتهية من التنوع في ألوان الكتابة.

* تميزت نصوصك باستحضار مفردات منحوتة، هل هي وسيلة لتنمية اللغة وتجديد أساليبها في التعبير والبيان أم وجه من أوجه التفكه؟ وماهي دلالات مفردة جلبلاء؟

- عندما نكتب، هناك سلطة تتحكم بنا، سلطة الخيال، هي من تملي علينا، أشعر أنني كاتب عدل، عندما أكتب، هناك شخصية تقود مسار الكتابة، هذه الشخصية هي الخيال، نريد شيئاً، نعد أوراقنا، لكن أوان الكتابة تتغير الأمور، دائماً أجد شخصياتي تتمرد علي، أو بالأحرى على سلطة الخيال، لذلك أمنحها سلطة التحرر إلى حدٍ ما، أحدد واجباتها قبل أن تسدر في تهورها وتقودني نحو مزالق الواقع، المفردات تنهال أوان الكتابة، ربما يجدها البعض نوع من التغريدات الفائضة، أو قرع طبول، لكن شخصياً أجدها أملاح أو توابل، أو ضربات موسيقا لمنح المتلقي فرصة التزود بالوقود ومواصلة مساره نحو الخاتمة. وجدت من خلال الكتابة أن أصنع مدينتي الروائية، كانت وصفة جلبلاء هي التي فرضت أحقيتها، لم أفكر بمكنونها الداخلي، ربما جل البلاء هي من توحي للمتلقي سرها، وأرجو أن يغادرنا البلاء إلى أبد الآبدين، وافقت خيالي من غير مجادلة على فرضه، ومضت تتعاطف معي وأتعاطف معها، بعيداً عن تفسيرها المنطقي. فهي مدينة رواية محض، وإن كانت أحشاءها هي أحشاء مدينة طفولتي وشخصياتها واقع حال.

* هل قلت في الشعر والقصة والمسرحية كل ما تريد أن تقوله، قبل أن تكون الرواية هويتك الإبداعية، ولماذا الرواية تحديدا على حساب الأجناس الأخرى؟

- كلماتي نبض ضميري، القصة كوخي، والرواية حديقتي، والمسرحية أرجوحة قيلولتي، والشعر قيثارتي. من هذه المنازل الفكرية تنطلق حمم أفكاري وتدفعني أن أحرث أديم الورق بما تمطرني غيوم ذاكرتي من شآبيب الرؤى وحالوب الجمال. كان الشعر نبض المراهقة ودغدغات عاطفية لقلب يبحث عن مأوى، وكانت القصة القصيرة بيتاً صغيراً يسع أحلامي الصغيرة، أشبه بكوخ في حقل زراعي، فيه يجد الفلّاح المأوى من شمس الأصياف وأمطار الغيوم، وجدت في هذا الكوخ ملعبي ومسراتي، لكن هذا الكوخ وجدته لا يستوعب الغلال، بعدما زادت مساحة الحقول الزراعية وتنوعت الغلال، اكتشفت بيتاً أوسع فيه مخازن مفتوحة، أنه بيت الرواية، وكنت بحاجة إلى قيلولات المحارب لنيل الاستراحة، والتقاط النفس، كنت بحاجة إلى صنوي، أو أناي كي نتجاذب في محاورات لدحر الضجر وتقويم مسارات الحياة، تلك المحاورات منتجعات استجمام، أعني مسرحيات منحتني طاقة استثنائية في قوّة الحوار. يمكن التحسس بالنفس السردي المؤهل للرواية داخل معظم قصصي، من خلال أطوالها وتنوع طبيعة سردها، محاولتي الأولى في المسرح ما تزال نائمة ضمن ملفاتي المؤجلة، قبل أن أجد حماسة منقطع النظير في كتابة مسرحياتي الثمان، تركيزي على الرواية جاء كونها ديوان الزمن، وجدتها مجالس سمر للتأويل وقول كل ما يمكن قوله، الرواية صناعة حياة ممكنة ومحتملة، صناعة وطن وابتكار شخصيات تمارس حياتها كما يقترح الخيال. مهما كتبنا سيبقى الأهم مخزوناً في عقولنا وتلك هي أحابيل السرد وسر أسرار الأدب، نيكوس كازانتزاكس، لحظة احتضاره، قال لزوجته: أحتاج إلى عشر سنوات أخرى لأقول كل ما عندي! ليست المسألة تدرج وظيفي، أن يغدو القاص روائياً، موباسان أعظم قاص فرنسي فشل أن يكون روائياً رغم أنه كتب ست منها، وأليس مونرو الحائزة على جائزة نوبل حديثاً كقاصة بارعة كتبت روايات فاشلة، الرواية فطرة وموهبة وليست صناعة وتسلق مراتب، بعد حفنة خواطر طفولية ورسومات واقعية، تولعت فيَّ نزعة المغامرة للسباحة في المحيطات، ولعدم وجود خزين ثقافي، أو تجارب حياتية ملهمة، انتهت سباحتي البكر عند مسافة معينة بعد جرف النهر أو ساحل البحر بأمتار. في الرواية بوسعنا أن نوسع رقعة الحرب ضد اللانظام، ضد الرتابة، ضد القهر العالمي، ضد الجوع والتهميش والإقصاء والحروب المفبركة، يمكننا أن نمنح شخصيّات منسية مكانتها التاريخية، كونها تمتلك مساحة مفتوحة للتعبير وإيصال الأفكار. ولن أكتب ما لم أجد الكلمة أو الجملة أو المشهد يخسرني دموعي، أو يزيد من نبضات قلبي، أو يثير غضبي، وهذا سر اندفاعي نحوها بجنون أن جاز التعبير.

* أشار الناقد السوري الدكتور عبدالله أبو هيف بأنك قاص تكتب للقارئ على نحو مقصدي واضح؛ فأي قارئ تضعه قيد الاعتبار أثناء كتاباتك، وهل تكتب بقصدية مسبقة أو لأهداف معينة؟

- الكتابة غاية، رغم توفر عناصر التسلية، التسلية غايتها منح المتلقي فرص أكثر وأوفر للتعاطف والترويح عن النفس، من خلال تشخيصك، أقول؛ نعم، الكتابة عندي قصدية، إشهار الخراب، محاربة الظلم، وكل ما يعرقل حياة ويحدد حريات الناس، غالباً ما أضع نصب عيني، تنبيه المتلقي بمواطن الإخفاق والاحتراس، قد تجد الفضاء القصصي والروائي، غير المدروس جيداً في الدراسات الأكاديمية لدينا، الومض الفاعل في مجمل ما أكتب، أشار الدكتور أبو الهيف، وهو ناقد سوري كبير، إلى مفصل ما أكتب من قصص في كتاب (مغامرة الكتابة). لابد من قصدية وراء الكتابة، فالكتابة ليست نزف مشاعر شخصانية وكوابيس، بل غاية، لبيان الخبء المهمش والمقصي، لتجريد الحياة من ملابساتها وغموضها وغبار السياسة

* هل كان استخدامك الشخصيات بأسمائها الحقيقية في مسرحية " من أجل صورة زفاف" أو في البعض من قصصك ورواياتك اعتزازا بتلك الأسماء، أم كعنصر جذب ومتطلبات استراتيجية تعني ببناء النص وتركيب شخصياته؟

- من وجهة نظري، كل إنسان رواية، طالما يبدأ من نقطة ويتوسع قبل أن ينتهي في نقطة، يبقى الخيال هو من يلتقط محددات الشخصيات ويعلن إن كانت مؤهلة أن تكون ورقية، كونها تحمل أحلاماً أكبر من الواقع، ولديها القدرة على المغامرة، في مسرحية’’ من أجل صورة زفاف‘‘، تلك الشخصيات عايشتها عن قرب، هضمت أحلامهم، فتشكلت لدي الفكرة بعد حصول التغير في البلاد، ولدت من لحظة خلق فوضى أمام أستوديو تصوير، كان يعمل فيه المسرحي الناقد صباح الأنباري، وكنت أجده كما فرض خيالي الشخصية المؤهلة لقيادة السفينة، كتبتني المسرحية قبل أن أكتبها، طلب مني الراحل محي الدين زنكنه بعدم ذكر الأسماء واللجوء إلى أرقام أو ترميزات، بعد نشرها الأوّل، أعدت الأسماء الصريحة لها. كذلك في الروايات والقصص، وجدت تلك الأسماء هي علامات فارقة في الحياة والبلدة، كانوا يستحقون تحويلهم من شخصيات الحياة الزائلة إلى شخصيات ورقية باقية.3958 تحسين كرمياني

* وماذا عن دخولك كشخصية محورية في رواية "حكايتي مع رأس مقطوع" و"بعل الغجرية"، أهي تقنية سردية أم شيء من السيرة الذاتية؟

- أوان الكتابة، تندفع الذاكرة نحو الانجراف والابتكار، قد تكون تقنية غير شائعة في السرد العالمي، إلا في ما ندر، هي مزاج سردي، قد تكون كما يذهب النقّاد سير ذاتية، وقد تكون لعبة ماكرة لخلط الأوراق، دخولي كشخصية في الروايتين، في حكايتي مع رأس مقطوع شخصية حيوية دليل على وقوفي ضد قوى الشر والظلام لتعكير صفو الحياة، أمّا في بعل الغجرية، كان دخولاً حلمياً، للتذكر أو لشعوري بالتهميش المجتمعي، وربما هناك تفاسير أخرى لا أجد القدرة على وصفها، كانت حالات هذيانية محض.

* وألا تعتقد أن المزج بين الواقعية السير الذاتية التي تعتمد على أليات تعبيرية بسيطة، والعجائبية التي تبتعد كثيرا عن من فضاء الواقع السردي السير ذاتي وتعتمد على أليات تعبيرية معقدة بعض الشيء؛ مغامرة سردية ؟

- كتابة الرواية هي مغامرة بحد ذاتها، وإن كانت تحمل في متنها مقاصد واضحة أو مُرمزة، بعد التحولات المتواصلة في طبيعة الرواية العالمية، ووصولها إلى الميتافكشن، نجدها أصبحت حاوية معلوماتية، تداخل الأجناس الأدبية والتلاعب بالتاريخ والأمكنة والشخصيّات، تحولت الرواية من منهجيتها العلمية الأدبية إلى سلعة تجارية جرّاء تهافت الذاكرة البشرية وتماهي الأذواق، تسارع الزمن والتطور التكنلوجي وظفت العقل لصالح الظاهراتية، لصالح كل ما هو سريع، جاذب ومنزاح، تعجبني العجائبية والغرائبية كمفهومين سرديين، وأعمل عليهما مع هيمنة الدستوبيا، الخراب الذي أطاح بأحلامنا وغيّر مفاهيم الحياة من الجد إلى المكر والخديعة، على أديم البسيطة. فمهما كتبنا عن الآخرين لابد من الذات تطرح نفسها، وحيواتنا تندس في غفلة أو بدراية في كتاباتنا.

* تكثيف الرؤية من خلال البناء المشهدي، والأنماط الحوارية تسهم بشكل لافت في رفد الفضاء السردي لمنجزاتك القصصية والروائية بالكثير من الدراما، هل هي نزعة درامية أم قصدية تجريبية لتداخل الأجناس؟

- وما قيمة الرواية أو القصة إن لكم تكن دراما، سواء القصة أو الرواية، كما أسلفنا، حيوات نابضة بالفعل الحياتي، الشخصيّات الورقية هي شخصياتنا المقموعة، على الورق تمتلك الشجاعة الباسلة للتعبير عمّا تجيش في صدورنا وعمّا يجول في رؤوسنا من طروحات فكرية وأحلام، الحوار هي فاكهة السرد، هي من تنهض ذات المتلقي لينفعل ويتفاعل ويغدو كائناً ضمنياً لا عابراً، الحوار هو من يمنح النص الأدبي دراميته ويوضح الكثير من ملابساته، لا ينبغي ترك الشخصيّات خرساء والاكتفاء بالتعبير من قبل الراوي حول ما يسكنهم وما يتطلعون إليه، لابد من منحهم فرص التعبير عن أنفسهم وأحلامهم.

* حفلت منجاتك السردية بخمسة كتب مسرحية، شكلت حروب عقدي الثمانينات والتسعينيات وصولا للاحتلال الأمريكي ابرز مرجعياتها الفكرية والفنية هل لك أن تضغنا في صورة تجربتك المسرحية، وهل ما زال المسرح يشكل هاجساً إبداعياً لديك؟

في يومٍ ما، شعرت بدافع مثير لكتابة المسرحيات، كنت مسكوناً كما أسلفت بقوّة المسرح وحبه استحوذ على مساحة شاسعة من خيالي، نجم بعدما عجزت أن أكتب جملة حوارية واحدة ناجحة في أقل تقدير في قصصي البكر، كنت أسرد بشكل شعري متواصل، لكن قراءة المسرحيات العالمية فجرت في طاقة الحوار، الحوار العميق، الفلسفي المغلف بالرومانسية والتهكمية سواء بسواء، هذا الانفجار دفعني أن أكتب المسرحيات الثمان، قبل أن يوقفني الشلل لتعرض جهاز اللاب توب لفايروس بلع خمس إلى ست مسرحيات شبه مكتملة، في مسرحياتي رصدت الواقع ومتغيراته، مخلفات الحروب التي كوتنا وبلعت مستقبلنا، تعرض واقع حالنا بعد التغير الذي حصل في طبيعة عيشنا، بلع ماضينا وأفرز أمامنا مسالك حياتية غامضة النهاية. مرجعياتها، الواقع الفوضوي المعيش، وإفرازات الحروب، ما زال المسرح حديقة تأوي أفكاري وتحتضن حفنة من شخصياتي، لكن ضيق وقتي وطبيعة عملي المرهق والشاغل لكل طاقة جسدي أوقفت الكثير من مشاريعي، وتعويضاً عن هذا التوقف وجدت في الرواية مساحات محتملة لتمرير الكثير من المشاهد والحوارات المسرحية.

* المزاوجة الذكية بين الرومانسية والحرب، غالبا ما تتكر في أشتغالاتك السردية، كيف يمكن للكاتب أن يحقق شكلاً من أشكال التوازن بين هذين الاتجاهين المتضادين؟

- التوازن لا يمكن تحقيقه ما لم تمتلك ثقافة متنوعة وتجارب حياتية مرتبكة وملغومة بالقهر والظلم، حياتنا عبارة عن حروب متواصلة، في كل مجالات الحياة، طبيعة تربية أطفالنا هي حربية، طبيعة تناولنا الطعام حربية، نتحارب لأبسط الأشياء فيما بيننا، سواء على المستوى العام، أو حتى في منازلنا، الحرب معجون في دماءنا، نعلم أطفالنا البطولة والتفوق على الآخرين، حين نجلس إلى مائدة الطعام نتناول بطريقة شرهة حربية صرف، أوان مناقشاتنا غالباً ما ننتهي إلى رفع أصوات وإلغاء الآخر، لكن يبقى الحب هو المحرك للبشرية، لولا الحب لهاجنا الدمار والتشتت والعيش في الكهوف، الحب هو حرب الجسد والعقل والقلب والحرب هي تحصيل حاصل للتفوق واستلاب حقوق الآخرين، لا أجد فرقاً بينهما، فالحب كذلك تفوق واستلاب أو امتلاك الآخر، لا فرق بينهما سوى حرف الراء، وكلاهما بحر بلا قاع، أجد في نفسي الكتابة عن الحرب والحب كونهما ندّان لتهديم أو بناء الحياة، هذا التوافق مطلب سردي أمام كل أديب. الجندي الذاهب للحرب لا يملك وسيلة تسلية سوى استذكار الحبية، هي التميمة الساترة له من وابل الرصاص والشظايا، على هذا المفهوم اشتغلت في روايات ’’ زقنموت، ليالي المنسية، أولاد اليهودية، وربما إلى حدٍ ما ليلة سقوط جلولاء، والحزن الوسيم، وبعل الغجرية، وقفل قلبي‘‘. مثل قطبي المغناطيس لابد من وجود معادل موضوعي في الرواية والقصة، الحياة متوازنة من جملة نقائض، الليل والنهار، البرد والحر، الأسود والأبيض، الأنثى والذكر وهلمجرا...

* في أي رواية بدا لك انك حشرت الكثير من الأشياء أو قلت فيها اكثر مما ينبغي؛ وكان ينبغي عليك اللجوء إلى الحذف عند التنقيح؟

- كل الروايات تبدأ من فعل لحظة تثوير، تركض الأفكار أمامك وعليك ملاحقتها كأنك عدّاء وأمامك متحدي، وهنا لا يهمك ما يجري من حولك سوى أنك تروم اللحاق بمتحديك، وحين تصل نهاية المضمار لابد ان تراجع ركضتك لبيان تفوقك أو أخفافك لتصطدم بجملة معرقلات، ستحاول أن تزيحها في ركضتك القادمة، كذلك الروائي يكتب تحت ضغط سلطة الخيال، يحشر كل صغيرة وكبيرة تواجهه كغول بالع أو كانس طريقه من المعرقلات، بعد الانتهاء منها، تبدأ سلطة العقل بالاشتغال، يتحول الروائي إلى ناقد أوذل لعمله، كونه يبدأ بقراءة عقلانية بعدما كانت الكتابة خيالية، هنا تبدأ أهم مرحلة لتطوير الرواية، مرحلة التطهير من العوالق والزوائد وتطعيمها أو رتق فراغاتها وتقويمها. أعاني كثيراً في مرحلة ما بعد الانتهاء منها، المراجعة تؤرقني، تتعبني، تدفعني بحذف صفحات ومشاهد قد تكون حيوية، لكن الرواية تنبذها أو تجدها غير صالحة للاستهلاك العقلي، معظم رواياتي دخلت مختبرات قاسية للتطهير، ربما الأخيرة’’ ليلة سقوط جلولاء‘‘ حتمتني أن أزيح الكثير من الجوانب الصغير وربما الكبيرة من حيوات وتاريخ بلدتنا، بعدما وجدها سلطة الخيال دخيلة، أو أزاحها لأعمال قادمة.

* يبدو تأثير التيار الواقعي الاجتماعي واضحاً وجلياً في تشيد مشروعك السردي، ما الغاية المبتغاة من انتهاجك هذا الأسلوب؟

- سبق وأن اسلفنا أن الرواية حياة متخيلة، فيها شخصيات متصارعة، فيها سياسة فيها حلول، لا يمكن للرواية أن تنأى بنفسها عن المجتمع، يا ترى لمن نكتب؟ أليس للناس! هي حياتهم المأمولة، هي أحلامهم المطلوبة، في الواقع المعيش يعجزون من تحقيقها جرّاء الظروف القاهرة والمتنوعة، لذلك نحاول أن نصنعها لهم على الورق، والعقل البشري بحاجة إلى أمصال التهدئة، والكتب هي أمصاله الشافية، الكتب تعالج إخفاقاتهم، وتمنحهم دوافع نحو الحياة وإبقاء الأمل قائماً أمامهم، مثل الآخرين أنتمي إلى مجتمع حالم، لكن هذا الحلم نقطة ضوء في أفق الخيال، من خلال الكتابة أشاركهم حلمهم، فالواقعية أساس كل الروايات، مهما حاول أن البعض أن ينأى بسرده عنها يسقط فيها مرغماً شاء أم أبى، لأن الواقعية هي العمود، أو النول الذي يدور حلوه رحى الحياة، الواقعية أن تكون بين الناس وتعايشهم ويعيشون من خلالك من وجهتي نظري في أقل تقدير.

* في الأدلة النقلية إن العلاقة بين الدين والأدب منذ نشأة الأدب، لم تكن علاقة عداوة ونفور،لماذا تصر الإيديولوجيات الحداثية اللادينية بتجاهل هذه العلاقة ؟ وهل للأديب الحداثوي أن يصرم أي صلة بينهما حتى ينجز فناً ذا قيمة، ووعيا معرفيا بخصائص جمالية ؟

- من وجهة نظري؛ الأدب هو الأبن الشرعي للدين، أقصد بالدين، الكتب المقدسة، من الدين ولد الأدب، التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، هي من فجرت مخيال البشر وأوصلته إلى خلق أجواء مبتكرة، كونها زاخرة بالغرائبية والعجائبية على العقل البشري لحظات نزولها، أنها حافلة بالنغمة الموسيقية، تعاليم وآيات تناغمت طردياً وعكسياً مع القلب والعقل، لذلك وصفوا الرسل والأنبياء بالشعراء المجانين، لقوّة وجمال وسحر الكلام الجديد على عقولهم! خاطئ من ينسلخ من مكونه الديني، الدين فطرة البشر، من الدين ولدت الفلسفة والشعر والبلاغة وفيما بعد السرديات، أمّا بخصوص الحداثة، هناك اختلافات في فهمها، منهم من يرى؛ تخليص الكتابة من شعريتها ونثريتها وسفاسفها الفضفاضة هي حداثة، ومنهم من يرى الحداثة خلق أساليب غير تقليدية وكسر الثوابت، لو تفحصنا القرآن لوجدنا الحداثة في قمتها عندما نزلت على قريش، جنّ جنونهم، وتحداهم الرب بلغتهم، نجد كل المفاهيم النقدية متواجدة في محكم آياته، الموجز والانزياح والانتقالات والبلاغة والجمالية والتشويق ويسر القراءة وقوّة الثبات ومبعث السرور والمحاورات العميقة وووو.. ألخ. تجاهل ما رمت إليه لسان حال الأحزاب العلمانية، وهم سليلو الأقوام التي حاربت الرسل وما جاءوا به من معجزات فوق تصور خيالهم أو عقولهم الجامدة. ربما نحتاج إلى محاورات طويلة لهذا السؤال المهم والحيوي، مختصر كلامي، الأدب مذ ولد كان لسان حال المتصعلك والمقصي والمهمش والمظلوم والعاشق الولهان، تطور الحياة وفتحت أنفاق جديدة للأدب ليتفجر ويسلك مسالك مبتكرة نسميها حداثة وما بعد الحداثة، كان الدين هو مقود الحداثة للإنسانية بعدما كان يرسف في أغلال الجهل ويعيش عيش الكهوف والضلال، عيش القرود أن جاز التعبير مع احترامي للآخرين ووجهات نظرهم الشخصيّة، لكل كائن عقل يرى به جوهر الأشياء أو يرائيه قشورها البراقة.

* سؤال أخير ما المشاريع يشتغل عليها الآن تحسين كرمياني

- مجموعة روايات متنافرة في الأسلوب والأفكار، باستثناء واحدة طفرت بكل ما فيها عن بلدتنا لتتناول سفراً من حياة شخصية في خانقين، أمّا البقية فهي تتناول البلدة بتجلياتها وخيالها وتوقعاتها كما يفرض مزاجي السردي، بعضها منجزة، لكن بحاجة إلى إقرار عقلي بجاهزيتها، سبق وأن قلت أتعذب أوان المراجعة، بسبب طبيعة ظروفي العملي والعائلي، لكن أحاول بروح المحارب المجروح الذي يكافح لرد الاعتبار، أو المقامر الخسران الذي يجاهد من أجل استرداد ما خسر بكل الوسائل المتاحة والملتوية، لدي روايتان منتهيتان تحت المراجعة القاسية، ولدي رواية مكتوبة باليد أحاول في فترات متاحة تنضيدها، ولدي عمل عن كوكبة جلولاء الحمراء أيّام نضالهم ومجدهم الشبابي، قريباً سأنتهي منها أن سمح لي الوقت الملائم.

ولا يسعني سوى تقديم جزيل شكري وامتناني لهذه المحاورة من قبلك، كونها أنهضت فيَّ الخلايا السردية النائمة لتتسلح بديناميت الثورة على الرتابة والكسل وإلقائي في بحر الحياة كي أواصل طريقي للوصول إلى ضفة أحلامي.

***

حاوره: صفاء الصالحي

...............................

- النتاج الروائي:

1- رواية الحزن الوسيم – دار الينابيع – دمشق 2010.

2- رواية بعل الغجرية – ط1 دار الكلمة – مصر 2010. ط2 دار تموز – دمشق – 2011.

3- رواية قفل قلبي – دار فضاءات – عمان 2011.

4- رواية أولاد اليهودية – دار تموز 2011.

5- رواية حكاياتي مع رأس مقطوع – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت2011.

6- رواية زقنموت – المؤسسة العربية للداسات والنشر – بيروت 2013.

7- رواية ليالي المنسية – المؤسسةالعربية للدرراسات والنشر – بيروت 2014.

8- رواية ليلة سقوط جلولاء – دار سطور – بغداد 2019.

- نتاجات اخرى:

1- هواجس بلا مرافئ (مجموعة قصصية) دار الشؤون الثقافية – بغداد 2001.

2- ثغرها على منديل (مجموعة قصصية) دار ناجي نعمان – بيروت 2008.

3- بينما نحن بينما هم(مجموعة قصصية) دار الينابيع – دمشق 2010.

4- بقايا غبار(مجموعة قصصية) دار رند – 2010.

5- ليسو رجالاً (مجموعة قصصية) دار تموز – دمشق 2011.

6- منأجل صورة زفاف (مسرحيتان) دار تموز – دمشق 2011.

7- البحث عن هم (مسرحية) دار تموز – دمشق 2011.

8- خوذة العريف غصبان (خمس مسرحيات) دار تموز – دمشق 2011.

9- عايش (مسرحية) دار تموز – دمشق 2013.

10- المقموعون (مسرحية) دار تموز – دمشق 2015.

11- امرأة الكتاب (مقالات) دار تموز -2011.

12- السكن في البيت الأبيض (مقالات) دمشق 2015.

13- منثورات (شعر) دار تموز 2015.

- نقد ودراسات:

1- نكهة السرد في قصص (تحسين كرمياني/عبدالله طاهر البزرنجي/ عيفاء زنكنة/ رسالة ماجستير كلية التربية – صلاح الدين – قسم اللغة العربية – للطالب وسام سعيد – ط1 – دار تموز دمشق 2013.

2- التشكيل السردي الحواري في قصص تحسين كرمياني رسالة ماجستير – للطالب حازم سالم ذنون – جامعة الموصل كلية التربية الاساس قسم اللغة العربية ط1 – دارتموز – دمشق 2013.

3- مغامرة الكتابة في تجربة تحسين كرمياني (نخبة من النقاد والدارسين) أعداد ومشاركة الدكتور محمد صابر عبيد وآخرون (22بحثا أكادمياً) طبعة1- عالم الكتب – عمّان 2012 طبيعة2 دار غيداء – الأردن 2015.

4- الشخصية في روايات تحسين كرمياني أطروحة دكتوراه للطالب حامد صالح القيسي – المعهد العراقي للدراسات العليا ط1- دار تموز – دمشق 2014.

5- التبئير السردي في روايات تحسين كرمياني رالة ماجستير- للطالب بختيار خدر أحمد – كلية اللغات – جامعة صلاح الدين – قسم اللغة العربية - ط1 دار تموز – دمشق 2015.

6- المنجز العربي للروائيين الكرد – رسالة ماجستير- للطالبة ميديا نعمت علي – جامعة بغداد – كلية التربية (ابن رشد) – قسم اللغة العربية – 2015 – ط1- دار تموز 2016.

7- البنية السردية في رواية – حكاياتي مع رأس مقطوع – لتحسين كرمياني – أطروحة ماجستير للطالب أكبر فتاح – كلية اللغات – جامعة السليمانية قسم اللغة العربية 2015 ط1 دار تموز – دمشق – 2015.

8- تجليات المكان في روايات تحسين كرمياني للطالب قصي جاسم الجبوري – أطروحة ماجستير – جامعة آل البيت – عمان – الأردن – قسم اللغة العربية – 2015 ط1 دار تموز – دمشق – 2016.

9- الحوار في روايات تحسين كرمياني – الحزن الوسيم/أولاد اليهودية/ زقنموت – رسالة ماجستير للطالب – صابر إبراهيم صابر – جامعة يوزونجويل – كلية الإلهام – قسم اللغة العربية – تركيا – 2016.

10- الحوار والعناصر السردية في رواية – ليالي المنسية – لتحسين كرمياني – للطالب سامان إبراهيم سمايل

شيركه وي – مجلس فاكلتي الآداب – جامعة سوران – قسم اللغة العربية – 2017.

11- روايات تحسين كرمياني – من غواية القراءة إلى تجليات المنهج – 15 دراسة أكاديمية. اعداد ومشاركة

الدكتور سامان جليل ابراهيم – ط1 دار سطور- بغداد – 2018.

12- المنجز العربي للروائيين الكرد العراقيين – دراسة في روايات ما بعد الحداثة أطروحة دكتوراه – ميلسون

نوري نواف – كلية ابن رشد – ط1 دار رؤى – السليمانية 2019

13- ندوة ادبية: قراءات في رواية (ليلة سقوط جلولاء) لتحسين كرمياني – منتدى من أجل خانقين – 2

2/10/2019 قدمت فيها البحوث الأكاديمية:

- سلطة الهامش قراءة تأويلية. أ. م. د حسين عمران محمد

- تجاذبات الاتجاهين الواقعي والغرائبي. م. علي محمود أحمد

- جدلية العلاقة بين المكان والذاكرة. م. ندى حسن محمد

- التساؤلات السردية وأثرها في توجيه النص. الأستاذ الروائي آريان صابر الداودي

وقد توجت البعض من منجزاته الإبداعية على عدة جوائز محلية و عربية ابرزها:

1- المرتبة الثالثة عام 1991 عن قصة (ليلة النصر المبين).

2- المرتبة الأولى عام 2003 غن قصة (يوم اغتالوا الجسر).

3- جائزة الابداع عن المجموعة القصصية (ثغرها على منديل) ضمن مسابقة ناجي نعمان الثقافية الدورة الخامسة 2007 لبنان.

4- المرتبة الأولى عام 2008 عن قصة (مزرعة الرؤوس) في مسابقة (مركزالنور- السويد).

5- المرتبة الثانية عام 2011 عن رواية (أولاد اليهودية) في مسابقة مؤسسة – الكلمة – مصر – مسابقة نجيب محفوظ للقصة والرواية – الدورة الثانية – 2010.

 

(١) ماهي هوية ناجي التكريتي الاديب الفيلسوف؟

- أسمح لي يا سيدي أن أحييك وقراءك الكرام أولاً.. حقاً تلازمت الشخصيتان عندي تلازماً زمنياً يكاد يكون عضوياً. الاديب الفيلسوف.. والاستاذ الجامعي

هويتي الشخصية ولدت في مدينة تكريت سنة ١٩٣٢ واكملت دراستي الاولية فيها، حصلت على شهادةدبلوم في التربية وعلم النفس – دار المعلمين – الاعظمية. حصلت على درجة البكلوريوس فلسفة- جامعة بغداد. ‏ نلت درجة الماجستير من جامعة الاسكندرية. حزت على درجة الدكتوراه بجامعة كمبردج. ‏استاذ الفلسفة بجامعة بغداد. ‏كتبت مسارات ادبية- الشعر-القصة والرواية - اداب الرسائل - الفلسفة - ‏تاريخ الفلسفة - المذكرات – الاعترافات - ادب الرحلات تجاوزت عدد كتبي المائة وثمانين مجلداً في الفلسفة والادب. ‏التحقت بحرفة التعليم صباح يوم 10/9/1950. ومارست التعليم في المراحل الابتدائية ‏والثانوية والجامعية وما زالت اواصل نشاطي الاكاديمي استاذاً متمرساً في مركز احياء ‏التراث العلمي العربي. ‏

(٢) كيف اكتشف ناجي التكريتي موهبته وكيف طورها ونماها وابدع في سن تعدد مساراتها؟

- ياسيدي حين شعرت بموهبتي النابتة في كياني، لم اتبين في اول الامر، الطريق واضحاً امامي، بعبارة اخرى، لم اعثر على الدرب الذي يؤدي بي الى الفن الذي خلقت له، او الفن الادبي الذي يستغرقني واجد فيه ضالتي. مرة كنت اكتب المقالة الادبية، وتارة انظم الشعر، وحيناً اخر اكتب قصة قصيرة، ثم ما لبثت ان كتبت ونشرت مسرحية، وانتهى بي المطاف الى كتابة الرواية.

لاشك ان كل تلك الارهاصات المبكرة في الكتابة، ارشدتني الى كتابة الرواية. ان قراءاتي كانت متنوعة وغزيرة، حين كنت اقرأ أي كتاب يقع بين يدي، لا فرق عندي بين كتاب ادبي او فلسفي او في أي علم من العلوم الاخرى.

اني بالحقيقة راجعت نفسي بعد ان نشرت مسرحية ذات يوم فأدركت انني قد تسرعت، لأنني كتبت مسرحية من دون ان اتشبع بقراءة المسرحيات العالمية، ودون اطلاع موسع ومعمق على المسرح الاغريقي. اني في هذا الوقت نفسه، اكتشفت انه لا يوجد مسرح عراقي- وقت ذاك- بالمعنى الكلمة لمسرح يقدم التمثيليات الجادة، وانا اعلم ان السمكة لا تعيش خارج الماء.

(٣) ماسبب أختيارك لكتابة فن الرواية؟

- سؤالك مهم ودقيق دكتور باسل اقول لك

ان للرواية ميزات تفوق- برأيي- كل فن ادبي أخر مع ان الرواية تستوعب الفنون الادبية الاخرى كافة. لابد من موهبة الشعر لمن يريد ان يكون روائياً، كما ان الشروط التي ينبغي ان تتوفر في كاتب المسرح، لا بل ان تتمثل في الروائي. لاشك ان الرواية تعطي للكاتب نوعاً من الحرية يفتقدها المسرحي، طالما ان كاتب المسرح يخضع لقوانين فنية لا يمكن ان يتجاوزها، من حيث دقة وتتابع المشاهد في التمثيل على المسرح. ان تتابع احداث الرواية لا بد ان تربطها نغمة موسيقية لا تتوقف حتى ان تنتهي احداث الرواية. ان الروائي رسام ماهر، في وصف تتابع مسيرة شخص الرواية، مع وصف بارع للمحيط الذي تتحرك فيه تلك الشخوص.

بعد كل هذه الميزات الكثيرة، التي تستوعب فيها الرواية باقي الفنون الجميلة، فأن الروائي لابد ان يكون عالماً ببواطن النفوس، ليستكنه لواعج كل شخصية من شخصيات روايته، في كل حركة وفي كل حدث يمر عليه، والروائي لا يمكنه ان يكتب الرواية، اذا لم تساوره خلجات صوفية، تهز كيانه هزاً عنيفاً، ليستخرج اللؤلؤ من مكنون اعماقه. واخيراً وليس اخراً، فأن على الروائي ان يكون صاحب رسالة، والا فليست كتابة الرواية عبث اطفال، وقضاء وقت في ظل الظلال.

وهكذا توغلت في كتابة الرواية، على اني لم استطع ان اتخلى تماماً ان اخصص كل نشاطي الابداعي لكتابة الرواية فقط، ولكنني لم استطع ان احقق هذه الامنية، لآن القلم طالما انزلق في كتابة المقالة او القصة القصيرة، او ان روحي طالما تعزف الشعر، او انني انزف الشعر دون ارادتي.

انا ادرك جيداً، انني لو نحوت نحواً كاملاً في كتابة الرواية، لكانت رواياتي اكثر جودة مما هي عليه الان، فضلاً عن الكم الذي استطيع ان احققه. اني بالحقيقة اؤمن ايماناً جازماً بالتخصص الدقيق، ولكن افراز القلم يتحدى القاعدة التي اؤمن بها في كثير من الاحيان.

اني احرر هذه الكلمات في نهاية عام ألفين واثنان وعشرون، وكنت قد خلفت ورائي ثمانية عشر رواية ، بدأت نشرها منذ عام 1980..

(٤) بصفتك شاعر كتبت اكثر من ثمانية عشر ديوان شعري اغلب النقاد يصفونك بالشاعر الفيلسوف ماهو سر ذلك؟

- لاباس ياسيدي ان ابدا برأيي الصريح فأقول ينبغي على الشاعر ان يكون فيلسوفا ولاباس ان يكون الفيلسوف شاعرا. تلك حقيقة اؤمن بها ولا اريد ان اخفيها. الشاعر الحقيقي الذي يرغب في ان يخلد شعره لابد له من ان يتمثل الفلسفة بعبارة اخرى لابد للشاعر ان يتفلسف والا فان شعره مجرد انشاء وصفي ليس غير. الفيلسوف هو الاخر لابد ان تكون عنده روحية الشاعر كي يتجلى في وصف ما يرى ثم يستكنه اغوار الوجود.

اسال طلابي الجدد الذين يقبلون بقسم الفلسفة من كل عام فيما اذا جرب اي منهم نظم الشعر ام لا. يبتسم طلابي الجدد مستغربين لانهم يتصورون ان مكان الشعراء هو قسم اللغة العربية في الكلية. ان جوابي هو بعد ان ابتسم انا الاخر لو كان الامر بيدي لما قبلتكم جميعا ولكتبت على باب قسم الفلسفة: (من لايحسن قول الشعر فلا يدخل علينا).

يدرك طلبة قسم الفلسفة بعد ان يواصلوا الدراسة ان اغلب الفلاسفة اليونانيين قبل سقراط كتبوا فلسفتهم شعرا. افلاطون هو الاخر كان في شبابه شاعرا واثر ذلك بقى شاعرا. افلاطون كتب فلسفته باسلوب شاعري اخاذ ليس له مثيل. الشاعر الروماني لوكريتيس نظم فلسفة ابيقور شعرا.

(٥) هل من الفلاسفة العرب والمسلمين من كتب شعرا؟

- نعم منهم من اكتفى بالقليل مثل الفارابي ويحيى بن عدي التكريتي وابن سينا والغزالي منهم من كتب ارجوزة طويلة كابن طفيل الذي كتب ارجوزته

(٧) سيدي الاديب هناك تساؤلات كثيرة حول الابداع يسرني ان اصل الى أجابة عن هذا الموضوع. كيف يكون الاديب مبدعا؟

- أنت تريد أن تكون مبدعاً كبيراً، عليك أن تستنبط ينابيع الجمال من أعماقك، وتستشرف رؤى الجمال مما يحيط بك من معالم الكون. الطبيعة أمنا الرؤوم، استجلي مفاتن الجمال من كل شيء تراه أمامك، ببصرك وبصيرتك أيضاً.

هل تريدني أن أرشدك إلى نور الحقيقة، إن كنت تريد أن تدرك حقيقة الجمال. لك حواس تزودك بما هو ظاهر، يمكنك أن تستقريء مفاتن الجمال، من كل ما تسمع وترى.

وحتى حين تتنسم أفياء الهواء.

ولك عقل حاذق متوقد، تستطيع أن تستنبط به أفنان الجمال، ما لا يمكن للعيون أن تزودك به ولا الآذان.

وهل أنت بحاجة، أن أذهب أكثر من هذا وأعمق غوراً، أعلم إذن أن عندك النفس التي ترفدك بما يقبل من نبع الصدور.

وأنت بالمحصلة النهائية إنسان، عليك أن تمزج قدراتك مجتمعة، وأعصرها على نسيج مخملي، عسى أن تستخرج عصارة فنية ترفل بالجمال.

هل تستغرب مني، إذا صرحت لك جهاراً، أن من الصعوبة أن لم أقل من المستحيل أن أعرّف الجمال تعريفاً دقيقاً، أو أن أحده حداً جامعاً مانعاً، هب إنك محب مدنف، وتلتقي عشيقتك بعد فراق طويل، هل تستطيع أن ترسم شعورك على الورق حروفاً وكلمات.

إعلم إذن أن هذه هي حقيقة الجمال، لأن الجمال ما تستكنه به الشيء الجميل من بين الركام، وتعمل جاهداً أن تظهره بثوب قشيب.. عليك إذن أن تستوعب الحقيقة كاملة، ما بين الصورة والجوهر، وبين ما هو حقيقي وغير حقيقي، وبين ماهو ظاهر وباطن، عسى أن ترسم معلماً من معالم الجمال، يقنعك ويقنع الآخرين.

(٨) سؤال سيدي الاديب وان تقدم للجمال والفن برأيك ماهي ميزة الفنان الذي يروم الوصول الى الابداع العالي؟

- اقول لك ياسيدي إن من ميزة الفنان الذي يروم أن يكون له شأن في الإبداع، عليه أن يكون ديدنه الحماس ولا أقول أن من طبيعته الحماس. إن الفنان بطبيعة كيانه، أن يكون متدفقًا من أعماقه، في حالة أم حالات، هو نفسه لم يدرك هذه القوة وسر هذا الاندفاع. ليس من صالح الفنان الذي يريد أن يبدع فنًا مميزًا في حقله، أن يقبل على العمل بتكاسل وتباطؤ، وكأنه مسخر في ما هو مقبل عليه.

التوقد الذهني والنشاط الجسمي ورهافة النفس، كل هذه تكون متعاونة متناغمة في أداء العمل المراد تنفيذه.

ليس من الإبداع في شيء أن تبدأ في العمل، وتصدعنه، وكأن الأمر لا يعنيك، وإذا عدت لمواصلة العمل، تقبل بتثاقل وكأنك تساق إليه رغمًا عنك وكأن الأمر لا يعنيك.

ياسيدي هل تقبل مني أن أذكر لك مثلاً بسيطًا، قد تشاهده على الطبيعة، لأنه ليس بعيدًا عنك في غالب الأحيان.

لاحظ فلاحًا يبذر بذوره في موسم البذر، وتابع كيف يواصل السقي واجتثاث الأحراش حين ينبت الزرع، وكيف يحرسه من الحيوانات والطيور، إلى أن يقبل يوم الحصاد، وهو يواصل المتابعة بكل التزام واهتمام.

وأنا لا أستطيع أن أذكر لك فلاحًا يبذر بذوره في الأرض، وينام على سريره نومًا عميقًا إلى أن يحين موعد الحصاد.

أقول بكل بساطة، وأنا أعرف وأنت أيضًا تعرف، أن لا وجود لمثال المزارع المفترض، لأنه على أرض الواقع غير موجود.

إن الذي يبذر البذرة الأولى، لا يمكن أن يتركها تحت رحمة الأقدار، بل أن يتابع جهوده ليكون أكلة شهيًا.

وهذا هو حال كل فنان مبدع، وضع وسمًا في حقل اختصاصه، فإنه منذ أن يكتب الحرف الأول، إذا كان كاتبًا، أو منذ أن يرسم الخط الأول إذا كان رسامًا، ومنذ أن نقر الصخرة النقرة الأولى إذا كان نحاتًا، ولا يتوقف حتى ينجز ما قرره وأن طال الزمن.

نعم.. الزمن له أثره في استقامة الجودة وليس للسرعة والاختصار وجود في عالم الفن.

حين تسمع، أن أديبًا أدركته حرفة الأدب، فهذا يعني أن الشخص الذي احترف الأدب، تفرغ للأدب وأخلص له، وأعطاه كله، وتوجه له بكل حواسه وما يمليه عليه عقله، من دون كلل ولا تراخ ولا انحسار.

(٩) سؤال :ماهي اهمية التجديد وتجنب التكرار بالنسبة للأديب؟

- الجواب ياسيدي يجب أن تكون متجددًا على الدوام، وتنشد ما هو أحسن، بكل ثقة والتزام. ما وددت ذكره، هو أن تضع ما أنجزته من قبل قاعدة متينة، وهدفك الكبير، أن تبدع خيرًا منه في كل محاولة جديدة. احذر أن تكرر نفسك، لأن درب الإبداع لاحب أمامك، وعليك أن تتوغل فيه جسورًا غير هياب. ليس المهم إذا ما أبدعت عملاً جديدًا، أن يكون مثل سابقيه، وربما يكون أضعف مستوى مما قد أبدعت.

المهم عندي، أن تبقى شعلة الإلهام متوقدة في جنانك، لا يخبو أوارها، أو يضعف نورها، فيؤول أمرك وأمرها إلى الذبول والتلاشي والاندثار.

نعم ياسيدي هل لك ان تذكر لنا امثلة على ماذكرت من واقع المبدعين؟

نعم هنا أضرب لك بعض من واقع المبدعين، الذين شغلوا الناس، وهم يواصلون العطاء. كتب الكاتب المسرحي الإيرلندي المشهور جورج برناردشو مسرحية وهو في الثالثة والتسعين من سني عمره.

أشار إليه بعض المتطفلين بأن هذه المسرحية أضعف من مسرحياته السابقة، فما كان منه إلا أن رد واثقًا ساخرًا: هذه خير مسرحية كتبها كاتب وهو في الثالثة والتسعين من عمره.

أرأيت كيف تكون الثقة بالنفس لكاتب، وهو لا يريد أن يتوقف، حتى لو كتب مسرحية لا ترقى إلى مسرحياته الذي كتبها في سني الكهولة والشباب.

خذ مثال اخر الرسام الإسباني بيكاسو، بقي يواصل عطاءه في الرسم، حتى بعد أن تجاوز الثالثة والتسعين من عمره.

إن من المؤكد أن الرسام بيكاسو لم يرق في رسومه المتأخرة، كما كان عليه حالة، في سني القوة والاندفاع.

وأنا لا أقترح على المبدع أن يقتدي بهذا أو ذاك، ولا أن يعد أيًا منهما مثالاً لك، في ما تريد أن تقدمه من عطاء.

كل الذي أحببت أن أوصله الى المبدعون، أن له شخصيته المميزة الخاصة به، وأن قانون الحرفة الطبيعي يدعوك أن لا يركن إلى التراخي والكسل، حتى لو كان ما ينجزه في وقت معين لا يرقى إلى ما قد أبدعته من قبل.

ومن أدرك أنك سوف تبدع خيرًا منه وخيرًا من كل أنجزت في مستقبل الأيام.

إنه التواصل وأنها الممارسة وأنها الحماسة، التي تأتي بكل جديد وتليد.

(١٠) هل استطعت ان تكتب ادب فلسفي، ام ان ما تكتبه مجرد خواطر ذاتية ليس غير.

- ياسيدي ربما انه ليس من حقي ان اقيم كتاباتي الادبية لان الاخرين هم الذين لهم القول الفصل في هذا الشأن.

ربما ان الزمن هو الذي يعلي شأن كل ادب ذي هدف كبير، ويطمس ما لا فائدة منه ولا رجاء.

وانا اراني لي هدف في الحياة، اذ لم اتقوقع على الذات، بل اشعر اني جزء من الكل، واعتقد ان الادب لابد ان يكون له هدف في بث الوعي نحو كل ما هو خير.

انت ادرى من غيرك، حين ترسم الحروف على الورق، في كتاباتي الادبية – شعرا ونثرا – اجعلك تتقيد بمعالم الجمال في صنع نثر المحبة عند الانسان والابتعاد عن الظلم والعدوان في كل مكان.

اذا اردت ان اذكر الحقل الروائي الذي توغلت بالكتابة فيه فاني اخص رواياتي الرباعية الثلاثة، اذ ان الجزء الرابع في كل رواية، احاول رسم نظرتي فلسفية، وفق منظوري واجتهادي.

(٩) ماسر روايتك (الطريق الى المدينة الفاضلة) وماهي مواضيعها باعتبارها فريدة العقد؟وكيف تعامل معها النقاد؟

- ياسيدي ان نقد الاجزاء الخمسة الاولى للرواية هو نقد فكري لانظمة سياسية معينة تعتمد على نظريات فلسفية.. اوقفت الجزء السادس من الرواية الذي كان عنوانه (مدينة الاحلام) على رسم مدينة فاضلة تختلف عن كل رسوم الفلاسفة السابقين الذين كتبوا مشروعا لمدينة فاضلة.

 (١٢) ماهو المنهج الذي تستخدمه في كتابة مساراتك الادبية؟

- في ادب الرسائل كتبت خمسين كتابا، وانا في كل كتاب انحو منحى فلسفيا، وفق افكاري الفكري واجتهادي.

اما الشعر فقد حاولت ان افلسف الشعر، على الرغم من صعوبة تقبل الشعر للافكار الفلسفية.

وفي المسارات الادبية الاخرى، فانا اجتهد في زرع ما يرسمه العقل عبر اسلوب سهل يسير.

 (١٣) بعد هذا العطاء الكبير الذي قدمته خدمة للانسانية والعلم يراودني سؤال.. هل أنت سعيد في هذه الحياة؟

- جواب ياسيدي دكتور باسل اسمع مني السعادة مصطلح كبير، يستخدمه الناس مجازاً، ولا أدرى إن كانوا يدركون ام لا يدركون إن السعادة ليس لها وجود على ارض الواقع، ولن تحصل لأي إنسان أبداً. هذه الحقيقة وهذا هو واقع الحال، ونحن نعبر بمصطلح السعادة عن حالات نشعر بها أو تحدث لنا فجأة، فنصنف أنفسنا سعداء، والحقيقة أننا لسنا سعداء قط. يجهد إنسان نفسه في عمل، وحين يتمتع بقليل من الراحة، فهو يتصور إن الراحة هذه سعادة. يتماثل المريض للشفاء، فيعبر عن تحوله من المرض إلى الشفاء بانها سعادة. التلميذ في المدرسة حين ينجح فيشعر انه سعيد والموظف حين يستلم الراتب، يتمتع بنوع من الخيلاء فيظنها سعادة. جوهر السعادة أن يحافظ الإنسان على نوع من الراحة الكاملة، ولنقل السعادة طوال عمره من دون مشكلات ولا منغصات. وهذا الشرط مستحيل الثبات، لأن من طبيعة الإنسان الصراع والتغير، ويحكمه قانون السيلان. كم مرة يمرض الإنسان في حياته، وكم مرة تصيبه المصائب، وكم يفقد عزيزاً، وكم يتعرض لخيانة أو غدر من غريب أو قريب. هذه الحالات السلبية التي ذكرتها جزء من حالات مشابهة كثيرة، تصيب الإنسان في حياته، ما دام الإنسان يسير وفق قانون الكون والعدم. وأنت تسألني سؤالاً مباشراً عن سعادتي، وإذا أردت إن أعطيك الجواب الشافي، فانا إنسان يصيبني في الحياة من حالات السلب والإيجاب ما يصيب أي إنسان آخر، فانا إذن لم اعرف السعادة بالمطلق، التي يتصورها الناس. وإذا أردت إن اخذ المصطلح والمفهوم الشعبي العام، فانا منذ ان وجدت حتى الآن أتقلب بين مباهج السعادة ونيران الشقاء. نعم إن الشقاء رافقني طوال أيام حياتي على المستوى الاجتماعي، بسبب ما صادفتني من مصاعب، وبسبب ما تلقيت من غدر وخيانة الرجال والنساء، الأقرباء والغرباء. وانا سعيد لأني امتلك موهبه الإبداع وكنت عند حسن ظن هذه الموهبة في الأداء والتطبيق.

 (١٤): هل الحرية ضرورية للأدباء ياسيدي الاديب الفيلسوف؟

- جواب: نعم ياسيدي الحرية ضرورية لكل إنسان، لأن الإنسان من دون حرية، لا ينطبق عليه مصطلح الإنسانية. ضرورة الحرية الإنسان ضرورة الماء والهواء والغذاء، فهل يستطيع الإنسان أن يستغني عن الماء والهواء والغذاء.

لابد أن نلاحظ أن الحرية المطلقة غير ممكنة التحقيق، لأنها سوف تصطدم بحريات الآخرين. الحرية إذن نسبية، وإن الإنسان يستطيع أن يتصرف بحرية، على ألا يسلب أو يمس حرية الآخرين. أما السؤال عن ضرورة الحرية للأديب والفيلسوف ولكل مفكر، فهذا شيء مفروغ منه، لأن الحرية تعطي الأديب وسعة في التعبير، سواء عن خلجات نفسه، أم عن ما يشاهده في المجتمع من ويلات وظلم وإجحاف. السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل إن للأديب، الذي يجد نفسه في زمن حاكم مستبد، أو داخل أسوار نظام طبقي عنيد، أو تحت تطبيق نظرية فلسفية غير عادلة في توازن المجتمع عليه ان يسكت؟. إذا كنت أدعو كل إنسان أن يسعى لتحقيق الحرية في المجتمع، ليحيا بعز وكرامة وأمان، فالأولى بالأديب أن لا يهرب من الساحة أو يتوقع داخل نفسه كسيراً حسيراً. يجب أن تكون رسالة الأديب النضال من أجل الحصول على الحرية، ليس لنفسه فقط في الكتابة والحياة، بل عليه المطالبة بتحقيق الحرية للمجتمع. الأمثلة كثيرة في هذا الشأن، فإن الفيلسوف أفلاطون بعد أن أعدم سقراط صار يكتب ويلقي المحاضرات في الأكاديمية. كبار علماء الروس برزوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكتبوا أعظم الكتب الأدبية. ولا يخلو بلد من البلاد من أعدم له أديب أو سجن بسبب مطالبته بالحرية.

(١٥) ماذا يوصي كاتبنا الجيل الجديد من الكتاب؟

- بصراحة وبواضح العبارة ينبغي على الكاتب ان يعمر فكره بالقراءة الموسوعية، وفي شتى العلوم ولايتوقف يوما عن القراءة وان يكون نهما في طلب العلم معتدلا في كتابته.

ختاما نتمنى لك الصحة والعافية والعمر المديد وشكرا لك على نبلك اديبنا الكبير..

*** 

أجرى الحوار الناقد والباحث د. باسل مولود التكريتي

 

 

- دور النشر العربية متلهّفة على الربح ولا يعنيها تطوير الوعي العربي

- ضرورة تحرير الترجمة من بَقّالات النشر ومن سماسرة الثقافة

س: لنبدأ معك بالتخصص الدقيق، عندما نريد استخراج شهادة ميلاد لعلم الأديان، لماذا يعترينا دائماً هذا الارتباك، ونواجه نفس علامات الاستفهام التاريخية حول عصر الولادة وشهادة المنشأ، ونقع في حيرة بين القرن التاسع عشر، وبين الأصول الأقدم منه بكثير وصولاً إلى الحضارات القديمة؟

ماهي الأسباب؟ ومتى نتمكن من حسم هذا الأمر؟

ج: علم الأديان هو علم حديث المنشأ يقع على التخوم، كما يقول الفرنسي ميشال مسلان، بين علم الاجتماع الديني والأنثروبولوجيا الدينية وعلم النفس الديني والظواهرية الدينية وعلم مقارنة الأديان وتاريخ الأديان والجغرافيا الدينية وغيرها من المداخل ليؤسس هوية مستقلة، وهذه علوم تطورت في الغرب وإسهامنا فيها ضئيل أو منعدم. فمنذ السعي لإخراج دراسة الدين من هيمنة العقل اللاهوتي، سواء مع الألماني ماكس مولر في ما أطلق عليه "Religionswissenschaft"، أو مع الفرنسي إميل لوي بيرنوف في ما أطلق عليه "La Science des religions"، بدأ علم الأديان يصوغ هوية مستقلة تهدف إلى دراسة المقدس والفعل الديني من خارج الاعتقاد. فهذا العلم يقوم أساسا على معرفة اختبارية للمقدس، وعلى رصد للكائن المتدين، من خلال تتبع الخبرات الدينية. ولو شئنا تعريفا مقتضبا لعلم الأديان، في مقابل علم اللاهوت، لقلنا إنّ الأول يهتمّ بكل ما هو معتقَد من طرف البشر بقصد بلوغ الفهم الداخلي للمقدّس المعيش، في حين يهتم الثاني بالإجابة عن سؤال: ما الواجب علينا الإيمان به؟ ولماذا ينبغي علينا الإيمان بذلك؟ ليس هناك تصادم أو تناقض بين المقارَبتين -كما أرى- وإنما هناك تكامل في الإحاطة بالرأسمال القداسي.

وفي الثقافة العربية لا زلنا نخلط بين علم اللاهوت وعلم الأديان لندرة الأدبيات في المجال وفي المباحث التي استند إليها علم الأديان، ولذلك تارة نطلق عليه علم مقارنة الأديان وأخرى تاريخ الأديان وهلمّ جرّا من التسميات الخاطئة. وقد صدرت في البلاد العربية معنونات بهذا الاسم، أقصد علم الأديان، زادت الناس بلبلة وخلطا، وهي ينطبق عليها اسم "كشكول الأديان" لا "علم الأديان" مثل كتاب العراقي خزعل الماجدي.

س: لديك عدد كبير يفوق العشرين من المراجعات، أن تراجع تراجم آخرين، أليست مسألة مليئة بالتوتر؟ ثمة عمل اشتغل عليه غيرك بمفاهيمهم هم، وها أنت مكلف الآن بالاشتغال عليه، هل المراجعة أكثر مشقة من الترجمة أم أنك ترى العكس؟

ج: بل قل الخمسين، جاءت المراجعة بالأساس ضمن الاشتغال داخل مشروع مؤسساتي وهو مشروع كلمة للترجمة في أبوظبي. تابعت زهاء الخمسين عملا مترجما من الإيطالية في مشارب متنوعة، استطاع المشروع أن يقدم للقارئ العربي أعمالا إيطالية مهمة في التاريخ وعلم الاجتماع والرواية وأدب الناشئة وغيرها. ويأتي عمل المراجعة بالأساس لغرض تجويد العمل المترجَم واحترام القارئ العربي، لأن عديد دور النشر العربية لا تراعي هذا العمل فهي دُور ربحية مستعجلة لا تفكر في النهوض الثقافي أو في تطوير الوعي العربي، وهي محكومة أساسا بمعادلة العَجَلة في الوصول إلى السوق.

من جانبي حين أخوض مراجعة كتاب أفكر بمهابة في ما سأقدّمه للقارئ العربي، لأني أقوم بالعمل وفق رقابة أخلاقية ذاتية وبصرامة علمية في آن.

وأما بشأن الترجمات التي أُنجزها فهي تدور حول الدراسة العلمية للظواهر الدينية والقضايا التاريخية والمسائل الفكرية. أحاول أن أبقى في هذا الحقل لأني أرتئي حاجة الثقافة العربية الملحة إليه. وبالنظر إلى تكويني وانشغالي على مدى عقود أعي حاجة الثقافة العربية في مجال دراسات الأديان، ولذلك أجدني مدفوعا للترجمة في حقل التاريخ والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا في كل ما له صلة بالظواهر الدينية ناهيك عن أبحاثي التي أحاول نشرها من حين إلى آخر.

س: الترجمة تقع دائماً بين مفهومين، النقل الحرفي، وإعادة صياغة النص، كيف ترى الترجمة المثالية وسط هذين المنهجين؟

ج: الترجمة المثلى تخصّصٌ وإبداعٌ، فما لم يتخصص المرء في مجال من المجالات، أدبية أو فلسفية أو سوسيولوجية أو غيرها فيصعب أن ينتج عملا جيدا. والترجمة إبداعٌ، أقصد ما لم يكن المرء كاتبا مسبَقا فيصعب أن ينتج عملا مقدَّرا، ولذلك لا أومن أن يأتي المرء للترجمة من فراغ أو عدم، لأنه يكون كحاطب ليل. وبناء على ذلك فالترجمة هي استضافة لنصّ في لغتي وما تقتضيه العملية من مراعاة أصول الضيافة، أو بلغة أخرى الترجمة هي إعادة تَبْيئة للنص الأصلي في بيئة مغايرة ولغة مغايرة وما تقتضيه العملية من تشذيب وتهذيب وإلا أنتج المترجم مسخا. فعملية الترجمة تقتضي من المترجم أن يتقمّص وعي الكاتب وروحه حتى يعيد كتابة نصه في لغة ثانية، ولذلك إن عازت المترجم القدير المفردات والمفاهيم والمصطحات في لغته يصنّعها وينحتها، على طريقة حنبعل الذي قال إن لم نجد الحلول ننشئها.

س: في تاريخنا العربي، كانت الدولة الأموية قد حرمت نفسها من إحراز قصب السبق في موضوع الترجمة لأن عصر التدوين لم يبدأ في عهدها، ولكن من جهة أخرى، ألا ترى أن الدولة العباسية التي تلافت هذا التقصير قد قامت بتسييس الترجمة؟ أم أنها تهمة تم تلفيقها للعباسيين فحسب؟

ج: مع الدولة العباسية بتنا نرى العالم وبتنا إحدى القوى العظمى في الساحة الدولية في ذلك العهد، وعلى صلة أعمق بالعالم وهو ما دفع أسلافنا لخوض عملية الترجمة بوصفها أداة معرفية استراتيجية في التواصل مع العالم. وبالضرورة كل استراتيجية معرفية تخوضها الدولة هي عملية مسيَّسة ولذلك كان العرب ينتقون ما يُترجَم من اللغات الأخرى. وقد كانت الترجمة تستهدف تعزيز قدرات الذات وإثراءها لا إدخال الارتباك. كما كانت الترجمة براغماتية وليست من باب المزاح أو اللهو الفكري. كان لدى العرب من التعالي الروحي والوعي التاريخي الديني ما يَسّر لهم التعامل العميق مع فعل الترجمة حتى وإن أسقطوا أعمالا أو لم يترجموها فبوعي. ولذلك انشغل التراجِمة الأوائل في الحضارة العربية بالأعمال العلمية والعقلية ونقلوها، وأهملوا الأعمال الأسطورية والعَقَدية، التي عبّرت عنها ملاحم مثل "الإلياذة والأوديسة" في بلاد الإغريق أو "الشاهنامة" للفردوسي في بلاد فارس. فقد أورد ستروهماير في "دائرة المعارف الإسلامية"، في معرض حديثه عن حُنين بن إسحاق أنه كان يلجأ في ترجماته إلى إسقاط الحديث عن المعتقدات الوثنية والآلهة، وهو تقليد لم يبتكره الرجل، وإنما دأبَ عليه معاصروه. 

س: بطريقة أو بأخرى، هل يمكن اعتبار المترجم شريكاً في كتابة النص؟ ينطوي هذا السؤال على مخاطر كبيرة تتعلق بمدى مشروعية استحواذ المترجم (المتمكن) على النص إلى حد أنه قد يتجاوز الحدود فيمتلكه.

كمترجم ذائع الصيت، كيف ترى هذا الأمر؟

ج: ليس بوسع المترجم بلوغ تلك الشراكة إلا حين يقاسم الكاتب الأجنبي أفقه المعرفي والإبداعي، وما لم تحصل تلك الشراكة يصعب الحديث عن ترجمة أمينة. كثير من المترجمين ينغمسون في ترجمة العمل الأجنبي بدون دراية بلغة الكاتب، أقصد فلسفته ورؤيته ومصطلحاته وصوره الإبداعية، وهذه هي متاهة الترجمة في غالب الأحيان، فينتجون نصا ميكانيكيا شبيها بنص "غوغل المترجم". أُلحّ على الترجمة الواعية حتى لا نهدر وقتنا ومالنا وجهدنا في أعمال ضحلة لا تسهم في ترشيد نهضتنا المنشودة.

أنا بالأساس أترجم في مجاليْ العلوم الإنسانية والاجتماعية وأشتغل على مفاهيم وخطابات وتصورات، أحاول أن أجلبها إلى لغتي بلسان عربي مبين علّي أُدخل جديدا إلى ثقافتي أو أَبني تواصلا مع الآخر، على أمل إرساء خطاب معرفي تنويري علمي. فلدي إدراك بنقص ثقافتنا العربية في مجال الإحاطة بالحضارات الأخرى والتمكن من المعارف والمناهج الجديدة، أحاول التنبيه إلى الأعمال الجيدة في المجال حتى نعزز بها قدراتنا.

س: في أعمال كبيرة مثل "مئة عام من العزلة" لماركيز، أو "العطر" لزوكسيند، وخلاف ذلك، نبحث أولاً عن اسم المترجم قبل أن نقرأ العمل، ألا ترى أن هذا ليس خبراً جيداً للمؤلفين؟

ج: أتحدث عن الواقع الثقافي الذي أعرفه جيدا أقصد ما له صلة بالترجمة بين العربية والإيطالية. في السنوات الأخيرة صرنا نترجم من الإيطالية مباشرة بعد أن كانت الترجمة السائدة تعوّل على لغة وسيطة. صار لدينا مترجمون من الإيطالية إلى العربية مقتدرون مثلا في الأدب نجد معاوية عبد المجيد وناصر إسماعيل وأماني فوزي حبشي وشيرين حيدر وأحمد الصمعي والراحل عدنان علي (أسكنه الله فراديس جنانه) وآخرين، وفي المجالات الأخرى بدأنا نخطو خطوات مع عماد البغدادي وحسين محمود وعزالدين عناية وغيرهم. لكن في هذا التطور الحاصل في الترجمة من الإيطالية تبقى العقبة الأساسية في غياب المترجم الحامل لمشروع أدبي أو فلسفي أو تاريخي أو ما شابهه. وأما بشأن من يترجمون إلى الإيطالية فلعل الخارطة أوسع نجد وسيم دهمش وماريا أفينو ومونيكا روكو وفرانشيسكو ليجو، ولكن السلبية من الجانب الإيطالي تبقى في انحصار الترجمة في عالم الرواية. فليس لدينا في إيطاليا مترجمون يشتغلون على نقل الفلسفة أو الفكر أو ما شابه ذلك، ولذلك لا يعرف القارئ الإيطالي إلا النزر القليل عما يُكتب في المغرب أو تونس أو ليبيا أو مصر أو العراق خارج ما هو روائي.

س: أنت الآن أستاذ في جامعتيْ روما لاسابيينسا والأورينتالي في نابولي. وقبل ذلك كنت قد تحصلت على الدكتوراه من جامعة الزيتونة في تونس، هل هي مغامرة ممتعة أن تختلف بيئة التكوين العلمي عن بيئة الممارسة العملية؟

ج: في الواقع تكويني العلمي موزّع بين الزيتونة والجامعة الغريغورية في روما، وهو ما جعلني أعيش على وقع مقارنة وموازنة دائمتين بين ثقافتين ومنهجين. فالزيتونة كسائر الجامعات الدينية الكبرى في البلاد العربية، القرويين والنجف والأزهر، تعاني انغلاقا إبستيمولوجيا وتعيش اغترابا معرفيا وتعوزها النباهة الحضارية في التاريخ الراهن. وقد كان تخصصي المبكر في دراسات الأديان في تونس، والانشغال بالظواهر الدينية ضمن أفق عالمي دافعاً لي للوعي بوهن القدرات العربية في المجال، ولذلك قررت الرحيل نحو الغرب عن وعي وإدراك ومع ذلك بقيت مهووسا بقضايا الثقافة العربية.

س: كمترجم، هل تفضل ترجمة مقالة أو كتاب عن لغة وسيطة؟ كتاب باللاتينية مثلاً تُرجم إلى الأنجليزية ثم تنقله إلى العربية. ألا يبتعد المشوار بالقيمة والمعنى والثقافة للنص المكتوب إذا ما قطع كل هذه المسافة؟

ج: تفرض الضرورة أحيانا اعتماد اللغة الوسيطة في الترجمة رغم ما في ذلك من مزالق، ولكن أنصح بتجنب ذلك التمشي في حال توفر النص والمترجم. وقد سبق لي أن ترجمت مؤلفا إنجليزيا إلى العربية عبر وساطة اللغة الإيطالية لأن النص الأصلي ما كان متوفرا لدي وهو كتاب "السوق الدينية في الغرب".

س: الترجمة، من وظيفة في خدمة السلطان، إلى حركة نهضوية له أبعادها الثقافية والتاريخية، كيف تراها الآن في زمننا العربي الذي نعيشه، هل هي بخير؟ أين مكاننا في طابور الترجمة العالمي؟

ج: المترجم نوعان أحدهما متكسّب مأجور والآخر باحث عن معانقة أفق معرفي مغاير بقصد محاورته أو امتلاكه بهدف إثراء الذات. وفي الجانب الأول هو موجَّه ومكلَّف ولا عيب في ذلك. ولا أقول إن "خدمة السلطان" دائما خاطئة لأن هذه من الأوهام التي جرت على ألسنتنا ففي عمل الترجمة نخدم ثقافة ولا نخدم فردا. ومن السفه القول إن مشاريع الترجمة الحقيقية تنتج خارج إرادة السلطان والحاكم، ولذلك أومن أن مشاريع الدولة في الترجمة هي المشاريع المؤثرة والفاعلة وفي غيابها تبقى الترجمة محدودة الأثر. وتكون الترجمة إسهاما في الحركة النهضوية حين تسكن المترجم رؤية وفلسفة، وحين يسأل نفسه بشكل دوري لِم أترجم؟ من جانبي يدفعني حرصي على تطوير الدراسات العلمية للأديان وتوسيع الأفق المعرفي للدارس الديني في حضارتي أن أترجم في ما له صلة بالظواهر الدينية وبمناهج العلوم الدينية، ولا أجد غضاضة إن كُلّفت من أي كان بهذه المهمة، ولكن أرفض ترجمة ما يسيء إلى حضارتي أو ينتهك حق المحرومين والمقهورين.

س: في تراجمك التي تنشرها مجلة الليبي، ثمة نزعة إلى تعريفنا كمحليين بالآخر، أشعر وأنا أقرأ لك أنك لا تترجم فقط، أنت أيضاً تنشر رسالة نصها عندنا ومغزاها عندك، هل أنا محق في ذلك؟

ج: أرى أننا كعرب نحن رومانسيين في نظرتنا إلى الغرب وإلى الغربي، نفتقر إلى الواقعية والتقييم الصائبين، ولذلك أحاول الخروج من مقام الوله إلى مقام العلم. وانشغالي بإيطاليا تحديدا يأتي من الإهمال لهذه البوابة المهمة في التعاطي مع الفكر الغربي في ثقافتنا العربية المعاصرة، أحاول من جانبي ردم هذه الهوة من خلال خلق تشابك قائم على أساس التثاقف والمراجعة والنقد.

س: في برقة شرق ليبيا، وفي مدينة أسسها الاغريق قديماً في عام 361 ق.م، توجد مكتبة تحوي آلاف الكتب التاريخية الثمينة التي كتبت بمختلف اللغات، الألمانية، اللاتينية، الاغريقية، الانجليزية، وبطبيعة الحال، الايطالية، هل أنت على استعداد للموافقة لو تم تكليفك مع نخبة تختارها من المترجمين بنقل هذه الأثار الثمينة إلى العربية؟

وهل شاركت من قبل في عملٍ كهذا؟

ج: أشتغل ضمن عدة فرق بحثية ودراسية وترجمية تصب في تطوير فكرنا العربي، لأني أرى أنها أكثر جدوى من العمل الفردي في زمن بات فيه إنتاج المعرفة وحضورها عملا مؤسساتيا جماعيا.

وليبيا عزيزة على القلب وكلما دعتنا إلى الخدمة لبّينا.

س: تحدثت في إحدى حواراتك عن "لاهوت التحرير"، هل تعتقد أنه يمكن الاستفادة من هذا الحراك التاريخي المهم في انحيازه للفقراء، في تغيير الكثير من الأوضاع المتردية في منطقتنا العربية؟

ج: لاهوت التحرير في نسخته الأمريكية اللاتينية الأصلية انتهى، لأن التاريخ والواقع تغيّرا، وإن أبى البعض هذا التشخيص. فالفقراء والمحرومون والمستضعَفون قبل لاهوت التحرير وبعده باقون، ولذلك وجب تغيير استراتيجيات النضال وأدواته ولعل الرهان اليوم هو في بناء لاهوت علمي نقدي لتنوير العقول. إن التحالف بين اللاهوت والطرح اليساري ما عاد مجديا اليوم وما عاد مؤثرا، ومن العبث الرهان على الميت في تغيير الحي. الدين اليوم في حاجة إلى أفق إيماني جديد، وفي حاجة إلى روح خُلقية جديدة تواكب التحول العولمي الحاصل وتواكب التواصل المكثف الجاري.

أنا ضد استنساخ التجارب ونقلها لأن لكل واقع أوضاعه وشروطه للتغيير.

س: لا أحد يمكنه الإنكار أن المَجامِع المسكونية الكاثوليكية التي عُقدت على مدى 1700 سنة. بداية من مجمع "نيقية"، وحتى مجمع الفاتيكان الثاني، قد ساهمت في إعادة تأهيل الفكر الديني المسيحي ليواكب تطورات العصر حتى لا يكون عائقاً أمام النهضة الغربية بأي شكلٍ من الأشكال، ماذا عن مؤسساتنا نحن؟ هل يبدو الأمر شائكاً وفي منتهى الصعوبة؟

ج: لا أرى أن المجامع المسكونية كلها قد قامت بدور إيجابي، فكثير منها لعب دور العائق في المسار البشري، وحتى أهلها يقرّون بذلك. كان مجمع ترنتو، أو كما يسمى المجمع التريندي، الذي افتتح أشغاله البابا بولس الثالث خلال العام 1545م واستمر إلى العام 1563، هو من أنتج ما يُعرف بالإصلاح المضاد لمجابهة حركة الإصلاح، وهو ما أنتج لاحقا قرارات "الصِّلابو" الفاضحة في تاريخ علاقة الكنيسة بالحداثة. وحتى المجمع الأخير مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965) فقد اعترته أزمة وبات اليوم مطروحا ضرورة القيام بـ "الأجورنامينتو" وعقد مجمع جديد على أنقاضه كما نادى به مفكرون ولاهوتيون كبار مثل جانفرانكو سفيدركوسكي والراحل هانس كونغ. المسألة في الغرب أن المؤسسة الدينية تتقبّل الإقرار بنسبيتها، ولديها من الحسّ بما يجري حولها ولذلك هي تحاول توظيف القدرات العلمانية والدينية على حد سواء للخروج من أزمتها.

نحن من جانبنا نعيش أزمة ثقة بين المتديّن وغير المتدين، بين العلماني والإيماني، في السياسة والثقافة والبحث، نفتقر إلى حوار بنّاء وهادئ. يصعب أن ينصت العلماني للإيماني لدينا والعكس أيضا وذلك بعض من محنتنا.

س: الترجمة هي عمل فردي، ولكن، ماذا لو تحول فجأة أو بتخطيط مسبق، إلى عملٍ مؤسساتي؟ هل ستشعر نحوه بنفس درجة الثقة وتتعامل معه بأريحية؟

ج: المترجم في البلاد العربية يحتاج إلى مَأْسَسة ترسم له الطريق وتخرجه من حالة الخمول والتيه، ولذلك  الترجمة في البلاد العربية تبحث عن رجّة. في واقع الأمر يتطلب عمل الترجمة سنداً من الدولة، وهذا لا يتوفر في الراهن الحالي سوى لمؤسستين أو ثلاث في الوطن العربي. لدينا جيش هائل من المترجمين هم معطَّلون أو مستنزَفون من سماسرة الترجمة، ولهذا لا بد من تحرير الترجمة من بَقّالات النشر (أقصد دور النشر) ومن سماسرة الثقافة. ثمة مؤسسات ترجمة عربية بالكاد تنتج عملا وحيدا في السنة، وأخرى موصدة الأبواب، والحالة واضحة في بلاد المغرب الكبير، وهذا عائد لفقدان الدعم المالي والخطة الواضحة؛ وثمة مؤسسات أخرى نشيطة وواعية بما تفعل ومدركة لما تنتج ومراعية لحق المترجم وهذا متوفر في بلدان الخليج العربي مع "مشروع كلمة الإماراتي" و"عالم المعرفة الكويتي".

س: 270 مليون، هم العرب، لا يترجمون سنوياً أكثر من 475 كتاب، فيما تترجم إسبانيا وحدها في كل سنة 10 آلاف كتاب. هل تقتنع بهذه الأرقام؟ ولماذا نبتعد؟ أنت مقيم في ايطاليا، ولاشك أنك تعرف ما يترجم فيها سنوياً، هل نحن متخلفون في هذه الناحية؟ وما هو الحل؟

ج: بحق الأرقام مرعبة وهذا ينبغي ألا يبعث فينا الإحباط واليأس، ولديّ متابعة لصيقة لذلك بين العربية والإيطالية، فنحن وهم، أقصد الطليان، لم نترجم ما يتجاوز الألف كتاب وهذا قليل بين لغتين وحضارتين عريقتين. الإشكال يكمن في التالي وهو أن الترجمة إمكانيات وتسويق وتمويل ونحن من جانبنا العربي لم ندخل هذا الطور ولم نخض هذا الاستثمار. ما زلنا نتعامل مع الترجمة كهامش في بنية ثقافتنا وهو خطأ، والحال أنّ كل انفتاح وكل تحول ثقافي بنيوي مدعو إلى تنشيط هذا المجال.

س: تهتم كثيراً بما يكتبه الآخر عنا، مثلاً  ما كتبه "ديل بوكا" عن ليبيا، وما كتبه "ستيفانو ماريا توريللي" عن تونس، هم يقرأون جيداً كتابهم ويعرفون الكثير حتى الذي لا نعرفه نحن عنا، ولكن، كيف تفسر تجاهلنا نحن لكل ما يتعلق بالآخر، هل دخلنا بالفعل مرحلة انغلاق جديدة قد تطول هذه المرة؟

ج: بفعل اشتغالي في مؤسسة جامعية، ومتابعتي للأبحاث الأكاديمية والدراسات العلمية التي تُنتَج حول العالم العربي، فضلا إلمامي بخريطة المثقفين الإيطاليين المعنيين بالحضارة العربية ودين الإسلام أعرف عن قرب ما ينتجونه حول الحضارة العربية الإسلامية وحول البلدان العربية تحديدا. هناك أعمال جيدة تتطلب المناقشة والتواصل مع منتجيها وثمة حاجة إلى ترجمتها، ولكن أشعر أن الثقافة العربية غافلة عن ذلك. ثقل المهمة يجعلني خُلقيا معنيا ولو بردّ خبر عن ذلك وترجمة ما تيسّر من ذلك. ثمة حشود واسعة من المفكرين والكتاب والأدباء الإيطاليين يشتغلون على الثقافة العربية وعلى الأوضاع العربية، ولكنهم يقعون خارج اهتمامنا بفعل قلة الملمين باللسان الإيطالي في البلاد العربية وبفعل ندرة المتابعين لِما يعتمل في إيطاليا. بلاد المغرب الكبير الأقرب إلى إيطاليا تاريخيا وواقعيا تجهل ما تنتجه إيطاليا نحو حضارتنا وهذا تقصير كبير منا. كم يترجم المغاربيون من اللغة الإيطالية سنويا؟ أكاد أقول لا شيء وهذا فضيحة معرفية، هناك مؤلفات تصدر باستمرار حول ليبيا وتونس والجزائر لا نوليها أي اهتمام وهذا لا يحدث في ثقافات أخرى. يبدو مثقفو المنطقة غرقى في خمول لا ينتهي. جامعيونا يتدافعون على الترقي في السلّم الوظيفي ولا يعنيهم من تطوير قدراتنا المعرفية شيئا وهي بحق خيانة صامتة لثقافة جريحة.

س: ختاماً، نعتز بك كثيراً في مجلة الليبي، ترجماتك أضافت لنا الكثير، كيف ترى مستقبل مجلة ثقافية تصدر في زمن حربٍ على كافة المستويات؟

ج: الأمر ليس هينا وهذا قدرنا، ينبغي أن نتشبث بإرادة الحياة والتنوير والتحرير، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

***

حاوره: د. الصديق بودوارة رئيس تحرير "مجلة الليبي"

 

لقاء خاص مع الاستاذ الاديب الجهبذ عبد الرزاق الغالبي صاحب النظرية الذرائعية في النقد العلمي للادب و الذي اثار بنظريته الجديدة وطرحة بمفهومه الخاص بعض التساؤلات التي جعلته يتعرض للنقد بعد ان ارسى مفاهيم علمية حديثة للنقد الادبي غير تلك التي اعتادها نقاد النصوص الادبية بشكل مغاير لإطرواحاته في إماطة اللثام عن تفكيك النص بعلمية و مداخل الابواب التي تنتمي الى نظرية الذرائعية... وقد وجهت له العديد من الاسئلة ليحيط القاريء بمفاهيم نظرية الذرائعية للاستاذ الغالبي عن قرب بما يطرحه من علم نقدي جديد عربي الاساس.

- عندما نتحدث عن الحداثة في النقد الأدبي لابد انها تضيف ممرا او بابا يلقي بالضوء على رؤية الرواية او القصة القصيرة او الشعر المقفى او النثر بشكل مغاير للرتم الذي ساد زمنا حتى بات النقاد وإن اختلف طرحهم إلا انهم يطلقون النقد من نفس الجعب التي مارسها الفلاسفة او النقاد الأجانب دون الاتيان بمناقب النقد العربي ومفهوم اللغة العربية.. ماذا يرى الناقد العلمي ومن خلال نظريته الذرائعية حين يلقي بظلال نظريته على كل ما سبق من ادب؟

* الحداثة بنوعين: سلبية وإيجابية

الحداثة السلبية: أن خسائر الحرب العالمية نبهت عقول المفكرين الى أسباب الحرب، وقد لخصوا أهم الأسباب ألا وهما الدين والأخلاق فبثوا حداثتهم السلبية بتخريب هذين العنصرين والباقي معروف لاتزال آثاره تنهش في لحمنا لحد الآن واخره الحرب بالنيابة (proxywar) والتي لاتزال أيضل آثارها لحد الآن داعش وحرب أوكرانيا

الحداثة الإيجابية: هي نجاح الأدباء والمفكرين والباحثين العرب من فلترة جميع التيارات الأخلاقية والسياسية والأدبية وإستلال ما يفيد منها وتوظيفه في الأدب كالمدارس النقدية والنظريات (كمدرسة الواقعية والطبيعية والرومانسية والبرناسة الفن للفن والرمزية والسريالية)

- كيف نشأت فكرة النظرية الذرائعية؟ وكم استغرقت من السنين حتى رأت النور؟

* نشات فكرة النظرية من سببين:

السبب الأول: إكتضاض السساحة الأدبية العربية بالنتاجات الأدبية الغير مدروسة والتي سببت فوضى عارمة وجهل كبير في المنحى الأدبي مما مهد الطريق للسبب الثاني وهو وجود تلك الفوضى مع سببه هو غياب النقد من الساحة الأدبية لكون الأدب عراب للمجتمع والنقد عراب للأدب فاصبحت الساحة بحاجة ملحة لظهور رؤى نقدية أونظريات تنظم تلك الساحة الفرغة من الرصانة الأدبية

- بإعتبارك ابا للنظرية ومستحدث بناءها هل تعتقد أنها ستغير من بناء النقد الادبي من خلال منظور الذرائعية؟

* بالتأكيد ، كل جديد في أي ساحة يعزف عنه من تعودوا على القديم وهذه حالة معروفة لا يقتنع بالجديد إلا من كان حاويا لعلمية كبيرة، أما السطحيون هم من يعترضون أرضاءا لأنانيتهم الشخصية ،والجيل الجديد تكون حصته الذرائعية بكل تأكيد ،والنخبة الفاعلة من أمثالكم هي من توصل هذا العلم لهم ،وما لنا والسطحيون فهم فارغون إلا من العناد والمكابرة.....

- إذا كانت النظرية الذرائعية قد جعلت من النقد الادبي لحاء شجر وهذا قد يزعج البعض، هل تعتقد ان اسلوب النقد العام سيتغير فيما إذا لبس النقد العربي ثيابه الاصيلة ورجع الى اصوله؟ كونك تقول أن العرب عرفوا بالإيحاء قبل جميع الفلاسفة اصحاب النظريات النقدية الادبية المتعارفة؟

* بالتأكيد والدليل هو إقتناعك أنت والنخبة التي معك وهي تصاحبني بالتفاف عجيب أدهشني حرصك وحرصهم وهذا يبشر أن الساحة فيها من ملأت جيوبه علماً وقناعة بما أوتي من جديد والأيام القادمة ستتحدث كثيراً وبإسهاب عن التغيير الذي يواكب الحداثة في طرق النقد الذرائعي.

- البراغماتية أو البراغماتكس.. تلك التي كانت محطات في مرحلة النظرية ما الذي اكتشفته من خلال غورك في عمق المعاني من خلال عكفك على البحث و وصولك الى الاجابة المقنعة التي اوصلتك حيث ارسيت نظريتك في مؤلفات ست سبرت فيها بفحوى ما ألفيته من انفلات وعدم قناعة بما لقيت وقرأت من النقد الادبي في العالم العربي؟

 - انبثقت ذرائعيتنا أصلًا من الذرائعية اللغوية الجديدة أو(البرغماتية الجديدة pragmatics)، التي تخوض بنفس الاختصاص اللغوي الأدبي لذرائعيتنا العربية، وهو مجال معنى المنفعة الإيجابي والتي ظهرت بين 1975و1985.. فهي تختلف كليًّا عن البراغماتية الفلسفية pragmatism سيئة الصيت، التي (ظهرت كتيار فلسفي سياسي عام 1878والفرق الزمني بينهنا قرن كامل) وهي التي تخوض بالمعنى النفعي السلبي، والتي تلاحق النفعية، وهي التي أسست للاستعمار، وقد التصق صيتها السيء بذرائعيتنا خطأً، لكون الذرائعيتين تنطلقان من جذر لغوي واحد، وهو الجذر الأجنبي اللغوي اليوناني (pragma) فهو يجمع بينهما في الأصل اللغوي فقط، رغم أنهما متناقضتان في الاتجاه الفلسفي والإجرائي ...وذرائعيتنا (الذرائعية اللغوية الجديدة pragmatics) أو (البرغماتية الجديدة)،هي مذهب (الجحيلي، n.d.)،) يلتقي بالمنهج الذرائعي اللغوي العربي (الذّريعة العربيّة الفلسفية pretext) وتندمج معها، وهذا الاندماج بين المنهجين ينقلها نحو الإهتمام بالمعنى المجازي الأدبي العربي (المعنى الوضعي التواصلي الإيحائي) في السّياق و المسنود بذريعة، ويستند هذا المنهج إلى مصادر ومستويات مختلفة تتوزّع بين الفلسفة، وعلم النّفس، وعلم الاجتماع، واللّسانيات، والبلاغة، والسيمياء...

أنقسام الفلسفة الذرائعية بالتمركز على النص القرآني:

 اختلطت وجهات النّظر حول المصطلَحَين( pragmatism و( pragmatics والتّفريق بينهما عند الكثير من الباحثين ، لكن الله (جل شأنه) قد حل هذا الإشكال وفرق بين الذرائعيتين في سورة الشّعراء، وخصّ الشعراء الذين يلاحقون (الانتفاع في الشعر، عن طريق المدح والهجاء في الآيات البينات( 224وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ /225 أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ/ 226 وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ )، ونهاهم عن متابعة النفعية السلبية (pragmatism) سالفة الذكر، ونصحهم بالانضواء تحت حكم الآية (227-إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) فصارت تلك الآية نقطة التمركز لذرائعيتنا العربية الحاضنة لفلسفة الذريعة التبادلية المنفعية (Pretext) وتثبيت لأركان المنفعة الأيجابية بعد أن صار الفرق واضحًاً بين الذرائعيتين، وجُعل الأدب العربي أدب رسالي أخلاقي في تمركزنا هذا على سورة الشعراء بموسوعتي الفلسفية بمجلّداتها الموسومة بـ (الذّرائعيّة بين المفهوم اللّساني واللّغوي/ و/الذّرائعيّة وسيادة الأجناس الأدبيّة / و/ الذّرائعيّة في التّطبيق / و/ الذّرائعيّة والعقل / والذرائعية والتحليل النقدي العلمي و (The Critical Pragmatic Arabic Approach وهكذا أصبح مصطلح الذرائعية لغويًّا حاملًا للذريعة (كحجة وبرهان أخلاقي) وصارت حجاجيّته في العنوان والهدف ليسند كل قول في التحليل النقدي للمنهج الذرائعي... وبذلك تمكّنتُ الذريعة العربية من إخراج هذا المصطلح من مستنقع الخطأ عن طريق الأدب العربي، حين تمركزتُ رؤيتي الذرائعية على القرآن الكريم سيّد النصوص،3823 الذرائعية

- هل وجدت عقبات اثناء إرساء نظريتك وصعوبة تقبلها من الواحة الادبية في العراق أو العالم العربي؟

* كثيراً لكن أصعبها أحد الأخوة من أبناء الحلة (أتحفظ عن ذكر أسمه إحتراماً لمعارضته الغير مبنية على معرفة) كان يومها يزور مصر وصادف لي توقيع كتابي الأول الذي نشرته مؤسسة الكرمة وتلك، مؤسسة معروفة في القاهرة وبعد استلام الكتاب بدقائق دون أن يقرأ ما فيه عقد مؤتمر وطالب بقتلي وتمزيق كتبي ولحد الآن لا أعرف السبب هل لكوني متمركزا على النص القرآني أو لشيء في ذهن يوسف.... أنا محتفظ بالفديو وسألاحقه فقط لأعرف السبب لهذا الحقد الغير مبرر...؟!

- لديك اتصالات مع العديد من الاساتذة والدكاترة ممن شرعوا بأخذ النظرية الذرائعية كمنحى جديد للنقد العلمي للنصوص سواء النصوص السردية على مستوى الرواية او القصة القصيرة او المسرح او الشعر.. هل تعتقد انك ذلك سيغير او انه سيطغى على النقد الادبي المتعارف عليه؟

* منهم من هو مؤيد لكونه يحمل علماً والآخر رافض وهذا شيء طبيعي في كل جديد...

- هل بإعتقادك انك ارسيت نقدا جديدا يسبر في البحث عن النص حيث انك تتعامل معه على انه انسان يتحدث ويبدي رأيه من منظور النقد الذرائعي؟

* نعم ،بكل تأكيد ،النص في نظري إنسان يحتاج الى دلال وإحترام وانا في كل دراسة أحصيها كلمة كلمة وتعيش معي من 20 يوما والى الشهر وأحياناً ويتجاوز عدد صفحاتها الخمسين صفحة، لأن النقد العلمي يحترم نتاجات الناس....

- ما مدى انتشار النظرية الذرائعية؟ وهل وجدت صعوبات في تقبلها على الساحة النقدية الادبية في محافظة ذي قار اوالعراق عموما او في الاوساط الادبية في العالم العربي؟

* إنتشرت الذرائعية في جميع أنحاء الوطن العربي ولي نقاد وأتباع ذرائعيون في كل بلد عربي وآخر تبليغ فيها هو العراق والحمد لله تقبلتها النخبة من أفضل الأدباء وساندوها بكل فخر وإحترام وأنت أولهم وأشدهم تعلقا بالذرائعية...

- عرفنا الاستاذ عبد الرزاق عودة الغالبي اديبا واستاذا للغة الانكليزية والالمانية ومترجما ماذا اضافت لك النظرية الذرائعية؟

* أضافت لي الكثير حتى وصلت تصرفاتي الشخصية أن اناقش كل معارض لي بأدب شديد حتى وإن ناصبني العداء وأعتبر نفسي أقل الناس شأناً ،وقد تعلمت إسلوب المناقشة الهادفة بذريعة وليس هذراً وهدراً....

- هناك خبر بأنك قمت بترجمة النظرية الذرائعية الى الانكليزية بمؤلف تحت الطبع عكفت عليه في روسيا حتى انهيته.. ماذا تأمل من مطبوعك الجديد والحديث المترجم باللغة الانكليزية؟ اتنشد العالمية من خلال طباعته ونشره؟

* نعم قبل سنتين أنهيت المجلد الأخير باللغة الأنكليزية في روسيا والآن هو قيد المراجعة لدى البروفيسور العراقي باللغة الأنكليزية الإستاذ محمد السعيدى لمراجعته علمياً ولغوياً وبعد الأنتهاء منه سيقدم للطبع...

- ماهو التحدي الذي واجهته وانت تضع نظريتك الذرائعية امام موجة عالية من بحور النقد الادبي الذي كان يسود الساعة؟ وها انت ارسيت بنظريتك في مرسى لا اقول اغضب بقدر انك كشفت عيوب النقد السائد على الساحة العربية والعراقية والمحلية؟

* وجودي بينكم وأنا رافع رأسي هو أكبر تحدي بكل ما تحويه الكلمة من معنى، وهو أعظم إنجاز قدمته لي الذرائعية، هو وجودي بينكم أما كتحدي بمعنى المفاخرة فلا تحدي في العلم والمعرفة لأنها عطية ورزق من الله والتحدي فيها منقصة، نحن لدينا ما لدى الناس وكل إنسان مقتنع بما عنده من رزق بشرط أن يشكر الله على رزقه....

- هل كان هناك دور لإتحاد الادباء في ذي قار او العراق عموما في استقطاب مؤلفاتك الخاصة في النظرية الذرائعية والنقد العلمي الذي طرحته كعلم جديد؟ و فيما إذا انتشرت النظرية ماذا تقول للاتحاد العام لأدباء العراق؟ و من شارك او ساهم في طبع مؤلفاتك في النظرية الذرائعية؟

* الإتحادات قائمة بواجبها ولها همها، وأنا لا ألوم أحد لكوني كسول بطبيعتي، و بسبب العمر (73) سنة يكون قليل الخروج من البيت وكثيرا ما سأل عني رئيس الاتحاد لكني لا أحب الجلوس في المقاهي كثيرا ولا أفضل اللقاءات لكوني قليل الأصدقاء.... بكم صار لي لقاء في بيتي ونقاشات أروع من الرائعة وهذا يكفيني وهو منتهى كل طموحي.... وعليكم نشر ما تؤمنون به....

- اصبحت لنظريتك الآن ساحة وارفة من ادباء انضوا تحت ظل الذرائعية... هل تعتقد انك الآن قد ارسيت رضاك وانت تكفل اطروحاتك على مسامعهم؟

* أنا راض جدا عما فعلت فقد كان لتعبي عشرة سنوات من البحث والمتابعة وأكثر، والآن ظهرت نتائجه برضاكم عنه، وصارت له قيمة علمية وأعتبارية أشكر الله عليها وأشكركم بعد الله فما عندي هو أمانة لكم أستودعت في ذهني...

- قضيت كما علمت سنين من حياتك في البحث والتنقيب والدراسات في مجالات شتى سواء الادب الغربي او الأوربي او الروسي والعربي وعلقت امامك النظريات كالمعلقات ورحت تستخرج منها المنطوق الحرفي واعتمادك مخارج الحروف بطريقة علمية لم اعرف ناقدا قد نال من تلك الابواب كموضع للنقد... ماذا اضفت الدراسات الى مفاهيم النظرية الذرائعية لعبد الرزاق الغالبي؟

* أنا فحصت كل ما يحيط بألأدب من علوم وفهمت معنى الأدب ووجدت فيه ضالتي المنشودة وكنت أتجول فيه كما يتجول عاشق للزهور في حدائق غناء، فلا أعتبر تعب تلك السنين سوى سفر لسياحة في مجاهل العقول وقد سبحت في عوالم المكتبات والمنصات الرقمية وفي كل منصة آخذ دش في سبيل كمية من الأفكار، فعل يعتبر خوضِ هذا تعباً أم هو راحة تامة وإستجمام وجبروت لفرح بلا نهاية.....

- هل تعتقد أن النظرية الذرائعية ستمتد وتنتشر في العراق والعالم العربي وتكون منهجا ادبيا علميا للنقد الحديث؟

* هذا ليس إعتقاد وإنما حقيقة دامغة مؤكدة تعيشها أنت معي والنخبة من العقول الراقية فرقي العقول يتأتى بالعلم والمعرفة ....

- امنية تود ان تتحقق في عالم النقد العلمي للادب الحديث؟

* أن نثق بأنفسنا نحن العرب ونعرف أن أصل العلوم وجذورها نشأ ت منا وليس من( الخواجة) التي صارت عقدة نفسية عند البعض فهم يكرهون الغرب لكنهم يعبدون قوله وفعلة لذلك إستفحلت عقدة الخواجة وصارت عقدة مرضية فينا ، فنحن نكرههم من جهة ، ونعتقد بأن لا شيء جديد يظهر إلا منهم في الأخرى....

الاستاذ الفاضل عبد الرزاق الغالبي شكرا لك

شكرا لك أتمنى أن لا أكون ثقيلاً عليكم....

***

حاوره: عبد الجبار الحمدي – أديب عراقي

 

 

حسن السالميبداية ماذا تقول عن حسن سالمي ساردا تونسيّا؟

* قبل كلّ شيء أقدّم لك جزيل شكري أديبنا السّامق عبد الله المتّقي على هذه المصافحة. وجوابا عن سؤالك أقول حسن سالمي هو أديبٌ تونسيٌّ ولد ببلاد الجريد سنة 1971. تفتّحت قريحته منذ بدايات تسعينات القرن الماضي، واختار ان يراكم تجربته في الظّل إلى حدود ربيع سنة 2014 حيث أصدر مجموعة قصصيّةً بعنوان "التيه" ثمّ انهمر الغيث فأصدر رواية "البدايات"، ثمّ "زغدة"، مجموعة قصصية، ثمّ "الإشارات"، دراسات نقديّة. ثمّ "الدماء لا تنبت القمح"، قصص قصيرة جدّا. ثمّ "مأدبة للغبار" قصص قصيرة جدّا. ثمّ "الطّيف" رواية متحصّلة على جائزة توفيق بكّار للرّواية العربيّة. ثم "غوانتانامو" رواية صدرت خلال شهر فيفري 2022. وله تحت الطّبع: "أنا وظلّي" قصص قصيرة جدّا تحصّلت على جائزة فاطمة بن محمود للقصّة القصيرة جدّا نظّمتها مجلّة أوراق مبعثرة. ورواية "المحاق" في جزئين، فضلا عن مخطوطات أخرى في القصّة القصيرة جدّا والقصّة القصيرة والرّواية للنّاشئة تنتظر فرصة الخروج إلى النّور.

من أين تشكّل عالمك القصصيّ والرّوائيّ، وما دور البيئة المحيطة بك في ذلك؟

* ما من تجربة إبداعيّة إلّا وتكون قادحتها الأولى هي الموهبة. شيء نجده فينا دون أن نختاره، وقد تسبقه ارهاصات متقاربة أو متباعدة في الزّمن تبشّر بحالة إبداعيّة قادمة. وشخصيّا حين أعود بالذّاكرة ألمس تلك الارهاصات في الطّفولة الأولى، حيث كان الخيال وثّابا والذّهن الغضُّ الطريّ ميّال إلى عالم الأحلام والسّحر، تارة أجده (أي الخيال) في ما وقع بين يديّ من حكايا وكتب وأفلام ونحوها، وتارة أجده ينبع من ذاتي فإذا رغباتي الدّفينة تتحوّل الى أحلام في اليقظة أصنع منها ما أشتهي وأشاء. حتّى إذا مرّ الوقت ودون الخضوع إلى منهج واضح أو عناية خاصّة أفصحت تلك الموهبة عن نفسها واتّخذت شكلها ضمن عالم السرد ومحيطه الواسع، وطبعا هذا الإفصاح لا يكون إلّا بعد رحلة طويلة مع الكتب ومع كلّ ما يمتّ الى الثّقافة والمعرفة بصلة. وقبل ذلك وبعده التّجربة الشخصيّة مع الحياة ثمّ تجارب الأقربين ثُمّ وثُمّ... أمّا بالنّسبة إلى الشّطر الثّاني من سؤالك فلا شكّ في أنّ البيئة المحيطة هي الحاضنة الأولى لتلك الموهبة. فما تشكل في وجداننا ومشاعرنا وأذهاننا من ذخائر لا سيما في فترة التّلقّي الأولى هي التي تطبع الحالة الإبداعية وتظل النّبع الذي نعود اليه سواء وعينا بذلك أم لم نعِ. وهذه العمليّة ليس بالضّرورة أن تكون خاضعة للقصديّة والخطط المسبقة، إذ البيئات العربيّة في عمومها لا تعتني عناية مباشرة بالمواهب وإن ظهرت ارهاصاتها باكرا، ولا تخضعها إلى برامج علميّة تفجّر فيها أقصى ما يمكن من طاقة. إنّما عمليّة التفاعل تلك تأتي في سياقات عشوائيّة بغير خيوط ناظمة في الظّاهر، ولكنّها تلتقي على أمر قد قُدِر فيكون الابداع بشطآنه البعيدة وأسراره التي لا تنتهي.

أنت كاتب متعدّد، روائي وقاص وامض وكاتب مقالة، فأين تبني خيمتك وتستريح؟

* أعتبر الرواية والقصّة القصيرة والقصّة القصيرة جدّا، وأدب الناشئة والمقالة والدّراسات النقديّة غرفا متعدّدة لبيت واحد، تفضي بعضها الى بعض ضمن فضاء واحد هو فضاء السّرد، ويمكن أن تنفتح كلّ غرفة على ما يناسبها من العالم الخارجي. لكنّها تظلّ مرتبطة بأخواتها على نحو ما. والذي يحدّد استراحتك فيها هي حاجتك إليها في وقت معيّن. وهذه الحاجة تحدّدها الفكرة والقضيّة والرّسالة التي تشتغل عليها، فتدرك بحدسك الإبداعي أنّ الإفصاح عنها يكون حصرا بواسطة هذا الجنس الأدبي وليس بذاك. والأديب هو أشبه ما يكون بالطّاهي المحترف لا يجوز له أن يلقي كلّ ما في مطبخه في قِدر واحدٍ ودفعة واحدة. وإلّا كانت الوجبة التي سيقدّمها سيّئة للغاية على مستوى الطّعم والذّوق معا... وملخّص القول كلّ جنس من تلك الاجناس السرديّة التي ذكرت، هي محطّات استراحة بالنسبة لي تحدّدها الحاجة منها.

تجربتك في القصة القصيرة جدا حقّقت فرادتها تونسيا وعربيّا. كيف استطعت تشييد هذا المختبر القصصي؟

* بادئ ذي بدء دعني أعترف بأنّ القصّة القصيرة جدّا هي أصعب جنس ابداعي كتبت فيه. وتبين لي هذا لمّا نزلت من سماوات التّنظير إلى أرض التّطبيق. حتّى أنّه أتى عليَّ حين غشِيني منها اليأس فأوشكت أن انفض يدي من كتابتها!  ومردّ ذلك كما أزعم يعود الى وعيي الشقيّ بها!  ذلك أنني كنت وما زلت أعتقد أنّ القصّة القصيرة جدّا هي عالم في نقطة، وبحر في قدح. والمعادلة كيف لي أن اجمع بين هذين النّقيضين دون الخروج عن نظم القصّة ونواميسها؟ وكيف لي أن أخالف السّائد وأصنع بصمة تميّزني في هذا البحر المتلاطم من القصص القصيرة جدّا؟

وعليه فلقد حاولت المحافظة على هويّة القصّ دون تماه مع أجناس إبداعيّة أخرى. ذلك أنّ القصّة القصيرة جدّا تقع في خطّ التماس مع قصيدة النّثر والشّعر عموما فضلا عن القصّة القصيرة والطُرفة والنّكتة والخبر واللقطة وما إلى ذلك من طرائق التّعبير...  القصّة القصيرة جدّا تستوعب ذلك كلَّه وتقترب منه في حذر شديد دون أن تكون أيّ أحدٍ منها في النّهاية... لم أعدم المحاولة من جهة ثانية من استيعاب الجانب النّظريّ في كتابة القصّة القصيرة جدّا واختلافي معه أحيانا حتّى أثبت أنّ احتمالات كتابة هذا الجنس الصّعب دائما تظلّ مفتوحة وهو لا يمكن أن يتجمّد داخل أطر معيّنة أو في قوالب جاهزة مهما كانت النظريّة التي تقف وراءه... من جهة ثالثة داومت الاشتغال على إحداث التنوّع في دوائر مختلفة. مثل دائرة القضايا الحارقة التي تهمّ النّاس وتعبّر عن مشاغلهم. وهذه القضايا تتوزّع على الاجتماعي والسياسي والقيمي والنّفسي والفلسفي. الخ... الخ... كذلك اشتغالي على تنوّع الفضاء في النّصوص كذا الشّخوص والاقتراب من تناقضات الحياة في مجتمعنا بنسبها المختلفة. فضلا عن ضرورة الاشتغال على تنوّع الأساليب ومستويات اللّغة ومحاولة استثمار تقنيات الرّواية والقصّة والسيناريو والمسرح واستدعائها إلى القصّة القصيرة جدّا.

عناوينك القصصيّة والروائيّة مخاتلة ومثيرة للتّأويل والاحتمال، وميّالة للمواجهة والصّدام. ما القصّة؟

* أشكرك على إثارة هذه النّقطة فملاحظتك في محلّها تماما... والسّرّ يعود الى اعتقادي الجازم بأنّ العنوان لا يقلّ أهميّة على تخوم النّص. ليس لأنّه العتبة الأولى التي تعترض القارئ وعليها المعوّل في جذبه فحسب، ولا لأنّه فقط يمنح هويّة مخصوصة للأعمال فتعرف به وتميّزها من غيرها، بل لأنّه أيضا حمّالُ جمالٍ كان ومازال قبلةً للفنّ وهدفا من أهدافه.  ومبعث جمال العنوان يأتي من تلك المنطقة السّاحرة المثيرة للغموض والسّؤال والمستفزّة لخيال المتلقّي ومشاعره، والتي تحيله في نفس الوقت على زبدة النّص دون تهويل أو مبالغة...  والحقّ أنّ العنوان يأخذ منّي وقتا للتّفكير أكثر الأحيان. وأظلّ حتىّ اللّحظة الأخيرة متهيّبا منه، وأحيانا أجعل له بدائل عديدة لأتخيّر منها ما هو مناسب بعد وقت... يعجبني عنوان ما ثم لا يلبث ان يخبو سحره في نفسي فأبحث عن غيره. وهكذا أظلّ على قلق...

ما حكاية هذا التحول من النّزعة القصصيّة الموجزة إلى النّزعة الروائيّة الشّاسعة والمتشعّبة؟

* الصحيح ان نعكس السؤال. ما حكاية التحوّل من النّزعة الروائيّة الشّاسعة الى النّزعة القصصية الموجزة؟ وذلك ببساطة لأنّ النّص الموجز ظهر مؤخّرا في حياتي الإبداعية (سنة2017 فقط) وكنت قبل هذا التاريخ أحاول السباحة في محيطات الرواية وبحور القصة القصيرة. كما أسلفت انطلقت تجربتي مع السّرد منذ بدايات تسعينات القرن الماضي، ممّا جعل تحت يدي كمًّا من التّجارب الروائيّة والقصصيّة نبتت في الظّل بعيدا عن الضّوء والضّجيج. منها ما اكتمل ومنها ما لا يزال منقوصا، ومنها ما يصلح للنشر ومنها ما لا يصلح. هذا فضلا عن الاعمال التي سبق أن عرّفت بها في مطلع حوارنا. ما أريد قوله ابتدأت مع النّفَسِ الطّويل في السّرد أوّلا، ثمّ وجدتني أجرب كتابة القصّة القصيرة جدّا. مدفوعا إليها من اعتبارات ثلاثة، أوّلا لأنّها جنسٌ سرديٌّ وعليَّ كساردٍ أن أخوض غماره وأركب المغامرة فيه بقطع النظر عن النتائج، دون الاكتفاء بالنّظر اليه من بعيد. وقديما قالوا ليس الخبر كالعيان. الاعتبار الثّاني، محاولتي الوصول الى القارئ في العالم الأزرق وافساح مكان لتجربتي في عالم الأنترنيت. خصوصا بعد أن بدأ الكتاب الورقي يمرّ بظروف صعبة حالت دون وصوله إلى القارئ من جهة ولانكماش طبقة هذا الأخير من جهة ثانية. وطبعا أنسب جنس للحضور في العالم الجديد هو النّص الوامض، والنّص القصير جدّا... أمّا الاعتبار الثّالث فيعود إلى القصّة القصيرة جدّا في ذاتها. ذلك أنّها رغم صعوبة مراسها وقدرتها على الزجّ بكاتبها في محرقة الأعصاب والصّداع تمنحه خمرةً ما. لذّةً ما. تكشف فيه طاقةً ما مختبئة في أعماق أعماقه...

حصلت على جائزتين عربيتين، في الرّواية والقصّة القصيرة جدّا، فما الذي منحك هذا الاستحقاق؟ وهل التفت إليك النقد؟

* هذا أصعب أسئلتك على الاطلاق خصوصا جزأه الأول. وأراه مخاتلا نوعا ما. ذلك أنّه يحيلني على تقييم نفسي بنفسي على الملأ، وهذا أصعب ما في الأمر. والاسترسال في الإجابة عنه ربما يزلق بي في دائرة العجب والغرور وهذا لعمري مرض أخشاه وأتجنّبه ما استطعت الى ذلك سبيلا.  وأدنى ما يمكنني قوله أنّ الصّدق مع النّص أوّل بوّابات النّجاح. والصّدق يقتضي الاعداد الجيّد وبذل الجهد. وتوطيد العزم على البحث عن الجمال والمختلف والأرض غير الموطوءة. أمّا القسم الثّاني من سؤالك يمكنني القول بأنّ النقد التفت اليّ ربع التفاتة فحسب! وهذا الرّبع شكّلتها قراءات عاشقة في الغالب، تلقي الضّوء على مواطن الجمال من وجهة نظر كُتّابها. لكنّها لا تشاكس ابداعاتي ولا تنصب لها المرايا لأرى فيها ظلا غفلتُ عنه أو نورا صنعتُه دون الانتباه إليه. أما النّقد الأكاديمي وعليه المعوّل فلم أنل شرفه بعد؟ ولك أن تسألني لماذا؟

أكبر الأسباب هو تعثّر وصول كتبي الى القارئ والنّاقد لخمولٍ في التّوزيع، ولتخلّي دور النّشر عن واجبها، مكتفيةً أكثر الأحيان بمنحة وزارة الثّقافة ثمّ الغبار والنّسيان بعد ذلك ولا تبالي. سبب آخر يتعلّق بالوضع الذي آل اليه النّقد في مجتمع الثقافة العربي عموما، ليس فقط على مستوى الانكماش والضّمور والتّكاسل، وإنّما أيضا يتعلّق بالجانب الأخلاقي. لقد أفسدَ النّقدَ في وطننا الكبير منطقُ الشلاليةِ وكسبُ المصالحِ الآنيةِ الضيّقةِ وتبادلُ المنافع. دون اعتبار للنّصوص الإبداعية في ذاتها. وشخصيّا أبغض هذا الطريق وأكره المشي فيه مكتفيا بصومعتي، معوّلا على الزّمن...

* يرى لويس ماتيو دييس أنّ " القصّة القصيرة جدّا هي الانطلاق من نقطة صغيرة إلى أخرى جد كبيرة."  ما تعليقك؟

هذه الكلمة عميقة جدّا ومخاتلة وحمّالة أوجه. وأوّل ما يتبادر إلى ذهني منها هو التّالي: سرٌّ ما يربط بين دقائق الطّبيعة والكون والحياة وإن بدت لنا متنافرة متناقضة من الوهلة الأولى. وهذا السّر ينتقل بشكل أو آخر الى الانسان ولا ينحصر فقط على بعده المادي، بل يتجاوزه الى تلك الشطآن التي تقع وراء ضفافه.  وأحد تلك الشطآن: شاطئ الابداع، ولو دقّقنا النّظر فإنّ هذا السّاحر الكبير واللّغز المحيرّ -وأعني به الابداع-يخضع على نحو ما إلى تلك القوانين.  من ذلك أنّ هذا الكون الشاسع الثّري المدهش وما يحويه من عجائب الأحجام والأشكال والألوان والرّوائح والطُّعوم وما لا يقع تحت حصر، انطلق من نقطة صغيرة جدّا كما تقول نظريّة الانفجار العظيم. كل تلك الاسرار والعجائب تكمن في نقطة قد لا تقوى العين على رؤيتها.  أليس هذا مدهشا وعجيبا؟ إنّنا بوعيٍ او من دون وعي نعيد تشكيل كوننا الابداعي على مثال الكون الذي ولدنا فيه. وقد يتوهّم بعضنا أنّه خالف المألوف مطلقا وخلق خلقا على غير مثال سابق، وهو في حقيقته لم يخرج عن دائرة الخلق الأولى، بل أثبت من حيث أراد النّفي أنّه من تجلّيات قوّة أكبر منه سرّبت إليه شيئا من روحها فكان تجلّيا من تجلّياتها. إذن هذا هو الأصل والسّر الأول الذي يجعل خلق النّقطة القابلة للانفجار والذّهاب في كل اتجاه هي أرقي درجةٍ في سلّم الابداع... أليس هذا دليلا آخر على أنّ القصّة القصيرة جدّا من أصعب الفنون على الاطلاق، باعتبارها النّقطة التي ينبغي أن تحمل في صميمها السّماوات والأرض وما بينهما. ولا يفوتني قبل أن انهي الإجابة عن هذا السّؤال الشيّق أن أنبّه بأنّ الحركة التي أشار اليها "ماتيو دييس". تخصّ قارئ القصّة القصيرة جدّا دون سواه ولا يمكن تعميمها كقاعدة عامّة. ذلك أنّ الحركة التي يقوم بها المبدع الوامض هي حركة عكسيّة تماما... ينطلق من الكبير المتشظّي إلى الصّغير اللّامتناهي. عالم في نقطة، وبحر في قدح!

هل من نميمة بيضاء وباقتضاب عن نصّك الرّوائي الأخير غوانتانامو؟

* مناخ الرواية عموما يدور بين الاهداء والتصدير اللّذين جاءا فيهما: "إلى من ناوشتهم سياط العذاب ظلما. إلى كل إنسان حرّ." أمّا التّصدير فلشيخ المناضلين نيلسون منديلا: "ليس حُرًّا من يُهان أمامه انسان ولا يشعر بالإهانة." ولقارئ الحوار أن يربط ذلك بالعنوان ويترك خياله يرحل الى هناك.

كلمة أخيرة سي حسن.

* أجدّد لك شكري المبدع الكبير عبد الله المتّقي. كان الحوار معك ممتعا للغاية. أفسحت لي المجال كي أتنفّس برئة جديدة. ما لا يستطيع المبدع قوله في نصوصه باعتباره محكوما بقوانينها، يقوله في الحوار بلا مواربة، بعيدا عن مساحيق الفنّ ومراوغاته. أسئلتك كانت ذكيّة جدّا ودقيقة. إنّها لم تخرج عن قوانين الأدب الوامض. كلمات موجزة تخفي وراءها كثيرا من المعنى. أحسن الله اليك.

***

حاوره: عبد الله المتقي

 

3681 علي عبيد شريفالشخص الذي تنفذ اوامره بالابتسام حتى لو كان في مجلس عزاء، إنه: علي عبيد شريف:.

- اجد اصحاب الابتسامات الصفراء حجرا في طريقي

- اتهام وجه لي من البعض رغم انني احمل اوسمتى في ركبي المتسخه

- الاهتمام الزائد بكل مافيه لن يوصلك الى رضا البعض

- لعل تنمرا يعلمني شيئا كنت اجهله

***

لا يملك سلطة ولا يحمل سيفا ولا تحيط به مجموعة حماية ينفذون اوامره لا بل الرجل لا يصدر اي أمر ولايحرك به لسانه لكن ما ان يراه الآخرون بكامل عدته حتى ترتسم على وجوههم ابتسامة عريضة ليقوم هو بحفظها وارشفتها مع منح المبتسم نسخة منها علها تنفع في يوم عبوس قمطريرا او يستخدمها المحتفظ بها على طريقة .. (اذا ضامك الضيم اذكر أيام عرسك) وعلى طاري العرس تعالوا معي في دردشة جميلة مع الرجل البارع في صيد اللحظات الهاربة وتوثيق الابتسامات ومن يتمنى كل عريس ان يصادفه اول ما تتابط العروس ذراعه .

* هل للابتسامة انواء جوية وكيف تقرأها؟

* تختلف الابتسامات بتعابيرها منها صدقها بمن تلتقي ومنها يكون مصطنعه لتقبل الاخر

* عدد أنواع الزحف واشرح الزحف الحلال؟

* الزحف هو محاولة التقرب من الاخر بطرق التودد او التصرف المرئي وغالبا ما يكون هناك من ينتبه لتصرف الشخص الزاحف بعيدا عن كل النوايا حينها سيكون في دائرة الاثم

* ماذا يعني لك اللون البرتقالي؟

* لون كاذب لا صحة له انما استمد حاله من فاكهة اجحف طعمها منذ زمن طويل

* ايهما أصعب تسجيل هدف او إمساك بلحظة هاربة؟

* كلاهما يحتاج دقه انتباه في لحظه ان مرت لن تعود وهنا عشقي في اصطيادهما

* كيف تقرأ وجه من يقف امامك؟

* سنين طويله وانا احمل تلك الماكنه التصويريه ملأت جعبتي بكل رسومات الوجوه لذا اجد سهولة في قرائتها مابين من يتوددني ومن يتماثل بموده لعله يقنعني بمودته –

* هل الكاميرا قادرة على كشف دواخل النفس؟

* نعم شرط ان يكون حاملها ذكيا في حصد رضا الناس ومن غيرهم قد يتذمرون ويسيئون اليه

* لمن التقطت اجمل صورة؟

* اعدادا كثيره تعنون بجمال اصحابها منجز عدستي ويشهد لها ارشيفي

* كيف تتعامل مع الابتسامات الصفراء؟

* بصدقي بلغت قمة الامر وقال الحكماء .. ان غاية الناس لاتدرك

لذا اجد اصحاب الابتسامات الصفراء حجرا في طريقي لااحسب لهم اكثر مما يستحقون واضعهم خلف ظهري واذهب

* متى يصيبك الغرور؟

* اتهام وجه لي من البعض رغم انني احمل اوسمتى في ركبي المتسخة من اجل ان اكون وسط زاوية العين لكل جالس واصنع لهم صورا في قمة التقدير ومازلت متهما بالغرور

* على من يحسب المصور .. الفن او الصحافة؟

* في كل الاحوال خلدت العدسة تاريخا طويلا في المجالين اعلاه لكنها منسية في كل منجز وعن عدستي انها حره ارى وجودي بين الناس احب من اي مؤسسة

* هل تذكر اسمك الثلاثي؟

* نورس .. لقب اطلق منذ عام 2008 حينما كنت قريبا من مؤسسة المرسى وهذا ما وصفني به الدكتور شاكر الشرقاوي رئيس المؤسسة متمنيا له دوام العافيه وعن اسمي وقد لا يعرفني الكثير (علي عبيد شريف مواليد 68 بغداد)

* ماهي ردة فعلك عندما يتنمر عليك أحدهم؟

* في البدايات كنت انزعج لكن ما ان اعتدت الامر ووجدت الناس الوانا مختلفه وعلى حامل الكاميرا ان يتصرف بروح رياضيه ليستفيد ولعل تنمرا يعلمني شيئا كنت اجهله

* ايهما أكثر جمالية وصدقا الصورة التي تؤطرها دمعة او تلك التي تغلفها ابتسامة؟

* الفوتوغراف رساله علينا اتقانها بنسخ كل شيئآ خلق - لذا نجد كل الوجوه تختلف بتعابيرها فمن نسخها بمصداقيتها تكون اجمل من ان يحاول تغيير ملامحها ليشد انتباهها بجمال مصطنع

* هل يختلف تصوير الرجال عن النساء وبماذا؟

* نعم تصوير الرجال اكثر واقعيه وقريب من قمم الفوتوغراف اما نصويرالنساء ففيه تتعبنا انعكاسات الوهج المصنع حيث هنالك جزيئات من المساحيق ان كثرت ستفقد الصورة جمالها

* هل اوقعتك مهنة التصوير بمطبات؟

* بعدما اعتدت الامر بظل من يترقبني تعلمت ان اكون اكثر حذرا في كل الاماكن خشية الوقوع في مطب مع اي شخص لم يسمح لي بتصويره او قد يطلب مني مراقبة الصور التي صورتها في اي لحظه لاحترازات امنيه وغيرها وانصح كل المصورين ان يتمكنوا من تحديد فريم او مستطيل الصوره للشخص او المجموعه القصود تصويرها ولا يقترب ممن لم يسمحوا له ويكون تصويرهم خالي من اي شخص لايدري

* كم تتقاضى أجرا؟

* اعتمدت كاميرتي كمصدر رزق بعد ما اتعبتني مصاريفها ووجدت حلا مرضي في ان يكون هنالك اشتراك شهري رمزي لمن يود تصويره ولا اجبار بذلك وقد اجد هنالك من يساهم معي باضعاف ما طلبت منه ومنهم من يتحجج بكل وسيله من اجل ان لا يدفع لي

* هل شاركت بمعارض؟ وهل حصلت على جوائز؟

* لم اشارك في اي معرض .. يكفي ان هنالك نورسا لا يحتاج الى تعريف او ان يعرض منجزه ويبحث عن من يكون حاضرا ليمتدحه ، يشهد منجزي اليومي اقتراب عدد من يتابعني من الالف صوره يوميا وبأعداد تبشر بتزايد ولولا حرصي على عدم تحمل مشقة السهر من اجل نشرها كل ليلة لكن العدد اكبر بكثير

اما عن الجوائز بعيدا عن اهتمامات الحكومه فقد اكتفينا بجوائز عديدة وثمينه من كل المؤسسات الحيوية والناشطه من اجل محبة الوطن

* هل نافقت أحدا من الذين صورتهم؟

* قد لا اكون مبالغا ان الاهتمام الزائد بكل مافيه لن يوصلك الى رضا البعض

* لمن يحتاج التصوير أكثر الموهبة او الخبرة؟

* الموهبه بداية الطريق وان سرت في صحيح الطرقات والاستفاده من موهبتك حتما ستلملم خبرة في كل مفترق

* هل صورت نفسك؟

* نعم اجد في صورتي رسالة لكل موضوع اود ان ابينه بقصد التوضيح لما اقصد

* ماذا تعلمت من التصوير؟

* التصوير بحد ذاته مدرسه متكامله علمتني الكثير واخذت بيدي من قلة درايتي بكل مجالات الرقى حتى بلغت رفيقا لجميع صناع الحياة

* هل يختلف التعامل في التصوير بين المتحرك والثابت وكيف؟

* فرقا بين الحالتين .. المتحرك يحتاج تمكين جاهزية الماكنه باوضاع السرعه لتتمكن من تصوير الحركة أما الثابت فيحتاج الى تمكين الكاميرا وتسخيرها لاقتناء ادق التفاصيل لتصويره

* هل اضعت صديقا بسبب صورة؟

* نعم مجرد اختلاف اراء فيكون الاخير غير مقتنع ويذهب مجافيا ولعله يجدني يوما ابهى ويعود

* هل انت مشهور؟ ولو كنت كذلك ماذا جنيت من الشهرة؟

* لم ابلغ القمم وما انا الا نورسا محلقا في سماء رقاكم والشهره تكون اجمل عندما تكون محبة الناس والحمد لله

* ماهي علاقتك بالمتنبي الشاعر؟

* المتنبي الشاعر مدرسة حياتية متكاملة تعلمنا منها الكثير اما المتنبي الشارع فهو باب رزق وكرنفال محبة ودروب يلتقي في منعطفاتها الاحبة والمثقفين في موسم الجمعة . نعم كثيرا ما اندم خصوصا عندما احاول ان اصنع منجزا لاحدهم فيصيبني بخيبة امل لاختلاف وجهات النظر فأندم

* هل تمنيت أن تكون انت صاحب صورة التقطها مصور أخر؟

* نعم الحالة موجود وهي الدافع الرئيسي لكل هاوي ليصل الى ما يتمناه

* ماهي علاقتك بالأدب؟

* الادب فضاء جميل اتمنى ان اكون اكثر رقيا واتعلم

***

حوار: راضي المترفي

لا يمكن أن تذكر أدب المنفى أو الشتات أو المهجر، من دون أن تتذكر اسم الشاعر والروائي العراقي قصي الشيخ عسكر. فلو نظرنا إلى قائمة أعماله التي تربو على 30 عملا موزعة على الشعر والقصة والرواية والنقد الأدبي تجد أنه بدأ النشر في دمشق عام 1990. وهذا يعني أنه من جيل المنفى بموجته الثانية، التي عانى أفرادها من مرارة الاغتراب والتشرد في وقت مبكر.

لقد حملت أعمال الشيخ عسكر هذه الأوجاع ولا توجد لديه رواية تخلو من موضوعين: الماضي المؤسف بما ينطوي عليه من استبداد وعذاب وحرمان. والحاضر الذي يعني بالنسبة له الرحيل دون توقف من عاصمة إلى غيرها بحثا عن الاستقرار والأمان.

قصي الشيخ عسكر من مواليد البصرة عام 1951. يحمل الجنسية الدانماركية. ويقيم حاليا في إنكلترا حيث يعمل ويكتب. نشرت قصائده وقصصه في مجلة العربي (الكويت)، الثقافة (دمشق)، الشرق الأوسط (لندن)، وغيرها.

من أهم رواياته: المكتب، نهر جاسم، المقصف الملكي. وصدرت له منذ أسابيع رواية (علاء الدين) في دمشق عن دار أمل الجديدة. هذا بالإضافة إلى كتابه "أساطير العرب قبل الإسلام وعلاقتها بالديانات القديمة". وهو يحمل شهادة الماجستير في الأدب العربي من جامعة دمشق. وشهادة الدكتوراة بالاختصاص نفسه من إحدى المؤسسات الأكاديمية في لندن.

لاستجلاء الخطوط العريضة لخلاصة أرائه في فن الرواية، جرى معه هذا اللقاء بواسطة الفايبير والبريد الإلكتروني.

* ما هي أهم الروايات التي تأثرت بها؟.

جواب: في بدايتي سحرتني الواقعية الروسية ولا سيما رواية (الأم) لغوركي. و(آنا كارنينا) لتولستوي. لذلك ستجد أن أول ثلاث روايات كتبتها وهي (المكتب) و(المعبر) و(المختار) تندرج في الأساليب الواقعية.

* يُلاحظ أنك تعتمد على سيرتك الذاتية في أعمالك الأخيرة. وأفكر بجنان جاسم حلاوي. فهو يستفيد أيضا من سيرة حياته المقسومة بين الوطن والمنفى. ألا توجد علاقة بينكما؟.

جواب: جنان صديق. وقرأت له (يا كوكتي). لكن لا أكتمك سرا لست مرتاحا للرواية الحالية في العراق. وأخبرته أن الرواية العراقية تشهد نكسة ملحوظة وهي ضعيفة. وصارحته أن أعمالنا في المشهد العام حاليا تعاني من التراجع.

* ولكن تحصد الرواية العراقية اعترافا ملحوظا. و"فرنكشتاين في بغداد" لأحمد السعداوي فازت بجائزة الرواية العربية ورشحت لبوكر الدولية؟.

جواب: أنا سبقته لهذا الموضوع في روايتي "شيء ما في المستنقع". وفكرتها تدور حول تجميع أجزاء ميت. ولدي رواية قصيرة بعنوان "آدم الجديد" عن جندي متضرر يزرع له دماغ ميت. ولاحقا يكتسب سلوك ومعارف صاحب الدماغ وينسى ذاكرته وشخصيته. ألا ترى معي أن رواية السعداوي ليست جديدة وإنما أحاط بها حسن حظ؟.3676 قصي الشيخ عسكر

* لا أستطيع أن أقبل هذه الحجة. لأن فرانكشتاين جزء من التراث الإنساني. والسعداوي وظفه بطريقته. بينما وظفته جانيت ونترسون البريطانية بطريقة مختلفة برواية حملت عنوان "فرنكستاين". استفادت الرواية والسينما من دون كيشوت. وكتب عن هذا الفارس المضحك كل من غراهام غرين قبيل وفاته. وكذلك الأعرج واسيني في روايته "حارسة الظلال". لكن فكرة غرين معرفية بينما الأعرج وظفه لتصوير الفساد السياسي والإداري وصعود الإسلاميين. ولا يمكن أن أجد علاقة بين التجربتين.

جواب: لكن الرواية العراقية مريضة. والأسماء اللامعة في هذه الأيام بارعة بالقصة وليس الرواية. كما أنه لدينا حالة شعرية أفضل.

* نعود إلى (يا كوكتي). تطرقت مع صديقي الناقد الأدبي د. حمزة عليوي لرواية (يا كوكتي). واتفقنا أنها عمل متميز ويستحق التنويه. يعتمد هذا الروائي مثلك على تجاربه الشخصية ويعيد صياغتها. وهذا واضح أيضا في مجموعة قصص صدرت له في دمشق عن وزارة الثقافة بعنوان (ظلال الطيور الهاربة). وقد تركت في نفسي أثرا طيبا. إنما لا زلت أتهيب من (أهل النخيل) بسبب حجمها والشهرة التي رافقتها. هل ترى أن خصوصيات رواياتك قريبة من خصوصيات جنان حلاوي. بتعبير آخر: هل تعتقد أن هناك شيئا مشتركا بينكما غير أنه يعيش في السويد وأنت بجواره في الدانمارك ثم إنكلترا؟.

جواب: لا توجد علاقة ملحوظة. أصدر جنان قصصا قصيرة جميلة جدا خلال حكومة البكر أو صدام لست متأكدا. وتبنتها وزارة الثقافة في بغداد. ولكن لا أذكر أنه أضاف شيئا بعد ذلك، فأنا لم أقرأ له الكثير بعدها. باختصار إنه يكتب القصص بأناقة، ولا يمكننا أن ننكر ذلك. أما رواياته ففكرتي عنها محدودة.

* لست في موضع الكلام عن كاتب أنت أقرب لتجربته. لكن (يا كوكتي) تشبه برأيي ما فعله يحيى يخلف في (نشيد الحياة) و(تفاح المجانين). يختلط الواقع بالخيال دون أن يفصل بينهما.

جواب: أعتقد أن جنان موهوب وقادر على التعبير عن المخاض الفني للرواية العربية بلغة خاصة وموشورية. بمعنى أنه يحلل ألوان الطيف ويكتب في العمل الواحد بعدة مستويات.

* إنما هناك اختلاف في لغته بين عمل وآخر. وهذا مفهوم بضوء التطورات الراهنة. حتى الأدب الفلسطيني تغير. قارن يخلف مع ربعي المدهون. الأول يقاوم ويقاتل بلا تردد. والثاني يتكلم بلغة الخلاص من خلال الألم والمعاناة والصبر الطويل. وشتان ما بين الاستراتيجيتين.

جواب: يحتاج الموضوع لتأمل ودراسات أعمق. ولا أود أن أثير مزيدا من الحساسيات.

* بلا مجاملة.. من هو الكاتب الأقرب إلى قلبك؟.

جواب: أجدني قريبا من فؤاد التكرلي وغائب طعمة فرمان. وأجد أن بعض ملامح بثينة الناصري ولطفية الدليمي تسعدني. هؤلاء الأربعة أرتاح لهم: رجلان وامرأتان. أما من بلدكم الجميل سوريا فلا أخفيك سرا أن شخصيات العجيلي تستحق التفاعل معها. بينما حنا مينة لم يمتلك كل قلبي. وباستثناء (الياطر) هو واضح وبسيط.

* أنا في الحقيقة أفضل (بقايا صور) و(الثلج يأتي من النافذة). ومن أعماله المهاجرة (حمامة زرقاء في السحب) وهي عن رحلة علاج لابنته في لندن. إنها عمل جديد ورقيق ومحزن. وتفقّد به نفسه وماضيه. أما (الياطر) فهي نتاج وعي لغوي يكاد يلغي فكرة الرواية ويتحول إلى تصوير حالة عزلة نفسية وانسحاب من المجتمع إلى برج عاجي. لقد فتح حنا مينة نافذة لفكرة الفداء المسيحي عن طريق العذاب والصليب. وهذا يرفع السياسة إلى مصاف الإيمان الذي نحتاج إليه كشعوب مكبوتة وغير متطورة.

جواب: في الواقع ما يستهويني بلا تردد هو الواقعية الروسية. ثم امتنعت عنها وانتقلت للروايات الرومنسية مثل (البؤساء) و(بائعة الخبز). وأرى أنها أثرت في كل الأعمال الكلاسيكية المعروفة في العراق وسوريا. وأضيف فوق ذلك الآن (ساحرات سالم) لآرثر ميلر. فلغتها الأخاذة لا تغيب عن بالي. وأحب أن أنوه بدور غسان كنفاني. فقد كان يعرف كيف يعرب عن ألم المأساة وضرورة أن تكون فدائيا تدافع عن أرضك.

* كنفاني كتب عن الأدب الصهيوني وسبق غيره لكسر هذا التابو. وعالج الموضوع بانفتاح وجرأة ومسؤولية أحسده عليها في وقته. ولم يهادن الشكل الفني في سبيل المعنى. وكتب بتيار اللاشعور في وقت كان هذا الأسلوب مطاردا ومشكوكا به، بدرجة الخطورة التي يتهم بها أوروبي غيره ويصفه بمعاداة السامية. ولكن لا يوجد لميلر عمل باسم (ساحرات سالم). وإنما كتب عن عرافات سالم مسرحية بعنوان (المحرقة).

جواب: هي نفسها. وتركت أثرا عميقا في نفسي. وستجد هذه المعاناة في روايتي الواقعية (المختار) والتي صدرت لي في وقت مبكر.3677 قصي الشيخ عسكر

* وماذا عن المؤثرات الواقعية؟ ظروف حياتك في الغربة.

جواب: أدين لها بأشياء عديدة. ورواياتي المهجرية استفادت من خبراتي العملية في الحياة. كل مدينة عشت فيها كتبت عنها رواية أغنت من حصيلة كتاباتي. لي رواية عن بيروت، وأخرى عن كوبنهاغن. ورواية عن الرباط. ورواية عن دمشق.

* ألم تترك لديك هذه التجارب إحساسا مختلفا بثقافات متنوعة؟.

جواب: هذه المسألة أقرب للنقد الأدبي. وأنا أنأى عنه بنفسي. أحيانا أكتب انطباعا بشكل خاطرة عن نص قرأته وحرك أشجاني. ولكن أركز على الرواية والقصة في معظم الأوقات. لي دراسة عن الأسطورة قبل الإسلام. ومعجم تعليمي بعدة لغات. لكن أجد نفسي في الرواية.

* المعاجم تحتاج لثقافة موسوعية ووقت ودأب. ما هي مصادرك وأنت كثير التنقل ومثقل بأعباء الحياة؟.

جواب: الأسطورة هي نتيجة الماجستير في جامعة دمشق. وتلقيت فيها علومي على يد الأستاذ العلامة أسعد علي ود. عبدالكريم اليافي الباحث في التراث العربي من كل جوانبه. وأضيف تأثير الناقد المستنير حسام الخطيب الذي كان يقرأ لي مخطوطاتي أحيانا ويرشدني بنصائحه وتعليقاته.

*هذا قوس واسع من المؤثرات المتناقضة. فأسعد علي مؤسسة مستقلة. بينما اليافي يعمل ضمن دائرة التراث العربي الرسمية. أما حسام الخطيب فهو كتلة شائكة من الشد والجذب، بين الوجودية بصيغ الفكر القومي، ومشكلة فلسطين، وعلاقته بالأدب المقارن والحداثة.

جواب: أنا معك. استفدت منهم جميعا وبنيت على مراجعي السابقة في العراق مثل جواد طاهر وغيره من مؤسسي الفكر الوطني الذي فتح له الباب الزعيم عبدالكريم قاسم. لكن خسارتنا له والانقلابات الدموية التالية وليل البعث الطويل هيمن على الساحة وكمم الأفواه. ولم يعد أمامنا مجال للتسامح. ودخلنا في مشكلة مزمنة مع الفساد الذي يلهب ظهورنا بسياطه حتى الآن. وأنا شخصيا خسرت والدي في المعتقل واضطررت لأن أنجو بجلدي بالفرار.

* ما هو العمل الذي تصور فيه هذه المعاناة أكثر من غيره؟.

جواب: المعاناة نوعان. عبرت عن نفسي في الداخل برواية (نهر جاسم) وهي مهداة لمسقط رأسي وكيف تطور مع الزمن وظروف الحياة الصعبة التي نعيشها في مجتمع الندرة والقيود. وصنفها الناقد نجم عبدالله كاظم بين أفضل مائة رواية عربية. أما المعاناة في المهجر فقد رسمت صورتها في رواية (وأقبل الخريف مبكرا).

* أمضيت في نوتنغهام أكثر من 15 عاما. وهي مدينة مؤنثة عشت فيها شخصيا لثلاث سنوات. وأذكر أنها تحرك قلب الحجر. ولكنك لم تكتب عنها. لماذا؟.

جواب: من قال لم أكتب عنها؟. لدي قصة طويلة منشورة وكلها عن نوتنغهام. وفي روايتي (الحبل والنار التي تسري) توجد عدة إشارات واضحة.

* كنت أعني رواية أساسية بحجم (قصة عائلة) التي سجلت فيها سيرة عائلة نموذجية من البصرة. خذ على سبيل المثال دي إتش لورنس أو ألان سيليتو. لورنس رحالة ولم ينس نوتنغهام وخصها بأهم رواياته مثل (نساء عاشقات) و(قوس قزح). وسيليتو مع أنه موزع في حياته بين آسيا خلال الخدمة في الجيش وبين لندن خلال عمله الصحفي لكنه كتب عن مسقط رأسه (الباب المفتوح) وهو أهم أعمال السيرة الأدبية التي أنفقت ساعات بقراءتها وتخيل شوارع وأزقة مدينة لا تذهب من الذاكرة. هل لديك مخطط لرواية من هذا النوع. أو حتى رواية مغامرات تاريخية عن القلعة وروبن هود؟.

جواب: منذ أول أسبوع وصلت إلى نوتنغهام تحركت الأفكار في رأسي وكتبت (الحبل والنار التي تسري). نعم العلاقة طفيفة وبعيدة، لكنها من وحي نوتنغهام. وما زالت في الذهن أفكار تتحرك، لكني أتأنى بتنفيذها، وأحتاج لمزيد من الوقت. ولا تنس "نوتنغهام في علبة لشمانيا". مع أنها نوفيلا فهي مخصصة لعلاقتي مع هذه المدينة. وخلال كتابتها نفذت رحلة ميدانية إلى شارع هايسين غرين لتدقيق المعلومات على أرض الواقع. ومع أنني وصفته في النوفيلا على أنه شارع البغايا فهو الآن كما لاحظت نظيف منهن. ويبدو أنه دخل بسن التقاعد. وبعد الاستفسار من ببال محلي أك. لي أنه لم يعد يوجد في نوتنغهام شارع مخصص لهذه المهنة. هن موجودات لكن في أماكن وبؤر متفرقة و لم يكن مستعدا للخوض بالموضوع. ولذلك تراني الآن أقرأ عن تاريخ سوق المطرزات الذي أسسه الفايكنغ. وعن تاريخ القلعة. وعن ماضيها الاستعماري وموقفها من جمهورية كرومويل.

*وكيف تمضي ساعات يومك في نوتنغهام؟.

جواب: كنت أعمل بعدة جهات. وحاليا متقاعد أعيش في منطقة ميدوز. البيت لي. جيراني إيرلنديون. في الصباح الباكر أؤدي بعض الواجبات المنزلية. أحيانا أستجم في مكتبة نوتنغهام. أقرأ ما تيسر. وإذا توفرت الفرصة أحضر عرضا مسرحيا أو حفلة موسيقية. كنت أشارك بحضور القراءات الشعرية. آخرها أمسية مع الشاعر هنري نورمال والكاتب المسرحي كيفن فيغان. وقبل النوم أقرأ نصف ساعة ثم أكتب لو هناك شيء وهكذا...

***

حاوره: صالح الرزوق 

3668 عبد الرحمن حموميعبد الرحمن حمومي (عبد الرحيم حمو) شاعر مغربي  ينتمي إلى تلك الفئة من الشعراء التي لا تستغويها الأضواء فتلوذ إلى الشعر لتبني من الشعر نوافذا للإطلالة على كل يعتمل في الذات والواقع والقصيدة .

وحتى تكون له عين شعرية غير عادية ليرى أشياء أخرى لا يمكن أن يراها إلا الشاعر الذي يستطيع إقتحام الأماكن الجديدة في اللغة اختار يجترح لنفسه منذ الثمانينات إلى الآن منطقة التأرجح الممكن بين الحضور و الغياب والإسم المستعار والإسم الخاص وبين الزهد في  النشر

كان لنا لقاء معه على هامش حفل توقيع لإصداره الجديد " منذ ما يقرب من كوكب " نظمته جمعية مقدمات للابداع والثقافة بتاونات بمناسبة اليوم العالمي للشعر .

س: كبداية لهذا الحوار كيف يوجد عبد الرحمن حمومي حيزه الشعري ضمن هذه التأرجحات التي تتوزعه  بين الإسم عبد الرحمن حمومي و عبد الرحيم حمو وبين الصمت والكلام والحضور والغياب كفعل ورد فعل؟ فهل وجدت حيزك الشعري  أم لازلت في طريق البحث عنه؟

ج: مساء الخير يسعدني أن استجيب للدعوة الكريمة من جمعيتكم التي يقودها الحلم والطموح لترسيخ الفعل الإبداعي والثقافي بثراء تعدده وتنوعه بدء يمكن القول أن عبد الرحيم حمو كإسم هو مغربي يجمع بين العربي والأمازيغي أو بعبارة أخرى هو إصرار على مغربيتي وعربيتي المغربية وهو لا يخلو من بعض الأسطرة الذاتية فهو تيمن بأحد الشرفاء الحموميين الذين انزووا عن القبيلة وراح إلى الأحراش ليبتني له كوخا متواضعا وكان يلقب بسيدي حمو مداح كان لا يتوقف عن امتداح الرسول في إطار زاهد وقانت وقتها كنت مراهقا وأزور العائلة لكني كنت أهيم بين الأحراش متوعدا بأصوات اليمام والعصافير وخرير الجداول وكنت أصطاد الكلمات التي تتطاير أمامي وتطير عقلي وكنت معتادا على دندنة ما أكتبه لدرجة حفظه تماما وتنقيته حتى يتلاءم مع إيقاع النفس والأخيلة....

وقتها كنت قد عبرت مرحلة الموهبة الطفولية التي انبثقت في تزامن مع عشق القرآن الكريم والشعر القديم والحديث وأجواء جبران خليل جبران وبشارة الخوري والشعر العراقي بعظمته كامتداد للقصيدة العربية القديمة العصماء لم يبرحني حمو ولم ابرحه بل فقط عاد المرخم ليكتمل من جديد في عملية مصالحة للحروف مابين الرحمن والرحيم وحمو وحمومي لم يحدث أي تشبه باسم شرقي  بل كما أسلفت الابقاء على البصمة الأصلية هذا فقط ما يتعلق بالشكل أما المحتوى فيتعلق بمحاولة كتابة قصيدة تنتمي لي دون أن تنكر تأثرها بقراءاتي المتواضعة للشعر والادب والمسرح .3669 عبد الرحمن حمومي

س: تنتمي تجربتكم الشعرية إلى جيل الثمانينيات الذي بصم القصيدة المغربية والعربية بمجموعة من البصمات والسمات  التي كانت لها الأثر البارز في إخراج القصيدة من حالة شعرية تتماهى مع السائد في ذلك الوقت من القضايا التي طبعتها الإديولوجيا والسياسية وغيرها....

فما هي الرؤية التي حاول جيل الثمانينيات بلورتها شعريا بصفتك كأحد المنتمين إليه؟

ج: أتذكر أن مصطلح جيل  بنفسه لم يكن ليعبر تماما عن المراد قوله عن تجربة الكتابة الشعرية وإنما هو نوع من التحقيب إنما يمكن بالمقابل الاحتماء بالمتابعة النقدية التي كانت يومها تعرف فورة مهمة باعتبار أن تلك الفترة التي عرفت أحداثا هائلة نذكر منها أصداء الهزيمة وأثرها على الوعي العربي وانعكاسه على الكتابة وبالتالي ازدهار النقد والنقد الذاتي وهي ظاهرة صحية على كل حال أعود لسؤالك اذا افترضنا جدلا أن ثمة أجيالا للكتابة فإن التداخل بينها قائم لا يمكن بأي حال فصل تجربة السبعينات فصلا قاطعا عن تجربة الثمانينات ولكن يمكن الاشارة إلى نزوع الشعر المغربي في الثمانينات إلى نوع من التخلص من الأثر الشرقي على القصيدة المغربية ومن ثمة ظهور مصطلح آخر لتوصيف الظاهرة وهو: " الحساسية الجديدة " أذكر أحد النقاد ( العياشي ابو الشتاء ) كان قال تعليقا على أحد نصوصي التي نشرتها بجريدة " المحرر"1979  تحت عنوان:"ثلاث قصائد" أنه قال ما يلي:" اعطني حساسية متفردة وأطح بنظريات النقاد" هذا فقط لتوضيح ظهور مصلح " الحساسية الجديدة " خلال تلك الفترة كان ثمة أصوات شعرية مهمة مختلفة عن الكتابة السبعينية المتراوحة بين النفس الإيديولوجي والنضالي المتأوه  قلت ظهرت كتابات تلتفت الى التفاصيل وإلى مساءلات وجودية وفنية بمنزع تجريبي منفتح على التجارب الغربية والنهل منها والإستفادة من الترجمة أقول على سبيل المثال لا الحصر الشعراء: مبارك وساط/إدريس عيسى / عبد الرحيم حمو/ أحمد بركات/ وفاء العمراني/ الخ ...) من هنا يمكن القول أن مؤشرات التجاوز للجيل السبعيني ابتدات بالكتابة الإشكال وفي هذا الإطار لا ننسى الأثر المهم لتجربة مجلة " شعر" وبعدها " مواقف' في الإنفتاح على الكتابة كأفق معرفي وتعميق الإحساس بضرورة الإنخراط في المغامرة الشعرية شكلا ومضمونا نظرا لأن الكتابة التقليدية كانت قد تم زحزحتها مع الجيل الأول من الشعراء المصريين واللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين بالنسبة للمغرب العربي فقد كانت أصوات الشعراء غير مؤثرة وربما تبحث عن اعتراف مشرقي ...

س: في قصائدكم الموزعة بين ديوانيكم صباح الخير أيتها المرارة وما يقرب من كوكب يوجد تعالق بين الرفض و الألم ما الذي يريد عبد الرحمن حمومي قوله شعريا  من خلال هذا التعالق؟

ج: لا أخفيك سرا إذا بحت لك ببعض الصعوبات الموضوعية التي منعتني من إصدار باكورتي الأولى في العقد الثمانيني رغم نشر العديد من النصوص في الجرائد والمجلات المختلفة وقد أدركت فداحة الأمر بعد ذلك لأن تلك النصوص تشهد على مرحلة مهمة جدا في مسيرتي الإبداعية والتي للأسف لم يتم توثيقها ضمن إصدار في مجموعة أو مجموعتين على الأقل وهكذا فإن العديد من مجايلي سجولوا ماكتبوا وتم احتسابهم كذلك كأصوات ثمانينية بعدها أصبحت زاهدا في النشر تقريبا أو قل يائسا وفي هذا الإطار تأتي مبادرة" الغارة الشعرية" التي ساهم فيها شلة من الشعراء المعروفين حاليا: سعد سرحان/ عدنان ياسين/ رشيد نيني / عبد الرحيم حمو/طه عدنان/ جمال أماش /والفيلسوف عبد العزيز البومسهولي كنوع من الإحتجاج على صعوبات طبع كتاب وفي هذا الإطار تم توزيع اول مخطوط للغارة الشعرية كمجموعة شعرية وهو لي تحت عنوان: "مذبح المرئي' والذي توصل به العديد من الشعراء العرب على رأسهم أدونيس ... بعدها انفرط العقد واختلى كل بكتابته فأصدروا العديد من المجموعات بعد ذلك أما عني فأصدرت أول مجموعة رسميا من طريق وزارة الثقافة المغربية سنة  2009ولولا تشجيع صديقي إبراهيم ديب ما فعلت ذلك بعده قيل انه كان سيفوز بجائزة بيت الشعر ولكنه لم يحتو سوى على ست نصوص وهو عدد ضئيل لا يسمح بذلك ومع ذلك تم التنويه به كشكل جديد من الكتابة الشعرية التي تحاول مساءلة الكتابة ذاتها بلغة شعرية مسافة التوتر قائمة وكتابتي تنحو منحى التكثيف واختيار كلمات بعينها من ضمن مرادفات عدة أنها محاولة لكتابة قصيدة النثر دون التفريط بايقاع نفسي لاهث غير مطمئن لأي شيء مثال نصوص: انفلاتات شرسة/ مجد البداهة/ صباح الخير ايتها المرارة....... بعدها تاتي طاحونة المحو على اساس التفكير في نصوص متخففة من المساحيق المتعارف عليها الى نصوص تسعى الى اشراك المتلقي في متعة الكتابةومحاولة تكسير الجدار اللغوي الذي لا يصيب في الأخير     هدفه والمتمثل في الأثر (impact)  في هذا السياق وبعد سنوات عديدة وبعد التفكير بروية في الأمر اهتديت الى الشكل الذي رايتموه في إصداري الأخير:" منذ ما يقرب من كوكب "

س: يلاحظ في لغتكم الشعرية بروز جلي للتشظي لماذا هذا الإتكاء على التشظي هل هي محاولة لقول بعض الأشياء من خلال التشظي؟ أم دعوة لتوريط القارئ في فعل قرائي عميق وندي؟

ج: اولا يجب تحديد مفهوم ما المقصود بذلك: هلى تشظي لغوي وتاتاة؟ هلىتشظي شكلي ومعانقة الصمت والبياض. المفهوم شاسع ويحتمل الكثير من التاويلات .ومع ذلك ساحاول مقاربة المفهوم من خلالل تجربتي في الكتابة الشعرية. بدءا نحن نعيش التشظي في زمن لم يعد يصغي كثيرا ولكنه يضيع في بحر الصور وتواليها اللانهائي والكتابة الشعرية في نظري تواكب ذلك بنفس لاهث وكانك تعدو بصوب الخيط الذي يتلاشى عند كل منعطف ما يتبقى هو الاثر الثمالة الرائحة الندوب الاهة الانين الفقدان اليس كل هذا تشظي اما كتابة فان الابقاء على صنبور التداعي متدفقا وتحليق المخيلة هو بالذات ما يجعل المعنى يتخلق في السيرورة والصيرورة اما المعنى القبلي المؤطر في صندوق ذهني ولغوي فلن يقول اكثر من متوالية دورانية غير مدهشة وغير محفزة . يمكن الذهاب ابعد للنظر الى الشعر كفعل تجديدي غير قابل للاحتواء مفتوح علىما يقدمه العالم من حقائق وتساؤلات في نظري بالامكان الابدع مما كان شريطة الدرايةمع التجاوز مع القلق الدائم .3670 عبد الرحمن حمومي

س: كيف تقيم تجربتك الشعرية شخصيا منذ التورط في الشعر إلى الوقت الحالي؟ هل أنت راض على تجربتك الشعرية ام لا؟

ج: ممكن القول ماذا أقول؟ ما أريد قوله وقلته في حوارات سابقة هو أن البحث عن الجدة بكسر الجيم ليس هو بالضرورة تحققها والمسؤولية شاملة فيما يتعلق بالمتابعات النقدية وهذا واقع ليس فقط بالنسبة للشعر بل بالنسبة للقصة والرواية وغيرهما بالنسبة لي لا أعتقد بأن ما أنجزته كاف ولكن الهدف هو المسعى للسير وليس الوصول على المستوى النفسي شيء واحد راض عنه هو أني لا أتكرر وحتى بالنسبة للنصوص فكل نص مستقل بتجربته رغم ما يمكن أن يقال عن ناظم رؤيوي واحد أعتقد أن على الشاعر أن يكون يقظا مثلما هو الشعركما يتجلى في الطبيعة والأشياء وإلا يستكين الى قاموس جامد أوقواعد نمطية وهذا الأمر تنبه له كل شاعر ذي موهبة وراح يحفر في أخاديد اللغة والصياغات والإستعارات والمجازات يحلو أن أكتب كما تشاء حالة الإشراق التي تحل في كمارد فاغدو أشبه بأوتار تلامسها ريح المخيلة المهم أن أكون قادرا على كتابة أحلامي وهواجسي الفكرية والجمالية كما تنطبع في قلبي أما عدا ذلك فغير مهم على الإطلاق .

س: كيف تقيم الحصيلة الشعرية المغربية منذ التأسيس للحداثة الشعرية بالمغرب إلى الوقت الراهن في منجز قصيدة التفعيلة و قصيدة النثر  مقارنة بالحصيلة الشعرية بالمشرق؟ هل استطاع الشعر المغربي أن يقول شيئا أم لا؟

ج: لست في مستوى أكاديمي يسمح لي بتقييم موضوعي وعلمي لظاهرة الشعر المغربي المعاصر ويمكن في هذا الإطار الإستشهاد بأطروحة الشاعر محمد بنيس حول ظاهرة الشعر المغربي المعاصر وكذلك المرحوم الشاعر عبد الله راجع في أطروحته: " الشعر المغربي المعاصر وبنية الشهادة والإستشهاد " وكثير من الدراسات الجامعية والأكاديمية المتخصصة ولكن هذا لا يمنع من أن ادلي برأيي في الموضوع والذي يمكن استنباطه من الأجوبة السالفة الذكر يمكن القول في البداية أن الشعر المغربي الحديث كما ظهر في الستينات كان متأثرا بالمد الوطني ومن ثمة التحولات الإجتماعية والسياسية ولكنه متنا كان متأثرا بالتجربة المشرقية ولنا في ذلك العديد من الأمثلة لا الحصر: المجاطي في ديوان " الفروسية " مثلا/الرباوي / محمد الطبال/ الزيتوني/محمد الطوبي ... وقد تراوحت كتابتهم شكلا مابين القصيدة العمودية وشعر التفعيلة/ محمد بنيس / عبد الله راجع/ محمد بنطلحة  أمينة المريني وكذلك قصيدة النثر كما ظهرت لدى وساط امبارك/ وآخرين عموما يمكن القول وبكثير من الثقة أن تجربة الثمانينات "أسست" لنمط أكثر تحررا وأكثر جرأة على مستوى الشكل كما على مستوى المحتوى فوجدنا تجارب متنوعة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: كتابات عبد الله زريقة /الهايكو المغربي مع سامح درويش/ الكتابة الشذرية كما لدى سعد سرحان وجمال أماش وعدنان ياسين ومحمد بودويك وعبد السلام المساوي ولفيف من الشعراء يكتبون ويبدعون . التجربة المغربية في الكتابة الشعرية في حاجة الى الإنصات في حاجة الى الحب في حاجة الى متابعات نقدية وأكاديمية جادة فالفورة الرقمية فرضت أنماطا من القول جديدة فيها الجيد وفيها الأقل جودة والرغبة في التواصل يفرض أيضا التعاطي مع كافة الحساسيات وفي هذا الإطار أنوه بالأعمال التي يقوم بها الشاعر السوريالي المغربي الكبير مبارك وساط فيما يتعلق بالترجمة من لغات أخرى واليها . الشعر في نظري تجربة حياة وليست وسيلة لاعتراف أجوف .

* كلمة أخيرة

ج: شكرا أستاذ محمد على إتاحة هكذا فرصة للتعبير عما خالجني ويخالجني في رأيي المتواضع والمحبة لكل من يسهر على تبيىء العمل الثقافي وإدماجه اجتماعيا بهدف تهذيب الذائقة والسلوك وتحصين الشخص من أي منزلقات وتهييء الأجيال الشابة لتبني قيم المواطنة والإعتراف بالمختلف والإعلاء من حرية التفكير باعتبارها الوسيلة الوحيدة للنهوض بالوطن الى مراتب معتبرة بين الأمم  والسلام عليكم .

***

حاوره محمد العزوزي المغرب

 

تكتسب تجربة العراقي يوسف أبو الفوز ثراءها المضاعف من كونها تجربةَ حياةٍ، ونضالٍ سياسي وفكري واجتماعي وحقوقي، ومعاناةٍ في السجن والمنفى، قبل أن تكون تجربة إبداعية خالصة في كتابة الرواية والقصة. ولعل فكرة "الكتابة" نفسها لديه، كما يظهر جليًّا في سلسلة أعماله، تنبع من حالة انتماء، صريح وضمني، إلى "كتيبة"، بالمعنى العسكري المباشر. ومن ثم، فإن القلم يجب شحنه عادة بالبارود قبل الحبر، حيث يمارس الأديب والمثقف العضوي أدوارًا متعددة على الأرض الملتهبة بالأحداث، ولا يمكن أن تنسلخ الكتابة عن هذه الأدوار المتشابكة.

منذ كتاباته الأولى وبدايات تجربته، لم يتخلّ يوسف أبو الفوز، المولود في مدينة السماوة جنوب العراق في العام 1956 لعائلة عمّالية فقيرة، عن تلك الرؤية الواضحة، التي تمزج جماليات الأدب كهدف غائي بضرورات أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية، وقضايا إنسانية مصيرية، لا يمتلك المبدع ترف تخطّيها بدعوى الاكتفاء بالمتعة والنصوص النقية، وإلا فإنه يعيش في فراغ، وينعزل عن مجتمعه وذاته في آنٍ.

توازَى اهتمامه المبكر بالكتابة ونشر قصصه في الصحف والدوريات العراقية، مع معارضته السياسية ورفضه الانضمام إلى حزب البعث، ما دفعه إلى الاختفاء لمدة عام خوفًا من الملاحقة، قبل أن يضطر إلى مغادرة العراق في 1979، إلى السعودية، ومنها إلى الكويت، حيث عمل في الصحافة الكويتية بأسماء مستعارة، قبل أن يلتحق بحركة "الكفاح المسلح" مع قوات الأنصار الشيوعيين في كردستان العراق في 1982 لمقاومة نظام صدام حسين. وجرّاء حملة الأنفال للإبادة الجماعية، التي قام بها النظام العراقي برئاسة صدام حسين ضد الأكراد في كردستان العراق في 1988، بدأت مرحلة أخرى من مراحل تشرد يوسف أبو الفوز بين المنافي والسجون، وهي كلها محطات شكلت روافد ومنابع لكتاباته السردية.

في رحلة هروبه إلى أوروبا، اُعتقل أبو الفوز في إستونيا في 1994، وقضى تسعة شهور في سجونها، إلى أن اختاره السجناء العراقيون (قرابة مئة سجين) ليمثلهم أمام السلطات الإستونية. وأسفرت هذه الجهود الجماعية عن إطلاق سراحهم وقبولهم كلاجئين في فنلندا، بالاتفاق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ذلك بعد إصدارهم صحيفة احتجاجية، وتنظيمهم إضرابًا عن الطعام.

ومنذ العام 1995، حتى اللحظة الراهنة، ويوسف أبو الفوز يقيم ويعمل في فنلندا، ويستحضر صراعات عالمه الجديد في أعماله الأدبية، لكنه من جانب آخر يواصل مد أنشطته الحياتية والسياسية والإبداعية إلى العراق، الذي لم ينسه يومًا (لا يزال عضوًا في نقابة الصحفيين بكردستان العراق)، كما يمد أشرعته إلى العواصم العربية التي ينشر فيها أعماله المتتالية (صدرت أحدث رواياته بعنوان جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي في القاهرة منذ أسابيع قليلة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة الإبداع العربي).

تلك القرى.. تلك البنادق

 لم تمنع الهجرة الطويلة يوسف أبو الفوز من أن يبقى كاتبًا عربيًّا مهمومًا بأزمات بلاده والشأن العربي الداخلي وأوضاع اللاجئين والمهاجرين العرب إلى أوروبا وغيرها من القضايا الجوهرية، بالطريقة التي أرادها منذ البداية (الكتابة بالبارود). كما أنه لم يفقد تواصله الجسدي مع العراق والعواصم العربية، بزيارات متكررة، أحدثها زيارته القاهرة في فبراير/شباط 2022، حيث أقيمت ندوة في المركز الدولي للكتاب لمناقشة روايته جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي، في هذه المقابلة أو الفضفضة الحميمة، سعيًا إلى استجلاء بورتريه متكامل لملامحه الإبداعية والإنسانية، عن قرب، ومن دون رتوش.

يتسع بروفايل يوسف أبو الفوز الخصيب لمساحات لا منتهية من الإطلالات المتعمقة، التي تتجلى من خلالها علاقة الأدب بالسياسة، المتجسدة بوضوح في الأدب العراقي المعاصر، حيث انخراط الأدباء في كيانات وتنظيمات وتكتلات جماعية، إلى جانب دور الأدب الطبيعي في المقاومة بالكلمة. كما تتبدى معاناة الكتابة التي تنشد الحرية، في واقع عربي يسوده الخطاب السياسي الأحادي القمعي، وتتضح انعكاسات السجن والمنفى والاغتراب على الكتابة الإبداعية الراهنة، ويتكشف موقع كتابة أدباء المهجر الجدد بين الواقع والتخييل، خصوصًا في طرح قضايا حيوية ومصيرية مثل الصراع الحضاري واضطهاد العرب واللاجئين وتعرض المنفيين لضغوط من العنصريين والنازيين الجدد في أوروبا.

كما تحيل تجربة أبو الفوز الثرية إلى أبجديات الرواية العربية الجديدة وتقنياتها المستحدثة، وتسلحها بآليات تشويقية مثل البوليسية والاشتغال على الجريمة للوصول بالحالة الخاصة إلى الهم الإنساني المشترك، وكذلك تأثرات الكتابة الجديدة بالنشر الإلكتروني والعصر الرقمي وهيمنة السوشيال ميديا، وأمور كثيرة متنوعة ذات صلة، مبعثها رسوخ تجربته وزخمها.

في مجموعتيه القصصيتين عراقيون (1985)، و تلك القرى.. تلك البنادق (2007)، يستحضر يوسف أبو الفوز أسرار تجربة قوات الأنصار الشيوعيين، والكفاح المسلح في كردستان العراق. وفي مجموعتيه أنشودة الوطن والمنفى (1997) وطائر الدهشة (1999) يستفيض في سرد تداعيات المنفى وحالات اللجوء العراقي إلى الدول الغربية، فيما يسمى "أدب اللجوء".

وفي تضاريس الأيام في دفاتر نصير (2002) وشقائق النعمان (2003) يقدم مذكرات ونصوصًا وخواطر وشهادات حول تجربة الأنصار الشيوعيين، وشهداء الحزب الشيوعي العراقي. أما روايتاه تحت سماء القطب (2010)، وجريمة لم تكتبها أجاثا كريستي (2022)، فيسهب فيهما في تقصي أحوال العراقيين والعرب في أوروبا، وتفاصيل حياتهم، ومعاناتهم في ظل صراع الحضارات.

وعبر روايته مواسم الانتظار (2021) يتناول أبو الفوز جوانب من تاريخ الحياة السياسية والحزبية في العراق، فيما يتحرى في روايته كوابيس هلسنكي (2011) موجات التطرف في أوروبا، سواء المتصلة بالإسلام السياسي، والمتعلقة بالأحزاب والجماعات الأوروبية المتعصبة، من قبيل النازيين الجدد، وصولًا إلى الكوابيس التي يعانيها الإنسان العراقي بصفة عامة في حياته اليومية، سواء ظل في وطنه، أو هاجر منه.

حول هذا التماهي بين الإبداعي والسياسي والاجتماعي، في حالة الأدب العراقي المعاصر على وجه الخصوص، وتعدد وظائف الأدب، وأدوار المثقف العضوي الفاعل، يرى يوسف أبو الفوز أن أحوال الأدب والسياسة تتشابك في معظم بلدان الشرق الأوسط، ومنها العراق، حيث "يعتبر الأدب عامل إزعاج دائم لرجال السياسة، بحكم كون الأدب بحاجة دائمة لفضاء واسع من الحرية للقدرة على التعبير عن رؤية خاصة ووجهات نظر مختلفة، غالبًا ما تتقاطع مع خطاب السياسي، الذي لا يريد من المثقف عمومًا سوى أن يكون أداة إعلامية تابعة له".

من هنا، وفق أبو الفوز، ينتظر أن يقوم الأدب، وبالتالي المثقف الحقيقي، وبالتحديد المثقف العضوي، المرتبط بهموم الناس وتطلعاتهم، بالكثير من العمل الجاد، لا يقتصر على تسليط الضوء على خراب الواقع المحيط بنا، وكشف هموم الإنسان المتطلع لحياة حرة كريمة، بل السعي لتغيير هذا الواقع نحو الأفضل، سواءً من خلال الأعمال الأدبية التي تنتصر للإنسان وطموحاته المشروعة، أو حتى الانخراط المباشر في العمل السياسي والاجتماعي الثقافي من خلال إطارات وكيانات، يكون ضمن مهامها، إيجاد آليات تردم الثغرات ما بين السياسي والمثقف، وتسعى إلى تحويل الثقافة الى سلوك حياتي واعٍ.

"شخصيًّا، ككاتب ذي تطلعات علمانية تنويرية، أعمل لأجل مجتمع متحضر مدني، مجتمع المؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية. أحاول في كتابتي تعرية كل ما هو معيق لحرية الإنسان، وأسعى إلى كسر (التابوهات) المتوارثة، وأجتهد لتقديم شخصية الإنسان الذي لا ينهزم رغم تحطمه، وأقدم صورة المرأة القوية، رغم كل معاناتها، والإنسان الكادح صاحب الكبرياء رغم ذل الفقر"، يقول أبو الفوز، مؤكدًا إيمانه بقوة بالمستقبل، انطلاقًا من التجربة التاريخية الإنسانية، ويعقّب "رغم معرفتي بأني لن أشهد هذا المستقبل، فهو بعيد إلى حد ما، لكنني أؤمن به وأعمل لأجله بكل تفاؤل، وأحاول الإسهام بخلق وعي جمعي للعمل من أجله، من أجل غد الإنسان المشرق".

أحضان المنفى وجرائمه

في أحدث رواياته جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي، ينكأ يوسف أبو الفوز جراح المنفيين والمهاجرين العراقيين والعرب إلى أوروبا، مستعيدًا مقولات الصراع الحضاري، وموازنًا بين الأحداث والشخصيات الحقيقية والفضاءات الفنية التخييلية. ويرسم عبر صفحاتها صورة بانورامية للمشهد الحياتي في هلسنكي، وما ينطوي عليه من الظروف القاسية المحيطة بالمهاجرين العرب، الذين قد يرتكبون الجرائم أحيانًا بفعل معاناتهم وفقرهم وصدمتهم الحضارية وعدم تكيفهم مع المجتمع الجديد.

أو ربما يكونون ضحايا أحيانًا لجرائم وهمية يجري تلفيقها لهم بسبب جماعات الضغط والكراهية الغربية، التي قد تمارس عنصريتها ضدهم كذلك، وتسعى إلى طردهم، وهنا يدركون أنهم هربوا من سجون بلادهم وويلاتها إلى ظلم وظلمات خارج الحدود. ويتسع مفهوم الجريمة في الرواية من حالة قتل فتاة عراقية في المنفى في ظروف غامضة، ليشمل كل البشاعات غير المبررة التي تُمارس ضد الإنسانية.

حول سنوات المنفى الطويلة وانعكاسات تجربة الاغتراب في كتابات يوسف أبو الفوز، التي تجمع الحقيقي والمتخيل، شخوصًا وأحداثًا، يوضح الكاتب العراقي أن اللجوء إلى المنفى لم يكن خيارًا سهلًا بالنسبة له، قائلًا "هو أمر أجبرت عليه شخصيًّا أمام تعسف نظام حزب البعث وشموليته وفاشيته. لكن المشكلة الأكبر أن المنفى، مع مرور السنين، صار عندي وطنًا ثانيًا. ورغم ظهور جذور جديدة، فإنها لم تنجح في إزاحة ومحو جذوري الأولى، التي تحدد هويتي الثابتة، كإنسان وكاتب عراقي. تعاملت مع موضوعة المنفى كوطنٍ ثانٍ وفر لي استقرارًا نسبيًّا، وفضاءات واسعة من الحرية، وأتاح لي الفرصة للاحتكاك بالآخر المختلف، ثقافة وحياة وقوانين، ما أسهم في توفير الفرصة لمراجعة تجاربي السابقة، وأيضًا متابعة الهموم الجديدة التي ظهرت في المنفى لي ولأبناء وطني".

ويسترجع أبو الفوز ما كتبه صديقه الشاعر الفنلندي ماركو كويفولا يومًا عن تجربته الأدبية في فنلندا بأن "يوسف أبو الفوز ككاتب يطير بجناحين؛ فنلندي وعراقي"، ويقول موضحًا "كان مصيبًا جدًّا. إذ أتيحت لي فرصة متابعة هموم أبناء وطني، وعموم المهاجرين، في المنفى، فسعيتُ لعكسها في أكثر من عمل روائي. ودائمًا تبدأ صفحات الرواية عندي، من مكان ما في المنفى، وأجتهد لعكس ظروف هذا المنفى وطبيعته، ثم ينتقل القارئ مع شخوص الرواية، إلى وطنهم الأول، بالاتكاء على أهم أدوات الكاتب المنفي والمغترب، وأعني الذاكرة والحنين، في محاولة لاستعادة الوطن البعيد".

وبحكم كونه كاتبًا واقعيًّا، يعتقد يوسف أبو الفوز أن الرواية شكل من أشكال الأعمال الأنثروبولوجية، أي أنها تهتم بالإنسان أساسًا، فيلجأ في أعماله الروائية إلى بناء الشخصيات بدراسة من حوله من بشر، فيجمع أجزاء شخصياته ويلملمها بتأنّ من حوله؛ من الناس الذين يعرفهم ويتعايش معهم، وبالاعتماد على خيال الكتاب، الذي يجعله الأساس في تجميع شظايا واقعية، تساعد في رسم شخصيات مبتكرة تشبه الجميع، ولا تشبه أحدًا.

"أجتهد في رواياتي وقصصي المكتوبة عن المنفى، لعكس تأثيرات الثقافة الأخرى على الإنسان المهاجر واللاجئ، وإبراز همومه، أحلامه وطموحاته، خصوصًا الجيل الثاني، بالإضافة إلى موضوعات التلاقح الحضاري والهوية والجذور. أدرك بالتجربة أن المهاجر أو اللاجئ لا يقطع تذكرة سفر باتجاه واحد، فهو يظل مرتبطًا بجذوره ووطنه، وتبقى همومه الأولى متداخلة وعميقة، وإن عاشها تحت سماء أخرى وسط أجواء اجتماعية وثقافية أخرى"، يقول يوسف أبو الفوز.

السجن صدفة العراقي

لا يكاد يخلو عمل قصصي أو روائي ليوسف أبو الفوز من ذكر أو إحالة إلى تجربة السجن، الذي قد يكون ثمنًا لجريمة، أو لنضال سياسي يجري التصدي له بالبطش والتنكيل. وعانى أبو الفوز من التعرض للسجن أكثر من مرة، الأمر الذي أثر في تشكيل تجربته الإبداعية وصياغة شخوصه الفنية.

"من الطريف، كوني خارج وطني العراق، أنني تعرضت مرارًا للسجن والاحتجاز لفترات مختلفة، فقط لكوني عراقيًّا، لا أحمل أوراق سفر رسمية. عرفتُ الاحتجاز الطويل في إيران، والاعتقال لأسابيع في سوريا، والسجن تسع شهور في إستونيا. وفي كل التجارب التي مرت، كان واضحًا جدًّا لي أهمية امتلاك الإنسان لحريته، فهي التي تحدد كينونته، وأن جدران الزنزانة، بخاصة إذا كانت ظالمة، تسحق كرامة الإنسان، فيتحول السجين إلى مجرد شيء يمكن التحكم به من قبل صاحب السلطة، يرسم أفعاله وفق أوامر السجان، ونظام السجن"، يقول يوسف أبو الفوز.

في تلك الأيام، برزت عنده أيضًا أهمية امتلاك الإنسان لحريته الداخلية، لمقاومة عسف السجان وجدران الزنزانة. كانت ترن في باله دومًا نصيحة يوسف سلمان يوسف، مؤسس الحزب الشيوعي العراقي (أعدم عام 1949)، لرفيقه الفنان رشاد حاتم، وكان سجينًا معه، يشكو من ثقل جدران السجن على روحه وفرشاته ولوحته، فقال له "ادفع الجدران بعيدًا عنك، وسترى الأفق البعيد". فالحرية، كفكرة، يمكن للكاتب أن يمتلكها حتى وإن كان بين جدران زنزانة. يمكن للسجان أن يقيد حركته الفيزيائية، لكنه لا يمكنه أن يقيد أفكار الكاتب وروحه. هكذا ظهرت أجمل قصائد المقاومة، التي كتبها العراقي مظفر النواب، وخسرو روزبه الإيراني، وآخرون.

هكذا، وجد أبو الفوز ذاته في العديد من أعماله يستعيد أجواء السجن، ليعكس توق الإنسان الدائم للحرية، وقبح سلب الإنسان حريته لمجرد أن له رأيًا آخر مختلفًا. ويقول "في وطننا العربي، يجد المثقف نفسه سجينًا في زنازين متراكبة ومتداخلة، وفق أحكام العادات والتقاليد والدين والسياسة، فينصب بعض الكتاب لنفسه بنفسه رقيبًا داخليًّا، ويرسم خطوطًا حمراء يخشى تجاوزها. أما عن دور النشر العربية الرسمية، فإنها تلتزم بصرامة بقوانين التابوهات المعروفة؛ السياسة، الدين، الجنس. والدور غير الرسمية تعتمد على توجهها الفكري، ما يضطر الكاتب للالتفاف على الرقيب بوسائل مختلفة، تعبيرية أو بلاغية أو رمزية. ومحظوظ جدًّا من يتعامل مع ناشر ذي فكر تنويري، يمنحه الحرية في التعبير عن آرائه بحرية، وهم للأسف قلة نادرة".

لعبة البناء

تبدو رؤية يوسف أبو الفوز للكتابة وتقنياتها، وأدبيات الرواية المعاصرة وانزياحاتها الجمالية والأسلوبية في عصر الصورة والاتصالات والرقمية والإنترنت والتواصل الاجتماعي، رؤية طليعية متجددة، على الرغم من وجود ثوابت لديه تتعلق بوظيفية الإبداع والتزامه الاجتماعي. وفي أعماله، هناك دائمًا استشراف للتيارات والأبجديات المبتكرة في المعالجة والتناول والصياغة، كما أنه يحرص على أن تكون أعماله، خصوصًا الروايات، بمثابة حياة كاملة موازية، بكل ملابساتها وتعقيداتها وصراعاتها ودوائرها المستغلقة.

يشير الكاتب العراقي إلى أن الرواية تملك فضاءً رحبًا لقول أشياء كثيرة، فهي توفر الفرصة للكاتب لإبراز قدراته في السرد وبناء الشخصيات. "شخصيًّا، أنا مغرم بلعبة بناء حبكة متينة تربط الأحداث والشخصيات وفق منطق مبرر، وأستمتع جدًّا بهذا عند كتابة الرواية، بشكل لا يتوفر عند كتابة قصة أو قصيدة. في بداياتي المبكرة، كنت مشتتًا، لا أعرف ما الذي أريد. كتبت كل الأجناس الأدبية، من شعر وقصة ومسرحية ومقالات. وبعد وصولي فنلندا، مطلع عام 1995، توفر لي استقرار نسبي لخوض مغامرة إنجاز كتابة أول عمل روائي تحت سماء القطب، ثم توالت الأعمال الأخرى، التي كان فيها مستقبل العراق همي الأول"، يقول أبو الفوز.

ويوضح أن الرواية تمنحه المجال أيضًا لخوص مغامرات تكنيكية، كذلك القالب البوليسي التشويقي في روايته الأحدث جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي، متسائلًا "هل هي الرغبة في تقديم شيء جديد غير مسبوق؟"، ويجيب "ربما. لكن باعتقادي أن محاولة إشراك القارئ في العمل الروائي، التي طالما كانت أحد هواجسي أثناء الكتابة، كانت أحد الدوافع المهمة لاختيار هذا القالب. أيضًا التفكير بعدم ترك الملل يصيب القارئ أثناء قراءة العمل الروائي، كان دافعًا آخر.

كنت أريد أن يتلهف القارئ لمعرفة النتائج. بالإضافة إلى أن فكرة الرواية، بأن ثمة جرائم عديدة ترتكب بحق الإنسان، تتجاوز مفهوم الجريمة المباشرة في القتل وإفناء الجسد، كانت أيضًا دافعًا مهمًّا لجعل القارئ يتعرف في النهاية أن هناك جرائم لها أشكال مختلفة، كجريمة سرقة الوطن والكرامة الإنسانية، وجريمة التمييز والعنصرية، وجريمة الطائفية الدينية، وجريمة قمع الحريات والآراء، وغيرها".

ويعتبر يوسف أبو الفوز نفسه محظوظًا بترجمة بعض أعماله الأدبية إلى الفنلندية والكردية، لأن الترجمة ضمان لوصول الرسالة إلى لغات أخرى، وهذا أحد أهم أحلام أي كاتب. ويرى أن نشر رواياته بالفنلندية له دور في ترسيخ "أدب اللجوء"، الذي يركز على قضايا الهجرة واللجوء في العالم الغربي.

ويتصور الكاتب العراقي أن الرواية العربية الجديدة قد تلاقحت مع مستجدات الحياة وتطوراتها، من حيث المضمون والتقنية واللغة، ومن أبرز المؤثرات على الرواية الثورة الاتصالاتية والمعلوماتية والإنترنت والسوشيال ميديا، كما صار للنشر الإلكتروني شأن كبير، ويقول "نشرتُ بعض قصصي القصيرة على مواقع الإنترنت، لكنني ما زلت أميل إلى اقتناء الكتاب الورقي، وبالتالي أفضل أن يطلع القراء على أعمالي ورقيًّا. ما زلت أشعر بأن ملمس الورق ورائحته يولّدان تفاعلًا خاصًّا بين القارئ والنص ضمن طقوس مبجلة، بينما الشاشة الإلكترونية تفقد القارئ هذا الإحساس".

ويرى أبو الفوز أن النشر الإلكتروني قد يكون حلًّا للفكاك من قسوة الرقابة الرسمية، ووضع حد لسوء العلاقة بين المؤلفين وعموم الناشرين المستغلين والمجحفين. ويقول في ختام حديثه "أعتقد أننا في بلادنا العربية بحاجة إلى أن نلحق بركب الحضارة، بوجود مكتبات إلكترونية ومنصات تسويق كتب تنظم وفق معايير دولية خاصة بالنشر، فالمستقبل يشير إلى أن سوق النشر الإلكتروني سيكون رائجًا".

***

حاوره: شريف الشافعي ـ القاهرة

 

3615 علي النصارعلي النصار..

  • في الجد والنقاش استخدم المنطق مااستطعت الى ذلك سبيلا
  • القادر على الانتصار عليّ ببساطة هو الاحمق المتذاكي
  • هناك صندوق اسود لايفتحه احد سوى الله يوم الدينونة
  • يحسدونني على التراب والهواء وعزة النفس
  • اعتزلت الصحافة حين اصبح الصحفي منتميا لجيبه وليس لوعيه
  • الدين المعاملة وفلسفة الوجود وهو ابعد مايكون عن الفقه.. الفقه قانون بوليسي

***

من يتابعه يجد ان الرجل دس انفه مهووسا بحب الاطلاع في جوانب كثيرة تخص الاديان والتاريخ والاداب وعلم الاجتماع وحملت ذاكرته اكثر من سعتها مع انه غير ميال لحب الظهور او خوض المعارك الكلامية لكنه بين الحين والاخر يترك رايا هنا وكلمة هناك تثير احيانا جدلا في الدائرة الصغيرة المحيطة به ولو اشتد جدال ما بخصوص هذه الكلمة او ذاك الراي الذي اثبته سينسحب بهدوء مفضلا خسارة الجولة على خسارة شخص او صديق ومع انسحابه من الجدال الا انه لايتنصل من ما اثبت ولم يسعى يوما لتوسيع دائرة معارفة او يسعى الى غاية شخصية من خلال ما اشتمل عليه من معرفة لايقضل حضور التجمعات ولا المشاركة بالفعاليات ولايسعى للشهرة لذا بقي ضمن دائرة معروف محدودة وبعيدة عن الاضواء.. تعالوا لنتعرف عليه في محاورة خفيفة الظل..

* هل تؤمن بقانون الاحتمالات؟

* بالنسبة لقانون الاحتمالات.. انا مطلع نوعا ما على الفيزياء النظرية بشقيها النسبية وميكانيكا الكم ،والمطلع على الفيزياء العليا يؤمن بان الاحتمالات علم محسوب ودقيق بقوانين ناظمة وليس هنالك مجال للصدفة في الكون.

* اذا كان اكلو الأعشاب يطلق عليهم (نباتيون) فماذا يطلق على اكلي اللحوم؟

* النباتيون هم من يجتنب اللحوم بصورة كلية او جزئية ،واللحوميون او أكلة اللحوم ولا مشاحة في الاصطلاح هم على النقيض من ذلك والمورد قد يكون لاسباب نفسية او صحية او حتى لاعتبارات فلسفية.

* من ينتمي إلى فصيلة الارانب؟

* الشيء المحير ان الفقهاء يجعلون الارانب ضمن فصيلة الحشرات..طبعا ذلك يختلف عن التصنيف العلمي فالحشرات فقهيا ليست هي نفسها الحشرات في التصنيف العلمي ، المهم في الامر ان الارنب قادر على رؤية ما خلفه وحوله الظاهر ليستطيع الاحاطة بماحوله لذلك هو سريع التنبه واليقظة وسريع ردة الفعل.

* هل هناك شبه بينك وبين الخضر؟

* هناك شبه كبير فكلانا من البشر، وكلانا نؤمن بالله وبالرسل وكلانا لايستطيع غيرنا معنا صبرا. مع حفظ المقام للعبد الصالح ع.

* هل عملت عطار او طبيب أعشاب؟

* لا. ولكني اتناول الاعشاب يوميا منذ فترة طويلة.

* متى تمارس المشاكسة؟ ومتى تستسلم؟

* فقط عند المزاح ،اما في الجد والحوار فاستخدم المنطق لان المشاكسة تولد الشحناء والعداوة والرب سبحانه امرنا بان تكون دعوانا بالتي هي احسن ، بالحكمة والموعظة الحسنة.

استسلم عندما يكون المحاور متطرفا متعصبا فمعه لا يفيد الحوار وسينقلب الجدال الى صراع يخسر فيه احدنا الاخر.

* من هو القادر على الانتصار عليك؟

* القادر على الانصار عليّ ببساطة هو الاحمق المتذاكي الذي يظن انه بخشونة منطقه وجفوة لسانه يمتلك الحقيقة لوحده وذلك هو داء الحمق اعاذنا الله منه وحمانا وهدانا للتي هي اقوم.

* ماهي علاقتك بغاندي؟

* كلانا انا وغاندي ننتمي للنباتيين.. مع اني ضد الهالة الواسعة التي اضفيت على شخصية غاندي فللرجل هنات كثيرة يستطيع المطلع على سيرته معرفتها.

* هل انت متطرف وبماذا؟

* كلا لست متطرفا من يؤمن بالنسبية لن يكون متطرفا.. المطلق الوحيد هو الله سبحانه.

* صف لي دهاليز ذاكرتك؟

* دهاليز ذاكرتي فيها ارشيف كامل لتصوراتي حول الكون والحياة ، وهناك صندوق اسود لايفتحه احد سوى الله يوم الدينونة.

* لديك اطلاع على التاريخ وتعشق الأدب و ترى الدين أخلاق اولا.. هل تسبب لك المجاهرة بما تعرف مشاكل؟

* نعم مطلع على التاريخ وبالاخص الاسلامي ولي فيه اراء صادمة قد انرها ذات يوم في كتاب.

انا اديب ليس من خلال كتابة الادب وانا شاعر ليس من خلال كتابة الشعر ، انا احيا الادب والشعر.. رامبو الشاعر الفرنسي بعد ان كتب الشعر وابدع فيه ذهب الى عدن ليعيش الشعر ويكون شاعرا بالحياة وليس كاتبا للشعر.

الدين المعاملة والدين هو فلسفة الحياة ، انما الفقه هو الجزء البوليسي من الدين ليس الا.. افاق الدين اوسع واكبر من مجرد الحلال والحرام والنواهي والاوامر.. إن نظرنا للدين هكذا فسوف تستقيم نظرتنا الكلية للحياة والكون وتتسع ويصبح للحياة معنى وهدف وغاية.

* هل لك اتباع؟

* ليس لي اتباع سوى علي النصار وشخص اخر لاابوح باسمه.

* من هم حاسدوك؟

* الحساد كُثر.. يحسدونني على التراب والهواء وعزة النفس.

* من هو الشاعر الذي لم يسقط من ذاكرتك ابدا؟

* احمد شوقي

* من هي الشجرة الخبيثة؟

* بنو امية.

* كم مرة تعرضت للغرق؟

* مرتان واحدة في نهر الفرات.. والاخرى اثناء خدمة العلم في بحيرة الموصل.

* عرف السياسة؟

* فن الضحك على الذقون.

* متى يكون التاريخ مصدر الم؟

* عندما يُعاش التاريخ بماضيه ولا يُسْتَلهم.

* ما رايك بصحافة اليوم؟

* اعتزلت الصحافة حين اصبح الصحفي منتميا لجيبه وليس لوعيه.

* ماهي ذكرياتك عن الموصل؟

* عشت سنتين في الموصل اثناء اداء الخدمة العسكرية.. وزرتها مرتين قبل السقوط وانوي زياتها ثالثة عندما تحين الفرصة هي والشرقاط فلي اصدقاء اعزة هناك.

* هل للضمائر الوان؟

* نعم وهنيئا لمن له ضمير بلون البياض.

* متى يزورك سلطان

* النوم؟ .. حين تذهب الاحلام وتداهمني الهموم.

* انت أكثر من نظم على (اهنا يمن جنا وجنت) هل هناك سر؟

* هي طريقة للتعبير الموزون المقفى.. هي ذكريات وتباريح ومواجد تتخذ شكلا خفيفا حتى لاتزعج القراء.. مامحفوظ قليل اما المبدد فهو كثير كثير.. وعد بعض الاصدقاء بجمع ما كتبته تحت هذه الزاوية وانتظر وفاءهم.

* ماهي الدولة التي تتمنى أن تعيش فيها؟

* اتمنى ان اعيش في عراق ماقبل صدام.

* ماهي أعظم عبادة؟

* الكد على العيال.

* على من تحسب انت؟

* انا في اعيش في دوامة الشك واليقين.

* هل تصلح الخطابة والوعظ سبيلا لإصلاح الأمة؟

* لا.. ولا اؤمن بالوعظ المباشر ولا بالطريقة المنبرية.

* ماهو الإحباط؟

* انا تجسيد للاحباط.

* هل رقص قلبك للحب يوما؟

* بل دوما.

* هل تجيد الغناء؟

. لا.

* ماهو الجمال؟

* ان تعرف ان الله جميل يحب الجمال.

* هل انت حسود خصوصا ضد الفصيلة الأخرى ودسومة فطورهم؟

* ههههههه لا احسد مااكره.

* من هو الذي يغتابك؟

* كثيرون.. يظنون اني ادعي فضائل لاامتلكها مع اني لم ادع فضيلة لي غير اني خطّاء.

* ما رايك بصلح الحسن؟

* مرارة مازالت تقض مضجعي.

* انت تصنع الأخبار أو تتابعها؟

* اتابع واحلل ولكني لا اصنع.

* من يأخذ كأس ابطال اوروبا هذا الموسم؟

* اتمنى ريال مدريد ولو ان الستي وليفربول يملكون فريقين متكاملين على عكس الريال الذي لا يملك غير الخبرة وقليل من الحظ.

* هل لك اصدقاء برشلونيين؟

* كُثُر.

* هناك خمسة أشخاص اذكر شيئا عن كل واح

- عيسى الحسناوي؟

-قاسم العابدي؟

- محمد الاكثم؟

- علي كاظم عيال؟

-هيثم محسن الجاسم

- عيسى الحسناوي:

- حبيب في هيأة صديق.

* قاسم العابدي: شاعر وانسان ابيض القلب والضمير.

* محمد الاكثم: معارض سابق ومثقف و صاحب رؤية ثاقبة.

* علي كاظم عيال:

احد المتابعين الذين انتظر ردودهم بشغف.. وهو قريب من مزاجي.

. هيثم محسن الجاسم: كاتب بارع وصديق على الفيس اهتم بارائه.

* * *

حاوره: راضي المترفي

3609 علي حسين عبيدعلي حسين عبيد:

* نعم لي وجه مكروه لكنه الاستثناء

* إذا فرغت المعدة، لم يعد هناك مكان للإيمان

* هناك حيوانات تجبرك على التعاطف معها، والتقرّب منها

* انتهى عصر الأنبياء منذ زمن بعيد، لهذا نحن نعيش عصر الفناء.

* تعلمت الحب على يد شابة في الخامسة والعشرين أسمها (زهيّة)

* أشد الحرائق ضررا حرائق الحب لأنها لا يمكن أن تُطفَأ بالماء،

* سعيد من يستطيع أن يجعل من الحب بضاعته الوحيدة

* كانت خسائري واضحة للعيان، تمزيق قميصي وسقوط كل الأزرار وأورام لاتعد

***

الصائغ يتعامل مع معدن نفيس هو (الذهب) ليحوله إلى حلى كالقلائد والاساور وغيرها ومعلوم انه يتعامل مع الذهب بعد تنقيته من كل الشوائب وتحويله إلى سبيكة يقتطع منها ما يريد ليصنع ما يريد على عكس جليسي اليوم الذي يغرف من بحر اللغة المفردات بشكل عام ثم يقوم بالفرز والتصفية بعدها يبدأ بصياغة المفردات على شكل جمل وقصائد وقصص مثل حلى الصائغ بل ينافس الصائغ هنا تحديدا إذ يقرر هذه تصلح لوجه عجوز متصابية وتلك القصيدة تلائم جيد عاشقة وهذه القصة تطوق عنق صبية متمردة وهكذا أمضى عقودا من عمره حتى تميزت مصوغاته الأدبية وتهادها المحبين رجالا ونساء في مناسباتهم مع علمهم انها أصبحت ماركة مسجلة باسم صاحبها حتى لو رفعوا اسمه عنها عند التهادي .. تعالوا معي في دردشة ولا الذ مع صانع الجمال وكاتب اجمل قصص الحب الأديب علي حسين عبيد ..

* كيف تعلمت لغة الأرض؟

* في حياة كل إنسان مجموعة من المعلمين يبدأون معه من أول لحظة في ولادته وينتهون معه حين يلفظ آخر أنفاسه، لكن من بين كل هؤلاء المعلمين، يوجد معلم واحد يتفوق عليهم جميعا بالمنزلة والتأثير، لأنه يترك أثرا عظيما في حياتك، ومعلمي الأعظم والأول هو الذي علمني (لغة الأرض)، إنه الفلاح الإنسان الذي لم أجد له مثيلا، إنه أبي له الرحمة والجنان.

* متى يكون الكذب مباحا؟

* يكون الكذب مباحا حين يكون صادقا، وهذا النوع من الكذب تجده مثلا في الروايات، فنحن كما يقول ماركيز نكتب الأكاذيب (أكاذيبنا) التي يصدّقها الناس، وبهذا يتحول الكذب إلى صدق حقيقي.

* هل لك وجه مكروه ولمن تظهره؟

* لكل كائن عدة وجوه، أبرزها نوعان، وجه محبَّب وآخر مكروه، ولا يوجد بشر على الأرض مُستثنى من هذه القاعدة، قاعدة الوجه المحبوب والمكروه، وأنا بالطبع مشمول بهذه القاعدة، نعم لي وجه مكروه، لكنه الوجه الاستثناء، بمعنى هو وجه يفرض نفسه عليَّ، يقتحم وجودي وحياتي وجسدي بالقوة أو الإكراه أو الفرض دون أن أستدعيه طوعًا.

* الجائع ناقص ايمان او إنسانية؟

* إذا فرغت المعدة، لم يعد هناك مكان للإيمان، أليس كذلك؟، وكل إنسان لا يجد اللقمة التي تسد رمقه، لأي سبب كان، يكون خاليا من الإنسانية غصبا عنه، وبذلك فإن ما يبدر منه من (أعمال عنف) قد يكون مبرَّرا.

* متى يؤنبك ضميرك؟

* عندما أخون نفسي، عندما يبكي طفل، عندما يتم التجاوز على امرأة، عندما أخشى من تصحيح خطأ مديري، عندما أحابي الآخرين خوفا على مصلحتي أو مداراة لها، عندما أفشل، عندما يتمرد شخصيات رواية أو قصة أكتبها، ويقولون ما لا أريد قوله، وعندما لا أستطيع منعهم من مواقف يتخذونها غصبا عني... كل هذه تُشعرني بتأنيب الضمير.

* هل تحسن تربية الحيوانات؟

* هناك حيوانات تجبرك على التعاطف معها، والتقرّب منها ، ومراعاتها، حتى لو لم تطلب ذلك، منها على سبيل المثال، القطط الصغيرة، وكما تعلم شوارعنا ومزابلنا تمتلئ بالقطط السائبة، وغالبا ما أرى (جثث قطط مسحوقة في الشوارع) بعجلات السيارات، فأشعر بالألم لأنني أعيش في بيئة لا تسطيع حماية الإنسان فكيف بالقطط؟، وحين تزور قطط صغيرة حديقتي أرعاها كما أرعى أطفالي، إلى أن يقوى عودها وتتعلم العيش في عالم الأقوياء لا أراها بعد ذلك.

* هل أنقذت حياة أحد؟

* وهل أنا المسيح مثلا؟؟، ما أنا بنبيّ، ولا أظن أنني سأكون كذلك، فأن تنقذ حياة إنسان، هذا يعني إنك نبي، وقد انتهى عصر الأنبياء منذ زمن بعيد، لهذا نحن نعيش اليوم في عصر الفناء.

* ما هو اول دروس الحب؟

* تعلّمتُ الحب وأنا في السادسة من عمري، كنتُ أسكن في قرية لطيفة هادئة تغفو على كتف نهر جميل متهادٍ صافٍ كالزلال، على شاطئ هذا النهر عرفتُ الحب لأول مرة، على يد شابة في الخامسة والعشرين أو أكثر أسمها (زهيّة)، كنت في السادسة لكن حين كانت تضمني إلى صدرها أشم فيه رائحة الحياة وكل كنوزها، هذه المرأة التي لم تكن متزوجة (وهذا أمر غريب في الريف) حوّلتني من طفل إلى رجل غاطس في الحب من قمة رأسه حتى أخمص قدميه.

* ايهما أحق بالشفقة ظالم نفسه او الجرو؟

* من يظلم نفسه لا يستحق الشفقة مطلقا، هذا ما تعلمته من أبي الذي كان يقول ويردد ما معناه، إذا ظلمت نفسك، فإنك سوف تكون على استعداد لظلم الآخرين، لذلك أنصِفْ نفسك حتى تتعلم كيف تنصف الآخرين، ومن المحال أن تسيء لنفسك وتُحسن لغيرها.

* من اين تأتي بحكاياتك؟

* من حياتي الشخصية، ومن حكايات أبي، جميع ما كتبته من قصص وروايات، عبارة عن أحداث عشتها، أو مررتُ بها، أو سمعتها، وقلّما أختلق شخصية لا وجود لها في الواقع، لذلك يقول لي الأصدقاء أن كتاباتي (واقعية)، ولا أعرف إذا كانت الكتابة الواقعية تمثل نقصا للكاتب أم لا، والحقيقة لم أشغِل نفسي بالمدارس النقدية للأدب أو للسرد، فحين أكتب كل شيء يأتي منسابا كأنه يصنع نفسه بنفسه، لهذا بعض الشخصيات تخرج عن (أُمرتي) وتقول ما لا أقول، وتتصرف بما لا أريد...

* هل تختصر بضاعتك على الحب؟

* سعيد من يستطيع أن يجعل من الحب بضاعته الوحيدة، لكن هذا شبه مستحيل، على الأقل حين يتعلّق الأمر بكتاب الشعوب المرتبكة، نحن نعيش في بيئة ينقصها الحب طبعا، لكنه ليس النقص الوحيد، فحياتنا كلّها نواقص أساسية، لذلك فإن الحاجة للحب أصبحت من الكماليات غير الضرورية، عليك أولا أن تسد النواقص التي تبقيك حيّا ثم تتذكّر الحب، أما نحن الكتّاب فغالبا ما نصنع الحب الحالم المفقود في واقعنا.

* هل اشتبكت بالأيدي مع أحدهم من أجل امرأة؟

* مرة واحدة في شبابي، أي قبل عقود، ولم أكررها بعد ذلك بسبب الضرب المبرح الذي تعرّضت له من شخصين حاولا إذلالي أمام حبيبة الصبا، ولا أعرف حتى الآن كيف تحوّلتُ إلى مارد في لحظات حين حاولا التقرّب من حبيبتي، وألحقت بهما هزيمة محقَّقة جعلتهما يفرّان من ساحة المعركة، ولكن كانت خسائري واضحة للعيان، تمزيق قميصي وسقوط كل الأزرار وأورام لا تُعدّ في الوجنتين والجبين والعينين، ودماء على الأيدي والأرجل، بالنتيجة فرّ الشخصان، لكنني شعرت بالفخر أمام نفسي وإن كانت تلك المرة الأخيرة التي أرى فيها الصبية وإلى الآن.

* كيف تتعرف على المرأة؟

* من الأمور التي أحبها في شخصيتي أنني لا أعاني في مسألة التعرف على المرأة، ولا أشعر بوجود حواجز بيني وبينها، بمعنى يمكنني التحدّث إلى المرأة بتلقائية تامة، وغير مصطنعة، لا أخطط للأمر، هو سهل جدا بالنسبة لي، ولذلك لم أصادف أية مشكلة من هذا النوع.

* هل تفي بالوعود؟

* أحاول ذلك طبعا، فالإيفاء بالوعود دليل على احترام الإنسان لنفسه أولا.

* كيف يتم إطفاء الحرائق؟

* الحرائق أنواع، وأسهلها تلك التي يمكن إطفاءها بالماء، لكن هناك حرائق يزيد الماء من أضرارها كالحرائق الكهربائية التي لا يجوز أن نطفئها بالماء، وأشد الحرائق ضررا هي حرائق الحب لأنها لا يمكن أن تُطفَأ بالماء، وقد جربتها طويلا، لكنني خرجتُ منها أبيض القلب، فحتى المرأة التي أحرق حبها قلبي وصارت لغيري، أقرّت (ولكن بعد فوات الأوان) بأنها أخطأت في تقديريها لحبي.

* هل عشت في القرى والأرياف وبماذا يختلف أبناء الريف عن أبناء المدينة؟

* ولادتي كانت في الريف، وعشت طفولتي حتى السابعة في قرية (أم البط) في الهندية، بالطبع يختلف أبناء الريف عن أبناء المدينة، كما لاحظت من تجربتي الخاصة أن أبن الريف أكثر بساطة وبعيد عن التعقيد ونقي السريرة، والميزة الأهم أنه ذكي في دراسته، ربما بسبب بساطة البيئة ونقائها أيضا، هذا واقع أبناء القرى سابقا أما اليوم فربما تغيّر الأمر مع تغيّر البيئة الريفية وتعقيدها.

* هل انت ممن يطلقون عليهم (محافظات)؟

* نعم أنا عانيت سابقا من هذه التسمية، وأظنها باقية إلى اليوم، على الرغم من أن معظم أدباء العاصمة انتقلوا إليها من المحافظات، ولكن يبقى الأديب بما يُبدع وليس بمكان سكنه، فكبار المبدعين من المحافظات وليس العكس.

* ايهما أقرب إلى طبيعتك السكون او الضجيج؟

* قد يكون العمر له علاقة بذلك، حاليا الهدوء هو الأقرب والأحبّ لي، لكن مرت سنوات صاخبة في حياتي، قد يتذكرها بعض الأصدقاء والزملاء من الأدباء، ويمكن أن أحصر سنوات الضجيج بأربع أو خمس سنوات (1998-2002) حين كنتُ رفقة الشاعر الراحل كزار حنتوش والشاعر حسن النواب والشاعر ماجد موجد والفيلسوف الصعلوك جاسم كماش ، تلك أيام مضت ولم يبق منها سوى آلامها.

* هل التطرف الثقافي ظاهرة عراقية؟

* نعم ظاهرة عراقية، وهي أيضا ظاهرة عربية، وعالمية، وهناك شواهد كثيرة على التطرف والتمييز العالمي في الثقافة، وعالمنا العربي لا يخلو من ذلك وإن حاول الأدباء الأسوياء الحقيقيون تصحيح المسارات، وتهميش التطرف، إلا أن إخفاء ذلك ليس سهلا، إذاً هي ظاهرة عالمية عربية عراقية، أتمنى أن نسعى جميعا لمحاصرتها.

* لماذا بطلات قصصك اغلبهن ارستقراطيات وحسناوات؟

* أظن أن العكس هو الصحيح، فمعظم نساء كتاباتي أما من الريف، أو كادحات، ولا أنفي وجود المرأة الارستقراطية في بعض قصصي، لكنها أقل بكثير من المرأة المهمشة كما في بطلة قصتي (امرأة على الرصيف) واسمها أمّولة، أو بطلة قصتي (نتوء الشيطان) من مجموعتي كائن الفردوس واسمها زكية، أو قصص (أنين متوارث، منحوتة العشق، النافذة) من مجموعتي لغة الأرض.

* ما سبب اهتزاز ثقتك بالمرأة؟

* ربما أنا أكثر رجل بالعالم يثق بالمرأة.....

* عدد أمراض المثقف العراقي؟ وهل هناك فعلا مثقفين؟

* سأبدأ بالإجابة عن الشق الثاني من السؤال، نعم يوجد في العراق مثقفون حقيقيون، تدل عليهم أعمالهم وأفكارهم ومواقفهم، وهم معلمون كبار بالنسبة لنا، ولا أدخل هنا في مصيدة التسميات، فكل أديب ومثقف عراقي يعرف من هم هؤلاء الحقيقيين، ويعرف نقيضهم أيضا، ولا ينفي هذا وجود مثقفين مرضى وهو أمر طبيعي، فالمثقف إنسان يطاله الخطأ، ولا يصل درجة الكمال، ومن أمراض المثقف صعود (الأنا) أكثر من المستحَق، واستصغار الآخر، والأنانية، والدخول في (الشللية، الكروبات الإلكترونية والواقعية)، والمساهمة في صنع (ثقافة أو أدب الإشاعة).

* من هو الحكم الحقيقي على جودة النص النقاد أم القراء؟

* كلاهما له حصة في ذلك، على صعيد القرّاء فإن (شبّاك التذاكر لا يكذب) بمعنى الفلم السينمائي الجيد يجتذب الناس فيكتظ بهم شباك التذاكر وهو دليل على جودة الفلم، ينطبق هذا على العمل الأدبي، كلما زاد عدد القراء دلّ ذلك على جودة العمل، لكن أحيانا ترافق بعض الكتب موجة إعلامية عارمة ترتفع به عاليا، لكنه إذا لم يكن ثقيلا بإبداعه سوف يهبط إلى القاع مجددا، والنقاد لهم القدح المعلى في رفع هذا الكاتب ونصوصه، ويمكنهم منع الضوء عنه وهذا محكوم بالعلاقات مع الأسف، وله ارتباط بأسلوب الشللية والكروبات والتجمعات المصلحية في الأدب وهي معروفة

* كم امرأة اوقعتها في حبائلك؟

* لا أتذكر أنني حاولت أوقِع امرأة، لأنني أنا المتهيّئ دائما للوقوع في حبها....

* هل أحببت فعلا؟

* حب واحد حدث في حياتي، شعرت به هو الحب، ونقلته في قصة قصيرة اسمها (ارسال خاطئ) وهي من ضمن قصص مجموعتي لغة الأرض.

* هناك خمسة أسماء اذكر واحد منهم بخير والآخرين بما يعجبك؟

* سلام البناي؟

* أحبه بصدق.

* حمودي الكناني؟

* من أقرب الأصدقاء لقلبي، بسبب صدقه ونبله وكرمه، يستحق الخير.

* علي الخباز؟

* جمعتني به أيام عسيرة جدا، وأحب فيه مثابرته.

* عباس شهاب؟

* هذا هو المبدع المظلوم فعلا، أعماله الأخيرة لافتة جدا.

* اريان صابر؟

* مبدع جميل، يحمل قلب طفل، وإن لم تربطني به علاقة قوية.

* هل بقي حبك لبائعة الخضرة من طرف واحد؟

* هذه واحدة من النساء الكادحات اللواتي أحببتهن، لا يُشترَط أن تعيش المرأة في بيئة ناعمة لكي تكون جميلة، أو لكي تبرز أنوثتها، فالمرأة الكادحة قد تكون أنعم المخلوقات في أصعب البيئات، نعم ظل من طرف واحد.

* لمن تبعث رسائلك؟

* إلى الذي لن تصل إليه أبدًا .....

* آخر ما كتبت شعرا؟

أقولُ لها لعينيْكِ احتراقـــــــــي .. لــرمشيْكِ فتذبحني دلالا

أقولُ لها تعالي يا هوىً لي ..... هو الدنيا وما بقيَ الحثالا

تواصلني وتهجرني تــــباعا ... وتلعبُ بي يمينا أو شمالا

* أين يقع بيت حبيبتك الشقراء؟

* يقع مقابل بيتنا بالضبط، ولكن قبل أربعين سنة ههههههه

* هل انت دون جوان حقيقي او على الورق فقط؟

* لا في الحقيقة ولا على الورق، لم نصل إلى هذه الدرجة من الترف، ولن نصل....

* كم لبثت فوق سطح البيت؟

* لا أزال فوق السطح إلى الآن ههههههه

* كيف تدخل قلب المرأة؟

* من الباب إذا فتحته لي.......

* لو خُيِّرت بين إنشاء مدرسة لتعليم اللاهوت او مدرسة لتعليم الحب.. من تختار؟ ولماذا؟

* مدرسة لتعليم الحب طبعا، لأنه هو الذي يخرّج جميع أنواع المعلمين الصالحين في الحياة.

* هل شاركت فعليا بحرب؟ وماذا أضافت لك او اخذت منك؟

* مرّ كتبتُ منشورا حقيقيا في حسابي الفيسبوك قلت فيه:

(من سوء الحظ أنني عشت معظم سنوات عمري في الحروب، ومن حسن حظي أنني لم أطلق رصاصة واحدة على كائن حي).

*اذا كان الحب هبة من السماء فماذا عن البغض هل هو هبة أيضا؟

* البغض ليس هبة، وإنما موهبة، هناك أناس موهوبون في الحقد والكراهية، وهذه أكبر مشكلة تواجهها البشرية.

* إلى أين وصلت القصة القصيرة اليوم؟

* مع كل ما يُثار حول الرواية وتربّعها على قمة المشهد القرائي، إلا أن وصيفتها، وأعني القصة القصيرة، لا تزال تواصل اللحاق بها والاصطفاف إلى جانبها، وهذا واضح من الفعاليات القصصية، ندوات أماس مؤتمرات، ومن الإصدارات، وحتى من الجوائز المهمة للقصة القصيرة مثل جائزة الطيب صالح العالمية، وجائزة الملتقى الكويتية، هناك كتاب قصة مصرّون على التفوق، وهو ما يحصل بالفعل كما نشاهد في الساحة، وإن كان الجيد أقل بكثير من الرديء في السرد القصصي.

* هل تذكر الشعر العمودي واين أمسى به الدهر؟

* الشعر العمودي لا يموت كونه الأب الشرعي للأشكال الشعرية كافة، وطالما هو الأساس أو الجذر سوف يبقى، هذا لا يعني أنني أفضّله على سواه من الأشكال الشعرية، فقصيدة النثر لها حضورها، وكذا الحال بالنسبة لقصيدة التفعيلة، ولكل من هذه الأشكال مكانة ودرجة معروفة من القبول والإقبال.

* ماذا تقرأ؟

* أقرأ كتاب نظام التفاهة للكاتب ألان دونو، وإن كنتُ متأخرا في ذلك، وفي برنامجي كتاب الأعراق مجموعة قصص صدرت حديثا للكاتب عبد الأمير المجر، وكتاب الإكليل للشاعر فاضل عزيز فرمان الذي صدر قبل أسابيع.

* كيف تقضي يومك؟

* من المحاسن العظيمة التي أتلمّسها في حياتي، أنني لا أعاني من الفراغ مطلقا، ودائما دائما مشغول في شيء ما، وأغلب هذا الانشغال في الكتابة الإبداعية وفي العمل وفي الاهتمام بأحفادي.

* هل الوسامة ضرورة للكاتب؟

* الوسامة هي نوع من النظام، ومعظم المبدعين يتطيَّرون من شيء اسمه تقييد أو تقليد أو تحديد، فهو يريد أن يكون متحرر من كل شيء حتى من محدّدات وضوابط الوسامة، ولكن شخصيا أرى أن الوسامة بالنسبة للمبدع هي تحصيل حاصل، وهي التي تتبع المبدع، فيجدها معه وفيه دون أن يبحث عنها.

***

حوار / راضي المترفي

3580 فايزة بنمسعود"في قصائدي تمرُّد على ما أراه قيدا يحدُّ من حريتي في التعبير.. والشعر في مجمله يجمعنا.. وإن فرقتنا الحدود، لذا تراني أتسلق أهداب الليل الحالك، يرهقني صخب الشوارع، وأبحث عن باب نهار مشرق لأفتحه" (فائزة بنمسعود)

“يلزمنا ألف عام.. حتى تستطيع المرأة الشاعرة أن تصرخَ بصوت هادر يرسّخ وجودها أمام تسونامي الرجل الشاعر.. ”(فائزة بنمسعود)

تصدير:

يتأسس الخطاب المتداول حول النوع التاريخي على تأويل الحدود المعيارية المدرجة في التصنيفية الأرسطية. ذلك أن الإنتقال المعروف مما هو “شعري”، الذي يقارنه أرسطو بالخطاب الروائي، والذي يطرح التاريخ كمقابل له، يمكن أن نجدَ له مقارنة في هذا النص المأخوذ من كتاب “فن الشعر” لأرسطو. “واضح.. مما قلناه أن مهمة الشاعر الحقيقية ليست في رواية الأمور كما وقعت فعلاً بل في رواية ما يمكن أن يقع في الأشياء الممكنة. إما بحسب الإحتمال أو الضرورة، ذلك أن المؤرخ والشاعر لا يختلفان إلا في كون واحد منهما يرويالأحداث شعرًا والآخر يرويها نثرًا، وأن أحدهما يروي الأحداث التي وقعت فعلاً، بينما الآخر يروي الأحداث التي يمكن أن تقع، ولهذا كان الشعر أوفر حظًّا من الفلسفة، وأسمى مقامًا من التاريخ، لأن الشعر يروي الكلي بينماالتاريخ يروي الجزئي.

انبهرت باللغة، ففتحت لها العربية المجال واسعا لتبحر ببراعة في بحار الشعر ببراعة، مهارة واقتدار. وكان حصيلة هذا الشغف أن كتبت نصوصا بجمالية فنية وأسلوبية ذات بصمة مميزة، كنتاج لخبرة وتعمق واهتمام بالجوانب الفنية للغة ولحالات التمظهر فيها وإلماما بالقوالب والأنواع.

فــالشاعرة التونسية القديرة فائزة بنمسعود، تتعامل مع الأدب والثقافة كشغف وحاجة روحية، فنجدها تكتب في نصوصها النثرية عن عوالم الخصب، الأنوثة، الكينونة، الوجود، الاكتمال، الفراغات النفسية والمادية وكذا الوطن العربي في ظل دياجير تقض مضاجع حملة الأقلام ومعتنقي الحرف. وهي تسعى للبحث في هذه القضايا.

هي شاعرة ذات لونِ مميز، جمعت بين حروف كلماتها قطوفاً من الرومانسية و الرقة و الحلم ولدفء و الجرأة، استطاعت عبر قصائدها الموغلة في الجرأة والرومانسية التعبير عن المرأة و مشاعرها و أحلامها و أفكارها بمقدرة فريدة دون أن تهمل-كما أسلفت-القضايا الوطنية المنتصرة للإنسان والإنسانية.

حين سألتها عن بدايتها مع الشعر وما هي أهم المؤثرات التي أثرت في تكوين اتجاهاتها الأدبية؟ أجابتني بهدوئها المعتاد:

* "كيف كانت بدايتي مع الشعر؟ الوردة لا تعرف كيف بدأت علاقتها مع العطر، والشمس لا تعرف كيف بدأت علاقتها مع الضوء، والجسد لا يعرف كيف بدأت علاقته مع الروح، وأنا لا أعرف كيف بدأت علاقتي مع الشعر ولا أستطيع تفسير نوعها أو تحديد ماهيتها أو إعطاء فلسفة ما لها لأن الشعر ينبع من الروح ليصوغ العالم موضوعيا.. ولعل ّأجمل القصائد هي تلك التي سبر فيها الشاعر أغوار ذاته فجاءت صورة لما يعتمل في أعماقه من مشاهد التمزق والتشظي..

لاشك أننا متأثرون بالعديد من الكتاب الحداثيين بشكل واعٍ أو غير واعٍ، أستطيع القول أني في المرحلة الجامعية كنت أقرأ للكاتب السوري “أدونيس″، ثم قرأت بعضا من الأدب الروسي واللاتيني، كنت أقرأ في النقد أكثر من الأدب، وغالباً في القواعد التي تقوم عليها الفنون، أما الآن ومنذ مدة ليست بقليلة لم أعد أقرأ قراءة منظمة واعية، صرت أغوص في الداخل وأستمتع، ومراتٍ كثيرة أتوجع.. والوجع صورة -كما أسلفت-لتشظيات الروح.. وتأوهات الجسد.. "

- فائزة بنمسعود إنسانة وشاعرة تونسية، أية مقارنة؟

* لا مقارنة بين ما يسكن في القلب، وبين تونسيتي، وما أبوح به لهذا العالم المليئ بالتناقضات .. الكتابة التي تسكنني بدون إذن ولا جواز سفر ولا تأشيرة أريدها تحدي من أجل قوة لا تقهرها الظرف.. للوطن قلب يسع الكون، وللكتابة فكر يحمل ثقل هذا الكون، وكلاهما تضحيات كبيرة ووجهة واحدة للنجاح .

-أنا كناقد-مع القائلين بأن قصيدة النثر” امتدادٌ طبيعيٌّ لتطور الشعر، خاصةً بعد شعر السبعينيات؛ الذي انحرف به أصحابه عن الشعر العمودي، وأنهم أوجدوا حلقةً جديدةً من تطور الشعر العربي، ولكن هناك شبه مؤامرة على عدم الاعتراف بقصيدة النثر كحلقة شرعية من حلقات تطور الشعر العربي؟!

*هذا غير صحيح قصيدة النثر الجيدة فرضت نفسها حتى لو لم تنل ذلك الاعتراف، لكن المبالغة في تقليد الصراعات والابتعاد عن لغة الشعر وموسيقاه الداخلية أو الخارجية هي التي نفرت الناس منها، فالشعر وتده الأساسي الموسيقى واللغة الشديدة التوتر والحساسية والتكثيف فلما انمحت ملامح الشعر أصبح النتاج لغة سردية لا فرق بينه وبين القصة القصيرة أو الخاطرة أو لغة المقال وأحيانا لغة الصحافة العادية، لذا كان من البديهي أن يذهب الناس وينصرفوا عن الشعر ويتقلص جمهوره، إن المبالغة في الخروج على كل الثوابت، وإلغاء الحدود بين كل الأجناس حتى الشعر الذي له خصوصيته الدقيقة، هو ما جعل معظم كتاب قصيدة النثر في وضع حرج، فالادعاء لا يقدم فنا خالدا، مما صرف الناس عن الاعتراف بما يكتبونه. لكن لا شك أنه توجد قصيدة نثر جميلة بل وعلى درجة عالية من الشاعرية.

- نلاحظ في العديد من قصائدك تجسيد للفكرة عبر تكرار صورها وما يحفز ذلك هو انقسامها الى مشجرات عنقودية، واعتمادها على نظام الفقرة .. هل هذه دعوة للقارئ إلى أن ينزاح هو الآخر عن اللغة الشعرية المألوفة بطريق بناء حوار جاد مع لغة القصيدة الحداثية وعليه أيضاً أن يضع معارفه القديمة إزاء النص الجديد موضع تعديل، ليحدث التفاعل ويحدث القبول الجمالي للخطاب؟

* نعم تجسدت الفكرة عبر تكرار صور متعددة خاصة تلك الفكرة التي تلحّ عليّ وتكمن في أعماق الذات وهي بالفعل دعوة للقارئ لبناء حوار جاد مع لغة القصيدة المتشظية التي تطمح لتأسيس خطاب جمالي جديد منبثق من قناعتي ورؤيتي الجمالية لتطور النص الشعري الخاص بي والذي يحمل بصمة الذات الشاعرة وخصوصيتها..

- إلى أي مدى فقدت القصيدة فعاليتها في هذا الزمن المعلب؟

* ما يحزنني هو أنني ولدت في زمن يأكل المشاعر بالشوكة والسكين ويتفنن في اغتيال كل الأشياء الجميلة، زمنٌ لا يمهلنا كي نكبر، ولا يترك لنا نقطة من العطر آخر الحلم. ولكنني رغم ذلك أعلن أنني لن أستسلم أبدا له، ولن أترك له شرف الانتصار علي وعلى القصيدة، لن أدعه يحولني إلى علبة صفيح، ولا إلى دمية من خشب ولا إلى سيجارة كوبية، ولن اسمح له أن يأكلني ولا أن يأكل أحلامي ولا أن يجعلني بلا إحساس. ربما قد أنهزم في معركة، وربما قد أنزف حتى الموت، ولكن كل جرح ما هو إلا مطلع قصيدة وكل نزيف ما هو إلى رغبة في الكتابة..

- بسؤال مغاير أقول: هل تعتقد الشاعرة فائزة بنمسعود أن أهمية الشعر والشعراء تلاشت عما كانت عليه في السابق اي في العصور الماضية ولماذا؟

* يبدو لي أنها تلاشت وبشكل محزن، رغم وجود أقلية تناضل في هذا المجال، أما السبب برأيي المتواضع، هو انحلال أخلاق حملة الأقلام، أعتذر، لكنها الحقيقة، ضاع المبدعون الحقيقيون وسط ثلة من سماسرة الحرف.. هبط مستوى الكلام الى أسوأ رتبة، صار شعراً تجارياً، كما أفلام التفاهة والميوعة تماماً، وحين صار الشعر بيد أناس يتاجرون به، ومن يشترون اسماً لن يخلد إلا نفاقا. لكن يظل في الأخير الشعر النابع من الذات مخترقا لسجوف الرداءة..

- ما هو رأيك بالنقد الآن، وهل واكب مسيرة الشعر التي نشهد فوراناً لها منذ سنوات قليلة؟

* ما يثير الحزن حقا هذا التراجع والنكوص الذي يعرفه النقد الأدبي في جامعاتنا وأوساطنا الأدبية، فالمشهد اليوم يبدو فقيرا لغياب مدارس نقدية عربية حقيقية، في المقابل يمكننا الاستشهاد بالتجريدية الأوروبية والسريالية والبنيوية والتفكيكية وغير ذلك، أما التراث العربي القديم فإنه مليء بالشواهد التي ما زلنا نستنزف قواعدها، لقد أصبحت المناهج القديمة مستهلكة تكرر نفسها دون أن نجد نقدا حقيقيا للنصوص الشعرية مما شجع-كما أشرت-على انتشار الرداءة والإسفاف والشعر الهابط، ومن ثم كان على النقاد(وأنت واحد منهم-قالتها بإبتسامة عذبة) أن يقوموا بأدوارهم وأن يصطفوا جنبا إلى جنب مع الأدباء والشعراء لأن الشعوب المغلوبة في وطننا العربي تعول عليهم في قراءة الواقع ونقد مساراته، وهنا يبدو دور الجامعات المتخصصة في دمج الأدب المعاصر بالعمل الأكاديمي وتفعيل دور النوادي الأدبية والمؤسسات الثقافية المعنية لأن التغيير لا يحدث إلا بشكل جماعي..

- لو لم يعد بإمكانك الكتابة والرسم بالكلمات.. وحتمت عليك الظروف ذلك .. فما الذي تفعلينه؟

* الكتابة سحر روحاني يتملكنا في أي لحظة، والمبدع كالسمكة لو تخلى عن بحر الإبداع سيموت.. ربما هذه الظروف التي تريد أن تحتم علي بعدم الكتابة، بل ستزيد فيّ الحنين أكثر للإبداع .. كل حالات الوجع والفرح والحزن والتفاؤل في الحياة تمنحنا الإبداع أكثر، الأديب الذي لا تزعزعه الظروف سواءً كانت حزينة أم سعيدة، لا يمكنه أن يكون مبدعاَ..

- قلت عنك ذات يوم أنك، تلتقطين في رماد الروح وجع المسافات حنينا لأزمة الحب حيث تشتعل فوانيسها ” ماتعليقك؟

* ما تبقى من اشتعال الذات في خريف عربي أتى على الأخضر واليابس .. ما تبقى من رماد فينا حرقته التحولات الفكرية والذهنية التي طرأت على أفكار العرب، من أجل الهروب إلى الهاوية أو الانتحار، فكلاهما مرٌ، رماد الروح هو فعلا وجع المسافات القليلة البعيدة، كالسراب نحو الأمل والحب، كي يعيد الرماد استنساخ نفسه كشعلة من نور، وفوانيس الدروب المكللة بالانتصار .

- هناك جدل لم يحسم بعد في العالم العربي، وهو الجدل الدائر حول ما يسميه البعض كتابة نسوية تطرح قضايا المرأة وتحاول التخلص من ذكورية الكتابة. هل برأيك هناك أدب نسائي أم أن الأمر برمته هو اختراع ذكوري لمحاصرة المرأة إبداعيا؟وهل المرأة محاصرة إبداعياً فقط؟!

*هي في تقديري محاصرة بالقوانين والمجتمع والبيئة والعرف. عندما يتم الاعتراف بها كإنسانة قبل أن تكون امرأة – من قبلها هي ومن قبل الجميع - ستسقط التسمية "أدب نسائي أو كتابة نسوية" بشكل تلقائي ومن غير عناء لأنها في ذلك الحين لن يكون لها أي معنى. سيحدث هذا في المستقبل البعيد ربما.

-هل كتبت فائزة بنمسعود قصيدتها المشتهاة ..؟

* القصيدة المشتهاة هي التي تسكننا ولا تفارقنا مدى الحياة، في كل مرة نكتبها نقول لا ليست هي، ونبقى نبحث عنها بين طيات أفكارنا وذاكرتنا حتى ولو عشناها.. القصيدة ” المشتهاة “هي نداء الروح العميقة التي لا تأججه إلا الكتابة، فهي تمنحنا الحياة للبقاء على ناصية الفرح، كلما ضاقت بنا سبل الدنيا، نبحث عنها بين طيات الحروف، ربما كتبتها.. لكنني أبقى أبحث عنها حتى لا أضيع بوصلة الفرح في حروفي .

- قيل لي أن فائزة بنمسعود تكتب شعرها بحبر الروح ودم القصيدة ما مدى صحة هذا الرأي؟

* أنا أحب الإنحناء على عجينة قصيدتي، شرط ألا تأتي نتيجة هذا الإنحناء افتعالا شكلانيا مجانيا لا يؤدي إلى أي تجديد شعري، بل إلى دوران في حلقة مفرغة، حلقة البحث عن الشكل المختلف الصادم على حساب مستوى النص الشعري. فالتجديد الثوري (ونحن نعيش بتونس تجليات ثورة لا تخطئ العين نورها وإشعاعها) لا يكمن بالضرورة في القطيعة مع ما سبق، وثمة دائما خيط يربط ما كان بما سيكون، مهما كان مختلفا عنه ومتعارضا معه. أنا أكتب بكل بساطة القصيدة التي تناديني، ولم أكن أبحث عن استفزازات شكلانية”بالقوّة”من خلال طرائق مشيي نحو القصيدة، لأن استفزازي هو قصيدتي في ذاتها، لا في قطيعتها أو عدم قطيعتها مع الأشكال التي سبقتها أو سوف تليها. ”

- لو لم تكوني شاعرة ماذا كنت تحبين أن تكوني؟

* لو لم أكن شاعرة، لكنت شاعرة أعزف على أوتار الحروف سمفونية عشق لا ينتهي.. ”

- دور الشاعرات العربيات في الساحة الأدبية ومن ضمنهن محدثتي-زكية الجريدي-، هل وصل إلى ما تطمحين إليه، أم أن مشاركتهن ما زالت في بدايتها؟

* سيظل الشاعر رسولَ مجتمعه والناطق بإسم أهله ومواطنيه، وباعث الهمة فيهم.. أما المرأة الشاعرة فما زال دورها ووجودها محدودا إذ يحتل الرجل الواجهة، وما زالت نظرة العامة إلى الشعر نظرة ناقصة باهتة فكيف إن كان من يكتب هو امرأة؟ يلزمنا ألف عام حتى تستطيع المرأة الشاعرة أن تصرخ بصوت هادر يرسّخ وجودها أمام تسونامي الرجل الشاعر “

- يقال أن بعض الشعراء يكتبون قصائدهم و أن البعض الآخر تكتبه القصيدة فمن أي الشعراء أنت و كيف تولد القصيدة لديك؟

* تكتبني القصيدة فهي تولد من رحم خيال بعد مخاض في الأحاسيس وأكون طبيبها الذي يطرحها على سريرها بلطف شديد..

- ما هي بنظرك أزمة المثقف العربي، هل هي أزمة وعي وحرية.. أم انخفاض السقف وأزمة مؤسسات؟ كيف تضئين هذا النفق..؟

* لا يمكن اعتبار سبب واحد هو سبب الأزمة الراهنة، هناك أسباب تراكمت عبر أزمان طويلة، المشهد الذي نعيشه اليوم في حالة أزمة نتيجة لتوافر تعارضات فكرية وانعدام وضوح الرؤيا ولعدم تحديد الأهداف تحديداً واضحاً وبالتالي هناك أيضاً عامل الوعي، وهو شيء تاريخي يتكوّن بالتراكم، عبر فترات طويلة من خلال التصور الواضح ومن خلال عملية الاستمرار، يتكوّن سبب منفرد، ولا يمكن اعتبار أن المرحلة القصيرة هي سبب الأزمة، ويمكن القول أن كثيراً من العوامل التي تلاحظها في الفترة الأخيرة هي عوامل كاشفة، أكثر منها عوامل منشئة، الأزمات والإرتباكات التي صارت على أكثر من صعيد، على صعيد تهاوي بنى سياسية وأفكار وعقائد وصيغ، وحالة الإرتباك وحالة التشوش هي مظاهر لأزمة مستمرة، ويمكن القول أن الحالة التي نعيشها اليوم جذورها تمتد إلى عصر ما قبل النهضة، إنها عميقة ومستمرة، الرواد الأوائل في القرن التاسع عشر حاولوا أن يقدموا شيئاً، مواضيع في نوع من الصيغ والأفكار الأولية للأسف كانت بدائية أولاً.. وثانياً لم تتواصل، وتبدأ أي مشاريع جديدة من الصفر غالباً وبدون تراكم معرفي.. وفي فترات الإنهيارات الكبيرة.. في فترات الأزمات نلاحظ مثل هذه الحالة وهي حالة طبيعية تقريباً، يعني أن كثيراً من الشعوب وكثيراً من التجارب الإنسانية تمرّ بها حتى تستكمل جزءاً منها، لذلك ربما الحالة التي نعيشها اليوم إنما هي تعبير عن القلق ونوع من امتحان الاحتمالات، ونستطيع بدقة مع الأيام أن نحدد أكثر الأهداف، ويجب أن نكون متواضعين .. كنا نأمل أن تكون هناك حلول جذرية وسريعة للقضايا الكبرى بدون دفع الثمن، وتبين لنا الآن أن كل شيء يجب أن يحدد بدقة، ويجب تحديد ثمن هذا المطلب. من أجل تحقيق هذا الحلم الآن بكل هذا التراكم والاستمرارية، يمكن إيجاد حلول ناضجة .

- لو لم يعد بإمكانك الكتابة والرسم بالكلمات.. وحتمت عليك الظروف ذلك .. فما الذي تفعلينه؟

* الكتابة سحر روحاني يتملكنا في أي لحظة، والمبدع كالسمكة لو تخلى عن بحر الإبداع سيموت.. ربما هذه الظروف التي تريد أن تحتم علي بعدم الكتابة، بل ستزيد فيّ الحنين أكثر للإبداع .. كل حالات الوجع والفرح والحزن والتفاؤل في الحياة تمنحنا الإبداع أكثر، الأديب الذي لا تزعزعه الظروف سواءً كانت حزينة أم سعيدة، لا يمكنه أن يكون مبدعاَ..

- إلى أي مدى فقدت القصيدة فعاليتها في هذا الزمن المعلب؟

* ما يحزنني هو أنني ولدت في زمن يأكل المشاعر بالشوكة والسكين ويتفنن في اغتيال كل الأشياء الجميلة، زمنٌ لا يمهلنا كي نكبر، و لا يترك لنا نقطة من العطر آخر الحلم. ولكنني رغم ذلك أعلن أنني لن أستسلم أبدا له، ولن أترك له شرف الانتصار علي وعلى القصيدة، لن أدعه يحولني إلى علبة صفيح، ولا إلى دمية من خشب ولا إلى سيجارة كوبية، ولن اسمح له أن يأكلني ولا أن يأكل أحلامي ولا أن يجعلني بلا إحساس. ربما قد أنهزم في معركة، وربما قد أنزف حتى الموت، ولكن كل جرح ما هو إلا مطلع قصيدة وكل نزيف ما هو إلى رغبة في الكتابة..

- بسؤال مغاير أقول: هل تعتقد الشاعرة فائزة بنمسعود أن أهمية الشعر والشعراء تلاشت عما كانت عليه في السابق اي في العصور الماضية ولماذا..؟

* يبدو لي أنها تلاشت وبشكل محزن، رغم وجود أقلية تناضل في هذا المجال، أما السبب برأيي المتواضع، هو انحلال أخلاق حملة الأقلام، أعتذر، لكنها الحقيقة، ضاع المبدعون الحقيقيون وسط ثلة من سماسرة الحرف.. هبط مستوى الكلام الى أسوأ رتبة، صار شعراً تجارياً، كما أفلام التفاهة والميوعة تماماً، وحين صار الشعر بيد أناس يتاجرون به، ومن يشترون اسماً لن يخلد إلا نفاقا. لكن يظل في الأخير الشعر النابع من الذات مخترقا لسجوف الرداءة..

وفي الأخير.. اختتمت حوارها معي بالقول: ” كل ما اعرفه إنني عاشقة للقلم أجيد الرسم بالحروف، ولطالما أسعدني دفء الورق، وأطربتني خشخشته، وحبر قلمي هو المتنفس لكل ما يجول بخاطري، أما قصيدتي فهي تولد بلحظة ودون مقدمات تجاه تأثر من موقف معين.. أتسلق أهداب الليل الحالك، يرهقني صخب الشوارع، وابحث عن باب نهار مشرق لأفتحه.. ”

- في الأخير :بم تنصحين الكاتب الشاب؟

* أهم شيء هو التواضع. فليس كل من كتب- سطرين- يتخيّل أن على العالم أن ينحني له .. أغلب الأدباء الذين اشتهروا بدؤوا متواضعين، خاصة وإنهم يقدرون أعمالهم، ويقيمونها قبل أن يتناولها النقاد، ويعتبرونها وصلت حدا معينا من الجودة . الكاتب الشاب ينبغي أن يعمل على تطوير عمله، فلا يمكن أن يصدر الكاتب مجموعة قصصية صغيرة، ويريد من النقاد أن يصفقوا له، وأن تقام له طقوس الاحتفال . هذا غير ممكن . فالتواضع مطلوب، وكذلك الإنتظار والصبر. إضافة إلى أن الكاتب الشاب لابد أن يلتفت الى بيئته المحلية. فالمحلية مسألة أساسية، وخاصة في موضوع الرواية. وأنا شخصيا أعتبر تجربتي قائمة على المحلية. فإذا كنت تحيا في بيئة تعرفها وتعايشها، يمكنك أن تكتب عنها عملا فنيا ذا قيمة .

– القصيدة جنون معقلن كما يرى الشاعر المغربي عبد الله راجع، بالمناسبة، كيف تربن قصيدتك؟

* الشعر فضاء منفتح لا تحكمه حدود أو أبواب، فهو كون رحب يعيشنا قبل أن نعيشه ويتشكل في دواخلنا كما البذرة في أديم الأرض. أمّا القصيدة فهي النَّفَسُ المُنفلت من نظام العقل وهي زِلزال وارتداد باطني، يُحدث رجّة الإبداع من الخفايا الصّامتة في عمق الشاعر. هي عشق وتماهي وهي في النهاية خيار ممتع ومرهق، نزيف نختار انهماره ونصبر على حفره المتواصل في أرواحنا، دون تحديد فارق لساعة خلقه أو تمظهره.

– أبوابك أربعة.. وطن، روح، عشق وريح فأي من الأبواب بنيت فيه خيمتك الشعرية وكان أكثر استكشافا؟

* لكل خيمة أوتاد وأنا اخترت تلك المحاور أوتادا لقصيدتي.. فالوطن همّ والرّوح سفر لا متناهي في اقاصي ذاتي.. امّا العشق فهو العطش اللامشروط والرّيح سبيلي يمطرني حينا ويلفحني بهجير الحياة أحيانا أخرى.. . غير أنّي الان ألتمس في اعماقي الغائرة نارا حارقة

تشدّني بقوة الى الوله الالهي وجمال الكون الفسيح المخضب بطين الخلق.. هي تجربة في اولى خطواتها لكنها تحملني بعيدا دون استئذان..

- رسالة شعرية تريدين أن تقولينها للقارئ العربي..؟

* اقرأ وغربل الحروف إنصافا.. فليس لحر القصيد أعرافا..

- كلمتك الأخيرة.. .

* تحيتي الخالصة لكلّ القرّاء من الألف إلى الياء دون الاعتراف بالحدود الجغرافية والتأشيرات الجمركية بيننا.

***

أجرى الحوار الناقد التونسي محمد المحسن

3606 عادل العرداويعادل العرداوي..

* العرد هو نوع من الشوك الصحراوي الذي ينبت لحاله وتاكله الجمال

* اعتمرها الملك فيصل ليشجع افندية الحكومة على نزع الطربوش التركي

* دخلت مملكة الصحافة العراقية الساحرة من نافذة الشعر الشعبي

* السدارة لباس المثقفيين والتراثيين وعمامة الحجاج لباس الطغاة..!

* لا علاقة لي بمنصات الشعر الشعبي

* اول محاولة شعرية نشرت لي في جريدة الايام 1966

***

هو رجل بمثابة تاريخ للادب الشعبي في العراق اذ زامل اجيالا كثيرة من الشعراء الشعبيين منافسا لهم في المضمار ثم عابرا منه الى مضامير الاعلام والصحافة كاتبا ومعدا ومحاورا ومقدما لبرامج اذاعية وتلفزيونية وترك بصمته على صفحات الصحف محررا وناشرا ومشرفا ومسؤولا عن التحرير واحتفظت ذاكرته بالاف الصور والحكايات الشعرية والاساطير الشعبية حتى تحول رأسه الى خزانة لكثير من النفائس الشعرية والادبية وهو اشبه مايكون بسوق (الهرج) وعلى من يبحث عن (انتيكات) الازمنة الشعرية بالذهاب اليه والبحث عنها في زوايا روحه المعطاء اضافة لولعه بالخطابة وادارة الندوات التي تتعلق بالفلكلور والثقافات الشعبية واصبح (ماركة مسجلة) في عرافة الحفل لكل مهرجان تقيمه امانة بغداد وهو سندباد جديد لايتعبه السفر فما ان تشاهده مساء اليوم في بغداد قد تجده صباحا في البصرة او غيرها من المدن يدير ندوة عن الموروث فيها.. تعالوا معي لدردشة مع هذا السندباد العراقي الجميل..

* ماهو العرد..؟

* هو نوع من الشوك الصحراوي الذي ينبت لحاله، وتتغذى عليه الجمال...

* كيف اقص اثرك...

* انا عادل العرداوي من مواليد / 1949، انتسب لعشيرة السادة (العرد) التي يسكن ابنائها في مدن وارياف محافظات الفرات الاوسط (النجف وكربلاء وبابل والقادسية والمثنى) وهم سادة زيدية حسينية، يعمل معظمهم بالزراعة في اراضيهم (فلاح - ملاچ) وقسم منهم من يمتلك ويربي الثروة الحيوانية (الاغنام) وحالتهم المعاشية مستقرة.. ويقال ان هؤلاء السادة في القرن الثامن عشر الميلادي، قاموا بمعالجة فيضان كبير وقع في نهر الفرات، حيث أستخدموا لايقاف ذلك الفيضان الطاغي نبات (العرد نوع من الشوك) في بناء السدود الترابية وتثبيتها، وفعلاً فقد نجحوا بمسعاهم الخير ذاك وتخلصوا من خطر الفيضان المدمر، وهكذا فأن ابناء العشائر الاخرى المشاركين معهم في عمل سداد الفيضان (حشر) اخذو يطلقون عليهم تسمية (السادة اهل العرد) وبقيت هذه التسمية ملازمة لهم وعرفوا بها وظلت حتى الوقت الحاضر..

* في العهد البائد كنت تضع كوفية حمراء وعقال على رأسك.. هل كانت رمزية لحكم الاعراب..؟

* لا.. وحقيقة الامر اخترنا الكوفية الحمراء والعقال على راسنا كان لاسباب فنية بحته كوني كنت اعد واقدم برنامج ريفي تراثي من شاشة تلفزيون بغداد / القناة العامة نهاية تسعينات القرن الماضي باسم (سواليف وطرب) كان يتحتم على ان اعتمر زياً شعبياً يتناسب مع اجواء ذلك البرنامج الشعبي الذي كان يستحوذ على اعجاب شريحة واسعة من الطبقات الشعبية العراقية، وهذا هو السبب الحقيقي لاعتمار اليشماغ الاحمر وليس لاسباب اخرى..!

* ماهي قصة السدارة الملكية في الزمن الديمقراطي..؟

* اولاً فان اسمها السدارة الفيصلية وليس الملك نسبة الى اول من اعتمرها على راسه وهو المرحوم الملك فيصل الاول اول دستوري للعراق بعد ثورة العشرين، ليشجع افندية الحكومة على نزع الطربوش التركي وارتداء السدارة بدلاً عنها، و وانا اعتمرتها جراء طلب القنوات الفضائية التي تستضيفني في برامجها التراثية والفولكلورية، حيث تلتمس تلك القنوات مني ان اعتمر على رأسي السدارة الفيصلية وهكذا اعتمرت على اعتمارها وتعودت عليها، وليس هناك تقاطع بين السدارة الفيصلية وزمن الديمقراطية الاغبر..!!

* منذ عقود طويلة، وانت تكتب الشعر الشعبي الى اين وصلت..؟ وماذا جنيت..؟

* جنيت ربح معنوي كبير وثراء واسع من السمعة الطيبة وهذا يكفي، وصحيح استاذ راضي انا دخلت مملكة الصحافة العراقية الساحرة من نافذة الشعر الشعبي، ومازلت لحد هذا اليوم احرر صفحات للادب الشعبي في (4) صحف محلية بشكل تطوعي (اي من دون راتب او مكافئة) الله وكيلك..!

* انت موجود في الصحافة الورقية والاعلام المرئي والمسموع.. اين تجد نفسك..؟

* اجد نفسي في الصحافة الورقية..!

* هل بلغت درجة المعلم او الحكم في مجال الشعر الشعبي..؟

* لا درجة المعلم كبيرة علي، ربما ان اكون حكماً وذلك بحكم تحريري لصفحات الادب الشعبي في الصحافة العراقية منذ اكثر من نصف قرن مضى ومازلت...!

* هل اصبحت مهمة (عريف الحفل) حكرا على عادل العرداوي؟

* لا لم تكن مهمة (عريف الحفل) حكراً علي، استغفر الله..فالباب مفتوح لكل من يرغب ويمتاك القدرة والقابلية والشجاعة الادبية في مواجهة الجمهور..

* ماهو الفرق بين سدارتك وعمامة الحجاج؟

* السدارة لباس المثقفيين والتراثيين وعمامة الحجاج لباس الطغاة..!

* هل تذكر اول بيت كتبته..؟

* نعم كان ذلك في عام / 1967 اقول فيه:

(ليش اليحب مينام للصبح يسهر..

يتربه نجم اسهيل والفجر لوطر..!)

* مايغويك في الشامية؟

* يغويني في الشامية تمن (العنبر) والشامية هي شقيقة المدينة التي ولدت فيها (ابوصخير / المناذرة)..

* لدي خمسة اسماء احتاج لكل اسم تعليق يليق به وحبذا لوكان شعراً:

(عگاب سالم الطاهر، وعبد المنعم العيساوي، وسامي الهيال، ومحمد الجابري..؟)

* عكاب سالم الطاهر:

(متعلي فوگ الفوگ هنيلك عگاب..

شعلة نشاط وخير دومك للاحباب..)

* عبد المنعم العيساوي:

(يامنعم اهلاً بيك ياخير الاخوان..

اشگد الك وگفات تنبض بالاحسان..)

* سامي هيال:

(ياسامي ابن هيال ياحلى عواد

بالفن الك صولات شهدتها بغداد..)

* جاسم خصاف:

(صائد اللحظة الهاربة..!)

* محمد الجابري:

(حلال المشاكل..)

* ماهي ادوات الشاعر الشعبي..؟

* التروي وعدم التعالي والغرور والقراءة، والتبصر..

* هل اختلف الشعر الشعبي اليوم عن امس وبماذا..؟

* نعم هناك اختلاف كبير وذلك امر طبيعي، بعد ان توسعت المدارك والرؤى، واشاعة التعليم والثقافة، وتطور الحياة وثورة العلوم التقنية..

* عاصرت وعرفت ورافقت اغلب الشعراء الشعبيين على مدار ستة عقود.. لماذا لاتكتب عنهم كتاب يكون مرجعاً للباحثين في هذا النوع من الادب، وانت القادر على الكتابة، والمطلع على كثيراً من الاسرار..؟

* نعم هذا حق، عدم وجود الوقت الكافي هو الحائل بيني وبين هذا الكتاب الحلم الذي يراودني، واكيد في نهاية الامر ساقوم بتاليف هذا الكتاب بإذن الله..

* ماهي علاقتك بمنصات الشعر الشعبي..؟

* لاعلاقة لي بها..!

* ايهما اصعب ركوب الحصان او المنصة..؟

* المنصة..!

* ماهو الفرق بين الدارمي والميمر..؟

* الفرق واضح هذا لون وذاك لون وهما من الوان الشعر الشعبي العريقة والمغناة، والميمر اصعب من الدارمي خاصة اذا كان ميمر مجنس..

* هل تعتبر انت اقدم شاعر شعبي حالياً..؟

* لا.. ولكني من القدامى، خاصة اذا ماعرفنا ان اول محاولة شعرية بسيطة نشرت لي في جريدة الايام الاسبوعية البغدادية بعنوان (ليلة الزفه) عام / 1966. واكيد هناك من هو اقدم مني مثل الزملاء الشعراء ناظم السماوي وربيع سليم الشمري، وصابر خضير مثلاً، وغيرهم.

* من علمك الشعر..؟

* لم يعلمني الشعر شخص بعينه، لكني كنت متاثر بالشعراء الكبار امثال الحاج زاير وعبد الامير الفتلاوي، ومظفر النواب، وزهير الدجيلي، ومجيد جاسم الخيون، والناشئ وغيرهم..

* هل نظمت قصائد حسينية..؟

* نعم لكنها قليلة..

* ماذا فعلت في الكوفة..؟

* القيت محاضرة بعنوان (لمحة عن الادب الشعبي العراقي / الابوذيه نموذجاً) وذلك في حديقة مضيف الشيخ الدكتور عبود العيساوي في امسية رمضانية عقدت في ريف الكوفة..

* من هو صديقك الحقيقي..؟

* من يحمل همي واحمل همه..

* هل انت انتهازي؟

* اظن اني (مو) انتهازي..والله علم..!!

* هل ذقت مرارة الهجر..؟

* نعم وما اقساه.. اويلي..!

* هل عانيت من الاهمال..؟

* احياناً..!

* كم ملهمة مرت في حياتك..؟

* كثر.. ايام الصبا..

* لمن كتبت رسائلك السرية..؟

* لاحداهن..

* ماذا كتبت لاخر حبيبة..؟

* استعارة من استاذنا مظفر النواب:

(چانن اثيابي علي غربه.. ومستاحش من اعيوني

گبل جيتك..!).

* هل تحب الطرشي..؟

* اذا كان امدبس من طرشي الحبوبي في النجف..!

* اخر مانظمت..؟

* (الى مغرور..):هذا البيت الدارمي:

(خامه وزبيل اتراب تاليهه دنياك..

لاتدبچ اعله الگاع.. خفف بممشاك..!)

* هل تشعر انك مرتاح الان..؟

* الى حد ما..

***

حوار / راضي المترفي

3605 جمال الهنداويهو رجل اشبه مايكون بالنحلة لكنه يعمل بلا دوي ولا ضوضاء وعندما يظهر عمله على صفحات (اوروك) لايقرع طبول النصر ولايرفع رايات الانتصار انما فقط يشعر براحة ضمير لان عمله خلا من مصلحة خاصة او ملامح مجد شخصي انما يلازمه شعور بالرضا لانه انجز مامطلوب منه بشكل يرضي ضميره اولا ولايهمه رضا الاخرين او حتى حنقهم ولا يطربه سيل كلمات الشكر والمجاملة من الذين استفادوا من عمله انما يطربه دقة وجمال ما انجز ومن محاسن الصدف انه حمل الجمال اسما شخصيا له وصفة لعمله وفوق هذا فقد منحته السماء هبة القدرة على ممارسة (الصمت) الذي يمتص به فرح الاخرين وحنقهم على حد سواء لذا لايذكر احد انه وقع بمازق في يوم ما مع اخر .. هل عرفتم من قصدت بكلامي هذا؟ انه الاديب والصحفي الرائع جمال الهنداوي فتعالوا معي ندردش معه في امسية رمضانية جميلة ..

* هل انت جمال؟

* نعم.. ومن تظنه أن يكون غيري؟؟

* هل انت هندي؟

* لا انا من مدينة الهندية (طويريج)

* كيف تدار الصراعات؟

* على المستوى الذي نعيشه، الصراعات لا تدار، بل تنبثق فجأة وتنطفيء بسرعة

* هل تعرف الاذاعي الشهير ابراهيم الهنداوي؟

* نعم، يسكن ذاكرتي بأداءه التمثيلي وجهوده في مجال الاذاعة بالتحديد، لكن لا قرابة بيننا ان كان هذا المقصود بالسؤال.

* ايهما الأصل طويريج ام السدة؟

* طويريج طبعا، فالسدة محدثة بعدها بكثير

* هل يصلح العمل الثقافي مهنة؟

* نوعا ما، ولكنها ليست المهنة المثالية على الاطلاق.

* ما معنى طويريج؟

* نشأنا وكبرنا ونحن نعرف أن طويريج هي تصغير لكلمة "طريج" أو " طريق" بلهجة الفرات الاوسط، للأشارة لكونها تقع على الطريق الى العتبات المقدسة في كربلاء، لكني سمعت مؤخرا ان الكلمة هي تعريق للكلمة الانجليزية " tow way reachs".. ولكني اجد ان هذا الرأي متكلف جدا ويحمل الكلمة ما لا تحتمل.

* هل تجيد ثقافة الاعتذار؟

* بالتأكيد، ولا أتردد بالاعتذار اذا تراءي لي خطأي في أي من الأمور

* هل تعشق الرياضة؟

* لو استثنينا بعض التمارين الترويحية، فأنا احب الرياضة من خانة المتفرج أكثر

* أين تجد نفسك؟

* أجد نفسي جدا في الصحافة الثقافية، خاصة لو كانت على شرطها وشروطها.

* مع كم وزير عملت وكيف هي امزجة وزراء الثقافة؟

* عملت مع جميع وزراء ما بعد التغيير، ولكن كنت دائما في الجانب المهني من الأمر، ولم أحاول مطلقا الولوج في المساحات التي يتدخل فيها مزاج المسؤول، ما تعاني منه وزارة الثقافة هو عين ما تعانيه الدولة العراقية برمتها، أي غياب التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، وعدم البناء على الجهد التراكمي، والترهل الوظيفي الذي أستهلك الجهد الاداري والمهني للوزارة على حساب مهماتها الرسالية في التنوير واشاعة الوعي بالهوية الثقافية للمجتمع العراقي، وتختص الوزارة كذلك دون باقي الوزارات بالنقص الدائم بالتمويل والنظرة الدونية التي يحملها السياسي للثقافة والمثقف.

* حدثني عن كيفية اختيار النصوص التي تنشرها في اوروك؟

* النص عادة هو من يختار الظهور على صفحات أوروك ويفرض نفسه عليها، ودائما ما اقول أن المحرر الثقافي هو نوع من " شرطي المرور " الذي تقتصر مهمته على تسليك الطريق بين المادة الثقافية والقاريء ، ونملك في الصحيفة فلسفة عمل خاصة تستهدف أظهار مكانة المبدع العراقي وصناعة نجومية اعلامية للمثقف.

* كم نصا نشرت مجاملة لصديق؟

* القليل، ولكني أعترف أنني نشرت بعض المواد تحت ضغوط معينة دون أن أكون مقتنعا تماما بجودتها.

* هل تقرأ كل مادة تنشرها وماهي المعايير؟

* بالتأكيد.. والمعيار الوحيد هو مدى الضوء الذي من الممكن ان تسلطه الصحيفة على المبدع والمنتج الثقافي.

* من هم أبرز الشعراء حاليا في العراق؟

* قرأت مرة يوما قولا يرى أنه لا يتجاوز عدد الشعراء في العراق الا عدد نخيله، طبعا في عز النخل العراقي، وليس تكلفا لو وضعنا اغلب هذا العدد في صنف المجيدين، ولكن لو اردت ان أعطيك بعض الأسماء فسيكون على أساس ذائقتي الشخصية كقاريء، فلن أخطيء الكبير كاظم الحجاج، والشاعرمنذر عبد الحر، والشاعر رعد زامل، والشاعر عبد الرزاق الربيعي، والشاعر عدنان محسن، والشاعر نبيل ياسين، والشاعر عدنان الصائغ وقد تطول القائمة لبعض مئات من الأصوات الشعرية العراقية المبهرة

* هل تحب قصيدة النثر؟

* نعم، ولكن أيضا بشرطها وشروطها.

* لو عرض عليك نصان متساويان في كل شيء أحدهم لمشهور والأخر لمغمور من تقدم للنشر؟ ولماذا؟

* سأسعى لنشر كلا النصين، وأن كنت سأميل داخليا للأسم المغمور لأني أؤمن أن وظيفة المحرر الثقافي هو أضاءة المساحات المظللة من المشهد الثقافي

* هل تصاب بالحيرة او تشعر بالعجز من جراء تشابه النصوص؟

* غالبا، والحيرة الأكبر هو في كيفية أقناع بعض الكتاب أن كل الجهد الذي وضعه على الورق لم يكن كافيا لأنتاج نص يقرأ.

* كيف تميز النصوص المسروقة؟

* المحرر المحترف يستطيع التمييز عادة بين النص الاصيل أو المنتحل، خاصة اذا كان يقرأ لكل من السارق والمسروق، ولكن من الممكن أن تمر بعض النصوص بين الفينة والاخرى وهنا يأتي دور المثقف القاريء الذي دائما ما يلفت انتباهنا لمثل هذه التفلتات .

* هل يفترض بالصحفي العامل في مجال الصحافة الثقافية ان يكون مجاملا؟

* نعم، خاصة مع الحساسية المفرطة للمثقف تجاه منجزه الابداعي

* هل أصبحت (النثرية) فوضى؟

* قد يكون الاستسهال هو المصلح الاقرب للصحة من الفوضى.. فقصيدة النثر ما زالت محفوفة بفحولية شعراءها المجددين

* من بنى السدة وكيف؟

* اعتقد أنها بنيت عام 1890 من قبل المهندس (شونديرفر) باستخدام الطابوق المستخرج من (آثار مدينة بابل) ومولت من خلال المنحة " الهندية" المقدمة من طائفة البهرة وهذا سبب تسميتها بالهندية.. هل هو امتحان أم ماذا.

* هل علق بذاكرتك نص شعري او قصة او حتى حوار مما نشرت ولماذا؟

* نعم، الكثير.. ولكن أكثر ما علق بذهني هو " خلاصات السبعين" لشاعر العراق الكبير كاظم الحجاج ورائعة الشاعر رعد زامل التي يقول فيها:

أي رب

شحيحة هي حسناتي

فضع في الميزان دموعي

التي ذرفتها تحت شرفات الأرامل

وإن اقتضى الأمر

وأنت الكريم

ضع فوقها ما خلفته

الحرب في روحي من ندوب

وسترى كم هي ثقيلة موازيني

ثقيلة بما يكفي

ليس لدخول الجنة من

أقرب طريق.

بل لأكون شفيعاً للجنود المجهولين

اولئك الذين قطعت الحرب

الطريق على أقدامهم

فلا عادوا الى امهاتهم

ولا وصلوا اليك.

* من يصحح لك؟

* أكثر من أثق بقراءته لما أكتب هو أخي وصديقي الكاتب " علي جبار عطيه"

* من يدور (ينبش) خلفك؟

* لا اعتقد أن لدي ما يستحق النبش

* كيف تتعامل مع (المضغوطين) منك؟

* لم يصرح لي سابقا احد بـ"أنضغاطه" لكي أحسن التعامل معه، ولكن أعتقد أن ردة فعلي الأولى ستكون معرفة سبب هذا الانضغاط، أن وجد طبعا.

* هل تفرق بين أديبة وأخرى وماهي المعايير؟

* بالتأكيد هناك فروق في التعاطي مابين مبدع وآخر من خلال المستوى الابداعي والتاريخ وجودة المنجز والحضور في الوسط الثقافي.

* هل للحلوات حظوة عند النشر؟

* ماذا تريدني أن أقول؟؟ ساستعين بالرائج والأسلم دائما، لا حظوة لاحد الا للنص. . ولكن كشقشقة في النفس أقول، خسرت الكثير من الحلوات بسبب معايير النشر

* هل تخاف من المرأة الأكثر جرأة؟

* كلا، بل أنا أدعم الصوت النسوي المبدع دون شروط او تحفظ..

* كم مرة غضضت الطرف؟

* كثيرا

* من هم أصدقائك؟

* أعرف نصف العراقيين، ولكني لا أتحصل الا على عدد قليل جدا من الاصدقاء ومنهم من هو زعلان مني أتمنى أن يقرأ هذا الكلام ويعرف بأني لم أنسى صداقته أبدا.

* هل تؤمن بوجود المرأة الشاعرة؟

* بالتأكيد، كأيماني بالرجل الشاعر.

* من هي المرأة التي ذهبت بك (قابضا) للمحكمة؟

* زوجتي طبعا، ولم أدخل لدار المحكمة بعدها

* هل نسيت شيئا؟

* أهناك المزيد؟؟

***

راضي المترفي

 

3598 علي صالح جيكورجيكور:

- في كوابيسي الإنضباط يطاردوني من شارع الى شارع ومن سطح الى سطح

- السياب عشقي الأزلي الأبدي، أول قصيدة قرأتها له (بويب)

- قال لأمي: يبدو أنك رميتِ سرته في ساحة المدرسة، غطت أمي وجهها بعباءتها، خجلاً وفرحاً

- كانت امي تصاب بالدوار ما ان يغلق المصعد بابه الحديدي القبيح

- تعلمت القراءة والكتابة والرسم والحدادة والنجارة وعزف العود وغيرها كثير

- أسندت رأسي الى الحائط وإستسلمت لإغفاءة لذيذة، صحوت على صفعة وركلة

- أنا مثل الشجرة التي أقتلعت من أرضها وغرست في أرض أخرى

- اخبر اهلي عن مقتلي ومقتل اخي،اثناء عبورنا النهر، بعد ان اطلق الجيش.

***

جليسي اليوم ظريف لا يمل حضوره وهو احمر لكنه لا يشارك الحمران مناسباتهم ولايرتدي المعطف في هولندا عندما تنخفض درجة الحرارة في ساحة الحمراء له طيبة البصرة وحنان العمارة وسباعية أولاد (الملحة) وشطارة أهل (الثورة) نؤاسي المشارب عراقي الهوى إنساني النزعة .. صبور .. غفور لزلات الصديق وربما عناه القريشي يوم قال : (اليوم خمرا وغدا أمرا) يعني بمنطق جيله (ذابها على الساطور) كاتب قصة جميل يتابعه قراؤه بشغف ومحبة هرب من جحيم حكم المنظمة السرية تاركا كل شيء خلفه وكان يكفيه ان يحد نفسه خارج حدود سلطة البعث مهما كانت النتائج وكان له ما أراد بسفرة ماراثونية من مطار بيروت حتى أمستردام بصحبة أخيه .

ورحلة الخروج من العراق التي امتدت لعامين بدأها بعبور شط العرب سباحة إلى عبادان وهناك في إيران اعتقل حتى تمكن من الهرب إلى شمال العراق ومن ثم سوريا وإقامة في لبنان لمدة عام ويغادر مطار الحريري فيها بجواز سفر مزور حتى حط رحاله في هولندا .. تعالوا لنرافقه في رحلة هروبه من الجحيم إلى امل منشود في دردشة لا تخلو من خفة دمه وطرافته.

* ماهي قصة سيطرة القادسية؟

* قد لاتصدق إذا قلت لك بأن هذا الأسم مازال يبعث الهلع في قلبي بعد أكثر من ثلاثة عقود ونصف وعلى مبعدة خمسة الآف كيلومتر، وأني مازلت رغم هذا البعد الزمكاني، أرى في كوابيسي الإنضباط يطاردوني من شارع الى شارع ومن سطح الى سطح، فأستيقظ متعرقاً مذعوراً، بريقٍ جاف ووجه شاحب، ولا أظن بأني الوحيد الذي عانى من أجلاف تلك السيطرة، التي ظلت توزع المنغصات على العابرين لسنوات طويلة.

* ماذا يعني لك الرقم (٤٧)؟

* هههههه سؤال جميل، من إعلامي متمرس وجميل، يعرف كيف يضرب على الأوتار.. سبعة وأربعين، هو رقم القطّاع الذي ولدت فيه بمدينة الثورة، هذه المدينة العجائبية الدافئة، و رغم أن سنوات طفولتي فيها لم تتعدى الثمان، لكنها شكلت الجانب المشرق من ذاكرتي وروحي، إنها المعين الذي أرد إليه كلما مضّني الحنين، فأغترف منه، مازلت أشم عبق تلك الشوارع والسطوح والبيوت، الى حد هذه اللحظة، لاافهم سر عشقي وولهي وحنيني الى ذلك المكان!

* من هي الحمدانية؟

* هي المدرسة الإبتدائية التي تعلمت فيها أول حرف وكتبت فيها أول حرف، وكانت تفصل بينها وبين بيتنا، ساحة ترابية، تتحول في الشتاء الى بحيرة مليئة بعلب الصفيح والحجارة وإطارات السيارات، بالإضافة الى (أبو دبيلة) وهي صغار الضفادع بطور نموها الذي يشبه السمك، كانت رحلة الذهاب والإياب الى المدرسة في فصل الشتاء، تستغرق نصف ساعة أو أكثر، أما في الصيف، فثلاث دقائق كافية للذهاب و دقيقة للعودة، لأننا نكون جائعين، فنركض بأقصى مالدينا من سرعة، صوب بيوتنا.

أتذكر أول يوم دخولي اليها صحبة أمي، وكان هناك جمع غفير من الأطفال رفقة أمهاتهم، كانوا يتعلقون بعباءاتهن ويبكون، وحينما اشار المعاون الى الصف الذي يتوجب علينا المضي اليه، أفلت يد أمي وركضت باقصى سرعتي صوب الصف الأول (ب)، ضحك المعاون وقال لأمي: يبدو أنك رميتِ سرته في ساحة المدرسة، غطت أمي وجهها بعباءتها، خجلاً وفرحاً.

قد تتعجب إذا أخبرتك بأن الحمدانية وساحتها وصفوفها ورحلاتها، وبائعوا الحلويات والسميط والمكاوية واللبلبي المتجمعين خلف سياجها، هي أجمل وأدفأ من المدارس هنا، في عيني!

* من التقط لك اول صورة شمسية؟

* مصور بمنطقة شارع فلسطين، في الرصيف المقابل للمحكمة، وكنا انا وامي وجارتنا وولديها سليم ورحيم، إذ سندخل خريف ذلك العام 1973 الى ابتدائية الحمدانية للبنين.

* ماهي علاقتك بالسياب؟

* السياب عشقي الأزلي الأبدي، أول قصيدة قرأتها له (بويب) كانت في المنهج الدراسي وكان يتحتم علينا حفظ بضعة أبيات منها كواجب مدرسي، لكني إسترسلت في القراءة وحفظت القصيدة كلها، وتمنيت أن تطول أكثر وأكثر، ومنها بدأ بحثي عن أشعاره، فقرأت، شناشيل إبنة الجلبي وغريب على الخليج وسفر أيوب، وأحبيني وستار وغيرها، ثم جمعت 12 ديناراً بشق الأنفس، وكان مبلغاً كبيراً على طالب متوسطة، في وضع مثل وضعي، وأشتريت ديوانه بجزئيه الأول والثاني، طبعة دار العودة.

زرت قرية جيكور في العام 1986 ووقفت على نهرها الصغير (بويب) الذي تغنى به السياب، لكني صدمت وتفاجأت، إذ لم أجد ماقاله عنها

(نافورة من ظلال من أزاهير

ومن عصافير

جيكور جيكور يا حفلا من النور

يا جدولا من فراشات نطاردها

في الليل في عالم الأحلام و القمر)

فلقد كانت مهجورة وشاحبة، جفت سواقيها وأصبحت بساتينها مواضع للجنود والعجلات والآليآت، في زمن الحرب اللعينة .

* كم مرة اضعت امك في السوق؟

* كثيراً، لكن المرات التي تركت الماً وحزناً في قلبي، هو ضياعي في سوق إعريبة وسوق الشورجة وفي ضريح الإمامين الكاظم والحسين عليهما السلام، ومرة ضعت في مدينة الطب، إذ لم يكن لأهلنا المعرفة الكافية آنذاك، بتلك التكنلوجيا العجيبة المتمثلة (بالمصعد) فكانت امي تصاب بالدوار ما ان يغلق بابه الحديدي القبيح، ذات مرة كنا في زيارة لقريبة لنا ترقد في المستشفى، وكان المصعد ممتلئاً بالناس، فدفعني السيل النازل في احدى الطوابق وظلت امي في المصعد، تصعد الى الطابق الأخير وتنزل الى الدور الأرضي، وصراخها يُسمع في الجانب الآخر من الكرخ،

* من هو الغريب الذي حملك على ظهره وطاف بك أزقة شارع الرشيد؟

* لا أعرفه، لكنه أحد أولاد الحلال الكثر، في بلدنا الجميل آنذاك.

* هل أحببت أحد أفراد الانضباط العسكري يوما؟

* أجل، ذلك الشاب الذي أنقذني، عندما كنت نازلاً دون إذن، قبل يومين من رأس السنة الجديدة، وذكرته في إحدى نصوصي، كان إستثناءً حقيقياً.

* متى وجدت نفسك تجيد كتابة القصة القصيرة؟ .

* لا أدري إن كُنت أجيد كتابة القصة أم لا! لأني أكتب دون ضوابط أو شروط، إنها نصوص بسيطة ومتواضعة، بعيدة عن التكلف والغموض.

* ماهي مشكلتك مع ربطة العنق؟

* تعلمت القراءة والكتابة والرسم والحدادة والنجارة وعزف العود وغيرها كثير، لكني لم أفلح بتعلم شد ربطة العنق، لا أعرف اين تكمن المشكلة؟ ربما لأني لا احبها، اشعر بالضيق عندما ارتديها، أتصور بأن الأنظار كلها مصوبة نحوي، تشعرني بأجواء رسمية خانقة. عملي يحتم علي إرتداءها يومياً، زوجتي من يقوم بهذه المهمة، لدي أكثر من واحدة مربوطة وجاهزة في خزانة الملابس، يعني (سبير)، أما خارج العمل، فلا أقربها إطلاقاً.

* هل تكره النظام او السيدة المدير؟

* ههههه، أبداً، أحب النظام، الذي يضمن سلامة وكرامة الناس، كنت فوضوي بعض الشيء، لكني غيرت الكثير من سلوكي بمرور الوقت، أما عن مسؤولتي السيدة (آنيا) التي ذكرتها في بعض نصوصي، فهي إنسانة طيبة، تمتلك شخصية قوية، شكلها يوحي بالقسوة، لكن في داخلها طفل لاتظهره، وحسناً تفعل، فهي مسؤولة عن أكثر من مئتي سائق وموظف من مختلف الثقافات والملل، ولولا جديتها في التعامل معنا، لأصبحت الشركة فوضى و لأفلست من زمان.

* ماهي واجبات صبي السمكري؟

* في الأوضاع الطبيعية واجبات صبي السمكري، هي جلب السباين والجواكيج ووايرات اللحيم وتبديل الكاربون لأوكسجين اللحيم وغيرها من الأمور، لكن عندما تكون الورشة مثل التي عملت فيها بصغري، لدى قريبنا خلف الساعدي، مكتظة بالصبية والفتيان أثناء العطلة الصيفية، سيكون للصبي وظائف أخرى، مثل كنس المكان ورشه، أو جلب الشاي والماء للأسطة وضيوفه الخ، في إحدى المرات، كانت مهمتي ملأ مبردة الهواء بالماء، أثناء قيلولة خلف النهارية، كانت ظهيرة شديدة الحر، بللت جوانب المبردة المحشوة بالحلفاء، مرات عديدة، فأخذ الإرهاق مني مأخذه، جلست تحت قوائم المبردة، فسرت نسائم الحلفاء في أوصالي، أسندت رأسي الى الحائط وإستسلمت لإغفاءة لذيذة، صحوت على صفعة وركلة من خلف، بعد أن إحترقت المبردة، كرهت هذه المهنة ولم أتعلم أي شيء منها.

* كم استمرت علاقتك بفتاة الدورة؟

* ولا يوم، لأنها من نسج خيالي.

* من اين تأتي بشخوص قصصك؟

* أغلبهم من الواقع، وأقلهم من الخيال.

* هل كتابة القصة ترف او ضرورة او طريقة لاثبات الوجود؟

* يمكن أن أقول، بأنها طريقة الكاتب للتعبير عن هواجس داخلية وذكريات ومواقف وصور وإلتقاطات، أثرت به بشكل أو بآخر، كتابة القصة هو مشاركة الآخرين آحزانهم وأفراحهم، آلامهم وأحلامهم.

* لدي خمسة اسماء علق عليها بما يناسبها

* سعدون الساعدي

* اخبروه انها اصبحت خمسة بالف وليس كالسابق

* سلام كاظم؟

* مسعر معارك على صفحات المثقف مع صائب خليل

* صائب خليل؟

* صديقي الذي البسه سلام كاظم (عمة) الاخوان

* حمودي الكناني؟

* اشهر عازب حاليا

* محمود برغل؟

* هو مفتاح كل سر في العزيزية

* هل تجيد الغناء وأي الأطوار احب اليك؟

* ورثت الصوت الجميل من أبي، لكني لا اجيد الغناء، الغناء فن عسير وإجادته تتطلب موهبة، وأنا لا امتلك هذه الموهبة، أما احب الاطوار الى نفسي، فهو الغناء الريفي الجنوبي، متمثلاً بالمطرب الكبير الراحل عبادي العماري والمطرب هاني الكرناوي، أما مطربو الريف الأخرين، فسماعهم يجلب لي الصداع. وبعيداً عن الريف، أنا من عشاق ام كلثوم وليلى مراد ووردة الجزائرية وأنغام وفيروز وماجدة الرومي ومحمد فوزي.

* لمن تكتب وماذا تحوي رسائلك؟

* أكتب للجميع، بدون رسالة محددة، أحب أن أرسم قدر المستطاع، البسمة على وجه القاريء.

* ماهو طعم الغربة وهل يختلف عندما تستطيل؟

* مرارة الغربة لايعرفها إلا من يتذوقها، لا اقول هذا ترفاً او بطراً، لي في الغربة واحد وثلاثين عاماً، سنتين من التشرد الحقيقي بين ايران وسوريا ولبنان، وتسعة وعشرين عاماً في هولندا، أنا مثل الشجرة التي أقتلعت من أرضها وغرست في أرض أخرى، تعيش، لكنها شاحبة ونحيلة، لاتورق في أي فصل من الفصول. إستطاع البعض التأقلم والإنصهار التام في البلدان التي آوتهم، أحياناً أغبطهم وأتعجب من قدرتهم على النسيان.

* منذ متى بدأ هوسك بالقراءة وهل تذكر حادث طريف بسبب هذا الهوس؟

* بدأ عشقي للقراءة، منذ تعلمت ربط الحروف وتهجؤها، كانت تسحرني الرسوم الجميلة في القراءة الخلدونية وتأخذني الى عوالم بعيدة، كنت أحلم بتلك الألوان الزاهية والبيوت الانيقة والأشجار والحيوانات، فحببت لي تلك الصور، الحروف والكلمات، وأصبح لكل حرف في خيالي لون ورائحة وصوت، كنت لا أملُّ من قراءتها في البيت والمدرسة،

بعدها صرت أقرأ مجلتي والمزمار ومن ثم قصص روكامبل وباردليان وأجاثا كريستي وغيرها، ومن ثم حصل لي تحول ومنعطف مهمين في نوعية قرآءاتي، عندما أعارني الاستاذ اكرم وكنت حينها في الصف الثاني المتوسط، المجموعة القصصية (موت سرير رقم 12) للرائع غسان كنفاني ومنها دخلت الى هذا العالم الساحر الذي مازلت أحلق في فضاءه الشاسع.

سأذكر لك هذه الحادثة التي حصلت معي بسبب ولهي بالكتب، غادرنا والدي مبكراً في بداية الثمانينيات، فأنتقلت الى الدراسة المسائية وعملت سائق تنكر في مديرية مجاري بغداد، وعند إستلامي لأول راتب وكان تسعون ديناراً آنذاك، أشرت فوراً الى سيارة اجرة نقلتني الى سوق السراي، دخلت الى إحدى المكتبات الكبيرة،فاسكرني عبق الكُتب، ورحت أقلب الصفحات وأتنقل بين الرفوف مثل المهووس، أشتريت بسبعين ديناراً روايات ودواويين شعر ومجاميع قصصية. حملتها بصندوق كارتوني، كنت منتشيئاً وكأني أحمل الدنيا بأسرها بين ذراعي، بعد بضعة خطوات، تنبهت الى أن الراتب قد تبخر، جلست على الرصيف لاادري ما افعل، أحسست بوخزة في قلبي وضميري، عندما تذكرت أمي وأخوتي الصغار، وبينما كنت أتأرجح بين أعادتها الى صاحب المكتبة وبين إقتنائها، قفزت فكرة شيطانية الى رأسي، وهي ان اذهب الى حانة رخيصة وأحتساء بضعة كؤوس من العرق لعلها تخفف من توبيخ امي وتقريعها المرير لي. تركت قبل هروبي الى الخارج مكتبة كبيرة، لم أجد منها ولا حتى غلاف كتاب!

* هل لك في العراق حاليا اصدقاء غير الفيسبوكيين؟

* للأسف لا، كان لي أصدقاء كُثر، خلق البعد المكاني والزماني بيني وبينهم هوة عميقة، إلتقيت بعضهم في زياراتي الى الوطن، وكنت في غاية اللهفة لعناقهم، لكني أحسست بالغربة بينهم، فهم مازالوا يحملون في رؤوسهم صورتك وانت بعمر العشرين، وعليك أن تتصرف على هذا الأساس وهذا الأمر لايمكن أن يحدث، ففي هذه العقود الثلاث تكون قد قرأت وأطلعت وسافرت وأختلطت بثقافات متنوعة ومررت بتجارب كثيرة، فلابد من ان تحدث تغييراً كبيراً في رؤيتك ونظرتك للحياة والتعاطي والتعامل مع الآخرين، وللأسف وجدت الكثير منهم قد جرفه الهوس التديني الزائف أو العشائري أو الطائفي.فلم تعد هناك مشتركات بيننا سوى ظلال للذكريات القديمة.

أما بعض أصدقاء الفيس بوك فهم أصدقائي الحقيقيون، لأنك في هذا العالم الشاسع تمتلك حرية أختيار الصديق على أسس ومشتركات يحددها كلا الطرفين،منها التقارب الفكري والثقافي والإنساني والإنسجام الأخلاقي والروحي.

* كم صديق في سجلات قلبك لم تراهم بشكل مباشر؟

* كثيرون، أغلبهم يمكن ان اسميهم اساتذتي وأصدقائي، ومنهم: ألاستاذ محمد خضير، إبراهيم البهرزي، كامل عبدالرحيم، سلمان كيوش، يحيى السماوي، مصدق الطاهر، راضي المترفي، حمودي الكناني، مصدق الحبيب، وكثير من الاحبة الذين استميحهم عذراً لعدم ذكرهم، لكنهم جميعاً في القلب.

* صف لي ليلة عرسك؟

* لم تكن ليلي عرسي كالأعراس العادية التي نعرفها، فقد حكمت علينا الظروف الزواج في سوريا، لأَنِّي كنت هاربا من العراق ولااستطيع الدخول اليه، فجاءت زوجتي وعمي وخالتي، وكان هناك بعض الاقارب المقيمون في سوريا، وعملنا حفلة بسيطة ومتواضعة، لم تكن هناك سيارات وطبول وموسيقى، وعدت زوجتي بحفل زفاف يليق بحبنا في هولندا، وصرت أرجيء الموضوع عاما بعد عام بسب الظروف، ولم اف بوعدي الى هذا اليوم.

* لماذا كل ابطال قصصك من قاع المجتمع؟

* لأَنِّي احدهم، وهم اكثر من يستحق الكتابة عنه.

* صف فرحة الجندي باستلام نموذج الإجازة؟

* مثل فرحة الطير الذي يفتح باب قفصه، مثل فرحة السجين حين ينادوا عليه بقرار العفو، مثل انعتاق السهم من القوس

* حدثني عن ليلة هروبك من العراق؟

* كنت واخي وشخص ثالث، في فندق بشارع الوطني في البصرة، وهذا الشخص، جبن وعاد الى بغداد، دون ان يخبرنا، سمعت بعد سنوات بانه اخبر اهلي عن مقتلي ومقتل اخي، اثناء عبورنا النهر، بعد ان اطلق الجيش علينا وابل من الرصاص، في فجر اليوم التالي وكان المطر ينهمر بشدة، ركبنا سيارة اجرة من ساحة سعد الى منطقة السيبة، نزلنا في المكان المحدد وسرنا في اتجاه شط العرب بين البساتين المهجورة، خلعنا ثيابنا ورميناها في النهر لقطع اي أمل بالتردد او العودة، فعلناها مثل طارق بن زياد يوم احرق السفن، كان الماء باردا. وراح يحز بأجسادنا مل شفرات من النار، صاحبنا الموت الى الضفة الاخرى، والحكاية طويلة سأكتب عنها، ان كتب لي العمر.

* ماذا جرى في رحلتك من مطار بيروت حتى الصول الى بلد الغربة؟

* كانت اجمل وأرعب اللحظات في ذات الوقت، اجتزنا تفتيش المطار بجوازات سفر مزورة، سكر اخي المرحوم هادي وأحدث فوضى عارمة لكن لحسن الحظ بعد إقلاع الطائرة بساعة او اكثر،كتبت فصل من رواية عن هذه الحادثة.

* هل قفص عليك احد عن زيارتك لمصر؟

* نعم، كنت ضحية نصب احدى مكاتب الخطوط، وغشني صاحب محل بيع الاَلات الموسيقية فقد باع لي عود لايساوي ثمن تختة لثرم البصل.

* كم مهنة مارست يوم كنت عراقي؟

* تقصد كم مهنة مارست وانا في العراق، لأَنِّي كنت وماازال وابقى عراقيا، روحا وقلبا وضميرا. لم اتعلَّم اي مهنة، كنت أهرب من أي ورشة نجارة او حدادة او غيرها ترسلني اليها امي أو أبي، هذه المهن في بلداننا تحتاج الى صبر كصبر ايوب لتعلمها، أكره تفاهة الاسطوات وتبجحهم ونزقهم فهم يكيلون الضرب والإهانة لصبيانهم بقدر مانالوا منها في صباهم وأكثر، لكني عملت سائق تاكسي وباص ومن ثم جندي هارب ههههه.

* من واحد مخه تخين (يوغف) على قلبك اشلون تدفعه؟

* إذا كان قريباً مني، يعني في جلسة مشتركة، لا اضحك ولا أتبسم على اي نكته او طرفة يلقيها، أحاول أن أتجاهله، حتى يمل ويتركني بلا عودة.

اما اذا كان على الهاتف، فأسير الى باب البيت وأقرع جرسنا، واقول له، آسف هذه جارتنا ماادري شتريد مني!

* كم احتجت من الوقت لتتعلم اللغة الهولندية؟

* في البداية سنة واحدة كانت كافية لتعلم المباديء البسيطة التي تُمكنك من تمشية امورك، وكنت وقتها صغيراً في العمر 24 سنة، وكان دماغي يستوعب ويحفظ، أما الآن فليس بمقدوري حفظ كلمتين جديدتين في شهرين.

* هل دخلت مزاج إحدى شقراوات هولندا وماذا فعلت؟

* ههههههه هذا السؤال يؤدي الى المقصلة، بس راح اجاوب. عندما يصل الشرقي الى الغرب، أكثر لون يجذبه هو اللون الأشقر، لشحته في الشرق، في البداية كنت معجباً بالشقراوات، ولكن بمرور الزمن أيقنت بأن الشعر الغامق والعيون السود أو العسلية، هي الأجمل، وتبقى المسألة نسبية طبعاً.

* عند زيارتك لدمشق هل تجولت بباب توما؟

* لا أعرف اين تكون باب توما بالضبط، لأني زرت سوريا مرتين فقط.

* ايهما تستجيب لك أسرع الابتسامة او الدمعة؟

* كلاهما..

* كم مرة زرت الشورجة وماذا اشتريت؟

* لا أعرف عدد المرات، لكنها كانت صحبة أمي دائماً.

* هل انت رياضي؟

* نعم، مارست الملاكمة في العراق وبضعة سنوات في هولندا، السباحة، الجري، شاركت في ماراثون روتردام عام 2017 مازلت أركض للحفاظ على لياقتي، الكرش أكثر شيء يرعبني ههههه.

* لمن يأخذك الحنين في العراق؟

* الى ملاعب طفولتي البعيدة، الى بيتنا في الثورة وسطحنا المغمور بالشمس في الضحى والنسائم الباردة في الليل، الى السماء الصافية المرصعة بالنجوم الكثيرة، الى مدرستي الإبتدائية، الى أفران الصمون وأصوات الديكة والمآذن، الى إصطفاق الأبواب في الصباح الباكر، الى خفق أجنحة الحمام الأزرق والاحمر والأصفر، الى المقاهي والحانات إلى...

* هل لك ذكريات مع أيام المحرم في مدينتك القديمة؟

* أجل، كانوا يقيمون التشابيه في الساحة القريبة من مدرستنا، كنا نشعر بالخوف عندما يركضون والسيوف بأيديهم، فيتعالى صراخ النساء ونحيبهن، كنا نظن أن مايحدث هو حقيقي، أذكر كيف أن أبو الياس خضير الأعور، هرب والنساء والأطفال يلاحقونه بالحجارة والسب واللعن، بعد أن أجاد بكل مايمتلك من موهبة (دور الشمر)، المسكين ظل اللقب واللعنة تلاحقه الى آخر عمره .

* هل كنت متفوقا في المدرسة؟

* نعم، كنت متفوقاً جداً في كل المراحل، كان الجميع يتعجب كيف أنجح بهذا الشكل، رغم قلة تحضيري للإمتحانات،؟ للأسف الشديد لم أدخل الى الجامعة، بسبب فصلي في السادس الأدبي، مازالت غصة دخول الجامعة تؤلمني.

* ماهي قصة جيكور؟

* الإسم الذي أحببته وأخترته لنفسي، وهل هناك أجمل من جيكور؟، كنت أكتب في بعض الصحف قبل سقوط النظام السابق، وكنت أخشى أن يطال اهلي الأذى، لذلك كان اسمي المستعار وسيبقى وحتى إذا طبعت قصصي سيكون بهذا الاسم ايضاً.

* هل تعرف ابو تريكات؟

* لا، لم أسمع بهذا الإسم.

* هل زرت الكحلاء يوما وماذا تعني لك؟

* لا، للأسف.

* من تذكر من معلميك في الابتدائية؟

* في الإبتدائية: أستاذ زهراوي عبدعلي، أستاذ خيرالله، أستاذ عيد، أستاذ نصيف، أستاذ مقداد، أستاذ عطا، أستاذ كريم وغيرهم.في المتوسطة: أستاذ سامي، استاذ ابو خلدون أستاذ صبيح، استاذ عادل وغيرهم.

* ماذا يعني لك التقدم في العمر؟

* الأفول، الخريف، الحسرة على أيام الشباب. لا أعتقد، لم يبق في العمر مايستحق أن يُهدر في ظل هذه الحكومات السافلة، ستظل جذوة الحنين مستعرة، لكننا أمام واقع أقوى من أحلامنا وأمانينا.

* أ ين مضت الليالي بالحب الأول؟

* اصبح شريكا لآخر

* هل في بالك شيئا لم تصرح به؟

* في بالي الكثير الكثير الذي لايسعه هذا الحوار، سأكتب عنه، إن كتب لنا الله العمر، شكري وأمتناني لك أخي وصديقي الوسيم، صاحب القلم الرشيق والقلب الذي يسع الكون، راضي المترفي.

***

حوار راضي المترفي

3594 كمال العرفاوي* الشعرَ هو الكون ذاتهُ..  وهو جوهر كل الكائنات..  والزّمن غير قادر على إلغاء لغة هي حاجة طبيعية لإستمرار التوازن..  

* الشعري في تشكله ملتقى كلّ رفيفٍ روحيّ أو لغـويٍ: اللذةُ وشحنةُ العذاب، الذاتُ والعالم، حركةُ الحياة ونضحُ المخيلة.  

* أحببت بوشكين ورامبو كما المتنبّي ومحمود درويش، فهم ومن على شاكلتهم إخوتي وأحبابي، لأنّ لهم لغة واحدة، هي لغة الفنّ والإبداع والجمال، فحياة دون فنّ خاوية أولى بالأنعام والهوام.  

الشاعر كمال العرفاوي

***

قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ الحوار مع الشاعر التونسي القدير كما العرفاوي يمثّل فرصة للاقتراب من العوالم الشعرية لواحد من أصفى وأعمق الأصوات في تونس على مستوى الإبداع الشعري، وسبيلا لطرح الأسئلة العميقة للشعر بما هو تخييل ولغة وتجربة ومخزون صور وتمثيلات وجسور موصولة بين خبرات جمالية متباينة من حيث تاريخيتها وجغرافياتها.

راهن الشاعر التونس الفذ كمال العرفاوي على الاحتفاظ للقصيدة بمتعة الدهشة وتحفيز الذوات القارئة على التفاعل الإيجابي مع النص بإعتباره محصلة - زواج- سعيد بين وهج التجربة الحياتية، والإستدعاء الواعي والذكي لصور وتمثيلات تجد أساسها في الموروث الشعري العربي القديم أو التجارب الشعرية الغربية.

وهو يرى أنّ الشاعرَ الحقيقي دائم القلق، وأكثر قرباً من واقعه، وملتزم بما يدور في فلكه، يحاول دائماً أن ينبش في الأشياء، ويحفر في الأرض ويمضي حاملاً أوجاع الحياة ومرارة الواقع، ليرسم لوحةً من الكلام الشاهق، ويلُّم ما تناثر في الكوكب من رخاوة في المشهد المعاش، ويتعارك مع الكائنات ليعود لنا رافعاً تلويحة أملٍ في غبش الحياة المحاصرة بالدياجير والمواجع.

وفي حوارنا معه فإننا ندخل في المسافة بين الجمالية الفنية والفعالية الفنية التي تمتلكها جل قصائده، ونتقصى أبعاد تمسكه- أحيانا- بقصيدة النثر ومدى مشروعية- هذه الأخيرة- وهيمنتها على المشهد الشعري العربي المعاصر، ونستشرف بالتالي جدوى الكتابة في حياة المبدع.. 

- يفترض الإقتراب من تجربتك الشعرية بمختلف تجلياتها النصية صوغ سؤال البدايات. ويهمني بإعتباري ذاتا قارئة أن أسألك حديثا عن بواكير أو إرهاصات الوعي بأهمية القول الشعري: هل كان للأمر تعلق برغبة في التعبير بطريقة تتسم بالمغايرة والاختلاف؟

* سؤالك هذا أيقظ أشياء جميلة تقتنيها الذاكرة..  وأعادني إلى لقائي الأوّل بالشّعر، ذاك اللقاء الذي كان يُوشِكُ أن يكونَ سطحِيّاً في البداية، وذا طابع عاطفيّ إلى حدّ بعيد.. 

ولكن يبدو أن اعتمالا مضطرما يضارع الإختمار كان يجري في داخلي مبكّرا، تفجّر هكذا في لحظة - صفاء- لا أكثر، في شكل- ومضات- شعرية تمخضت عنها قصائد عديدة..  يبدو أنها لامست الذائقة الفنية للمتلقي الكريم.. 

حاولت منذ البداية في أعمالي الشعرية أن أمزج ما بين الشعر والنثر، وهذا يظهر جليّا في أعمالي الأمر الذي جلعني أكتب قصيدة نثر تحمل رؤية مغايرة عما هو سائد في قصيدة النثر العربية، ومن ثم فأنا أحاول جاهدا في كل عمل شعري أن أقدّم شيئا جديداً ومختلفاً عما أصدرته سابقاً.. 

- في رأيك هل استطاعت قصيدة النثر أن تنتزع لها مكانا في منظومة الحس العربي؟ وهي التي أتاحت لعدد غير قليل أن يدخلوا مدينة الشعر بدون حق؟

* قصيدة النثر ليس فقط أنها استطاعت أن تنتزع لها مكانا في خارطة الشعر العربي المعاصر، بل انها تتصدر الآن المشهد الشعري وبجدارة. واذا كان الشكل القديم المنظوم عموديا أو بالتفعيلة ما يزال يجد أنصارا له، فإنّ أولئك الأنصار شعراءا وقراءا في تناقص. لقد تم نزع “القداسة” عن “نظام”القصيدة القديم. وتلك من أجمل الثورات التي حققتها الأجيال الجديدة من الشعراء.

- ماذا يعني لك الشعرُ في اللحظة الراهنة؟

ماذا أعطاك الشعر؟

وهل عبّرت قصائدك عبر أعمالك الشعرية عن شخصيتك وتجربتك ورؤيتك الإبداعية؟

* الشعر- في تقديري- هو الحياة، موسيقى الروح وديدنها، رئة أخرى للجسد، الشعر يعني الانفلات من عقال الزمن، التعبير الحقيقي عن مواجع الإنسان في زمن ضللنا فيه الطريق إلى الحكمة..  لذا، فقد أعطاني (الشعر) الكثير من معنى الحياة وحب الناس والتسامي، منحني حالة من الكشف في اللغة وتراكيبها والبناء المحكم للمفردات وقراءة الكون والكائنات والإبحار في عوالم جديدة، وجعلني بالتالي أرى العالم بلغة مختلفة تعبر عن مكنونات الروح والنفس البشرية، كما جعلني أيضا أعبّر عن شخصيتي بمفاتيح رؤيوية جديدة وأقترب أكثر منيّ لأكون اكثر جرأة في الكشف عما هو مستور في دواخلنا.

- كيف تتشكّل القصيدة لديك. انفعال، عزلة، انكسار، أم لحظات صفاء؟؟

* النصّ يتشكّل من مجموع هذا وذاك، بمعنى أنّ حالة الكتابة تكون تتويجا لإرهاصات تقدّمت عليها بصمتٍ بالغٍ، وترقُّبٍ مصحوبٍ بارتفاع تأمُّليّ.

ما يهمُّني هو اللذّة التي تنتجُ عن هذا الكلّ، باتصالي مع عمق ذاتي والبُعد الإنساني اللذين تنصهرُ بهما الأشياء والأسماء والأفعال…الخ.

وهذا يعني أنّ- القول الشعري- لا يتشكّل لديَّ إلاّ بوصفه استجابةً جماليةً بالغة التعقيد لعاملين متداخلين: لحظة الحياة ولحظة الشهادة عليها. ضغط اللحظة الواقعية، كونها الباعث الأول على القول، وضغط اللحظة الشعرية، بما تشتمل عليه من مكوناتٍ ذاتيةٍ وثقافيةٍ وفنية.

في اللحظة الثانية تتجلّى فاعلية التشكيل الشعريّ حين يتلقّف اللحظة الواقعية، أو لحظة الانفعال بالحياة التي لا تزال مادةً خاماً، ليلقي بها في مصهره الداخليّ، ويعرّضها لانكساراتٍ عديدةٍ، وتحولاتٍ جمّة، حتى يخلصها من شوائب اللحظة ومن تلقائيتها الساذجة، أو غبار اندفاعها الأول المتعجل.

ويظل النص الشعري في تشكله ملتقى كلّ رفيفٍ روحيّ أو لغـويٍ: اللذةُ وشحنةُ العذاب، الذاتُ والعالم، حركةُ الحياة ونضجُ المخيلة.

- من وجهة نظركم، كشاعر، كيف يكون الشعر، وما هي وظيفته، وما هو مفهومك الخاص للحداثة بعيداً عن تنظيرات الأخرين؟

* من وجهة نظري، لا يخضع لوظيفة بعينها، وقد اختلف الفلاسفة في هذا الأمر من أرسطو وغيره من المفكرين والفلاسفة الكبار، هذه مسألة يضع لها معايير كل حسب رأيه ورؤيته ومعايشته للحياة وتقلباتها، أما أن نضع وظائف معينة فأعتقد أن هذا ليس منطقيا.. 

الشعر أيضا حالة يعيشها الشاعر وهذه الحالة ربما تستمر أشهر حتى تتمخض عنها قصيدة بعد مخاض طويل، بمعنى آخر القصيدة ليست متاحة في أي وقت.. 

القصيدة كما قلت سابقا هي التي تقتحم الشاعر وليس الشاعر، هكذا أنا أتعامل مع قصيدتي وهكذا أفهم القصيدة وأدعها تتسلل إليّ وأفرد لها مساحة كبيرة من التأمل كي تستريحَ في داخلي مغلفة ببطانة المعنى والفكر الثقافة كي تخرج إلى القارىء بكامل أناقتها وفضاءاتها الشاسعة.

أما الحداثة، فهي خلخلة السائد في الراهن الشعري العربي، من خلال الاكتشافات اللغوية وبناء العلاقات بين المفردات وصياغتها بقوالب شعرية جديدة بشكل جمالي آخاذ، وهذا بالطبع لا يعني أن نتخذ من الحداثة الغموض المنغلق، بهذا الشكل أو هذا المعنى افهم الحداثة، وكذلك أن لا نكون منغلقين في قوالب جاهزة متعارف عليها سابقا في النص الشعري.. 

علينا أن نفهم ماضينا وآصالتنا بلغة حداثية تواكب التطور، لغة عصرية فيها الكثير من المغامرة الجمالية.

- أيّ العوالم ترتّب من خلالها هواجسك الشّعريّة؟

* أتقصد طقوس الكتابة؟!

- هذا ما أقصده.. 

* أومن بذلك ولا أومن. ولكنّ حالة الكتابة تختزل كلّ شيء، تضغطهُ في اللحظة، فيها تختلفُ المفاهيمْ، ويُصبحُ الانسجام- في الكائن- لا مفرّ منه. عدا ذلك، أستطيعُ أن أخبركِ أنّ (الهدوء، السجائر، فنجان القهوة، - رهاب- الورقة البيضاء..)، طقس أنسجم معه، وأجدني مُتصالحاً مع ذاتي ومع العالم ضمن هذا السياق.

- ما يفتأ العديد يقول أنّ الشّعر لغة ما عادت صالحة لهذا الزّمن..  ماذا تقول أنتَ؟

* أرى أنّ الشعرَ هو الكون ذاتهُ، وهو جوهر كل الكائنات، والزّمن غير قادر على إلغاء لغة هي حاجة طبيعية لإستمرار التوازن، ولغة الكون دائماً ستبقى واضحة في إشراقها من “صباح الخير” التي نهديها للأحبّة بداية كل نهار، وستبقى واضحة في ابتسامةٍ تُطرّزُ “خاصرة الصباح”التي تتراقص أمامك.. 

نهاية أقول: سينتهي الشعر حينَ ينتهي كلّ شيء!

- كيف يقيّم - كمال العرفاوي- حركة الشّعر الحديث؟

* هي حركة، كما التي نعرفها مسطرة في كتب التاريخ الروحاني للإنسانية، تشتمل على الجيد المُغاير، والسيئ الرديء، والزمن سيكونُ حاكماً عادلاً يفرزُ ويفصل، ويحكم بالإستمرار والخلود لكل ما يستحق ذلك.. 

الجميل في الحركة الشعرية الجديدة أنها تنحى منحى تجريبي يُنتج أحياناً ما هو مُدهشْ، وقادر على التواصل مع روح عالم جديد، ومُستمر في تجدّدهُ، والشّعر كذلك.

- كثيرون كتبوا الشّعر ونظموا القوافي، لكن هذا ليس بأمر كافٍ لولادة شاع، من هو الشّاعر برأيك؟ وهل يولد الإنسان شاعرًا؟ أم أنّ المثابرة على النّهل من بحر الشّعر تصنع شاعرًا؟

* ذكرتِني بقول عميق لمحمود درويش " لا أعرف ما هو الشّعر، لكنّي أعرف ما ليس شعرًا، ما ليس شعرًا هو ما لا يؤثّر بي، لا يهزّني. "

طبعًا الشّعر موهبة قبل كلّ شيء، ثمّ تمرّن هذه الموهبة حتى تصقل، وتظلّ على قيد الحياة، فكثير من المواهب ضحلة أو خلّبيّة، وما استمرارها في الكتابة إلّا عزف نشاز، وإزعاج للذائقة السليمة.

الشّاعر الموهوب نفسه قد يقع في مطبّات، فيتراجع عن مستواه العالي، ونادرون من يستمرّون حتى النهاية، كما هو الحال لدى محمود درويش الذي لم يكرّر نفسه، ولن يتكرّر.

تتنوّع المواهب عند البشر، كما تتعدّد أنواع البيئة والتربة، فهناك الصحراء والجبل والسهل والبحر، ولكلّ منها نكهتها الخاصّة، كذلك جماليّة الشّعر تكمن في هذا التنوّع الجميل كتنوّع الألوان والأزهار، وما علينا إلّا أن نختار ما يلائم أرواحنا وأذواقنا دون أن نتّهم الآخر أو يتّهمنا، فالاختلاف في الآراء هنا لا يفسد للشّعر قضية. علما أنّ الكثير ممّن يظنّ نفسه شاعرًا يُلغي كلّ مَن لا يسير على صراطه المستقيم، وكأنّ الشّعر عزبة خاصّة به، وغالبًا ما تكون هذه العزبة فارغة إلّا من بقراتٍ عجافٍ..  !

- هل تعتقد أنّ الساحة الأدبيّة حاليًّا تحتوي على نقّاد على قدر من المسؤوليّة؟ ومن هذا المنطلق كيف ترى مستقبل الشعر من حيث القيمة والجودة والمتانة؟

* النقد البنّاء الجاد قليل في حياتنا الأدبيّة، إذا ما قارناه بمرحلة بداية القرن العشرين حتى منتصفه، لكنّه تراجع في العقود الأخيرة، نقدا صحفيًّا شلليًّا يرفع الوضيع، ويبقي الرفيع مهمّشا، بعيدا عن الأضواء، ولا أدلّ على ذلك من شهادات التقدير لكتّاب لا يمتّون للكتابة الإبداعية بصلة. وهذه الدعوات التي فقدت معناها وبريقها في عالم غير سويّ، اختلط فيه الحابل بالنابل، وضاعت فيه الكلمة الشعرية المجلجلة.

مثل هذه الكتابات ونقدها ليس لها قيمة فنّيّة، وسوف تزول بزوال الأسباب التي أوجدتها، والزّمن طال أو قصر كفيل بالغربلة.

- حين تنادي:”كمال العرفاوي“أيكون في النّداء معان قويّة كتلك التي قالها الفلاسفة عن شعر هولدرلين؟-

* لأنني لازلت أجهل- كمال العرفاوي- لم يحدثْ أن فعلتها. ولكنني دائماً ما أقرأهُ بوضوحٍ على البياض، ذاهباً به نحوَ اعترافاتٍ أعمق، كي يتسنى لي قراءتهُ بشكلٍ أوضح.

حينَ أعرفهُ تماماً، وقتها سوف أفعل، وأخبرك ما إذا كانت معانٍ قويّة كائنة في ندائي عليه، أم لا، دون تشبيهٍ بأيّ آخرْ.

- كيف تنظر إلى خريطة الشعر العربي اليوم؟ ومَن من الشعراء جذب اهتمامك وشعرت عبر أعماله بنكهة التجديد والأصالة والعمق؟

* خريطة الشعر العربي ما زالت واضحة المعالم على الرغم من محاولة بعض المتشائمين طمسها، فللخارطة رموزها وتضاريسُها الإبداعية، وهناك شعراء رواد شكّلوا قمماً إبداعيَّة لهذه الخارطة لا تطالها رياح التعرية المحملة بغبار العولمة، من أمثال السياب والبياتي والفيتوري والماغوط وصلاح عبد الصبور والجواهري..  وغيرهم.

- ما أقصى أنواع الظّلم الّتي تراها تمارس في حقّ الشّعر العربي؟

* دائماً سيبقى من يحفظ للشعر حقّهُ. وبما أنّ الشّعر كائن حيّ، فهو يحتاجُ لمزيدٍ من الاهتمام، ومزيدٍ من الإنفتاح به على الجهات، وكسر للقوالب التي تخنقه، ليفرد جناحيه محلقاً متنفّساً ما يشتهي..  هكذا نضمن لهُ حقّهُ في الحرية.

- أما من قصيدة صدأت في درج مكتبك بعد أن صدأت في دواخلك؟

* سأبحثُ في الدرج، لأجدَ نصوص مال لونها إلى الأصفر المحروق، رائحتها تُسعدني، وتُعيدني إلى لحظات كتابتها، وما قبل الكتابة، لأجدَ بها جزءاً منّي، أتذكّرهُ ولكن يُصيبني الحنين إلى مشاركة الآخر بهذه الذاكرة..  بهذا الشّعر.

* أجمل القصائد*

تُرسَم أجمل القصائد بأبسط المفردات

بريشة شاعر فنان مُرهف الإحساس

خبير بالجمال واسع الخيال بالأساس

يُحسِن التّصوير بالحروف والكلمات

و التّلاعب بالألفاظ في عدّة سياقات

لإنتاج أفضل النّصوص بأدقّ العبارات

لتحقيق ما أمكن من الفوائد والغايات

(كمال العرفاوي)

* دمتَ لامعَ الحرف..  وذائقا لمعانيه العميقة..  يا شاعرنا الفذ..

***

أجرى الحوار الناقد التونسي محمد المحسن

 

 

3587 محمود برغلالسيد محمود برغل..

 * اذا كان المولود ذكرا فتعلقه بالمعكوس لترى النساء اعضاءه

* انا امر على جميع البيوت في اليوم الواحد

* كان في سوق السراي عدد محدود من بسطيات متباعدة ومتواضعه

* هذه هي قصة التابوت الذي سار بصاحبه

* الهاربين من سجن الكوت رددوا نشيدهم..

اسألوا الشعب ماذا يريد

وطن حر وشعب سعيد

* في ريف العزيزية مقام يزار ويكنى (ابو العرابيد)

* فتح الله بيك العباسي كان القائم مقام الاول لقضاء العزيزية

***

هو رجل مجبول على حب الضيف والسهر على راحته ولاتظهر الفرحة على محياه الا عندما يطرق الاضياف بابه خصوصا وقد من الله عليه بسعة الرزق وتوارث الخلق الحميد من اسلافه وهو ابن اشهر معمار في العزيزية ان لم يكن في واسط كلها وله اما اشتهرت بمحبتها للقريب والبعيد وحنوها على الفقير والمحتاج وضعيف الحال وكانت (صوغاتها) تسعد المحبين شرقا وغربا وقد لاقت اسرته الكثير من المتابعة والحساب بسبب ايوائهم الكثير من المعارضين للنظام ومساعدتهم بالمال والاعانات وربما لايعرف الكثيرون ان بيتهم هو اول بيت استقبل السيد الخميني يوم دخل العراق ومكث فيه لايام وبعد سنوات ارادوا تجديد هذا البيت المعمور الا ان (ام محمود) اصرت على بقاء الغرفة التي نزل فيها السيد الخميني على حالها حبا واحتراما لهذا الزائر الكريم.. تعالوا لندردش مع السيد محمود داود برغل ونستذكر معه الايام الخوالي ونماحكه علنا نخرجه من طوره..

* من هو اشهر ضيف زار بيتكم؟

* قال نبي الرحمة محمد العربي الهاشمي ﷺ:

"من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه

وقال ايضا "إن لضيفك عليك حقًّا"

اشهر ضيف حل في دار والدي (رحمه الله) هو آية الله العظمى السيد روح الله مصطفى أحمد الموسوي الخميني ١٩٠٢ – ١٩٨٩م) وهو مرجع ديني وقائد سياسي وروحي للثورة الإسلامية في إيران ١٩٧٩م التي أطاحت بمحمد رضا بهلوي الذي كان شاها لإيران. وكان عمري (٤) سنوات عند زيارته و حضر بصفته رجل دين وقد قدم له والدي شتى الوان الطعام عند ضيافته الا انه وللامانة اشترط على والدي ان لايتناول الا كسرة من خبز الشعير وشي من الزبيب فاعدت له والدتي ذلك.

* كم انجزت من موسوعة العزيزية؟

* انجزت منها الكثير وبقي منها اليسير وهي عشرة أجزاء

* على ذكر الموسوعة من هي اشهر جدة وممرضة في المدينة؟

* المرحومة الجدة بدعة يقال ان ثلاثة ارباع مواليد الخمسين ساعدت في ولادتهم. وكانت تقوم بكل ذلك بدون مقابل وتكتفي باخذ (صابونة ركي) لغسل يديها مقابل هذا العناء والباقي أجره على الله. ويقال انه اذا كان المولود ذكرا فتعلقه بالمعكوس لترى النساء اعضاءه فتهلهل بالصلوات والاكبار للمولود الجديد بينما لا تفعلها اذا كانت أنثى. اما اشهر ممرضة فهي حمدية الماسيرة وهي عزاوية من فضوة عرب وهي امراة ودودة لطيفة مع كل الناس صغارا وكبار رجالا ونساءً، وعلى الرغم من لون بشرتها الضارب الى السواد الا انها كانت صاحبة حظ من الحسن والجمال،لم يكتب لها نصيب وقسمة في الزواج على الرغم من تقدم كثيرا من المتزوجين لطلب يدها لكنها كانت ترفض هذا النوع من الزواج. كانت حريصة كل الحرص على ارتداء زي الممرضات الرسمي وتضع تاجا ابيضا فوق راسها لم تكن تحتاج لسكن فكل اهالي العزيزية الاصلاء يرحبون بقدومها وكانت رحمها الله تمتلك خبرة متميزة ويد ماهرة في مجال التداوي والتضميد ورزق الإبر والقبالة والتوليد ولطالما قدمت هذه الخدمات الجليلة بكل إخلاص ونزاهة.

* يقال انك مزواج.. كم امراة على ذمتك؟

* تعدد الزوجات سعادة غامرة و على ذمتي (٣) نساء

ولدي جدول لترتيب الايام اعددته بشكل مختلف عن ما هو متعارف عليه وفقا لنظام الساعات فانا امر على جميع البيوت في اليوم الواحد.

* اين تقع محلة (السراي) ومنهم سكانها؟

* محلة السراي هي قلب مدينة العزيزية النابض وفيها ولدت اول ايام عيد الفطر المبارك قبل (٦) عقود، وكلمة السراي تركية تعني القصر، وشاعت التسمية في العراق وبلاد الشام لتشير الى المحلات والاحياء السكنية التي تقع فيها القصور الحكومية في فترة الحكم العثماني، وأود هنا ان اشير الى ان عاصمة أوربية وهي (سراييفو) عاصمة البوسنة والهرسك لها دلالات تعني ذات المعنى.

يعود تاريخ هذه المحلة الى العام ١٨٦٥م وحينما بدأ العمران يتسع جنوبا في مطلع القرن التاسع عشر زارها عبد المحسن السعدون ودخل المدينة منها فاطلقت تسمية السعدونية على المحلة الجديدة المجاورة تيمنا بزيارته.

اجمل ما في السراي والسعدونية هو الكورنيش الممتد على طول ضفة نهر دجلة اليسرى وقد ازيلت قبل عدة شهور واحد من أجمل البيوت التراثية ذات الشناشيل البغدادية لكن عدستي وثقت هذه التحفة المعمارية قبل ازالتها وتم ارشفتها في كتاب الموسوعة. لا اخال احد من اهالي العزيزية لايمر بمحلة السراي اسبوعيا على أقل تقدير ولا احد من ابناء العزيزية القديمة الا وله ذكريات جميلة في السراي وذكريات عنها. السراي هي محلة وسوق المدينة ومقر الحكومة ودوائرها الرئيسية وحركتها التجارية، اعشق محلة السراي ملاعب صباي واعرف معرفة دقيقة ازقتها ودروبها واهاليها الكرام واحفظ الكثير من القصص عن بيوتاتها الكريمة. كان في سوق السراي في سالف الزمان عدد محدود من بسطيات متباعدة ومتواضعه تدهش الناظر تمارس فيها أعمال تصليح الساعات والراديوات الصغيرة واقلام الحبر تظهر اصرار اصحابها على ممارسة حرفتهم مفعمين بالحيوية والتفاؤل. استحضر الاعداد الهائلة من الناس التي مرت من هنا عبر ازمنة مختلفة اذ ان شارع محلة السراي الرئيس كان حلقة الوصل بين العاصمة بغداد ومحافظات الجنوب اذ تقع العزيزية على الطريق الدولي رقم (٦) وقد مر من هنا سائقو الشاحنات التركية والبلغارية وهم محملين بالسلع التجارية

* ماهي اشهر الحوادث التي مرت بها العزيزية؟

* كثيرة لا تعد ولاتحصى لكن ساروي لكم قصة حزينة مؤلمة تتعلق بالسجناء الذين هربوا من سجن الكوت وبعد أن اصبحوا احرارا طلقاء واجهتم مشكلة أعقد وهي ملابس السجن اللعينة فهم معروفون اينما ذهبوا فلايستطيعون ركوب سيارة ولا المرور بالمدن أو الالتجاء للاقارب. فقرروا السير إلى بغداد مشيا على الاقدام عبر الصحراء والجزيرة حتى لايراهم احد وهكذا كان.

جاءت برقية الى مركز شرطة العزيزية وهو من أنشط مراكز الشرطة وقت ذاك مفادها ان المساجين الشيوعيين في سجن الكوت قد هربوا متجهين الى بغداد عبر الجزيرة. وكان هذا اليوم التالي لهروبهم. امر مأمور الشرطة واسمه ظافر مفرزة من الشرطة الخيالة بالتوجه الى الشعيلة للبحث عنهم فوجدهم وكانوا عزل مسالمين بلا سلاح وقد انهكهم الجوع والتعب فنهالوا عليهم باللكمات والركلات فاستسلموا سريعا فقادهم الشرطي الخيال أمامه الى مركز الشرطة عبر شوارع البلدة فكانوا وهم على حالهم تلك ينشدون نشيدهم الوطني المعروف

اسألوا الشعب ماذا يريد

وطن حر وشعب سعيد

فكان الاهالي البسطاء ينظرون إليهم ولايستوعبون ما يقولون معتبريهم مجانين وبلهاء وهنا يصح المثل الذي يقول (هندي يخطب ابينبع....من يقره ومن يسمع) وسيقوا الى بغداد ومنها إلى سجن نقرة السلمان وهو. سجن رهيب يقع وسط الصحراء الشاسعة فالهارب هالك منه لامحالة فإذا لم يمت من الجوع والعطش فهناك الحيوانات الضارية والمفترسه بانتظاره.

* ما هو ابرز المقامات أو المزارات في العزيزية وضواحيها؟

* في ريف العزيزية مقام يزار ويكنى (ابو العرابيد) وهو السيد راضي العوادي مهاجر من الدغارة والديوانية.سيد جليل له كرامات عديدة منها قدرته ورقّيه لشفاء الملدغين من العقارب والثعابين والافاعي التي تكثر في الارياف.وله غرفه صغيرة في منطقة الدير الأوسط ويقال انها الغرفة التي غسل فيها بعد موته وعلق عليها بيرغ أخضر دلالة على نسبه العلوي وكان اول من ساهم في بناءها من جديد وعلى نفقته الخاصة هو المرحوم والدي كما فعل مع مقامات ومراقد مقدسة، واليوم للسيد ابو العرابيد مقام كبير فخم تحيطه البساتين من كل صوب ويقصده الناس على مدار السنة وخصوصا أعياد الربيع والمناسبات الدينية.

* كم لبث السيد الخميني ضيفا في بيتكم؟

لبث (٣) ليالي وقد فهمت من والدي انه كان حريصا ومواظبا على صلاة الليل طيلة فترة مكوثه.

* ساذكر لك خمسة اسماء وعليك ذكر شيئا من صفاتهم لكن من دون مجاملة

* يحيى الاميري؟

* الاستاذ يحيى الأميري بحر من كرم وطيب، الذات المغتربة عن الوطن الجريح كتبت عنه مقالا في صفحات التواصل الاجتماعي ومركز النور سنة ٢٠٠٤م

(يحيى الأميري..قلبك وطن)

الصورة المؤلمة للعراق هي الجرح الذي يسكن قلبه الكبير

نذر عمره لوطنه مطلع شبابه ولذا ترى كتاباته أصداء لانين هذا الوطن الذي اضاءت شمسه العالم ذات يوم. الاستاذ يحيى الأميري المهندس الزراعي وصائغ الكلمات والذهب ابن حضارة العراق رفض الظلم والاستبداد والدكتاتورية وتعرض للمضايقات حينما انخرط في صفوف منظمات العمل الديمقراطي اليساري التي قدمت قوافل الشهداء خلال سنوات عملها من اجل تحقيق اهدافها الوطنية النيرة ولتحقيق طموحاتها في الحياة الحرة الكريمة.

كما لا يفوتني ان اذكر ان كل منا ورث علاقة صداقته مع الاخر من والدينا اذ كانا أصدقاء ايضا.

* جبار طراد؟

* الزميل جبار طراد نقيب الصحفيين العراقيين بعد استشهاد النقيب الأسبق الشهيد شهاب التميمي، رجل قوي الشكيمة المبتسم في وجه اخيه في أصعب الظروف والمواقف والازمات، يستقبل ضيوفه في مكتبة ببغداد بروح وقيم عشيرته الصدعان، رأيت في ملامح وجهه لحظة استشهاد ولده البكر(الشهيد الشاب كرار) مزيجا من حزن الفقد وعافية الكرامة مع شعور كبير بالفخر والشهيد كرار مثله مثل الكثير من شباب العراق الغيارى الذين اندفعوا لتحرير الأرض، فمن يطفيء تنور الوطن المشجر سوى تلك الرياحين التي ركبت مراكب الشهادة، فقد استنفر الوالد ولده وفلذة كبده امتثالا للعشق السردي لارض الرافدين وسحر اديمها.

* طارق المعموري؟

* الاستاذ طارق المعموري صديقي وجاري قبل انتقاله الى العاصمة بغداد مطلع التسعينات حيث افتتح مكتبا للمحاماة هناك، المعموري صاحب قلب من حديد عند مواجهة التحديات، الشاب العصامي الذي كان يترافع في المحاكم العراقية وهو لم يذهب لمراجعة تجنيد العزيزية لغرض اداء الخدمة الالزامية بعد تخرجه، لكنه استطاع الحصول على الهوية النقابية، من الطلبة المتفوقين في كلية الحقوق والحاصل على تقديرها المرتفع يبحث عن المعلومة ويعرض المشكلات ويناقشها ليبرهن وجهة نظره القانونية يمتلك مواهب لا تتوفر الا بالخبرة ولدية القدرة على الإقناع، يهضم كميات هائلة من المعلومات الدقيقة والمعقدة، تطوع للترافع عن شقيقي الأصغر حامد الذي كان معتقلا سنة ١٩٩٦م في مديرية امن واسط واستطاع أن يطلق سراحه بعد جهد جهيد ويغادر شقيقي فورا أرض الوطن الى الشتات والمنافي البعيدة ويستقر به الحال في السويد.

* رفعت الكناني؟

* افضل إيجاز عن الاستاذ رفعت الكناني هو ما اطلقته الكاتبة والفنانة التشكيلية ثائرة شمعون البازي من وصف بقولها

(رفعت الكناني-  قداح عراقي).

* خزعل المفرجي؟

* الشاعر والاديب الراحل الصديق خزعل المفرجي احد أقمار مدينة العمارة درب الجنوب ومكمن اساطيره واسراره، ابن مدينة المبدعين، مدن الفقر والبؤس والحرمان، مدينة الجمال والثروات، رحل المفرجي الطيب الكريم الودود تاركا الفراغ في قلوب محبيه، كانت شخصيته العراقية الأصيلة وكتاباته الرصينة تتسم بروح الانحياز لصالح الوطن والحرية والانسان، كان رحيله مولما على الجميع وبالذات أليما على ميسان كاغلب أيامها طوال تاريخها، لبست يوم رحيله اهوار العراق السواد حزنا على فقدانه فإلى روح وريحان وجنة رضوان وآيات من الذكر الحكيم مهداة الى روحه في شهر رمضان.

* من هي المراة التي تقدمت لخطبتها واكتشفت انها على ذمة رجل اخر؟

* المعادلة الرادارية التي امتلكها بهذا الشأن دقيقة جدا في تحديد مواقع الأهداف و تحديد المدى ووضع الزاوية وانتشار الموجات الكهرومغناطيسية وانعكاسها بعد اصطدامها. والطاقة المشعة المنطلقة من تقنيات عقلي وقلبي على الهدف لايمكن أن تخطا، ولكل ما تقدم من المستحيل ان اتقدم لخطبة امراة اكتشف لاحقا انها متزوجة لان التقاط الإشارة المرتدة لدى حواسي تتم بسرعة فائقة جدا.

* هل نفذت كل ما اوصتك به المرحومة الوالدة؟

* وصايا والدتي رحمها الله لاتنفذ وانا اجدد لها العهد بالوفاء بالسير على نهجها الكريم حتى آخر نبضة في قلبي.

* كم بناية في العزيزية نفذها المعمار (داود برغل) ومن اشهرها؟

* وِلِدَ المَغْفُورُ لَهُ المِعمَارُ دَاوودُ السيّدُ سلمانُ (برغلٌ) المَرعَشِي الحُسَيني عام (١٩١١م). فِي مَدِينةِ الكاظميةِ المقدسةِ-  مَحلةِ التلِ -  وَهِي مَحلةُ العُلماءِ والسَاداتِ والاشْرِافِ والبيوتاتِ العلميةِ المعروفةِ.

- دَرَسَ في مَدارسِها وتَخرجَ مِنها.

-  في (١٧) أيلول - سبتمبر (١٩٣٣م) التحق في صفِ أولَ تموينٍ لتخريجِ ضباطِ إعاشةٍ ورواتبَ.

- أَفْنَى حياتَهُ في البرِّ والتقوى وعمارةِ مراقدِ الاولياءِ والصالحينَ وآل البيتِ الطيبينَ الطاهرينَ عليهمُ وعلى نبينا محمدٍ افضلُ الصلاةِ والتسليمِ.

- أضافَ المعمارُ داود برغل الحسيني أروعَ لمساتِ الريازةِ الاسلاميةِ عليها وعلى المساجدِ والحسينياتِ.وكان خبيرا في الاقواسِ والاواوينِ وزوايا الحياطين والقبابِ والمآذنِ والسطوحِ والمنحنياتِ وهندسةِ الشناشيلِ.

-  شَيّدَ بيدهِ الكريمةِ وعلى نفقتهِ الخاصةِ مَرقدَ اميرِ اليمنِ الامامِ (كَرَزِ الدّينِ) السيدِ احمدَ بنِ السيدِ قاسمِ بنِ السيدِ جعفرِ بن ابي طالب عليهمُ السلامُ المدفونِ في وادي حرانَ وَقد اشارَ آية اللهِ الامامُ السيّدُ محسنُ الحكيمُ قدسَ سرهُ الشريفُ الى ذلكَ بوثيقةٍ خُطَتْ بيده في العامِ (١٣٨٠) هجرية وهي مودعةٌ الانَ في مركزِ الحكيمِ الوثائقي - كانَ الداوود ُ ذَا شخصيةٍ قويةٍ تَتصفُ بالعزيمةِ والصبرِ ومواصلةِ العملِ وتشخيصِ دقائقَ ِ المعالمِ والعناصرِ الفنيةِ وضبطِ المقاييسِ والمهارةِ الفائقةِ في كلِ ذلكَ. وللمعمارِ المرحومِ داوودَ برغلٍ لمساتٌ معماريةٌ مميزةٌ لدورِ العبادةِ في أمارةِ البحرينِ والاهوازِ ودولةِ الكويتِ التي كَانتْ تربطهُ وامَيرَها الاسبقَ الشيخَ عَبداللهِ السالمَ الصباحَ علاقةُ صداقةٍ،وقد رافقهُ اثناءَ زيارتِهِ الى كربلاءَ المقدسةِ. - مَازَحَ المعمارُ داوودَ برغلٍ.. الاميرَ عَبدَ اللهِ يوماً حولَ تواضعهِ اذْ كانَ الاميرُ يتفقدُ احياءَ العاصمةِ الكويتِ سيرا على الاقدامِ

رَدٌ الاميرُ الصباحُ

(ياشيخ.... كُلٌنا واحدٌ..) -  تلَقى المعمارُ داوودُ برغلٌ رحمهُ اللهُ في اسطنبولَ درووساً حولَ الريازةِ الاسلاميةِ والاقواسِ والآواويِ وَزوايا الحياطينِ والقبابِ والمآذنِ -  أشرفَ على أعمالِ الصيانةِ والترميمِ التي أجريتْ على المدرسةِ المستنصريةِ في العام (١٩٥٤م) -  شاركَ في الاجتماعِ الذي عقدتهُ دائرةُ الآثارِ العراقيةِ كمعماريٍ في آجتماعها الذي عقدتهُ يومي

(١٧- ١٨/ ١١ /١٩٥٤م)، بَعدَ عَزمِها القيامُ بحملةٍ صيانةِ وترميمِ حصنِ وقصرِ الاخيضرِ، وَقد نُشِرَ مقالٌ عن هذا الاجتماعِ في مجلةِ سومرَ -  المجلدُ العاشرُ عام (١٩٥٤م) -  المعمار السيد داوود برغل هو أحدُ الدعاةِ إلى أن يكونَ إلقاءُ المحاضراتِ عن فنونِ العمارةِ الإسلاميةِ في بناياتها التاريخيةِ لتعزيزِ تلكَ المحاضراتِ بالمشاهداتِ الميدانيةِ -  قدٌمَ طلباً للزعيمِ عَبدِ الكريمِ قاسمِ عام (١٩٦١م). اقترحَ فيهِ وَضْعَ تاريخٍ للمباني والمعالمِ العمرانيةِ والإسلاميةِ في الجمهوريةِ العراقِيةِ يتضمنُ دراسةً لكلِ مَعْلَمٍ من المعالمِ مَسجدٍ قصرٍ-  - قلعةٍ - سورٍ - حمامٍ - قبةٍ - مأذنةٍ -  ابوابِ الأسوارِ والمدنِ، وتعزيزها بالرسومِ والصورِ والمخططاتِ. وقد وافقَ الزعيمُ عبدُ الكريمِ على طلبهِ هذا ونال استحسانهُ وثتاءَهُ، وقد أنجزَ جزءً من هذا المشروعِ بعدَ تأليفِ لجنةٍ مشكلةٍ لهذا الآن ضمت في عضويتها المعمارَ داوودَ برغلَ.الا ان انقلابَ عام (١٩٦٣م) حالَ دونَ اكمالِ هذا المشروعِ الكبيرِ -  وَجَّه اليهِ وزيرُ الاوقافِ والشؤونِ الدينيةِ في عهدِ الرئيس احمد حسن البكر المرحوم الدكتور عبد الستار الجواري الدعوةَ للاشرافِ على اعمالِ جدرانِ الروضة الحيدريةِ والحسينيةِ والعباسيةِ -  كما وَجّهَ اليهِ الدعوةَ ذاتها وزيرُ الاوقافُ الدكتورُ عبد اللهِ فاضل -  ابرزِ لمساتهِ في عزيزيةَِ الكوتِ تصميم مركز شرطة العزيزية - دار السيد حاكم أبو العيس ذات الشناشيل، ومحطة الوقود القديمة على نهر دجلة، دار خطاب الخضيري، بناية (المحلج)المصرف الزراعي التعاوني وقد صمم شكله المعماري الخارجي على هيئة سفينة وهو مازال شاخصا حتى اليوم. وافتهُ المنيةُ وفاضتْ روحُهُ الى بارِئها راضيةً مرضيةً صباحَ يومِ الحادي عَشرِ من اذارَ عام (١٩٨٤م).

* ماهي اسماء المحلات في العزيزية ومن اشهرها؟

* محلة السراي هي الاشهر و تليها السعدونية والجديدة والدخل المحدود وحي الموظفين وحي المعرفه وأحياء الشباب والعسكري وعرق السوس والسياسين وفدك (البستان) والخماس وحواس.

* اين تجد نفسك في انواع الكتابة؟

* في كتابة التاريخ والتراجم

* هل احيا مطربا مشهورا حفلا في مدينة العزيزية؟

* أحيا المطرب حضيري ابو عزيز حفلا باذخا في العام ١٩٤٥م لمناسبة ختان اولاد الملاك سليم محمد البحراني(قيس.عز الدين.علاء) حضر الحفل جمع غفير من الاهالي الذين وجه إليهم البحراني جميعا الحضور الذين استمعوا واستمتعوا باغانيه وصوته وتمكنوا من مشاهدته بالصوت والصورة بعد ان كانوا يسمعونه صوتا من الإذاعة اللاسلكية.

* ماقصة اليهودي سلمان واهالي العزيزية؟

* سلمان اليهودي هو بائع الاقمشة المتجول الذي احبه الاهالي ولا يعتبرونه غريبا، كان يتردد على مدينة العزيزية في منتصف الأربعينات يتجول في الازقة وهو يحمل طوايل الاقمشة على كتفه وكانت الاقمشة السائدة ذلك الوقت هي (الجيب. البازة.البوبلين). كان ينام في احدى المقاهي.اصبح فيما بعد من اشهر كبار تجار الاقمشة في بغداد متخذا من احد المحال القريبة من سوق الشورجة متجرا له، وكان اهالي العزيزية يترددون عليه وكان يعاملهم معاملة خاصة حيث يبيعهم الاقمشة بأسعار منخفضة وبالتقسيط المريح أو على التصريف احيانا للذين يتبضعون منه لمحلاتهم في العزيزية. ليس هذا فحسب بل فتح بيته لكل مريض من اهالي العزيزية يذهب إلى بغداد للعلاج لصعوبة المواصلات وقت ذاك.

* من هي اشهر الملايات في العزيزية؟

* من اشهر الملايات المرحومة (خرنوبة) وهي من بلدة الصويرة المجاورة تاتي العزيزية في عشرة عاشوراء الاولى. وبعد (الطبك وختام العزاء كانت متعددة المواهب والمهارات تفعل الاعاجيب في هذه الأيام العشرة رغم أنها مقطوعة احدى اليدين وهي طويلة راهية تقود النساء اثناء اللطم والتجوال وبعد انتهاء المحاضرة تتنكر بملابس الرجال وتتلثم وجهها وتحمل بيدها السليمة سيف لتمثل دور الشمر او دور حرملة عندما يذبح الطفل الرضيع وما أكثر الأطفال الرضع في مجالس العزاء. كل أمرأة تقدم طفلها الرضيع للذبح على يد (خرنوبة حرملة)

اما ام عوينة فهي بغدادية قديمة كانت تاتي بالحلويات التي يرغب بها الصبيان أو بالعباءات والفوط والجراغد التي ترغبها النساء لتبيعها في العزيزية وكانت رحمها الله امراة ضئيلة الجسم قصيرة القامة ولا تعاد تساوي نصف امراة ومع كل هذا لها من القصص ما يبهر فهي تعرف أسرار بيوت بغداد العريقة معرفة تامة وتصفها بادق التفاصيل وحتى العائلة المالكة كانت تعرفهم شخصيا فردا فردا والظاهر ان معلوماتها تلك آتية من كثرة ترددها على تلك البيوت فهي تحكي عن الملك غازي والامير عبد الاله وكانما اولادها. اما اجهيدة فهي العدادة في رثاء الموتى لها طور ونغمة في افتتاح رثاء كل ميت وباستمرار ومطلعها

افاعي وابن افعية...يعربيد التسكلط من بطن حية

هذا حتى لو كان المتوفي ليس عربيدا ولا ينتسب لفصيلة الافاعي.

وهي شاعرة اعرابية تقول ما يجول في خاطرها وبالها من افكار حتى لو كانت من قبيل المعجزات وكل ذلك في سبيل ارضاء اهل المتوفي الحاضرين.

* موسوعة مدينة العزيزية نصها حاضن للسيرة -  المدينة والناس-  أُس المكان وحراكه..أمر على بيوت المدينة وازقتها وشوارعها وحدائقها وضفة نهرها الخالد، وليس لي الا الحب الذي اوزعه عليها وعلى حشد شخصياتها بمكوناتهم الفكرية والمعرفية والحياتية على طول وعرض أمكنتهم وازمنتهم، فالعزيزية مسقط راسي وهي حلم العمر وهي الامل والمرتجى، والله هو المرتجى

* ما هي قصة الفلاح انصير ومن هو حسين الاكرع؟

* المرحوم انصير فلاح من عشائر العزيزية توفى في مستشفى المجيدية ببغداد وذلك بداية الخمسينات وكانت إعادة الحياة بواسطة تدليك القلب في اولها، فجربوها على الفلاح نصير المتوفي منذ ساعات، فلم يلبث ان دبت فيه الحياة، فرجع للعزيزية ليشتغل عاملا في مسطر البناء، كان رحمه الله دائم الابتسامة وفي ذات الوقت شارد الذهن يرى وكانه لايرى ويسمع وكانه لايسمع، ولا يتكلم بالرغم من أن لديه ملكة النطق وكان وكانه بعد تلك العملية من عالم آخر ولايعنيه شيئا في هذا العالم الذي يعيش فيه الى ان توفاه الله.

* ماهي قصة التابوت الذي سار بصاحبه؟

* هو حسين الاكرع شاب كان يعمل مساعدا لسائق سيارة وكان فكاهيا ومشاكسا في ذات الوقت، وواحدة من نوادره انه في احدى المرات حيث عادت السيارة الباص من النجف الاشرف بعد دفن احد الموتى وكانت السيارة تسير والمطر ينزل بغزارة فلم يجد الاقرع بدأ من النوم في التابوت الفارغ ويتغطى بازار الميت، ولما امتلأ الباص من الداخل من الصاعد والنازل لم يجد السائق من سبيل سوى أن يصعد الركاب فوق سطح السيارة، كل هذا والاقرع يغط في نوم عميق في التابوت، وبينما كان المسافرين على سطح السيارة يتسامرون مطمئنين يتبادلون الضحكات جوار التابوت..وبعد أن توقف المطر واذا بحسين اكرع ينهض فجأة من التابوت بقرعته وشكله المهول المخيف، ليسالهم عن المطر،فلم يتبقى لديهم أدنى شك بأن الميت قد بعث الله فيه الروح وانه يريد بهم شرا فتقافزوا بانفسهم من فوق سطح السيارة إلى الأرض ينتابهم الهلع والخوف وسقطوا الى الارض والسيارة تسير ولكن من محاسن الصدف أن الأرض التي قفزوا عليها رملية موحلة بسبب المطر فلم يصابوا اصابات بالغة وكانت النتيجة أن توقف السائق بسيارته ليستفهم عن الأمر وينهال على معاونه الاقرع ويضربه ضربا مبرحا.

*من هو اول رئيس وحدة إدارية في تاريخ العزيزية بعد تمصيرها؟

* هو فتح الله بيك العباسي وهو من رؤساء العمادية، كان القائم مقام الاول لقضاء العزيزية عام ١٨٦٥ -  ١٢٨٢هجرية وكانت العزيزية مرتبطة بمتصرفية بغداد ويرتبط بقضاء العزيزية اداريا ناحية سلمان باك (المدائن) تسلم إدارة القضاء لمدة من ٢٧ايار ١٨٦٥ ولغاية ١٦ من كانون الثاني ١٨٧٧م الموافق للسنة الهجرية ١٢٩٤

* ماهي ذكرياتك عن رمضان؟

*أشعر بحسرة كبيرة وأنا أتحدّث عن ذكرياتي الرمضانية أيام زمان. فنحن اليوم نعيش هذا الشهر بأسلوب مغاير تماما عمّا كنّا نعيشه في الماضي. كلّ شيء تبدّل فيه، وبتنا نفتقد تلك الأجواء العابقة بالحبّ والصدق، كانت لمّة العائلة تشكّل رمزًا أساسيًا من رموز هذا الشهر الفضيل.

كلّ ما كان يدور في فلك هذا الشهر كانت البركة عنوانه، فمائدة رمضان كانت بسيطة، بحيث توضع أطباق الطعام عليها بعفوية، عكس الاصطفاف الأنيق المصطنع الذي تشهده اليوم. أما المسحراتي فكان يتنقّل بين الأحياء مع الدمام مناديًا على أهل العزيزية يوم كانت مدينة صغيرة و كلٌّ باسمه،

كنت وإبناء المحلة ننتظر وصول الشهر الكريم لنستفيق على زينة متلألئة ترتديها شوارع العزيزية في الأيام الأخيرة من شهر شعبان، فتحفّزنا على المشاركة في هذا الشهر صوما وعبادة. الفرحة والبهجة وسعادة الانتماء كانت تشكّل العنوان العريض لرمضان أيام زمان.

أما الصدق في التعامل مع الآخرين فكان تحصيل حاصل لا نبحث عن أصحابه، لأنهم كانوا موجودين بشكل دائم بيننا.

* صف اجواء رمضان؟

* في المساء وقبل أن تلملم أشعة الشمس أطرافها نتقاطر نحن الصغار الى الجامع القريب من دارنا وخاصة في أيام الصيف الطويلة والحارّة ننظر الى مكبّرات الآذان ترقبّا للإفطار. يتلمّس الشيخ المؤذن جيب صدره بحثًا عن الساعة الدائرية التي يربطها بخيط رفيع مُقصّب إلى رقبته جوارَ خيط النظارات، وينظر إليها بعد أن يُخلص عقدة الخيطان من بعضها، ويعيدها الى الجيب ويعلن أن هناك أربعة دقائق أو ثلاثة تفصلنا عن الآذان ويروح ينقل نظره بين وجوهنا التي تتطلع إليه وتلك الصحون التي بين أيدينا وفيها ما لذّ وطاب من أكلات ذاك الزمان مرسلة من امهاتنا النجيبات رحمهن الله للصائمين ممن يفضلون اداء صلاة المغرب والعشاء في المسجد طلبا للأجر والثواب الاجزل

* هل حدثت معارك في العزيزية؟

*من اشهر المعارك التي جرت بين الانكليز والاتراك جنوب العزيزية هي معركة (ام الطبول) ووقعت بالقرب من تلال الضباعي الأثرية وتقع جنوب العزيزية بحدود ثلاثة أميال على الطريق العام المؤدي الى مدينة الكوت مركز محافظة واسط.وهذه المنطقة هي منطقة اثار متزامنة مع مدينة همينية المندرسة والتي غطاها شط الأعمى احد تعرجات نهر دجلة..صارت تلال الضباعي مقبرة للجيشين المتحارببن الإنكليزي والعثماني حيث دارت معارك دامية بين كرٍ و فرٍ وفي كل مرة تقع هذه التلال الاستراتيجية عسكريا بيد احد طرفا النزاع فلذلك امست مقبرة للقتلى الجنود من الجيشين المتحاربين.

* ماسبب تسمية تلول العزيزية بـ (الضباعي)؟

* لقد ذكر لي أحد المعمرين الاحياء وكان شاهد عيان حضر شق الطريق الجديد بين العزيزية والكوت في منطقة تلال الضباعي وشق تلك التلول فكانت تظهر اثناء عمليات الحفر هياكل عظمية لجثث بشرية كاملة ولكون حيوانات الضباع تبحث الأرض وتحفرها للوصول إلى جثث الموتى الجديدة لتتناولها كغذاء لذلك تكاثرت فيها الضباع وتناسلت وانجبت صغار وعليه صارت المنطقة اشبه ما تكون مستعمرة للضباع وصغارها. لذا سميت بالضباعي لكثرة حيوانات الضباع فيها وقد تمت زيارتها مع جنابكم الكريم قبل عدة سنوات والتقطنا صورا تذكارية عندها، وعلى مسافة قصيرة من الشرق منها منطقة (حربي وحمور) التي لجا إليها اهالي العزيزية اثناء غريق المدينة سنة ١٩٤٩م واختلفت روايات اصل التسمية فهناك من يقول ان (حربي وحمور) كعاشقين مثل (مجنون ليلى) او ما شاكل وروايات أخرى لم يتم التأكد من صحتها

* ماهي معالم العزيزية واثارها ايضا؟

* التاج والاعراب يقدسونه تقديسا بالغا ويحكون انه (حَبل) الرجل في كرشة رجله لانه كذب على زوجته لذلك ترى الاعرابيات وغيرهن الطامعات في الحمل أو الحبالة يقصدنه مشيا على الاقدام وعلى طول الطريق المؤدي اليه طلبا للمراد.ومن اهازيج الاعرابيات اللواتي رزقن اطفالا(شلون مغرب تغريب...عيوني الذيب)

ان الامام تاج الدين الاوي رضوان الله كان انسانا شريفا فاضلا مجتهد في العلم وخصوصا في علوم اهل البيت عليهم السلام لذلك قربه السلطان(خدابنده) سلطان التتر في ذلك الوقت وجعله نقيب إشراف العلويين في كل الممالك الاسلامية التي يحكمها وهي كثيرة، وزداد تأثير التاج عليه رضوان الله على السلطان فحوله من مذهب السنة الحنابلة وهو مذهب سكان بغداد السائد في ذلك الوقت الى مذهب الشيعة الاثني عشرية فسك النقود وعليها صورة الائمة الاطهار عليهم السلام.

ولما اصاب السلطان خدابندة مرض مرير لا يشفيه الا طبيب يهودي اسمه رشيد بك فقربه وسواه وزيره الاول واوكل اليه إدارة الممالك سلفا

ولما كان للتاج رأي في مرقد الكفل ومزاره قريب من الحلة يزوره اليهود انتهز الطبيب الفرصة للانتقام من الامام التاج وقتل شر قتله هو وولديه شمس الدين وشرف الدين ودفن على ضفة نهر الشذروان

* هل بقي في نفسك شيئا لم اسالك عنه؟

* كنت اتمنى ان تسألني عن انسان عزيز على القلب وهو الاستاذ راضي المترفي.

***

حوار / راضي المترفي

3583 عدنان الظاهرالبروفسور عدنان الظاهر..

* عرقلوا تعييني قائلين إنَّ هذه المؤسسة كالجيش حِكر على البعثيين!

* وهنَ العظمُ مني واشتعل القلبُ شيبا

* جوز من شغلة المد الأحمر يا وليدي لا تنبشْ عظام الموتى.

* آني ما مختفي لكني مثل الكنفذ!!! ومرّات مثل السلحفاة

* أسئلتك مدببة تخترق الجلد واللحم والعظم وأنا رجل لا لحم لي وعظمي ضعيف

* ما جدوى نكأ جراح عتيقة التأمت وجَلْد الميت

* لم أتورط في حياتي بالدخول في معارك سوى أنَّ محاولة لقتلي نفّذتها زمرة

* الكثير من الشعراء عراقيين وغير عراقيين يتغزلون بالمذكّر.

* أيدينا تصل لك حتى لو كنتَ في القمر

***

انا اليوم في حضرة طاقة عراقية كان يمكن لها ان تقدم للعراق شيئا لولا تعنت وغباء سياسة السلطة بتعاملها المريض مع من يعارضونها ومحاولاتها الدائمة في ابعادهم عن العمل في مجال اختصاص برزوا فيه وبهذا تدفعهم للهجرة القسرية بعيدا عن وطنهم الذي احبوه حد العشق وسعوا لان يكون في مصاف الدول الكبرى في المجالات العلمية والا من يصدق ان طاقة علمية بحجم الدكتور عدنان الظاهر تعامل بقسوة واهمال لتلفظ خارج العراق وتتلاقفها كليات ومصانع ومختبرات دول اخرى ليقدم كل مالديه من علم واختصاص نادر لغير بلده بسبب اختلافه السياسي مع الحزب الحاكم انذاك، ومع ان حواري معه تميز بخفة الظل الا ان الاحساس بالظلم للعراق ولطاقاته كان مصدر الم لايطاق.وبمجرد اطل بوجهه العراقي الجميل سالته باشتياق ليبدا حواري معه..

* انت وين مختفي لخاطر ابو جاسم؟

* ههههههه أبو جاسم وين لكيته عزيزي؟ ماكو بربعنا واحد كنيته أبو جاسم! هل فينا محمد؟ آني ما مختفي لكني مثل الكنفذ!!! ومرّات مثل السلحفاة / الركّة... تحايا وسلامات لكل الأحباب ربعنا في كل مكان.

* يالحلة أمام اسمه محمد ابو جاسم الأسمر

* هذا وين لكيته يرحم والديك وشودّاك للحلة التي لم أزل توّاقاً لزيارتها والأقارب هناك في إنتظاري؟ هذا مو أسمر عزيزي.... إنه أبو جاسم المحروك...

* كنت رايح بزيارة لصديقي بالديوانية وهو مقامه قريب عن الخط السريع والمنطقة في كل مقهى طبيب عرب وبين كهوه وكهوه كهوه.

* مَن يصل الديوانية ألا يُعرّج للسماوة ليزور قاضي الحاجات حبيبنا أبا اليسر؟ وفي طريق عودته إلى بغداد يُعرج إلى كربلاء لزيارة سركال النخيب ونخيل شفاثة؟ للأسف لا أعرف شيئاً عن هذه المناطق التي وصفتَ حيث الأطباء وكثرة المقاهي وأكيد الكثير من باعة الفشافيش والتكّة.

* لا والله يبيعون فجل احمر أكثر شي

* فجل أحمر مو أحسن من البصل الأخضر؟ الفجل الأحمر بواطنه بيض مثل الحليب.. ما أخبار صديق السماء والأرض حبيبنا حمودة الكناني؟ تصبح على خير عزيزي... أنا هنا إذاً أنا موجود!!!!

* احنا اشتريناه بديلا للتفاح وحمودي يزهو بعزوبيته وانت ما رايك بهذه الدردشة الرمضانية بيني وبينك؟

* أسئلتك مدببة تخترق الجلد واللحم والعظم وأنا رجل لا لحم لي وعظمي ضعيف [رجيج] منخوب مثل المُنخل! إلاّ إذا تريدني أنْ أسلك سلوك الأستاذ سلام كاظم فَرَج إذْ كان معك شاطراً ومناوراً فذّاً يعرف كيف يتملص وكيف يلف ويدور ويراوغ وما [ينطيك لزمة]. لكن من أين تأتيني مثل هذه القُدرات شبه الخارقة وإني وهنَ العظمُ مني واشتعل القلبُ شيبا؟ أعني يا كناني أبا العلاء. هل أستطيع معرفة أسئلتك حتى أحضر نفسي وأرى هل سأنجح أم أرسب في هذا الإمتحان العصيب ولا يوم المحشر؟

* دعنا من الحاضر وتعال ندردش مع الماضي حيث الشباب والمد الاحمر وياخشوف التجي من عانه ونأخذ وجبه من كيمر السدة والصبح باكلا وبيض؟

* باكلة لو باجلة الله عليك؟ الأصل [يا خشوف العلة المجريّة] لعبود الكرخي وكانت المرحومة والدتي تعرف هذا الشعر وتردده. كم عراقي اليوم يعرف معنى {خشوف ومفردها خِشِف؟} الدردشة معك مخيفة يا عزيز الروح وأخاف لا أسقط بالإمتحان وفي الإمتحان يُكرْم المرء أو يُهان. جوز من شغلة المد الأحمر يا وليدي لا تنبشْ عظام الموتى.

* كتبتها باجلا والفيس غيرها وكلت مو مهم هو يعرفها ويا خشوف العلا المجريه ابنكم فزز الفختيه مدري الدوريه المهم ندردش بسوالف مال شياب وان شاء الله الكرامة محفوظة؟

* عجبتني كثيراً [إبنكم فززْ الفختية] وأراها أفضل من [الدورية] ثم لا أجرؤ على قولها خشيةَ أنْ يغضب أخوتنا الدوريون. لنرَ كيف تحفظ الكرامة؟

* حدثني قليلا عن شبابك وأيام الحلة وباب الحسين والمد الاحمر وعركات الشيوعيين؟

* يطولُ الحديث عن الشباب وعن الحلة... دونت الكثير بخصوص هذين الموضوعين منشورين في كتابي الأخير الموسوم [كفاح الظاهر]. أما المواضيع الأخرى الواردة في هذا السؤال فلا من جديد عندي لأتكلّم فيه.

* كل ما تتكلم به هو جديد وثمين عندي؟

* ما جدوى نكأ جراح عتيقة التأمت وجَلْد الميت وكان المتنبي قد قال : [ما لجُرٍحٍ بميّتٍ إيلامُ]؟

* وقالت بنت أبي بكر.. الشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ.. اذا من شنو متردد الرجل القوي العتيد؟

* قليلاً ما أتردد في حياتي ولكن الحذر في بعض المواقف ضروري وتجنب التورط في خوض بعض الأمور ليس تردداً أبداً. عندما قرر الأمير هاملت قتل عمّه ثأراً لأبيه تردد مرةً واحدة لكنه قتله أخيراً شرّ قتلة.

* اخبرني أحدهم انك كنت وسيما وذا خبرة بمخاطبة ومغازلة النساء وكان لك الكثير من المعجبات لكن معركة بالأيدي ذات دوافع سياسية جعلت تقطع كل علاقاتك الأنثوية هل كلامه دقيق؟

* لم أتورط في حياتي بالدخول في معارك سوى أنَّ محاولة لقتلي نفّذتها زمرة من الشقاوات القتلة في شارع المكتبات في مدينة الحلة زمان عبد الكريم قاسم دافعتُ فيها عن نفسي ولا أكثر من ذلك. أما الحديث عن العلاقات ومغازلة النساء فلا أساس له من الصحة ثم إني لا أعرف الغزل بل وأمقته. مَن هذا الذي قال لك عنّي ما قال... هل ممكن ذكر اسمه؟

* سأخبرك عنه لكن صديقك الآخر يقول أهل الحلة اغلبهم سمر البشرة وانت أشقر بعيون ملونة كيف حصل هذا خصوصا وأن العراق تعرض لاحتلالات كثيرة ربما يكون الاحتلال الانكليزي اشهرها؟

* صديقك الآخر ليس بأفضل من الأول من حيث ما قال لك عني. أنا لستُ أشقراً ولا عيوني ملوّنة. كيف تريد منّي أنْ أُجيبَ على مثل هذه الأسئلة وفيها ما فيها من معلومات غريبة لا أساس لها من الصحة. أهلي عرب مسلمون من جبور قصبة بيرمانة لم يتصاهر أيٌّ منهم مع الإنكليز لذا فدمي وبشرتي ولون عينيَّ لا شائبة فيها ولا هُجنة.

* ربما رسم لك صورة من خياله المريض؟

* ربّما!

* صديقي الثالث يقول انك هاجرت من العراق كما هاجر المسلمون للحبشة لكنهم عادوا وانت حملت الجنسية الألمانية؟

* حملتُ الجنسية الألمانية لأنَّ حكومة البعث في بغداد رفضت تمديد جواز سفري ثمَّ إنَّ حكمها للعراق طال وطال حتى يئسنا من العودة للوطن. زرتُ العراق عام 2013 ففوجئتُ أنَّ قطعة أرض بإسمي مساحتها 600 متراً مربّعاً تداولها ثلاثة أشخاص فأخذتُ أُكثر من قول المتنبي [بِمَ التعللُ لا أهلٌ ولا وطنٌ / ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سَكَنُ] ,

هل نعمل فُرصة للراحة على أنْ نستأنف الحوار غداً؟ الساعة الآن أمامي تقول الواحدة والربع صباحاً.

* جاء في بالي سؤالي ولم أجد أكثر منك صراحة يجيبني عليه.. لماذ أهل الحلة يتغزلون بالمذكر والشاعر محمد علي القصاب انموذجا؟

* إسألْ محمد علي القصّاب. اغلب المغنين والكثير من الشعراء عراقيين وغير عراقيين يتغزلون بالمذكّر.

* على ذكر النديم معقولة لا كاس ولا سكن خصوصا وندماؤك حمودي وموسى فرج هاي غير المانعرفهم اما بخصوص السكن فأظن انت رافض مبدأ (لتسكنوا إليها)؟

* حمّودي المسكين لا يقرب الخمور فلا تظلمه رجاءً. ثمّ بيت الشعر هذا قاله المتنبي عن نفسه والشعراءُ [يقولون ما يفعلون] تصبح على خير وإلى الغد.

تالي شلون؟ مو أريد أنام... لا أُطيق السهر.

* اذا تحب تنام نوم العوافي واذا لك رغبة نستمر ماكو مانع بس من غير حرشه؟

* من غير حِرشة؟

هي أسئلتك تخلي حيل في الإنسان؟ ألم أقلْ لك إنَّ أسئلتك مُدببة وأكثر كأنها مِثقب / درل، درنفيس... تحياتي. متى نلتقي لأتأهب للقياك وأستعد لقبول الشوك والعاقول ومبطّنات أسئلتك وأستعين بأصدقائي الخُلّص ليعينوني عليك ويدرأوا عني مخاطر إستجواباتك واتهاماتك ويروح لك {بهجت العطيّة} فدوة لأنك " أضرب " منه. وينك يالكناني وينك أبو ياسر قاضي الحاجات وينك يا سلام كاظم وينكم أعينوني فإني بأمس الحاجة لكم كما كانت المرحومة والدتي في أوقات الشدّة [[ريتْ عيناكم تشوف ورجليكم ما تتحملْ وكوفْ]]. صوتٌ في داخلي يؤنبني صارخاً : ليش قبلت هذي الورطة؟ على كل حال... وقع في الرأسِ الفأسُ. أين أنت يالتَرِف الراف والرفراف؟

* اعتقد ان أسئلتي اعتيادية وغالبا ما تقع بين الأصدقاء لكن يمكن حضرتك تحاول تظهر بثوب المظلوم دائما؟

* أنا لا تَرِف مثلك ولا مظلوم لأني لا أقبل الحيف والظلم لذلك تعذّبتُ في حياتي وشقيتُ وعانيتُ ما عانيتُ.

* من اي حصلت على الدكتوراه وبماذا واين مارست حياتك العملية؟

* من جامعة موسكو متمتعاً بواحدة من زمالات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فينا وبعد إتمام أبحاثي ودراستي في جامعة موسكو حيثُ أجريتُ أبحاثاً في كيمياء التحولات النووية طرتُ من موسكو إلى مدينة لوس آنجلس الأمريكية لأبحث في نفس مجالي السابق باحثاً علمياً في جامعة كالفورنيا في إرفاين... ثم عدتُ للعراق الوطن وقدّمتُ أوراقي للتعيين باحثاً علمياً في معهد الأبحاث الذرية في التويثة.. عرقلوا تعييني قائلين إنَّ هذه المؤسسة كالجيش حِكر على البعثيين!! رفضتُ وبقيتُ عاطلاً في وطني عن العمل لحوالي ستة أشهر! رشّحني قسم الكيمياء في كلية علوم جامعة بغداد للتدريس لكنَّ رئاسة جامعة بغداد برئاسة سعد عبد الباقي الراوي ومعاونه العلمي كنعان محمد جميل رفضوا تعييني! ثم شاءت الصدف النادرة أنْ فتح موضوعي صديق قديم مع وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي دكتورة سعاد البستاني فوافقت فوراً على تعييني في كلية العلوم أوائل عام 1970. بحثتُ ودرّست في جامعتي بغداد والسليمانية وفي تموز 1978 غادرت العراق على عجل لأبحثَ وأُدرّس في جامعة الفاتح في العاصمة الليبية طرابلس لستة أعوام. بعد أربعة أعوام قضيتها في ألمانيا إلتحقتُ في جامعة ويلز البريطانية في مدينة كاردف أكاديمي زائر... أجريتُ أبحاثاً لحوالي عامين ثم غادرتها لألتحق بجامعة شفيلد البريطانية باحثاً علمياً مشاركاً لثلاث سنوات... بعد هذه السنوات الثلاث تقاعدتُ وعدتُ لألمانيا حيث أُقيم الآن مع عائلتي منصرفاً للشعر والأدب ونشرت عدة كتب في الشعر والنقد. هذا ملخّص مُكثف جواباً على سؤالك.

* هل تحب الأندلس ولما سميت ابنتك باسم أشهر حاضرة فيها؟

* أمضيت وعائلتي شهراً في مدريد وبلاد الأندلس نزولاً عند رغبة إبنتي التي أصرّت أنْ تزور المدينة التي تحملُ اسمها [قُرطبة]. أستطيعُ أنْ أزعم أنَّ كل العرب يُحبون ويحنّون لأسبانيا وليس للأندلس فقط. أعجبني قصر الحمراء بشكل خاص وأحببتُ فاكهتها خاصة البطيخ السكّري والتين ودجاجها المشوي بعد تخميره بعصير الثوم... بل ووجدنا في مدينة المريّة حلوى { الساهون } الذي يحبه أطفال العراق؟ هل تحبه يا الراضي أم هواك في { بيض اللكلك } و [كعب الغزال] وشعر البنات؟ أسميت ابنتي قرطبة لأني أعتقد أنَّ لكل مولود جديد حق في إسم جديد غير مسبوق وعلى هذا الأساس أسميتُ ولدنا الأول { أمثل }.

* هل مارست نشاطا سياسيا في غربتك؟

* جداً جداً وفي كل بلد حللتُ به خاصة في ليبيا وبريطانيا ثم في ألمانيا... حضور مؤتمرات للمعارضة العراقية وإلقاء محاضرات أفضح فيها جرائم ومظالم البعث في العراق وأمسيات ثقافية ــ أدبية ألقيت فيها أشعاراً سياسية في لندن وفيينا وبرلين وميونيخ ولايبزك وستوكهولم وقبل الجميع في ليبيا. ونالني جرّاء ذلك وبعض أهلي في العراق ما نالنا من عنت وتهديدات وسجن واعتقال بعض أهلي في العراق.... وكان أول الغيث إمتناع العراق عن تجديد جواز سفر وتهديدي بالرجوع للعراق وإلاّ [[أيدينا تصل لك حتى لو كنتَ في القمر]]! كما صرّح أحد سفراء العراق.

* هل انت راض عن نفسك أيها الظاهر للعيان؟

* فيفتي ــــ فيفتي! لا كمالَ في الحياة وقد قال أحد الشعراء : لا يَنقُصُ البدرُ إلاّ حينَ يكتملُ.

* قال الراحل حسب الشيخ جعفر من غربته في ألمانيا..

يا انت ياقمرا تثاءب في السماء

هل انت مثلي تعشق في العراق

اراك تبعث لي ضياءه

هل انت تعشق في العراق؟ ومن هو المعشوق؟

* لم يكن حسب الشيخ جعفر في ألمانيا على حد علمي... غادر العراق في زمن الحصار أو بعد الحصار وأقام في عمّان شأن الكثيرين من شعراء ومثقفي وأدباء حزب البعث وغيرهم إبتاعوا بيوتاً هناك أو شققاً واستقروا وأعرف الكثير أفراداً وعوائلاً.

* بماذا تحب ان نختم هذا الحوار المضمخ بنكهة عراقية خالصة؟

* شكري الجزيل ومحبّتي ورجائي أنْ تبقى مُحبّاً لأصدقائي الذين تعرف وأن لا تجور عليهم وتشتد وتدخلهم في [[معمعات / ميع ميع]] فإنهم رقاق ودودون يخدشُ النسيمُ إذا مسَّ خدودهم. ولا تزعّل أبا العلاء ترة سيّد شارته باليد... يعوّر.

* تحياتي

***

حوار / راضي المترفي

 

3581 ابراهيم الجنابيابراهيم الجنابي ..

* انا حقيقة الأمر اشرعن الزحف وخاصة عندما يكون المزحوف عليه راضيا

* كل شئ يشيخ ويهرم الا الوطن الذي يكبر ولا يشيخ

* المهرجانات الشعرية والأدبية بكل مفاصلها فعل غير منتج

* تفكيك المحرك وتفكيك النص كلاهما يبحث عن مشكل

* الشعر لا احتراق ولا ترف ..الشعر علامة مائزة في حياة الفرد

* الناقد الذي يتعامل مع صاحب النص وليس النص يمكن أن نطلق عليه صفة (الناقر) وليس الناقد

* * *

من يراه او يراقب تصرفاته يحسبه جاد تماما لايجامل ولايحابي احدا حاد الصوت واضح النبرات قاطع في كل الامور لايعرف للمزاح من مسلك لكن ما ان يسمعه يترنم شعرا حتى تختلف الصورة اذ يتحول صوته الى نبع عذوبة وتتزاحم اسراب مفرداته الى نوارس بيضاء او باقات ورد وربما قلائد غزل يحيط بها عنق حبيبة موهومة او معلومة وقد لاتكون هذه الحال بالنسبة له تدرج تحت بند (الازدواجية) وقد يفسرها بأن للشعر طبعا وسلوكا لايتماشى مع منحى النقد الذي يجب ان يكون صارما قاطعا لايتحمل الحلم او المجاملة على عكس الشعر الذي يجب ان يكتب باريحية وخيال وقدرة على الوصف ، زمع كل هذا تعالوا نحشر نفسنا معه في دردشة قد تبتعد او تقترب من الشعر والنقد لكنها لاتخلو من منفعة وطرفة وابتسامة نبثها هنا وهناك ..

* اولا شكرا كبيرة على هذا التقديم الرائع والجميل في كل تفاصيله ..فأنا حقيقة الأمر أعده دراسة فاحصة بكل معاييرها فهي سياحة في السلوك والمعرفة والثقافة وشخصنة في تلابيب السيرة الذاتية وخوض في تفاصيل الحياة عبر مجسات تستل أوراقها من الرفقة والصداقة والمتابعة ..ممتن كثيرا واكرر شكري وتقديري لك صديقي العتيق..

* هل تصاب الأعياد بالشيخوخة؟

* إن الاعياد تشبه الاوطان فكل شئ يشيخ ويهرم الا الوطن الذي يكبر ولا يشيخ ربما تنتابه العثرات لكنه ينهض من رماد كل معضلة ويربت على أكتاف مريديه ويحضنهم بأياد من قوس قزح ..ويمكننا القول إن الاعياد تتغير ولكن لا تشيخ لأن لكل زمان سلوك ومقدرات تختلف من جيل لجيل

* ماهو لون وشكل قلم الأمنيات؟

* ما يخص الامنيات وقلمها..(فالتمني راس مال المفلسين) كما يقال ومع هذا فأنا لست مع هذه المقولة .فالتمني شعور حسي نابع من القلب ياخذك الى مرافيء المكنونات وطبقات الذاكرة الحافظة واحيانا يكون فعلا يشبه القصيدة وولادتها لانه يمثل شعورا استثنائياً ياخذك الى اصطياد حلقات مفقودة ويكون قلم الامنيات و بكل أطيافه اللونية شبكة تقع في شراكها كل اللحظات الآنية والعابرة ؛ فهذا القلم الجماد أظنه بأحاسيس مرتبطة بشكل كبير مع الشبكة الحسية والمعرفية للمثقف .بالرغم أننا فقدنا تلك الصفة بعد الغزو الاليكتروني

* ماهو الفرق بين تفكيك (المحرك) وتفكيك النص؟

* تفكيك المحرك وتفكيك النص كلاهما يبحث عن مشكل... فالاول فعل آلي أما الآخر فهو فعل فكري..تفكيك المحرك ينتهي عمله بوجود المشكل أما النص فيبدأ مشواره التاويلي عند الوقوف على عتبات المشكل في النصوص موضوع التناول..فاصلاح عطلات النص يأتي عبرة قراءة ما وراء الحرف والسطر في حين اصلاح أو تفكيك المحرك يأتي عبر سلوك مشهدي لتشخيص وعلاج المشكل ..وللنص مستويات قرائية كثر كل مستوى من هذه المستويات يتبنى مذهبا من مذاهب الفقه التاويلي أو احيانا يمارس قراءة أفقية تأخذ قشور المعنى في حين تسلك القراءة الشاقولية الغور في مفاصل الكتابة من أجل إنتاج نص نقدي يوازي الأصل

* هل الموت خدعة؟

* الموت حقيقة لا أظنه خدعة ولو سلمنا أنه خدعة فمن يخدع من؟ الموت هو ..كما تظن كل الديانات السماوية والديانات الأخرى..نهاية الحياة وصولا إلى العالم الاخر عالم ما بعد الموت وإذا ما دققنا النظر فسنجد أن لكل ديانة هناك مخلص ومنتظر من اجل حياة أفضل ..لكن من رأى وعرف دهاليز الحياة الأبدية..أنه سؤال لا يمكن البت بأمره ..وخلاصة القول إن الموت حق إن كان فعلا كيميائياً أو غيره

* لمن تقام المرابد؟

* المهرجانات الشعرية والأدبية بكل مفاصلها فعل غير منتج ابدا في كل مكان وزمان . وخاصة في بلدنا اذ يمكن توصيفها على أنها حفلات تعارف تحت شعار (ادعوك وتدعوني في مهرجانك) مع المعية..وبكل سهوله بضغطة زر على حاسوبك ستجد الدعوات لكل السنوات تحمل نفس الاسماء في حين ربما تتجدد بعض الأسماء النسوية الفيسبوكية التي لا علاقة لها بالابداع من دول الجوار او حسب فعاليات التعارف بين القائمين على ترشيح اسماء المدعويين وبين تلك الجميلات..أما أن نقول إن المهرجانات تنتج فعلا معرفيا ابداعيا فهذا خطأ فادح..والأمر يمكن تعميمه على المربد. والجواهري والمتنبي ..الخ.

* ما علاقتك بالبحر؟

* علاقتي بالبحر تأتي من جوانب عدة ..أولها الخوف فعندما تغور في عمق البحر تجتاحك الرهبة .. والجانب الآخر هو الجمال فزرقة السماء وانعكاساتها تشكل مشهدا قمة في الروعة ربما يذكرك بمحبيك فالفضاء الممتد ياخذك الى عالم سحري لهذا نقول ..

خذي مني رفاة العين واكتحلي ..

وهدهدي القلب مهووسا فلم يزل ..

فلا الصبايا ولا حنين البحر يبهرني ..

إلاك عقدا ساري القبل

* من الذين وصل رغيفهم الى اسطنبول؟

* عمامي بيت (الخكري)

* هل الشعر احتراق ام ترف؟

* الشعر لا احتراق ولا ترف ..الشعر علامة مائزة في حياة الفرد تفضي إلى فضاءات الروح وتتسلل إلى عوالم مختلفة...الشعر كتلة حسية تتجسد فيها معاني الالم والفرح والحب والحزن وتفتح مغاليق الأرواح الساكنة في كل ثكنات وقنوات الحياة .وغالبا ما يبتعد الشعر عن الترف فهو محاكاة الطبيعة تارة وتارة أخرى خوض في خضم الأحداث التي شهدتها المسيرة الحياتية للشاعر ربما يقترب قليلا من الاحتراق بوصفه نزفا دافقا لمعاني الانسنة التي تعاني الكثير وخاصة في زمن باتت الحرية فيه انفلاتا من خلال الفهم الخاطيء لمعنى الحرية .

* هل تؤمن بعقاب العين بالعين؟

* نعم أؤمن بعقاب (العين بالعين والسن بالسن والباديء اظلم).. لكن بطريقتي الخاصة وحسب الموقف

* صف لي رفقة الماء؟

* لكي اصف لك رفقة الماء لا بد أن أقول ..

اني رفيق الماء

سارتديك قاربا وأبحر في عينيك

سفينة بلا اتجاه ..

* مع من يتعامل الناقد .. النصوص او أصحابها؟

* الناقد الذي يتعامل مع صاحب النص وليس النص يمكن أن نطلق عليه صفة (الناقر) وليس الناقد ..لأن التعامل بهكذا سلوك يمكن أن نسميه الدناءة بعينها لأنها خيانة للأمانة الثقافية وتلك عورة كبيرة في سجل أصحابها

* ماذا حوت الاخاديد؟

* أخاديد هي بواكير ما كتبت في الشعر فهي مجموعتي الشعرية الأولى والتي صدرت في أواخر تسعينات القرن الماضي حملت في طياتها الكثير والكثير من المزايا التي رافقت رحلة القرن المنصرم

* لدي خمسة أسماء عليك ذكر صفة لكل شخص منهم؟

* صباح الجاسم؟

* صباح الجاسم طين عراقي اصيل معجون بانسنة لا نرى في زماننا هذا إلا القليل القليل منها

* حمودي الكناني؟

* حمودي الكناني كتلة من الطيبة والنقاء وقلب نابض بالمحبة والمودة للجميع

* سعدي عبد الكريم

* سعدي عبد الكريم.. تجتهد كثيرا لترى في عينيه الحكمة والطيبة هذا الرجل علامة إبداعية فارقة وموسوعة مهمة في تاريخ الاجيال

* تمام الجنابي؟

* تمام الجنابي ولدي الثاني بعد وليد .حازم وطيب القلب وناجح في عمله كمحامي

* ابراهيم الخياط؟

* ابراهيم الخياط.رحمه الله واسكنه الفردوس الاعلى..حين تبحث عن الالفة والنقاء ولانه بقلب نابض بالمحبة والمودة..تجدها في ابي حيدر ..الف رحمة ونور ولروحه السلام

* لماذا انت في الشعر هامس رقيق شفاف وفي النقد ماتواطن بعيشة الله؟

* اظن لا بل أجزم اني لم اكتب لما هو خارج منطقة الابداع وحقا لم اجد نفسي يوما ما افضل المستورد على المحلي كما ذكرت ..لا بل الغالب من كتاباتي كانت تخص الكثير من مبدعي الداخل وما كتابي النقدي الاخير الا دليلا على ما أزعم باستثناء دراسة تناولت فيها عددا من شعراء مصر من خلال ملف تبنته جريدة الصباح حينها وطرحته بمسمى كتاب في جريدة حيث كان هناك أكثر من عشرين شاعر وشاعرة مصرية وقد نشرت المقال في صحيفة الزمان اللندنية ومؤخرا صدر المقال ضمن كتابي النقدي اثر اللون في المشهد الإبداعي المعاصر

* قرأت لك أكثر من دراسة نقدية لشواعر وكاتبات عربيات .. لماذا تفضل المستورد على المحلي؟

* .. هههههههههه فلا تفتري علي ... بعدين الله يذبك بالنار هههههههههه

* هل (يزحف) النقاد؟

* النقاد وغيرهم .. الجميع يزحف ..وانا حقيقة الأمر اشرعن الزحف وخاصة عندما يكون المزحوف عليه راضيا مرضيا فهو الذي يحدد المنطقة بينه وبين الزاحف فإن كانت ملساء ناعمة فهذا يعني أن الزاحف سينزلق دون عناء أما إن كان رافضا فستكون تلك المساحة بينهما خشنة وبأسلاك شائكة فويل للزاحف حينها ..أما نحن فلا زاحف ولا مزحوف لأن القطار قد ولى سريعا هههه

* ماهي أمراض النقد؟

* امراض النقد أولها الدخول اللاشرعي للبعض إلى منطقة النقد وهو بلا ادوات

وثانيها ما تسميه الزحف .. وثالثها عندما يقدم الناص على النص..ووووو كثيرة هي الأمراض والطبيب غادر

* هل يختلف البحر في اللاذقية عن غيره؟

* البحر هو البحر .. والاختلاف ما يحيط بالبحر فالميزة تبقى في النوع

* لو اخترناك حكما من تقدم من الشعراء الحاليين على الآخرين؟

* لا اقدم ولا ااخر أحدا من الشعراء فلكل شاعر أسلوبه الخاص الذي يتبناه وحسب المرحلة التي يمر بها أما من استسهل الأمر وحسب نفسه على الشعر والشعراء .فلا تعليق

* هل لديك اضافة؟

* الاضافة التي أود قولها امتعتني بهذه المحاورة الرمضانية فشكرا لك على كل شئ ..محبتي واعتزازي بكم صديقا ومبدعا

***

حوار: راضي المترفي

3575 طارق سعيد احمدلا وجود لرؤية دون استقلال فكري مطلق

دعا إلى تأسيس ثقافة المراجعة

***

المتأمل في حوار الشاعر والإعلامي المصري طارق سعيد أحمد أنه مُتَحَرِّرٌ من صفات المُجاملة التي تضرّ ولا تنفع إذ نجده يطرح رؤاه النقدية بصراحة تامة ويحرص على إثارة قضايا فكرية، لا يريد بها تسخين الدف كما يقال بل وضع النقاط على الحروف والوقوف على تحولات الفكر والسياسة وما منيت به الأمّة من هزائم، الأمر الذي أدى إلى تشخيص الواقع العربي الراهن على كل المستويات السياسية الفكرية والثقافية ومختلف المشكلات وتأثيراتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبخاصة ما يجري في الساحة الدولية والحرب الروسية الأوكرانية التي اثرت سلبا على الإقتصاد العالمي ككل، كنت أتابع كتابات الشاعر وأفعلامي طارق سعيد أحمدج عبر فضائه الأزرق وكنت أعتقد أنه شخصية معقدة، من تلصعوبة بمكان أن تعرف مذهبته وغيديولوجيته، ولكن بعدما التقيت به (افتراضيا) وأجريت معه هذا الحوار تبين لي أن الشاعر طارق سعيد أحمد متفتح الذهن وجريء في حواره مع الآخر وهو بذلك يدعو إلى تأسيس ثقافة المراجعة، في هذا الحوار يبين الشاعر طارق سعيد أحمد مواقع الخلل بعقلانية محاولا ربط المجال الثقافي بالبعدين الفكري والسياسي وبحكم مهنته كإعلامي يتبين مدى اطلاعه على أحداث الساعة ومتابعته مجرياتها وإعادة صياغتها من جديد، هي رسالة وجهها طارق سعيد أحمد إلى المثقف العربي ودوره في احتوائه القضايا العربية على درجة كبيرة من الإهتمام والإلمام والتزامه الواقعية، ولاشك أن القارئء سوف يجد في حواره نكهة خاصة.

من هو طارق سعيد؟

طارق سعيد أحمد من مواليد القاهرة 1982، حاصل على بكالوريوس إعلام جامعة القاهرة، شاعر صدر له ديوان بعنوان "تسيالزم، اخناتون يقول" وله تحت الطبع 4 دواوين شعرية ورواية بعنوان "المخبأ"، كتب المقال النقدي والسياسي، كما عمل في العديد من الصحف المصرية والعربية والعالمية منها: صحيفة الدستور، صوت الأمة، البوابة نيوز، المقال، الجريدة، مجلة الدانة الدولية، الصدى نت، الحوار المتمدن، الشرق الأوسط اللندنية، يعمل حاليا رئيس قسم الثقافة بصحيفة الديار.

علجية عيشحدثنا عن تجربتكم الإعلامية وموقفكم من قضايا الساعة؟

- من حين إلى آخر أرى نفسي أقف في ميدان واسع جدا – مثل ميدان التحرير- ومن كل حولي تنبثق الشوارع، وصحيفة "الديار" طريق لم أمشي فيه من قبل، السنوات الـ7 الفائته كنت كاتبا حرا، قبل أن أتولى رئاسة القسم الثقافي ضمن باقة من رؤساء أقسام الصحيفة، وتحت مظلة رئيس تحرير مغامر وذو رؤية صحفية وهو الأستاذ سيد الضبع، وإدارة رشيدة للمهندس أحمد عامر رئيس مجلس إدارة الصحيفة، قبل ذلك بقليل كنت مراسلا لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية وكنت أكتب المقال في صحيفة "المقال" بجانب مقالي في موقع "الحوار المتمدن" وغيرها من الصحف، أما الآن فأنا لست مسؤولا فقط على ما أكتبه وذلك عبء - بمذاق القرنفل - أتمتع به بقدر الإمكان، محاولا أن أصنع صحافة ثقافية تليق بمصر، ما يجعلني مدفوعا بقضايا ثقافية كثيرة مثل "الفساد الثقافي" الفردي والمؤسسي لأنه يحجب خلفه أرقى العقول المصرية الأصيلة ويطمس تجارب إبداعية هامة

كيف تقيمون العلاقات الجزائرية المصرية؟

- أحترم الشعب الجزائري وأقدر تجربته ونضاله الذي علم ومازال يُعلم معنى الحرية، أؤمن بأن علاقات الشعوب هي الأبقى والأروع إذ قورنت بالعلاقات الرسمية بين البلاد، الأنكى من ذلك أتصور أن الأنظمة والحكومات تعوق انصهار الشعوب وتذويب الثقافة وتبادل الخبرات، كان مدخلي الأول إلى الرقعة الجزائرية في طفولتي هو فيلم "جميلة بوحيرد" ومازالت تتحرك داخلي معاني الإصرار على الحرية كلما جاءت سيرة الجزائر أو تم عرض الفيلم، أود أن أقول أن الإبداع هو الباب الأرحب للولوج إلى العوالم كان ومازال، ولست راضيا كل الرضا على العلاقة بين الشعبين، الآن هي مستقرة لكنه استقرار سلبي لا حراك فيه، أقول ذلك ولي أصدقاء الآن أصحاب دور نشر مشاركون في معرض الجزائر للكتاب، ولكن هذا لا يكفي فالفرص الضائعة كثيرة وعلى المجتمع المدني مد الجسور أكثر بين الشعبين

استيقظ العالم كله على الحرب الروسية الأوكرانية، كيف تعامل الإعلام العربي مع هذه الحرب؟

- أغلب الإعلام العربي غير مستقل بالمعنى الذي يقربه من فكرة الحيادية والموضوعية، فانحيازاته الضمنية تعوق المتلقي في تكوين رأي موضوعي عن ما يحدث لكنه يتلقى الأخبار –أي المتلقي – وهي مشبعة بالإنحياز الضمني هذا، ويضعفه أيضا تبعيته السياسية الواضحة لذلك يصعب التقييم الدقيق

هل ممكن أن تؤثر الحرب على الدبلوماسية العربية مع أوربا؟

- تأثرت الشعوب اقتصاديا بالحرب الروسية الأوكرانية وبالتالي ستتأثر العلاقات الدبلوماسية لكن بشكل طفيف - بمعنى آخر - التأثير الدبلوماسي سيكون أقل وطأة من التأثير الاقتصادي على الشعوب، الضامن في ذلك هي توازنات الأنظمة والمصالح المشتركة بين الحكومات

التطبيع يشكل خطرا على المصالح العربية فماذا عن القضية الفلسطينية؟

- القضية الفلسطينية.. لها الله

كيف يمكم تجاوز التراكمات لإعادة إحياء القومية العربية أو ما تبقى منها؟.. ولماذا نعيد احياء أكذوبه مرة أخرى؟

يدور جدل كبير حول الحداثة والإسلام ماذا تقولون في هذه المسألة؟

- تتسع مساحات الجدل كلما نشبت مقارنة بين ما هو ثابت ومتحرك، وتحل نسبية آينشتين في هذه المساحات الشاسعة وتحتلها، وما اندهش منه هو تعطيلها خلال ممارسة الجدل، رغم أنها مفتاح سحري للهبوط على أرض الواقع بعدما ينتهي الفكر من ترتيب السياقات وكتابة توصياته ومقولاته، الحداثة فكر انساني حضاري بإمتياز انتجه الإنسان بعد هضم موروثه وانتج من خلاله حزمة من المصطلحات الخاصة به وفي بلدان كثيرة تم اختباره ومن ثم أقره المواطن العالمي ولم تقره الأنظمة العربية إلى وقتنا هذا!، لأن العلمانية على سبيل المثال تقلص نفوذ الساسة ورجال الدين أيضا، أرى أن الوعاء الحداثي مثلا يتضح بالعلمانية والديمقراطية والمجتمع المدني، مثلا، أليست هذه الكلمات ما راح ضحيتها آلاف الشباب خلال الثورات والإحتجاجات على مستوى العالم قديما وحديثا لتحقيق العدل على الجميع دون تمييز، إذًا هذا الصدام أو الجدل الدائر بين الحداثة والإسلام هي حلقة من حلقات الجدل الأشمل وهو علاقة الإنسان بالعالم وقد سبقها الوجودية والإسلام والماركسية والإسلام إلخ.. لكن السؤال الأهم هو.. ما الإسلام الذي نتحدث عنه؟

ألا تلاحظون أن غياب الحوار قتل فكرة التعايش مع الآخر؟

نضع أيدينا الآن بهذا السؤال على مأساة الإنسان المعاصر

بالمناسبة رفعتم شعار أن المختلف معكم لا ترونه شيطان، ككاتب وشاعر ماذا تقول في أدب الاختلاف؟ وكيف يجد طارق سعيد أحمد ذاته مع الآخر؟

- خلاصة فهمي لأدب الإختلاف أضعها في مقولة "المختلف معي لا أراه الشيطان، لا لكرم أخلاقي، إنما احترم فيه الإعتراف باختلافي"، وفي حقيقة الأمر لا أبحث عن ذاتي في الآخر، فمازلت أبحث في ذاتي

بعض المثقفين لا يتفاعلون مع الأحداث بحجة التخصص، كيف ترون رسالة المثقف العربي؟ وهل هو غائب أم مغيب؟

- يختبئ المثقف خلف حجة التخصص منذ القدم – في هذه اللحظة – لا يمكن أن تحميه لفترة طويلة من السؤال عن رأيه واستفزازه وهذا فضل يحسب لمواقع التواصل الاجتماعي، والفضل الآخر – وهو فضل سلبي – أنها أذابت الفواصل بين الصفوة والعوام فلم تعد الآراء رأسية تنهمر من أعلى إلى أسفل بل أصبحت أفقية ويطفو من هذا المنسوب شبه المستقر الأفكار الراسخة كالجبال والفقاعات أيضا، ولا يمكن الحكم عليه – أي المثقف – بأنه غائب أو مغيب قبل أن يكون حرا بما يكفي.

كشاعر هل تؤمنون بالاستقلالية الفكرية، وأين نجد طارق سعيد أحمد في عالم الشعر، هل يكتب بوجدانه أم بعقله؟

- الشاعر رؤية ولا وجود لرؤية دون استقلال فكري مطلق، منذ قرار نشر ديواني وأنا أحلم بأن أكتب اسمي على مساحة سنتيمتر مربع على خريطة الشعر الإنساني/ الكوني، ولا أطمع بأكثر من ذلك، وكتابة الشعر هي حالة أنتصف فيها بين الواقع وبين الحلم أو بمعنى آخر الوعي واللاوعي، لذلك تنصهر كل مكوناتي وخصائصي أثناء الكتابة، فلا أعرف إن كنت وجدانيا أم عقلانيا أم شيئا آخر، وكتبت الشعر قبل أن أتلقاه من كل ما صادفني من نصوص لشعراء أو بحثت عنهم لأنهل من حلو شعرهم مصريا وعربيا وعالميا، لكنني لم أتأثر بأحدهم على مستوى النص لكن لا يمكن انكار فضل ما قرأته على

في ديوانكم "تسيالزم" لماذا اخترتم إخناتون بالذات؟ هل هذا له ارتباط بالحضارة الفرعونية؟ وما تقصدون بـ: تسيالزم؟

- لا شك في أنني أحاول الربط بين الحضارة المصرية القديمة واليوم باستحضار "اخناتون" واختياري له أسباب منطقية كثيرة، لكن السبب الأهم هو سبب لا منطقي على الإطلاق أحب الاحتفاظ به حتى لا أتهم بالجنون، أما بالنسبة لـ "تسيالزم" فهو نحت لغوي لجأت إليه للإشارة إلى مشروعي الشعري دون إلتباس فهو عبارة عن حرفان من اسمي "t.s" والباقي آخر حروف من كلمة "سريالزم"، وسوف أنشر إصداراتي كلها تحت نفس العنوان مرقمه 

كيف تفسرون انتقال الهايكو الياباني إلى القصيدة العربية؟ وماهي مواطن الاتفاق والاختلاف بينهما؟

- أكثر من ثلاثة قرون كافية لانتقال الهايكو الياباني منذ نشأته على يد الشاعر "باشو" إلى كل زوايا الكوكب، وهو أسلوب يليق بالشعر حيث الإختزال إلى أعمق كثافة ممكنة للدلالة، مصريا وعربيا هناك خلاف على مستوى الشكل، إنما على مستوى المضمون الكثير من الشعراء تكتبه، وأفضله ونشرته نثرا في ديواني "تسيالزم، اخناتون يقول" وأتعامل معه معاملة الأحجار الكريمة النادرة.

في ظل الحصار الذي تفرضه بعض الأنظمة، يعاني الناشرون من أزمة النشر ماهو السبيل لتحرير الناشرين من هذا الحصار؟

- حتى يتشكل العالم من جديد، تحرر الكاتب من قيود الكتاب الورقي – السياسية والإقتصادية – بنشر أفكاره على مواقع التواصل الاجتماعي فأطلق سراح أفكار الناشر وبالتالي ظهرت دور النشر الإلكترونية والكتاب الصوتي، رغم أنها وسائل عصرية يستخدمها الجميع لكنها أنقذت الأفكار من الجفاف والتحجر

كلمة أخيرة

- "قطرة الماء تثقب الحجر لا بالعنف ولكن بتواصل السقوط"

***

التقت به علجية عيش

 

3568 علي الامارة

الشاعر علي الامارة:

* يكون الشعر بطعم الحلويات حين يكون صادقا كتجربة

* المشتركات بين الشاعر والفيترجي كثيرة اهمها الدقة

* اخر الارتحالات كان الموت فالموت ابو الارتحالات

* لا اريد ان اخسر الفيترجي والقصاب وعامل النظافة وربة البيت

* كانت سفرتي تلك الى الموصل سفرة الى القمر

* يحيى السماوي لوحده قادر ان يجعل وجه الصحراء اخضر

* (غلس) على الجواب فرحمة شيبته وسكت

***

هو قامة ادبية شعرية بصرية بصراوية اجتمعت فيه كثير من ملامح الاسلاف ومن هؤلاء الاسلاف الفرزدق والاصمعي والجاحظ والفراهيدي وحتى له شيئا من رابعة العدوية.. يتفرد في العمود ويعوم مع الناثرين ويحاور الساردين ولايخلو حديثه من طرفة ولا يومه من رسالة وله مساهمات وتفرد في الشعر المحكي من خلال (الابوذيات) جمعني به اكثر من مجلس ورافقته في اكثر من سفر وكان جليس لذيذ ورفيق سفر لا يمل واليوم قررت مقاجأته بدردشة رمضانية لم تكن في حساباته فتعالوا معي الى هذا الفيض البصراوي من الشعر والطيبة في حضرة الشاعر علي الامارة..

* ماهي قصة أذان (حجي) طوينه؟

* السؤال الاول ترك لانه يثير الطائفية.. هههه

* متى يكون الشعر بطعم (الحلويات)؟

* يكون الشعر بطعم الحلويات حين يكون صادقا كتجربة حياتية وتجربة فنية اي ان يتوازن بين الفن والتجربة.

* ارسلت (المره) للحج ولم تذهب انت.. هل هي امتناع عن رجم الشيطان؟

* (المرة) ام تمام حجية وانا عمري هي طلع لها القبول للحج وانا حصلت على عمرة رأيت من خلالها اجواء النبوة ونزول القرآن الكريم بل انا القيت محاضرة على بعض الشبان العرب في غار حراء.. ووقفت عند جبل احد وجبل الرماة فتذكرت موقعة احد وتصورتها تاريخيا بمساعدة الجغرافيا.. تأملت المكان وقرأت من خلاله التاريخ..

* ماهي المشتركات بين الشاعر و(فيتر) السيارات؟

* المشتركات بين الشاعر والفيترجي كثيرة اهمها الدقة فحتى لا تصبح سيارة الشاعر الشعرية عاطلة عليه ان يأخذ الدقة من الفيترجي.. وعليه ان يصلح قصائده ويفحصها قبل النزول بها الى الشارع.. الشاعر والفيترجي كلاهما يصححان اخطاء العالم.

* كتبت عن الراحل حسب في حياته.. بماذا ابنته بعد الموت؟

* كتبت عن الراحل حسب الشيخ جعفر قصيدة عام ١٩٨٦ ونشرتها في حينها في جريدة القادسية وحين التقيت به مرة اعجب بها وشكرني ولا سيما اني كتبتها بطريقته في القصيدة المدورة.. والقصيدة تصلح للموت والحياة لذلك نشرتها بعد موته رحمه الله.. وعنوان القصيدة (ارتحالات) وهي عن ارتحالاته الكثيرة في الحياة والشعر واخر الارتحالات كان الموت فالموت ابو الارتحالات

* هل انت شاعر نخبوي؟

* انا شاعر شعبي اكثر مني نخبويا لأني لا اريد ان اخسر الفيترجي والقصاب وعامل النظافة وربة البيت و لا اريد ان اخسر حبيباتي شعريا لانهن يردن شعرا واضحا.. ألم يقل ابو نواس:

* جنان ربة البيت تصب

* تصب الملح في الزيت

* فقيل له ما هذا الشعر.. فقال: انه عندها اهم من قفا نبك.

* ولكن عندي قصائد مثيرة نخبوية ولكني مع هذا اضع فيها مفاتيح للجميع لأن شعاري (الفن للجميع)

* ارسلت للموصل (55) رسالة هل لرقم خمسة علاقة بالامر؟

* جاء رقم قصائدي الى الموصل عفويا فقد كتبت الديوان وطبعته خلال شهر واحد من احتلال الموصل.. فقد احسست بأن الموصل هي العراق كله لانها الكفة التي يتوازن بها العراق مع الجنوب.

وحين تحررت الموصل كنت اول اديب ذهب لها وقرأت ال ٥٥ قصيدة على جمهور الادباء والمثقفين وسط اصغاء عجيب ومهيب.. لا ادري كيف قرات ٥٥ قصيدة في جلسة واحدة.. كان الموصليون يريدون ان يسمعوا هواجسنا ومشاعرنا ازاء نكبتهم فعرفوا من خلال القصائد بأنها نكبتنا مثلما هي نكبتهم لأن الوطن جسد واحد اذا اشتكى منه عضو تداعت له الاعضاء الاخرى بالسهر والحمى.. فعلا كنت محموما الى ان تحررت الموصل.. والديوان كان قصائد حمى وموت.. كانت ليلة عظيمة اقمت فيها جلستين شعريتين واحدة عصرا لاتحاد الادباء والثانية ليلا لنادي الكتاب

وثاني يوم اخذني رئيس اتحاد ادباء الموصل الشاعر عبد المنعم الامير الى الخراب كانت الجثث تحت البنايات المنهارة ووقفت عند منارة تلحدباء وقبر النبي يونس وجامع النوري وكل المكانات التي كنت كتبت عنها في الديوان

لقد كانت سفرتي تلك الى الموصل سفرة الى القمر..

* هل تبحث عن سلفة من مصرف الرافدين؟

* لا ابحث عن سلفة لا احب ان اكون مطلوبا فانا مطلوب نوم فقط..

* يشيع البعض انك عند حصولك على قطعة ارض تريدها (ركن) لماذا؟

- اشاح بوجهه عندي فتاكدت عندي الاشاعة انه يرغب ببناء فرن صمون

* اين تقع (كردلان)؟

* كردلان في البصرة وهي من الفراديس المفقودة في الوطن.

* من هو (بشار) صاحب الشارع في البصرة القديمة؟

* بشار هو بشار بن برد من المجددين في الشعر العربي والرواد وان كان زنديقا.. لذلك لم تمش وراء جنازته سوى أمة سوداء تصيح وابشاراه وكانها تصيح واشعراه.

* من اين جاء لقب (الامارة)

* لقب الامارة جاء من امارة ربيعة فجدي السادس والسابع وما قبلهم كانوا يسمون بالامير.. وانا اكتفيت بأمارة الشعر لاني اراها ابقى واهم.١٢ اجد نفسي في كل اشكال القصيدة لاني اراها فضاءات شعرية متعددة وان القصيدة عندي تختار شكلها وفضاءها الذي يليق بها..

* اين تجد نفسك.. في قصيدة العمود او في رحاب قصيدة النثر؟

* وقد فزت بجوائز عراقية وعربية بكل اشكال الشعر.. المهم ان تحافظ القصيدة على روح الشعر.

* اشتهرت بصنع المقالب واطلاق النكات.. ماهو اصعب مقلب شربته؟

* ١٣ الحياة في كثير من الاحيان تشبه النكتة تنتهي بمفارقة مضحكة او مبكية واهم المقالب التي شربتها هي في الحب لأني ينطبق علي قول المتنبي:

فلا امر برسم لا اسائله      ولا بذات خمار لا تريق دمي

فذوات الخمار والجمال ارقن دمي في ازقة الحب وشوارعه العريضة.

* متى قلت اخر نكتة وماهي؟

* النكتة يا صديقي تشبه قصيدة الومضة لذلك هي من اختصاصنا نحن الشعراء.. فلو تتبعت مصادر النكات ستجد انها خرجت من افواه الشعراء او الغاوين الذين يتبعون الشعراء.

* هناك خمسة اسماء صارحني برايك في كل واحد من اصحابها:

* جبار الكواز؟

* جبار الكواز تاريخ من الشعر يحمل سحر بابل بين اكتافه او عليها.. منذ ان فرشوا بيتهم القديم باحجار من بابل القديمة سحره المكان والتاريخ والشعر.

* زكي الديراوي؟

* زكي الديراوي ترتسم فيه طيبة البصرة فعندما نراه في مشروع ادبي او ثقافي نطمئن لأن البصرة ستكون حاضرة في المشروع بطيبتها.

* عبد السادة البصري

* عبد السادة البصرة بقيت الفاو عالقة على احداقه واصابعه رغم خروجه المبكر منها.. ظل قميصه الفاوي اجمل قمصانه الشعرية.

* داود الغنام؟

* داود الغنام عرف ان يقف بين القصيدة الشعبية وبين الاغنية التي اقرب الى شفاه الناس.. لقد قال ارسطو للاسكندر حين اراد ان يغزو العالم قال له: حين تدخل مدينة اسأل عن كتاب اغانيها فهم اعرف الناس بها.. داود يعرف من اين يفتح قلب المدن.

* كاظم الحجاج؟

* كاظم الحجاج ضمير المدينة والوطن ايضا فحين يقرا قصيدة في مهرجان ما.. فان الجميع يصغي بعمق له لان الجميع يحب ان يستمع الى الضمير الجمعي للوطن.

* ماذا وجدت في السماوة عندما زرتها؟

* السماوة سحرتني كنت اتصور انني ساواجه الصحراء عندما زرتها حاملا سلة قصائدي اليها ولكنها فاجاتني بأنهارها واشجارها واشعارها فوجدت صحراءها مزروعة بالقصائد.. لقد خدعتني الجغرافيا فصحح التاريخ خديعتي.. يحيى السماوي لوحده قادر ان يجعل وجه الصحراء اخضر بالشعر والحضور الابداعي الخصب.. انا مغرم بهذه المدينة.

* من هي الملهمة؟

* ملهماتي كثيرات ومثيرات واولهن البصرة.

* متى كان اخر عهدك بالصبا والشباب؟

- (غلس) على الجواب فرحمة شيبته وسكت

* في حضرة من انت تلميذ مطيع؟

- همس باذني بتودد قائلا: في حضرة (الحجية)

***

حوار: راضي المترفي

 

3560 طارق الكنانيطارق الكناني:

- تدخن علبتي سجاير وهي على فراش الموت

- الكل يعشق لغة الجسد بما فيهم الوعاظ

- كلاهما تشم فيه رائحة الشواء

- العرق موجود في العراق مذ كان العراق عراقا

- كل مازرت السليمانية ذهبت إلى ذلك التمثال

- كلهم دمج لم تعد الصفة تطابق الموصوف

- صديق طفولة ولكنه غير مستقر عاطفيا

***

من يتمعن بملامحه يتصوره مستفز لكنه هاديء في حقيقته مع ميل طفيف للملل وهبه الله بسطة في الجسم وبشرة مشربة بحمرة مارس الحياة المصرفية حتى وصل الى درجة مدير وعمل في الصحافة حتى تزاحمت مشاكساته وتعددت الدعاوي المقامة ضده من المسؤولين حد طلب احدهم تعويص يقدر بمليار دينار لكنه كان يخرج منها سالما كونه لم يطلب يوما شيئا لنفسه انما كان يمارس واجبه كعين مبصرة واصبع يشير دائما الى موطن الخلل لذا احبه من زامله وخشى قربه كل مسؤول قريب من هوة الخطأ وبطبيعته ساخر يحب المرح و النكته ويحب السفر ويعشق البحر واليوم تعالوا لندردش معه من دون حذر ..

* قبل ان اجيب لابد لي ان اشكر العزيز المترفي على هذه المقدمة الجميلة واقول لك انك قد وضعت اصبعك على مكان في نفسي لم يزل محل صراع بيني وبينها ولم استطع ان الجمها يوما عن قول الحقيقة مما سبب لي المتاعب مع المسؤولين .

* هل انت من احفاد حسقيل؟

- حسقيل هو الأب الروحي لكل من عمل في مجال المال فهو ارسى قواعد مالية كثيرة.. نعم بودي ان اكون من احفاده فأنا اعشق سيرته وانجازاته .

* عدد ثلاثة انواع من التقارير واشرح الرابعة منها؟

- فعلا التقارير متعددة الانواع، وحسب عملي هناك تقارير مالية تقدم يوميا، وشهريا، وسنويا وتقارير كيدية، هذه ليس لها موعدا ثابتا، وتقارير حزبية، وهذه هي الاخرى مستمرة منذ قيام الساعة ولحد الآن، وهناك تقارير صحفية . وأنا اعشق التقارير الصحفية ودائما ما اكتبها عند حضوري لمهرجان او زيارتي لمواقع ومدن فيها روح الماضي وهذا النوع من التقارير يطلق عليه احيانا ادب الرحلات وقد كان لي في الايام الماضية تقريرا حول رحلتي الى جزيرة كيش او قيس وشيراز عاصمة الاخمنيين والسلاجقة .

* ما هو الفرق بين النصاب والانتصاب في حالة عدم الاكتمال؟

- الحقيقة كلاهما يوسع الشق العراقي ولا فرق بينهما سوى بعدد الحروف والمفردة الاخيرة استخدمها بدلا من الاولى للتعبير عن الاستياء .

* هل ماتت كرجية ماسوفا على شبابها؟

- رحمها الله كانت لنا اما بعد وفاة الوالدة وكنت كلما اشتقت للوالدة ذهبت الى النجف لأرى كرجية وقد جاوزت المائة بقليل ولكنها تحتفظ بذاكرة حديدية ولسان طلق وسريعة النكتة وكثيرة المزاح رحمها الله كانت تدخن كثيرا ففي اخر زيارة لها كانت تدخن علبتين من الدخان يوميا فكنت اتحمل هذا الدخان مرغما لأنه دخان كرجية ...وجكايرك يذكرني بيها .

* ماهي علاقة (الشورت) بالحب؟

- لعلك تشير الى بعض المنشورات التي احاول من خلالها ان استشف اراء المتابعين. ارى ان الكل يعشق لغة الجسد وحتى المعترضين والذين يحاولون الظهور بمظهر الواعظ لم نجدهم بالمنشورات الهادفة ولم يعلقوا ولم يضعوا بصمتهم ولكنهم حين تضع هكذا صور يكون حضورهم وفيرا ..وآخر منشور كانت هناك صورتان الاولى لعشاقين والحقيقة هم زوج وزوجته كانوا يقضون شهر العسل على سواحل الخليج صورتهم بعدستي،ووضعت الصورة الثانية لعارضة ازياء ولكن للأسف لم ينتبه احد لصورة البحر والعشاق والكل علق على صورة الشورت .

* ماذا يكتب حمودي؟

- يكتب الحياة ومفارقاتها وما فيها من الخيبات والآمال والطموحات .

* ما هو الفرق بين المعارك والمطابخ؟

كلاهما تشم فيه رائحة الشواء

* من هم (فراخ المدس)؟

- كل من حاول اغتيال نخلة عراقية او جرّف شجرة عراقية أو مس شعرة من جديلة عراقية،وكل من روع فاختة على شجرة وسلب طفلا عراقيا حقه في الرضاعة كل هؤلاء فروخ المدس .

* كيف نميز المجاهدين من غيرهم؟

- لا بد لنا بداية ان نعرف من هو المجاهد: المجاهد من يردع نفسه عن كل فعل من شأنه ان يضر بالآخرين (واقصد بالآخرين ابناء شعبه)، والوطن ويمنع الاضرار بهما ...اذا طبقنا هذا المعيار سنعرف من هو المجاهد .

* ايهما أشد عقوبة بيع المشروبات الروحية او الاتجار بالمخدرات؟

- اعتقد ان المخدرات هي الداء الذي لا ينفع معه أي دواء ويمكن من خلالها هدم البنية الفوقية للبلد من خلال تشجيع الشباب على الادمان عليها،المشروبات لم تفعل هذا الفعل فهي موجودة في العراق مذ كان العراق عراقا ولازالت وتأثيرها غير مؤذي ويكفي قول عمرو بن كلثوم فيها:

مشعشعة كأن الحص فيها .... إِذَا مَا الْمَاُء خَالَطَهَا سَخِينَا

* لم تحصل على الشهادة في العراق هل تبحث عنها في أوكرانيا؟

- درست في عدة دول منها بولندا والاردن ولي شهادات منها ....ولم ارغب بالدراسة في اوكرانيا فقد اكتفيت تماما من الدراسة .

* هل اطلعت على النظام الداخلي لحزب الحمير؟

- سمعت مرة الامين العام للحزب يتحدث عنه، ولكني كنت مستغرقا بالضحك لما يقول، ولم انتبه للتفصيلات الدقيقة، ولكني كلما زرت السليمانية ذهبت الى ذلك التمثال لالتقط له الصور وقد فعلتها قبل اربعين يوما تقريبا مع اولادي وقبل وصولنا الى سوق مولوي للتسوق كانت لنا وقفة مع التمثال الخاص بالحزب .

* أين يقع حي البعث؟

- مازال في مكانه يحد كربلاء من جهة الغرب . صامدا لا يوجد شيء تفتقده عند التسوق الا وهو موجود هناك . وبقي على نفس الاسم رغم استبداله بعدة اسماء منها العروبة واكد واليرموك واخيرا الغدير .

* من هو عمر بن العاص المعاصر؟

- لا اعتقد ان هناك شخص من ساسة العراق يستحق او يتمكن من اللحاق بعمرو بن العاص بن وائل فهو سفير قريش لدى النجاشي وامبراطور الروم وهو الساعد الايمن لمعاوية في بناء الدولة الاموية وهو من انقذه في آخر لحظة في معركة صفين ... وهو صاحب القصيدة الجلجلية.. ولكن ربما يشبهون عورته يوم كشفها في صفين.

* متى كان آخر عهدك بالوكاحة؟

- لم اعد اتذكر فقد طال بنا العمر، ولكن انا متأكد بأني لم اعد وكيح .

* أين يجد الباحث أثار العراق؟

- في كل الدول عدا العراق

* منهم منتحلوا الصفة في العراق؟

- كلهم دمج، لم تعد الصفة تطابق الموصوف في العراق واولهم المحللون .

* متى تتوقع تنتهي (طلايب) الجماعة؟

- بهلاكهم جميعا

* عدد أسماء سبعة شوارع؟

- شارع ام الهوى،شارع الصد مارد، وشارع محرم عيشه،واربع شوارع باليرموك ..اعتقد صارن سبعة .

* من قال لك دع القلق وابدأ بالحياة؟

- لم اكن قلقا يوم ما فالأمور عندي بعواقبها .. واتمثل دائما قول الشافعي دع الايام تفعل ما تشاء .

* لدي خمسة اسماء لك ان تصفهم مدحا او هجاء ..

* ناصر الياسري؟

صديق الطفولة ولكن غير مستقر عاطفيا

* علي حرز؟

حقيقة لم اعرف الرجل

* جواد غلوم؟

الميمك الحزين ..شاعر وجداني وصديق صدوق

* اياد خضير الشمري؟

قرأته فامتعني ..فيه يتجسد الوفاء

* احمد الجنديل؟

روائي واعلامي احترمه كثيرا وقرأت له الكثير يدهشني بتواضعه

* اذا فاتني شيئا اخبرني به؟

- لم تبق ولم تذر يا مترفي نبشت التاريخ بأ برة حتى كرجية لم تخلص منك .شكرا لك على هذه الدردشة التي اخرجتني من عزلتي الرمضانية .

***

حاوره: راضي المترفي

 

3555 عدنان النجمحوار راضي المترفي مع الأديب الأستاذ عدنان النجم..

- ربة البيت أكثر ازعاجا

- لهذا سمي بعلقمة الفحل

- النظام العراقي يعاني من عدم الثبات على فكر معين

- الصلع لا ميزة ولا مثلبة لأنه ليس اختيارا

- قضيت ثلاثة سنوات جنديا في ميسان وتكريت والغزلاني

- على الإعلامي امتلاك الكثير من الأقنعة

- بحثت عن (اليواخين) في عدة لغات ولم أجد لها أثر

- أفتخر كوني ابن الهور العظيم

- في الماضي كانوا يمارسونها باستحياء اليوم كلهم (مطيرجيه)

***

سميت الفهود بهذا الاسم كما قيل نسبة إلى شيخ أو شخص يدعى فهد وهو أول شخص سكن المدينة وتعتمد في اقتصادياتها على الزراعة وصيد السمك ويعتمد قسم كبير منها تربية الجاموس والأبقار والأغنام، وتتواجد فيها صناعات أولية يدوية كصناعة البسط والسجاد. ومن هذه المدينة المعطاء مضيفنا اليوم وهو قاص وشاعر وتربوي يجيد الصمت حتى تظنه اخرس لكنه ما ان يتاكد ان الجلسة لاتشتمل على غير المحبين حتى يندفع كشلال يتطاير رذاذ محبته ونكاته وصدى ضحكاته في كل الاتجاهات.. يحب الحسين ويعشق كربلاء لكنه لايبات ليله الا في بيت حمودي الكناني حيث يمارس (خباثه) لذيذة لايتذوقها الا من عرفه عن قرب وللامانة فالرجل يخاف الله وربة البيت ولايبدي اعتراضا حين تامره بزيارة سيد (يوشع) وكان قبل سنوات ضحية خداع فيسبوكية بعدما طلبت صداقته شابة جميلة تزين صفحتها بصورة اجمل من صور هيفاء وهبي لكنه اكتشف بالصدفة انها شاب صغير ويعمل سائق (ستوتة) تعالوا لندردش معه ونشاكسه ما استطعنا..

- أين يقع مقهى صالح؟

* مقهى صالح سمة خالدة من سمات المدينة، هو لم يكن قديما كمقهى (سيد رحم) او مقهى (مظلوم).. بل تم افتتاحه في اوائل التسعينيات، لكنه ملتقى مهم لأبناء المدينة هو وليس غايتها ومناها.. نظرا لافتقار الفهود لملتقى أدبي أو ثقافي يرتاده الكتاب والشعراء والمثقفين وحتى المسؤولين، بالمناسبة صاحبها يصنع شايا وقهوة فاخرين تذوقها كل من حمودي الكناني وحميد الحريزي وصباح محسن كاظم وجواد غلوم.. واتمنى ان يتذوقه راضي المترفي..

- ماهي قصة حبك لأم جندب؟

* أحبها كامرأة ناقدة، وهي تدرك ان حكمها بين شاعرين احدهما زوجها والاخر لا تعرفه سيولد مسألة خلافية اكبر من كونها نقدا أدبيا، ابها لأنها مثال العربيات الاصيلات، لديها ذائقة أدبية مبنية على التعليل والاقناع والشجاعة في نطق النقد الفني، ويراها النقاد انها خرجت عن النقد الجاهلي المبني على الذوق الفطري الخالي من التعليل.. وحكمها هنا افقدها حياتها الزوجية، اذ طلقها امرؤ القيس كنتيجة لهذا الحكم، ولم يتنكرها علقمة بن عبدة هو الاخر فتزوجها بعد امرؤ القيس، فسمي بعلقمة الفحل..

- ماهي العلاقة بينك وبين الفارابي؟

* الفلاسفة والانبياء كلاهما يحملان رسالة واحدة إلا ان الفرق بينهما هذا وحيه العقل، وذاك عقله الوحي.. يعني ان الفيلسوف هو نبي من غير وحي والهام بل أن عقله هو المرشد، والفارابي المولود بعد افلاطون بثلاثة عشر قرنا وضع أسس المدينة الفاضلة، تلك المدينة التي صورها افلاطون في جمهوريته الشهيرة بطريقة متخيلة بعيدة جدا عن الواقع البشري، الا ان الفارابي اختصر الممرات للوصول الى حلم تلك المدينة من خلال تجسيد الواقع الانساني وبسط النفس البشرية فكانت مدينة الفارابي اقرب للواقع من جمهورية افلاطون، وعليه فهو ليس فيلسوفا فحسب وانما رجل اجتماع متمكن، وعلاقتي به اوجدتها الظروف التي تمر بها بلادنا، فنحن بحاجة لاصلاح اجتماعي قبل ان يكون هناك اصلاح سياسي، فالسياسي يجب ان يصلح ذاته البشرية اولا حينذاك يجد نفسه امام سياسي مصلح..

- كيف تعين الدولة شعبها؟

* احدهم استهزء بهذا السؤال قائلا (هل تعين الدولة الشعب ام ان الشعب من يعينها؟) بالتأكيد هناك علاقة تواصلية بينهما، لكن كل شعوب العالم تريد من حكوماتها ما يمكّن تلك الشعوب من مواجهة الحياة، ودولتنا في الحقيقة لايحكمها نظام عالمي حديث ولا تسير وفق ايديولوجية معينة، فهل هي دولة اشتراكية ام انها رأسمالية، وهي هي علمانية ام انها دينية؟، وهل هي حكومة ليبرالية أم انها مزيج بين هذا وذاك؟ واعتقد ان احدى اهم المشاكل التي تواجه النظام السياسي في العراق هو عدم ثباته على فكر معين، وانا كمواطن لكي أفهم ماهي حقوقي وماهي واجباتي يجب أن اعلم ماهية النظام السياسي في البلاد حتى اتمكن من معرفة حقوقي وواجباتي، وعندما نطالب الحكومة بان تعين شعبها فهي يجب ان توفر له حقوقه الانسانية من خلال بناء وتطوير القطاعات (الخاص والعام) والمختلط، وسن قوانين تحكم هذه الانظمة وهذه القطاعات بحيث لا يجد المواطن فرقا شاسعا بين قطاع وآخر وتتبقى له حرية الاختيار في كيفية خدمة بلاده من اجل ان ينال حقوقه كاملة.

- هل الصلع ميزة ام مثلبة؟

* هو لا ميزة ولا مثلبة لأنه ليس اختيارا، هو علة او شكل يفرضه تكوين الانسان وراثيا او مرضيا، وانا أراه مجرد علامة كالبياض والاسمرار، يعني انت (عندك شامة بخدك) وانا اريد ان اصفك لشخص آخر فنقول صاحب الشعر الطويل او الخفيف او الاصلع..

- لماذا تفيض غيضا من الاعلام؟

* الاعلام هو السلطة الرابعة وهو ما يقود الجماهير باتجاه الاهداف المرسومة، الاعلام عندنا للاسف وسيلة لتقويض الاخر القوي والصالح ولرفع قيمة الوضيع والطالح، والامر كله يعتمد على المؤسسة التي تدير الاعلام عملت في عدة مؤسسات اعلامية واكتشفت ان الاعلامي لكي يكون موجودا في الساحة يجب عليه ان يمتلك عدد كبير من الاقنعة، فالوجه الواحد في الاعلام يتم تشويهه بسهولة، وحاولت ان اجرب الاقنعة لكني فشلت وانسحبت الى الزاوية، والاعلامي في العراق مرة تجده شاعرا ومرة كاتبا ومرة أديبا ومرة سياسيا ومرة تجده صحفيا، هذه الوجوه لايمكن أبدا ان تتواجد في شخص واحد الا اذا كان خارقا.

- هل تم اكمال السدة بين ال عريثم والفهود؟

* كانت المنطقة المحصورة بين ال عريثم (وهي العشيرة التابعة لناحية الاصلاح) وبين الفهود كناحية هي اراضي زراعية تابعة للشيوخ، وحينما يأتي خطر الفيضان يبدأ الشيوخ ببث الرعب بين الاهالي بأن الفيضان سوف يقضي على البيوت والمزارع وان الغرق قادم لا محالة، مع ان الفهود بالاساس هي جزء من هور الحمار الكبير ومعظم المنازل والدور بالاساس هي غاطسة في الماء ومحاطة به من جميع جهاتها، فينتفض الاهالي لوضع السدود الترابية بالطرق التقليدية فيمضون كل وقتهم يحاولون ايقاف مد الماء القادم من هور ابو زرك بينما هو بالاساس غارقين من جهة الشرق من هور الحمار، وكتبت منشورا حول اشاعة انهيار سد الموصل وربطت تلك الاشاعة بما يقوم به الشيوخ والسراكيل..

- اي الصداقة اجمل تلك التي تختارها لك الظروف او التي تسعى انت لها؟

* الصداقة ان تحققت هي جميلة سواء سعيت لها او اوجدتها الظروف، لكن التي تسعى لها ستكون أجمل بالتأكيد لأنك تشعر بمكسب عظيم، اما التي اوجدتها الطروف اعتقدد انها ستكون اقوى لانها جاءت عبر مخاض او تجربة، فهناك صداقة جميلة ولكنها ليست قوية، وصداقة قوية وان كانت ليست جميلة، وجمال الصداقة يبدأ بالرفقة وينتهي بزوالها، وقوتها في وجودها بكل الاحوال.

- هل أديت خدمة العلم؟

* نعم، قضيت ثلاث سنوات جنديا مراكز تدريب ميسان ومن ثم تكريت ومن ثم الغزلاني، ومن ثم جنديا في قيادة قوات الامن الداخلي الثانية حتى تسريحي.

- أيهما اثقل على قلبك، معيدي أو شروكي؟

* كلاهما لا يعنيان لي شيئا، وان كانت صفة المعيدي احيانا تحفز بي خاصية الانتماء لأنها تسمية غلبت على ابناء الهور وانا افتخر كوني ابن الهور العظيم.

- من هو غالب السلمان؟

* في منطقتنا اشتهر شخص عمّر طويلا اسمه (محمد ال مطرود) يحفظ غالب السلمان؟ في منطقتنا اشتهر شخص عمّر طويلا اسمه (محمد ال مطرود) يحفظ التاريخ كما انه جغرافيا المدينة يعلم كل حدود الارض الزراعية والبساتين وغالبا ما يجعلونه حكما في كثير من الخلافات في مثل هذا النوع وله صوت جهوري وقوي جدا، غالب السلمان ورث من محمد ال مطرود صوته فقط ولم يرث منه شيئا رغم انه معلم في نفس المدرسة التي انا مديرها، لكنه مبدع في تدريس الصف الاول الابتدائي ومبدع في النكتة والحوارات الساخرة، وسخر حياته لتربية الدجاج البياض والطيور النادرة كهواية، يسميه زملائه من المعلمين (غالب ابو البشوش).

- كانت الفهود ملاذا لكل الخارجين على النظام.. ماذا عملوا لها بعدما استلموا السلطة؟

* كانوا خارجين على النظام وظلوا خارجين عن النظام للأسف.. لم ينفعوا مدينتهم بشيء اطلاقا، وتنكروا لها نكرانا عظيما..

- العرب في تاريخهم كانوا لا يقبلون شهادة معلم الصبيان.. كيف تفسرها؟

* اولا دعنا نثبت صحة هذه الرواية !! حيث انها مقولة لم تثبت تاريخيا، وان ثبتت فأنهم يعتقدون ان معلم الصبيان نظرا لاتصاله الكثير بالصبيان وتأثره بهم فان ذلك يؤثر على طبيعته وبالتالي فهو صبي لا تقبل شهادته، ولكنه تفكير ساذج بعيد كل البعد عن العقل والمنطق اذ لو كان هذا التأثير أو التأثر موجودا لكان الاباء أول من تأثر وهم فيهم القاضي والملك.

- هل يوجد في الفهود مربي حمام (مطيرجيه)؟

* هي واحدة من كل مدن العراق فيها ما في المدن، ولكن كل شيء مبالغ فيه، حينما كان (المطيرجي) على استحياء، اليوم صار مباحا للجميع. حتى ان لهجة (مطيرجي) انعدمت واختفت، أعرف شيخا او رئيسا لحمولته يمتلك برجي حمام فوق سطح داره،و حينما انكروا عليه ذلك تحجج بأنها لولده.

- من يحكم مناطقكم.. الدولة او سنائن العشائر؟

* تحكمها المزاجات والقوة، ولا أعرف قصدك بـ (من يحكم...)، الحكم ادارة وتنفيذ قوانين، ام تقصد (تحكّم)، تنفيذ القوانين وادارة الدولة وفق السياقات المرسومة هي عدالة، لأنها رغم ما بها عيوب ستسود على الجميع، أما ان تتحكم النزعات بالحكم هنا ستكون الكارثة.. والنزعات : هي العشيرة والدين والحزب.

- من أين تأتي بأبطال قصصك؟

* هم يأتون انا لا أأتي بأحد، حيث لكل قصة ولادة وتجيء الى الورق تحمل بطلا وفكرة، مهمتي انظم طريقة وصولها الى القارئ، أما حين تسألني عن صفاتهم فأقول لك كل ابطال قصصي أخيار.

- الضابط يحمل العصا للتبختر والمعلم لتأديب التلاميذ.. انت لمن تحملها؟

* لم احمل العصا قط لا للتبختر ولا لتأديب لتلاميذ، لست مؤمنا بوجود العصا في حياة الانسان. وان كانت هناك دعوات اصلاحية اجتماعية يجب ان تلغي وجود العصا لا للتبختر ولا للتلاميذ ولا حتى لأولياء الامور، اعتقد انها سبب مأساتنا اليوم، فان تربية مجتمع على العصا ينتج شعبا متمردا على القوانين والانظمة وهو ما نراه واضحا وجليا.

- الناصرية يطلق عليها محبوها (الشجرة الطيبة) ومبغضوها بالخبيثة من هم مبغضيها؟

* ابناءها للاسف.

- اسأل حمودي الكناني !! الخبث والطيبة يحكم بها الاخرون (عمرك سمعت واحد خبيث يعترف بذلك؟)

- ماهو رأيك كمختص بالمناهج التربوية؟

* جيدة جدا.. بل رائعة، ولكنها ليست لدولة كالعراق، واضعو المنهج التربوي يعتمدون سياقات عالمية في حين ان العراق ليس عالميا، فهم مثلا يبنون خطط التدريس لبيئة مثالية ويريدون تطبيقها في صف لا توجد فيه مروحة سقفية، أو انهم يتحدثون عن الورد في مدرسة ليست فيها حديقة، أو انهم يتحدثون عن الوطنية في دولة يؤمن بعض اطفالها بأن علم الدولة يجب ان يكون فيه هلال ونجمة كعلم العشائر، المناهج ليست واقعية ولا تمت للواقع بصلة.

- متى تضطر للكذب أو ما يطلق عليه (المجاملة)؟

* الكذب هو كذب لا يوجد ابيض واسود، ولست مضطرا للمجاملة وان اضطررت لذلك على اتخاذ الصمت.

- هل تحبذ الزواج بواحدة؟

* جدا جدا

- ايهما اكثر ازعاجا مدير المدرسة ام ربة البيت؟

* انا مدير مدرسة واظن أن ربة البيت اكثر ازعاجا، ما تريده ربة البيت هو معظمه يقع في اطار المزاج والرغبة، ومدير المدرسة ملزم بقوانين وانظمة، بعض ربات البيوت تكتفي بما تقدر عليه هي ولا تطلب شيئا آخر، وبعضهن يوفرن جميع الاحتياجات دون اللجوء للرجل، وبعضهن لو وفرت لها كل الدنيا فتطلب دنيا أخرى.

- هل تنتظر ظهور المصلح ولماذا؟

* لا انتظر أحدا، سأصلح ما اقدر عليه دون انتظار من يتكفل بذلك، انتظار المصلح كأمنية أو أمل لا بأس لكن الجلوس بانتظاره هو مضيعة للحياة.

- ماهو الفرق بين الديكتاتورية والفوضى؟

* الفوضى هي الحرية بلا قانون، والديكتاتورية هي العدالة بلا قوانين وانظمة.. فحينما نتطرف بتطبيق القانون تلك هي الديكتاتورية، وحينما نبالغ بالحرية فتلك هي الفوضى..

- هل انتميت لحزب أم اكتفيت بصداقة (الشيوعيين)؟

* لم انتمي ابدا، وان كنت في يوم ما على حافة ان اكون دعوجيا، لكني تريثت لأجد إني محق بذلك، اما صداقتي للشيوعيين، فأني لم اعلم بانهم شيوعيون الا بعد وقت طويل، فكانوا صراحة ودودين للغاية وأمناء جدا ولا يبخلون بالسؤال عنك عند غيابك، يتابعونك ويحثونك على النجاح، يفرضون عليك صداقتهم بشتى الطرق، والاكثر من هذا كله انهم جديون في العمل ولا يضيعون الوقت.

- ماذا تعني اليواخين في لغة اهل الفهود؟

* اليوخان عبارة عن محل داخل معظم البيوت او المنازل خاص فقط بجمع التمور في نهاية موسمها وهنا تدار في اليوخان عملية كبسها داخل آنية خاصة صنعت من خوص النخيل تسمى (الكوصرة) او عمليات طبخ التمور لانتاج الدبس عادة ينتهي العمل من اليواخين نهاية ايلول من كل عام. وعند سقوط أول زخة مطر فأنها تغسل اليوخان من بقايا التمر حتى ان تلك الزخة يسمى بـ غسالة اليواخين، وبحثت عن معنى المفردة في عدد من اللغات منها الفارسية والتركية فلم اجد له معنى، لكنها وبحسب مصادر ليست مؤكدة فارسية تعني حاوي التمر.

- هل شاركت بانتخابات من غير قناعة؟

* لم اشترك بانتخابات أبدا، كنت مرة أحد العاملين في المراكز الانتخابية رميت الورقة فارغة وغطست اصبعي في الحبر.. مرة واحدة فقط.

- من يحمل لواء الشعر في الناصرية اليوم؟

* في الناصرية ألوية للشعر، ليس لواء واحدا، وكل يحمل لواءه بنفسه..

- من هو ابرز كتاب القصة القصيرة من وجهة نظرك؟

* من وجهة نظري ابرزهم عالميا تشيخوف وعربيا يوسف ادريس وعراقيا عبد الرحمن مجيد الربيعي، ولكن اليوم لا تحيطنا الاسماء، وانما المنجز، كثيرة هي الاسماء بعضها لامع جدا وبعضها مازال تحت الاضواء، حقيقة حتى اننا تختلط علينا المسميات، لكن القصة القصيرة تزداد متانة وقوة ولعل اجمل ما يكتب هو البصري سمير غالي، مدهش هذا الرجل يجعلك تسافر معه منذ اول حرف بسرده اللذيذ المميز.

- لدي خمسة أسماء اريد خمسة آراء بهم..

وجدان عبد العزيز:

ناقد شطري رقيق بالنص لطيف بالكاتب

ابراهيم سبتي:

معلم حكيم وسارد متين افتخر به علما من اعلام ذي قار

علي لفته سعيد:

سقشخي مشاكس مع الحق، يكتب بألف اصبع، وفي احشاءه همايين من الهم الادبي

هيثم محسن الجاسم:

صقر يقتنص الفكرة ويسردها بهدوء

صباح محسن كاظم:

الوديع الحنون، قلمه لم يغادر احدا الا ورسمه مبتسما.

جميع هؤلاء اساتذة لي الفخر بمعرفتهم.

- هل حاولت زرع شعر فوق رأسك..؟

* لم ولن احاول، خلقت هكذا وراض عن كل شيء.

- هل تجيد الغناء..؟

* أحبه ولا أجيده.

- هل جمعك (مشحوف) واحد مع حبك الأول وبماذا أخبرتها؟

* جمعتني معها غرفة الزواج فقط.

- ماهو حديث سارة والستوتة؟

* هي قصة من نسج الخيال كتبتها في فترة سادت فيها كثير من القصص عن الابتزاز الالكتروني، وكيف انهم جميعا انتشرت صورهم وهم عراة او انهم دفعوا مزيدا من الاموال.

- كم مرة فازت قصصك بمراكز متقدمة؟

* لم أشترك في المسابقات القصصية وغيرها من اجل الفوز صراحة، كل مشاركاتي من اجل ان اعرف سلامة ما اكتبه من قصص، وقد فزت كثيرا في المركز الاول والثاني والثالث ولم استلم أي جائزة منها سوى نصا مسرحيا فاز كاحد افضل عشرة نصوص في كربلاء بمسابقة المسرح الحسيني واستلمت مبلغا من المال انفقته كله وحضرت محملا بالهدايا والصوغ الى العائلة، اما المسابقات الاخرى اكتفي بالشهادة التقديرية ولا أسأل عن الجائزة ابدا. اتذكر اني فزت بمسابقة قصصية في الجزائر وحينما فازت قصتي بالمركز الثاني كانت الجائزة عبارة عن مبلغ من المال طلبت منهم ارسال الشهادة وتبرعت بالمبلغ للمؤسسة.

- ماذا تعني لك كربلاء؟

* أرى اني كربلائي.

- ماهي اجود انواع الاسماك في الهور؟

* والله السمك بجميع اصنافه لذيذ، ولكل واحد ذوقه ورغبته، لكن (البني والقطان) لا يرقى اليهما نوع اخر.

- كيف تزف العرائس في الفهود؟

* حاليا تزف العروس بأرقى سيارة وبأحدث الموديلات، أما سابقا السفن والمواطير، حيث تخصص أحد الزوارق على ان يزين وتوضع بداخله (جباشة) لجلوس العروس الى جوارها تجلس الزافوفة ويجب ان تكون (علوية) وفي الجانب الاخر امها وبعض النسوة من الجوار والاقارب، وتحيط بزورق العروس سفن ومواطير محملة بالرجال والنساء حتى تصل الى دار زوجها.

- ماهي قصة ام محمد وسيد يوشع؟

* لكل امرأة هنا قصة مع سيد يوشع سواء كانت متزوجة ام عزباء، فهي ان مرض طفلها تحمل سيد يوشع مسؤولية ذلك وان تأخر نصيبها بالزواج، او تلك التي لا تنجب اطفالا او تلك التي تلد البنات، وأم محمد واحدة من تلك النسوة وهي الى اليوم مؤمنة بوفاة طفلنا الاول بسبب شارة سيد يوشع لأنها يوما اقسمت به بأن لا تغسل الاواني هذا الصباح لكنها حنثت باليمين، لكنها تضحك كثيرا على اولئك الذين يسجدون لأمون في قصة سيدنا يوسف الصديق وعندما تعلق تقول (ذوله مخابيل)

- هل تعطي دروسا خصوصية؟

* هناك فرق بين التدريس باجور او مجانا، نعم اعطي دروسا خصوصية بالمجان.

***

راضي المترفي

3550 موسى فرجدردشة رمضانية مع من له القدرة على شم رائحة الفساد ولو من بعيد

موسى فرج..

- تاريخ العراق القديم بدأ من السماوه منذ ما يزيد على أربعة آلاف عام

- أنا عاشق للنزاهة حد الوله واقتفي أثرها كما تفعل الفراشة في سعيها خلف الزهور

- وجاءها في المنام شيخ يلبس الأبيض من هامته الى أخمص قدميه وقال لها: نبشرك بغلام أسمه عيسى أو موسى

- من لا أخوة لها سحقتها سنابك التخلف والاضطهاد

- صحيح آنا ما (شكَيت حلوكَ) لكني كنت أقرب الى موسى اليهودي

- ما جاع فقير الا وبجانبه فاسد قد سرق حقوقه

- العلماني الذي ينادي بفصل الدين عن السياسة هو الفاسد.

قال سلام كاظم في ليلة التاسع من رمضان بعد صلاة التراويح: (كل قصير فتنة والدليل موسى فرج). وقد يصدق هذا المثل كثيرا لو حصرناه بمن اصبح دليلا للفتنة خصوصا ونحن نعيش زمنا فاسدا حد مضرب المثل بعد ان كان الفلاحون في القرى والارياف يضربون المثل بفساد ليلة الشتاء لما تحمل من مجاهيل برد ومطر وعواصف وظلام وسيول وغيرها من المعكرات فيقولون: (افسد من ليلة الشتاء) وبما اننا في زمن فاسد استلم فيه الفاسدون زمام الامور اصبح التعرض لهم او كشف فسادهم هو الفتنة الكبرى وبما ان موسى فرج ولد وفي رأسه (حساس) يشير دائما الى مواطن الفساد اصبح يعني في نظر الفاسدين هو الفتنة الكبرى والتي يجب القضاء عليها.. تعالوا لندردش مع موسى بعيدا وقريبا من انف الفاسدين..

صديقي العزيز الأستاذ الصحفي المخضرم العاشق والأنيق والودود راضي المترفي.. هلا.. وألف هلا.. لكن قبل فتحت الباب ما هذه الـ:" (كل قصير فتنة والدليل موسى فرج)..؟ من أوحى لكم بهذا الانطباع..؟

شوف عيني: آنا من خلال قراءاتي أو سماعي عن الموروث قد وقفت على قولهم: "كل طويل احمق الا عمر وكل قصير فتنه الا علي".. وهو حديث موضوع لا أساس له من الصحة بل هو من بنات أفكار المخيال الشعبي وإلا فإن سعداً الذي فداه النبي بأمه وأبيه بقوله (ص) "ارم سعد فداك أبي وأمي" طويل القامة والدليل انهم اختاروا عزت العلاليلي لتمثيل شخصيته وليس توفيق الدقن.. فهل يعقل إن النبي يفدي أبوه وأمه لأحمق..؟

ولأن الشيء بالشيء يذكر فأتذكر قبل أشچم سنه چنت أتابع التلفزيون السوري وطلع بيه معلق يحاول النيل من حمد جاسم آل ثاني أبو قطر فقال وبالحرف الواحد وعلى الهواء: حمد بن جاسم بن نعجه آل ثاني وأضاف متهكماً عندنا في اللغة العربية يقولون كل طويل أبله.. وكررها ثانية كل طويل أبله.. لكنه أنتبه فجأة فتذكر إن رقبة رئيسه بشار طولها وحدها 70 سنتمتر فاستدرك قائلاً: طبعاً عندنا دكتور بشار الأسد طويل لكنه ذكي..

ومره وفي مثل هذه الأجواء الرمضانيه كانت الحملة الإيمانية في أوج طغيانها وكان عبد الغفار العباسي فقيه الأمة في عهد صدام يقدم برنامجه التوعوي ظهيرة كل جمعه ولثقته بنفسه وبحب صدام له كان لا يهيئ البرنامج مسبقاً إنما يقرأ الرسائل الواردة من المشاهدين مباشرة ويرد عليها على الهواء فحصل إن أحد أبناء الفلوجة قد ارسل رسالة للبرنامج يقول فيها: إن أباه رجل يملك ثروة طائله وله من الأبناء 18 لكن الأب ينفق ثروته في بناء المساجد ويحرم أبنائه منها وهم جميعا مستحقين للزواج ويسعون اليه حتى ان بعضهم يصعد لسطح الدار يتلصلص على بنات الجيران.. فهل ان فعل الأب مطابق للشريعة السمحاء أم انه مجانب لها..؟ فما كان من سماحة الفقيه حتى انهال على الأب لوما وتقريعاً وخاطبه قائلاً: لك قشمر ليش العراق ناقص جوامع..؟ يا هافي البخت حارم الأولاد من الزواج وچماله يباوعون من أزروف التشاريف على بنات الجيران.. وفي هذه الأثناء حانت منه انتباهه للمصور الذي كان يغمز له بعينه من خلف الكاميرا ينبهه الى أن المقصود بالرسالة هو صدام وان ابنائه الـ 18 الذين بالغ بحرمانهم من متطلبات العيش لصالح بناء المساجد في حملته الايمانية هي المحافظات.. ! فما كان من العباسي حتى زاغت عيناه وارتجفت شفتاه وأطرق برأسه طويلاً وعندما رفع رأسه كان أول ما نطق به: الله لا يوفقك يا كاتب هذه الرساله.. ! هسا آنا بالله بيها عليها..

بالمناسبه عدنا واحد من حمايلنا توفت زوجته قبل اشهر وربعه ما كَاموله كَومة خوان وهسا احتمال يباوع على المارات من فتحة مفتاح الباب الخارجي لأن ما بيه يصعد للسطح ويباوع من زروف التشاريف..

نرجع للقصير والطويل.. في لبنان يقولون: كل طويل هبيل "خبل" وكل قصير في الأرض فتنه.. وفي فلسطين يقولون: كل طويل أهبل وكل قصير خبير.. لكنهم في الأردن يقولون: الطويل مثل صابونة الميت منين ما قبضتها تمزط..

ومع إن شيعتنا عندما يدافعون عن علي ع في هذا الجانب فإنهم يستشهدون بما ذُكر عن الحافظ محب الدين الطبري قوله: "وكان عليه السلام ربعة من الرجال يعني لا هو بالطويل ولا هو بالقصير ".. مع ذلك فأنا لا أقول غير ما قاله الغلام الهاشمي في مجلس عمر بن العزيز: إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه.. ويكفيني أن أكون في المنطقة التي يكون فيها علي قصيراً كان أم ربعه وليهنأ غيري بسعد وحفيد سعد وبشار وحمد بن جاسم وذاك الذي منين ما تقبضه يمزط..

أما عن وصفك لي بالذي يشم رائحة الفساد ولو على بعد ألف ميل وطسه ، فأختلف معك كثيراً في هذا الجانب فأنا عاشق للنزاهة حد الوله واقتفي أثرها كما تفعل الفراشة في سعيها خلف الزهور وكاره للفساد كرهي للظلم ورائحته الكريهة تستفزني بوحشية مع فارق طفيف هو ان الفراشة في سعيها خلف الزهور عندما تصطدم رائحة الفساد بأنفها الدقيق تتجنب المنطقة الموبوءة فتطير بخط متعرج بغية الوصول الى غايتها في حين أني بشر وقد حباني الله بامكانات كبيره ولا يليق بي سلوك الطرق المتعرجة بل مواجهة مصدر السوء والاشتباك معه بإصرار ودون كلل، وما معاداتي للفساد إلا حباً بالنزاهة والدفاع عن قيم النبل..

وأما عن قولك:" وبما اننا في زمن فاسد استلم فيه الفاسدون زمام الامور اصبح التعرض لهم او كشف فسادهم هو الفتنة الكبرى وبما ان موسى فرج ولد وفي رأسه (حساس) يشير دائما الى مواطن الفساد اصبح يعني في نظر الفاسدين هو الفتنة الكبرى والتي يجب القضاء عليها.. "

بما أني اسكن على مرمى حجر من مملكة جلجامش وموطن ملحمته الشهيرة "أوروك" فدعني استعير بعض مما جاء فيها.. تقول القصة: "إن خومبابا كان بمثابة الشر في الأرض وكانت ألسنة اللهب تندفع من فمه، وتجلب أنفاسه الموت" لسكان الغابة والمناطق المحيطة بها، لكن جلجامش ومعه انكيدو وبمساعدة الإلهة شمش إلهة الشمس والعدل تمكنا من قتل خمبابا الشرير.. العراق المعاصر لم يتسن له مثل جلجامش وانكيدو لمواجهة خمبابا الشرير الذي إلتهم معظم الرجال بدلاً من ذلك استعانت آلهة العهر عشتار لتستجلب الثور الأسطوري من خلف المحيطات لينشر الموت والرعب والفزع في ربوع موطنها..

المترفي: رمضان كريم..

موسى: كريم ولكن على طريقة محمد عبده القائل عندهم مسلمين بدون اسلام وعندنا اسلام بدون مسلمين.. فرمضان كريم بما ميزه الله عن بقية الأشهر لكني لم اسمع عن احد من أولي الأمر عندنا من الصائمين القانتين من فعل مثلما فعل علي بن يقطين الذي تخلى عن متاعه وراحلته على مشارف بغداد لأرملة فقيرة كانت تلتقط من القمامه ما تسد به رمق صغارها وعاد دون أن يكمل رحلته التي بدأها قاصداً حج البيت المعمور، انما الذي بلغني هو أن 50 مليار دولار أمريكي راحت على بعضهم من جراء اعلان افلاس الجهاز المصرفي اللبناني وربما مثل ذلك حصل في أوكرانيا..

المترفي: هل انت يهودي؟

موسى: في ريفنا العتيد أيام زمان كانت المرأة تقبع في قعر أكثر الفئات هشاشة، وعزوة الزوجة اخوتها فمن لا أخوة لها سحقتها سنابك التخلف والاضطهاد، حتى تبلغ الزوجة من العمر عتيا وتصبح جده فتتحول الى ملكة متوجة بروس

"الچناين" فيخطب الأبناء رضاها ابتغاء للجنة التي تقبع تحت أقدامها ويتراجع سعر الأب في البورصة الى أدنى مستوياته إلا "النچر" منهم.. وحصل ان أمي كانت العينة المثلى لهذه الحالة فكانت يتيمة الأبوين لها أخ واحد اسماعيل مات وهو في مقتبل شبابه فكانت تتقاذفها سنابك خيول التتر من أبناء عمومتها وكان النواح على الأخ الحامي ديدنها وتجري خلف كل مناسبة وفاة في المنطقة لتشبع غليلها بكاء ونواحاً على أخيها وليس على المتوفى صاحب المناسبه وحصل ان احد الشيوخ من عشيرتنا توفاه الله فسارعت أمي لحضور المأتم للنواح على شقيقها وليس الشيخ المتوفي.. وعندما لاحظت بنت المتوفي ان أمي قامت بالواجب وزياده وانها بالغت حتى كادت تختنق بعبرتها انحنت عليها قائلة: هذا أمر الله يخيتي وكفيتي ووفيتي.. فرفعت أمي رأسها وصوبت عينيها المخضلتين الى عيني بنت الشيخ قائلة بكبرياء وشمم: چا آنا أبچي على أبوچ..؟! أبوچ حظ دبان..؟ آنا أبچي على أخوي فأسقط بيد المرأة الثلاثينية بنت الشيخ الذي اختاره الله الى جواره..

في تلك الأجواء المحيطة بأمي والتي تنتظر الغيث والفرج بقدوم الأخ الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت جوراً كانت أمي حاملاً بي وجاءها في المنام شيخ يلبس الأبيض من هامته الى أخمص قدميه وقال لها: نبشرك بغلام أسمه عيسى أو موسى.. فردت عليه بعجالة: لا يمولاي أشصخم بعيسى هذا اللي اذا سطره واحد على خده يدير له خده الثاني ويكَله أخذ بعد.. آنا اريد موسى اليشكَ حلوكَ فدوه أروحلك وأخليه يصير قاري على الحسين..

وبعد أشهر وفدت الى الحياة فخيبت أملها لجهة أن أكون روزخون لكني والحق يقال طيبت نفسها لجهة مشاكستي لأبناء عمومتها بما فيهم أبي رحمه الله ولم يبقى منهم فرداً الا وشيعته الى دار حقه وهو لا يحتفظ من صورتي في نفسه إلا الازدراء والعنت.. صحيح آنا ما شكَيت حلوكَ لكني كنت أقرب الى موسى اليهودي من عيسى أبو خد وخد وهذه يهوديتي..

المترفي: من هو فرعونك؟

موسى: وداعتك من فتحت عيني على الدنيا لم يتناه الى علمي همساً وانما كنت اسمع ذلك وعلى نطاق واسع من أبي وأعمامي ان شيخ عشيرتنا وكان طاغية وأرعن قد مرَّ وأتباعه يوما على جدهم وهو يقلّب بيدر الحنطة تمهيداً لدرسه فقام الشيخ وأزلامه بتوجيه إهانة منكرة لجدي لا لذنب إلا لأنه عزيز النفس ولا يخضع له وتمادى الشيخ وزبانيته يومها حتى انهم حلقوا جانب من شاربه.. وعندما عاد الى بيته كسيراً وتحلق عليه أبناءه يستقبلونه بعد يوم عمل حافل بالعناء تمتم بينهم: لو كنتم بنات وزوجتكم لكان اليوم نسابتي ياخذون ثاري من الشيخ.. فما كان منهم إلا ولبسوا عبايات نسائيه وتسللوا الى ديوان الشيخ تحت ذريعة البحث عن شاة مفقودة لهم وبعد ان اقتربوا لمسافة أمتار عن الديوان اتخذوا وضع البروك واخرج الأوسط منهم بندقية والده نوع أم فتيله وكانت مهيأة للإطلاق وصوب على منطقة ما بين الحاجبين في وجه الشيخ فأرداه قتيلاً في الحال.. وكان من جراء ذلك أن يجلوا لبضعة فراسخ بعيداً عن سكن الشيخ ومن ثم تم حل القضية بدفعهم الدية لأهل القتيل وكانت سبع أو ثمان نسوه فصليات ومعظم جداتي انتهكت حقوقهم المدنية من جراء ذلك ولعبت بطروكَهن الزلم.. وبعد ذلك غصب جدي المشيخة عنوة مثلما فعلها معظم حكام العرب أبان النصف الثاني من القرن العشرين فدخل التاريخ من باب كتاب عشائر العراق الذي ألفه المؤرخ والمحامي عباس العزاوي بوصفه شيخ العشيره..

ومن طرائف حياة جدي هذا الذي يحمل اسم راضي وهو نفس اسمك المبارك أنه عندما يدخل الى مجلس ويفسحون له المكان يرسل طرفه سريعاً لمعرفة وجود خصم على يمينه او يساره فإن رصد خصماً رفض الجلوس على يمينه ويصر على جلوسه على يساره، وعندما سألوه عن سبب اصراره على ذلك قال لهم "ألوَّح للدچه " ويقصد أنه وتحسباً لتطور الحال الى حرب مفاجأة فإن جلوسه على يمين الخصم يعيق استلاله لخنجره وغرسه في خاصرة غريمه بينما اذا كان يجلس الى يسار غريمه فإن مهمة سحبه لخنجره وغمسه في خاصرة الخصم أسهل ولا تحتاج الى وقت طويل..

المترفي: كيف تهتدي مجساتك الى مواقع الفاسدين؟

موسى: مرات كثيرة قلتها يا صديقي مخاطباً الفاسدين في العراق قائلاً: لو كان حال الناس عندنا معاشياً وخدمياً مثلما هو عليه حال الناس في الكويت أو في قطر أو الامارات فعاتبوني لو سمعتم مني أي تقريع لكم بسبب الفساد ولكن أن يفتقد الناس في بلدي لما يسد رمقهم ويلفهم الحرمان من الدواء والخدمات والمدارس ويكتوون بالبطالة وانتم تسرقون أموالهم وتغتصبونها فذاك هو الذي لا استطيع معه قعوداً أو التوقف عن مقارعة الفساد إن بالفعل أو القول وقد كتب أحد الصحفيين العراقيين المرموقين يوما: "موسى فرج لا يهمه في مقارعته للفساد إن وقع على صخرة الحق أو وقعت صخرة الحق عليه".. فأنا لست متاجراً بهذا أو هاوٍ انما يكفيني ردم الهوة في تمتع العراقيين بخيرات بلدهم وهذا كل ما في الأمر..

المترفي: هل للفساد رائحة؟

موسى: ما جاع فقير الا وبجانبه فاسد قد سرق حقوقه فأسأل عن الفقير والمحروم والعاطل عن العمل تعرف الفساد وتجد الفاسدين أخي الكريم هل تعلم إن موازنات العراق السنوية تحتل المرتبة الثانية بعد الموازنة السعودية كأضخم موازنة في المنطقة العربية وشمال أفريقيا وهل تعلم إن حجم الموازنات السنوية في العراق يفوق موازنات خمس من الدول المجاورة في حين تفوق معدلات الفقر في العراق معدلاته في كل الدول الخمس مجتمعة.. وهل تعلم ان حجم الايرادات النفطية للعراق للشهر الفائت وحده أكثر من 11 مليار دولار أمريكي وهو ما يفوق الموازنات السنوية للأردن وفلسطين مجتمعتين ولسوريا ولبنان مجتمعتين أفبعد هذا تسألني عن رائحة للفساد..؟

المترفي: ماهي المسافة بين الشيخ والراعي؟

موسى: ألم أقل لك إن والدتي كانت مشروع فصليه من بين الفصليات اللاتي بذلها أجدادي كدية عن قتلهم الشيخ المرحوم لولا انها كانت بنت أخت الشيخ فقالوا حينها: بنت أختنا تحسب على المعسكر الصديق ولا يمكن ان نقبلها فصلية نسعى للانتقام منها ثأراً لفقيدنا ولولا ذلك لكنت اليوم ابن شيخ واحتمال ألبس عباءه شغل الحي مثل عباءة حمودي الكناني لكنها مزينة بالكَلبدون..؟ الطريف بالأمر أن حفيد المرحوم وكان رحمه الله صديقي وشيخ عشيرتي تنبه في السنوات القليلة التي سبقت عام 2003 الى قضية النقص في تأدية أجدادي لدية جده فطالب بأختي تعويضاً عن أمي فما كان مني الا وقد أغرت بحركة التفافية بالغة الدقة على بنت أخته وتزوجتها فتغديت به قبل ان يتعشى بي..

لقد عاصرت الجيل السابق من شيوخ العشائر في المثنى وكانوا في معظمهم أفذاذ وأدركت الجيل الحالي من شيوخ العشائر في المثنى فتحديت يوماً ومن على شاشة احدى الفضائيات أي منهم يزعم أنه بلغ كاحل أباه.. أنا لا أكره الشيوخ بل أكره منهم المتسلط والفاسد وهذه هي المسافة بيننا بوصفي ما زلت احمل في بطاقة الأحوال المدنية خاصتي وفي حقل المهنة بالذات "راعي"..

المترفي: ما رأيك بمن يستطيب الترمل وهو قادر على الزواج؟

موسى: شوف عيني خوب آنا حداثوي وتقدمي ومناصر لقضايا المرأه منذ نعومة أظافري وبتأثير مباشر من أمي التي كانت تلقنني مظلوميتها من الرجال قساة القلوب كما يلقن رجال الدين الشيعة مظلوميتهم من الحكام الجائرين لكن المفارقة هي ان أمي عندما شعرت بتحقق العدالة لها من الرجل باتت راضية وغمرتها السعادة وانقطعت عن ممارسة عادتها القديمة بالذهاب الى فواتح الناس كي تبكي أخاها وتنتظر الموعود الذي يأخذ بثأرها منهم ، في حين ان هؤلاء الأدعياء من بعض رجال الدين الشيعة باتوا هم الحاكم بأمره فاستباحوا كل شيء الى الحد الذي انقلبت فيه مقولتهم العتيدة "تالله ما فعلت بنو أمية معشار ما فعلت بني العباسِ" عليهم هم بالذات فصاحت الناس منهم الويل لأن كل ما اجترحه الحكام خلال الأزمنة الغابرة لا يعادل ما اجترحه ساستهم وحكامهم ومع ذلك ما زالوا سادرين

بسرد مظلوميتهم من الحكام الجائرين.. مع ذلك ورغم اصطفافي المبدئي مع قضايا المرأة لكني أرفض ثلاثاً وأؤيد واحده..

أرفض خلو حياتي من المرأه رفضاً قاطعاً لأهميتها القصوى في حياتي ومن يطلب مني الصبر على فراقها أسبوع عليه أن يخرج سمكة من الماء لأسبوع ويخبرني إن كانت باقية على قيد الحياة ، وأرفض المعاملة الخاصة للمرأه بوصفها العنصر الأضعف فلا أؤمن بالكوتا بتاتاً بل أقف بجانبها على طريقة " بدلاً من أن تمنحها سمكة أعطها سنارة وعلمها فنون الصيد واطلب منها نتائج"، وارفض توقف الحياة للزوج أو الزوجة من جراء الترمل أو أي شكل من أشكال الافتراق حتى أن صديقي الأرمل عندما شاورني يريد رأيي قبل اسابيع بوضعه الراهن قلت له: كل اليصير وياه مثل الصار وياك وماعنده غيرها يتصخم وجهه ووجه الخلفوه.. قال ألا يعد ذلك ذكورية فجة من جانبك..؟ قلت ابداً لأني أؤمن بتكافؤ الفرص.. هيه همين لا بأس ان تحط عينها بحياتك على واحد بس مو تروح ويّاه زايد واذا حاول اغواءها تقول له: اريدك للشده يا الغالي.. ومن يتصخم وجهها ووجه الخلفوها تروح عليه وتكَله كَوم ليا هذا يومك..

أما الحالة التي أؤيدها في من يستطيب الترمل وهو قادر على الزواج فهي الحالة التي افتى بها المرحوم المهداوي في محكمة الشعب عام 1959 يوم سأل احد أركان الحقبة الملكية عن عمره فأجابه خمسين.. وعندما سأله عن الحالة الاجتماعية له وقال أعزب لحظتها انتفض المهداوي كمن لدغته عقرب فصاح في وجهه قائلاً: كل من تجاوز الأربعين ولم يتزوج فإنه شاذ.. لكن ماجد محمد أمين بادر لتنبيهه بشأن أمر حساس فاعتدل المهداوي سريعاً في جلسته وجاء صوته مجلجلاً: إلا الزعيم الأوحد فقد تزوج الثوره.. هسا يابه اذا صاحبك اللي "يستطيب الترمل وهو قادر على الزواج" بيه يفجرها ثوره بوجه طغمة الفساد والمحاصصه عمي نقبله ونؤيده ليمضي عمره بيننا بتولا ويلق ربه دون أن يمسسه بشر..

المترفي: هل سبحت ضد التيار؟

موسى: يمكن سنتين أو ثلاث كنت خلالها من ضمن التيار وهي سنوات عبد الكريم قاسم وفيما عداها كل سباحتي ضد التيار ليومك..

المترفي: ماهي اهمية الاطار؟

موسى: ان كنت تقصد التيار التنسيقي فأهمية انبثاقه تكمن في ان ذلك يشكل بداية تهشيم أطر المكوناتية والطائفية والمحصصاتية في العراق إن استمر التعتعت بينه وبين التيار.. ورغم إن قولي هذا يزعج القائلين بالمذهب لكن بعض العلاقات علاجها في هدمها على رأي فيكتور هيجو ونأمل أن تنحو "المكونات" الأخرى هذا المنحى أيضاً ايذانا للمباشرة في بناء صرح المواطنة والعراق الواحد ولو استغرق انجاز ذلك عقوداً بسبب الركام الهائل الذي يتعين رفعه من على وعي الناس..

المترفي: على ماذا يبكي يحيى السماوي؟

موسى: يحيى.. طال بكاءه يا حبة عيني كثيراً، أبان انتفاضة آذار 1991 ضد دكتاتورية وقمعية واستبداد نظام صدام فلن أنس هيئة يحيى وهو يلوح بقميصه في الهواء صارخاً: اخلعوا قمصانكم الحزبية والتئموا على العراق.. ولكن بدلاً من أن يتحقق له ذلك جاءت السنوات لتفصح عن جبب طائفية وشراويل عرقيه ويشاميغ عشائريه ودشاديش مناطقيه الى جانب بقاء القمصان الحزبية يلتفع بها عشاقها.. فامتد بكاء يحيى وطال أمده لكن عزاؤه بوجود الطيبين من ابناء بلده العراة الا من حب وطنهم وشعبهم..

المترفي: لمن يكتب صالح الطائي؟

موسى: بل قل الأثير والنبيل والمفكر التنويري الدكتور صالح الطائي العائش في غير زمانه وجريرته أنه يدعو لربه وعراقه وقيمه بالتي هي أحسن في وقت يتسيد فيه السراق والقتلة وقطاع الطرق ولا يفيد منهج الدعوة بالتي هي احسن لكني ألحظ ان تحولاً طرأ عليه فقد بات مواجهاً السوء عنيداً وكثيراً ما يردد الآية الكريمة: فبأي آلاء ربكما تكذبان..؟يولاد الوسخه..؟

المترفي: على ماذا (يون) حمودي؟

موسى: في وصيته لنجله الحسن قال علي ع ليلة استشهاده "أحب لأخيك ما تحب لنفسك" حمودي الكناني أنا أحب له أن ينسجم مع تسميتي له ابو عليا.. ليأخذ سهمه من بين فكي الذئب لكنه يأبى ذلك ويصر على اعتماد منهجه المسالم مغلفاً ذلك بنزعة وفائيه عقلائيه مستهلكاً ذاته مثل شمعة تذوب ويترفع عن قرص هذه أو تلك من النسوة اللاتي يتجاذبن الدراميات معه وأيضا يرفض أن يكون انتهازيا كما يريد له العزيز سلام كاظم فرج ذلك فيحل الثوب عن نهدي محدثته على ان يختارها خمسينية فاح الألق من عينيها.. وان يعلق في صدر مهجعه قوله طاب ثراه: حزن اليموت اسبوع وحزن العدل دوم..

المترفي: هل انت تدري او مثل الدكتور لاتدري؟

موسى: لو ما أدري چان انفرت مرارتي مثله بس آنا أدري شوَّكت آكل دسم وشوَّكت أحجم..

المترفي: لماذا يمارس الاختفاء سلام كاظم؟

موسى: الله يطول بعمر أختنا الأديبه سنيه عبد عون فقد يكون لها في ذلك رأي.. لكنه أخبرني انه في هذه الأيام مهتم بالحديقة وكنت قبل ذلك أحسب أني بين القلة في هذا المنهج وأنا أؤيده في هذا بحراره بعد إن وقفت على ديدن الناس خارج البيوت هذه الأيام فوجدته لا يتعدى التكنك بالموبايلات..

المترفي: من هو الفاسد؟

موسى: في أوساط الفقه الاسلامي بعضهم ذهب الى إن خروج المرء على الحاكم عادلاً كان أم جائر فساد ومن يرتكب تلك الكبيرة فاسد وبعضهم ذهب الى ان شارب البيرة هو الفاسد وفريق ثالث قال العلماني الذي ينادي بفصل الدين عن السياسة هو الفاسد والأنثى التي لا تلبس الحجاب هي الفاسدة.. وفي أوساط الفقه في ربوع الرافدين يعتبرون من يحلق لحيته مثلك ومثلي بالموس فاسق وآخرين اعتبروا الفن والرسم والنحت والموسيقى هي الفساد ومن يزاولها فاسد وبعضهم اعتبر عدم لبس الحجاب بالنسبة للمرأة فساد فهي فاسدة.. لكن كل ذلك خزعبلات وعاظ السلاطين فالقرآن الكريم حدد الفاسد بقوله: "اذا تولى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"، وأراد من الانسان أن يكون سلوكه نقيض سلوك الفاسد فأصدر أمره الحاد والحازم والقطعي: "فاستقم كما أُمرت.. "

وبالنسبة لي الفاسد هو من يجنح عن الاستقامة في الفعل والقول وسواء تم تجريم الفعل أم لم يجرّم..

المترفي: كيف تصنع مقالبك؟

موسى: عندما أحب شخصاً أقالبه وسواء عندي أكان الشخص ذكراً ومقالبته تكون بالمزاح المحبب أو أثنى ومقالبتها تكون بطرق تكنيكية أعمق..

المترفي: عندما دخل الانكليز العراق قاد اهل السماوة الثورة.. لماذا لم تكرروا فعل اباؤكم مع ابناء العم سام؟

موسى: يوم 9/ 4/ من كل عام يتصاعد الخلاف ويحتدم الجدل بين العراقيين فالبعثيين وانصار صدام ونظامه يرون فيه يوم احتلال العراق ليس الا ويتجنبون النظر الى انه يوم سقوط نظام صدام الدكتوري القمعي الدموي المستبد أيضاً وهؤلاء يشجبون المناسبة ،وبين الغالبية العظمى من العراقيين الذين يرون فيه يوم سقوط نظام صدام الدموي القمعي المستبد الذي استباح كرامتهم ودماءهم وارواحهم وسحق حريتهم ومستقبلهم وتسبب في تهشيم بلدهم وفتح مصراعيه للإحتلال.. فهم يحتفلون بالمناسبة باعتبارها يوم الخلاص والانعتاق من ربقة نظام قمعي قاتل مستبد جائر.. فإذن الفيصل بين الفئتين ليس العراق كما يدعي كل منهما بل نظام صدام أنا من بين الذين ينظرون الى الأمر من زاوية مختلفة فأرى فيه يوم سقوط نظام جائر ظالم ويوم احتلال غاشم فأنظر لهذا الجانب على حقيقته وانظر لذاك الجانب على حقيقته أيضاً.. وكنت مره قد كتبت في يوم 9/ 4 مستعيراً حالة واجهتها شريحة من العراقيين وهم تحديداً الأيزيدين عندما احتلت داعش ديارهم فواجهوا منهم القتل والسبي وانتهاك الكرامة والأعراض والدمار وتساءلت يومها: لو ان تحرير الايزيدين من داعش جاء على يد الامريكان أو الاسرائيلين في تلك اللحظة هل يكون موقف الأيزيدين رفضه بحجة ان الخلاص لم يأتي بفعلهم المجرد وحده أم انهم يفرحون بانعتاقهم ويعدون العدة للعودة الى قراهم وتعميرها ومواصلة حياتهم من جديد بعيداً عن داعش والطرف الذي حررهم من داعش.. موقف العراقيين عموماً بعد يوم 9/ 4/ 2003 كان يجب أن يكون هكذا لكنهم ابتلوا بالانحشار بين حجري رحى حجر البعثيين وانصار صدام الذين لا يشفع لهم إلا فساد ومحاصصة وفوضى الحكام الجدد وحجر حكام الفساد والمحاصصة والفوضى الذين لا يشفع لهم إلا سوء ودموية واستبداد ودكتاتورية صدام ونظامه..

فالناس في السماوة يا صديقي شأن الغالبية العظمى من العراقيين كان وضعهم يوم 9/ 4/ 2003 مماثل لوضع الأيزيدين أبان احتلالهم من قبل داعش.. كانوا يتوقون للخلاص ولكن كان عليهم وكل العراقيين ألا يستسلموا كلياً للفساد والمحاصصة والفوضى بل يبادرون للانخراط في بناء نظام الحكم الصالح في العراق.. وهذا مالم يحصل مع الأسف حتى تغول نظام الفساد والمحاصصة والفوضى وباتت معالجته شبه مستحيله..

المترفي: هل (صوفتك حمره) حقيقه او صبغ؟

موسى: أنا أعشق النبل والجمال في السلوك والطبيعة والأنسان والنبات وأحب الحياة ومغرم بالثقافة وأذوب في المرأه المتوازنة جميلة الخُلق والخلقه ولا أطيق المرأة سيئة الطباع.. وأنا مجبول على التمسك بسجايا محدده: انساني لا قومي ولا طائفي ولا عشائري ولا مناطقي ولا فئوي، منفتح وغير منغلق، تقدمي وليس رجعي، حقيقي وليس مظهري، ودود وليس ذيلي، مولع بالإباء حد الخبل وأمقت الظلم والسلطوية وأميل الى المجابهة وأمقت الإذعان.. لا أدعي إن ذلك متوافر كله فيَّ لكني متمسك بأهدابه تمسك الغريق بـ كَشايه..

مره كنت وصديق لي نتجاذب أطراف الحديث في احدى المقاهي في السماوة واراد أن ينتقدني ولكنه كان متردد حباً بي أو تجنباً لردة فعلي فقال متمتماً ومتعتعاً بعد تردد: أنت تدور طلايب.. فضحكت حتى أدمعت عيناي وقلت له: شوف أبو علي وداعتك هسا أحنا مو كَاعدين على هاي القنفه نسولف..؟ أفرض ثنين كَاعدين بالقنفه المجاوره وأحدهم يشكو لصاحبه من ظلم وقع عليه وسمعته، وداعتك أعوف السوالف وياك وأكَوم يمه أسأله منو الظالمه فاذا تبين أنه شخص فرد أكَله كَوم وانا وياك نكَدرله يكَدر علينا مو مهم.. واذا الظالمته سلطه "بوكتها صدام" وبهاي الحاله ما نكَدر عليها أكَله ألك عندي أشتّم بيها مناه لمثل هيچي وكت باچر.. وهذه الخصلة سجلتها عني رسمياً هيئة النزاهة قبل أن أكون رئيساً لها في تقريرها الموجه الى رئيس الحكومة والخاص بتقييم المفتشين العموميين يوم

كنت مفتش عام فقد كتبت أمام اسمي عبارة: جيد جداً ولا يجامل.. وكانت أعلى درجة تقييم بينهم..

آنا هاي صوفتي حمرا خضرا ما أعرف.. أنت شلون تصنفها براحتك..

استدراك.. طبعاً آنا أعرفك عليمن تبحث.. تريد تعرف انتمائي السياسي تحديداً ومن عظمة لساني وحتى ليروح بالك أني اتهرب من الإجابة على سؤالك أقول لك الآتي: بسنة 1960 وكنت في الثالث الابتدائي ويومها التنافس بين الشيوعيين والبعثيين على اشده والمعلمين من كلا الطرفين يتعاملون معنا نحن التلاميذ تعاملهم مع الطين الإصطناعي كل يريدنا على الهيئة التي يريد كان واحد من المعلمين طويل القامه مثل بشار الأسد وشايل خيزرانه أطول مني من يطلع من الإدارة بعده بالممر قبل لا يدخل لصفنا يباشر بترديد قصيدته المعتاده " بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان.. " ويثبرنا شفته العليا طايره ولازكَه بمناخيره ويضرب بالخيزرانه على السبوره فأمتعض منه أيما امتعاض.. بالحصه الوراها يجينا معلم ودود حبوب هيئته تشبه هيئة عبوسي بمسرحية تحت موس الحلاق يبدأ على بركة الله: صداقه سوفيتيه ويا الصين الشعبيه.. ضد الاستعمار.. أصبحنا أحرار.. سجل يا تاريخ.. فيأسرني المعلم بسلوكه الودود وكلماته.. بعد إن رن الجرس لانتهاء الحصة ألتفت الى زميلي نزار الذي يشاركني الجلوس على الرحله الخشبية وسألته: أنت شنو..؟ كَال بعثي.. سألته ليش..؟ كَال مو أبوي بعثي.. النوب هوه ألتفت عليَّ وسألني: وانت شنو..؟كَلتله شيوعي.. كَال ليش..؟ كَلتله هذا ابو تطوان ما أحبه.. ومن يومها وانا انتمي للسجايا والخصال وليس المسميات ويساري على طول الخط وما بدلت تبديلا.. وصوفتي بينتها وانت وضميرك..

المترفي: السماوة تتعرض لحملة من ابناء الــ.. لماذا؟

موسى: لم ألتفت حقيقة الى تلك "الحملة التي تتعرض لها السماوة من أبناء الـ.. " بما يكفي ولكني قرأت بعض الردود عليها وهي تشيد بالسماوة وأهل السماوة من عراقيين ينتمون الى محافظات مختلفه، لكن الذي آلمني حقاً هو تعليق لأحدهم لا أدري هل هو مجرد قارئ ومراقب أم انه احد عناصر تلك الحمله والذي تساءل فيه قائلاً: اذا كان أهل السماوة كما تصفون لماذا تتصدر محافظات العراق في الفقر والحرمان والبطالة وانعدام الخدمات..؟ وفي هذه الحالة لا أجدني منساقاً للتغني فقط بخصال السماوة وأهل السماوة المعروفة لكل العراقيين من حلو المعشر والثقافة والكرم والإباء والتاريخ التليد لكني أحاول إنكاء الجرح لعل القوم يستفيقون..

منذ ما يزيد عن 10سنوات قلت في الفضائيات وكتبت في وسائل الاعلام مسلطاً الضوء على الظلم الفادح الذي لحق بالسماوة واهلها سواء كان ذلك الظلم صادراً من الحكومة المركزية أو المحلية بحقها وأهلها مستنهض فيهم روح الشمم والإباء التي طبعوا عليها فأشرت الى الآتي:

أولا: مكانة السماوة وسبق فضلها:

1. تاريخ العراق القديم بدأ من السماوه منذ ما يزيد على أربعة آلاف عام وهذه الوركاء "أوروك" على مرمى حجر تُسمِع من به صمم..

2. تاريخ العراق الحديث بدأ من السماوة وحاضنتها المثنى منذ ما يزيد على المئة عام ونيف في ثورة العشرين وهذه الرميثه والسوير وحسيچه ومحطة قطار السماوة تشهد وتُسمع من في سمعه وقرُ..

3. بعد عام 2003 المثنى هي السباقة في خلع رداء الاحتلال عنها فهي أول محافظة من محافظات العراق تسلمت الملف الأمني وغادرتها القوات الأجنبية..

4. السماوة كانت محطة انطلاق لأحرار العراق طيلة النصف الثاني من القرن العشرين الى نكَرة السلمان وهي محطة استقبال قطار الموت الرهيب عام 1963 الذي حشر فيه خيرة احرار العراق والذين أريد لهم الموت فيه اختناقاً..

5. والسماوة رفدت العراق كل العراق بمواقف أبناءها في الإباء والشرف والرجولة وبكل ما هو جميل من ثقافة وأدب وفن ونبل وكرم وطيب المعشر حتى ان المقولة الأكثر تداولاً عنها إن من يفد اليها من موظفي الحكومة منقولاً يبكي من جراء بعدها ولهيب صيفها لكن الذي يفارقها عائداً يبكي أيضاً ولكن بحرقة أكثر لأنه سيفارق طيب المعشر والنبل والشهامة وكرم الأخلاق الذي يتجسد في سجايا وسلوك أهلها..

ثانياً: لكن السماوة وحاضنتها المثنى نكبت بعد عام 2003 أيما نكبه وباتت:

1. تتصدر محافظات العراق في معدلات الفقر والحرمان والبطالة وانعدام الخدمات حتى بلغت نسبة الفقر على مستوى المحافظة 52% وعلى مستوى الريف 75%..

2. لم يذكر اسم المثنى تحت قبة البرلمان وعلى مدى 10 سنوات قط..

3. اذا كان بعض من أبناء وبنات الـ.. قد تنمر على السماوة في الأسابيع الأخيرة فإن رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني سبق الجميع الى ذلك عندما قال متهكماً بمناسبة تسمية أحد احزاب المحاصصة لعضو بديل من ديالى حل بديلاً عن عضوة مجلس نواب متوفاة من السماوه فقال المشهداني متهكما: اذا زلم ماكو بالمثنى نسوان همين ماكو تعوضون التموت من نوابها بواحد من ديالى..؟؟

ثالثاً: من ارتكب الخطيئة بحق السماوة..؟

1. احزاب المحاصصة أهملت السماوة وحطت من قدرها لا لسبب انما فقط لأن عدد نوابها قليل قياساً بالمحافظات الأخرى فبخسوا قدرها ولم يحترموا مكانتها وتاريخها ففقدت فرصتها من جراء غلبة الكثرة على الشجاعه حتى ان نوري المالكي وفي ذروة الترويج لانتخابات عام 2014 وضع هو والشهرستاني حجر الأساس لمصفاة نفط في كربلاء بكلفة 6 مليار دولار وفي نفس اليوم اصدر قرار بإلغاء مصفى النفط في السماوه والديوانيه فقلت وقتها "وقولي موثق على أكثر فضائية" المثنى أولى لأنها تملك مصفى منذ عشرات السنين والخبرات متوفرة فيها أكثر من غيرها ثم ان كربلاء فيها معدلات الفقر والبطالة أقل فلماذا يُبخس حق المثنى..؟

2. الحكومة المركزية: قلت تكراراً وفي لقاءات متلفزه ان الحكومة المركزية تمارس التعسف بحق المثنى وتسببت في افقارها لأنها بتخصيصاتها الشحيحة للمثنى تخالف الدستور الذي نص على ان التخصيصات توزع بين المحافظات طبقاً لعدد السكان زائداً المحرومية وليس عدد السكان فقط وما دامت المثنى تتصدر بقية المحافظات في معدلات الفقر والحرمان والبطالة فإنها تستحق تخصيصات بنسبة مضاعفه ولكن لم يلتفت الى ذلك أحد..

3. سبب عدم اهتمام الحكومة المركزية بالمثنى والسماوه هو تركيبة اعضاء مجلس النواب المحسوبين على المحافظة فولاءهم محسوم لقيادات أحزابهم في بغداد وليس لأهل المثنى ولم اسمع نائباً عنها استقال احتجاجاً على تفشي الفقر والبطالة فيها..

4. الفساد والفشل في الحكومات المحلية المتعاقبة في المحافظة..

5.توزع شيوخ العشائر في الولاءات لقيادات أحزاب السلطة بدلاً من الولاء لمحافظتهم وابناء عشائرهم خلافاً لمنهج آباءهم.

6. حتى المثقفين من ابناء المحافظة كثيرون منهم بات يغلب انتماءه العشائري على انتمائه للمثنى والسماوة ومع ان الانتساب الى العشيرة لا يشكل حالة مستنكرة ولا مرفوضة ولكن فرق بين ان تقول أنا مسلم من المذهب السني او المذهب الشيعي وبين أن تقول سني أو شيعي مغلبا الفرع على الأصل..

فإذن نصرة السماوة بوجه المتنمرين عليها لا تكون بتعداد فضائلها فقط بل معالجة الداء الذي أتاح للمتنمرين التربص بها..

المترفي: كم موسى في السماوة؟

موسى: من حيث البصمة فقد خص الله كل واحد من عباده ببصمة خاصة به وأما من حيث المشتركات فالسماوة تعج بهم..

المترفي: اين يقع جامع وشارع موسكو في السماوة؟

موسى: في قلب السماوة النابض هذا بالنسبة لجامع وعزا موسكو أما بالنسبة للشارع فلا أعرف شارعاً بهذا الاسم في السماوة.. وجاءت التسمية لأن معظم الذين يشاركون في هذا الموكب في موسم عاشوراء وخصوصاً في حلقات اللطم يتبنون الفكر اليساري ومعظمهم شيوعيين وكان من أقوى المواكب في السماوة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي واتذكر أني كنت في احدى الليالي واقفاً بين المتفرجين فنزل عزا موسكو في بطن السوق المسقف بالچينكو فإرتج السوق لصوت اللطمية المهيب وفي هذه الأثناء أحسست أن يداً تمسك بذيل بنطلوني وتسحبه للأسفل فتنبهت الى ذلك فاذا بها عجوز جالسة لا تقوى على الوقوف تسحبني من بطلوني تريد مكالمتي وعندما انحنيت برأسي لأتبين ما تريد قوله: قالت: يمه هذا عزا موسكو..؟ قلت نعم يا خاله عزا موسكو فقالت: چا خل أكَوم.. فعرفت انها من قدامى المحاربين.

وحقيقة كان عزا موسكو بمثابة بيت للثقافة السياسية ففيه تسمع الموقف من السلطة ومواقفها من قضايا الشعب بل وتسمع حتى الأخبار فمثلاً كنت في الأول متوسط وسمعت في ردتهم مفردة الرميلة فحسبتهم أول الأمر يتكلمون عن الرملة الفلسطينية ولكن عندما أصغيت بانتباه وجدتهم يتحدثون عن تنازل البعثيين عن حقول الرميلة لحكومة الكويت عام 1963 مقابل رشوة مقدارها 30 مليون دينار كما ورد في مذكرات القيادي في تلك المرحلة حردان التكريتي التي كتبها قبل ان تغتاله عناصر مخابرات صدام في باب المستشفى الكويتي..

المترفي: يتهمك كناني بالنكوص عن وعدك بتوريط حمودي كيف تدافع عن نفسك؟

موسى: لم انكص انما حببت له الزواج بأربعينية أو خمسينيه لتحل محل المرحومة زوجته المتوفاة ورغّبته فيه واخبرته ان روح المرحومة ستبارك هذا الزواج لأن من يحب لا يريد لمن يحبه أن يكون حبيس الماضي بل الانطلاق في رحابها ما دامت الحياة مستمره فحسبني وعدته بتدبير زوجة له من عشيرتي وكتب من عرينه في كربلاء انه يفضل الزوجة من بني أحچيم "عشيرتي" لأن الحچيميات مال عر وجر على حد وصفه فكتبت له محتجاً: هو انت ورهطك من الأصدقاء بما فيهم المتكلم مال عرّ وجرّ..؟ يمعود واحدكم ينراد يقرون نص ديوان المتنبي عد راسه بلكي يحرك جفونه.. وينكم ووين العر والجر انتظرني أجيلك لكربلا ومناك نروح نزور الحر بلكي نلكَيلك لبنانيه فاهيه تتحملك قربة لوجه الله..

المترفي: كيف تخطط للفتنة؟ كنت مفتش عام فقد كتبت أمام اسمي عبارة: جيد جداً ولا يجامل.. وكانت أعلى درجة تقييم بينهم..

موسى: آنا هاي صوفتي حمرا خضرا ما أعرف.. أنت شلون تصنفها براحتك..

استدراك.. طبعاً آنا أعرفك عليمن تبحث.. تريد تعرف انتمائي السياسي تحديداً ومن عظمة لساني وحتى ليروح بالك أني اتهرب من الإجابة على سؤالك أقول لك الآتي: بسنة 1960 وكنت في الثالث الابتدائي ويومها التنافس بين الشيوعيين والبعثيين على اشده والمعلمين من كلا الطرفين يتعاملون معنا نحن التلاميذ تعاملهم مع الطين الإصطناعي كل يريدنا على الهيئة التي يريد كان واحد من المعلمين طويل القامه مثل بشار الأسد وشايل خيزرانه أطول مني من يطلع من الإدارة بعده بالممر قبل لا يدخل لصفنا يباشر بترديد قصيدته المعتاده " بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان.. " ويثبرنا شفته العليا طايره ولازكَه بمناخيره ويضرب بالخيزرانه على السبوره فأمتعض منه أيما امتعاض.. بالحصه الوراها يجينا معلم ودود حبوب هيئته تشبه هيئة عبوسي بمسرحية تحت موس الحلاق يبدأ على بركة الله: صداقه سوفيتيه ويا الصين الشعبيه.. ضد الاستعمار.. أصبحنا أحرار.. سجل يا تاريخ.. فيأسرني المعلم بسلوكه الودود وكلماته.. بعد إن رن الجرس لانتهاء الحصة ألتفت الى زميلي نزار الذي يشاركني الجلوس على الرحله الخشبية وسألته: أنت شنو..؟ كَال بعثي.. سألته ليش..؟ كَال مو أبوي بعثي.. النوب هوه ألتفت عليَّ وسألني: وانت شنو..؟كَلتله شيوعي.. كَال ليش..؟ كَلتله هذا ابو تطوان ما أحبه.. ومن يومها وانا انتمي للسجايا والخصال وليس المسميات ويساري على طول الخط وما بدلت تبديلا.. وصوفتي بينتها وانت وضميرك..

المترفي: تشتاق لمن؟

موسى: لزوجتي ومن ثم أصدقائي.. هذا على صعيد الأشخاص ، اما على صعيد الاعتباريات فحقيقة أشتاق لناس الستينيات والقيم المجتمعية السائدة وقتذاك، واشتاق للنبل في المواقف والسلوك..

المترفي: تحب من؟

موسى: أحب أبنائي حتى يكبروا وأطفالهم حتى يكبروا بدورهم والطفولة بشكل عام.. واحب النبات وأقضي فيه جل يومي فليس مثل عالم النبات عالم..

المترفي: تبحث عن ماذا؟

موسى: ابحث عن السعادة الفردية الناتجة عن رخاء وسعادة مجتمعية والناتجة بدورها عن نظام حكم صالح مبني على المواطنة وعدم التمييز بين العراقيين أيا كانت جذورهم الأثنية أو العرقية أو الدينية أو المذهبية فأنا قد شهدت الدكتاتورية والاستبداد بأبشع صوره وشهدت المحاصصة والطائفية والفساد بأحلك مظاهرها وأتوق لأدراك عهد الرخاء والتآخي في ربوع أرض السواد..

المترفي: هل نسيت شيئا؟

موسى: نعم.. نسيت أن تحث أصدقائنا وأحبتنا إن التئموا على بعضكم ايها الاصدقاء فليس في طبع الليالي الأمان ولا تفوتوا الفرصه فنحن على مشارب شتى ولسنا جميعاً من الفئة الناجية فنضمن اللقاء في الدار الأخرى..

***

حوار: راضي المترفي 

مرورا بالمسيب وإختفاءً في سدة الهندية.. دردشة رمضانية مع الأديب الناقد الأستاذ سلام كاظم فرج.

- سلام كاظم:

يبدو إنه قد أراح ركابه أخيرا عند مشارف ناحية أبي غرق في حلة صفي الدين..

- ماركس وانجلز أكثر مما استفاد الشيوعيين

- الاممين لم يكونوا مخلصين للماركسية

- التحقت بالحزب الشيوعي وانا في الرابع اعدادي وقرأت الكثير من الكتب الحزبية

- اعتقلت وعذبت وخسرت حب صباي الأول

- الشيوعيون بعضهم مزيف وبعضهم مخلص

- الانتهازي الذي توفرت له حبيبة ان لم ينتهز الفرصة ويحل الثوب عن نهديها سيندم ندامة السياب وليس الكسعي

***

المترفي: نقطة الخلاف بين الأمميين والقوميين هي الجغرافيا ولا شيء آخر غيرها حيث يحاول الأمميون مد نفوذهم على الكوكب من خلال الاقناع والشعارات البراقة والكلام المعسول والأحلام وإن عجزت كل هذه الاسلحة فإنهم على استعداد لتكرار ربيع براغ أو الإتيان بشتاء كابل على ظهور الدبابات وقد لاتكون اوكرانيا آخر المثابات ولا فرق عندهم بين أحمر واسود وأبيض وليذهب المخالفون إلى الجحيم أو إلى صقيع سيبريا..في حين يسعى القوميون إلى فرض سيطرتهم على البقاع التي يقطنها من يماثلونهم في اللون ويشاركونهم في العرق واللغة والتاريخ وقد يكون القوميون أكثر وضوحا من غيرهم إذ لايحبذون سلاحا غير البندقية والدبابة ومهاجمة القصر الحكومي بعد أن تعد الطبخة أو المؤامرة خلف أبواب مغلقة وفي النهاية يلخص هدف الطرفين.. أحد الأعراب سألوه.. ماذا تتمنى؟ قال: الجلوس على السريروالسلام عليك ايها الأمير.. واليوم تعالوا ندردش مع درويش ذي صوفة حمراء..

ــ أما أن تخبرني كم يوم بقي من رمضان أو تقسم بالعباس إنك شيوعي..

سلام: تحية لك عزيزي الاستاذ راضي المترفي الكاتب والإعلامي والمحاور القدير وتحية لمقدمتك الرائعة والتي لن أدعها تمر بسلام وسأختلف معك عليها إختلافا كبيرا.. فهمت من مقدمتك أن ثمة تشابها بين ما يسمى بالقوميين ومايسمى بالأممين في الأهداف والمبررات بمعنى ان الطرفين إمبرياليين.. لنتعرف اولا على الأممي ثم القومي.. ومن خلال ذلك ستعرف موقفي.. وهل انا قومي أم أممي أم إسلامي... الأممي كما أفهمه ذلك الانسان الذي يقدم الإنسانية على ما عداها من الإعتبارات.. ذلك الإنسان الذي يعتبرنفسه إبن الكرة الأرضية ويعتبر نفسه معنيا بمصير كل البشر بل كل الكائنات في الكون من نبات حيوان.. ويسعى للتخفيف من التمايز الطبقي والعرقي والجنسي..

أما القومي فهو ذلك الانسان الذي يكرس حياته من أجل خدمة بني جلدته..والسعي للإرتقاء بهم.

مقدمتك صحيحة لكنك تتحدث عن النتائج الكارثية التي حدثت في القرن العشرين نتيجة الصراع بين الرأسماليين والشيوعيين وشتان بين من يسعى لإستغلال الشعوب ومن يسعى لتحررها وانعتاقها..

المفارقة ان الأممين لم يكونوا مخلصين للماركسية بجوهرها الانساني والمفارقة ان الرأسمالية استفادت من إطروحة ماركس وانجلز أكثر مما استفاد الشيوعيون فعالجت الثغرات في طبيعة انظمتها وتخلصت من بعض مظاهرها الإستغلالية البشعة وصارت اكثر انسانية وقدمت منظومة قيم انسانية افضل مما كان يحلم به يساريو القرن التاسع عشر.. فيما أنكفأت الانظمة الشيوعية على مايشبه الدين في تقديس بعض القوالب الجامدة في النظرية.. لقد حفظ الرأسماليون دروس ماركس اكثر مما حفظها الشيوعيون..وهنا تكمن المفارقة..

المفارقة التي أدت الى انتصار المعسكر الرأسمالي.. ولكني أقول لولا الماركسية لما استطاعت الرأسمالية ان تنزع عنها ثوبها الوحشي وتقدم نموذجا جيدا ومقبولا في حقوق الانسان والتقدم العلمي الباهر في مضمار التكنولوجيا وسبر غورالفضاء والطب والعلوم.. ذلك التنافس الشريف وغير الشريف بين المنظومتين قدم كل ذلك التقدم الهائل في اوربا واميركا واليابان والصين...

والان سأحاول ان اجيب على اسئلتك الجميلة وإن كانت ملغومة...!!

المترفي: أما تخبرني كم يوم مضى من رمضان او تقسم بالعباس انك شيوعي؟؟

سلام: القسم بالعباس عليه السلام صعب.. ولكني سأخبرك وبكل ثقة انني تعرفت على الشيوعيين منذ ان كنت في الاول الابتدائي..عرفتهم طيبين حالمين بوطن حر معافى وشعبه مثقف وهانيء وسعيد.. والتحقت في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وانا في الرابع الاعدادي واشتريت بما ملكت يميني عشرات بل مئات الكتب وقرأتها بتشجيع من الشيوعيين.. قرأت البيان الشيوعي الذي كتبه ماركس وانجلز وعشرات الكتب في التراث الاسلامي وفي الشعر والادب العربي والعالمي لكي تتسع مداركي ولكي افهم..

اعتقلت وتعذبت وخسرت عشرات الفرص في مناصب رفيعة وخسرت حب صباي واحلامي الجميلة...

المفارقة.. وانا على عتبة السبعين إكتشفت ان اللبرالية والديمقراطية هي الأنجع للشعوب.. وفي الختام أذكر مقولتين للينين الاولى اثبت التاريخ خطأها والثانية اثبت التأريخ صحتها..

المقولة الخطأ: بمزيد من التضحيات والصبر ستتحقق الشيوعية في روسيا ومستعمراتها..

المقولة الصحيحة.. ويل لروسيا ولكل الشعوب ان فشلت التجربة السوفيتية وانهارت...ويل روسيا والعالم من ضواري الرأسمالية هكذا صرح لينين في عام 1919

المترفي: هل الحمران طوائف؟؟

سلام: سؤالك ملغوم.. ولكني سأجيب نعم.. الشيوعيون انقسموا الى طوائف شتى... بعضهم مزيف وبعضهم مخلص..لقد صرخ ماركس ذات يوم لست ماركسيا !! احتجاجا على حدة الانقسامات.. هناك الماوية والتروتسكية والجيفارية والغرامشية والاوربية.. نعم هم طوائف..

المترفي: دعا لك صديق بالحشر مع ماركس فشكرته.. هل ماركس وستالين في مكان واحد في العالم الآخر

سلام: شتان بينهما.. ماركس لم يعرف كيف يذبح دجاجة في حياته.. اما ستالين ها ها ها.. ولكن اليقينية في معرفة مصائر البشر بعد الموت ليس من العلمية بشيء.. لنحسن الظن بربنا الكريم وهناك لا عين رات ولا اذن سمعت

المترفي:هل كتب عليكم الصيام؟

سلام: من نحن؟؟ الصيام كتب على اليهود والنصارى والمسلمين والبوذيين. وعليه الجواب نعم لقد كتب علينا الصيام ,

المترفي: اتهمك احدهم بالإنتهازية ماهو ردك؟

سلام: لا اعتبر الانتهازية وصمة.. ثمة فرق بين الانتهازي والوصولي..

الإنتهازي الوسيم مثلا إذا توفرت له حبيبة تحت ظل تينة إن لم ينتهز الفرصة ويحل الثوب عن نهديها سيندم ندامة السياب حين أضاع شباك وفيقة..

يا عزيزي الانسان مجبول على الانتهازية ومنذ ان وعى وجوده على هذه الأرض كانت الانتهازية ملاذه ومن اهم اسباب بقاءه وانتصاره كان يقتنص الطير ويصطاد النمور والأسود لكي يقدمها لحبيبته طعاما ولباسا وغطاءا..

وكان يسرق النار ويسرق الافكار ويوفرها ليوم لا شك فيه..يوم العوز العظيم.

الانتهازية أمر مقبول.. لكن الوصولي هو الذميم..

المترفي: إن تقدم قومجي ويساري لطلب صداقتك على الفيسبوك من تفضل اولا؟؟

سلام: المعيار ليس في يمينية او يسارية من يطلب الصداقة.. المعيار في قبول الصداقة ما يمكن ان يضيفه لي من وعي معرفي او معلومة او إبداع او طرائف.. صدقني لقد طلب صداقتي من كان يتلقى التقارير ضدي وضد رفاقي في السبعينات وقبلت صداقته مرحبا به ووافقت على نشر مقالة لي في صحيفته وهو الان محلل سياسي مرموق..

الكل مرحب به بمقدار ما يمكن ان يحقق من إضافة معرفية لي..

المترفي: كيف تقضي سحابة نهارك؟

سلام: بالتسوق وسماع اغنية ما.. ومداعبة احفادي بل اللعب وتبادل النكات معهم.. والتفكير بتطوير حديقة المنزل..

المترفي: هناك اسماء لا اريد مديحا بل صفة كل واحد منهم من وجهة نظرك؟؟

ابراهيم الجنابي.. قلت صفة واحدة.. أشم من الطراز الاول...

صباح الجاسم: رفيق الأيام الصعبة...

صائب خليل: ماركسي يوشك ان يرتدي عمامة الاخوان المسلمين..

أسعد البصري: لبسها..

سامي العامري.. هو الشعر يمشي على الأرض شاعر مطبوع لا مصنوع..

ماجد الغرباوي.. مفكر تنويري مجدد وصديق عزيز جدا..

سعد الحجي: أفتقده..

المترفي: من صاحب السلطة في البيت..؟

سلام: زوجتي السيدة سنية عبد عون لها السلطات البسيطة مثل كيفية الانتقال من دار لدار او شراء تلفاز جديد او طقم قنفات او اختيار طبيب العيون

اما انا فلي السلطات العظمى مثل إبداء الرأي في احتمالات دخول الناتو في حرب مع روسيا او امكانية نجاح الثلث المعطل في لبنان او الثلث الضامن في... العراق وانخفاض الليرة التركية والروبل وما شابه..

المترفي: من يستطيع ان يخرجك من عزلتك؟؟

سلام: أحفادي... أنت نجحت قليلا في حوارك الممتع هذا.. ولكنه نجاح مؤقت..

المترفي: من يزورك في محبسك؟؟

سلام: اولادي وبناتي واحفادي..

المترفي: تشتاق لمن؟؟

سلام: لصبية عشقتها منذ اعوام موغلة في القدم..

تزورني في منامي كلما ضاقت الدنيا وتلك من ألطاف الله التي ينكره الدهريون..

المترفي: آخر مرة زرت مسجدا؟؟

سلام: عام 2014 وكدت ألق حتفي..فقد فجره الدواعش قبل وصولي بدقائق واستشهد كل من فيه.. ( وتقول لي يا راضي ليش انت معتكف؟؟) هو بقي شيء يستحق ان نتأسى به؟؟

المترفي: لمن تقرأ؟؟

سلام: ماعدت أقرأ مثل ما كنت.. الان بين يدي كتاب عن تأريخ ناحية أبي غرق للفقيد المحقق الدكتور عبد الرضا عوض..

المترفي: انت مع من في حرب اوكرانيا..؟

سلام: ضدهما معا.. حرب غير مبررة ومدمرة ويدفع ثمنها الناس الابرياء في كل من اوكرانيا وروسيا والعالم كله..

كتب المعري في محبسه رسالة الغفران انت ماذا ستكتب؟؟

لن أكتب بعد اليوم حرفا واحدا.. نضوب تام..

المترفي: أين ستذهب في العيد؟؟

سلام: لن أذهب.. هم سيأتون..

المترفي: آخر مرة فقدت اعصابك حد التهور؟؟

سلام: منذ عام.. نادرا ما افقد اعصابي وأفضل الابتسام عند كل جائحة... ولكن لي انتفاضة بمعدل مرة واحدة في كل عام..

من يزورك في عزلتك..؟؟

بعض الاصدقاء الطيبين حين يصادف مرورهم قرب دار سكني..يمرون كالشهب ويمضون كما تمضي النجوم..

السؤال الأخير. لو افترضنا ان ابن سلام الجمحي صاحب طبقات الشعراء قد بعث من في رأيك سيكون في الطبقة الاولى من الشعراءالعراقيين في لحظتنا الراهنة؟؟

سلام: حسب الشيخ جعفر عن مجمل الشعر العراقي

وفي العمود يحيى السماوي والدكتور ريكان خلف وعبد الستار نور علي واحمد الشطري

وفي قصيدة النثر إبراهيم البهرزي ونصيف الناصري من شعراء الطبقة الاولى

...............

والان اسمح لي ان أسأل: يا استاذ راضي سؤالين

لماذا لا ترشح في انتخابات الصحفيين العراقيين؟؟

* سارشح في اللحظات الأخيرة لأني اعرف النتيجة سلفا

والسؤال الثاني: ألمح في منشوراتك روحا خضراء.. هل هو حب واحد بعينه يتجدد؟؟ ام في كل فترة حب جديد؟؟؟

* انا جبلت من حب لذا لا أتوقف عند الخسارات

منشوراتك احيانا تثير الريبة؟؟

* انا ارى الشك أصدق الطرق المؤدية لليقين

***

حوار راضي المترفي

 

دردشة رمضانية مع القاص والكاتب الأستاذ حمودي الكناني، يقول:

- قومي خيالة (العرمات) يجوبون الصحراء ليل نهار

- بين حمود وحمودي ضاع محمد

- هناك من يملك خاصية جذب النساء

- أخبر موسى البائع بحاجتي إلى حزام فتصورني البائع طفلا

- نشأت في مضيف كان مثابة للسالكين

* * *

في طفولته كان يحلم ان يرث ابيه وينادى بكلمة (محفوظ) لكن هذا الحلم تبخر مذ قادته اقدامه الصغيرة الى الصف الاول في مدرسة ابتدائية ريفية لكنه اصر على تعلم ركوب الخيل وقضاء الساعات بين مزارع العنبر والجلوس مع رجال العشيرة في المضيف في ليالي الشتاء الطويله وكان الله قد من عليه بقلب عقول ولسان سؤل فحفظ ماشاء الله له من الحكايات والامثال والقصص وورث عن اهله الكرم والترحيب بالضيوف من دون ان يكون بشوشا مثلهم وسارت به الايام بعيدا عن حلم المشيخة والمضيف حتى اجلسته على مقاعد كلية التربية ليتعلم فيها (رطانة) الانكليز ثم غادرها مدرسا لقرابة خمسة عقود تخرجت على يده اجيال واجيال وعلاقات وصداقات لاحصر لها حتى احيل على التقاعد قبل سنوات قليلة ثم تفرق الابناء وارتحلت الزوجة الى دار البقاء ليعيش عزلة الدروايش من غير دروشة لكننا استطعنا اقتحام عزلته في هذه الدردشة

رمضان كريم

* الا ترى ان اسم (حمودي) اصبح لايناسب شيخا عبر السبعين برهاوة؟

- فعلاً، معك كل الحق فالامر كما ترى يا صاحبي ولندخل فيما لا تعرفه عن (حمودي): لا اتذكر متى فقط اتذكر أني كنتُ مع أمي وأبي داخل باص خشبي قاصدين (سيد محمد) ومعهما خروف أبيض ربطه السائق على ظهر الباص وعندما نزلنا من الباص سمعت (جوري آل محسن) تقول بأعلى صوتها (رايتك بيضه ما قصرت يسيد محمد هذا محمد الذي نخيت الله بجاهك عنده أن يرزقني بولد اسميه (محمد) لكن محمد هذا كان يحلو لوالده أن ينادي عليه حمود لأنه كان يحب الاحاديث التي تذكر سيرة شيخ الخزاعل (حمد آل حمود) حتى اصبح حسين آل نعيمة يكنى بـ (أبي حمود) لكن المفارقة أن ابي عندما ادخلني مدرسة القادسية الابتدائية سنة 1957 سجلني (محمد) فاصبح اسمي الثلاثي (محمد حسين نعيمة) ولما انهيت السادس الابتدائي كان علي ان اذهب الى دائرة الاحوال المدنية ولدهشتي قال لي الموظف لايوجد محمد في صفحتكم وانما الموجود هو حمود فوقعت في حيرة فقلت للموظف وما العمل؟ قال أمامك طريقان إما تذهب الى المحكمة وتشتكي علي اضافة لوظيفتي أو أن تذهب الى المدرسة ليعطوك كتاب الى مديرية تربية لواء الديوانية ليغيروا اسمك من محمد الى حمود بناء على دفتر نفوسك، كانت مراجعة دوائر القضاء صعبة في ذلك الزمان فاستسهلت مراجعة المدرسة ومديرية التربية واستبدلت محمد بحمود لكن اغلب ابناء عمومتي وحتى امي ينادونني محمد، أما حمودي فهو الاسم الادبي الذي اصبح لازمة لي بين كل اصدقائي وحتى زملائي وطلابي وللنكتة صادف أن كنا في بغداد انا وموسى فرج وطارق الكناني وبراهيم الجنابي وأخرين و انقطع حزامي فذهب موسى وطارق يشترون لي حزاما فقال موسى للبائع بلهجته التي تعرفها (رايدين حزام حلو لحمودي فاعطاهم حزام اطفال فقالا له عمي حمودي ذاك الواكف اللازم بنطرونه خاف يخرط)

 * نشات في الريف وانتقلت للمدينة لكنك ذو ميل واضح لحياة البداوة مالسبب؟

- لم تغير فيّ المدينة شيئا فالقرية التي ترعرعت فيها تجمع بين حياة الريف والبداوة ولذلك تجد لهجتي تجمع بين الاثنين، القرية تختلف عن المدينة في الحميمية والالفة والترابط الاسري، انا نشأت في مضيف كان مثابةً لكل سالكي الدرب في تلك الايام وكنا (حمولة) مهابة لها وزنها وسمعتها بين العشائر في تلك المناطق ومازال الناس هناك يستقبلونني عندما اذهب بالمناسبات بـ (أهلا ابن نعيمة) ويفردون لي مكانا مميزا في صدر الديوان .

* (قادس) موقع المعركة الكبرى بين الفرس والعرب .. انت من بقايا الفرس او من القادمين من صحراء العرب؟

- لا يا شيخ لا أمتُّ للفرس بأي علاقة لا من قريب ولا من بعيد فقومي هم (خيالة العرمات) كانوا يجوبون صحراء العرب عرضا وطولا .

* خلال العشرين عاما الماضية كم عدد النساء اللواتي عرضت عليهن او عرضن عليك الزواج؟

- للأمانة ولا واحدة .

* لماذا تنتهي علاقاتك النسائية بالفشل غالبا؟

- هناك من الرجال من له خاصية انجذاب النساء له وهذه الخاصية افتقدها حتى أن احداهن قالت شكلك عليه هيبة ووقار فتهابك النساء بس آني اقول هاي ينراد لها حظ هههههههههه .

* يقول احد الخبثاء انك بلا صديق في السر ولا عدو في العلانية .. هل صدق ولماذا؟

- طالما هو خبيث فلا تتوقع انه صادق.

* ايهما اطول نهار الصوم او ليل الترمل؟

- ليل الترمل لا يطاق. كل ليلة تمر تعادل شهر صيام أو أكثر.

* لماذا انقطعت عن كتابة القصة؟

- لم انقطع ولكني ماعدت انشر قصصا اونصوصا، اشغل نفسي بالقراءة اومتابعة المواقع الادبية الاجنبية والدوريات الرياضية الاوربية .ولي خربشات كثيرة غير متحمس لنشرها .

* هل انت غير محظوظ وكيف؟

- ظاهريا هناك من يراني محظوظا لكني في الحقيقة رجل غير محظوظ واشبه تماما حطام سفينة غطاها الرمل على ساحل بحر .

* غالبا ما يتزوج سكان الريف اكثر من واحدة وقد يفضلون ابناء هذه على تلك بسبب محبتهم لهذه او بغضهم للاخرى .. هل عانيت من هذا؟

- نعم، تزوج الوالد بأمرأة ثانية من اقاربه وبالتدريج بدأت المفاضلة لا بين الابناء ولكن بين المرأتين .

- لدي خمسة اسماء من اصدقائك هل تستطيع ذكرهم بمافيهم؟

* موسى فرج

- نزيه في غير اوان النزاهة

* صالح الطائي

- لايوجد فيه ما يُشتم سوى الوفاء وحبه للاصدقاء

* علي لفته سعيد

- ينافس القمي في تأليف الأدعية

* سلام كاظم

- حشره الله مع كارل ماركس

* سعدي عبد الكريم

- الله يشفيه من شخيره ومن غليونه

* كيف يقضي الارمل يومه؟

- في اعادة شريط الذكريات

* ماهو الافضل لك .. العيش عازب او تتزوج؟

- أعز ب

* منهم اصدقاء السوء؟

- لا أعرفهم

* لو كنت مكان بوتين هل تقدم على غزو اوكرانيا؟

- نعم

* لمن تقرا؟

- لله عز وجل، فكتابه لا يفارقني

* على من تبكي؟

- على عراق الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي

* من يدخل السرور على قلبلك؟

- اصدقائي حينما يطرقون بابي.

***

 حوار/ راضي المترفي

 

- لا فرق بين التنور ومنضدة الكتابة

- اول ناقد كتب عني هو المرحوم ناظم سعود

- لا أجيد التعبير لكني أجيد الاشتغال

- لا اعرف كيف يكون شكل الحياة بلا دموع

- جنون الكتابة يجتاز حدود العقل ويمسك السماء

***

هو مصداق للحديث الشريف (كونوا بلها كالحمام) وذو قلب خالي من الضغينة والبغضاء والانانية ولايحمل غير الحب.. نعم الحب الخالي من الانانية والمصلحة والغايات ولا تشي تعابير وجهه الا بأمرين الفرح واشراقة شمس الابتسامة والحزن وامطار الدموع خلقه الله فرحا لنجاح طفل وتفوق اخر عليه وعند الشعور بأنه اعطى واعطى واعطى ويبكي لعوز فقير وحاجة مسن للمساعدة وعوق شاب وفشل انثى.. هو غني وثراؤه فاحش اذ يملك (دشداشة) ارتداها كل من دخل العتبة العباسية المقدسة زائرا من احبته الادباء والشعراء والكتاب والمثقفين عرفته منذ قرابة عقدين من السنين يوم عمل سادنا لثقافة (صدى الروضتين) وخلال هذه المعرفة لم يخاصم احدا ولم يختلف مع زميل او صديق وكان مصدر فرحه يوم يجد نفسه في عناق مع زائريه من الاحبة رغم انهم يقدمون عليه سيده صاحب العتبة المقدسة عليه السلام في الزيارة ولكي لا اطيل عليكم تعالوا معي الى دردشة رمضانية خفيفة الظل مع المبدع والاديب علي الخباز رئيس تحرير صدى الروضتين التي تصدر عن اعلام العتبة العباسية..

- رمضان كريم

* رمضان كريم على الجميع ان شاء الله

- اين تجد تفسك وانت تمتطي صهوة التنور وتصنع ارغفة الخبز او خلف منضدة الكتابة لصنع ارغفة الابداع؟

جواب السؤال (1): لا فرق بين التنور ومنضدة الكتابة، كنت اكتب قصائدي ومسرحياتي على فوهة التنور وعندما تكتمل اعيدها اليه، واليوم أخبز على منضدة الكتابة، النظر الى الموضوع بجدية، او التأمل في صياغة الفكرة، كم جميل ان نخبز في التنور أرغفة تشبع العقول قبل البطون، وكم جميل ان نصنع من الكتابة أرغفة الامل والحياة، واما الابداع فهو أمل مدروس وتعبت عليه حقيقة لكنه قد لايكون حقيقيا، الحقيقة عند الغد.

- ما علاقتك بالنار؟

جواب السؤال (2): أول ناقد كتب عني هو الناقد المرحوم ناظم السعود، عام 1995م، كتب عن علاقة الخبازة بالكتابة والابداع، ملاحظة ذكية أكتشف بها وجود علاقة قوية بين الشعر والتنور.. اعذرني قد لا أجيد التعبير لكني أجيد الأشتعال

- كيف تولد الدموع؟

جواب السؤال (3): سألت عيني هذا السؤال لمرات عديدة، ذكية تلقي لهاثها على القلب، القلب هو من يلهب الدمع حنينا، أو حزنا، على نبضاته يحتكم الانين، كل شيء له دمع / الولادة ـــ الموت / الفرح ــــ الحزن / الصلاة والحب / لاأعرف كيف شكل الحياة بلا دمع، والدمع يولد من كل شيء حي.

- متى تشرق شمس الابتسامة؟

جواب السؤال (4): شمس المحبة والجمال، الشمس التي خلقها الله في القلوب، المسألة عندي ليست كلمات أو شعر، اقسم....بان الله سبحانه خلق الروح مبتسمة متفتحة للحياة، وأما من لايملك الروح لا يعنيني أمره.

- من يغيظك من احبابك؟ وكيف؟

جواب السؤال (5): من لا يعرف معنى الحب، ومن يجهل صدق الكلمة، من لا يعرف الفارق، بين الرأي في المنجز والرأي في الانسان،، المنجز مهما كان ابداعه هو من صنع الانسان قابل للنقد والرأي ووجهات النظر حتى لو تنسفه، لكن الانسان خلقه الله سبحانه، واما الكيف هي الكيف الذي يتقبله الانسان لنفسه وتلك معاناة البشرية

- هل تجيد صنع المقالب؟

جواب السؤال (6): أطلاقا،، انا لاأحب المقالب لذلك ابتعد عن برامج الكاميرا الخفية، والمقالب التي تصنع الخوف، وتسخر الأنسان لمرح المتلقي

- ماهو الفرق بين المبيت في المخبز والمبيت في السجن ان كنت جربت المبيت هناك؟

جواب السؤال (7): رغم تعب المخبز، وقساوة السجن، هناك لذة الشعور بالانتماء، المخبز أبن البيوت، أبن الناس يوصيني،أبي يوما لاتعد ربح العمل بل فكر كم عائلة وضعت رغيفك على سفرتها، أما السجن جعلنا نستلذ بالشعور بالمظلومية وهذا بحد ذاته أنتماء،ذات يوم أخبرنا السجان، بان الدنيا تمطر خارج السجن، شعرنا بنداوة المطر على اجسادنا وبالسعادة لأن السماء مازالت قادرة على المطر، ومادامت قادرة على المطر فهي قادرة على ان تغسل الوطن

- تكتب النثر وتمارس الومضة الشعرية وتعمل في النقد وعلاقتك بالمسرح واضحة وتعشق الصحافة وتكتب التاريخ.. هل انت مجنون؟

جواب السؤال (8): سؤال مجنون مثلي، جنون الكتابة يجتاز حدود العقل ويقدر ان يمسك السماء، ويقدر ان يضع النهر في قربة مبجل، ويرى الشمس في ليل كربلاء، انا ابن جيل مارس الجنون لحد الجنون بكل انواعه، لذلك ليس غريبا ان يكون لجنوني العين التي تبصر ما لا يبصره انسان لذلك أكتب

- هل استخدمت يدك يوما في شجار؟ ومن هم اعدائك؟

جواب السؤال (9): أعتقد أني تجاوزت مرحلة الشجار، وصرت احاذر على وقار شيبتي، الشجار ليس من منطق الحكمة أما اعدائي فلن اسميهم باسمائهم كي لا اجعل لهم اعتبار.

- من هو اسوء صديق عرفته؟ ومن هو الاكثر سوء منه؟

جواب السؤال(10): أسوء صديق هو الذي لا يفهمني والاسوء منه من يصور له جرحي غرورا أو تجاوزا، وفي عالم الصحافة هناك طلايب كثيرة ومنها ان البعض يعتقد ان الكتابة تعني بهرجة لغة ولا يعرف ان الانجاز الحقيقي هو ما تحت الكتابة، الكتابة ليست بما تقوله وانما هي بما تشير اليه

- هل تعشق النساء؟ وماهي مواصفات حبيبتك؟

جواب السؤال (11): أعتقد ان الأمر اختلف عندي الآن فانا لغير دور الأب لا اصلح، وأنا لا أعرف الا المبدعات وجميعهن بناتي نمتلك اليوم مجموعة مكونة من 47 كاتبة بعنوان (هؤلاء بناتي) ومجموعة اخرى بعشرات الكاتبات بعنوان بنات الخباز، واما لو استجد السؤال لماذا نساء فقط لذلك كنت مكلفا بدورة نسوية وتشكيل مرصد نقدي وتطور الامر الى التزام.

 - لو من عليك الله ومنحك الحرية واصبحت ارملا ماذا تفعل؟

جواب السؤال (12): (اللهم لاتريني تلك الساعة يارب) ومن المؤكد أني سأحزن كثيرا لأني سافقد أمرأة مميزة في كل شيء ولاأمرأة غيرها تحتمل جنون شاعر.

- ماذا تقرا؟

جواب السؤال (13): كان لدينا في ايام زمان مكتبات تعرض كتب للبيع بلا تعيين (كل كوشر يحتوي على عشرات الكتب وانت تشتري لتقرأ كتب متنوعة، لهذا انا اقرأ كل ما يقع بين يدي.

- لمن تكتب؟

جواب السؤال (14): كتبت لذاتي وأنا الذي زرعتها بين الناس، أكتب للوطن للناس، وأدرك تماما أن أول من يقرأ ما تكتب هو الله سبحانه، لذلك لايزعلني من لايعجبه ما أكتب تلك حريته، اما أنا علي أن أراهن كيف أجعله يتقبل ما أكتبه بمودة، وهذا هو التحدي

- ساذكر لك خمسة اسماء اذكر لي ابشع مافيهم من صفات؟

جواب (15)

- المترفي

الجرأة الواعية التي تعرف خطوتها جيدا

- الكناني

صعوبته في تقبل الأصدقاء رغم انه ينفتح على الجميع

- السماوي

يطير الى حد لااستطيع ان أبصره

- البناي

أليف لا يطاوله بالفته أحد

- الصائغ

علمني كيف أحرص على قلبي من الفتنة

- لو لفظتك العتبة العباسية خارج اسوارها ماذا تفعل؟

جواب (16): العتبة المقدسة لم تلفط احدا من قبل لتلفظ احبابها اليوم، وان حدث ذلك لاسمح الله فانا كيف الفظها وهي في الروح ربما ساعيش حينها بلا روح

- هل لك عقيدة؟ وماهي؟

جواب (17): كيف يكون الانتماء بلا عقيدة،، الدين أساس الحياة

- قل ماتريد فالختام لك

سلامتكم.

***

حاوره: راضي المترفي 

أدناه حوار أجراه الأستاذ الدكتور علي رسول الربيعي مع الأستاذ الدكتور محمد عبده أبو العلا، حول كتابه:  مقالات في الثقافة السياسية.

س1: بالنسبة لكتابك الأخير الذي يحمل عنوان مقالات في الثقافة السياسية، ما نوعية القارئ الذي تخاطبه في هذا الكتاب؟

ج1: الحقيقة أنني أحاول دوما أنْ أكتب بطريقة يفهمها الجميع وتؤثر في وجدان الجميع مهما كانت صعوبة أو عُمق الفكرة التي أتناولها أو أطرحها. وهذه الطريقة اتِّبعها حتى في كتابة المقالات والدراسات الأكاديمية المتخصصة، وهي بكل تأكيد طريقة شاقة، لكنني أذكِّر نفسي دوما بأن الفكر لا تكون له قيمة، وبالتالي لا يعيش ولا ينتشر، إلا بقَدْر اتساع قاعدة مَنْ يحملون هذا الفكر أو يؤمنون به. باختصار، إنني أبذل ما في وسعي لكي أصل من خلال كتاباتي إلى عقول، بل وقلوب،  القاعدة  العريضة من القرَّاء، سواء من المتخصصين، أو المثقفين، أو القارئ العادي.3504 سؤال الدولة والعدل ابو العلا

س2: ما أهمية هذا الكتاب في هذا التوقيت؟

ج2: أزعم أنَّ هذا الكتاب له أهمية كبيرة في هذا التوقيت الذي يعجًّ بالأحداث السياسية والعسكرية المتلاحقة، سواء على الصعيد المحلي، أو الاقليمي، أو الدولي، والتي كان آخرها الغزو الروسي لأوكرانيا. لقد أصبج الناس منشغلين بالسياسة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس في ديسمبر 2010، وهذا الكتاب، في جانب منه، محاولة لتعريف الناس بحقيقة ما جرى، فضلا طبعا عن حقيقة بعض الأحداث المهمة الأخرى التي جرت قبل هذا التاريخ، سواء في الماضي البعيد أو القريب. هذا طبعا فيما يتعلق بالجانب العملي من الكتاب، أما بالنسبة للجانب النظري، فيشتمل الكتاب أيضا على جُملة من الرؤى والنظريات الفلسفية التي تدور حول أهم وأبرز القيم السياسية التي يحتاجها ليس المثقفون والمتخصصون فحسب، بل وعامة المواطنين أيضا باعتبارهم فاعلين سياسيين بالضرورة.

س3: ماذا تقصد بمفهوم الثقافة الساسية؟

3505 مقالات في الثقافة السياسية ابوالعلاج3: بادئ ذي بَدء، الثقافة السياسية بطبيعتها ثقافة عامة من ناحيتين مترابطتين: أولا، لابد أنْ يتحصل عليها جميع المواطنين باعتبارهم فاعلين سياسيين، أو يُفترض أنهم كذلك في الدول التي تحترم مواطنيها وليس في الدول يحكمها لصوص. ثانيا، هي ثقافة تتعلق بالأمور التي تمسّ من قريب أو بعيد الشأن العام. وعلى هذا، تمثِّل الثقافة السياسية بالنسبة للمواطنين حقا من حقوق المواطنة قبل أنْ تكون حقا من الحقوق الثقافية والاجتماعية. والثقافة السياسية من هذا المنظور لا تتوفَّر إلا في ظل إتاحة ما أسماه يورغن هابرمس ’’المجال العام‘‘ Public Sphere، أيْ في ظل فضاء ديمقراطي يُسمح فيه للناس بحرية التجمُّع وحرية النقاش والتعبير.

في هذا السياق، يمكن تعريف الثقافة السياسية بأنها جُملة القيم والأفكار أو الآراء السياسية العامة التي يحتاجها الناس بوصفهم أعضاء أو شركاء في مجتمع ما يتقاسمون فيه مصيرا مشترك. والثقافة السياسية بهذا المعنى تجمع بين البُعد المحلي والبُعد العالمي، وذلك على اعتبار أنَّ أي مواطن هو عضو في مجتمع محلي وفي الوقت ذاته عضو في مجتمع عالمي.

ومن الجدير بالذكر هنا أنَّ الثقافة السياسية تشتمل على ما أسماه جون رولز ’’الأفكار الحدسية‘‘، وهي عبارة عن بعض الأفكار السياسية التي تكون محلّ اتفاق جميع المواطنين بحكم العقلانية المشتركة بينهم (أو ما يسمِّيه رولز ’’العقل العام‘‘ Public Reason). ومن أهم هذه الأفكار:

- المجتمع نظام من التعاون الاجتماعي المنصف.

- المواطنون المنخرطون في التعاون الاجتماعي يمثلون أشخاصا أحرار ومتساوين.

- المجتمع المنظم تنظيما جيدا يتم تنظيم شؤونه وفق تصور سياسي معيَّن للعدل.

وهكذا، بحسب رولز، تمثِّل الثقافة السياسية، بما تشتمل عليه من أفكار حدسية تلقى قبول جميع المواطنين العقلانيين، شرطا ضروريا لقيام المجتمعات الليبرالية الديمقراطية.3506 الحرية والمساواة ابوالعلا

س4: إذا كان لا يمكن التنكُّر لاتصال الديني بالسياسي في تجربة الحُكم التاريخية للأمة الإسلامية وإنْ كان اتصال وظيفي كما وصفتْ، هل يمكن أنْ تبقى هذه الصلة في الحاضر بشكل وظيفي آخر، أيْ أنْ تكون الشريعة الإسلامية موجِّها ومرشدا قيميًا للسياسة؟

ج4: نعم دكتور على، بكل تأكيد. بشكل عام، من جانبي أرفض أيّ حُكم سياسي باسم الإله أو باسم الله سبحانه وتعالى، سواء في الإسلام، أو المسيحية، أو اليهودية. ليس هذا فحسب، بل أرفض أيضا إضفاء أية صِبغة دينية على أية ممارسة سياسية كما هو الحال في إيران والكيان الصهيوني المحتل. فتوابع الحُكم باسم الدين وخيمة للغاية، فهذا معناه عدم مساءلة الحاكم عما يفعل على اعتبار أنَّ قراراته وسياسته تمثِّل تعبيرا صادقا عن إرادة الإله؛ وهذا من وجهة نظري يُعَدّ اجتراءً على الله وأُلوهيته، من ناحية، واستخفافا بعقول الناس وكرامتها، من ناحية أخرى.

الواقع أنَّ التجربة التاريخية الإسلامية والنصوص الدينية ذاتها يشهدان بل ويؤكدان على أنَّ الحاكم بشر، يُخطئ ويصيب وقد ينحرف في قرارته وسياساته، ومن ثم تجب مساءلته ومحاسبته، بل والثورة ضده أو قتاله إذا استلزم الأمر.

لكن رفضي للحُكم باسم الدين، لا يعني تأييدي لاستبعاد الدين عن السياسة والحياة العامة، حيث أنَّ للدين بشكل عام، والدين الإسلامي بشكل خاص، بُعدا أخلاقيا يتضح جليا من خلال التأكيد على قيم أخلاقية عامة هي في الواقع قيم أو مُثل سياسية تطمح  إليها كافة المجتمعات الإنسانية، وبالتالي لا سبيل إلى تحقيق التقدَّم والرخاء، وبالتالي الاستقرار، للمجتمعات بدونها، وعلى رأس هذه القيم العدل، والحرية، واحترام الكرامة الإنسانية.

فإذا كان الإسلام لم يُحدِّد نظاما أو شكلا معيَّنا للحُكم أو آلية معيَّنة لاختيار الحاكم وما إلى ذلك، إلا أنه حدَّد مقاصد سياسية عُليا يجب على ولي الأمر أن يتوخَّاها، وإلا سقطت شرعيته.

وهكذا، يمكن للدين الإسلامي، من خلال بُعده الأخلاقي المعياري، أنْ يكون ’’موجَّها ومرشدا قيميا للسياسة‘‘ على حدّ تعبير حضرتك.3507 محمد عبده ابوالعلا

س5: ما موقفك من العلمانية أجمالا، اذا كنت لاتؤيد حُكم سياسي باسم الإسلام لأنه يؤدي الى الاستبداد، كما وصفت في دراسة سابقة،  ويبدو أنك لا تؤيد الحُكم السياسي الليبرالي، إذ أنك مهتم في النظر في حدود الليبرالية أيضًا ، فمن حقنا أنْ نسأل: أيّ حُكم تراه مناسبا في الدولة العربية الحديثة؟

ج5: في الواقع هناك علمانيات وليس علمانية واحدة، ويظهر ذلك بالنظر إلى التطبيقات المختلفة للعلمانية في عالمنا المعاصر. على سبيل المثال، تختلف العلمانية في أميركا عن العلمانية في انجلترا، وكلتاهما تختلفان عن العلمانية في فرنسا، فضلا طبعا عن العلمانية في تركيا التي تختلف عن هذه العلمانيات الثلاثة.

فالعلمانيات بشكل عام تتراوح بين العلمانية المرنة المجردة من الأيديولوجيا والعلمانية الصلبة التي تفصل تماما بين الدين والمجتمع، وبالتالي تُنكر أية أهمية للدين في الحياة العامة كما هو الحال في فرنسا. وأنا من جانبي ضد الصِّيغة الصَّلبة أو المتطرفة للعلمانية وأميل في المقابل للصيغ المرنة التي تعترف بالتدين وطقوسه كجانب مهم لا يمكن إنكاره من جوانب الحياة الاجتماعية. فالدين من وجهة نظري هو أهم تجلي من تجليات الرُّوح التي تشكِّل جزءا لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية.

والعلمانية المرنة أو المحايدة لا تتعارض مع الإسلام، بل يدعمها الإسلام من خلال العديد من النصوص التي تؤكد مرارا وتكرارا على احترام حرية الاعتقاد، وضرورة إعمال العقل في التفكُّر والتدبُّر، فضلا عن أهمية، بل وضرورة، الأخذ بالأسباب المادية في الدنيا.

أما بالنسبة لقولك أنه يبدو أنني لا أؤيد الحُكم السياسي الليبرالي، فهذا طبعا غير صحيح، فأنا من أشد المؤيدين للحُكم الليبرالي ودولته المدنية العلمانية.

س6: هل فعلا هناك حاجة في هذا السياق التاريخي السياسي- الاجتماعي المشخص سواء على مستوى المجتمع المصري أو مجتمعات الدول العربية الى تحجيم ووضع الحدود لليبرالية السياسية (فكريا واجتماعيًا) بينما يتفشى فيها ايديلوجيات قروسطية الرؤية والتوجه والخطاب؟

في رأيي الشخصي، أنَّ الليبرالية الحقيقية التي تحترم فعلا الديمقراطية وتحترم فعلا حرية وكرامة الإنسان لا تعادي الدين والمتديين بأي حال من الأحوال. فالحرية لا تتجزأ، ولا يجب أنْ تتجزأ، وبالتالي يجب تطبيقها بالمعنى العام والشامل من دون استثتاء لأية صورة من صورها، بما في ذلك حرية الضمير، أيْ حرية الاعتقاد الديني. فضلا عن ذلك، فإن الدعوة الليبرالية إلى الحرية الفردية يجب أنْ تبتعد تماما عن فكرة استئصال كافة الحدود أو القيود. فالحرية بدون حدود تصبح خطرا يهدد الجميع من دون استثناء، فهناك حدود أخلاقية وإلهية وطبيعية يجب احترامها من أجل الحفاظ على الحرية الفردية ذاتها. ففي رأيي أنَّ الحرية المطلقة تؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض الحرية ذاتها. 

***

حاوره: الدكتور علي رسول الربيعي

 

معاداة الإمبريالية في عصرنا

ترجمة: علاء اللامي


توفي يوم 9 آذار- مارس الجاري، الباحث والمنظر الاشتراكي الماركسي الهندي البارز إعجاز أحمد. عُرف أحمد بكتاباته النظرية التحليلية حول الإمبريالية والثقافة والاستعمار. وله عدة مؤلفات من أهمها وأشهرها ستة كتب - في النظرية: الطبقات، الأمم، الآداب وهو مترجم إلى العربية، وأنساب الحاضر: الأنساب الأيديولوجية والسياسية لجنوب آسيا المعاصرة والعراق وأفغانستان والإمبريالية في عصرنا. وله كتاب مهم آخر ومترجم إلى العربية بعنوان "الاستشراق ومابعده: إدوارد سعيد من منظور النقد الماركسي.

أدناه ترجمة المقابلة التي أجراها معه توم كيفر في تورنتو بكندا في يونيو 2006 وقام إيدان كونواي بتحرير النص. سأضع نجمة واحدة في بداية السؤال أو التساؤل ونجمتين في بداية الجواب للتفريق بينهما:

 ** *

* ذكرتَ أن الجماهير لا تستطيع أن تصنع ثورة دائمة بمفردها، وأن الحزب الثوري الجماهيري يظل حيوياً لتطوير السياسات الراديكالية. هل يمكن أن تشرح ما تعنيه بهذا الكلام؟

** أولاً، أعتقد أننا يجب أن نتحدث عما يعنيه المرء بالثورة. أعني بالثورة تحولاً جوهرياً في سلطة الدولة، وانتقالها من طبقة أو تحالف طبقي إلى طبقة أخرى أو تحالف طبقي آخر. إنه أمر يتعلق بطبيعة الطبقة ورأس المال وكذلك بطبيعة الدولة. إذا من الواضح أنه لا يمكن القيام بالثورات بدون الجماهير، فإن الجماهير بمفردها قد تخلق انتفاضات اجتماعية واسعة النطاق، ولكنها لا تستطيع ترسيخ الثورات، أو على الأقل عدم نشوب الثورات الدائمة. لنلقي نظرة على بعض الأمثلة.

المثال الأكثر شمولاً هو الثورة الإسلامية في إيران. أنا أسميها ثورة لأنها، أولاً، أطاحت بورجوازية معينة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالملكية - ما كان يُطلق عليه "البرجوازية الملكية"- ولم يقتصر الأمر على النظام المَلَكي فحسب، بل هربت أكثر ألفي عائلة من إيران بالفعل. تحولت السلطة بشكل دراماتيكي من سلطة طبقة واحدة إلى سلطة طبقة مختلفة تماماً. الجانب الثاني المهم لهذه الثورة، هو أنها كانت أول ثورة حضرية في تاريخ الثورات. ثالثاً، تغيرت سلطة الدولة بمعنى أن جهاز الدولة - داخل الجيش على سبيل المثال - قد تحول من المَلَكية إلى السلطة الصاعدة الجديدة التي ضمنت استقرارها.

ما كان دور الجماهير؟ إن الجماهير تصنع الثورة، ولكن بمجرد أن تبدأ العملية الثورية، لا يمكن إلا لمنظمة قادرة على قيادة الجماهير أن تضمن انتصارها. في حالة إيران، كانت هناك منظمات يسارية مثل حزب توده "الشيوعي" شاركت أيضاً في صنع الثورة، ولكنهم أخرجوا من المناورة من قبل رجال الدين الشيعة، ولم ينجحوا في النهاية.

الآن، رجال الدين الشيعة لديهم هيكل محدد للغاية. في الواقع، فإن مصطلح "شيعة علي"، وهو الاسم الصحيح للشيعة، يعني حزب علي، ومن المفارقات أنها تعني في الواقع "حفلة"- يشير المتحدث هنا إلى كلمة (PARTY) التي تعني أيضا حلفة. ع.ل-.

لدى الشيعة هيكل هرمي يربط جميع المساجد في القرى والبلدات - ستون ألفاً منهم في إيران - عبر درجات دينية عليا مختلفة، وهناك بين خمسة عشر أو عشرين رجل دين بدرجة "آية الله" وهؤلاء يشكلون قيادة هذا الهرم الديني. إن هذا التنظيم الهيكلي هو الذي مكّن المؤسسة الدينية من تولي الثورة وقيادتها إلى تطورها الناجح.

عندما تتحرك الجماهير وينهار السوق ويكون هناك حظر تجول، فمن الذي سيحافظ على النظام؟ من الذي سيقدم الطعام للعائلات؟ وعندما تبدأ الجثث في الوصول وتستخدم الجنازات لأغراض الدراما السياسية، من سينظم تلك الجنازات، ويحافظ على النظام، ويستمرون في البناء؟ أنت تحتاج إلى منظمات. جماهير الشعب تصنع تمردا. مرت الأرجنتين بثلاثة منها. كان كيرشنر قادراً على الخروج منها إلى حالة استقرار. وهذا هو المثال الثاني لما أسعى إليه.

المثال الثالث، الذي سأقدمه هو أفغانستان، في أواخر السبعينيات حيث صنعت منظمة صغيرة ما يمكن تسميته "ثورة" ففيها، مرة أخرى، انتقلت السلطة من طبقة إلى أخرى وتغيرت شخصية الدولة. إنَّ السمة البارزة لما حدث في أفغانستان هي أنها كانت ثورة بدون الجماهير، على شكل انقلاب عسكري. وقد دفعت أفغانستان ثمن ذلك. ودفعت القوى الثورية في أفغانستان ثمن ذلك. ثم فشل التدخل السوفييتي في النهاية، لأن الجماهير لم تكن حاضرة في العملية الثورية، وكان الأمريكيون قادرين على تنظيم كل من البرجوازية والجماهير بواسطة آليات مختلفة. وهذا ما أعنيه عندما أقول إن الجماهير في حد ذاتها لا تقوم بالثورات على الرغم من أنها توفر الاحتمالات للقيام بها.

هذه النقطة لها بعض التداعيات المهمة على الطريقة التي ننظر بها إلى نضالات أمريكا اللاتينية اليوم: بوليفيا لم تشهد ثورة، بل شهدت انتفاضة جماهيرية هائلة أدت إلى قيام تشكيل سياسي مختلف تماما في الحكم. لكن طبيعة سلطة الدولة تظل كما كانت. إن البرجوازية بقيت سليمة تماما، وتمتلك نفس القدر من القوة كما كانت دائماً. لذلك فهي ليست ثورة بالمعنى الموضح أعلاه. كانت الجماهير هي من تسبب في ذلك وأنت تعرف كيف حدث ذلك.

ثم هناك فنزويلا، حيث شهدنا انقلاباً فاشلاً شارك فيه شافيز، وبعد ذلك أصبح يتمتع بشعبية كبيرة ثم يأتي إلى السلطة فيما بعد من خلال الانتخابات. وحدثت محاولة انقلاب ضده، وقد هُزمت، وكانت النتيجة تأمين سلطته. حتى يومنا هذا، فإن أقوى ميزة في نظام شافيز هي أن الجيش ظل مخلصاً له. حشد شافيز الجماهير واستمرت الجماهير في انتخابه في الاستفتاءات والانتخابات. لكن قوة البرجوازية باقية. البرجوازية في موقف دفاعي لكن قوتها لا تزال سليمة. ينتقل تشافيز من خلال استراتيجية معقدة للغاية تتمثل في منحهم تنازلات كافية لإبقائهم مدمجين في النظام، بينما يحاول في نفس الوقت تغيير طبيعة المؤسسات مثل ( PDVSA) شركة النفط الحكومية وما إلى ذلك؛ لإبقاء الجماهير في حالة حركة أثناء إنشاء أجهزة معينة للسلطة الشعبية. لن أسمي هذه ثورة بل عملية. إلى أين ستؤدي هذه العملية في المستقبل، لا نعرف حتى الآن. لكن هذه ليست كوبا، كما أكد البعض. على المرء دائماً أن ينظر إلى كل حالة من حيث ظروفها وخصوصياتها التاريخية.

إذا لم تكن واضحاً بشأن موقفك النظري فيما يتعلق بكيفية حدوث الثورات، وإذا كنت لا تولي اهتمامًا كافيًا للعملية التاريخية، فسوف ينتهي بك الأمر ببساطة إلى إصدار أحكام أخلاقية. على سبيل المثال، "هذا شعبوي لا بد أن يخون"، كما يقال عن موراليس. بالمناسبة، أصبحت "الشعبوية" كلمة سيئة للغاية. هناك شعبوية يسارية وهناك شعبوية يمينية وهناك حركات مثل البيرونية - في الأرجنتين - التي كان لها جناح يساري ويميني. لهذا فإن فهمنا لكيفية عمل الشعبوية في المواقف المختلفة يجب أن يُفهم ويُحكم عليه تاريخيًا، وليس أخلاقيًا.

 * أحد الانتقادات الموجهة لما تقوله، هو أن المنظمات التي حشدت الجماهير وبنت قوة معارضة للدولة القائمة سينتهي بها الأمر إلى تكرار أنماط الهيمنة أو القمع داخل تلك الثورات بمجرد نجاحها.

 ** بدءاً، كنتُ حريصاً على القول ببساطة إنَّ التحول في السلطة الطبقية يشكل ثورة. من المهم أن نتذكر أن الثورات تصنع من اليمين وكذلك من اليسار. لا أعتقد أنه كان هناك أي انحطاط في إيران، كانت دائماً هناك حركة "فاشية دينية" وكانت دائماً يمينية. كانت ثورة من اليمين. ما حدث تاريخياً هو أنه خلال الخمسينيات من القرن الماضي، تم القضاء تماما على اليسار الشيوعي ويسار المعارضة البرجوازية الوطنية الليبرالية من قبل جهاز الأمن الإيراني (السافاك) ووكالة المخابرات المركزية الأميركية بحيث تحول ميزان القوى. لم يعد من الممكن صنع الثورة المناهضة للملكية من اليسار. كان رجال الدين قادرين على القدوم والاستفادة من ذلك. لسوء الحظ، يمكن تحريك الجماهير من اليمين بقدر ما تتحرك من اليسار.

الآن، يجب على المرء أن يدرك أن هناك نوعاً قوياً من التقاليد الشعبوية في هذه الثورة، وقد أنجزت وسلَّمت أشياء معينة، وخصوصا لبعض النساء. ستخبرك النساء الإيرانيات القادمات من الطبقة الوسطى الدنيا بمدى تأثير هذه الثورة عليهن. تكره النساء القادمات من الطبقات الوسطى الغربية والطبقات الوسطى العليا الثورة في إيران، لكن النساء القادمات من الطبقات الدنيا تميل إلى دعمها. لقد أرسلتهن إلى الجامعات والوظائف عالية الأجر وتصاعدت مشاركة المرأة في المجتمع.

ثم أن هناك صراعا مستمرا داخل النظام؛ حيث يمثل محمود أحمدي نجاد شخصية متزمتة للغاية، رغم أنه هو نفسه ليس رجل دين. إنها أول حكومة في إيران منذ الثورة لا يرأسها رجال دين. وبصرف النظر عن جميع أنواع الأشياء الأخرى التي قد يقولها المرء، فهو يمثل اتجاه داخل الثورة يلتزم بإعادة توزيع جذرية للثروة.

لكنها كانت ثورة من اليمين، ولم يكن مقدرا لها أن تصبح حركة يسارية. كان الأمر يتعلق بتكوين نخبة مضادة، حول إنشاء دولة ذات طابع يمت بصلة للطبقة الوسطى وأساس اجتماعي في رأس المال التقليدي في مواجهة البرجوازية الملكية. في ذلك الوقت، كان لديك هذا الوضع الغريب حيث تحول ميزان القوى فعلياً مع الانتفاضة البروليتارية في قطاع النفط، لكن هذا الانفتاح تم إغلاقه وعزله وكان ذلك هزيمة اليسار وترسيخاً للطابع الإسلامي للثورة.

 * ألا ينتهي موقفك بتأييد فكرة أن ما يجري في العالم اليوم هو حرب بين الإسلام والغرب، وأن هناك صراع حضارات، يتم فيه حشد العالم الإسلامي خلف منظمات مثل حماس وحزب الله والدولة الإيرانية التي تقاوم القوى المنظمة للصهيونية والإمبريالية الأمريكية؟ ألا يوجد بديل للطبقة العاملة العلمانية يمكننا أن ننظر إليه بدلاً من ذلك؟ ألستم تضعوننا في موقف يتوجب علينا فيه دعم الحركات الإسلامية التي قد يكون لها بعض الصدق التاريخي ولكن نجاحها استند إلى تهميش اليسار؟ 

** انظر، أعتقد أنه لا توجد سوى حضارة واحدة في العالم. إنها عالمية وهي رأسمالية. لا توجد حضارة أخرى. نظراً لوجود حضارة واحدة فقط، فلا يمكن أن يكون هناك "صراع حضارات". ثانياً، حتى لو كنت تتحدث عن أشياء مثل الإسلام والغرب، فإن الحضارات لا تتصادم لأسباب بسيطة وهي أن الحضارات ليس لديها جيوش. الحضارات ليس لها دول. لقد تغلغلت الحضارات تاريخياً في بعضها البعض من خلال التبادل الثقافي والمادي. الحضارات لا تتصادم، ولم تتصادم أبداً. ولهذا فهذه فرضية خاطئة تمامًا

ولا أعتقد أن هناك شيئًا مثل "الإسلام مقابل الغرب". هناك أكثر من "إسلام". هناك الإسلام السعودي، على سبيل المثال، وهو سعيد للغاية بما يسمى بالغرب. أعتقد أن ما عليك القيام به هو تحديد الجماعات الإسلامية التي تتحدث عنها. في العراق، الإسلام الشيعي يعمل مع الأمريكيين، والإسلام السني يقاتلهم. الإسلام السني الكردي يعمل مع الأمريكيين بينما الإسلام السني في العراق ضدهم. لذلك، إذا بدأتَ في النظر إلى الأشياء بعناية أكبر، فلن تجد "إسلاما" واحدا. يجب أن يكون لديك نوع مختلف تماماً من التحليل، مع ترك تاريخ "الإسلام" جانباً والنظر في كيفية استخدام الإسلام لإضفاء الشرعية على هذا وذاك.

بالنسبة للجزء الآخر من سؤالك، يجب على المرء أن يؤسس تحليلاً ضمن مجال القوات "ميزان القوى" الحالي. النظامُ الإيراني يمثل العاصمةَ الإيرانيةَ كما هي الآن، ويريد إقامة تحالفات مع رأس المال الروسي والصيني كما هي الآن. لذلك يتحدث المرء عن مجال القوة هذا. في إيران، لا توجد فعلياً حركة منظمة كبيرة للشيوعيين يمكن أن تكون - بشكل معلن - شريكا في النضال أو عنصراً في الصراع على السلطة. لذلك يتحدث المرء عن الطريقة التي يتم بها تشكيل ميدان القوة الآن بعد هزيمة اليسار الشاملة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وبالمثل، إذا كان المرء يتحدث عن حماس، فإن خلفية تحليلنا يجب أن تكون هذه الهزيمة الشاملة لليسار. ما يتبقى منه اليوم، فالإسرائيليون يواصلون سياسة "الانتقاء والقتل". لقد قُتل كل زعيم وصل إلى قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثم يأتي جديدون ويقتلون. علينا أن ننظر إلى حقائق الصهيونية والإمبريالية وننظر إلى أولئك الذين قد يكافحون ضدهما.

إحساسي أن النظام الإيراني في منتصف الطريق هناك، وفي منتصف الطريق نحو التوصل إلى تسوية شاملة مع الأمريكيين. الأمريكيون يحكمون العراق برضى الإيرانيين بالتأكيد. لذلك ليس لدي أوهام حول النظام الإيراني كقوة مناهضة للإمبريالية. هؤلاء ليسوا معاديين للإمبريالية. هؤلاء هم الأشخاص الذين يريدون بناء دولة رأسمالية قوية في إيران والتوسع مثل أي دولة رأسمالية أخرى. إن رجال الدين الشيعة في العراق وإيران أوغاد متسترون: إنهم يتعاونون مع الأمريكيين.

بالانتقال إلى مثال العراق المعاصر، أعتقد أن المنظمة الوحيدة التي لديها أي قدرة حقيقية هي المنظمات الشيعة، الذين سلمهم الإيرانيون للأمريكيين. فالمعارضة السنية المزعومة ليست قادرة على القيام بثورة على مستوى العراق. عاجلاً أم آجلاً، سنرى ما إذا كان الشيعة سينضمون إلى التمرد، وفي هذه الحالة ستنهار القوة الأمريكية، أو سيظلون جزءًا من القوة الأمريكية، وفي هذه الحالة سيتم هزيمة التمرد خلال الأشهر والسنوات المقبلة. في سياق السلطة الطبقية ككل، أقدم هذه الصياغة. نأمل مع تطور هذا التعقيد، ستظهر بعض القوى الأخرى من اليسار. لكن هناك أزمة حادة على اليسار. انضم الحزب الشيوعي العراقي الرسمي إلى النظام الأمريكي، لذلك، في هذه المرحلة، نتحدث عن إمكانيات محدودة للغاية.

إلى حد كبير، إيران حالة فريدة من نوعها. انتصر الإسلاميون في أفغانستان بسبب القوة الأمريكية والقوة السعودية. كانت القوات العسكرية الباكستانية تقودهم. لقد كانت ثورة مضادة منظمة، نظمتها كل هذه القوى من خلال مرتزقة إسلاميين من دول مختلفة. الأفغان أنفسهم لم يصنعوا ثورة ومن غير المرجح أن تقوم المعارضة الإسلامية نفسها، كما نراها الآن، بثورة أخرى.

* كيف تفهم حركة المقاومة بقيادة "حماس" في فلسطين أو "حزب الله" في لبنان؟ من جهة، أهي حركات تحرر وطني تحارب الاحتلال؟ من ناحية أخرى، غالباً ما يرتبطون بالسياسات الإسلامية الرجعية.

 ** إنه تاريخ معقد للغاية. في كلتا الحالتين لديهم أصول يمينية للغاية، وكان ذلك عن عمد. كان الشيعة في جنوب لبنان هم القاعدة التاريخية للحزب الشيوعي اللبناني، وفي نقطة معينة في السبعينيات، تم إنشاء منظمة بدعم وتحريض كاملين من ياسر عرفات وآخرين للاستيلاء على تلك القاعدة لتنظيم ديني. كان المسار الأساسي يمينياً جدًا. في فلسطين، هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن دولة إسرائيل كانت لها دور فعال في رعاية حماس في تطورها المبكر، مرة أخرى، ضد اليسار الفلسطيني.

كان اليسار الفلسطيني، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على وجه الخصوص والجناح اليساري لحركة فتح، قويين للغاية في الأراضي المحتلة ذات يوم. كان الهدف من تهجيرهم والقتال ضدهم هو أن حركات مثل حماس قد تم إنشاؤها، من قبل النخبة الفلسطينية، ولدينا سبب للاعتقاد، بوجود دعم من الإسرائيليين. بعد هزيمة اليسار في لبنان خلال الحرب الأهلية، بفضل التدخلات السورية التي رعتها إسرائيل والولايات المتحدة، تم محو اليسار من الخريطة كقوة منظمة. على الرغم من وجود جيوب كبيرة، إلا أن اليسار المنظم هزم إلى حد كبير.

كانت نقطة التحول المهمة هي الغزو الإسرائيلي واحتلال جنوب لبنان عام 1982، والذي اعتقدوا أنه سيكون دائمًا، تماماً كما يعتقدون أن احتلالهم لمرتفعات الجولان في سوريا دائم. أرادوا ضم جنوب لبنان. في ذلك الوقت، شكل حزب الله وعدد من القوى اليسارية الوطنية جبهة موحدة ضد إسرائيل. كانت هذه هي المرة الوحيدة في تاريخ إسرائيل التي أجبرت فيها إسرائيل خلال الكفاح المسلح على إخلاء منطقة ما. لقد تحول "تغير تكوين" حزب الله في هذه العملية.

بعد انتصار حزب الله دخل البرلمان وأصبح الآن قوة برلمانية قوية للغاية. ضمن التشكيل الجديد للقوى، ومقارنة بالعناصر الأخرى في السياسة اللبنانية، فإن حزب الله هو في الواقع اليسار داخل ذلك البلد. إن التزام حزب الله بأن يصبح حزباً سياسياً في دولة متعددة الطوائف وأن يشغل حيزاً فقط في البرلمان تمنحه دائرته الانتخابية يجعله من الناحية السياسية نوعًا مختلفًا جدًا من التنظيم عن أي من المنظمات الإسلامية الموجودة في أي مكان آخر. بهذا المعنى، فإن حزب الله هو نوع مختلف تمامًا من القوة. لقد عمل حزب الله والعديد من المنظمات اليسارية معاً في الواقع. الكفاح المسلح ضد الإسرائيليين خاضه اليسار وحزب الله معا.

حماس لها تاريخ مختلف. وهي من أصول "الإخوان المسلمين". كانت جماعة الإخوان المسلمين المصرية قوية للغاية في غزة حتى قبل الاحتلال الإسرائيلي. إن معارضتها للشيوعية والعلمانية جعلتها قريبة جداً من الإسرائيليين في مرحلة ما. لذلك، كانت حماس معارضة بشدة لفتح وحركة عرفات. مع هزيمة اليسار، التي بلغت ذروتها بهزيمة الانتفاضة الأولى، لم يبق سوى لاعبان مهمان. لقد استخدم عرفات الانتفاضة الأولى للحصول على اتفاقيات أوسلو، وفي اتفاقيات أوسلو بيعت المنصة اليسارية لحركة التحرير الفلسطينية. هُزمت قوى اليسار وعُزلت خلال تلك العملية. لم يبقَ سوى ما يسمى بالسلطة الفلسطينية وحماس في الميدان، لأن حماس لم تكن أبداً جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية. كانت تعارض منظمة التحرير الفلسطينية.

عززت حماس أساسها في البرجوازية الصغيرة والطبقة العاملة من خلال الانخراط في خدمة الشعب، وتقديم ما لا تستطيع السلطة الفلسطينية تقديمه وما لا تستطيع تقديمه، ويرجع ذلك جزئياً إلى فسادها. إن الطابع الاجتماعي لحماس مختلف تماماً عن طابع منظمة التحرير الفلسطينية. كانت حماس قادرة ليس فقط على توجيه انتقادات للاحتلال والسلطة الفلسطينية، ولكن جعل الحياة اليومية تحت الاحتلال ممكنة. ومن هذا المنطلق شرعية حماس وشرعية الفكر الإسلامي.

أعتقد أن الأمر بسيط للغاية. ليس عليك الاتفاق تماما مع حماس لكي تراها قوة، هي في الوقت الحالي، في طليعة المقاومة لإسرائيل.

 * لنَعُد إلى مسألة التنظيم. ما هو الفرق بين الثيوقراطية الشيعية التي وصفتها والحركة الشيوعية التي قد تدعمها؟ هل أن شكل هذه الحركات متطابق في كلتا الحالتين على الرغم من تضمنهما محتوى سياسياً مختلفاً تماما؟

 ** لا أعرف ما الذي يعنيه البعض بالشكل، لأنه لا يمكن تمييز الشكل عن العلاقات الاجتماعية التي يندمج فيها. لا يمكن أن يكون شكلاً بلا جسد. كان للعلامة التجارية الخاصة للشيعة الإيرانيين تسلسل هرمي جاهز ذو طبيعة دينية. على سبيل المثال، لكل مسجد وكل إمام موظفين يتقاضون رواتبهم من المؤسسة. إنه تسلسل هرمي للاعتقاد والإيمان وكل ذلك. الشيوعيون ليس لديهم مثل هذه الميزة. يجب على الشيوعيين أن يبنوا قواعدهم، وهم في طور بنائهم سيكتسبون الولاء والشرعية بين الجماهير.

إنها مسألة فعل عملي، وليست مجرد مسألة إنشاء المنظمات. لا تفعل المنظمات شيئاً ما لم تقدم شيئًا للناس. نقابات العمال هي مجرد شكل واحد من هذه الديناميكية. لطالما كان "العمل الاجتماعي" للشيوعيين هو الذي منحهم الأرضية بين الجماهير. لقد فعل الشيوعيون دائماً ما تقول الحركات الاجتماعية إنهم يفعلونه: الصرف الصحي والمجاري، والمنظمات النسائية، وحل مشاكل الناس في القاعدة. لم يكتشف ذلك ما يسمى بالحركات الاجتماعية "الجديدة". هذا ما فعله الشيوعيون دائما. هذا ما فعله غاندي. أي حركة تريد تضرب بجذورها بقوة بين الجماهير تنهض على هذا الأساس.

عندما تأسست دولة باكستان وجاءت هذه البروليتاريا المهاجرة من الشمال، لم تكن هناك نقابات عمالية في كراتشي. كان أحد مخاوف العمال هو أنهم سيموتون ويدفنوا بعيداً عن منازلهم. أول منظمة شيوعية نشأت في كراتشي كانت "لجنة توابيت ودفن". كانت هذه أول منظمة شيوعية. وعليه، فمن خلال هذه الأنواع من الأنشطة يمكنك بناء شرعيتك. هذا ما عليك القيام به في أي بلد. الآن، يجب أن يكون لديك أشكال متجذرة في حقائق حياتك. لهذا، فإن الشخص الكندي مثلا لا يهتم كثيراً بمكان موته ودفنه. ستكون القضايا مختلفة، لكن علينا القيام بعمل مماثل.

هذا هو الشيء الذي تفعله معظم الحركات الاجتماعية. أنا أدعمهم تماماً لأنه نوع مألوف جداً من العمل. حيث إنني أفصل الشركة مع معظمهم في أيديولوجيتهم الضيقة جداً للسياسة الجزئية، حيث يفترض المرء أنك ستتقدم بالتدريج في الممارسة من هذه الأنشطة إلى المؤتمرات والمنتديات الاجتماعية السنوية، وقد يحدث بعض التنسيق وسيتغير المجتمع بطريقة ما. هذا التركيز الحصري على السياسة الجزئية هو الشعبوية من الدرجة الأولى، وأنا لا أجده مقنعًا للغاية.

 * إحدى الحجج التي يطرحها العديد من الناس هي أن المنظمات اليسارية من النوع القديم لم تعد ضرورية أو مرغوبة، وأن هناك شبكات أفقية يتم تطويرها، وأن الحركة المناهضة للعولمة هي مثال على "حركة الحركات" التي تقدم بديل للطريقة القديمة في ممارسة السياسة. ما رأيك في حجج الزاباتيستا أو جون هولواي "محامٍ وفيلسوف وعالم اجتماع ذو توجه ماركسي، يرتبط عمله ارتباطًا وثيقًا بحركة زاباتيستا في المكسيك. ع. ل؟

 ** نعم، هذا هو السؤال. أعتقد أن مسألة سلطة الدولة قضية مركزية تماما. في قلب سلطة الدولة توجد آليات العنف، ليس العنف القومي فحسب، بل العنف الإمبريالي. الثورات من الأسفل، التي لا تعالج مسألة سلطة الدولة لن تنجح أبدًا. حركة زاباتيستا لن يقوموا بثورة. قد تغير هذه الحركة ظروف الشعوب الأصلية المكسيكية في بعض أجزاء المكسيك - وهو أمر يستحق القيام به وأنا أؤيدهم بالكامل - لكنهم لن يقوموا بثورة ما لم يغيروا أنفسهم.

من وجهة نظري، فإن الزاباتيستا يرتكبون خطأ بالبقاء خارج الميدان الانتخابي وعدم إلقاء دعمهم وراء المرشح أوبرادور (مرشح اليسار في انتخابات الرئاسة سنة 2018 وقد فاز فيها أوبرادور، ومن الواضح أن المقابلة مع أحمد قد أجريت قبل هذا التاريخ ببضع سنوات. ع.ل). في أي بلد يكون المجال الانتخابي مفتوحًا فيه، لا يمكنك ببساطة إخلائه. يمكنك القيام بالعديد من الأمور الأخرى، ويجب عليك التعامل معها. هذا هو سبب تفوق الحركات الاجتماعية في بوليفيا: لقد اندمجوا خلف موراليس من أجل تغيير الحكومة على الأقل ومنحها فرصة. يمكن للحكومة أن تزود الحركات الاجتماعية بميزة كبيرة فيما يتعلق بما يمكنها فعله. إنه ليس وضعًا ثورياً ولكنه يوفر ميزة فنية معينة.

للثورات من الأسفل سقف لن تتجاوزه. هذه هي المشكلة. أنا لا أتبع التفكير الأناركي المعاصر (نسبة إلى الأناركية أو اللادولتية وهي تيار شيوعي غير ماركسي يسمى أحيانا الفوضوية أو النقابية الثورية. ع. ل) بإهماله الخاص للدولة ومسألة حل الدولة كمجال متناقض للقوة. أعتقد أن هذه نقطة ضعف كبيرة من الناحية النظرية، وأعتقد أن باكونين "ثوري أناركي من أصل روسي ساهم في بعض الثورات الأوروبية ومنها كومونة باريس. ع.ل" كان في الواقع أكثر دقة. هناك سؤال لا مفر منه حول بناء دولة معاكسة.

 * جادل سيرل جيمس (مؤرخ وصحفي ماركسي من ترينيداد، وصف بأنه جدلي مناهض للستالينية. ع.ل) وبعض منظري التقليد الماركسي الإيطالي المستقل الذاتي بأن المراحل المختلفة للرأسمالية (تنافسية، احتكار، فوردي، ما بعد حداثي / مصنع اجتماعي) أنتجت أشكالًا معينة من التنظيم الذاتي البروليتاري (من الاتحاد الحرفي إلى الحزب الطليعي إلى الجمهور). هل تشير الطبيعة الخاصة للإمبراطورية الأمريكية والرأسمالية المتأخرة إلى أطر جديدة للتنظيم الثوري في القرن الحادي والعشرين؟

 ** أعتقد أننا نتحدث عن عدة أشياء مختلفة هنا. عندما تتحدث عن حزب طليعي، عندما كان سيرل جيمس يتحدث عن حزب طليعي، فإنك تفكر في الشكل اللينيني للمنظمة الثورية المحترفة على نموذج "ما العمل- كتاب لينين الشهير "، يبدأ استجواب هذا النموذج من قبل أشخاص مثل غرامشي. ماذا تفعل في وضع لا توجد فيه دولة قيصرية بل جمهورية برجوازية مستقرة؟ عندما يكون شكل الحكم السياسي مختلفًا جذرياً، ماذا يحدث لهذا النوع من الأحزاب الطليعية؟

في الخمسينيات من القرن الماضي، جادل المنظِّرون الشيوعيون في الهند بأنه لا يوجد التفاف حول الشكل البرلماني. نظراً لأن الوعي البرجوازي يتم إنشاؤه باستمرار على نطاق واسع من خلال الشكل البرلماني، وتعود الدولة إليه لإضفاء الشرعية عليه، يمكنك ويجب عليك تمثيل نفسك في هذه الساحة البرلمانية. أعتقد أن هذه هي الأزمة الأولى لتشكيل حزب الطليعة. في بلدان مثل نيبال ليس لديك جمهورية برجوازية. في هذه الحالة، كان الشيوعيون قادمين من الريف، ومع ذلك يتعين على الشيوعيين النيباليين الآن التعامل مع هذا السؤال بالضبط. في معظم الحالات، لم يعد نوع الطليعة المقترح في "ما العمل" قابلاً للتطبيق. لا أعتقد أن الأمر يتعلق كثيراً بمراحل الرأسمالية. أعتقد أن الأمر يتعلق أكثر بالشكل السياسي للحكم في ظل الرأسمالية.

* كيف تختلف الشيوعية البرلمانية في الهند عن الديمقراطية الاجتماعية في أوروبا؟

** هذا سؤال جيد جدا. في الأساس، كانت الديمقراطية الاجتماعية ملتزمة بفكرة أن تحول الرأسمالية يمكن أن يتحقق من خلال سلسلة من الإصلاحات التدريجية التي يتم تحقيقها من خلال بناء دولة الرفاهية. كان يُنظر إلى بناء دولة الرفاهية وتعميقها على أنه مشروع الديمقراطية الاجتماعية. وقد وصل هذا المشروع إلى حدوده مع أزمة الكينزية. لا يتوهم الماركسية الهندية أنها ستكون قادرة على بناء دولة رفاهية مناسبة. هذا اختلاف واحد.

في هذا الصدد، بمجرد انفصالها عن الماركسية في أوائل الخمسينيات (على أقصى تقدير)، لا أرى الاشتراكية الديموقراطية كما لو كانت قوة مناهضة للرأسمالية. تعتبر الشيوعية البرلمانية الهندية نفسها في الواقع قوة مناهضة للرأسمالية. مرة أخرى، لا يمكن النظر إلى مسألة الإصلاح بشكل تجريدي. أنت تعمل من أجل الإصلاحات إذا فزت بالانتخابات في ولاية معينة، كما يفعلون في ولاية البنغال الغربية. لكن الوهم لا يوحي أبدا بأن هذه هي الطريقة التي سنبني بها الاشتراكية. هذا الوهم ليس هناك.

ما يقولونه هو أنك، بما أنك انتخبتنا، سنفعل لك أفضل ما في وسعنا. لهذا فإن ما يفعلونه عملياً في هذه الحالة لا يختلف كثيراً عن الإصلاح الديمقراطي الاجتماعي في مجتمع فلاحي إلى حد كبير. الفرق هو أنه لا يُنظر إليه على أنه لبنة أساسية. إنهم واضحون بشأن حقيقة أنه لا يمكنك بناء اشتراكية في مقاطعة تابعة لدولة ما، وأنه يتعين عليك بناء منظمات ثورية جماهيرية. إنه ثوري بمعنى أن العمل البرلماني يُنظر إليه على أنه نوع واحد فقط من العمل، وأنت تخطط باستمرار لمواجهات مع الدولة خارج البرلمان تماما.

إنها مسألة بناء الحركات الجماهيرية التي ستخرج منها، من ناحية، تأثيرات مفيدة على السياسة البرلمانية ونوع الانتخابات التي تمر بها الجماهير، ولكن من ناحية أخرى، يتعلق الأمر في الواقع ببناء أجهزة للسلطة السياسية الشعبية في القاعدة. على نطاق أوسع، يتعلق الأمر ببناء ما أطلق عليه سام جيندين وليو بانيتش، بشكل غامض للغاية "القدرات". على سبيل المثال، لديك حركة نسائية تتناول جميع أنواع الأشياء، من الكهرباء إلى الطاقة إلى الإسكان، وهي ليست مجرد خاضعة للآلة الانتخابية. وعلى هذا، فهناك مفهوم مختلف تماماً في الهند عن نظيره في أوروبا.

بالعودة إلى سؤالك حول الفترة الزمنية وأشكال التنظيم: حقيقة الأمر هي أنه في جهودهم التنظيمية داخل الطبقة العاملة في الولايات المتحدة، لم تلق كلمات الشيوعيين آذاناً صاغية، باستثناء الثلاثينيات عندما فعلوا ذلك. تصبح قوة سياسية بارزة إلى حد ما. أسباب ذلك متنوعة، لكنها ليست مسألة فترة زمنية أو فوردية وما إلى ذلك.

ومع ذلك، فإن الشيء الذي لا بد من قوله هو أنه كان هناك تحول في تكوين الطبقات نفسه يتطلب تحولاً في فهمنا للتنظيم. استندت الماركسية الكلاسيكية إلى فكرة أن غالبية السكان سيصبحون بروليتاريين، وستكون الطبقة العاملة الصناعية الكبرى في قلب هذه العملية. إذا استخدمت مصطلح "بروليتاري" أو "طبقة عاملة" بالإشارة إلى العلاقة الدقيقة للغاية بين العمل المأجور ورأس المال، فإن الغالبية العظمى، وبالتأكيد في البلدان الرأسمالية المتقدمة، قد أصبحت طبقة عاملة بهذا المعنى. لكن ثقل الطبقة العاملة الصناعية، إذا كان هناك أي شيء، يتدهور مع الأتمتة -التشغيل الذاتي الآلي ع.ل -، إلخ. ولهذا السبب، فإن الجزء الأكبر من الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتقدمة ليس البروليتاريا الصناعية. في الواقع، لم تشكل الطبقة العاملة الصناعية في أي وقت أكثر من ثلاثين بالمائة من السكان. لم تكن أبدا أغلبية.

إن ما يشكل الأغلبية هو الناس من فئة العمل المأجور، فلقد انتشرت أنواع مختلفة من العمل المأجور - في قطاع الخدمات بشكل عام- ولكن حتى داخل قطاع الخدمات، انتشرت أنواع العمل المأجور. هذا له عواقب لأشكال التنظيم. هناك عواقب سلبية على الأشكال التقليدية لتنظيم الطبقة العاملة، لكن من الصحيح أيضاً، كما أواصل القول، أن عدد وتنوع العملاء الثوريين المحتملين قد تضاعف. يطالب السكان الأصليون الآن بحقوقهم في الأمريكتين، ويدخلون المجال السياسي بطريقة لم يسبق لهم القيام بها في الماضي.

هذا سؤال يجب أن يعالجه اليسار بشكل صحيح وعلى نطاق واسع للغاية. وإلا فإننا محكوم علينا بتكرار الماضي. على سبيل المثال، كان جزء من فشل الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة مبنياً على عدم معالجة مسألة العرق بشكل صحيح في أيام سيريل جيمس.

لقد دخلت النساء في جميع أنحاء العالم المجال السياسي خلال الثلاثين عاماً الماضية بطريقة لم يسبق لها مثيل من قبل. وبالتالي، فإن فهمنا للمرأة كعنصر أو عامل مستقل بحد ذاته يجب أن يتغير. لقد قامت النساء دائمًا بمعظم الأعمال المنتجة وليس العمل الإنجابي فقط. أصعب عمل في مجتمعات الفلاحين تقوم به النساء، وهو أمر لم نأخذه بعين الاعتبار عندما فكرنا في الفلاحين. كنا نفكر في الفلاح الذَّكر الذي يخرج للعمل في الحقول. لقد تغير فهمنا للبروليتاريا وهو يحتاج إلى التغيير.

إنَّ قضايا من هذا النوع ترتبط ارتباطًا طفيفاً بفترات الرأسمالية. ومع ذلك، إذا نظرنا إلى مسألة الفترة الزمنية في سياق الاقتصادين العظيمين من حيث الوزن الديموغرافي، فإن الهند والصين في خضم فترة بَلْتَرَة "تكوين طبقة بروليتارية. ع.ل" واسعة النطاق على نطاق غير معروف في تاريخ البشرية. بالضبط في اللحظة التي يوجد فيها نوع من "ما بعد التحديث" للعمل في الولايات المتحدة، كانت هناك بلترة هائلة تحدث. لذلك، إذا كانت هناك فترات، فمن الواضح أنها ليست متزامنة. في الهند ما يقرب من 78 بالمئة من السكان لا يزالون يعيشون في القرى. إنهم لم يعودوا يمارسون زراعة الكفاف، وينضم السواد الأعظم منهم إلى البروليتاريا الريفية والبروليتاريا الرثة. يوثق كتاب مايك ديفيس الرائع "كوكب الأحياء الفقيرة" ما يحدث مع التحضر العالمي. اليوم، لا يمكن فهم أنماط الحياة الاجتماعية بأكملها بالطريقة نفسها التي فكرنا بها في المدن، على سبيل المثال.

 

* ما هي احتمالات إعادة بناء اليسار عالميا؟ هل أنت متفائل بالعقود القادمة؟

 ** أولاً، على المرء أن يبدأ بحقيقة أن العالم لا يزال من الناحية السياسية تكتلاً من الدول القومية. الدولة القومية هي شكل حقيقي للغاية ولا يمكنك ببساطة تجاوزها. لذلك، فإن نوع اليسار الذي يتطور في أي جزء من العالم سيكون له خصائص وطنية قوية جداً، أعني بذلك الخصائص المتجذرة بشكل موضوعي في واقع الدولة القومية المعينة التي تعمل ضمنها. يظل هذا صحيحاً على الرغم من حقيقة أن وسائل الاتصال الحديثة، وخاصة بالنسبة لليسار الغربي، القدرة على السفر كما هي، يمكن أن يكون هناك تنسيق عالمي أكبر بكثير بين الحركات مما كان ممكناً في الماضي.

ثانيًا، كما كنت أجادل لبعض الوقت نحن في فترة تجارب رائعة. باختصار "نحن" أعني اليسار بشكل عام. هذا اليسار نفسه له توجهات كثيرة، القليل منها اشتراكية أو ثورية، بالمعنى الدقيق للكلمة. في سياق ما يمكن أن أسميه الجبهة الموحدة العالمية، وجدت ما أطلقوا عليها الحركة المناهضة للعولمة فكان ذلك بمثابة تقدم كبير. في أي حالة وطنية، ستكون نواة هذه الحركات مختلفة للغاية. في البرازيل، كان أقوى عندما كان الجناح اليساري لحزب العمال في قلبه. لم يكن من أجل لا شيء أن المنتدى الاجتماعي العالمي حدث في البرازيل. لا يمكن أن يحدث ذلك في العديد من الأماكن حول العالم. كان حزب العمال محوريًا جدًا في ذلك. عندما حدث المنتدى الاجتماعي العالمي نفسه في مومباي، كان له طابع مختلف تمامًا فقد كان في قلبه اليسار الشيوعي. لأول مرة على منصة المنتدى الاجتماعي العالمي، كان لديك حوالي عشرين حدثًا نظمته الأحزاب الشيوعية بشكل مباشر، وهو ما لم يُسمح به مطلقًا في مدينة بورت أليغريالبرازيلية.

لهذا، يتغير مركز الثقل أيضاً، وإلى هذا الحد أعتقد أننا - وأنا أتحدث هنا عن اليسار الاشتراكي أو الماركسي - نحتاج إلى فهم واضح جداً لمدى أهمية بناء هذه الجبهات الموحدة. ما مدى أهمية الجمع بين جميع أنواع الميول المعارضة في العالم!

من بين كل هذه الأشكال التنظيمية المختلفة، ستتقدم حركاتنا.

 ***

........................

* تُرجمت المقابلة عن النص المنشور في موقع (upping the inti).

2916 علي اليوسف ومراد غريبيحوار فلسفي اجراه الباحث الجزائري مراد غريبي مع الباحث الفلسفي علي محمد اليوسف

الاستاذ مراد غريبي: قرات لك انك لا تؤمن بوجود جدل تاريخي يحكم المادية التاريخية لا ماركسيا ولا هيجليا، كيف توضح لنا هذه الانتقالة الفكرية لديك؟

الباحث: علي محمد اليوسف: نعم في الفترة الاخيرة كان لي رأيا مفاده كلا المنهجين الجدل المثالي والجدل الماركسي لا يمتلكان التحققات العلمية التجريبية الحادث حصولها على صعيدي المادة والتاريخ واقعيا أو التحققات غير الفلسفية المتشككة في عدم حدوثها. والتاريخ تحكمه العشوائيات والمصادفات والصراعات التي لا يحتويها قانونا ولا يستستوعبها نظرية تقوم على الزامية الضرورة الافتراضية في وجوب تقدم حركة التاريخ الى امام على الدوام.

فالحتمية الضرورة هي تصورات نظرية فلسفية واحكام تلزم التاريخ بها كقانون وهي ليست من حركة التاريخ بشيء يكون قانونا مستقلا طبيعيا عن رغائب الانسان. ليس مهما بنظري البحث عن هل التطور الذي يحكم الحياة البشرية موزّعة على تطور الظواهر المادية وتطور مسار التاريخ تتم في منهج مثالي إعتمده هيجل أو منهج مادي إعتمده ماركس بقدر أهمية الجواب على التساؤل: هل الجدل حقيقة قائمة تاريخيا حصلت وتحصل وتقود حركة التاريخ أم هي فرضيات نظرية إبتدعتها ايديولوجيا اليسار والفلسفتين المثالية والمادية على السواء.

من المسائل العديدة الواجب الوقوف عندها هي كيف نجزم حصول الجدل بقوانينه الديالكتيكية الثابتة التي قادت التطور التاريخي عبر العصور، خير مثال يعزز أن قوانين الجدل تبقى تقديرات افتراضية نظرية تتطلب منهج التحقق الحصولي المادي لها هو أن الراسمالية تطورت ووصلت مرحلة العولمة في نهاية التاريخ ولم تعتبر الجدل سوى منهج غير واقعي وهمي يهم المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي القديم. وليس معنى هذا النفي الاختلافي أن النظام الراسمالي يمتلك نظرية منهجية للتاريخ قادت الى مراحل الديمقراطية الليبرالية وتحسين ظروف العمل حيث كانت تنبؤات هربرت ماركوزة وغيره من فلاسفة أنه لم يعد هناك تنازع مصالح طبقات بالنظم الراسمالية تتصارع بين مصالح الطبقة العمالية وطبقة الراسماليين بعد تحديد الاجور وساعات العمل وتامين الضمان الصحي والتقاعد للعمال والشغيلة وغيرها من مكاسب وامتيازات اذابت جبل الجليد الفاصل بين الطبقات الكادحة المحرومة من الحياة الكريمة والطبقات الراسمالية التي تمتلك كل رفاهية الحياة وتوريثها لابنائها من بعدها.

الاستاذ مراد غريبي: كيف ترى التطور التاريخي خارج مفهوم الجدل المثالي والجدل المادي؟

الباحث: علي محمد اليوسف: ما ارغب تاكيده هنا أن التاريخ مجموعة من المتلاحقات العشوائية القائمة على الفعل ورد الفعل وأن التاريخ لايتقبل منهجا يستوعبه. وقبل طرح تفاصيل وجهة نظري أن التاريخ غير غائي ولا يستوعبه منهج ولا تحكمه ضرورة نظرية أمهّد قليلا بالتالي بعد اسطر. لكني ارغب الاستدراك أن حاجة حماية بقاء الجنس البشري من الانقراض المحتوم هو بالعودة الى نظم اشتراكية منهجية تؤمن مستقبل اجيال البشرية في توفير الغذاء والقضاء على الفقر وتوفير كرامة الحياة للجميع في جعل تحديد النسل قانونا من قوانين حقوق الانسان.

ولا يشترط ان يكون المستقبل الاشتراكي المنشود الغاءا ولا ارتباطا في الاستفادة من التجارب الاشتراكية القديمة واعتماد اكثر المناهج الاشتراكية مقبولية انسجامية مع المعاصرة التي يعيشها العالم المحتاج الى يسار غير تقليدي غير راديكالي يحتذي التجربة الصينية كنموذج يحمل الكثير جدا من مستقبلية انسانية داحضة تماما لمفاهيم عولمة الراسمالية الزائلة لا محال حتى لو عاشت فترات تاريخية طويلة.

الاستاذ مراد غريبي: بضوء وجهة نظرك الجدل الديالكتيكي التاريخي وهم فلسفي تنظيري وليس قانونا طبيعيا يحكم المادة، ما توضيحك لذلك؟

الباحث: علي محمد اليوسف:

التناقض الجدلي وهم الحقيقة

يرى هيجل أن الواقع في حقيقته الوجودية (جدليا) لأن العقل نفسه الذي يدركه ذو طبيعة جدلية – هنا يقصد هيجل بالعقل هو الفكر -  بخلافه ارجع ماركس جدلية الفكر الى جدلية الواقع الذي نعيش فيه. 2. هذا الخطأ الذي وقع به هيجل إعتباره جدل الواقع حقيقة موضوعية قائمة لأن العقل ذاته ذو طبيعة جدلية فهو أخذ بسببية هيوم على صعيد جدل الفكر في تجريديته غير الانفصالية عن جدل الواقع. بتعبير آخر جدل العقل الخاص الذي يسبق جدل الواقع حسب فرضية هيجل سببا لان نقوم بتفسير التاريخ جدليا. وهو مارفضه ماركس بشدة حيث اعتبر جدل الواقع سبب لتفكير جدل العقل بالتفكير الواقعي.

الشيء الاكثر اهمية في خطأ هيجل ان جدل الواقع لا يداخل جدل الفكر. وهذا ما شكل ركيزة غاية بالاهمية اعتمدها ماركس ان الجدل يتم بموضوعية واقعية مستقلة لاعلاقة لها برغائب الانسان ولا قدرة لجدل الفكر تسيير جدل الواقع ولا جدل التاريخ.

لتوضيح هذا الاختلاف الذي تم وصفه بالاختلاف المنهجي المثالي بالضد من المنهج المادي حول الجدل أو الديالكتيك يرى هيجل فيه أن الوجود الواقعي – الاجتماعي إنما يستمد (وجوده) من الذات المدركة له الذات العارفة.

خطأ هيجل في هذا التعبير  هو في خلطه بين ادراك الشيء في موجوديته الطبيعية المستقلة عن ادراك موجوديته الجدلية مع الذات التي تدركه وبغير ذلك اي بغير وجود الذات المدركة لا يكون هناك للاشياء وجودا مستقلا سواء ادركته الذات ام لم تدركه حسب مثالية هيجل ومن جاء بعده. الوجود الشيئي بالواقع لا يحدده الادراك له بل وجوده المستقل السابق على الادراك.

الذات لا تدخل جدلا ديالكتيكيا مع الواقع بسبب انتفاء المجانسة النوعية بينهما، وحتى لو قلنا أن الفكر يدخل بجدل ديالكتيكي مع المادة فهذا لا يغّير من حقيقة الامر شيئا في إنعدام المجانسة النوعية مع المادة في وحدة الماهية والصفات بينهما.

من هذا الخطأ الفلسفي الذي إعتبره ماركس مثاليا لا حقيقة له في الواقع الذي يراه ماركس وجودا موضوعيا مستقلا ولا يستمد موجوديته من ادراكية الذات له. واذا ما ترجمت هذه المقولة اسقاطيا على حركة التطور التاريخي، نجد ماركس محقا قوله " وعي الانسان لا يخلق الواقع، بل الواقع يصنع الوعي" 3 .ويعتبر بعض الفلاسفة والمفكرين ان مقولة ماركس تلك كانت ثورة لا تقل اهمية وتاثيرا عن ثورات كل من سقراط، بيكون، هيجل. ومن السخرية أن نجد المثاليين ينكرون هذه الحقيقة قولهم لا وجود مادي خارجي لا يدركه العقل.

الملاحظة التي برأيي تم غفلها تاكيد أن ماركس لم يقل وعي الانسان يخلق جدل الواقع. فالجدل في حال التحقق من حدوثه على صعيدي المادة والتاريخ فهو جدل وقانون طبيعي يعمل بمعزل عن وعي الانسان له وبمعزل عن تلبية رغائبه.

ملاحظات تعقيبية:

- اصبح اليوم مراجعة دراسة كيف تطور التاريخ ليس مهما اسبقية المادة على الفكر أو بالعكس؟ بل الاهم مراجعتنا هل جدل المادية التاريخية هو التفسير العلمي الوحيد الذي نادت به الماركسية صحيحا؟ لا توجد براهين ثبوتية لا على صعيد المادة ولا على صعيد التطور التاريخي تثبت لنا أن قوانين المادية التاريخية الكلاسيكية الثلاث التي وضعها ماركس وانجلز(قانون وحدة وصراع الاضداد، وقانون تحول الكم الى كيفيات، والثالث قانون نفي النفي) هي قوانين جدل اكتسبت علميتها بالتجربة الميدانية الحقيقية اجتماعيا وعلى ارض الواقع بالحياة التي نعيشها وعاشها آخرين من قبلنا على مر العصور. ربما تكون حقيقة تحول التراكم الكمي الى تراكم نوعي صحيحا لكنه لا يكون ولا يمتلك بمفرده إحداث جدل على مستوى التاريخ يمكن التحقق منه، انما تصح هذه التحولات من كمية الى كيفية أن تكون واحدة من قوانين الطبيعة التي لا يدركها الانسان مباشرة وتحدث ليس في توليد جدلي بل في توليد (سببي).

- الجدل المثالي او المادي على السواء الذي بحسب المنادين به والادعياء له والذي بضوئه نعرف تطورات المادة وتطورات التاريخ لا يقوم على اساس من تناقض نوعي تجانسي في الماهية والصفات يجمعهما داخل الظاهرة الواحدة. فانت لكي تجد جدلا ديالكتيكيا يجمع بين الفكر والمادة في تعالقهما التخارجي لا بد من اشتراكهما في مجانسة نوعية واحدة تشمل وحدة الماهية مع وحدة الصفات لكليهما في تعالق جدلي يجمع نقيضين متضادين ينتج عنهما إستحداث الظاهرة الجديدة أو ما يسمى المركب الثالث.

فالواقع بكل موجوداته وتنوعاته الذي يشكل مصدرا للوعي يمتلك مجانسة نوعية في كل ظاهرة فيه منعزلة تختلف عن غيرها بعيدا عن مدركات الفكر لهذا التناقض الداخلي في وحدة المجانسة النوعية.

بمعنى كل ظاهرة حركية تطورية لكي يحصل جدلا داخلها منفردة لوحدها لا بد أن يمتلك النقيضين المتضادين فيها مجانسة نوعية واحدة التي هي الماهية والصفات التي تجمعهما في وحدة كليّة، وعندما لا يمتلك الواقع بظواهره المجانسة النوعية في داخل ظواهره لا يحصل جدلا داخلها بمعزل عن الفكر أو بتداخل تخارجي للفكر معه. الشيء الذي اراه مهما أن لا نقع في خطأ إعتبار الجدل في المادة مرادفا لا فرق بينه وبين إعتبار علاقة الفكر بالمادة علاقة ( معرفية ) تكاملية وليست علاقة جدلية ديالكتيكية تقود بالحتم إستحداث ظاهرة جديدة أو مركب ثالث.

- ليس مهما صحة أو عدم صحة مقولة هيجل أن الوجود ذاتي يستمد موجوديته من الذات المدركة أو العارفة. التي رغم وصمها بالمثالية الفكرية الا انها تشير الى منهج (مادي) في حقيقتها. وبغير هذه العلاقة التي اشار لها هيجل لا يبقى معنى للواقع أن يكون مؤثرا بالوعي، ولا معنى للوعي أن يكون نتاجا للواقع حسب ماركس. هنا نجد هيجل يؤكد على أن الوجود هو ادراك ذاتي لذات عارفة وهو منطق فلسفي سليم لا علاقة ترابطية له مع الجدل الواقعي الموضوعي الذي يجري خارج ادراك الذات لحصوله..علاقة الذات مع مدركاتها المادية علاقة تخارجية تكاملية معرفية بينهما وليست علاقة جدلية.

- عندما يرى ماركس العكس من ذلك أن الوعي هو ناتج ادراك الواقع المادي الذي نعيشه في اسبقيته على تفكيرنا، فهذا ليس معناه ضرورة ربط المادة بالفكر على مستوى تناقض جدلي يجمعهما يقود لناتج حصول متغيرات جديدة وإنما هنا الاختلاف بين هيجل وماركس على مستوى (وعي) و (معرفي) للواقع وليس على مستوى الجدل بينهما.

- الجدل المزعوم بين الواقع والفكر هو وهم غير قائم للاسباب:

1- الواقع والفكر ليسا قطبي تناقض تجمعهما مجانسة ماهوية واحدة تدخلهما في تناقض جدلي بمعزل عن ارادة الانسان. فالجدل في حال اثباته قانونا طبيعيا ثابتا كمثل قوانين الطبيعة الاخرى فهو يعمل باستقلالية تامة عن ارادة الانسان وإدراك الذات. وحضور العوامل الموضوعية كعامل مساعد في عملية جدل ديالكتيكي هي الاخرى تكون فاعليتها ليست مستمدة من رغبة انسانية سابقة عليها بل من حاجة جدلية تتطلبها.

2- قوانين الجدل في حال جرت البرهنة عليها على صعيدي المادة والتاريخ. عندها تصبح وقائعا يتم الجدل فيها خارج ارادة الانسان، ولا معنى لتخارج الوعي المعرفي مع الواقع في خلق الجدل. حينما يعبر هيجل " الجدل وعي ذاتي " فهو كان يرغب خلق جدل فكري غير متأكد من إمكانية حصوله ماديا أو تاريخيا. لتوضيح سبب رجحان مثالية تفكير هيجل أن الجدل يحصل بالفكر فهو ربما كان يدرك أو لا يدرك هيجل أن الفكر لا يجانس المادة بالماهية والصفات كي يرتبطان بعلاقة جدلية وليس بعلاقة تخارج تكاملية معرفية.

3- الجدل يتسم بحقيقتين اثنتين هما أنه يحصل خارج الادراك الذاتي له، وأنه لا يحتاج الذات الانسانية في إستكماله عملية الجدل في داخله لإنتاج مركب ثالث أو ظاهرة جديدة.

لذا إدانة هيجل أن الفكر أو الوعي ليس بمقدوره تغيير الحقائق المادية على الارض هي في حقيقتها صحيحة تمثل قمة المادية وليس المثالية. وهي لا تعطي الجدل جواز مرور حينما لا تعتبره أي الجدل قائما حينما يكون هناك للذات إمكانية ادراك الاشياء والموجودات في العالم الخارجي.

4- لا يوجد مؤشر برهاني حقيقي تجريبي واقعي مدّعم برهانيا أن هناك جدلا يجري داخل ظواهر وقائع العالم الخارجي بغية وجوب تطورها، كما وليس هناك ما يدلل تجريبيا قاطعا، أن يكون هناك جدلا طبقيا يحكم التاريخ، وليس هناك علاقة جدلية تربط الفكر بالمادة أو بالتاريخ طالما الجدل قانونا طبيعيا موضوعيا يجري بمعزل عن الارادة الانسانية، وأن الجدل هو أحد القوانين العلمية والتاريخية المكتشفة بالطبيعة وليست المخترعة تنظيرا فلسفيا.

5- كما المحت سابقا مقولة هيجل التي مررنا عليها " الجدل وعي ذاتي" يمنحنا برهانا حقيقيا أن الجدل هو وهم افتراضي يحكمه التنظير الفلسفي، وهو ليس قانونا طبيعيا مثل بقية قوانين الطبيعة التي اكتشفها الانسان وبنى علها ثوابت علمية بعد تاكده من حصولها في الطبيعة وفي الكوني، وهذا مالا ينطبق على الجدل الذي بني عليه ماركس وانجلز تطورات التاريخ البشري بشكل إعتسافي لأنه كانت التنظيرات الفلسفية سابقة على قانون الجدل الموجود على صعيد الفكر فقط  كما قال هيجل وليس على صعيد تطور التاريخ الانثروبولوجي المادي كما اراد ماركس.

 

حاوره: ا. مراد غريبي

الباحث: علي محمد اليوسف /الموصل

.............................

الهوامش: الحداثة ما بعد الحداثة /د. طلعت عبد الحميد، د. عصام الدين هلال، د. محسن خضر هوامش 1- 3 ص 35

 

3123 بشرى البستانيفي الطريق إلى بيتها عليك أن تعبر دجلة الذي يُجاورها والذي تحبه بشغف، وأن تجتاز غابات الموصل بجمالها العريق وشجرها وعبيرها الخالد. على بابها نخلة وشجر زيتون، وفي الداخل تستقبلك كتب، أديان، تفاسير قرآنية،تصوف، دواوين قديمة، حديثة، معاجم،موسوعات فنون،رسم، نحت، سمفونيات،، نقد، فلسفة، تاريخ،علوم، ومعارف شتى، ومكتبة خاصة لأطاريح ورسائل طلبة الدراسات العليا،بيت هو في الحقيقة مكتبة شاملة تعيش فيها باحثتان شقيقتان أد.بشرى البستاني في النقد العربي والدكتورة.منال البستاني في النقد الفرنسي هناك كان لنا معها هذا الحوار:

1 – لا يزال الواقع العربي، الثقافي خاصة، يحاصر بقوالبه وقيوده حياة المرأة العربية عامة، عبر تاريخٍ ٍ منح الذكورة سلطة شبه مطلقة على المستويات كافة . والمرأة الشاعرة بوصفها ذاتا واعية ثقافة وحضورا، هل تمكنت برأيك أن تؤسس لنص شعري أُنوثي من شأنه تفكيك هذا الواقع، وتحطيم هذا الإطار، أعني نصا له حضور فاعل وقيمة شعرية انثوية في الخطاب الشعري العربي؟

ج1: د. بشرى البستاني: الواقع العربي الثقافي لا يشكل نفسه من فراغ، فالثقافة ومحمولاتها القيمية ومفاهيمها ببنيتها الفوقية هي الإفراز الحقيقي للبنى التحتية وللحراك المادي الإنتاجي الذي يرتكز عليه المجتمع. وإذا كانت هذه البنية التحتية استهلاكية متخلفة تابعة وغير منتجة فمن غير الطبيعي أن تنتج حراكا ثقافيا تقدميا. فالديمقراطية التي تحتل مركز الصدارة في العالم اليوم ؛ما يزال الوعي بها وبالحرية محاطا في المجتمع العربي بأقسى أنواع القهر على المستويين الذاتي والجمعي وعلى مستوى الهوية الوطنية والقومية والاستقلال وحرية الرأي والفعل، لكن المرأة في هذه المنظومة البالغة التعقيد تتحمل القهر مركبا، مرة من المجتمع وأخرى من الأسرة ومن الرجل الذي يفرغ عليهما ردود فعل استلابه هو الآخر، ولما كان الإبداع ثورة ضد الظلم لأنه وليد الحرية، وثورة ضد التقليد والموروث المتخلف لأنه ابن المستقبل، فإن المرأة المبدعة تحتاج لمقومات عدة وأسلحة وعي ثقافية نشطة من أجل أن تكون قادرة على مواجهة هذا القهر المركب والواقع المعقد، ونحن نظلم الشعر والفنون حين نسند إليهما مهمة تفكيك عُقد هذا الواقع الذي يحتاج تغييره لفعل جهادي اقتصادي وسياسي واجتماعي وتخطيط حضاري ينسف البنى التحتية التي وطدتها القرون وتعهدتها قوى خارجية وداخلية من أجل إدامتها لإدامة منظومات المصلحة وكراسي الذرائع المرتبطة بالقوى الأجنبية. لكن البنى الثقافية وهي تتشكل من إفراز تلك القواعد، ستظل في جدل دائم معها، فالكتابة شيء والواقع شيء آخر،الأدب كلمات على ورق والواقع مجابهات حقيقية بين فكر يحمله أناس على الأرض وفكر آخر مضاد، ولذلك فإن الحراك الثقافي الواعي بمنجزات الحرية وقيم الإبداع وهو يعمل على تفعيل خياراته لابد له من تنشيط أجواء التفكيك بإشاعة روح التذوق الجمالي الحر لدى القارئ والاستجابة للجديد الثائر على الأطر القديمة، وتهيئة الأجواء لتشكيل قيم جديدة تقتلع قيم التخلف لا لتزيحها فحسب، بل لتعمل على إزاحة كل نتائجها وما نجم وينجم عنها من استمرار الركود والسكونية وعلاقات القمع في المجتمع. وإذا علمنا أن هذه المحاولات محاطة أكثر الأحيان بالرفض والتصدي والنكوص والردات المتكررة كما حدث في "الخريف العربي"، فإن المبدعة الحقة تحتاج لشجاعة مبهرة وتضحيات جمة من أجل تحقيق هذه القضية. وهذا الأمر ليس في الوطن العربي حسب، بل في كل أرجاء العالم.

إن الشاعرة العربية وقياسا بالأجواء القسرية التي تعيشها ومجتمعها تمكنت من فتح الأبواب التي كانت موصدة على موضوعاتها الخاصة بها مرة،والتي كان الشاعر يقولها نيابة عنها لصمتها وتغييبها أخرى. كما تمكنت لحد لا بأس به من التعبير عن مشاعرها الخاصة وإطلاق صوتها في الأمور العامة وتدوين رأيها فنيا على كل المستويات الثورية والوطنية والإنسانية، وقول أحاسيسها في الرجل إيجابا وسلبا وفي الوطن وقضايا الإنسان عموما، مجربة في ذلك كل الأشكال الشعرية. لكن لا أخفيك حقيقة أن كل ذلك لا يكفي. فالشعر لم يعد (وما كان الأصيل منه من قبل) ذلك الغناء الذي يُطرب بايقاعاته العالية فحسب. الشعر الحقيقي كان وما يزال فناً ذا حساسية خاصة وروح مرهفة تمتزج فيها المعرفة وجوهر الحضارة بالجمال. وهل بقي من جهد الانسان وحضاراته الماضية غير بهاء الجمال. إنه فن يحتاج لحس نقدي ومعارف متنوعة راقية وعميقة تراثية ومعاصرة معا. وعلوم تغذيه وذوق رفيع يجيد تنسيقه وتجارب حياتية حادة تتطلب خوض غمار الحياة بعنفوان، وبما لا يتاح لمجمل الشاعرات العربيات لأسباب لا مجال لذكرها هنا، لعلَّ في طليعتها عدم توفر الظروف الموضوعية في الأسرة والمجتمع التي تساعدها على تحقيق هذا الهدف. وإذا كانت المبدعة الأوربية النمساوية الفائزة بجائزة نوبل للآداب الفريدة جلينيك تقول: "أما المرأة فهي على الأكثر الهدف الصامت للنظرة الذكورية وليس معادلا أنثويا مكافئا"، فماذا تقول المرأة العربية ..!

إن الشاعرة العربية يعوزها الكثير من الجرأة والعلوم والمعارف والفعل والخبرة المعمقة كي تقول كل ما يجب قوله شعرا. وقصور هذه الجرأة ليست جبنا ولا ضعفا أو انكفاء على الدوام، لكنه في الغالب اشتراط قسري وموقفُ تحسّبٍ واع لما يحيط بها من سلطة ثقافة ذكورية وقيم عشائرية وقبلية ما زالت للأسف تهيمن على المجتمع يؤازرها تطرف المد المتدين المؤدلج الذي حل بنا مع أجندات الواقع العربي الأخير وارهاصاته الممتدة الى قرن مضى او يزيد.

2- المراة كائن يهب الوجود معنى، كونها رحِمٓه ومستقبله، تهبه معنى الحياة نفسها، أو كما يعبر نيتشة : الحياة امرأة. فالشاعرة إذاً وجود لذات تصنع حياتين، حياة تنتج وجودا لا يمكن أن يقوم بدونها، وحياة ثانية ليس أقل أهمية تنتج عالما ثقافيا خاصا من خلال نص ينتج انوثة بتمام القصد والمعنى،نص يعمل على تغيير واقعها ويؤسس لوجودها ..؟

ج2: د. بشرى البستاني: نعم، المرأة كائن يهب الوجود معنى بطريقتين، الأولى تواصل إنساني لا يتم إلا بمعاناتها التي تصل حد التضحية بحياتها، فهي رحم الكون ومستقبله،كونها منتجة الحياة ؛لأنها تضمر الرجل والأجيال القادمة في دمها أولاً،وهي قدوة الطبيعة والكائنات الحية في الخصب والديمومة وإشاعة قيم الايثار والعطاء ثانيا. والمرأة في هذه العملية التواصلية تحتاج لطاقة تعينها على الاحتمال والصبر،وعلى الاستمرار، لذلك كانت الحياة أنثى قوية وبهية لأنها القادرة على الحضور والبذل بما يمنح الوجود قيمته الإنسانية والجمالية الحافزة على تحقيق قيمته الواقعية، كون الأمومة لديها ليست سمة بايولوجية ميكانيكية، بل هي طبيعة فيها تمكنها من القدرة على الاحتواء بشمولية، حتى احتواء مَنْ هم أكبر منها سنا من الرجال والنساء واحتواء محن الحياة وعذاب الفقدان، ولذلك كانت الحياة امرأة ولذلك أكد أراجون "أن المستقبل امرأة"، لكني أصر على أنها امرأة تضمر رجلا كما يضمرها الرجل. فالكون لا يستكمل بهاءه في رؤية المرأة الواعية والمتصالحة مع أنوثتها إلا بوجود الرجل الواعي المؤازر والمشارك،والوجود لا يكون متوازنا الا بوجودهما معا، إنهما منتجا الحياة، بوعيهما الفاعل يشكلان الجمال ويمنحان الطبيعة معناها، والأشياء الجميلة قيمتها. أما الحياة الثانية التي تنتج عالما ثقافيا من خلال نص ينتج أنوثة بتمام القصد والمعنى، نص يعمل على تغيير واقعها ويؤسس لوجودها، فإن السؤال الذي يُثار حول هذا الموضوع سؤال ذو أبعاد شتى وهو: هل يستطيع النص الأدبي أن يغير حياة ذات أبعاد واقعية متشابكة ..؟ لا أعتقد ذلك، لكن لمثل هذا الطرح مقاصد عدة،منها الرجوع لما ذكرنا في الجواب الأول من نسف البنى التحية لتحويلها من استهلاكية إلى منتجة ومنها ما يعود لطروحات النسوية على اختلاف مرجعياتها ولا سيما المتطرفة منها. فالثقافة انتماء للحرية واحتفاء بالطاقات الكامنة التي تستفزها حركية الملامسة، ملامسة الحياة بصفائها وهوائها النقي وبكل نتائج معتركاتها الايجابية والسلبية، والكتابة حضور وهوية وانتماء، حضور في قلب الحياة وتفجير للمقموع والمسكوت عنه وكشف عن الإشارات الذاهبة إلى الداخل والمتمركزة في الخفايا،وغرفٌ من مرجعيات لم تستطع المختبرات بأنواعها: التشريحي والنفسي والنقدي والابداعي الكشف عن كيفية تفاعلها واشتغالها لتظهر فيما بعد بأشكال لغوية ترميزية منزاحة هي الشعر والفنون اللغوية الأخرى. وإذا كان الإبداع لا يتشكل الا في جو من الحرية، وكانت الحرية ما تزال مفقودة ومحاصرة في الوطن العربي ليس على النساء حسب، بل وحتى على المبدعين والمفكرين والعلماء عموما، فكيف ستكون المرأة حرة في التعبير وفي إنتاج عالم ثقافي خاص يغير ويؤسس لوجود. إن نظرة متأنية لحجم المبدعين والعلماء العراقيين والعرب وشتاتهم في المنافي تجعلنا ندرك حجم القهر الذي يعيشه الإبداع والمبدعون، وحجم القيد الذي يجثم على الفضاء الإبداعي الذي لا يمكن ان يعيش إلا في صميم الانفتاح والحرية . ألا يوحي إنتاج نص أنثوي خالص بعزل وفصل ..؟ وأنا لا أومن بفصل الأنثى عن رفيق عمرها وصديق مكابدتها حتى لو كان منه ما كان عليها من قسوة وما يزال،وهذا الغفران يجعلني مؤمنة بلغة إبداعية تنتج نصا يسمو ويتعالى على التمييز الجنسي القسري للطرفين رجالا ونساء. نص كلما فارق النوع المحدد انتمى لكينونة الإنسان بشموليتها وهذا منتهى الرقي الإبداعي،كون المرأة بانتمائهاالإنساني هذا تثبت وجودها الأنثوي المتسامي ولا تلغيه،لأن إلغاء وجود الرجل يعني إلغاء وجودها وإلغاء سيرورة الحياة وتغييب تواصل الإنسانية مع المستقبل. إن محاولة عزل قضية المرأة عن قضية المجتمع باعتقادي من أخطر القضايا التي يمكن أن تواجهها الإنسانية في الوقت الحاضر، لأن المجتمع الإنساني اليوم يواجه أخطار إبادة حضارية من قبل حضارة استعلائية متغطرسة مادية وعدوانية لا بد من التكاتف رجالا ونساء ومجتمعات من اجل التصدي لها وإحلال مبادئ التوازن والانسجام محلها. إن وجود أدب انوثي خالص بالرغم من حضور المصطلح تداوليا يقتضي افتراض وجود أدب ذكوري خالص، وهذا لا يمكن أن يتحقق ضمن حياة مشتركة وعلاقات مشتبكة من غير الممكن فصلها على الاطلاق. لان هيمنة النص الانثوي يعني خلق تمركز جديد ليس هو المطلوب في المجتمع الانساني الذي نبغيه.3124 بشرى البستاني

3 – يقع النص الأنوثي تحت طائلة مظلة من الألم والقنوط والانا المقهورة والحس المفرط بالانجراح، بمعنى أن نصها كثيرا ما يكون تهريبا للذات إلى النص،وممرا لأناها وذاتها القلقة المستلبة بتجل جمالي من ناحية أن " الشعر هو الشكل الجمالي للأسئلة القلقة كما يرى الناقد محمد العباس .."

ج3: د. بشرى البستاني: نعم، يقع النص الانوثي تحت طائلة كل ما طرحه السؤال صحيح، لكنه ليس حكما خاصا بالمرأة الشاعرة حسب، بل هو الحكم العام الذي ينطبق على الشاعرات والشعراء في مجتمع يفتقد التوازن عموما ولا يختلف إلا بحجم المكابدة، كون معاناة المرأة فيه أشمل وأكبر من معاناة الرجل نتيجة الشروط القهرية التي عاشتها وتعيشها فنصها فسائل لتجذر تاريخي يعيش داخلها بوعي شديد الشقاء، ولأن الجروح كثيرة وقد مرت عليها دهور طويلة ولما يزل كثير منها للأسف ماثلا في الواقع حتى اليوم، فإنها تحتاج زمنا طويلا كي تشفى، يُضاف لذلك أسباب مهمة يمكن تلخيصها بأن مشكلة المرأة الحقيقية في الأمس واليوم هي أن الحب والاهتمام المتاحين لها من الرجل ومعه الأسرة لا يكفيان حاجتها، نعم، الحب الممنوح لها لا يكفيها، سواء كان هذا الرجل أبا أو أخا أو حبيبا أو زوجا وإبنا، وأنها تحتاج لقدر أكبر من الحب يوازي ما أعطت وتعطي لتتمكن من إحداث توازنها النفسي المطلوب وانسجامها مع ذاتها ومع الآخر، وهذه الحاجة شكلتها عوامل وأسباب عدة ليس لأن الرجل مهموم بذاته ومصالحه حسب، بل لأن أسبابا أخرى نفسية واقتصادية واجتماعية وتربوية تتواشج لتبعد الرجل عن الاهتمام بتخصيص زمن حميم تستحقه المرأة . فضلا عن كون نشأتها الاجتماعية تحتم عليها أن تكون مرغوبةعلى الدوام مما يلغي حاجتها وحقوقها الإنسانية الفاعلة في أن تكون راغبة وأن تكون رغبتها موضع تقبل واحترام واهتمام، فعلى المرأة في العرف الجمعي ألا تُقبِلَ ولا تختار، ليس لها أن تكون فاعلة ولا مبادرة،وهناك فرق شاسع بين الفاعل والمفعول، الفاعل منتج والمفعول مستهلك، الفاعل مثابر والمفعول به ساكن متلقٍ، ينجم عن ذلك قضية مهمة هي شعورها بأن جسدها هو المطلوب وليس فكرها ومشاعرها ومعارفها وروحها النبيلة، بل على العكس قد تكون مواهبها ومعارفها وإقبالها على تطوير ذاتها عقبة في طريق تحقيق حياتها الشخصية، فبينما تفخر المرأة بالرجل الموهوب وتؤازره نجد الكثير من الرجال يبتعدون عن المرأة الموهوبة، فهي للحوار والزينة والزمالة فقط ؛ كونها غير قادرة على التفرغ كليا للخدمة ومتطلبات البيت والأطفال في مجتمع لم يُدرج في إعتباره أصلا أن هناك بيتا وأسرة وطفولة تحتاج لخدمات توكل للدولة ولمؤسساتها . فضلا عن أن المرأة وأخص الشاعرة هنا بما لها من حس مرهف تدرك بعذاب هذا الاضطراب وانعدام التناسق والجروح التي تنزف من حولها بشدة في مجتمع انعدام العدالة على كل المستويات، مما يجعل البحث عن الحلول يثقل كاهلها في ضرورة الاعتماد على الذات ؛ وذلك بأن تعمل بكل مثابرة على تفعيل طاقاتها الكامنة من أجل تشكيل قوة حصينة في داخلها تستمدها معينا وقت الحاجة . كل ذلك جعل المدى بين واقع المرأة الشاعرة وحلمها شاسعا، وربما مستحيلا مما جعل الحاجات الروحية التي تعاني من فقدانها ما تزال تحفر في روحها خنادق للألم والقنوط لتكبر الأنا المقهورة ويتسع الجرح .

نعم، الشعر هو الشكل الجمالي للأسئلة القلقة منذ أول قصيدة كتبها الإنسان وحتى اليوم، ومنذ أن وقف الإنسانُ مرتلا خوفه أمام قسوة الطبيعة، ومذ وقف الشاعر العربي القديم على الأطلال وحتى آخر طلل إنساني، إنه جواب امرئ القيس وطرفة وعروة بن الورد والمتنبي وابي العلاء وسواهم على الجراحات الداخلية التي كرسها ويكرسها الاغتراب والفقدان وألم المصير، فما الشعر في صيرورته إلا السؤال الوجودي الآخر الذي يتشكل لغةً جماليةً داخل تلك الأسئلة الوجودية الجارحة ليمرَّ عبرها في رحلة انعتاق نحو الخارج. إنه محاولة للتخفيف من عذاب المسكوت عنه وترويض تناقضاته. وإذا كان الرجل الشاعر قد عانى ويعاني من هذه المكابدة المُرة فكيف للمرأة المرهفة بكل استلابها وما ورثته من رواسب العلاقات التراثية القامعة أن تواصل الحياة دون عملية تسريب لاشتباكات الحزن والحرمان وضيق الفضاء المفروض عليها والشعور العميق بالغبن الذي يلازمها. إن الشعر وبقية الفنون التي صنعها الرجال والنساء معا ما هي إلا وسائل تسريب ومقاومة ثقافية وجمالية ليس لمكبوتات الداخل حسب، بل لمشاكل الرصد التي تقف أمامهما متمثلة بالرقيب النفسي والثقافي والمجتمعي والسلطوي، مما يجعلها تعيش معاناة أخرى هي كيفية إلباس نصوصها طاقية الإخفاء والتقنع بأقنعة لانجاز أدب يجيد الترميز بحيث يعبِّر عن معاناتها ويخفي، ويقول ولا يصرح معا. إن اندماج الأنثوي بالشعري أمر بغاية الأهمية في شعر المرأة، إنه أبلغ خطورة من نصوصها الأخرى سواء الروائية أو القصصية، ذلك لعمودية الفن الشعري واشتغاله السري وسطوته على المكبوت وما خفي في الضمير أكثر من الأنواع الأدبية الأخرى .

 4 –حسب مقولة مدام دي ستال " الحب هو كل حياة المرأة " بمعنى أن المرأة لا تبلغ كمالها الأنثوي إلا عندما تحب، فكيف برأيك تتحرك نصوص المرأة – الشاعرة وفقا لهذا المفهوم .؟ وهل الحب لديها مجرد فكرة افتراضية؟. أو هو المعنى المثالي الخيالي في واقعية حياتها ..؟ من يقرأ نصوص بشرى البستاني يجد وثيقة حضورها في مفردات الحب (للوطن، للحبيب، للمكان، للطبيعة، للجمال ..) .

3129 بشرى البستانيج4: د. بشرى البستاني: الذين اتخذوا من مقولة مدام دي ستال هذه منطلقا لتجريح المرأة لم يفهموا للأسف مرامي المقولة الشاملة والعميقة التي أوجزت فلسفة المرأة كأنثى في الحياة، لأنهم ما كانوا يؤمنون بان الحياة بشموليتها – اقتصادا واجتماعا وسياسة وثقافة ومحمولات متنوعة - هي الحب لو كانت منطلقات الحياة إنسانية، جمالية حقا، وذات رؤىً إيجابية فعلا، وأن الحب برحابته هو الحياة كلها. إنهم فسروا المقولة على أنها شهادة امرأة بأن المرأة لا تصلح إلا للمنح العاطفي وعطاء المشاعر والجسد كونها قاصرة عقل وما ينتج عن العقل من فعل وقرارات. ولما كانت القرارات تحتاج لعقل متأنٍ بعيدا عن الانفعالات، فما على المرأة إلا أن تترك الحياة العامة وتتفرغ في البيت لتمنح العاطفة للرجل وأولاده. من الطبيعي أننا لن نحاور مثل هذه الآراء التي دحضتها الحقائق العلمية والعملية معا، إذ لا توجد مشاعر مجردة ولا انفعالات خالصة ومنفصلة كليا عن العقل كما لا يوجد عقل خالص لا تلامسه الانفعالات والمشاعر ولو بنسب متفاوتة. تلك الأقاويل التي كرستها أساليب التنشئة الاجتماعية التي ربت أجيالا من النساء في ظل الرعب والخوف وتكريس الشعور بالضعف والتبعية للرجل القوي عضليا. لكن بالرغم من كل ذلك يمكن القول إن من الفخر الشديد للمرأة أن يكون الحب كل حياتها، ولو تسنى لها بهذا الحب النبيل أن تحكم العالم لما تعرض لهذا الدمار الفادح والحروب الإجرامية على يد الطغاة من الرجال. وهنا بودي أن أصلح المقولة التي وردت في السؤال لأقول : المرأة لا تبلغ كمالها – الإنساني - الخلاق وليس الأنثوي حسب، ولا تتجلى إبداعيا إلا عندما تحب.أليس الرجلُ كذلك.؟ لكن كلام الناقد محمد عباس لا ينطبق بالضرورة على كل الشاعرات، بل هو حكم قد نجده موقفا لدى بعضهن،ويكمل العباس معقبا على هذا الحكم " وهنا سرُّ الوله المؤدي بها إلى الرهبنة، أو منع ذاتها من التداول، فهي كذات عشقية مغالية في النرجسية لا تهب نفسها إلا لذات تشبهها وتستحقها، أو تموت دون ذلك " نعم، الحب لدى الشاعرة البالغة الرهافة ليس فكرة افتراضية،بل هو فعل إبداعي يسمو بها نحو الإيثار والإبداع والسمو والتعالي على مجرد الرغبة. إنه دافع لها نحو التقدم وتطوير الذات والعمل على تطوير الآخرين من حولها والارتقاء بمنجزهم والحرص على تنمية فعل القيمة لديهم من أجل تطوير الحياة وتعزيز بنائها. كما تعمد الشاعرة وهي في حالة الحب إلى توظيف أسمى قيم الجمال في الحياة لتكون بهيةً بفرح الإنسان وسعادته. وما تعبير " منع ذاتها من التداول " إلا تمجيد لبهاء موقف حميم من الحب واحترام خصوصية الجسد والروح إلا للحبيب. لكن الباحث محمد عباس نسي حقيقة مهمة هي أن الرجل النبيل كذلك لا يبلغ كماله الرجولي والإنساني الخلاق ولا يتجلى إبداعيا وجماليا وعملياً إلا عندما يحب بأصالة وصدق.

نعم، تشخيصك لحركية الحب في شعري تشخيص يقترب من الموضوعية كثيرا، لأن كل منجزي الإبداعي والأكاديمي والثقافي والإنساني لم ينجز منذ طفولتي وحتى اليوم إلا في حالة حب دائم مندمج بوعي كان وما يزال يشتغل اشتغالا مكابدا ومتواصلا لتطوير جوهر أدواته بالعلم والمعرفة والخبرة والوعي بالضعف الإنساني القائم للأسف على العجز والحسد والترصد للتفوق الأصيل. والحب عندي شبكة متألقة من العلاقات لا أستطيع الحياة إلا في فضائها، بدءاً من أفراد أسرتي ومَنْ حولي من طلبة وزملاء وناس وطبيعة ووطن وأمة وأشياء، ثم كبرت موجات الحب واتسعت بتطور المعرفة لتشمل الإنسانية المسالمة في أطراف الكون كله، فالشعر لا يعيش إلا في جدلية حب دائم، وعبر اشتباك هذه الجدلية ينتج نصوصه عارمة بالحياة والجمال ومفعمة بحوارية لا تكف عن التطور والاشتعال .

5– قصيدة النثر العربية منذ أكثر من ستين عاما ويزيد تحولت بقوة الى نوع شعري،وهناك آراء كثيرة تقول بان اصول هذه القصيدة عربية، ويستشهدون بنصوص للنفري والتوحيدي وعدد من شعراء وناثرين متصوفة، لا بل هناك من يذهب أبعد من ذلك ويقول، أصولها عراقية المنشأ، مستندا إلى النصوص البابلية التي كانت تتلى في المعابد القديمة فضلا عن الشعائر الدينية . ماذا تقولين في هذا النوع الشعري؟

ج5: د. بشرى البستاني: من الطبيعي أن تتطور الأنواع الفنية، وأن تولد من خلال عملية التجريب الواعي أنواعٌ جديدة، فتلك طبيعة الحياة الحرة السليمة وطبيعة الثقافة والإبداع غير المقيد بأغلال الموروث، وطبيعة التراكم الفني الذي لا بد أن يؤول للتجاوز. وإذا كانت مرحلة الشعر العمودي قد طال انفرادها في الساحة الشعرية العربية زمنا، فإن هذا شأن الفنون الكلاسيكية التي استغرقت هيمنتها أمدا طويلا، وما ذلك الاستغراق في الحالين الا نتيجة طبيعية لسمات الزمن الذي عايشته وخصائص إيقاعه، والذي يختلف اختلافا جذريا عن زمننا المعاصر الذي انفجرت قواه وصارت المعرفة تتطور فيه تطوراً هائلاً وبتسارع مدهش مما جعل للفنون حوافز متوثبة على مواكبة ذلك التطورالمتصل بمنظومة المعلومات في زمن سريع التقدم، فكان شعر التفعيلة ثم قصيدة النثر الأكثر جرأة على كسر القواعد والأطر. وإن كنا على قرب من بداية هذا الفن عربياً فإن المرجعية الغربية التي نقلت لنا نصوص الشعر الغربي وترجمت لنا كتاب سوزان برنار الذي ظل زمنا مصدر الثقافة العربية في تأصيل وتعريف قصيدة النثر حتى استطاعت طروحاته أن تهيمن على ما كتب عنها في الربع الأخير من القرن العشرين. وكان لتأخرنا في التنظير والتأصيل أثر كبير في سلب حق النثر العربي القديم وجمالياته التي اصابها غبن كبير على مر العصور، تلك العصور التي انهمكت بدراسة الشعر وابراز صوره الجمالية وتحليل رؤاه. بينما كان الاهتمام بذلك النثر الرائع مركونا في الظل،صوفياً وأدبياً وتوقيعاتٍ والتماعاتٍ زاخرةً بالشعرية، وخطباً ووصايا. وحتى هذا اليوم لا أجد الاهتمام بهذا التراث العظيم موازيا لأهميته وروعة مراميه. وهذا القول ينطبق على النصوص العراقية القديمة التي تفوق الكثير مما يكتب تحت عنوانات قصيدة النثر. ولنعد الى ملحمة جلجامش والتراتيل الدينية العراقية ونصوص الرثاء والحب البابلية لنجد أروع البُنى الشعرية في أجمل رؤاها. لكن - وكما أسلفت قبل قليل وفي أجوبتي لكتاب في (الشعر والنقد والسيرة) - تأخر تنظيرنا الموضوعي لقصيدة النثر العربية ؛ فسادت تنظيرات برنار، بينما كانت النماذج الاولى لمحمد الماغوط رائد قصيدة النثر العربية لا علاقة جذرية لها بقصيدة كتاب برنار، بل كانت عربية الروح، عربية الرؤى إنسانية المرامي. ومن يقرأ نصوص ملحمة جلجامش والنصوص البابلية سيجد بُنى شعرية تفوق الكثير الكثير مما يكتب اليوم باسم قصيدة النثر. إن كل نوع أدبي جديد يولد لن تكون ولادته شرعية الا حين تكون طالعة من صميم التغيرات التي اشتبكت وانتجت في مخاضها هذا الوليد الذي حمل تغيرا صميميا في طرائق تشكيل النص وفي جوهر مخاضه. نعم للأثر الخارجي تأثيره حين تفتح الابواب على الثقافات الاخرى، شرط أن يكون الارهاص الاول أو الناتج ناهضا من الداخل. إن مشكلة رفض الجديد بشدة لدينا في واحد من جوانبها هي أن الحداثة الشعرية لم ترتبط بحداثة شمولية ثقافية وسياسية واجتماعية حقيقية، حداثة تعمل بجد على تغيير الحساسية ورفع مستوى الذوق وتغيير وجهة التقبل من الصوت العالي والإيقاعات المتدفقة إلى الخافت والهادئ الذي يحتاج التأمل الصامت أكثر مما يحتاج الضوضاءَ والتصفيق. علما أن النص الجديد الأصيل لا يدير ظهره للتراث بل يتعامل معه باحترام رصين حين يستوعبه ويعبر عن ذات الأهداف الجمالية والإنسانية بمهارة..

6 –وهل يمكن في المسار المزدوج لقصيدة النثر في شكلها وتناقضاتها الخطيرة والعميقة من نثر وشعر،حرية وصرامة، فوضى وتنظيم .... سر تألقها وخطورتها ومستقبلها معاً ..؟ هل تعتقدين أن العقلية الثقافية العربية ستنصرف بقوة الى قصيدة النثر مستقبلا ..؟

3125 بشرى البستانيج6: د. بشرى البستاني: قلتُ في مدخل كتابي " الحب واشكالية الغياب " الذي صدر عن دار "التنوير" في الجزائر ما معناه أن الحرية المتاحة لقصيدة النثر وغياب المعايير التي تشكل لها منظومة نقدية قضية ذات حدين، الأول سلبي، جعل الباب مفتوحا لكل من أعجبه دخول عالم الأدب بلا مواهب ولا مؤهلات ولا معارف ولا أدوات، ساعده على ذلك إتاحة النشر ورقيا وألكترونيا وغياب الخبير الأدبي المسؤول فامتلأت الصحف والمجلات والمواقع الألكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، الفيس بوك والتويتر وغيرهما من وسائل الإعلام بجمل مفككة وعبارات سائبة ونصوص لا تنتمي إلى أي معيار لأي نص أدبي بصلة مما أساء كثيرا لقصيدة النثر وجعل مهاجمتها أمرا مبررا من قبل الحريصين على علوم العربية أولاً، والمصرّين على المعايير الشعرية المتعارف عليها وزناً وقافية، أو تشكيلا ورؤى.أما الحد الايجابي فذلك الذي هيأ للموهوبين الواعين باشتراطات الشعرية الحقة المؤمنين بأن الحرية الأدبية مسؤولية كبيرة تُلزم الأديب باحترام اللغة وعلومها، والفنون واشتراطاتها، أقول، تلك الحرية هيأت لهم فضاء مفتوحا للتجريب الواعي والتعبير الرؤيوي والالتزام بضرورة تحويل الحرية لمنجز فني فيه من الجدة والابتكار ما يعمل على اكتشاف مديات جمال أبعد وبهاء أوفى وعلاقة جديدة وجديرة بتراثنا الابداعي، بحيث نجد لكل قصيدة نثر يكتبونها معاييرها الشعرية الخاصة بها فهي تخلق ايقاعها الجديد بذاتها، وتشكل تحولاتها الترميزية برؤاها، وتفعّل تناقضاتها المزدوجة في الشعرية والنثرية والحرية والالتزام والتنظيم والفوضى لصالح جوهر الشعر تشكيلا،وليس لصالح انفراد مفهومها وعزلتها وانفصامها وانغلاق إبهامها داخل النص، لأن في تلك العزلة وذلك الانفصام يكمن مقتل هذا الفن حقا. أماعن الشطر الأخير من السؤال، فإن الحاضر المعاصر بما يكتنفه من تطور معرفي وإشكالي معا يجعلنا غير قادرين على الاستشراف ولا التكهن بما سيكون، لأن التحولات أسرع من تأملاتنا والمفاجئات خطيرة تبزغ دون توقع. ولا بد من الإشارة إلى أن قصيدة النثر الجيدة هي فن النخب الثقافية، فأين سيكون مصير هذه النخب غدا،وما المانع من بزوغ نوع فني لغوي جديد الى جانب قصيدة النثر ما دامت مصطلحات النصوصية والكتابة وانهيار الحدود بين الأجناس تشتغل باطراد، وما دام الحوار سيبقى قائما بين الفنون فإن التعايش بين الاجناس صار أمرا واقعا. المهم أن على قصيدة النثر ومبدعيها وعلى كتاب كل الأشكال الأخرى أن يقبلوا الحوارية مع الفنون التي تلتزم بالقيمة الفنية هدفا. على أنها اليوم وإن استطاعت أن تحضر وتتواصل وتهيمن على جوانب من الساحة الثقافية في الوطن العربي إلا أنها مع تطور الحياة والثقافة والإبداع لابد من تطور الأنواع الأدبية والفنية،و تطور الاساليب التي تشتغل داخل مصطلحي النص والكتابة، والانفتاح على فنون وتسميات جديدة. المهم في الأمر كما أسلفتُ هو القيمة الأدبية لكل نص جديد. ذلك هو ما سيبقى للمستقبل، القيمة المستندة على مواهب وأسس معرفية وعلمية وانسانية جمالية خالدة .

 

7- هل تؤمن بشرى البستاني بابتكار ما يسمى بـ "المخيلة الانثوية" المستقلة القادرة على الفكاك من سطوة التصور الذكوري ..؟

ج7: د. بشرى البستاني: لا شك أن المصطلحات الخاصة بما تكتبه المرأة من أدب ونقد تعددت وتنوعت حتى أصابها الكثير من التشتت؛ كونها لم تصدر عن مرجعية بينة ووعي محدد وواضح الهدف. وفيما يخص قضية أي مصطلح، أجدني مؤمنة بكل مصطلح يولد من صلب الحاجة اليه وفي صميم ما يبرره، لأن المفاهيم واسعة وحالما تنضج وتقرّها الأعراف الثقافية وتتمتع بما يقرب من إجماع الجو المعرفي المختص، في ذلك الحين تنتج رمزا يعبر عنها. هذا الرمز المعبر عن المفهوم والمبلورله والمُقرّعلمياً من قبل المختصين هوالمسمى بـــ"المصطلح". وحين يكون للنص خصوصية أنثوية تتعلق في شأن من شؤون الأنثى الخاصة بأنوثتها وبجسدها وتحولاته ومشاعرها وهواجسها ومعاناتها فإن مخيلتها حتما ستشتغل اشتغالا خاصا يختلف عن اشتغال مخيلة الرجل لو عبر عن ذلك الموضوع ذاته؛ لأنه اشتغال يتصل بالإحساس المباشر.هنا لا بد من الحاجة إلى مصطلح المخيلة الأنثوية، أما في الموضوعات العامة أو المشتركة وطنية وانسانية واجتماعية، فإن الاختلاف قائم حتى لدى الجنس الواحد بما يسمى الأسلوب، ولكل أديب أو شاعر أسلوبه، كما أن لكل شاعرة أسلوب صياغتها. إن العزل في مؤسسة يعمل فيها اثنان يحتم وجود أحدهما وجود الآخر أمر لا يمكن أن يكون موضوعيا على أرض الواقع، وإن صح حضوره تداوليا في الأدب والنقد والثقافة. لكن لو حدث وفاجأنا التقدم العلمي بسمات خاصة بالمخيلة الانثوية تباين سمات المخيلة الذكورية لتغيرت موجهات البحث كما حدث في قضية القدرات اللغوية وقدرة الانثى على مزجها بالعاطفة أكثر من الرجل .

8– فيما يخص اللغة نجد اغلب الكاتبات والشواعر واقعات تحت وطأة ضمير المذكر في كتابتهن دون ان يشعرن وهذا على ما يبدو هو الذي دفع غادة السمان الى القول : ما أروع وما أسوأ أن تكون امرأة ..

ج8: د. بشرى البستاني: يهمني التأكيد هنا على أن الرؤى هي التي توجه اللغة وهي التي تشكلها. وامرأة تمتلك رؤية حرة ووعيا فاعلا بقضية الإنسان لابد من امتلاكها اللغة التي تعبر بامتياز عن قضيتها. مرة أخرى أقولُ ليس العزل وفصل قضية المرأة ولغتها عن الرجل هو الهدف، بل الهدف المهم هو بناء مجتمع إنساني حر وخالٍ من العقد والاستلابات التي تهدد سعادة الإنسان رجلا وامرأة وأسرة. تقول جوليا كرستيفا " اللغة مفتاح التغيير " لكن الخلاف ما يزال قائما حول قدرة اللغة على إحداث تغيير حقيقي بدون الموجهات الأخرى. ذلك ان الإمساك بالواقع الاجتماعي من خلال اللغة امر ليس من السهولة بمكان، إذ يؤكد باختين أن أي عضو من الجماعة الناطقة بلغة واحدة لا يجد أبداً كلمات من اللغة تكون محايدة، معفاة من تطلعات وتقويمات الآخرين، وغير مسكونة بصوت جمعي، وهذه الكلمة المحملة بماضيها الدلالي باقية فيه. إنها تتدخل في سياقه الذاتي انطلاقاً من سياق آخر هو سياق الجماعة واهتماماتها، ولذلك قيل إن اللغة متحيزة لأهلها. إن تحويل اللغة إلى أداة جامدة يقيدها ويفقدها الكثير من حيويتها وطاقتها الحركية فضلا عن كون الجمود دليلا على سكونية الفكر. فالعلاقة جدلية بين اللغة والتفكير لأنها لا تتشكل إلا بإشارات من الفكر الناجم عن التفكير الذي يشتغل في فضاء العقل الإنساني. وإذا كان العقل الإنساني عبر التاريخ قد اشتغل في حيز الرجل ومصالحه، فان المرأة في اللغة غالبا ما تظهر في ظلال الرجل وضمن حضوره في ما أشرنا إليه بظاهرة التغليب في اللغة والانضواء في ظلال تراكم تاريخي طويل لا يمكن الإفلات منه بسهولة. تغليب التذكير على التأنيث سمة في لغتنا لكنها ليست سمة بنيوية في طبيعتها،بل سمة متوارثة تداولياً،فقد كان لطبيعة الموطن في تلك البيئة الصحراوية الصعبة التي تحتاج عضلات الرجل وقوته للتنقل وتدبير حمولات الخيام ومستلزمات العيش والرعي والغزو،فضلاً عن حقيقة كون التذكير مصاحبا للأنثى في الإسناد لا أجده يتم إلا بصمت المرأة عن المطالبة باستعادة صيغ التأنيث التي تنسجم وواقع اللغة وطبيعة الحال. فالتطورات التي شهدها القرن العشرون ولاسيما الربع الأخير منه في الميادين كافة ولاسيما العلمية والحقوقية وفي الأنتاج الأدبي حققت قفزة نوعية للمراة العربية في ميداني العلم والاستقلال الاقتصادي معا بالرغم من المجازر وأجندات الردة التي صاحبت نمو الوعي الثقافي والتحرري للمرأة في المنطقة العربية مؤخرا.إن أيديولوجية اللغة القياسية كما أطلقت عليها "لوزيتالبي غرين" تعني الانحياز الى لغة مجردة ومتجانسة، وذلك لا يمكن الركون له كما أرى حتى في المجتمعات النشطة حضاريا. فاللغة هي ابنة الحياة وناتج حضارتها، والعلاقة جدلية بين الأدب والحياة والأدب والسياسة وبين اللغة والحضارة. وما دامت الحياة قائمة على التطور والحركية في كل تلك الجوانب، فان اللغة ستأخذ مداها في التطور هي الأخرى مطردة مع التطور الحضاري لكنها بالنسبة للمرأة تحتاج لمزيد من المثابرة والجرأة كي تبادر بجرأة ومثابرة وتقنع مجتمعها بقضيتها وبالأساليب التي تعبرعنها وعن مشاعرها وحاجاتها.فالأستاذة التي تستلم أمر مناقشتها لأطروحة جامعية ومكتوب أمام اسمها الأستاذ الدكتورفاطمة بالتذكير وتصمت إنما يعني صمتها أنها راضية بهذا التذكير، لكنها لو أصرت على استعادة أنوثتها الكتابية لتمكنت من ذلك، وقد مررنا بهذه التجربة كثيرا ونجحنا، فاللغة عموما إنسانية مشاعة للجميع ووجودها في المعاجم بثراء يتيح لمستعمليها النهل من ثرائها. لكنها تتباين حين تكون كلاما أو كتابة كما أكدت اللسانيات، لان لكل متكلم وكاتب أسلوبه الخاص. والمبدعة الحقة هي التي تتمكن من تطويع اللغة لمقاصدها. وهذا التطويع هو الذي يشخص طريقةً عن طريقة ويميز بين أسلوب وأسلوب. المهم هنا رحابة الرؤيا وكيفية التعبير عنها فضلا عن العلمية وسعة الأفق الذي يجب أن يتوفر للمبدعة لتجيد التعبير عن قضاياها. من هنا ستظل اللغة الأنثوية في علاقة جدلية مع الحياة لا تنفصل عنها والحياة امرأة ورجل. لذلك كان انخراط المرأة في الحياة هو الركيزة الأساسية لإطلاق طاقتهاومواهبها وتفعيل خبرتها ووعيها بالعالم والأشياء من حولها، ومن ثم تطوير وتحقيق تلك المواهب والطاقات . فضلا عن كون الاندماج الأنثوي بالشعري أمر بغاية الأهمية في شعر المرأة كما سبق القول، أكثر من الخطاب السردي مثلا. ولذلك أطلق على الرواية حالما اقتربت من البوح المعمق والغوص داخل الذات واصطناع الترميز مصطلح رواية شعرية. فاللغة إنسانية محايدة لكن طرائق التعامل معها هي التي تميل بها نحو الانحياز أو التوازن. وإذا كانت الثقافة الذكورية قد وظفت قوانينها اللغوية بانحياز للذكورة؛ فعلى المبدعات العربيات وعالمات اللغة - وهن كثر – أن يجتهدن في الإصرارعلى اصطناع صيغ جديدة تعطي المرأة حقها اللغوي في الحضور، وذلك متاح في قوانين التشكيل مرة، وفي استعمال الضمائر المؤنثة وهي موجودة باللغة، وفي قوانين الاشتقاق اللغوي وصياغاته الثرية في اللغة العربية المعروفة بمرونتها وثرائها وقدرتها على التواصل .3128 بشرى البستاني

هنا لا بد من الإشارة إلى كثرة التجارب التشريحية التي توصل اليها أكثر من عالم وأكثر من مختبر – من ذلك ما توصل اليه العالمان "ريتشارد هير وروبين جون" من أن الرجل يستخدم الجانب الأيسر من المخ للتعبير اللغوي فهو مسؤول لديه عن اللغة بينما تستخدم المرأة الجانبين في آن واحد، الأيمن مسؤول اللغة والأيسر المسؤول عن العواطف معا،ولذلك تظل المرأة اقدر من الرجل على مزج اللغة بالمشاعر – حسب العالمين - مما يزيدها قدرة على التعبير، فضلا عن كون الجانب الأيسر المسؤول عن الكلام والقدرات اللغوية لدى المرأة يحتوي على حزم عصبية أكثر مما لدى الرجل مما يساعد المرأة على التعبير أكثر من الرجل. وأثبتت تجربة أخرى أجرتها "العالمة لورا آلان والعالم روجر جورسكي" عزلة الجانب الأيمن في المخ عن الأيسر لدى الرجل فلا يعرف الأيمن ما يدور في الأيسر بينما يدور حوار عصبي دائم بين الجانبين لدى المرأة . وتؤكد هذه التجارب – حسب العالمين - ان مخ المرأة كالغرفة الواحدة يستطيع ان يركز في موضوع واحد بكفاءة عالية تتسم بالشمولية ليحقق انجازا كبيرا، بينما مخ الرجل صندوقي فهو كالبيت ذو غرف عدة. مما يجعل خلايا المرأة المخية تشتغل بتواشج وتركيز على القضية الواحدة بشمولية وبما يجعلها صانعة قرار جيدة،بينما يفصل الرجل بين قضية وأخرى. ويطول البحث وتكثر آراء العلماء في هذا الموضوع،ويرى معظم المفكرين والباحثين في هذا الأمر أن نتائج هذه البحوث تؤكد ألا أفضلية لأحد الجنسين على الآخر، بل هناك تكامل إنساني مبهر بين الطرفين يدعوهما للتعامل بالعدل والإحسان والمحبة من خلال حاجة احدهما للأخر.

 إن الشعر واحد من أبرع وسائل المقاومة الثقافية لأن اللغة هي أداته البنيوية التي تعد من ابلغ أدوات البنى الفنية قدرة على التواصل الإنساني لكونها الأداة الأكثر تداولا من وسائل الفنون الأخرى. لذا فإن نص المرأة ليس محايدا، بل هو نص مقاوم يناضل على أكثر من نسق. يقاتل سلطة الخارج بأزماته المركبة ويقاوم سلطة الداخل المجروح بالأسئلة النفسية والوجودية المحكومة بالتوتر الدائم. لذلك فإن الشعر يعمل على التفريغ والخلاص والاستبدال معا. وهو فضلا عن ذلك يشكل انهماكا في لعبة فنية تشتغل بذروة الدقة والجد لتستنفد مداها بين أمرين بغاية الأهمية هما قمة اللذة مندمجة بجوهر القيم في شبكة من العلاقات المعقدة تشكلها صناعة الشعر المثابرة للكشف والتصدي معا .

9– بوصفك شاعرة وناقدة كيف تنظرين الى رأي جاك دريدا القائل : ان الشاعرة من الذوات الفردية التي تسكن المناطق الأكثر تعذرا على التجاوز، أي هي كائن ذاتي النزعة تريد أن تفصل نفسها عن جسد تعيش فيه، كونها تعدها صيغة من صيغ التحدي،وأن لها أحقية امتلاك القوة والكفاءة إزاء الآخر ..؟

ج9: د. بشرى البستاني: أرى أن مثل هذه الأحكام لا تصح على الشاعرة العربية ولا المرأة العربية لاختلاف ظروفها الحياتية اختلافا جوهريا عن ظروف الشاعرة أو المرأة الغربية. ان ما وقعت به بعض الناشطات العربيات من أخطاء هي محاولة تطبيق التنظيرات الغربية على واقع المرأة العربية المختلف. فبينما تتهيأ ظروف الغربية المجتمعية والعملية والمعاشية والحقوقية والقانونية لصنع قرار حياتها الذاتي بحرية تامة في العيش وحيدة أو مساكنةً مع رجل أو امرأة، نجد ما هو أحقّ من ذلك متعذرا على العربية التي ما يزال قرارها يعاني من ارتباطه المصيري بقرار الرجل (ولي الأمر) والأسرة حتى في أدق أمورها الشخصية المتمثلة بالزواج. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا أرى في حكم دريدا إلا ردا أو تعقيبا شخصيا على تطرف المنظمات النسوية الغربية الراديكالية شاعرات وناقدات. تلك المنظمات التي دعت إلى فصل قضايا المرأة عن الارتباط المصيري بالرجل ومنظومات قيم العائلة فيما يخص الزواج وتشكيل الأسرة وأعباء الأمومة، مما يشكل عوائق كبيرة – برأيها - أمام تحقيق ذاتها وتشكيل مواهبها بحرية كما هو متاح للرجل، وكأن المرأة الغربية حتى هذا اليوم لم تستطع أن تغفر للرجل أزمات اضطهادها وقمع إرادتها وحرمانها حقوقها في كرامة روحها فهي تعمل ساعات أطول من زمن الرجل وتتقاضى أجورا أقل منه وحقها في صنع القرار ضئيل جدا، إذ يبلغ عدد الوزيرات مثلا في أوروبا 57 وزيرة فقط مقابل 515 وزيرا. وأن نسبة 2 في المئة فقط من الإداريين ذوي المستوى العالي هن من النساء فضلا عن كون المرأة الغربية ولاسيما في امريكا تُضرب وتهان حتى يومنا هذا مما يذكرني بقول المؤرخ الكبير توينبي " لم اجد في التاريخ ما يدل على أن الإنسان المتحضر كان يوما ما اقل همجيةً منه في عصر الغاب " ذلك أن كل تلك القوانين الجائرة هي من صنع الرجال الذين شكلتهم قيم الاستهانة بالأنوثة وإنسانيتها وبقدراتها التي ضاعت في خدمة الرجل.تقول المفكرة مارجوري نيكلسون من جامعة كولومبيا : " ان السبب الرئيس لعدم إنتاج النساء إنتاجا يعدل في عظمته إنتاج الرجال هو أن النساء ليس لهن زوجات " مشيرة في ذلك إشارة بليغة لتخصيص الرجل زوجته خادمة لأمجاده متناسيا كونها إنسانة تمتلك طاقات وقدرات تحتاج مثله زمنا ومكانا وتفرغا لتحقيقها.و لذلك كانت الشاعرات والناقدات النسويات مصراتٍ على هجر الرجل وإلغاء قوانين الزواج والأسرة، تخلصا من التحيزات السافرة ضد المرأة لصالح الرجال ولو على المستوى الشخصي لا العام. لكني أخالف دريدا القول في فردية المرأة وكونها الأكثر تعذرا على التجاوز وأنها كائن ذاتي النزعة - وهنا أشير لغياب لا النافية قبل الفعل تريد لكي ينسجم المعنى – فذاتية النزعة هي التي لا تريد أن تفصل نفسها عن جسد تعيش فيه كونها متحدية. وقد راجعت النص ووجدته كما ذكرتُ فعلا، ولها حق امتلاك القوة والكفاءة أمام الآخر. إن معظم الأحكام التي أطلقها دريدا في هذه الفقرات التي راجعتها تعد أحكاما ذاتية لا تندرج في ظل اشتراطات علمية او نفسية أو واقعية حقيقية. إن دريدا يحكم على الشاعرة النسوية الغربية "المتطرفة حصرا"، لأن الحقيقة التاريخية عبر العصور تؤكد عكس هذه الطروحات تماما فيما يخص المرأة عموما. فالمرأة في العالم كله عبر التاريخ كانت مخلوقا كادحا وأُماً مضحية وزوجة صابرة وربة أسرة مسؤولة مما أغرى الرجل بعطائها فأوكل إليها واجب العطاء العاطفي وحرمها معظم ميادين الحياة الأخرى. أسكنها بيته حارسة أمينة وأخذ منها الدنيا وصنعَ القرار وكتابةَ التاريخ وتفسيرَ الأديان والخطابات حقبا طويلة. فلما أفاقت ورفضت الواقع نسي الكثيرون تاريخ عطائها الطويل واتهموا قراراها الذي هو مطلب حقيقي وليس رد فعل على الاستلاب- بالأنانية. أما حق امتلاك القوة والكفاءة أمام الآخر فذلك حق مشروع ظل مضمونا للرجل عموما. لكني أحرص على أن تكون القوة والكفاءة متشكلة مع الآخر وبشراكته وبمؤازرة الطرفين ولا تتم من خلال فصل أو منافسة وتحديات أوصراع يؤذي ثنائية الحياة الأساسية المؤتلفة : المرأة والرجل فهما يشتغلان داخل مشروع واحد هو تمجيد الحياة. وإلا عدنا لخلق تمركز جديد هو تمركز الأنوثة الذي سيؤدي الى خلق هامش آخر هو هامش الذكورة وهذا باعتقادي ليس هو الحل الذي تسعى إليه الإنسانية المتوازنة.3127 بشرى البستاني

 10–في النص الشعري الانوثي تتجلى مهمة الشاعرة لإعادة المرأة الى الكتابة بوصفها حضورا في قلب الحياة فكرا وتجربة وعاطفة وحرية، فهل حققت الشاعرة العربية حضورها بحرية الشعر المعهودة ومثلت الكتابة بوعي وتحرر وقيمة نوعية وهل توافقينني الراي بان للشاعرة نصا سرياً لم يأخذ دوره بعد؟ تقول سيليفيا بلاث : أكتب وحسب، لانه في داخلي ثمة صوت لن يهدأ أبدا.

ج10: د. بشرى البستاني: نعم، الكتابة حضور وتحرر ومسؤولية وانتماء. والمرأة في هذه الكتابة تضيف متعة أخرى لحضورها الأنثوي المرهف والمفعم بالحنو هي متعة العطاء الإبداعي والمعرفي والجمالي، في الكتابة الأنثوية تكشف المرأة عورة التاريخ وموروثاته المتخلفة بشجاعة، وتزيح الغطاء عن ظلمٍ جعل الإنسانية تهدر نصف طاقاتها عبر القرون. وتدحض بقلمها الجهل الذي أدام تلك التشوهات. وهي في مواهبها الحقيقية تضيف لخصوبتها البايولوجية خصوبة أخرى تلقحها بجهدها الذاتي وسهرها المعرفي والثقافي، وهي بذلك تزيد من بهائها وجمال حضورها حين تضاعف أنوثتها بالشعرية وسطوة الكتابة. لان الجسد يحضر عبر كل مفردة وكل تركيب من تراكيب النص المكتوب بأنامل الأنثى. الكتابة عنفوان لأنها وليدة الحرية وخلاص من الوأد وسلطة الحجب ووحشة الجدار. والكتابة الأنثوية ليست تعرية للاستلابات حسب، بل هي تفجير لكل القوى الكامنة في صميم إنسانة عاشت قرونا من الكبت والقهر والحرمان. فالكتابة قوة وثورة وحب وولع وانعتاق وتشكيل للجمال وبداية لعصر جديد يحمل في رياحه بذور أملٍ بغد أفضل. فالمرأة بالكتابة تقاوم عوامل السلب في المجتمع. لأن الكتابة من أهم وسائل المقاومة الابداعية. إنها إصرار على الحضور وتدوين الأثر. هذا الأثر الذي كانت تنجبه للرجال بوجع ومعاناة كي يخلد أسماءهم عبر العصور بينما يختفي اسمها في سجلات ميلاد يعلوها الغبار. لكنَّ هذا المنجز الجديد الذي يتشكل جنينا في دمها وخلايا رأسها وعصبها، ومن ثمَّ بأناملها غدا اليوم أثرا وليدا يُنسب إليها ويحمل اسمها ويحقق ذاتها وسمات هويتها. إن المرأة في الكتابة تنجز أمرين لا أهمَّ منهما، الأول إعلان المساءلة للتاريخ والمجتمع وكشف عن جبن النساء وتبعيتهن لتسلط الثقافة الذكورية الحريصة على إدامة موروث فظ وجامد وقبلي لا علاقة له بالتراث الحي، بل مهمته الوقوف عقبة أمام مستقبل أفضل. والثاني عقد المصالحة والانسجام مع ذاتها التي تحولت من السكون الى الحركة ومن الرضوخ الى الثورة. فالثورة ان لم تكن انوثة مخصبة ستصاب بالعقم والقطيعة والموت حتما. لذلك فالشاعرة الثائرة تشعر بالرضى عن ضراوة فعلها المتحرر وسط ظلام الجهل والقطيعة.

نعم، أوافقك وسيليفيا بلاث على أن للشاعرة نصا سرياً لم يأخذ دوره حتى الآن. وأتساءل دون حذر، كيف تكتب الشاعرة والشاعر كذلك ان لم يكن في داخلهما صوت مقيد ملهوف لا يكف عن طلب الإغاثة بالانعتاق والبوح،فالإبداع صرخة سرية في الظلام يقول الناقد الامريكي أرشيبالد ماكليش، في الداخل صوت يولد عن إشارة سرية او أخرى منظورة ثم ينمو بصمت وغموض كذلك عبر تجربة معاناة داخلية، فإذا اكتمل النمو تشكلت التجربة في بنية فنية هي القصيدة او اللوحة أو أية بنية أخرى. وإن لم تكتمل فإنها لا تموت أبدا بل تذوب لتندرج في غمار تجربة أخرى ستنجح في تشكيل ذاتها. ولذلك فإن هذا النص السري باعتقادي ما هو إلا الرصيد الفاعل والمحرك للنص المعلن. لكن الفرق بين المبدعة والمبدع أن المباح والمتاح للرجل أوسع دوما من المباح للمرأة،ولذا فإن مكبوت المرأة ظل هائلا عبر القرون. وان الثقافات الإنسانية التي دونها التاريخ كلها تعاملت بارتياب مع القضايا التي تخص الأنثى جسدا وحرية وهواجس ونظرت بارتياب الى الأنثى المتحدية التي تعمل بقصدية على كشف المكبوت والتصريح بالمضمر. من هنا نجمت قضية التصادم بين جرأة المرأة المبدعة ومطالبتها بحقوقها الإنسانية وحرص المجتمع على تصميتها،ذلك التصادم التي أنتج نصوصاً مشتبكة بأنواع الرفض كما أنتج منظمات نسوية متطرفة عدة وأطلق أصواتا عالميةعالية مطالبة بإحداث التوازن في الحقوق والواجبات، والمبدعة تدرك بوعي أن اشتغالها أصلا قائم على التصادم بين السكونية والحركة بين التقليد والتحرر، بين الإتباع والإبداع، وبين القدامة والحداثة وهكذا في جدلية دائمة. وقد نتج عن ذلك حضور مفاهيم أخرى لا مجال للحديث عنها الآن.

 

حاورتها الشاعرة: بيداء حكمت

 

 

3388 طاهر مشي“في -قصائدي-تمرُّد على ما أراه قيدا يحدُّ من حريتي في التعبير..والشعر في مجمله يجمعنا..وإن فرقتنا الحدود، لذا تراني أتسلق أهداب الليل الحالك ، يرهقني صخب الشوارع وابحث عن باب نهار مشرق لأفتحه..”

انبهر باللغة، ففتحت له العربية المجال واسعا ليبحر ببراعة واقتدار في عالم مفعم بالإبداع . وكان حصيلة هذا التميّز أن كتب نصوصا بجمالية فنية وأسلوبية ذات بصمة مميزة، كنتاج لخبرة وتعمق واهتمام بالجوانب الفنية للغة ولحالات التمظهر فيها وإلماما بالقوالب والأنواع.

فالشاعر التونسي السامق د-طاهر مشي، يتعامل مع الأدب والثقافة كشغف وحاجة روحية، فنجده يكتب في نصوصه النثرية عن عوالم الخصب، الأنوثة، الكينونة، الوجود، الاكتمال، الفراغات النفسية والمادية وكذا الوطن العربي في ظل دياجير تقض مضاجع حملة الأقلام ومعتنقي الحرف. وهو يسعى للبحث في هذه القضايا.

الشاعر د. طاهر مشي. شاعر ذو لونِ مميز، جمع بين حروف كلماته قطوفاً من الرومانسية والرقة و الحلم و الدفء و الجرأة، استطاع عبر قصائده الموغلة في الجرأة والرومانسية التعبير عن وجع الإنسان في زمن ضللنا فيه الطريق إلى الحكمة بمقدرة فريدة دون أن يهمل-كما أسلفت-القضايا الوطنية المنتصرة للإنسان والإنسانية.

حين سألته عن بدايته مع الشعر وما هي أهم المؤثرات التي أثرت في تكوين اتجاهاته الأدبية؟ أجابني بهدوئه المعتاد : ”كيف كانت بدايتي مع الشعر؟ الوردة لا تعرف كيف بدأت علاقتها مع العطر، والشمس لا تعرف كيف بدأت علاقتها مع الضوء، والجسد لا يعرف كيف بدأت علاقته مع الروح، وأنا لا أعرف كيف بدأت علاقتي مع الشعر ولا أستطيع تفسير نوعها أو تحديد ماهيتها أو إعطاء فلسفة ما لها لأن الشعر ينبع من الروح ليصوغ العالم موضوعيا..ولعل ّأجمل القصائد هي تلك التي سبر فيها الشاعر أغوار ذاته فجاءت صورة لما يعتمل في أعماقه من مشاهد التمزق والتشظي..

لاشك أننا متأثرون بالعديد من الكتاب الحداثيين بشكل واعٍ أو غير واعٍ، أستطيع القول أني في المرحلة الجامعية كنت أقرأ للكاتب السوري “أدونيس″، ثم قرأت بعضا من الأدب الروسي واللاتيني، كنت أقرأ في النقد أكثر من الأدب، وغالباً في القواعد التي تقوم عليها الفنون، أما الآن ومنذ مدة ليست بقليلة لم أعد أقرأ قراءة منظمة واعية، صرت أغوص في الداخل وأستمتع، ومراتٍ كثيرة أتوجع..والوجع صورة -كما أسلفت-لتشظيات الروح..وتأوهات الجسد..”

د. طاهر مشي، إنسان وشاعر تونسي، أية مقارنة؟

- لا مقارنة بين ما يسكن في القلب، وبين تونسيتي، وما أبوح به لهذا العالم المتخَم بالتناقضات..الكتابة التي تسكنني بدون إذن ولا جواز سفر ولا تأشيرة أريدها تحدي من أجل قوة لا تقهرها الظروف..للوطن قلب يسع الكون ، وللكتابة فكر يحمل ثقل هذا الكون، وكلاهما تضحيات كبيرة ووجهة واحدة للنجاح .-

أنا-كناقد-مع القائلين بأن قصيدة النثر” امتدادٌ طبيعيٌّ لتطور الشعر، خاصةً بعد شعر السبعينيات؛الذي انحرف به أصحابه عن الشعر العمودي، وأنهم أوجدوا حلقةً جديدةً من تطور الشعر العربي، ولكن هناك شبه مؤامرة على عدم الإعتراف بقصيدة النثر كحلقة شرعية من حلقات تطور الشعر العربي؟!

"هذا غير صحيح..قصيدة النثر الجيدة فرضت نفسها حتى لو لم تنل ذلك الاعتراف، لكن المبالغة في تقليد الصراعات والابتعاد عن لغة الشعر وموسيقاه الداخلية أو الخارجية هي التي نفرت الناس منها، فالشعر وتده الأساسي الموسيقى واللغة الشديدة التوتر والحساسية والتكثيف فلما انمحت ملامح الشعر أصبح النتاج لغة سردية لا فرق بينه وبين القصة القصيرة أو الخاطرة أو لغة المقال وأحيانا لغة الصحافة العادية، لذا كان من البديهي أن يذهب الناس وينصرفوا عن الشعر ويتقلص جمهوره، إن المبالغة في الخروج على كل الثوابت، وإلغاء الحدود بين كل الأجناس حتى الشعر الذي له خصوصيته الدقيقة، هو ما جعل معظم كتاب قصيدة النثر في وضع حرج، فالادعاء لا يقدم فنا خالدا، مما صرف الناس عن الاعتراف بما يكتبونه.لكن لا شك أنه توجد قصيدة نثر جميلة بل وعلى درجة عالية من الشاعرية."

- نلاحظ في العديد من قصائدك تجسيد للفكرة عبر تكرار صورها وما يحفز ذلك هو انقسامها الى مشجرات عنقودية، واعتمادها على نظام الفقرة ..هل هذه دعوة للقارئ إلى أن ينزاح هو الآخر عن اللغة الشعرية المألوفة بطريق بناء حوار جاد مع لغة القصيدة الحداثية وعليه أيضاً أن يضع معارفه القديمة إزاء النص الجديد موضع تعديل، ليحدث التفاعل ويحدث القبول الجمالي للخطاب؟

- "نعم تجسدت الفكرة عبر تكرار صور متعددة خاصة تلك الفكرة التي تلحّ عليّ وتكمن في أعماق الذات وهي بالفعل دعوة للقارئ لبناء حوار جاد مع لغة القصيدة المتشظية التي تطمح لتأسيس خطاب جمالي جديد منبثق من قناعتي ورؤيتي الجمالية لتطور النص الشعري الخاص بي والذي يحمل بصمة الذات الشاعرة وخصوصيتها.."

- إلى أي مدى فقدت القصيدة فعاليتها في هذا الزمن المعلب؟

- "ما يحزنني هو أنني ولدت في زمن يأكل المشاعر بالشوكة والسكين ويتفنن في اغتيال كل الأشياء الجميلة ، زمنٌ لا يمهلنا كي نكبر، ولا يترك لنا نقطة من العطر آخر الحلم.ولكنني رغم ذلك أعلن أنني لن أستسلم أبدا له، ولن أترك له شرف الانتصار علي وعلى القصيدة، لن أدعه يحولني إلى علبة صفيح، ولا إلى دمية من خشب ولا إلى سيجارة كوبية ، ولن اسمح له أن يأكلني ولا أن يأكل أحلامي ولا أن يجعلني بلا إحساس.ربما قد أنهزم في معركة، وربما قد أنزف حتى الموت، ولكن كل جرح ما هو إلا مطلع قصيدة وكل نزيف ما هو إلى رغبة في الكتابة.."

- بسؤال مغاير أقول: هل يعتقد الشاعر طاهر مشي أن أهمية الشعر والشعراء تلاشت عما كانت عليه في السابق اي في العصور الماضية.. ولماذا؟

- "يبدو لي أنها تلاشت وبشكل محزن، رغم وجود أقلية تناضل في هذا المجال، أماالسبب برأيي المتواضع، هو انحلال أخلاق حملة الأقلام، أعتذر، لكنها الحقيقة، ضاع المبدعون الحقيقيون وسط ثلة من سماسرة الحرف..هبط مستوى الكلام الى أسوأ رتبة، صار شعراً تجارياً، كما أفلام التفاهة والميوعة تماماً، وحين صار الشعر بيد أناس يتاجرون به، ومن يشترون اسماً لن يخلد إلا نفاقا.لكن يظل في الأخير الشعر النابع من الذات مخترقا لسجوف الرداءة.."

- ما هو رأيك بالنقد الآن، وهل واكب مسيرة الشعر التي نشهد فوراناً لها منذ سنوات قليلة؟

- "ما يثير الحزن حقا هذا التراجع والنكوص الذي يعرفه النقد الأدبي في جامعاتنا وأوساطنا الأدبية، فالمشهد اليوم يبدو فقيرا لغياب مدارس نقدية عربية حقيقية، في المقابل يمكننا الاستشهاد بالتجريدية الأوروبية والسريالية والبنيوية والتفكيكية وغير ذلك، أما التراث العربي القديم فإنه مليء بالشواهد التي ما زلنا نستنزف قواعدها، لقد أصبحت المناهج القديمة مستهلكة تكرر نفسها دون أن نجد نقدا حقيقيا للنصوص الشعرية مما شجع-كما أشرت-على انتشار الرداءة والإسفاف والشعر الهابط، ومن ثم كان على النقاد(وأنت واحد منهم-قالها بإبتسامة عذبة) أن يقوموا بأدوارهم وأن يصطفوا جنبا إلى جنب مع الأدباء والشعراء لأن الشعوب المغلوبة في وطننا العربي تعول عليهم في قراءة الواقع ونقد مساراته، وهنا يبدو دور الجامعات المتخصصة في دمج الأدب المعاصر بالعمل الأكاديمي وتفعيل دور النوادي الأدبية والمؤسسات الثقافية المعنية لأن التغيير لا يحدث إلا بشكل جماعي.."

- لو لم يعد بإمكانك الكتابة والرسم بالكلمات..وحتمت عليك الظروف ذلك..فما الذي تفعله؟

- "الكتابة سحر روحاني يتملكنا في أي لحظة، والمبدع كالسمكة لو تخلى عن بحر الإبداع سيموت ..ربما هذه الظروف التي تريد أن تحتم علي بعدم الكتابة، بل ستزيد فيّ الحنين أكثر للإبداع ..كل حالات الوجع والفرح والحزن والتفاؤل في الحياة تمنحنا الإبداع أكثر، الأديب الذي لا تزعزعه الظروف سواءً كانت حزينة أم سعيدة، لا يمكنه أن يكون مبدعاَ.."

- قلت عنك ذات يوم أنك، تلتقط في رماد الروح وجع المسافات حنينا لأزمة الحب حيث تشتعل فوانيسها ” ماتعليقك؟

- "ما تبقى من اشتعال الذات في خريف عربي أتى على الأخضر واليابس..ما تبقى من رماد فينا حرقته التحولات الفكرية والذهنية التي طرأت على أفكار العرب، من أجل الهروب إلى الهاوية أو الانتحار، فكلاهما مرٌ، رماد الروح هو فعلا وجع المسافات القليلة البعيدة، كالسراب نحو الأمل والحب، كي يعيد الرماد استنساخ نفسه كشعلة من نور، وفوانيس الدروب المكللة بالانتصار"

- كيف تتشكّل القصيدة لديك.انفعال، عزلة، انكسار، أم لحظات صفاء؟؟

- "النصّ يتشكّل من مجموع هذا وذاك، بمعنى أنّ حالة الكتابة تكون تتويجا لإرهاصات تقدّمت عليها بصمتٍ بالغٍ، وترقُّبٍ مصحوبٍ بارتفاع تأمُّليّ.ما يهمُّني هو اللذّة التي تنتجُ عن هذا الكلّ، باتصالي مع عمق ذاتي والبُعد الإنساني اللذين تنصهرُ بهما الأشياء والأسماء والأفعال…الخ.

وهذا يعني أنّ-القول الشعري-لا يتشكّل لديَّ إلاّ بوصفه استجابةً جماليةً بالغة التعقيد لعاملين متداخلين:لحظة الحياة ولحظة الشهادة عليها.ضغط اللحظة الواقعية، كونها الباعث الأول على القول، وضغط اللحظة الشعرية، بما تشتمل عليه من مكوناتٍ ذاتيةٍ وثقافيةٍ وفنية.في اللحظة الثانية تتجلّى فاعلية التشكيل الشعريّ حين يتلقّف اللحظة الواقعية، أو لحظة الانفعال بالحياة التي لا تزال مادةً خاماً، ليلقي بها في مصهره الداخليّ، ويعرّضها لانكساراتٍ عديدةٍ، وتحولاتٍ جمّة، حتى يخلصها من شوائب اللحظة ومن تلقائيتها الساذجة، أو غبار اندفاعها الأول المتعجل.ويظل النص الشعري في تشكله ملتقى كلّ رفيفٍ روحيّ أو لغـويٍ : اللذةُ وشحنةُ العذاب، الذاتُ والعالم، حركةُ الحياة ونضحُ المخيلة."

- من وجهة نظركم، كشاعر، كيف يكون الشعر، وما هي وظيفته، وما هو مفهومك الخاص للحداثة بعيداً عن تنظيرات الأخرين؟

- "من وجهة نظري، لا يخضع لوظيفة بعينها، وقد اختلف الفلاسفة في هذا الأمر من أرسطو وغيره من المفكرين والفلاسفة الكبار، هذه مسألة يضع لها معايير كل حسب رأيه ورؤيته ومعايشته للحياة وتقلباتها، أما أن نضع وظائف معينة فأعتقد أن هذا ليس منطقيا، الشعر أيضا حالة يعيشها الشاعر وهذه الحالة ربما تستمر أشهر حتى تتمخض عنها قصيدة بعد مخاض طويل، بمعنى آخر القصيدة ليست متاحة في أي وقت، القصيدة كما قلت سابقا هي التي تقتحم الشاعر وليس الشاعر، هكذا أنا أتعامل مع قصيدتي وهكذا أفهم القصيدة وأدعها تتسلل إليّ وأفرد لها مساحة كبيرة من التأمل كي تستريح في داخلي مغلفة ببطانة المعنى والفكر الثقافة كي تخرج إلى القارىء بكامل أناقتها وفضاءاتها الشاسعة.أما الحداثة، فهي خلخلة السائد في الراهن الشعري العربي، من خلال الاكتشافات اللغوية وبناء العلاقات بين المفردات وصياغتها بقوالب شعرية جديدة بشكل جمالي آخاذ، وهذا بالطبع لا يعني أن نتخذ من الحداثة الغموض المنغلق، بهذا الشكل أو هذا المعنى افهم الحداثة، وكذلك أن لا نكون منغلقين في قوالب جاهزة متعارف عليها سابقا في النص الشعري، علينا أن نفهم ماضينا وآصالتنا بلغة حداثية تواكب التطور، لغة عصرية فيها الكثير من المغامرة الجمالية"

- كيف تنظر إلى خريطة الشعر العربي اليوم؟ومَن من الشعراء جذب اهتمامك وشعرت عبر أعماله بنكهة التجديد والأصالة والعمق؟

- "خريطة الشعر العربي ما زالت واضحة المعالم على الرغم من محاولة بعض المتشائمين طمسها، فللخارطة رموزها وتضاريسُها الإبداعية، وهناك شعراء رواد شكّلوا قمماً إبداعيَّة لهذه الخارطة لا تطالها رياح التعرية المحملة بغبار العولمة، من أمثال السياب والبياتي والفيتوري والماغوط وصلاح عبد الصبور والجواهري..وغيرهم."

حين تنادي:”طاهر مشي”أيكون في النّداء معان قويّة كتلك التي قالها الفلاسفة عن شعر هولدرلين؟

- "لأنني لازلت أجهل-طاهر مشي-لم يحدثْ أن فعلتها. ولكنني دائماً ما أقرأهُ بوضوحٍ على البياض، ذاهباً به نحوَ اعترافاتٍ أعمق، كي يتسنى لي قراءتهُ بشكلٍ أوضح.حينَ أعرفهُ تماماً، وقتها سوف أفعل، وأخبرك ما إذا كانت معانٍ قويّة كائنة في ندائي عليه، أم لا، دون تشبيهٍ بأيّ آخرْ."

-هل كتب د. طاهر مشي قصيدته المشتهاة ..؟

- "القصيدة المشتهاة هي التي تسكننا ولا تفارقنا مدى الحياة ، في كل مرة نكتبها نقول لا ليست هي ، ونبقى نبحث عنها بين طيات أفكارنا وذاكرتنا حتى ولو عشناها..

القصيدة ” المشتهاة “هي نداء الروح العميقة التي لا تأججه إلا الكتابة ، فهي تمنحنا الحياة للبقاء على ناصية الفرح، كلما ضاقت بنا سبل الدنيا ، نبحث عنها بين طيات الحروف، ربما كتبتها .. لكنني أبقى أبحث عنها حتى لا أضيع بوصلة الفرح في حروفي .."

- دمتَ لامعَ الحرف..وذائقا لمعانيه العميقة..

 

أجرى الحوار الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 

3095 فوزي حامد الهيتيأقام قسم الفلسفة في جامعة الكوفة مؤتمره الفلسفي الاول. وكان ضمن محاوره دراسة المشهد الفلسفي العراقي المعاصر. وكلفت حينها بكتابة بحث تعريفي عن الفيلسوف العراقي المغترب نمير العاني الذي لم أكن اعرف عنه ساعة اقتراح الموضوع سوى اسمه. وعند الشروع بجمع المادة العلمية عنه صار لنا اتصال مباشر معه جرى خلالها طرح اسئلة استفسارية للالمام الكافي بجوانب فلسفته، كان من نتائجها إثارة موضوعات فلسفية مهمة منها آرائه النقديه للقراءة الماركسية لعدد من الفلاسفة السوفيت المعاصرين ونقده للمدرسة العقلانية النقدية ممثلة بكارل بوبر فضلا عن تصوراته لمفهوم النظرية العلمية ومعاييرها. ولاهمية هذا الحوار إرتأينا نشره منفصلا بصيغة مقابلة او حوار فلسفي. ونزولاً عند رغبته في نشر هذا الحوار في مجلة الثقافة الجديدة حيث كان يعمل في تحريرها خلال عقد السبعينات من القرن الماضي تم نشره في فعلا فيها بعددها في عددها المزدوج (398 – 399) لشهر تموز 2018. ولأهمية موضوع الحوار ورغبتنا بنشره على نطاق أوسع، نعيد نشره مرة أخرى. والاستاذ الدكتور نمير مهدي العاني. حاصل على شاهدتي دكتوراه في الفلسفة الحديثة كلاهما من جامعة سان بطرس بيرج الحكومية الروسية (جامعة لينينغراد سابقاً) الاولى سنة 1971 موضوعها في (العلاقات الاجتماعية) والثانية دكتوراه علوم في الفلسفة وهي اعلى شهادة تمنح في روسيا. سنة 1983 والموسومة (الديالكتيك المادي.. النظرية الاعم للتطور). عمل تدريسيا في قسم الفلسفة جامعة بغداد في سبعينات القرن الماضي ومن ثم استاذا زائراً في جامعة عدن خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي واخيرا استاذ كرسي الفلسفة في جامعة الدولة لتكنولوجيا المعلومات والعدسات والميكانيكا الدقيقة (إيتمو) في سان بطرس بيرج – روسيا الاتحادية، الى أن وصل السن القانوني للتقاعد عام 2002، ولكنه واصل العمل (كمتقاعد عامل) في الجامعة نفسها حتى الأول من كانون الثاني عام 2017 حيث استقال من عمله وتفرغ تماما للبحث العلمي. لديه عدد كبير من الابحاث العلمية قاربت المئة بحثا, فضلا عن عدد كبيرمن الكتب والدراسات الفلسفية المنشور أغلبها باللغة الروسية وللأسف الشديد.

- سؤال: خلال قراءتي لمشروعكم الفلسفي اثرتم في بداية حديثكم قضية مهمة تتلخص في تقديمكم قراءة جديدة للديالكتيك يعيد له طابعه الثوري المتمرد هذه الصفة التي غابت في قراءة المدرسة السوفيتية الرسمية للديالكتيك والمدرسة الماركسية بعامة وأحالتها (الفلسفة الماركسية) من فلسفة وظيفتها بحسب الفهم الماركسي تغيير الواقع الى فلسفة تبرر الواقع ووصفت هذه القراءة بفلسفة الركود او الجمود بحسب توصيفكم. ومن ثم شرعتم بشرح مقومات فهمكم للديالكتيك بعده بردايم للوجود يمكن من خلاله تفسير كل مظاهر الوجود وحركته التفاعلية التطورية. ولكن لم نلاحظ خلال عرضكم اي مقارنة ومقابلة بين فهمكم للديالكتيك المادي وبين الفهم السوفيتي له الذي قاد الى حالة الجمود والتبرير. هل بالامكان ايضاح ذلك اكثر وبخاصة في جانب العلاقات الاجتماعية؟. هل القراءة التبريرية السوفيتية للماركسية هي التي افضت الى انهيار التجربة السوفيتية ؟. الحديث بالعموميات لا يفسر. وما طرحتموه من قراءة مخالفة أمر مهم يمكن أن نحدد من خلاله فهمكم للديالكتيك الماركسي إذا ما جرى مقابلته بالقراءة الاخرى التبريرية. وبصراحة اكثر اين تكمن القراءة التبريرية للديالكتيك الذي احاله من منهج ثوري مغيّر للواقع الى منهج مبرر له؟.

* نمير العاني: في دراستي عن الديالكتيك لم تكن غايتي التحليل النقدي الشامل للمدرسة الفلسفية السوفياتية. فقد إنصب كل إهتمامي في هذه الدراسة على بلورة فهمي الخاص والمتميز للديالكتيك الماركسي. وبطبيعة الحال إنني عند صياغة هذا الفهم وجدت نفسي مضطراً ان اتناول بالنقد هذه او تلك من تصورات الكثيرين من الفلاسفة السوفيات، والتي شكلت في تقديري خروجاً عن روح المنهج الجدلي. ولهذا استطيع ان اقول بان نقد هذه التصورات كان نتاجاً عرضياً للدراسة، ولذا فإن القارىء يجد هذا النقد منثوراً في اماكن مختلفة من الدراسة وليس ممركزا ومكرساً في احد فصولها دون غيره. فعلى سبيل المثال لا الحصر، اشير هنا إلى إنني عند صياغة تعريفي للتطور تعرضت بالنقد للفكرة التي كانت طاغية في الفلسفة السوفياتية والقائلة بالتطابق التام بين مفهومي التطور والتقدم. لقد رأيت في هذه الفكرة خروجاً فاضحاً عن المنهج الجدلي، معتبراً إياها فهماً وحيد الجانب، اي فهماً ميتافيزيقياً (إنني هنا وفي بقية اجزاء إيضاحاتي الحالية اردد هذا المصطلح بمدلوله المنهجي وليس النظري، اي أعني بالميتافيزيقا المنهج المناويء للمنهج الجدلي،... اللا ديالكتيك). فالتطور ليس بحركة صاعدة على الدوام، ليس بسيرورة إلى امام على طول الخط. إنه، وكاي شيء في الوجود، ذو طبيعة متضادة داخلياً. ولذا ففي المنحى الذي نتحدث عنه هنا يشكل التطور وحدة جدلية للتقدم والتقهقر (التراجع، الإرتداد..إلخ). إنه، إذن، ليس بعملية خطية تجري بخط مستقيم، بل هو سيرورة متعرجة تجري في كافة الإتجاهات (صعوداً وهبوطاً، إلى الأمام وإلى الخلف). ومما له دلالة علمية في هذا الصدد ما اثبتته مثلاً، الدارونية حتى في صيغتها الكلاسيكية في ان تطور بعض الكائنات الحية من الممكن ان يتم من خلال تبسيطها لبنيتها، اي بإنتقالها من المعقد (الأرقى) إلى البسيط (الأوطىء)، لأن تبسيط البنية يساعد هذه الكائنات على التكيف الأفضل للبيئة المتغيرة. وبهذا يصبح التقهقر شكلاً من اشكال التطور الحيوي. كما انه يتجلى ايضاً في الصيرورة التاريخية وفي التطور الإجتماعي. وليس ثمة ما هو غريب في ذلك إن اخذنا بعين الإعتبار ان التقدم والتقهقر هما ضدان جدليان لا يمكن لأي منهما ان يوجد بمعزل عن الآخر. فلا تقدم بلا تقهقر ولا تقهقر بدون تقدم. وبالفعل، إننا نجد ان اية ظاهرة في مجرى تطورها تتقدم في بعض جوانبها وتتقهقر في جوانب اخرى. كما واضيف إلى ذلك إن الصراع بين هذين الضدين بشكل عام لابد من ان يحسم في كل طور من اطوار تطور الظاهرة لصالح احدهما. ففي هذا الطور يطغي التقدم على التقهقر وبذلك تكتسب السيرورة التطورية للظاهرة دلالة تقدمية، وفي طور آخر يصبح التقهقر هو الغالب، الأمر الذي يضفي طابعاً تقهقرياً على تطور الظاهرة. فما هو غالب في طور يتحول إلى مغلوب في طور آخر، وبالعكس، ما كان مغلوباً يصبح غالباً. إننا نشاهد ذلك في كل مكان وزمان. فإن كانت الحياة على سطح كوكبنا تعيش في طورها الحالي فترة إزدهار وتقدم بشكل عام مع تقهقر محدود هنا وهناك، فهذا لا يعني إنها ستبقى كذلك إلى الأبد. فلا بد لهذا التقدم والإزدهار ان يخلي مكانه في طور لاحق لتقهقر عام للحياة، من الممكن ان يؤدي إلى تلاشيها من على سطح الأرض حتى قبل نهاية كوكبنا والمنظومة الشمسية. وليس هذا بالأمر الغريب في عالمنا. فهنالك، مثلاً، فرضبة تقول بان الحياة قد اقبلت، ومن ثم ادبرت على سطح المريخ، اي إزدهرت وبعدئذٍ تقهقرت وإندثرت اخيرا هناك. وما قلناه حول التقدم والتقهقر من الممكن ان يؤكد ايضاً بخصوص المجموعة الشمسية، بل وعموم الكون. فإن إعتبرنا إن الحالة الراهنة لكوننا، والتي بدأت بنشوءه وبداية توسعه بعد الإنفجار العظيم، هي حالة تقدم وإزدهار، فهنالك العديد من الفرضيات في علم الكون (الكوزمولوجي) تذهب إلى إن هذه الحالة لا بد وان تخلي مكانها في الطور اللأحق في مسيرة الكون لنقيضها، اي لحالة التقهقر والإرتداد. ومن بين هذه الفرضيات اشير إلى تلك التي تقول بان توسع الكون لا يمكن ان يجري بلا نهاية، وإنه عاجلاً ام آجلاً لا بد وان ينتهي في ذلك الى حد له، الذي عنده يبدأ الكون حركته المعاكسة، اي حركته إلى الوراء او سيرورته التقهقرية، التي تتميز بجريان الزمن فيها إلى الوراء من الحاضر إلى الماضي. وقد دعيت هذه السيرورة ب "الإنكماش العظيم"، والذي سينتهي بالكون إلى الحالة المتفردة، التي من غير المستبعد ان يحدث فيها إنفجار عظيم جدبد.

هذا وهنالك العديد من التصورات الآخرى للفلاسفة السوفيات التي اختلفت معهم فيها واخضعتها للنقد، اذكر من بينها مفاهيم الحركة والتغير والسببية والقديم والجديد والإبداع البشري وغيرها. وفي سبيل الإلمام باوجه الإختلاف بيني وبين هؤلاء الفلاسفة ينبغي عليك قراءة دراستي من بدايتها وحتى نهايتها، او في الأقل الإطلاع على كتابي حول " "مبدأ التطور وعلاقته المتبادلة مع مبادئ وحدة العالم والتشارط المتبادل والتعاكس العام. منشورات مركز الدراسات الإشتراكية في العالم العربي، دمشق، 1988 " والذي في متنه تمت الإشارة إلى جزء من هذه التصورات. وقد وجدت من اللازم ان اقف في مقدمة هذا الكتاب وقفة موجزة على خلافي المنهجي مع الكثير من الفلاسفة المعاصرين الذين بحثوا وكتبوا في مشكلات الديالكتيك المادي. وهنا اسوق لك المقطع التالي الذي اقتبسه من هذه المقدمة، والذي يسلط بعض الضوء على هذا الموضوع، توخياً للإفادة، إذ من غير المستبعد إنك لم تحصل على هذا الكتاب حتى الآن:

"إن السمة الأساسية، بل واقول الخصيصة الماهياتية التي ينماز بها البحث الذي اقدمه إلى القارىء الكريم بين دفات الكتاب الحالي، بل وتنماز به مجمل الدراسة التي استل منها هذا البحث، من الممكن ان تلخص في إستخدام الديالكتيك المادي كمنهج فلسفي لبناء الديالكتيك المادي كنظرية فلسفية. او بكلمات اخر، استطيع ان اقول بان البحث الحالي (شأنه بذلك شأن الدراسة المذكورة برمتها) يشكل في حقيقته الفعلية خلاصة لإنعكاس الديلكتيك المادي في ذاته ومن خلالها، اي خلاصة لعكس الديالكتيك المادي لذاته في ذاته وعبرها. فهو، كما عبر بدقة احد الأساتذة السوفيات الذين إطلعوا على الدراسة المشار إليها وشاركوا بتقييمها، اقرب ما يكون إلى " ديالكتيك عن الديالكتيك نفسه ".

واود ان اشير بالإرتباط مع ذلك وان اؤكد على إن إعتمادي الفعلي على الديالكتيك المادي كمنهج اساسي كامل السيادة في تحليل ومعالجة وحل مشكلات الديالكتيك نفسه (اي، إستخدامي للديالكتيك منهجاً لبناء الديالكتيك نظريةً) هو الظرف الذي مكنني بالتحديد من الوصول في دراستي التي اشرت إليها آنفاً إلى ما إنتهيت إليه من إستنتاجات وخلاصات مهمة تخرج في العديد من دلالاتها ومضامينها على ما هو شائع ومألوف من تصورات باتت اقرب إلى التقليد الفلسفي في ادبنا الماكسي المعاصر. وإنني إذ اشير إلى ذلك واؤكد عليه، لا يسعني في الوقت نفسه إلأ ان الاحظ إن الكثير من الأعمال الفلسفية لمفكرين وفلاسفة معاصرين، والتي تتناول بالدراسة والبحث مشكلات الديالكتيك المادي (و احياناً مشكلات فلسفية اخرى تخرج عن دائرة هذا الأخير المباشرة) تعتمد في الواقع الفعلي (و بالرغم من التصريحات والتوكيدات اللفظية) المنهجية الميتافيزيقية في معالجاتها النظرية. وفي هذا بالذات يكمن، كما أرى، سر (سبب) زوغان هذه الأعمال في العديد من موضوعاتها وأطروحاتها وإستنتاجاتها عن درب الحقيقة بشكل عام وحيودها عن النظرة الديالكتيكومادية الحقة على وجه التحديد.

و من الغريب، بل ومن باب المفارقة حقاً، ان نلاحظ في هذا السياق ان الوزن النوعي لإعتماد وإستخدام المنهج الديالكتيكومادي في البحث هو اعلى في الدراسات العلموطبيعية منه في الدراسات العلموإجتماعية عموماً والدراسات الفلسفية على وجه الخصوص. اما سبب ذلك وتفسيره، فيعود في التحليل الأخير، كما يبدو لي، إلى حالة الركود في السيرورة الإجتماعواقتصادية. وبالفعل، ان المنهج الوحيد الذي يستطيع ان يعبر باصالة عن هذه الحالة ويجسدها او يلخصها تجسيداً (تلخيصاً) حقيقياً، اي المنهج الأصيل ل"فترة الركود" لا يمكن ان يكون إلأ منهجاً ميتافيزيقياً في مضامينه ودلالاته الفعلية.

إنني لا انوي هنا، بل ولا افكر إطلاقاً نفي القيمة الإيجابية (العلمية) للمنهج الميتافيزيقي سواءً في بعدها التاريخي ام في مدلولها الوضعي. بيد ان هذه القيمة تبقى قيمة محدودة (بل ومحدودة جداً في بعض مجالات البحث والدراسة)، ومن غير الجائز إطلاق معناها باي حال من الأحوال. هذا يعني إن المنهج الميتافيزيقي في البحث لا يمكن ان يضطلع في عصرنا إلأ بدور ثانوي ووظيفة هامشية. ولذا، فإنه يبقى (و مهما بلغت "قيمته العلمية" في هذا المجال او ذاك من مجالات البحث العلمي المعاصر) عنصراً منقاداً ومقهوراً ("منزوعاً") في بنية منهجية عامة تظل ذات اصالة ديالكتيكية ببعدها العام وبدلالاتها الخاصة". (د. نمير العاني. جدلية العلاقة بين مبدأ التطور ومبادىء وحدة العالم والتشارط المتبادل والتعاكس العام. دمشق: مركز الابحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، 1989، ص. 6-7).

لقد وجدت من المناسب ان اورد هنا هذا المقتبس الطويل من مقدمة كتابي المذكور تحسباً لعدم توفر المصدر تحت يديك، وإعتقاداً مني إنه سيعينك ولو بعض الشيء على تفهم مشروعي الفلسفي بصورة افضل.-

- سؤال: خلال رسائلكم السابقة تحدثتم وبإيجاز ايضا عن العقلانية النقدية وبخاصة لفلسفة كارل بوبر وتحديدا حول مسألتين هما أ- معيار العلم لديه (معيار التكذيب) وقلتم أن هذا المعيار مثله مثل معيار التثبت لا يكفي لتمييز بين القضايا العلمية عن غيرها وقلتم أن معياركم هو (التثبت والتكذيب) وهذا ايضا كلام مبهم يحتاج الى ايضاح بأمثلة مقارنة. أنا افهم سبب تقديم بوبر لمعياره فهو جاء استجابة لفهمه وتصوره لمفهوم النظرية العلمية وتحقيقا لغاية الابستملوجيا كما يقول هو ويحددها بالنمو والتطور فغاية الابستملوجا هي النمو والتطور وهذا لا يتحقق كما يقول كارل بوبر إلا من خلال اكتشافنا لأخطاءنا لذلك اشترط في صياغة الفرضية العلمية أن تكون قابلة للتكذيب اي يمكن تكذيبها تجريبيا والقضية القابلة للتجريب لا تعني بالضرورة هي كاذبة فهي تخضع لاختبارات مستمرة وكلما اجتازت الاختبار يكون ذلك تعزيز لها. أما سبب رفضه لمعيار التثبت او التحقق الذي قالت به الوضعية المنطقية فإن هذا المعيار يبرر معارفنا ولا يعيننا على اكتشاف الاخطاء فكل قضية يمكن ان نجد لها تبرير ومؤيدات في الواقع ولكن حالة واحدة مكذبة تكفي لاعادة النظر فيها والبحث عن فرضية خرى. وبجعة واحدة سوداء تكفي لهدم القضية القائلة كل البجع ابيض كما يقول هو.

* نمير العاني: لقد سبق لي وان اشرت في رسالة سابقة إلى ان المصيبة الأساسية للفلسفة الغربية المعاصرة تكمن، كما ارى، في منهجيتها الميتافيزيقية. وعقلانية كارل بوبر النقدية لا تشكل إستثناءً في هذا الخصوص. فهذا الفيلسوف ينحو في اعماله منحىً ميتافيزيقياً يرى العالم من خلاله رؤيةً وحيدة الجانب. إنه، كغالبية زملائه من الفلاسفة الغربين، يفكر ويبحث وفق مبدأ "إما وإما". فإن كان الوضعيون الجدد، على سبيل المثال، قد إختزلوا الإختبار (البرهان) العلمي بإرجاعه إلى الإثبات فقط، نجد إن بوبر يفعل العكس تماماً برده الإختبار إلى الدحض تحديداً (إني افضل إستخدام هذا المصطلح بدلاً من "التكذيب"، لأن الكذب والصدق هي مفاهيم منطقية تعبر عن صفات الحكم المنطقي). هذا في حين إن البرهان العلمي، كما ارى، يجمع الضدين معاً، بحكم كونهما كاضداد جدلية متلازمين مع بعضهما البعض، بحيث لا يمكن لأي منهما ان يوجد بمعزل عن الآخر. فلا إثبات، إذن، بدون دحض، ولا دحض بلا إثبات. وعليه، فإن بوبر برفضه للاثبات، من خلال مطابقته الإختبار مطابقة تامة مع الدحض، يرفض في الواقع الدحض ايضاً، بالضبط كما ان الوضعين الجدد برفضهم للدحض يرفضون الإثبات ايضاً. وبحكم العلاقة الجدلية بين الإثبات والدحض، فإن إختزال الإختبار اي البرهان العلمي برده إلى اي من هذين الضدين لا يعني في الواقع سوى إلغاء الإختبار (البرهان) نفسه. وبهذا اخلص إلى القول: اولاً، بان البرهان العلمي يشكل في حقيقته إثباتاً بدحض ودحضاً بإثبات، وثانياً، بان الإثبات نفسه ينقلب دحضاً والدحض نفسه يتحول إلى إثبات في مجرى هذه العملية. فالبرهان، إذن، هو إثبات بدحض ودحض بإثبات. وتأسيساً على ذلك استطيع ان اقول بإن بوبر بعثوره على بجعة سوداء لم يدحض الفكرة القائلة ب"إن جميع البجع أبيض" وحسب، بل واثبت صحة الفكرة التي تؤكد على "إن بعض البجع أبيض" او "إن ليس كل البجع أبيض". فدحضه يصبح، كما نرى، إثباتاً. اما لافوزيه، مثلاً، فبإثباته تجريبياً النظرية الأوكسيجينية للإحتراق كان قد دحض بلا شك نظرية الفولجستون التي كانت سائدة وقتذاك. في هذه الحالة نجد إن الإثبات نفسه ينقلب دحضاً. ومن بين المنجزات العلمية الكبيرة التي عاصرناها والتي تشهد على ما تقدم من المناسب ان اذكّر هنا بالأبحاث التي قاموا بها في تسعينيات القرن المنصرم العالمان الأمريكيان شاوؤل برلموتتر وآدم رايس والعالم الإسترالي براين شميدت في مجرى دراستهم للمستعرات العظمى، التي فازوا بسببها بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2011، الدراسات التي توخوا من خلالها ليس الإثبات التجريبي لفكرة تباطىء إتساع الكون، التي كانت سائدة آنذاك بلا منازع في علم الكون وحسب، بل وإحتساب وتيرة هذا التباطىء. ولدهشتهم ودهشة المجتمع العلمي برمته إن ابحاثهم قادتهم في المطاف الأخير إلى دحض هذه الفكرة، التي كانوا ينون إثباتها. ولكن هل إن دحضهم في هذه الحالة كان دحضاً مجرداً، خالصاً، دحضاً مطلقاً لا يبقي ولا يذر كالدحض البوبري؟ لا ابداً. إن دحضهم للفكرة المذكورة جاء، على الضد من ذلك تماماً، دحضاً جدلياً ملموساً، دحضاً متحققاً من خلال ضديده كإثبات. وبالفعل، إن دحض فكرة تباطىء إتساع الكون تم بإثبات نقيضها، اي بإثبات فكرة تسارع هذا الإتساع. إن تاريخ العلم زاخر بالأمثلة والأدلة التي تؤكد على الطبيعة المتضادة داخلياً للبرهان العلمي وتثبت صحة فهمنا له كوحدة جدلية لا يمكن فصم عراها للإثبات والدحض.

إنني بما تقدم من توضيحات آمل في إزالة ما بدى لك من غموض في كلامي الوارد في رسالة سابقة لي عن فهمي لطبيعة البرهان العلمي ومعياره المتثل بالإثبات والدحض معاً، وليس في الإثبات وحده كما ذهبت الوضعية المنطقية، ولا في الدحض فقط، كما يؤكد كارل بوبر، الأمر الذي وصفته في رسالتك الحالية بانه "كلام مبهم".

- سؤال: المسالة الثانية تتعلق بنظرية التطور لديه (كارل بوبر) حيث نفيتم أن تكون لكارل بوبر نظرية تطور. وهذا أمر يحتاج ايضا الى تفسير اكثر.ان نظرية بوبر للتطور وحسب تصوراتي البسيطة والتي اسماها هو بنظرية العوالم الثلاثة (العالم الاول هو العالم المادي والعالم الثاني هو العقل او النفس والعالم الثالث هو منتجات العقل اي كل ما انتجه العقل البشري مثل الاساطير والاديان والفلسفات والنظريات العلمية ويصفها بالمعرفة الموضوعية) هو البردايم الذي اعتمده بوبر في بناء تصوراته للنظرية العلمية ومنهجه العلمي وبوبر لا يدعي أن نظريته للوجود وتصوراته التطورية الانبثاقية له هي حقائق علمية بل هي تصورات ميتافيزيقية للوجود تعيننا على بناء تصوراتنا العلمية وبما يحقق هدف الابستملوجيا في النمو والتطور الدائم اما سبب تبنيه لمفوم التطور الانبثاقي (emergent evolution) أن هناك حلقات في سيرورة التطور لا يمكن تفسيرها علميا مثل تطور الوعي عن المادة وتطور اللغة ومن ثم المعرفة العلمية عن الوعي لذلك لجأ الى القول ان هناك لحظات في مسار التطور حصلت انبثاقا وهواشبه بالقول بالطفرة. وهو بالطبع يتبى التصورات العامة التي جاء بها داروين (الصراع من اجل البقاء والبقاء للصلح) بعد اجراء تعديلات عليها بما يبعدها عن الجانب الاستقرائي الذي يرفضه بوبر تماما.

ان تكون لبوبر نظرية تطور صرح بها في كتبه هذا امر لاشك فيه ولكن يمكن ان نخالفه في تصوراته لهذه النظرية. هو لم يقل مثلا الطابع الديالكتيكي لهذا التطور، أو على الاقل لم يصرح بذلك بل قال هناك صراع وان سيرورة هذا التطور ناتجة بسبب هذا الصراع فالكائن الحي مثلا في صراع دائم مع محيطه والمتغيرات الحاصلة فيه وقدرته على البقاء تكون بحسب قدرته على التكيف والتفاعل مع هذه البيئة وعندما يفقد الكائن القدرة على التكيف سينقرض لا محالة فالباقي هو الاكثر قدرة على الانفتاح والتفاعل وتطوير مهاراته بما يعينه على الاستجابة لكل المتغيرات البيئية.

* نمير العاني: إن تصور كارل بوبر عن العوالم الثلاثة لا يمكن ان يدرج، كما ارى، تحت طائلة النموذج النظري العام (الباراديجما) للتطور باي حال من الأحوال. فالتطور هو سيرورة يولد من خلالها الجديد. ولا من جديد بدون القديم الذي يشكل حاضنة اولية له. إنه ينشأ في رحم هذا الأخير بصورة بوادر اولية تنمو وتتكامل تدريجياً حتى تصل إلى تلك الحالة من النضج التي تمكنها من نقض حاضنتها (القديم)، وذلك بالإبقاء على ما هو إيجابي فيها، بالإحتفاظ به وتطويره ورفض ما هو سلبي فيها وفقد قدرته على الحياة. فالتطور هو إذن، سيرورة تنطوي في محتواها الداخلي على علاقة إتصال وإنفصال بين الحاضر والماضي، علاقة إبقاء وإلغاء بين الجديد والقديم. فالحاضر ينفصل عن الماضي بقدر إتصاله به والجديد يبقي من القديم بقدر ما يلغيه منه. وعليه، فإن إلغاء الإنفصال بين الحاضر والماضي وإضفاء صفة مطلقة على الإتصال بينهما، او رفض علاقة الإبقاء بين الجديد والقديم وإطلاق علاقة الإلغاء بينهما يقودان إلى إلغاء السيرورة التطورية ذاتها. وهذا بالتحديد ما تقدم عليه الوضعية وما بعد الوضعية، اللتان تعتمدان المنهج الميتافيزيقي نفسه في معالجة هذه القضية ايضاً. فالوضعية تفهم التطور كعملية تراكمية خالصة تتم بصورة تدريجية خالية من اي طفرات. وهذا بالضبط ما يعنيه مبدأ التجميع او المراكمة (الكومولاتيفيزم) الذي صاغته هذه الفلسفة، والذي يفهم نمو المعرفة العلمية كسيرورة يتم من خلالها إضافة المعرفة الجديدة إلى جانب المعرفة القديمة دون اي تغيير في هذه الأخيرة. وبهذا، فمن الممكن تشبيه المعرفة العلمية في سيرورتها وفق التصور الوضعي ككرة الثلج التي تكبر وتزداد حجماً كلما تمت دحرجتها. فعن اي تطور من الممكن الحديث عندما يتم إطلاق التراكم الكمي وإلغاء الطفرة النوعية؟ اما ما بعد الوضعية فتقع في النهاية الأخرى، او في الطرف الأقصى الآخر، حين تقوم بإطلاق ما تلغيه الوضعية وإلغاء ما تطلقه هذه الفلسفة. إنها تضفي على السيرورة العلمية طابعاً ثورياُ، بل واستطيع ان اقول، طابعاً تدميرياً على وجه التحديد. إن توماس كون وبقية رواد ما بعد الوضعية بما فيهم كارل بوبر يفهموا الثورة العلمية كسيرورة يتم من خلالها تحطيم التصورات العلمية السابقة بصورة كلية. فوفق توماس كون إن الثورة العلمية كحل لإشكالية الحالة التي يسميها بالإستثنائية (إكستاوردينال) في العلم هي سيرورة يجري من خلالها إستبدال البراديجما السابقة، والتي ترمى جانباً، ببراديجما جديدة تضع بداية لحالة العلم التي يدعوها بالإعتيادية. وبهذا تصبح المسيرة العلمية مجرد مجموعة من الطفرات البراديجمية غير المتصلة مع بعضها. إن بوبر إذ يتبنى هذا التصور بشكل عام يضفي في الوقت نفسه على الثورة العلمية طابع الإستمرارية او الإستدامة. ولهذا، استطيع ان اقول بان العلم، في تقديره، يعيش على الدوام في حالة اقرب ما تكون إلى ما دعاه كون بالحالة الإستثنائية، اي بحالة الأزمة. فالعلم، إذن، يعيش في حالة ازمة مستديمة يجري حلها بثورة مستديمة. وبهذا تصبح السيرورة العلمية مجرد فرضيات تترى يجري دحضها الواحدة تلو الأخرى. وهذا ما يشهد عليه ويؤكده ما يدعوه بوبر بالفاصل الفكري والذي يدحض به نمو المعرفة في سيرورة عالمه الثالث. إن هذا الفاصل يبدأ بالمشكلة العلمية التي يتطلب حلها صياغة نظريات ما يجري إخضاعها للنقد الفاحص والذي يؤدي إلى دحضها ورميها جانباً، الأمر الذي يقود بدوره إلى ظهور مشكلة جديدة، وهكذا دواليك. إنه يرمز لهذا الفاصل بالمعادلة التالية:

P - TT - EE - P

اي: م (مشكلة اولية) – ن ن (نظريات) – نقد فاحص – م (مشكلة جديدة). وبهذا تصبح السيرورة العلمية مجرد سلسلة من النظريات المدحضة، المفندة، لا غير. فالدحض هو المصير المحتوم، هو قدر كافة النظريات العلمية بلا إستثناء. إن النظريات التي لا يجري دحضها مباشرةً تصطف بالدور (الطابور)، منتظرةً اللحظة التي ستدحض فيها، والتي ستحل إن عاجلاً ام آجلاً. فمن النظريات العلمية، إذن، "ما قضى نحبه، ومنها ما ينتظر". بهذه الصورة يقوم بوبر بإلغاء الطابع اليقيني للمعرفة العلمية، محولاً إياها إلى معرفة إفتراضية بشكل خالص. وهذا يعني إنه ينكر في واقع الأمر الحقيقة الموضوعية. إنه يعترف إعترافاً شكلياً بالحقيقة كهدف نهائي للمعرفة، لا تقوى على تحقيقه هذه الأخيرة باي صورة كانت. إنها افق المعرفة الذي كلما إقتربت منه يبتعد عنها. إنه لا يرى في هذه الحقيقة سوى حافزاً او قوة محركة للمعرفة، ليس إلأ. فعن اية موضوعية لمعارفنا وعن اي تطور او حتى نمو بسيط للمعرفة العلمية من الممكن ان نتحدث بعد كل هذا؟ إن بوبر يفرغ معارفنا في واقع الحال من مضمونها الموضوعي ويحول السيرورة العلمية إلى ثورة مستديمة لا تبقي على ما هو إيجابي في هذه السيرورة، ولا تخلف وراءها سوى مقبرة للحطام المعرفي.

اضيف إلى ذلك سبب آخر يدعوني ان لا اعتبر "نظرية" بوبر في العوالم الثلاثة نظريةً في التطور. وهذا السبب يعود إلى إن كل من هذه العوالم يشكل في حقيقته واقعاً قائمأً بذاته. فليس ثمة علاقة جوهرية تقوم بين هذه العوالم، التي لذلك لا تنجم عن بعضها ولا تتفاعل فيما بينها. وعليه، فمن المستعصي رد هذه العوالم إلى اساس او مصدر مشترك نشأت عنه (تطورت منه)، او إعتبار إن اي منها هو حصيلة لتطور الآخر. كما ولدي ملاحظات اخرى على هذه "النظرية" لا يتسع المجال لإدراجها في هذه العجالة.

اما فكرة التطور الإنبثاقي التي اشرت إليها في رسالتك موضوع ردي، فاجدها فكرة خالية من المعنى الملموس. فإن كانت هذه الفكرة تعني النشوء من العدم، فهذا مجرد هراء، إذ إن من العدم لا يمكن ان ينشأ إلأ العدم. اما إن كانت الفكرة تعني النشوء من او عن مصدر او اساس ما، فعندئذٍ ينبغي تحديد ماهية هذا المصدر (الأساس). إن العلم يرفض رفضاً قاطعاً اي طرق غيبية في تفسير الواقع، وما لا يقوى العلم على تفسيره بمناهجه ووسائله اليوم سيقوم بتفسيره غداً لأن السيرورة العلمية هي سيرورة مستمرة لا تعرف التوقف ولا تعرف النهاية ما دام موضوع هذه السيرورة وذاتها موجودان.

و بصدد "تطور الوعي عن المادة"، والذي لا يمكن تفسيره علمياً، كما تقول، فاود ان اشير إلى إن من الخطأ الحديث عن تطور الوعي من المادة كتطور شيءٍ من شيءٍ آخرٍ. فالوعي ليس بشيءٍ موجود إلى جانب المادة، مختلف عنها، بالرغم من نشأته في مجرى تطورها. إن الوعي انطولوجياً ما هو إلأ مادة واعية. إنه محمول لحامل هو المادة الواعية. اي، بكلمات اخرى، إنه صفة تميز مادة عالية التنظيم والتطور. فالمادة في سيرورتها التطورية لا بد من ان تصل إلى تلك الحالة لها، اي إلى ذلك الشكل الراقي من اشكال وجودها والذي تظهر فيه صفة نوعية جديدة لها هي الوعي. فالوعي لا يمكن مقابلته بالمادة انطولوجياً كواقعٍ متميزٍ عن هذه الأخيرة بصورة مطلقة. إن التمايز بينهما هنا هو تمايز نسبي ملموس، هو تمايز بين المحمول والحامل، بين الصفة والموصوف. إن التعارض بين الوعي والمادة من الممكن ان يكتسب دلالتة فقط على الصعيد الجنوسيولوجي (المعرفي). إننا هنا نجد إن الوعي كذات يقابل المادة كموضوع من الخارج، اي إنهما يصبحان ضدين متخارجين ومتلازمين في آن واحد. ولكن حتى هنا لا يقوى الوعي إلأ ان يكون مجرد إنعكاس للمادة. نعم، إنه إنعكاس ليس خاملاً، بل إنعكاس فعّال يؤثر تاثيراً نشيطاً في المعكوس، يستطيع من خلاله ان يغير هذا الأخير. وبهذا نستطيع ان نقول بان الوعي لا يعكس العالم فحسب، بل ويغيره.

اما حقيقة ظهور الوعي كنتاج لتطور العالم المادي، فهي امر لا يعجز العلم عن تفسيره، كما تعتقد. على الضد من ذلك تماماً، نجد ان العلم المعاصر قد قطع اشواط مهمة في هذا الشأن. فعلم الإنسان (الأنثروبولوجي) وعلم الحياة (البايولوجي) وعلم فسلجة الجهاز العصبي المركزي وعلم الوراثة وعلم الجينوم وعلم الهندسة الوراثية وعلم النفس وطائفة اخرى من العلوم المعاصرة حققت إنجازات مهمة في تفسير كيفية نشوء وتطور الدماغ البشري، وكيفية تبلور وعي الإنسان بفعل عوامل ليس بايولوجية فقط، بل وإجتماعية ايضاُ كالعمل واللغة والتواصل الإجتماعي، وفي الكشف عن الأساس الفسلجي (المادي) للعمليات السايكولوجية (الروحية).. إلخ. وبفضل هذه الإنجازات وما سيلحقها من نجاحات تتكشف تدريجياً الصورة العلمية لنشأة الوعي الإنساني وتطوره.

- سؤال: ماهي المعايير العلمية في بناء النظرية العلمية لدى العاني؟ هل لدى العاني معايير محددة تميز بين القضايا العلمية والقضايا غير العلمية وما هي معايير المفاضلة بين الفروض العلمية التي تنطبق عليها معاييره؟؟ عند بوبر مثلا المحتوى المعرفي.

* نمير العاني: إنني اشخص اربعة معالم اساسية او جوهرية تميز المعرفة العلمية عن سواها من المعارف الإنسانية. واول هذه المعالم هو العقلانية. فالمعرفة العلمية هي، إذن، معرفة عقلانية، اي معرفة مستمدة من العقل وليس من الإيمان. وبهذا نجدها تختلف جوهرياً عن المعرفتين الإسطورية والدينية، والتي هي معارف حسية عاطفية تنبع من الإيمان. إن عقلانية المعرفة العلمية هي ما يقربها من المعرفة الفلسفية، والتي هي الأخرى معرفة عقلانية. وهنا لا بد لي ان اشير إلى واؤكد على إن العلم والفلسفة، كما ارى، هما شكلان متباينان للمعرفة العقلانية. فالعلم معرفة عقلانية - تجريبية، في حين إن الفلسفة هي معرفة عقلانية - تأملية خالصة لا تعتمد الدليل التجريبي باي صورة كانت. إن الفلسفة لا تستخدم المناهج التجريبية في البحث ولا تمتلك قاعدة تجريبية لها، كما هو الحال في العلم، الذي يستخدم هذه المناهج ويمتلك مثل هذه القاعدة. إن هذا الفرق الجوهري بين المعرفة العلمية والمعرفة الفلسفية لا يسمح باي حال من الأحوال بالإرتقاء بالفلسفة إلى مصاف العلم، اي بإضفاء طابع علمي عليها. فالفلسفة ليست علماً، في تقديري، بل هي، كما ارى، معرفة لا علمية. او بتعبير ادق إنها احد اشكال المعرفة الخارجعلمية، اي واحدة من المعارف الموجودة خارج دائرة المعرفة العلمية. والجدير بالملاحظة إنني بتصوري هذا اختلف مع غالبية الفلاسفة بما فيهم الفلاسفة الماركسيين المعاصرين الذين يعتبرون الفلسفة علماً.

اما المعلم الجوهري الثاني الذي تتميز به المعرفة العلمية، فهو نظامية هذه المعرفة. إن المعرفة العلمية هي نظام متناسق داخلياً من المفاهيم والتصورات، موحد على نفسه ومتوافق مع ذاته بشكل صارم، بحيث لا يدع اي مجال لأي تعارض (لاتوافق) او تناقض بين العناصر التي يتالف منها. ومن هذا المنطلق يبدو العلم احادي النزعة، احادي الخيار، بحيث لا يتيح للأفكار المتضاربة والنظريات التي تستثني بعضها ان توجد وتعيش بسلام تحت خيمته. إن المعرفة الخارجعلمية هي وحدها التي تجيز لنفسها إعتماد افكار متضاربة والقول بتصورات تناقض بعضها بعضاً. اما المعرفة العلمية، فلا تجيز ذلك، لا من بعيد ولا من قريب. ففي علم الحياة، مثلاً، لا يمكن لفكرة التطور ولفكرة ثبات الأنواع ان توجدا جنب بعض وتعتمدا معاً كتصورات علمية مسلم بها. إن إقامة الدليل العلمي على صحة فكرة التطور حولها إلى مسلمة علمية تم في ضوءها دحض فكرة ثبات الأنواع، والتي بسبب ذلك رميت خارج دائرة العلم. إن الإختلاف في العلم مجاز، والنقاش مباح، بل ومحبذ على صعيد الفرضيات فقط. ولكن ما ان يتم إثبات فرضية من بين الفرضيات المتناحرة باقامة الدليل العلمي الصارم على صحتها وتحولها من جراء ذلك إلى مسلمة علمية ملزمة، حتى يتم نبذ كافة التصورات المخالفة لها كتصورات لا علمية.

إن المعلم الجوهري الثالث المميز للمعرفة العلمية هو برهانية هذه المعرفة. إن المعرفة العلمية ليست معرفة إعتباطية، بل هي، على العكس من ذلك، معرفة مبرهنة، اي معرفة تم إثباتها بالبرهان والحجة. فعلى العلم ان يثبت صحة مفاهيمه وقوانينه ونظرياته بالدليل العقلي (البرهان المنطقي) و/او بالدليل التجريبي (البرهان بالتجربة العلمية). فهنالك، إذن، شاهدان او سلطانان وحيدان في العلم، هما العقل والتجربة، ولذا فكل ما يتعارض ويتنافى معهما من تصورات يلفض خارج دائرة المعرفة العلمية. وعليه، استطيع ان اقول بان المعرفة العلمية ليست معرفة قابلة للبرهنة وحسب، بل هي معرفة تمت البرهنة على صحتها بإثباتها بالدليل العقلي و/او بالدليل التجريبي. فهي، إذن، معرفة ليست إفتراضية، كما يدعي بوبر، بل يقينية بكل ما في هذه الكلمة من معنى. فلو كان قانون الجذب العام، مثلاً، معرفة إفتراضية وليس يقينية، لما إستطعنا بإستخدام فعله ان نسير طائراتنا ونطلق مركباتنا الفضائية، ان نصل إلى القمر او المريخ، او ان نحدد بدقة عالية موقع الأجرام السماوية. فالمعرفة العلمية، إذن، هي معرفة مبرهنة، معرفة يقينية، لا يمكن لبوبر او لغيره دحضها مهما حاولوا ذلك. إنها معرفة لا تقوى السيرورة العلمية اللاحقة على تفنيدها وإلغائها بالكامل. إن جل ما تستطيعة هذه السيرورة هو تدقيق هذه المعرفة اكثر فاكثر.

واخيراً، المعلم الجوهري الرابع المميز للمعرفة العلمية يتلخص في موضوعية مضمونها. إن مضمون هذه المعرفة لا يخضع، إذن، لا لوعي ولا لإرادة صناعها وحامليها، واعني بذلك العالم والمجتمع العلمي. او بكلمات اخرى، إن هذا المضمون لا يخضع لوعي وإرادة الإنسان او الإنسانية بشكل عام. ومن هنا اخلص إلى القول بان مضمون المعرفة العلمية ما هو في الواقع سوى تجسيداً للحقيقة الموضوعية بعينها. إن هذا المضمون والحقيقة الموضوعية المتجسدة فيه ومن خلاله هما تحديداً اللذان يشكلان، في تقديري، الأساس الموضوعي لعلمية ويقينية ما ندعوه بالمعرفة العلمية. ولذا، فبدونه لن تقوم للعلم قائمة. إن غالبية فلاسفة العلم في الغرب ينكرون وجود الحقيقة الموضوعية، ولهذا نجدهم يستبدلون المضمون الموضوعي للمعرفة العلمية بما يدعونه بالذاتية المشتركة (إنترسبجكتف) للعلم. إن الذاتية المشتركة تتجاوز الذات الفردية وصولاً إلى الذات الجمعية، ولكنها لا تتجاوز الذات وصولاً إلى الموضوع. فمن يقول بالذاتية المشتركة للمعرفة العلمية يجرد في واقع الأمر هذه المعرفة من موضوعها. ولكن من يجرد العلم من موضوعه لا يقوم في الحقيقة إلأ بإلغاء العلم نفسه.

وبناءً على ما تقدم اخلص إلى تعريف العلم نشاطاً إنسانياً هادفاً إلى إنتاج وإستخدام وخزن ونقل بواسطة مناهجه ووسائله الخاصة المعرفة العقلانية المنظمة المبرهنة والموضوعية في مضمونها عن الواقع الموضوعي والذاتي.

فوزي حامد الهيتي: باسمي وباسم جميع قراء العربية نتقدم بوافر التقدير والاحترام لفيلسوفنا نمير العاني على ما تفضل به من حوار وإيضاحات حول بعض ملامح فلسفته... أملي أنني وفقت في إثارة انتباه المهتمين بدراسة الفلسفة العربية المعاصرة وعسى أن يكون هذا الحوار دافعا لهم لدراسة فلسفته وبخاصة في مجال فلسفة العلم لقلة المتفلسفين في هذا المجال في عالمنا العربي.

***

اجرى الحوار: الدكتور فوزي حامد الهيتي

 

 

 

3374 نابي علي وعلي الربيعيحوار يجريه الدّكتور نابي بوعليّ مع الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

يخوض الاستاذ الدّكتورعليّ رّسول حوارا نقديا مفتوحا على مجالات معرفية متنوعة وحساسة، وإسهاما منا في هذا الحوار المفتوح والنقدي، نود أن نطرح علية بعض الأسئلة حول الحرية بالمعنى والمفهوم الجمهوري حيث يدعو دائما الى إستئناف النظر بقيًم الجمهورية، وقد تناول في دراساته قضايا المواطنة  الجمهورية ومكانة القانون في الجمهورية  ومكانة الدين في الجمهورية .......

س// الدّكتور نابي بوعليّ: ابتداءً سؤألنا: ماهو المفهوم الليبرالي للحرية حتى نفهم اختلافه عن الجمهوري لاحقًا؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: لقد صًورت الليبرالية مفهوم الحرية بالأسلوب السلبي المألوف، فقد  أعتبرت الحركة الليبرالية الحرية المثل الأعلى وفسرته على أنه عدم تدخل، اذ تميل الليبرالية الى  تاييد فكرة الحد الأدنى من الدولة. أيً يُعد غياب التدخل كافياً للحرية. فأكون حرا "إلى الدرجة التي لا يتدخل فيها أي إنسان في نشاطي" كما يقول ايزيا برلين. فأعتقدت بأن المفهوم الوحيد الممكن، وربما الوحيد المعقول، للحرية هو أنها عدم تدخل. بينما تنظر الجمهورية الى الحرية على أنها عدم هيمنة أوعدم سيطرة؛ ايً أنً الحرية بصفتها عدم هيمنة هي عدم وجود قدرة من جانب أي فرد أو جماعة للتدخل التعسفي في حياة أو شؤون فرد أو جماعة أخرى.

س// الدّكتور نابي بوعليّ :ماذا يعني التدخل؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: يستدعي كلا المعنيين للحرية مفهوم التدخل. وما يمكن ملاحظته أولأً أنه يتطلب، في جميع التفسيرات تقريبًا، أن  يكون التدخل أفعالًا متعمدة ومقصودة، ويتحمل من يقوم بها المسؤولية عنها. قد يقتصر التدخل على الأفعال التي تجعل بعض الخيارات مستحيلة على الفرد؛ أو قد يتم توسيعها لتشمل الأفعال التي تجبر الفرد أو تتلاعب به في الاختيار بين الخيارات.

يشمل التدخل أفعالًا تؤدي إلى تفاقم حالة الفرد إما عن طريق تقليل البدائل المتاحة في الاختيار، أو زيادة التكاليف الفعلية أو المتوقعة المرتبطة ببعض البدائل. وهكذا يمكن منع الفرد من فعل شيء ما؛ أو قد يُهدد ببعض التكاليف الإضافية في حالة القيام بذلك؛ أو قد يُعاقب لارتكابه الفعل المعني. فتستدعي الحرية كعدم التدخل مفهوم التدخل؛ بينما تذهب الحرية كعدم الهيمنة إلى أبعد من ذلك وتتذرع بالتدخل على أساس تعسفي.

س// الدّكتور نابي بوعليّ: إذن، ما الذي يجعل فعل التدخل تعسفيًا؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: يمكننا القول، إذا أًرتكب الفعل على أساس تعسفي، وإذا كان خاضعًا لتحكم فرد أو قراره أو حكمه على الآخرين حسب رغبته. ونظرًالأرتباط التدخل بالاخرين فيتم اختياره أو رفضه دون النظر الى مصالح المتأثرين به. ولا يُجبر هذا الاختيار على تتبع ما تتطلبه مصالح الآخرين وفقًا لآرائهم أوأحكامهم الخاصة.

وقد يكون فعل التدخل تعسفيًا بالمعنى الإجرائي- أيً  قد يحدث على أساس تعسفي - دون أن يكون تعسفيًا بمعنى أنه يتعارض مع مصالح الأشخاص المتضررين أو أحكامهم؛ وليس بحكم النتائج أو العواقب التي ينتج عنها.

س// الدّكتور نابي بوعليّ: كيف ينظر  التقليد الجمهوري لتدخل سلطة الدولة فيما يخص الحرية؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: لقد اتخذ التقليد الجمهوري وجهة نظر مميزة لما هو مطلوب لكي يكون الفعل تدخليًا. إنً ما هو مطلوب من سلطة الدولة غير التعسفية أن تمارس السلطة بطريقة تأخذ بالأعتبار، ليس الرفاهية الشخصية لصاحب السلطة أو رؤيته للعالم، ولكن رفاهية المجتمع ونظرته للعالم. وأن تكون أعمال التدخل التي ترتكبها الدولة مدفوعة بالمصالح المشتركة للمتضررين؛ وما تتطلبه تلك المصالح، على المستوى الإجرائي على الأقل، من قبل المتأثرين.

س// الدّكتور نابي بوعليّ: هناك مفهومان متقابلان لمعنى الحرية: أحدهما الليبرالي ويضع الحرية كمقابل للتدخل بشكل مباشر، لكن  كيف يغير المفهوم  الثاني- الجمهوري هذه المقابلة؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: يغير الثاني- الجمهوري هذه المقابلة بأن لا ينطوي على الحرية بوصفها التدخل في حد ذاته، وإنما التدخل على أساس تعسفي. علاوة على ذلك، لا يتوقف هذا التقابل الثاني للحرية عند التدخل التعسفي الفعلي فقط ولكن يشمل أمكانية الفرد المتدخل على التدخل ايضا. فاذا تدخل الفرد بشكل غير تعسفي في خيارات فرد آخر، فإن ذلك لا ينتهك حرية ذاك الفرد مهما كان الضرر الناجم عن التدخل، فعدم التعسف يكفي لضمان عدم المساس بحريته. وللمفهوم الجمهوري  تأثير آخر أيضًا وهو إذا كان لدى فرد القدرة على التدخل بشكل تعسفي في أي من خيارات الاخرين، فإن ذلك يهدد حريتهم في حد ذاته؛ إنهم يعانون من فقدان الحرية حتى لو لم يمارس ذاك الفرد بالفعل قدرته على التدخل.

س// الدّكتور نابي بوعليّ: يُحدث فقدان الحرية اختلافًا في تأثير القانون على الحرية بموجب المفهومين، فكيف يعالج المفهومان هذا؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: يكون نظام القانون طبقًا للحرية بالمعنى الليبرالي بوصفها عدم تدخل قسريا بالضرورة، بأعتباره يهدد حرية الناس بشكل نظامي systemic، حتى لو كانت نتيجة وضع النظام موضع التنفيذ هي تقليل التدخل بشكل عام. فيمثل الخضوع للقانون في حد ذاته خسارة للحرية. بينما لايمثل الخضوع للقانون بموجب المفهوم الجمهوري هذه الخسارة لأي شخص يعيش في ظله، بشرط - وبالطبع شرط كبير- أن يكون صوغ القانون وتفسيره وتنفيذه ليس تعسفيًا. أيً شريطة أن يمثل الإكراه القانوني حكمًا عادلًا مقيدًا بتتبع ومراعاة مصالح المتضررين وأفكارهم.

س// الدّكتور نابي بوعليّ:  ألا يكون لنظام الإكراه القانوني، رغم أنه لا يشكل في حد ذاته مساومة على الحرية، تأثير العائق الطبيعي نفسه في تقييد الخيارات المتاحة للناس أو في جعلها أكثر تكلفة في تحديد النطاق الذي يتمتعون فيه بخيار غير خاضع للسيطرة؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: لا يعتبر أنصار الحرية بوصفها عدم تدخل العوائق الطبيعية عوامل تقوض الحرية لأنها ليست مقصودة بأي حال من الأحوال، لكنهم يعتبرون بأن مثل هذه العوائق تؤثر على نطاق الاختيار الذي يمكن أن تمارس فيه هذه الحرية. عندما يتحدث مؤيدو هذا النموذج من الحرية بوصفها عدم تدخل فعالة، وليس مجرد حرية شكلية، أفترض أنهم يفكرون في إزالة أو تقليل العقبات لممارسة هذه الحرية من خلال توسيع نطاق الاختيار المتاح للناس· أما أنصار الحرية بصفتها عدم هيمنة فينقلون موضع هذه الحدود. فيعتبرون التدخل المرتبط بسيادة القانون العادلة، مثل العائق الطبيعي، يحد من حرية الناس ولكنه لا يضر بها: فلا يعتبر القانون في حد ذاته تعديًا أو انتهاكًا أو انتقاصًا أو إهانة لحرية الناس. إنً الحالة القصوى للتدخل القانوني هي العقوبة على جريمة. وستعمل هذه العقوبة دائمًا على اعتبار حرية الناس تاتي من عدم الهيمنة أو السيطرة.

س// الدّكتور نابي بوعليّ: ماهما الاختلافان الرئيسان المرتبطان بمقابلة الحرية كعدم هيمنة بدلاً من التدخل، فنحتاج الى توسع وتدقيق أكثر من اجل ان تكون  الفكرة مفهومة؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: أود أن اقدم ثلاث ملاحظات من أجل التأكيد على بعض النقاط المهمة لفهمها بشكل أفضل. أولاً، على الرغم من أن الهيمنة تتشكل من خلال امتلاك فرد القدرة على التدخل على أساس تعسفي في شؤون فرد أو جماعة آخرين، إلا أن بعض الافتراضات التجريبية المعقولة تربطها بوعي مشترك من جانب الأفراد أو الجماعات المعنية بوجود هذه القدرة، وأن تكون الدرجة التي تتمتعون فيها بالحماية من خلال الوسائل القانونية وغيرها بارزة لجميع المعنيين. ويترتب على ذلك ستكون عدم الهيمنة مسألة اعتراف مشترك بين الأفراد المعنيين. وهذا شيء له أهمية كبرى؛ لأنه يعني أن فهم طرق تحقق الحرية باعتبارها عدم  هيمنة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقدرة على النظر في أعين الآخرين، دون الاضطرار إلى الانصياع لهم أو الخوف منهم.

ثانيا، إذا كان شخص ما يتمتع بالحرية على أنها عدم هيمنة، فلا يكفي ألاً يمارس الآخرون عليه تدخلًا تعسفيًا؛ بل يجب أن يفتقر هؤلاء الآخرون إلى القدرة على التدخل التعسفي في حياته، وليس من غير المرجح أن يتدخلوا فقط.

افترض أنك ربما تتعرض للتدخل على أساس تعسفي من شخص يحبك حقًا وهو من غير المرجح أن يتدخل. لكن  إذا كان لا يزال هناك، وفقًا لمعايير صفة الإرادة الحرة، لديه القدرة على التدخل على أساس تعسفي إلى حد ما، عندئذٍ  يعتبر مًهيمن عليك فتكون غير حر. أنك تعاني إلى الحد الذي يكون فيه هذا التدخل متاحًا لهم له مهما كان من غير المحتمل أنه سوف يمارسه. فتعني قدرته على التدخل التعسفي، على سبيل المثال، أنك تفتقر إلى أساس للحالة الذهنية الذاتية التي تتماشى مع الحرية باعتبارها عدم سيطرة؛ اذ لديك سبب للإذعان إلى ذلك الشخص ومحاباته باستمرار.

ثالثا، ليس الحرية باعتبارها عدم هيمنة مسألة الكل أو لا شيء، أي أما هيمنة كاملة أو عدم هيمنة. قد يكون للفرد المتدخل قدرة أكثر أو أقل استعدادًا للتدخل. وقد يكون التدخل لمن يمتلك القدرة عليه أكثر أو أقل خطورة، وقد يكون ممكنا أو متاحًا  له إلى حد ما دون تكلفة، ودون  التعرض للأنتقام مثلا. وبالتالي فإن الحرية باعتبارها عدم هيمنة لأولئك الذين هم في وضع يمكن التأثير عليهم قد تكون أكثر أو أقل حدة؛ فكلما أضعف الأفراد ذو القدرة على التدخل زادت حرية أولئك الذين قد يؤثرون عليهم.3374 نابي علي وعلي الربيعي

س// الدّكتور نابي بوعليّ: كيف ترتبط هذه الحرية بوصفها عدم هيمنة بمسألة تعدد الخيارات؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: قد تكون الحرية كعدم هيمنة في نطاق معين أو آخر؛ وقد تكون متاحة لعدد أصغر أو أكبر من الخيارات التي تكون أكثر تكلفة أو أقل، أو ذات الأهمية الأقل أو الأكبر بشكل بديهي. حتى لو وصلنا إلى أقصى حد ممكن من عدم الهيمنة للأشخاص في المجتمع، فهناك مجال لتحسين نطاق الاختيار غير المسيطرعليه والمتاح لهم: قد نجعل نطاق الاختيار أكبر، أو أقل تكلفة، أو أكثر أهمية. و حتى لو أزلنا جميع التأثيرات المساومة على الحرية باعتبارها عدم هيمنة، يظل من الممكن إزالة التأثيرات التكييفية أيضًا، ايً، تعويد الشخص على التصرف بطريقة معينة أو قبول ظروف معينة.

س// الدّكتور نابي بوعليّ: لماذا يعتبر المفهوم الجمهوري للحرية مهمًا للدولة الحديثة سياسيًا؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: باختصار، لأنه سيذكر الدولة بأداء الخدمة  للمواطنيين عموما والتي من المتوقع أن تؤديها جمهورية- حتى جمهورية مخفية تحت شكل نظام ملكي. لقد تغيرت بشكل كبير منذ القرن الماضي القيود المفروضة على ما يمكن أن نتخيله تقوم به الدولة، والقيود المفروضة على ما يمكن أن نتخيله أن يسمح المجتمع المدني للدولة بالقيام به أو نحو ذلك.

س// الدّكتور نابي بوعليّ: بما أننا نعيش في عصر العولمة وأنشار الرأسمالية وأنفتاح الأسواق  وتوسع القطاع الخاص في اغلب دول العالم ومنها العربية ومن أجل توضيح الطريقة التي يمكن أن يؤثر بها هذا المفهوم الجمهوري على تفكيرنا، أود أن نلتفت الى اهمية قضايا إعادة التوزيع، حيث تقع هذه القضية في قلب المناقشات السياسية المعاصرة. فإلى أي مدى يكون التوزيع العادل للحرية على أنها عدم تدخل يتفق مع عدم المساواة في الأبعاد الأخرى؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: نعم، أنه مهم النظر في مدى اتساقها عمليًا مع مستويات مختلفة من توفير السلع الأساسية مثل الغذاء والمأوى، وأنماط النقل ووسائل الإعلام الذي يقدم معلومات موثوقة؛ وفي الخدمات الأساسية مثل الرعاية الطبية والاستشارات القانونية والتأمين ضد الحوادث؛ وفي رأس المال البشري من النوع المرتبط بالتدريب والتعليم؛ وفي رأس المال الاجتماعي من النوع الذي يتألف من القدرة على الاتصال بثقة بالآخرين؛ وفي رأس المال السياسي مثل المنصب والسلطة الممنوحة؛ وفي رأس المال المادي الضروري للإنتاج.

إنه يتعلق بالنظر في  الى المدى الذي يُرجح أن يتطلب الأمر تصحيح أوجه عدم المساواة في هذه الأمور أو على الأقل التخفيف من آثارها: أيً تصحيحها بشكل قسري، أو التخفيف من آثارها بشكل قسري، في إطار مبادرات الدولة على وجه الخصوص.

س// الدّكتور نابي بوعليّ: إن سؤالي هنا إلى أي مدى يكون مطلوب ما سأصفه، باختصار، إعادة التوزيع؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: الحكمة الشائعة حول هذا السؤال هي أن التوزيع المتساوي الأقصى للحرية على أنها عدم تدخل سيترك الكثير مما هو مرغوب فيه فيما يتعلق بإعادة التوزيع: فهو سيفشل في تحقيق عدالة التوزيع كما قال راولز. أعتقد أنها حكمة  جيدة، وأود أن أزعم، في هذا الصدد، أن الحرية باعتبارها عدم  هيمنة تمثل نموذجًا مغايرًا ومختلفًا بشكل حاد، حيث يتطلب التوزيع المتكافئ الأقصى لهذه الحرية التزامًا أكبر بكثير في إعادة التوزيع. بينما العلاقة بين الحرية كعدم تدخل وعدالة التوزيع علاقة فضفاضة للغاية.

س// الدّكتور نابي بوعليّ: يُطرح هنا سؤالين متلازمين من وجهة نظر الحرية على أنها عدم تدخل فيما يتعلق بإعادة التوزيع. أولاً، إلى أي مدى تستلزم إعادة التوزيع تدخل الدولة في حياة الناس؟ وثانيًا، إلى أي مدى تقلل إعادة التوزيع من احتمالية تدخل العوامل الأخرى؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: الإجابة عن السؤال الأول هي: تنطوي إعادة التوزيع، من وجهة نظر الحرية على أنها عدم تدخل،على درجة من التدخل من قبل الدولة دائمًا. فحتى أبسط أشكال إعادة التوزيع تتضمن فرض ضرائب على البعض لمنحه للآخرين (وقد اصبح هذا سائدا ليس في الدول الراسمالية فقط، بل وحتى الريعية ، والدولة العربية الريعية مثالا)، وهذا يعتبر بحد ذاته تدخلاً من وجهة النظر هذه؛ اذا "يحرم" أولئك الخاضعين للضريبة من الاختيار في كيفية استخدام أموالهم. تتطلب معظم أشكال إعادة التوزيع - من وجهة النظر هذه للحرية- إلى جانب الضرائب، أيضًا وجود مفتشين ومسؤولين آخرين للإشراف على العملية. وبالتالي تنطوي إجراءات إعادة التوزيع على خلق إمكانيات جديدة للتدخل في حياة الناس.

تعني الإجابة على السؤال الأول أن عبء الإثبات يقع دائمًا، من منظور الحرية على أنها عدم تدخل، على عاتق أولئك الذين يدافعون عن إعادة التوزيع. إذن، يعتمد دعم إعادة التوزيع في أي  دولة على ما إذا كانت الإجابة على السؤال الثاني تُظهر بوضوح أن الهامش الذي من خلاله ستقلل إعادة التوزيع من التدخل في المجتمع أكبر من الهامش الذي تقدم بموجبه التدخل نفسه. يجب أن يكون هامش التغيير للأحسن والنمو المتوقع  كبيرًا بما يكفي لضمان أنه حتى عندما نخصم الحالة غير المؤكدة للتوقع، فإن الحجة تبقى لصالح إعادة التوزيع.

ليس من السهل إيجاد أسباب للدفاع عن الإجابة المطلوبة عن السؤال الثاني؛ لكن من الممكن للخصم أن يجادل بأنه، طالما أننا لا نفكر في صاحب العمل والمحظوظ نسبيًا في المجتمع بوصفه شرير تمامًا، فنتوقع منه ألًا ينزع عمومًا إلى إيذاء المحرومين، وألًا يكون بحاجة إلى التقصير في دولة إعادة التوزيع. 

س// الدّكتور نابي بوعليّ: اذن يمكن أن نتوقع منهم بدل التدخل يكون السعي وراء علاقات جيدة ومنتجة؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: نعم ممكن ولكن قد  يقع- مثلا- أولئك الذين يفتقرون إلى الرعاية الطبية والاستشارات القانونية فريسة لعديمي الضمير. ومن جهة أخرى يمكن أن نتوقع من الأطباء والمحامين أن يكونوا مستعدين لتقديم الخدمات دون مقابل لهؤلاء الفقراء، خاصة عندما يكون مردود ذلك نشر دعاية جيدة لصالحهم عن تقديم مثل هذه الخدمات؟

س// الدّكتور نابي بوعليّ: كيف تكون الحرية كعدم هيمنة مع إعادة التوزيع؟ وما هو أختلافها عن الحرية كعدم تدخل؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: يمكننا أن ندرك أهمية النموذج الجمهوري للحرية في علاقته بإعادة التوزيع عندما نلاحظ اختلاف ارتباطها بالحرية كعدم تدخل. فمعادلة الحرية على أنها عدم تدخل الى أقصى مستوى ممكن أن يعادي إعادة التوزيع بطريقتين:

أولاً، تُقدم افتراضًا ضد إعادة التوزيع بإلقئها العبء على عاتق الشخص الذي يريد أن يحاجج لصالح إعادة التوزيع. وثانيًا، تضمن أن تكون أي حجة لإعادة التوزيع احتمالية تخضع لتغيير الصدفة بطريقة تجعل من السهل مقاومتها. وعليه، أود أن أزعم أن المثل الأعلى لتعظيم الحرية بصفتها عدم هيمنة الى أقصى مستوى يختلف عن المثل الأعلى المرتبط بالحرية على أنها عدم تدخل في كلا الجانبين.

تقدم الحرية بصفتها عدم تدخل افتراضًا ضد إعادة التوزيع، لأعتبارها إعادة التوزيع نوع من شر التدخل بحد ذاتها. لكن لا توجد حجة مقابلة متاحة للحرية على أنها عدم هيمنة. لأنه إذا كان من الممكن اتباع تدابير إعادة التوزيع المعتمدة في ظل حكم القانون العادل على هذا النحو، فإنها لا تقدم أي شكل من أشكال الهيمنة. أفترض أن العديد من التدابير المتوخاة حول عدالة التوزيع يمكن اتباعها في ظل حكم القانون العادل. إذن، لا تقدم الحرية بصفتها عدم هيمنة أي افتراض ضد إعادة التوزيع من النوع المرتبط بالحرية على أنها عدم تدخل.

ليست العملية بريئة تماما بالطبع. إن أي حكم قانون لإعادة التوزيع سوف يزيل خيارات معينة أو يرفع تكاليف متابعتها أوالحصول عليها. لكن لا ترقى هذه الطريقة في تقييد الاختيار وفي تكييف حرية الناس على أنها عدم هيمنة إلى مستوى المساومة على هذه الحرية. إذا نجحت في الحد من مدى تعرض حرية الفقراء أو المرضى أو المحتاجين للخطر، فإن هذه التكلفة في تكييف حرية الناس تستحق الدفع.

ثانيا، تعتبر إعادة التوزيع في ظل سيادة القانون العادلة طبقا للجمهوري شكلاً من أشكال تكييف الحرية على قدم المساواة مع التكييف المتأثر بعوامل مثل الفقر أو الإعاقة أو المرض أو أي شيء آخر.

تتضمن إعادة التوزيع التحرك تجاه الاسباب التي تعمل كمؤثرات تكييفية على الحرية: وهذا دون أن تهيمن أو تسيطر على أحد؛ ودون المساس بحرية أي شخص بوصف الحرية عدم هيمنة. فإذا كان يمكن أن يؤدي إعادة تنظيم الاسباب أو العوامل ذات الصلة بالحرية إلى زيادة درجة الحرية المتساوية في المجتمع، فعندئذٍ لايوجد سؤال يمكن طرحه حول هذه القضية، ولا يوجد سبب لوجود قرينة ضدها.

تقوم هذه الحجة على افتراض أن إعادة التوزيع تجري في ظل حكم القانون العادل. ويظل هذا الافتراض مقبولًا إلى مستوى معين فقط، أيً في ظل نوع معين من إعادة التوزيع من قبل الدولة.

أود أن اقول في هذا السياق، لطالما وضع التقليد الجمهوري تفكيره في الدولة تحت تمحيص شديد، خوفًا من أن تصبح سلطات الدولة تعسفية. ليس المثل الأعلى للحرية على أنها عدم هيمنة معاديًا لإعادة التوزيع، وغير معادي للحرية باعتبارها عدم تدخل، ولأقصد رفض هذا التقليد. أعتقد أنه إذا كنا نقدًر الحرية على أنها عدم هيمنة، فعلينا أن نكون يقظين بشأن عدم السماح للدولة بأنواع معينة من السلطة؛ وأن نكون حريصين على خضوعها لجميع أنواع القيود الدستورية وغيرها. إنً وجهة نظري هي فقط أنه، شريطة أن تكون الدولة مقيدة بشكل كافٍ، لا يوجد شيء مرفوض بطبيعته حول السماح لها باستخدام وسائل إعادة التوزيع.

س// الدّكتور نابي بوعليّ:  طبقًا لما لاحظنا في النقطة الثانية بشأن الأهمية التوزيعية لمعادلة عدم التدخل يبرز السؤال عما إذا كان أي إجراء لإعادة التوزيع قد زاد من حرية الناس لأن عدم التدخل ظل أمرًا احتماليًا لا محالة؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: ربما يمكننا مراقبة أصحاب العمل للتأكد من أنهم لا يتدخلون بطرق تعسفية مع موظفيهم. قد يكون لدى صاحب العمل القدرة على التدخل بشكل تعسفي في شؤون الموظف بحيث يمكنه تغيير شروط العمل المتفق عليها، وجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للموظفين، أو حتى ممارسة التدخل غير القانوني في شؤونهم بسهولة. لكن يمكن معالجة ذلك بإدخال نظام إعانات بطالة كافي، ومجموعة من اللوائح الصحية والآمنة، و ترتيب معين للتحكيم في النزاعات في مكان العمل، حيث من شأنه تحسين الكثير من أوضاع من الموظفين.

لا يقدم  افتراض توافق النظام مع سيادة القانون العادل مصدرًا للهيمنة بحد ذاته، وأن مجرد وجود إعانات بطالة معقولة من شأنه أن يقلل من مدى استعداد الموظف لتحمل التدخل التعسفي من قبل صاحب العمل، وعلى المنوال نفسه يقلل من قدرة صاحب العمل على التدخل في حياة الموظفين متى شاء.

ونقطة أخرى هي، أن الناس الفقراء أو الأميون أو الجاهلون أو غير قادرين على الحصول على مشورة قانونية أو غير مؤمًن عليهم من المرض أو غير قادرين على الالتفات الى حقيقة أنهم يفتقرون إلى القدرات الأساسية في أي من هذه الجوانب تجعلهم عرضة لنوع معين الاستغلال والتلاعب. لكن أي تحسن في نصيبهم أن يقلل من قدرة الآخرين على التدخل بشكل تعسفي في حياتهم بشكل أو بآخر. فأي تحسين من هذا القبيل يزيد من حريتهم كعدم هيمنة.

س// الدّكتور نابي بوعليّ: هل يأتي الاختلاف الجوهري في هذا الصدد بين الحرية كعدم التدخل والحرية باعتبارها عدم هيمنة، من حقيقة أن النموذج الأول لا يتعرض للخطر إلا من خلال التدخل الفعلي، والثاني من خلال القدرة على التدخل التعسفي؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: يبدو أن هناك  تدابير ما تقلل فعليًا من المستوى العام للتدخل الذي يمارسه صاحب العمل. فحتى لو أفترضنا أن صاحب العمل هو شخص حميد وكريم، وملتزم بعمل سلس ومنتج فعليًا ، وبالتالي من غير المرجح أن يتدخل في شؤون الموظفين؛ تبقى هناك حاجة بشكل كبير الى إدخال مزايا  خاصة بالعمل، وهي كما ذكرت سابقا تتعلق بلوائح الصحة والسلامة، وإجراءات التحكيم، فهي ستقلل من احتمال التدخل التعسفي في مثل هذا السيناريو. لن يعتمد  ما إذا كان صاحب العمل يتدخل أم لا على أخلاقه الحسنة؛ ولكن سيتم تقييده إلى حد كبير من خلال عوامل خارج إرادته.

س// الدّكتور نابي بوعليّ:  ألا ترى أن أخرين سوف يردون بأنه لا يوجد سبب يجعلنا نرغب في  تقليل قدرة صاحب العمل على التدخل في عمل الموظفين، لا سيما بالنظر إلى تكلفة القيام بذلك، عندما يكون من المؤكد أنه لن يحدث أي تدخل فعليًا؟

ج// الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ: لكن هذا تحويل للقضية من ما قد يتطلبه نموذج الحرية على أنها عدم هيمنة- وعلى وجه الخصوص، من متطلب أن يكون صاحب العمل مقيد -  الى ما إذا كانت نموذج جذاب. إن هدفي هنا ليس أن أثبت في أنه نموذج جذاب، ولكنه نموذج يعضد إعادة التوزيع فقط. لقد رأينا- في سياق حوارنا- قد تًعظم الحرية بوصفها عدم تدخل في ظل قيود التوزيع المتكافئ إلى حد ما، دون الحاجة إلى أي إعادة توزيع كبيرة للموارد. وما رأيناه الآن، في هذا الصدد، هو أن الحرية كعدم هيمنة مختلفة تمامًا. إنً النموذج الجمهوري قادرًا على تقييم وتاثير تدابير إعادة التوزيع التي يعتقد الكثير منا أنه من المعقول طلبها من الدولة الحديثة. وبينما يظل – النوذج الجمهوري- نموذجًا للحرية، فإنه يعطي تعبيرًا مناسبًا عن الطموحات الأكثر تطلبًا والتي يجدها غير الليبراليين مقنعة.

 

حوار: د. نابي بوعليّ

 

 

3094 رجب عبد المولىعرفت الأستاذ الدكتور رجب علي عبد المولي العميد السابق لكلية الآداب بجامعة المنيا، ورئيس قسم التاريخ بها، منذ ربع قرن حينما كان معيداً في كلية الآداب جامعة المنيا،  وكنت في السنة الأولى بالكلية وحضرت أول مناقشة لرسالة علمية في حياتي عام 1994، وكانت رسالته للماجستير التي أعدها تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمود حلمي مصطفى أستاذ التاريخ الحديث بآداب المنيا والعميد الأسبق لكلية الآداب بسوهاج جامعة أسيوط في هذا التوقيت، وكان عنوان الرسالة "قضايا الصعيد أمام البرلمان المصري من 1924-1952"، وسعدت برؤية الأساتذة الكبار الذين قاموا بمناقشة الرسالة وهما: الأستاذ الدكتور رأفت غنيمي الشيخ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة الزقازيق، والأستاذ الدكتور شوقي عطالله الجمل أستاذ التاريخ الحديث بمعهد الدراسات الأفريقية، وحصل عليها بتقدير ممتاز.

ثم واصل الدكتور رجب  دراسته العليا بعد ذلك فذهب إلى فرنسا في مهمة علمية استغرقت عامين، لجمع مادة رسالة الدكتوراه وهي بعنوان "الجامعة العربية ودورها في مساندة قضايا العرب السياسية في الفترة من 1945- 1967"، بإشراف الأستاذ الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة حلوان، وحصل عليها عام 2000 بمرتبة الشرف الأولى ثم واصل أبحاثه العلمية التي أضافت إلى المكتبة التاريخية الحديث بما اكتسبه من خبرات مختلفة في مصر وفرنسا والبلاد التي عمل بها مثل الجماهيرية الليبية، وقد سعدت بالتواصل المباشر معه منذ خمس سنوات نلتقي ونتجاذب أطراف الحديث معه في قضايا تاريخية وفكرية عديدة، ثم أردت أن نقترب منه أكثر في حوار صحفي يجمع أحاديث الذكريات مناقشة بعض القضايا كدور مدرسة جامعة المنيا في التاريخ وعطائها في هذا المجال.

*حدثني عن نشأتك وتعلمك قبل الفترة الجامعية وأثرها على مسيرتك العلمية بعد ذلك؟

- من مواليد قرية البهنسا مركز بني مزار محافظة المنيا انتمي لأسرة متوسطة الحال تعلمت في كتاب القرية على يد شيوخ افاضل منهم المرحوم الشيخ مصطفى فتح الباب ثم التحقت بالمدرسة الابتدائية بالبهنسا وبالمدرسة الاعدادية بصندفا وهي مدرسة غطاس بباوي الاعدادية وبعد إتمام المرحلة الاعدادية التحقت بالمدرسة الثانوية ببني مزار وفي خلال المرحلتين الابتدائية والإعدادية كنت متفوقا دراسيا وكان بهاتين المرحلتين.

* الدوافع التي جعلتك تختار مجال التاريخ وقدوتك في هذا المجال وتأثير اساتذتك ومن هم؟

- أساتذة عظام اذكر منهم الأستاذ أحمد حاكم مدرس اللغة العربية، والأستاذ مرسي رجب مدرس المواد الاجتماعية، وغيرهما الكثير من الأفاضل، وبعد إتمام المرحلة الثانوية التحقت بكلية الآداب بجامعة المنيا، ومنذ اليوم الأول بالتحاقي بالجامعة والتحاقي بقسم التاريخ وضعت نصب عيني التفوق والنجاح في هذا القسم؛ لأني محب التاريخ، وكان فضل الله علينا عظيماً، فقد عينت معيداً في العام ١٩٨٩، وكان التعيين في قسم التاريخ من الصعوبة أن تحصل على تقدير جيد جداً في هذه الأيام.

بعد ذلك حصلت على الماجستير بتقدير ممتاز، وكان المشرف المرحوم الاستاذ الدكتور محمود حلمي مصطفى، والمناقشين الاستاذ الدكتور رأفت الشيخ، والمرحوم الأستاذ الدكتور شوقي الجمل، ثم سافرت الي فرنسا عام ١٩٩٧ لجمع المادة العلمية الخاصة برسالة الدكتوراه وعدت في عام ١٩٩٩، وناقشت الدكتوراه وحصلت عليها بتقدير مرتبة الشرف الأولى، وكان المشرف عليها الأستاذ الدكتور عاصم الدسوقي، والمناقشين الأستاذ الدكتور جاد طه، والأستاذ الدكتور محمد عبد الرؤوف.

* ما الدوافع التي جعلتك تختار مجال التاريخ كتخصص رفيع ومن قدوتك في هذا المجال؟

- هناك مجموعة من الدوافع جعلتني اختار مجال التاريخ، أولها أستاذ المواد الاجتماعية في المرحلة الابتدائية، ثم الموضوعات التي كانت تحتويها الكتب التاريخية التي كانت تتحدث عن الوطنية ومقاومة الاحتلال بأنواعه، وقدوتي في هذا المجال كان المرحوم الاستاذ الدكتور محمود متولي -رحمه الله-، والأستاذة الدكتورة عفاف صبره، والمرحوم الاستاذ الدكتور محمود حلمي مصطفى، وأيضا المؤرخ الكبير الاستاذ الدكتور عاصم الدسوقي.

*حدثني عن رسالتك للماجستير والدكتوراه وهل طبعا ومن المشرف؟

- رسالتي للماجستير كانت بعنوان "قضايا الصعيد في البرلمان المصري ١٩٢٤ وحتى عام ١٩٥٢"، وهي هي نفس المشكلات التي يعاني منها أهالي الصعيد حتى الآن؛ من مشكلات صحية وأمنية واقتصادية وتعليمية وغيرها من المشكلات كالمواصلات والسكك الحديدية، أما الدكتوراه فكانت بعنوان "الجامعة العربية ودورها في مساندة قضايا العرب السياسية في الفترة ١٩٤٥ وحتى العام ١٩٦٧"، مشرف الماجستير كان استاذي المرحوم الدكتور محمود حلمي مصطفى ومشرف الدكتوراه كان الاستاذ الدكتور عاصم الدسوقي.

* جهودك في مجال التاريخ عموما والحديث والمعاصر على وجه الخصوص؟

- أما عن الجهود في مجال التاريخ فإن مهموم بالقضايا والمشكلات القومية والعربية ومنها موقف الجامعة العربية ودورها مواجهة الاستعمار الفرنسي لحصول لبنان وسوريا على استقلالهما، وأيضا دور المرأة الليبية في مواجهة الاستعمار الإيطالي، وأيضا دور المناضل عبد الرحمن عزام في مساندة النضال العربي ضد الاستعمار من خلال مذكراته الشخصية كمصدر من مصادر التاريخ المعاصر، وأيضا الجامعة العربية ودورها في مواجهة الاطماع الإيرانية في الخليج العربي، وأيضا دور محمد صالح حرب في مساعدة حركة المقاومة الليبية ضد الاحتلال الإيطالي، وأيضا كتبت عن الشواشيد وهم الجواسيس ودورهم في الحرب الإيطالية الليبية إبان فترة الاحتلال الإيطالي لليبيا، وأيضا المناضل سليمان الباروني ودوره في الحياة السياسية الليبية وأيضا الاعتداءات الإسرائيلية على المياه العربية ببلاد الشام"، وأيضا المساعدات الاقتصادية الخارجية ودورها في استمرار حركة المقاومة الليبية ضد الطليان، وأيضا نواب المنيا في البرلمان المصري ١٩٢٤ وحتى العام ١٩٥٢.

وقد قمت بعمل ندوتين أثناء تولية قسم التاريخ، كما أشرفت على العديد من الاطروحات الخاصة بالماجستير والدكتوراه، وناقشت أيضا أطروحات للماجستير والدكتوراه في جامعات جنوب الوادي وأسوان ودمياط والقاهرة والإسماعيلية والأزهر بأسيوط، وشاركت في إعداد اللوائح بقسم التاريخ جامعة عمر المختار فرع درنة ولوائح كليات جامعة المنيا والانشغال بالمناصب يبعدك كثيراً ولو لفترة عن العلم وخاصة الفترة الماضية فترة كورونا والتاريخ ليست كتابة السلام لأنه يحتاج إلى وثائق.

* دور مدرسة جامعة المنيا في مجال التاريخ؟

- أما عن دور مدرسة جامعة المنيا في مجال التاريخ فهي مدرسة متميزة وفريدة ومتنوعة بين المدارس التاريخية في جامعات مصر بما ضمته من أساتذة وعلماء تميزوا بتنوع أفكارهم وموضوعاتهم التي خدمت القضايا الوطنية والعربية .

 

حوارك أبو الحسن الجمال – كاتب ومؤرخ من مصر

 

3332 محمد الجزيرييرى الشاعر محمد الهادي الجزيري أنّ الشاعرَ الحقيقي دائم القلق، وأكثر قرباً من واقعه، وملتزم بما يدور في فلكه، يحاول دائماً أن ينبش في الأشياء، ويحفر في الأرض ويمضي حاملاً أوجاع الحياة ومرارة الواقع، ليرسم لوحةً من الكلام الشاهق، ويلُّم ما تناثر في الكوكب من رخاوة في المشهد المعاش، ويتعارك مع الكائنات ليعود لنا رافعاً تلويحة أملٍ في غبش الحياة المحاصرة بالدياجير والمواجع. وفي حوارنا معه فإننا ندخل في المسافة بين الجمالية الفنية والفعالية الفنية التي تمتلكها جل قصائده، ونتقصى أبعاد تمسكه – أحيانا – بقصيدة النثر ومدى مشروعية – هذه الأخيرة – وهيمنتها على المشهد الشعري العربي المعاصر، ونستشرف بالتالي جدوى الكتابة في حياة المبدع..

راهن محمد الهادي الجزيري على الاحتفاظ للقصيدة بمتعة الدهشة وتحفيز الذوات القارئة على التفاعل الإيجابي مع النص بإعتباره محصلة - زواج- سعيد بين وهج التجربة الحياتية والإستدعاء الواعي والذكي لصور وتمثيلات تجد أساسها في الموروث الشعري العربي القديم أو التجارب الشعرية الغربية.

-ما أقصى أنواع الظّلم الّتي تراها تمارس في حقّ الشّعر العربي؟

*دائماً سيبقى من يحفظ للشعر حقّهُ.وبما أنّ الشّعر كائن حيّ، فهو يحتاجُ لمزيدٍ من الاهتمام، ومزيدٍ من الإنفتاح به على الجهات، وكسر للقوالب التي تخنقه، ليفرد جناحيه محلقاً متنفّساً ما يشتهي..هكذا نضمن لهُ حقّهُ في الحرية.

- أيّ العوالم ترتّب من خلالها هواجسك الشّعريّة؟

* طقوس الكتابة؟! أومن بذلك ولا أومن.ولكنّ حالة الكتابة تختزل كلّ شيء، تضغطهُ في اللحظة، فيها تختلفُ المفاهيمْ، ويُصبحُ الانسجام- في الكائن- لا مفرّ منه.عدا ذلك، أستطيعُ أن أخبركِ أنّ (الهدوء، السجائر، فنجان القهوة، - رهاب- الورقة البيضاء..)، طقس أنسجم معه، وأجدني مُتصالحاً مع ذاتي ومع العالم ضمن هذا السياق.

- كيف يقيّم - محمد الهادي الجزيري- حركة الشّعر الحديث؟

* هي حركة، كما التي نعرفها مسطرة في كتب التاريخ الروحاني للإنسانية، تشتمل على الجيد المُغاير، والسيئ الرديء، والزمن سيكونُ حاكماً عادلاً يفرزُ ويفصل، ويحكم بالإستمرار والخلود لكل ما يستحق ذلك، الجميل في الحركة الشعرية الجديدة أنها تنحى منحى تجريبي يُنتج أحياناً ما هو مُدهشْ، وقادر على التواصل مع روح عالم جديد، ومُستمر في تجدّدهُ، والشّعر كذلك.

- يفترض الإقتراب من تجربتك الشعرية بمختلف تجلياتها النصية صوغ سؤال البدايات.ويهمني بإعتباري ذاتا قارئة أن أسألك حديثا عن بواكير أو إرهاصات الوعي بأهمية القول الشعري:هل كان للأمر تعلق برغبة في التعبير بطريقة تتسم بالمغايرة والاختلاف؟

* سؤالك هذا أيقظ أشياء جميلة تقتنيها الذاكرة..وأعادني إلى لقائي الأوّل بالشّعر، ذاك اللقاء الذي كان يُوشِكُ أن يكونَ سطحِيّاً في البداية، وذا طابع عاطفيّ إلى حدّ بعيد.. ولكن يبدو أن اعتمالا مضطرما يضارع الإختمار كان يجري في داخلي مبكّرا، تفجّر هكذا في لحظة - صفاء- لا أكثر، في شكل- ومضات- شعرية تمخضت عنها قصائد فدواوين..وقد حاولت منذ البداية في أعمالي الشعرية أن أمزج ما بين الشعر والنثر، وهذا يظهر جليّا في أعمالي الأمر الذي جلعني أكتب قصيدة نثر تحمل رؤية مغايرة عما هو سائد في قصيدة النثر العربية، ومن ثم فأنا أحاول جاهدا في كل عمل شعري أن أقدّم شيئا جديداً ومختلفاً عما أصدرته سابقاً..

- في رأيك هل استطاعت قصيدة النثر أن تنتزع لها مكانا في منظومة الحس العربي؟ وهي التي أتاحت لعدد غير قليل أن يدخلوا مدينة الشعر بدون حق؟

* قصيدة النثر ليس فقط أنها استطاعت أن تنتزع لها مكانا في خارطة الشعر العربي المعاصر، بل انها تتصدر الآن المشهد الشعري وبجدارة.واذا كان الشكل القديم المنظوم عموديا أو بالتفعيلة ما يزال يجد أنصارا له، فإنّ أولئك الأنصار شعراءا وقراءا في تناقص.لقد تم نزع “القداسة” عن “نظام”القصيدة القديم.وتلك من أجمل الثورات التي حققتها الأجيال الجديدة من الشعراء.

- ماذا يعني لك الشعرُ في اللحظة الراهنة ؟ماذا أعطاك الشعر؟وهل عبّرت قصائدك عبر أعمالك الشعرية عن شخصيتك وتجربتك ورؤيتك الإبداعية؟

* الشعر- في تقديري- هو الحياة، موسيقى الروح وديدنها، رئة أخرى للجسد، الشعر يعني الانفلات من عقال الزمن، التعبير الحقيقي عن مواجع الإنسان في زمن ضللنا فيه الطريق إلى الحكمة..لذا، فقد أعطاني (الشعر) الكثير من معنى الحياة وحب الناس والتسامي، منحني حالة من الكشف في اللغة وتراكيبها والبناء المحكم للمفردات وقراءة الكون والكائنات والإبحار في عوالم جديدة، وجعلني بالتالي أرى العالم بلغة مختلفة تعبر عن مكنونات الروح والنفس البشرية، كما جعلني أيضا أعبّر عن شخصيتي بمفاتيح رؤيوية جديدة وأقترب أكثر منيّ لأكون اكثر جرأة في الكشف عما هو مستور في دواخلنا.

- كيف تتشكّل القصيدة لديك. انفعال، عزلة، انكسار، أم لحظات صفاء؟

* النصّ يتشكّل من مجموع هذا وذاك، بمعنى أنّ حالة الكتابة تكون تتويجا لإرهاصات تقدّمت عليها بصمتٍ بالغٍ، وترقُّبٍ مصحوبٍ بارتفاع تأمُّليّ.ما يهمُّني هو اللذّة التي تنتجُ عن هذا الكلّ، باتصالي مع عمق ذاتي والبُعد الإنساني اللذين تنصهرُ بهما الأشياء والأسماء والأفعال…الخ.وهذا يعني أنّ- القول الشعري- لا يتشكّل لديَّ إلاّ بوصفه استجابةً جماليةً بالغة التعقيد لعاملين متداخلين:لحظة الحياة ولحظة الشهادة عليها.ضغط اللحظة الواقعية، كونها الباعث الأول على القول، وضغط اللحظة الشعرية، بما تشتمل عليه من مكوناتٍ ذاتيةٍ وثقافيةٍ وفنية. في اللحظة الثانية تتجلّى فاعلية التشكيل الشعريّ حين يتلقّف اللحظة الواقعية، أو لحظة الانفعال بالحياة التي لا تزال مادةً خاماً، ليلقي بها في مصهره الداخليّ، ويعرّضها لانكساراتٍ عديدةٍ، وتحولاتٍ جمّة، حتى يخلصها من شوائب اللحظة ومن تلقائيتها الساذجة، أو غبار اندفاعها الأول المتعجل.ويظل النص الشعري في تشكله ملتقى كلّ رفيفٍ روحيّ أو لغـويٍ: اللذةُ وشحنةُ العذاب، الذاتُ والعالم، حركةُ الحياة ونضجُ المخيلة.

- من وجهة نظركم، كشاعر، كيف يكون الشعر، وما هي وظيفته، وما هو مفهومك الخاص للحداثة بعيداً عن تنظيرات الأخرين؟

* من وجهة نظري، لا يخضع لوظيفة بعينها، وقد اختلف الفلاسفة في هذا الأمر من أرسطو وغيره من المفكرين والفلاسفة الكبار، هذه مسألة يضع لها معايير كل حسب رأيه ورؤيته ومعايشته للحياة وتقلباتها، أما أن نضع وظائف معينة فأعتقد أن هذا ليس منطقيا، الشعر أيضا حالة يعيشها الشاعر وهذه الحالة ربما تستمر أشهر حتى تتمخض عنها قصيدة بعد مخاض طويل، بمعنى آخر القصيدة ليست متاحة في أي وقت، القصيدة كما قلت سابقا هي التي تقتحم الشاعر وليس الشاعر، هكذا أنا أتعامل مع قصيدتي وهكذا أفهم القصيدة وأدعها تتسلل إليّ وأفرد لها مساحة كبيرة من التأمل كي تستريح في داخلي مغلفة ببطانة المعنى والفكر الثقافة كي تخرج إلى القارىء بكامل أناقتها وفضاءاتها الشاسعة.أما الحداثة، فهي خلخلة السائد في الراهن الشعري العربي، من خلال الاكتشافات اللغوية وبناء العلاقات بين المفردات وصياغتها بقوالب شعرية جديدة بشكل جمالي آخاذ، وهذا بالطبع لا يعني أن نتخذ من الحداثة الغموض المنغلق، بهذا الشكل أو هذا المعنى افهم الحداثة، وكذلك أن لا نكون منغلقين في قوالب جاهزة متعارف عليها سابقا في النص الشعري، علينا أن نفهم ماضينا وآصالتنا بلغة حداثية تواكب التطور، لغة عصرية فيها الكثير من المغامرة الجمالية.

- ما يفتأ العديد يقول أنّ الشّعر لغة ما عادت صالحة لهذا الزّمن..ماذا تقول أنتَ؟

* أرى أنّ الشعرَ هو الكون ذاتهُ، وهو جوهر كل الكائنات، والزّمن غير قادر على إلغاء لغة هي حاجة طبيعية لإستمرار التوازن، ولغة الكون دائماً ستبقى واضحة في إشراقها من “صباح الخير” التي نهديها للأحبّة بداية كل نهار، وستبقى واضحة في ابتسامةٍ تُطرّزُ “خاصرة الصباح”التي تتراقص أمامك..نهاية أقول: سينتهي الشعر حينَ ينتهي كلّ شيء!

- حين تنادي: ”محمد الهادي الجزيري“ أيكون في النّداء معان قويّة كتلك التي قالها الفلاسفة عن شعر هولدرلين؟

* لأنني لازلت أجهل- محمد الهادي الجزيري- لم يحدثْ أن فعلتها.ولكنني دائماً ما أقرأهُ بوضوحٍ على البياض، ذاهباً به نحوَ اعترافاتٍ أعمق، كي يتسنى لي قراءتهُ بشكلٍ أوضح.حينَ أعرفهُ تماماً، وقتها سوف أفعل، وأخبرك ما إذا كانت معانٍ قويّة كائنة في ندائي عليه، أم لا، دون تشبيهٍ بأيّ آخرْ.

- كيف تنظر إلى خريطة الشعر العربي اليوم؟ومَن من الشعراء جذب اهتمامك وشعرت عبر أعماله بنكهة التجديد والأصالة والعمق؟

* خريطة الشعر العربي ما زالت واضحة المعالم على الرغم من محاولة بعض المتشائمين طمسها، فللخارطة رموزها وتضاريسُها الإبداعية، وهناك شعراء رواد شكّلوا قمماً إبداعيَّة لهذه الخارطة لا تطالها رياح التعرية المحملة بغبار العولمة، من أمثال السياب والبياتي والفيتوري والماغوط وصلاح عبد الصبور والجواهري.. وغيرهم.

- أما من قصيدة صدأت في درج مكتبك بعد أن صدأت في دواخلك؟

* سأبحثُ في الدرج، لأجدَ نصوص مال لونها إلى الأصفر المحروق، رائحتها تُسعدني، وتُعيدني إلى لحظات كتابتها، وما قبل الكتابة، لأجدَ بها جزءاً منّي، أتذكّرهُ ولكن يُصيبني الحنين إلى مشاركة الآخر بهذه الذاكرة.. بهذا الشّعر.

- دمتَ لامعَ الحرف..وذائقا لمعانيه العميقة

 

حاوره: محمد المحسن - تونس

  

3087 علي لفتة سعيد- كنت احلق مع حكايات ابي الجنوبية التي تمنحني طاقة في تصوير ما أسمعه منه من قصص خيالية لا ترتبط بالواقع بصلة

- أنا رجل مخيال.. أمتلك الكثير من الأفكار التي تسبح في رأسي مثل بحر وليس مثل حوض أسماك

- كلما نجحت زاد (الحاسدون) وكلما أصدرت ما لم يتمكن هو من إصداره زادت عملية الطعن من الخلف

- أتحدث عن البدايات التي وجدت فيها (الطاولات) وما يقوم به أديب المحافظات من (صرف) و(تملق و(مد رقبة) كي يبقى في بقعة الضوء

 تعلمت ان اكون واضحا في طبيعيتي وصادقا في رايي لذا أطرح ما اراه ولا أجامل

- لو خرج السياب الان وصاح بأعلى صوته انه سيكتب القصيدة الحديثة لما اشتهر


 منذ أن بزغ نجم عبد الرحمن مجيد الربيعي صاحب القمر والاسوار في سماء الناصرية وحتى ظهور علي لفتة سعيد صاحب حب عتيق امتدت مساحة خالية من روائي مشاكس يحول همومه الذاتية ومعاناة المجتمع جسرا يتلاقى عليه مع قراء اللغة العربية رغم وجود العشرات من الكواكب التي توهجت في مكانها او على مقربة منه مكتفية بمحليتها او التوسع قليلا وعلي لفتة سعيد المولود في مكان مكتظ بالفقر والجوع والحرمان والعوز وإهمال السلطة وطغيان الأعراف العشائرية وعادات المجتمع كان عين مشاكسة مبصرة تعشق المشاكسة وتجيد المقارنة وتحلم وهي مفتوحة وكأني به استهلم سيرة (همنغواي) الروائي القادم من ضجيج امريكا الذي عشق الصحافة وتابع الأحداث حد حشر نفسه في أتون الحروب يوم عمل سائق إسعاف مع قوات الحلفاء في ايطاليا ابان الحرب العالمية الثانية ونتج عن ذلك روايته المثيرة (وداعا للسلاح) ثم انتقل إلى اسبانيا ورسم لنا ما دار في مرحلتها الفرانكونية في رواية (لمن تقرع الأجراس) وقد تكون هناك أكثر من وشيجة نسب بين رواية علي لفتة سعيد (حب عتيق) ورواية (الحب في زمن الكوليرا) للروائي ماركيز القادم من قاع أمريكا اللاتينية كصحفي إلى أضواء باريس المزدحمة بكل متع الحضارة والتكنلوجيا حينها وقد يتقارب وضع على لفتة سعيد مع أوضاع همنغواي والماركيز لكن باختلاف الحظوظ اذا حظيا هما بما لايحلمان به من الترحيب والانتشار من الأوساط الأدبية والثقافية وترجمت اعمالهما إلى أغلب لغات العالم وحصلا جراء ذلك على الكثير من المجد والمال والجوائز ومنها (نوبل) في حين حرم سعيد حتى من الاحتفاء الرسمي به من قبل الدولة ودوائرها الثقافية ولم يحظى باهتمام إعلامي ولم يسلط الضوء على بعض أعماله التي احتفت بها بعض الدول العربية من دون أن يثير هذا الاحتفاء غيرة او فرح مواطنيه سلطة ومثقفين وقراء ولم تنصفه حتى الصحافة التي عمل فيها طويلا الا من شذرات تناثرت عنه هنا وهناك ..

عموما احب ان أثبت هنا ان علي لفتة سعيد هو روائي عراقي لا يقل موهبة ودراية بالرواية عن من حصلوا على الشهرة والمجد والجوائز وان تأخرت عنه اليوم ستاتيه منقادة تجر اذيالها شرط ان لاينال منه الانكسار او يوهن العزم منه جراء إهمال الدولة الذي يكاد ان يكون مقصودا وتغاضي كبار النقاد عن تسليط الضوء على تجربته الروائية ذات الحميمية العراقية الأصيلة. وعلي لفته سعيد المولود في مدينة سوق الشيخ تلك المدينة التي تناظرها في الجانب الشرقي من الجنوب مدينة (سوق جنديل) وهما مدينتان كانتا في بداياتهما مدينتان مترفتان حيث اختصر السكن فيها على كبار مالكي الاراضي والاقطاعيين من شيوخ القبائل والعشائر واحتوت على اماكن لهو بريء وغير بريء ليقضي هناك أصحاب الثروات والسلطة الإقطاعية أوقات لهو وملذات لكن بمرور الزمن وغروب شمس الإقطاع والشيوخ أفلت شمس المدينتين وانضمتا إلى قوافل مدن الفقر والعوز في الجنوب واحتفظت سوق الشيوخ باسمها وذكرياتها في حين استبدلت الأخرى اسمها من سوق جنديل إلى ناحية (شيخ سعد) وتبعت لمحافظة واسط إداريا ومن أعماق سوق الشيوخ وليالي شتائها ومواقد النار والتفاف العوائل حولها حمل علي لفتة سعيد قلة ما يملك من متاع وضخامة ما فيه من احلام نازحا إلى مدينة الثورة والعشق والقباب الذهبية مستبدلا جوار وذكريات سوق الشيوخ بجوار الحسين وقبابه الذهبية والقدسية التي يقسم بها أهل الجنوب وقد مرت على ذاك الرحيل قرابة الثلاثة عقود من السنين فهل نسى بن سعيد سوق الشيوخ وهل احتلت ذكريات سنينه المنصرمة في كربلاء مكان ذكريات سوق الشيوخ حيث الطفولة والصبا وبواكير الشباب؟ هذا ما سنحاول التأكد منه من خلال حوارنا معه.

- ايهما كان أكبر من الاخر خيالك او عمرك عندما كنت طفلا ويافعا في سوق الشيوخ؟ وهل من جناية او تهمة الحقها بك هذا الخيال؟

* نولد ويولد قبلنا الخيال او يرافقنا.. هكذا ارى الامر من الناحية السيكولوجية وليس العلمية .. فالخيال روح لا تتنفس بل تحلق.. تأخذ المرء الى مديات اوسع من المكان الذي يعيشه.. ولكن الاحساس به قد لا يكون مبكرا، ولا يكون متاحا، وإن كان كذلك فان الواقع لا يقبل لك أن تسافر معه وتحلّق وتمارس ما يمنحه لك من علامات دالة على وجوده.. خاصة واني مولود في بيئة مخيالية .. بيئة حكائية، حين كان الاب الذي أخذ زمام الام والاب معا بعد موت والدتي المبكّر فكنت يأخذني لأحلق مع خياله.. مع حكاياته الجنوبية التي تمنحني طاقة في تصوير ما أسمعه منه من قصص خيالية لا ترتبط بالواقع بصلة.. قصص تجعلني مرات أنام من خوفي منها، ومرات ألتصق به كي لا أهرب من قدرته على سبك الحكايات.. قصص رائعة من المخيال الشعبي والفولكلور وكذلك الفنتازيا وحتى الكوميديا السوداء.. كنت مندهشا ومرعوبا من قصص (الطنطل) و(أبو مرايا) لذا فاعتقد على الصعيد الشخصي، كان الخيال مرافقا لي منذ البدء، كأن القدر يرسم لي طريقا ان أكون في هذا المضمار.. مضمار الادب والخيال والحرف.. لذا وبعد هذه السنوات الطويلة من الكتابة والاغتراف من الأدب أشعر أن هذا تهمة تلاحقني وجناية ارتكبتها حين أسطر حياة الناس في الكتابة وإن كانت مخالية، ارتكب جناية تحورهم وتحولهم وتناسلهم وقتلهم وموتهم.. أحاول أن أصدق إن ما أكتبه لا يمت الى الجريمة بصلة.. ليست الجريمة المادية التي يعرفها الجميل بل جريمة التنصّت والتلصّص على دواخلي لانتزع منها حيوات الآخرين.. حتى ابي حولته في بعض الروايات الى شخصية أخرى غارقة في الخيال لكنها طافحة من الواقع.

- نحت في جدار الرواية ودندنت في الشعر ودلوت في بئر القصة القصيرة وحاولت في النقد لكنك أبحرت مع الصحافة .. أين وجدت نفسك؟ وكيف؟ وهل وظفت بعض هذه الضروب من الأدب في خدمة بعضها الآخر؟

* كثيرا ما أسأل وكأنها تهمة مثلما سألتني.. لذا أنا أقول دوما.. الأديب الذي يغترف من روح الحرف لا يقف عند حدود معينة وكأنه اختصاص علمي دقيق.. فأنا خياط ماهر.. الفكرة هي نوع القماش، لذا أنا أمتلك خاصية تحويل الفكرة الى المراد.. بمعنى لا يمكن لقماش بدلة رسمية أن يتحول الى قميص، ولا يمكن لقماش دشداشة أن يتحول الى لباس سباحة.. أنا رجل مخيال.. أمتلك الكثير من الأفكار التي تسبح في رأسي مثل بحر وليس مثل حوض أسماك.. والذي يتعرض على كتاباتي المتنوعة فأنه أما لم يقرأ لي أو إنه عاجز عن المجارات.. لذا فان السؤال هو ليس لماذا أتعدّد، بل السؤال لماذا لا أتعدّد، وأنا أديب اتعامل مع الحرف.. وكل أدباء العالم عبر التاريخ يتنوّعون ليس في الأدب فحسب، بل في تخصصات أخرى مرافقة للأدب.. وهو الامر الذي ساعدني كثيرا على ان تكون هناك استفادة من هذا التعدّد في المجالات الكتابية.. فالصحافة تمرين والأدب خلاصة.. ومن عملية دمج الحالتين أكون قد اتممت الفاعلية التدوينية بقدرة غير هادئة أو لأقل بلا غرور أن الاخرين الذي لا يعرفون علي لفتة سعيد وخاصة العرب فهم ينظرون الى النتائج، أما بعض الداخل العراقي فانه ينظر الى اسمي وصفتي الأولى ولا يقرأ لكي يرمي التهم، كما قال أحدهم مرّة بطريقة غير مستساغة ولا أقول غير مؤدبة.. إن علي لفتة سعيد يدخل الى الحمام وحين يخرج ينجز كتابا.. فهو يقرأ الإعلام ولا يقرأ ما اكتب

- انت كثير الشكوى وشعورك بالحيف يكبر مع كل منجز لك من أهل الإعلام والمختصين في الأدب..ماهو السبب؟ هل يعود لك لأنك فشلت في إقامة علاقات ودية مع مراكز القرار الأدبي والإعلامي؟ او ان لك غرورا ونرجسية تجبر الآخرين على الابتعاد عنك؟ او انهم وجدوك منافسا خطرا فضربوا عليك سورا من العزلة؟ او ان ما قدمته في مجال الرواية والقصة والشعر والنقد يخالف الذائقة فجافاك الآخرون؟

* لا هذه ولا تلك.. ثم لا أحد لا يشتكي ولا يشعر بالحيف.. رغم أن هذه الشكوى كان عمرها عشرين عاما، منذ أن فزت بجائزة الابداع العراقي عام 1988 عن مجموعتي القصصية (بيت اللعنة) ولأني بعيد كما هم أدباء المحافظات الذين لا يتواجدون في بغداد، وليست لهم رحلات مكوكية بين مدينتهم وبغداد، فان الامر يبدو مشابها للمثل (البعيد عن العين...) لهذا فان مثل هذه العلاقات هي علاقات هشّة تعتمد على تلك اللقاءات التي وجدت فيها من الزيف ما يجعل الامر أكثر اشمئزازا.. أتحدث عن البدايات التي وجدت فيها (الطاولات) وما يقوم به أديب المحافظات من (صرف) و(تملق و(مد رقبة) كي يبقى في بقعة الضوء.. انا هنا لا اقول الكل، بل هم المؤشر في الخارطة الادبية التي زادت حدتها بعد عام 2003 وزادت معها الغيرة والحنق.. فكلما نجحت زاد (الحاسدون) وكلما أصدرت ما لم يتمكن هو من إصداره زادت عملية الطعن من الخلف.. بل ان البعض يصل الى النقاد ليتهمني بعدم الثقاف، الادهى من ذلك ان آخرين (من الداخل) تبرع بطعني لدى نقاد عرب من اني لا أشكل شيئا في الثقافة العراقية لان الناقد العربي كتب عني ووصفني بخليقة نجيب محفوظ الرواية العربية الحديثة.. لذا أنا اقول .. من لا يحترم أدبه فانه بلا أدب.. والعلاقة التي تقود الى شهرة زائفة لا اريدها، لذا تأخرت لدي هذه الشهرة بسبب تقاطعي مع هكذا سلوكيات.. وهو امر لا أنفرد به وحدي، بل هناك العشرات من الادباء العراقيين المخلصين لفنهم يعانون منه.. وبعضهم ترك مدينته لينتقل الى بغداد ليكون وسط بقعة الضوء، وهو أمر محمود.. لأننا لو اخذنا خارطة المبدعين في بغداد لوجدنا ما نسبته تزيد على 90 بالمائة منهم هم من أدباء المحافظات

- التمسك بأكثر من ضرب من ضروب الابداع قد ينتج تشتتا وتلاشي .. لماذا الإصرار على الإمساك بتلابيب الشعر والرواية والقصة والنقد الم يكن من الأفضل أن تكون مبرزا في ضرب واحد من الأدب خيرا من الضياع في دروب متعددة؟

* هي ذات الإجابة صديقي.. في داخلي بحر من الحروف.. والادب فن مخيالي وليس علما وجدول ضرب.. أنا مثل المخترع الذي بإمكانه ان يخترع العديد من الآلات فلا يمكن القول له تخصص في مختبرات الطب واترك الهندسة مثلا... والتشتت الذي اراه هو الذي لا يستطيع الكتابة في ضروب مختلفة من الادب، لأنه وحسب رأيي لا يمتلك مفاتيح عديدة لفتح أقفال الابداع واسراره.. انا منحني الله القدرة على فتح الابواب.. لي القدرة على تطويع الكلمة لكي تكون قصة او شعرا او رواية وحتى مقال نقدي او تقرير صحفي وحتى أغنية.. فانا متعدد المواهب كما هم أجدادي الكبار من العلماء والادباء العرب عبر التاريخ.. فانا لم أكتف بما ذكرت بل كتبت المسرح والسيناريو لفيلم طويل درامي أبحث عمن ينتجه وهو سبيل محاصر من قبل مجموعة لا تسمح لك بولوج هذا العالم.. لان السينما ليست فعلا كتابيا فقط بل هو انتاج متعدد.. اما من افضل فلا ارى تفضيلا لأدب على ادب أو لجنس على جنس.. فكل الحروف تمور في داخلي وتريد الخروج.. ولي من الافكار ما يمكن ان انتج عشرين كتابا في سنوات العشر المقبلة ان ارد الله لنا البقاء.,. لذا لا ارى نفسي ضائعا بل العكس ارى من يطالبني بالتخصص انه ضائع وانه لا يفقه من الادب سوى ما ينتجه..

- هل مارست النقد لتنال من اخرين او لإثبات الذات او رغبة في تقويم نصوص نالت إعجابك او رأيت فيه نافذة ترمي بها زجاج النقاد في حالة تناولهم نصوصك بما لا يرضيك؟ وهل مارست (الاخوانيات) والمجاملة في النقد؟

* الكتابة ليست مواجهة اجتماعية، أو أنها رد فعل لتكوين آخر وذات أخرى، الكتابة استخراج المعادن اللغوية وتبويبها والتمكن من تدوينها.. والنقد جهد ادبي استكشافي، لا يقبل ان يكون في موضع رد الفعل. وهي ليست اثباتا للذات رغم ان جزءا من مفعولها هو المطاولة لإثبات القدرة على الاكتشاف الجديد في الكتابة النقدية التي بدأت معي منذ البداية الاولى في دخولي لعالم الكتب والانبهار بها.. حيث كنت اسأل: كيف يكتب الاديب نصه وهو ما ولد لي مصطلح خاص بي وانا من أجتحه (بنية الكتابة) وفيه ثلاثة كتب نقدية.. ولهذا ابتعد كل البعد عن رمي الاخر او الترقب ليكون لي رد فعل، بل انا ابحث عن فعل لكي يكون ثابتا وهو الذي ينتظر رد فعل الاخرين وإن تأخروا.. اما موضوعة الاخوانيات.. فهو امر صحيح.. ليس بمعنى إعادة طلاء ما هو غير صالح من الكتابة، بل التأثير العاطفي مرة او الأسم.. هناك اسماء تتحول بمرور الزمن الى طريقة كتابة خاصة تقترب من الاخوانيات مثلما تقترب من المجاملة.

- بعض من هم قريبين منك يصفونك بالنرجسية وحدة الطباع وعدم قبول الرأي الآخر في مجال الأدب.. هل أثرت هذه الصفات على علاقاتك بزملائك الأدباء ومن يمارسون نفس الهم الأدبي؟

* هذا رأي اجتماعي.. نتعرض له جميعا.. فانا لا اعرف سلوك ماركيز ولا رامبو ولا هيتشكوك ولا نزار قباني او محمود درويش ولا اعرف ماذا كان طبع السياب.. ما اعرفه هو ما اقراه لهم وقد تعود الاخر على ان يكون رايه هو الصحيح.. وهو هنا السؤال.. لماذا يطلق على من يناقشه انه نرجسي في حين انه هو النرجسي الذي لا يقبل راي الاخر.. أنا تعلمت ان اكون واضحا في طبيعيتي وصادقا في رايي لذا أطرح ما اراه ولا أجامل؟ وتعلم ويعلم الناس ان انقسام الراي أمر طبيعي فلا أحد يحبه الجميع ولا أحد يكرهه الجميع.. ولكن من يكره ان صح القول هو الذي لا يملك القدرة على التحليل والتنقيب والمطاولة ويريد فقط ان يشير له الاخرون بالصواب.. لأنه تعود من المتلقين ان يهزوا له رؤوسهم.. وأنا لن افعل هذا سواء رضي أم لم يرض.. فنحن لا نقع إلا تحت اطاري الراي.. فلنا من الاحبة الكثير ولنا من المنتقدين الاقل لكن صوتهم اعلى لانهم اينما يجلسون يتحدثون عن الاخر ولو بنميمة

- لمن تكتب؟

* سؤال لم يجب عليه من هم اقدر مني واقدم.. اكتب لاني هذا هو قدري وحظي كما يقال.. مثل الذي يلعب كرة القدم او هو صباغ بيوت.. او هو لاعب دومينو.. هو القدر الذي صاغنا الى ان نكون من الكتاب. فالإنسان يولد وهو عبارة عن مجوعة مواهب.. والقدر يقوده الى موهبة او يبقى في مكانه بلا سبيل

- منهم قرائك؟

* القراءة عملية ليست اجتماعية.. بل هي مخاض انبثاقي.. لذا فان الفعل الثقافي ليس فعلا جماهيريا.. فكل الفنون غير المباشرة مع الناس متلقوها أقل من الفنون الاخرى.. مثل حفلات الغناء او المسرح او السينما.. والفعل الكتابي فعل يقال عنه نخبوي وأنا لا أحبذ هذه المقولة كونها تعني الاقلية في حين هي تعني الجمهور الخاص.. ولكل فعل جمهوره.. وجمهور الادب هو الاقل.. ليسي لأنه بلا فائدة بل لكونه يحتاج الى عقل وتفكير وتأمل، ومتلقي الحفلات مثلا لا يريد التفكير بل يريد (الراحة). لذا احمد الله ان لي قرّاء ولي من يشتري كتبي من المكتبات. وانا لست الوحيد في ذلك.. اما قراء الفيس بوك فهو امر آخر لأنه ليس مقياسا صحيحا

- نجحت في وضع موطئ قدم لك في مصر وتونس وربما في غيرها وحصلت على جوائز لكنك هنا في بلدك لم تحصل على ماحلمت به ولم تحقق مبتغاك ولو تحججت بجنوبيتك لواجهناك بمن جاء قبلك من الجنوب ولاحقتهم الأضواء مثل عبد الرحمن مجيد الربيعي ومحمد خضير وقبلهما السياب وكثير غيرهم .. بماذا تعلل هذا التباين؟

* الزمن اختلف صديقي.. من ذكرتهم كانوا في مجتمع لم يولد فيهم بعد هذه الكثرة الكاثرة من الادباء لو خرج السياب الان وصاح بأعلى صوته انه سيكتب القصيدة الحديثة لما اشتهر.. تعلمت ان اكون واضحا في طبيعيتي وصادقا في رايي لذا أطرح ما اراه ولا أجامل.. كان الاديب حين ينشر في صحيفة عربية فانه سيكون مشهورا.. الان لو كتب في أعرق صحيفة عالمية لا احد يشير له.. لأننا نعيش زمن الفقاعات التي تنتفخ سرعان ما تنفجر.. ولكن يبقى الاجتهاد في الوصول.. نحتاج الى فعل يزيد خمسين مرة عما كان يفعله الأولون في الوصول الى الخارج.. نحن في الداخل وصلنا الى الخارج بمجهودنا وعلاقتنا الشخصية، لان الاخر ليست لديه عقدة النجاح والغيرة والحسد كما طرحت في سؤالك السابق، بل له عقدة الابداع.. وهو الامر ينطبق ليس في العراق بل في كل البلدان العربية. لذا اقول ان العراقيين الذين خرجوا من العراق كان وصولهم اسرع منها.. ولكن نحن سافرنا وحققنا وعدنا.. اما ما حصلت عليه في العراق.. نعم حصلت على من يشير لإبداعي ولكن متأخرا.. وكما ذكرت ان الارم يحتاج الى مطاولة وسنين.. مرة قلت لزميل لي انتقل الى بغداد .. انك ستختصر 20 عاما من العمل لتكون اسما معروفا ولكن اياك ان يضيع ابداعك على حساب شهرتك الشخصية .

***

وهكذا ابحرت مع الروائي والقاص والناقد والشاعروكاتب السيناريو والمسرحي علي لفتة سعيد على مدار قرابة نصف قرن من السنين في دروب الابداعوكان اجمل مافيه صراحته ووضوحه الشديدين ومعرفته التامة بقدر نفسه ومكانته الادبية وماقدم من منجز خلال مسيرته الادبية .

 

حوار: راضي المترفي

 

3327 سعدي عبد الكريم وراضي المترفيسعدي عبد الكريم:

- منذ طفولتي عرفت الله، وأمسكت بنوره الذي ملء كياني، والحسين دلَّني عليه

- احتسيتها كأبي نؤاس حدّ ان جنية شعري كتبت الشعر في مغازلة النساء، ثم تركتها فأمسيت صوفيا كالحلاج

- الإغواء يخفي ذاته تحت مظلة الفضيلة، فالسياسي مثلا يطرح نفسه مصلحا، فيغويه الكرسي فيتحوّل الى طاغية

- انا رجل مسرح، وغائص منذ النشء الاول للأحياء في كتابة النصّ المسرحي

- انا ازعم بأني من الجيل الذي قرأ مبكرا، قرأ بجميع المعارف

- الآخرون من الغرباء يتهموني بالجنون، وأنا سعيد ومغتبط بهذا الجنون الجميل

- البشر الذين يعيشون في سِفْرِهم الطويل لكي يفكروا، لا لكي يأكلوا

ربما يكون الولوج لصومعته المعرفية ضرب من ضروب التيه.. فقد قيل في الامثال الشعبية لمن يعاني اكثر من همّ، او يمارس اكثر من عمل.. (هم تاجر وعداد نجم.. رمانتين بفد ايد ماتنلزم (وقد يصح او ينطبق المثل على الكثيرين، لكنه يقف محتارا حدّ فقدان معناه، وضياع دلالته عندما نحاول سحبه باتجاه (سعدي عبد الكريم) وقد يستغرب البعض عند عدم تقديم صفة او موسوم ادبي قبل اسمه، وعند هذا يتَّضح عجز المثل عن الانطباق على حالة او شخصية مثل سعدي عبد الكريم فهو يكتب القصة القصيرة، وينظم الشعر، ومُتخصّص بالنقد الادبي، ومحترف بكتابة السيناريو، ويجيد فن الخطابة، وممثل بارع، وله ولع جميل بالدراما وعلاقته بالمسرح لا يمكن دحضها اضافة لولعه بالرسم والتشكيل واللون، وعليه هو يشبه البحر لا يمكن ملاقاته إلا في قارب، لذا قررت مضطرا ان يكون قاربي الذي ألاقيه فيه محمَّلا بكلّ انواع الاسئلة التي يمكن ان تطرح على كتيبة كاملة، وليس شخص واحد، وسيكون بين اسئلتي له المعقول، واللا معقول، والفنتازيا، وأسئلة استفزازية واستقصائية وافتراضية واختصاصية، مع معرفتي بقدرته الرهيبة في امتلاك ناصية المعرفة، وقدرته ايضا على القصف الكلامي، واختيار المفردات الفخمة، مثل المبجل والمسدد احيانا، وأنا على يقين بأننا سنخرج بحوار جميل غير متوقع يكون سهل الهضم في مكان، وعسير الهضم في آخر، وعلى من لا يخاف ان يصحبني بهذه الجولة في تلافيف عقل سعدي عبد الكريم التي اتوقعها مرتبة بشكل رهيب.

بادرته بسؤالي الاول:

راضي المترفي: ما هي الصفة الادبية التي تحب تقديمها على اسمك؟

سعدي عبد الكريم: دعني اولا ايها المترفي النبيل.. ان انفث دخان سيجارتي خارج مديات اللحظة، لأكن متأكدا بأن الاجابة عن سؤالك ستكون منضبطة كانضباط ادوات اشتغالاتي الادبية والفنية والنقدية، فلا اخفيك سراً.. عندما تكون موزعا بين هذه الاجناس الابداعية ستبحث بالضرورة عن بداياتك التي تميل اليها باستحكام المعرفة الاولى، والوعي التدشيني الابتدائي الذي يمكن لك القبض فيه على ملامح ميولك الاشتغالية، وبحكم عشقي الاول لذلك المنحوت السحري (المسرح) فأنا ادين له بالقراءات الاولى، والفهم الذي اوصني الى نضج المدركات الحسية والعقلية التي شفعت لي فيما بعد بتكوين ملمحي المعرفي، انا رجل مسرح، وغائص منذ النشء الاول للأحياء في كتابة النصّ المسرحي، ويأتي بالدرجة التالية اشتغالي النقدي في الأجناس الادبية المختلفة، ثم يأتي الشعر ضيفا شفيفا ليخترق دائرة الصمت ويفجر مكنوناته الشفيفة على وجه الورقة البيضاء، اما كتابة السيناريو للدراما التلفزيونية او السينما فهذه البهجة بعينها لأن السيناريو يغوص في اعماق النفس البشرية ويفعل فعلته النبيلة في الكشف عن الخفايا كما يفعل فن الكتابة للمسرح، اما القصة والرواية فأشعر عندما انهي كتابتها بمهرجان من الفرح الدائم، اما الرسم فهو هروبي الدائم من الضجيج، والزحام، وأجد فيه متعة القفز على السائد، ويعيدني لفترة طفولتي وشبابي، وعندما احاول الهروب من هذا العالم المُتخم بالمتناقضات، والمليء بالكوارث والحروب، انزوي من خلاله في منطقة الجمال لاكتشاف عوالم بديلة، وادلف صومعة الرسم، ومملكة اللون.

راضي المترفي: هل يحدث عندك خلط بين ضرب ادبي وآخر بحيث يزحف الشعر على القصة او الدراما على غيرها؟.

سعدي عبد الكريم: لكلّ جنس من الاجناس الادبية له مقوماته التدوينية، فلا يمكن ان تكتب مسرحية ذات شخصيات حيّة تتحرك في افق الدراما لها ميزاتها الجسدية والنفسية والبيئية، وانت تفكر بقصيدة شعر مثلا، او في قصة قصيرة، الاصل في التناول هي (الثيمة) واينما تقع مواردها الحسيّة يقع معها الجنس الادبي، رغم ان ثمّة مواءمة في بعض الاحيان بين اجناس الادب فالسيناريو يقترب بطبعية تناوله للدراما مع المسرح، لكن اللعبة هنا ان تمتلك تلك الحرفية، والخبرة، والدراية الفنية التي تمكنك من الاشتغال على جنس ادبي بعينه.

راضي المترفي: ماهي علاقتك بالله؟ ومتى تنشط ومتى يصيبها الخمول؟

سعدي عبد الكريم: سؤال ملغم حقاً.. ولكني وهنا بالذات سأنحاز الى الحقيقة الكاملة دون مواربة، الله واجد الوجود من العدم، وهو بادئ الخلق من الصفرية الاولى، وهو الذي يمكن له الاحياء، والاماتة، وهو الضَّوء النوري الازلي، وأنا منذ طفولتي عرفت الله، وأمسكت بنوره الذي ملء كياني، والحسين دلَّني عليه، مذ كان مرملاً في الرمضاء جسدا بلا رأس وهو يطلب الرحمة لقاتليه، الحسين منارا باسقا لمعرفة الله، وكتابا مفتوحا للقرب منه، ولكن.. وهذه هي التي تبحث عنها ايها المترفي النابش بأسئلته صدر المعارف، وصميم الحقائق. يا سيدي الفاضل، الانسان بطبيعة تكوينه الفطري والسويسولوجي والانثروبولوجي ميال الى الاكتشاف، والوقوع في فخ الدهشة، واصل الاشياء الاباحة ما لم يأتي بها نصّ، الخمر مثلا كانت مباحة وجاء بها نصّ الاجتناب، اظن بأني قد احتسيتها كأبي نؤاس حدّ ان جنية شعري كتبت الشعر في مغازلة النساء، ثم تركتها فأمسيت صوفيا كالحلاج، وفيلسوفاً كأبن رشد، ومصلوبا كالمسيح، وشاعرا كالبياتي، وناقدا كأبن جني، وأما النساء فهنّ اجمل ما خلق الله، ومن لم يرفُّ له قلبٌ امام الجمال، فاعلم بأنه قد انتقل الى منطقة اخرى غير الادمية. ان علاقتي بالله كانت، وما زالت رفيعة المستوى، لأني أحس به قريبا من انفاسي، واشعر بروحي محلقة في ملكوته.3328 سعدي عبد الكريم

راضي المترفي: ماهي الحالات التي يكون فيها الشيطان قادر فيها على اغوائك؟ في حالات الضعف او القوة؟ وكيف؟

سعدي عبد الكريم: الشيطان كائن هلامي ضعيف امام الوعي البشري، الوسواس الأصل هي النفس البشرية، إن ميول النفس هي فوهة المدفع التي تقذف بنا الى المهالك، وحيث تستقر الرذيلة، وهنا تكمن القدرة على امتلاك ناصية كبح لجام النفس من الاغواء، فالإغواء يخفي ذاته تحت مظلة الفضيلة، فالسياسي مثلا يطرح نفسه مصلحا، فيغويه الكرسي فيتحوّل الى طاغية، او سارق لقوت الشعب، هكذا هي الحبكة، اما ما يخصّ اغواء النفس بالنسبة لي، فأنا في معارك طاحنة معها على مدار اللحظة، واعتقد بأني اعلن انتصاري عليها في جلّ الاحايين.

راضي المترفي: في الحالات المنطقية يعاني الاديب هما واحدا كأن يكون شعرا او قصة او غيرها اما في حالتك انت فنحتاج الى تزويدنا بـ (كتلوك) المخ عندك وكيفية تحديد تنوع الهاجس الادبي؟

سعدي عبد الكريم: العقل هو المحرك الاساس لفاعلية النشاط البشري، والأديب أو الفنان هما الفاعلان الاساسيان في عملية التأثير بالوعي الجمعي، وهما المحرضان في انشاء مملكة الاحتجاج، اما ما يخصّ تنوع اشتغالاتي الادبية والفنية والنقدية، فانا ازعم بأني من الجيل الذي قرأ مبكرا، قرأ بجميع المعارف، لذا تجد هذا الجيل وأنتَ واحد منه، قد وزعت جهوده الابداعية على الكثير من المهام الابتكارية والمعرفية، وأما النقد بالنسبة لي فهو المعيار الحقيقي الذي استطيع ان انفذ منه الى النصّ وأقوم بإعادة انتاج دواله وإحالتها الى مدلولات ذات خصائص فهمية عالية، اجد نفسي في تناول اي نصّ بمتعة بالغة، والمعروف عني عدم المجاملة وبخاصة ما يتعلق بالنتاج الابداعي لأنها مسؤولية خطيرة عليَّ ان اكون صادقا مع الكاتب والنصّ، ربما هناك بعض المجاملات التي تفرضها علينا احكام الصداقة لكنها لا تؤثر البتة على امانتي العلمية. إن عقلي يا سيدي المبجل.. موزع على ما تمليه لحظة الدهشة عليَّ لتنجب ملاحق ابتكار النصّ باختلاف جنسه الادبي والفني، واكتُبْ برأس الصفحة، انا اول كائن بشري خط بالحرف السومري على وجه الرُقم الطينية وقائع الملحمة الاولى.

راضي المترفي: غالبا مايحتاج الأديب إلى ملهم وبما أنك تمارس ضروبا شتى فهل ملهمك واحد، أو أكثر وكيف يتعامل معك؟

سعدي عبد الكريم: ملهمي الحقيقي في كلّ ضروب الفن والأدب هو مخيالي الذي يحاكي في بعض الأحيان جنيات افكاري لإنتاج (الثيمة)، التي أنفذ من خلالها إلى عوالمي السحريّة لأدوّن ما يتجاوز المرئي نحو اللامرئي في بون متاهاتي الداخلية، وثباتي اليقيني، وتأتي في مرحلة اخرى تالية رحلة الافتتان بالعقل الذي يمنحني قوة الولوج إلى الواقع اليومي المعاش لأمازجه بالمُتخيّل ليبعث في داخلي مواطن الدهشة، ليحيلها الى ملاحق الابتكار، واتكئ كثيرا على القلب، ذلك المنسوج الخارق، وتلك المنطقة الدافئة، لأنه يمنحني قوة تفجير اللحظة، ويزيدني طمأنينة في الحبّ، ويثبت أمام مفاتن البثّ والحفر في مذاهبيات النصّ واتجاهاته، ورصّ مكامن بنائيته.

راضي المترفي: هل يؤثر تنوعك الادبي على تصرفاتك اليومية؟

سعدي عبد الكريم: هذا سؤال جميل.. لم يطرح عليَّ في جلّ اللقاءات العديدة السابقة، إنه سؤال يفضي إلى مراتب التداخل في وظائف العقل، فربما تختلف التصرفات باختلاف تعدد الايعازات للعقل. تصوّر يا صديقي المسدَّد في بعض الأوقات حينما اكون منشغلا بتأثُيث نصّا مسرحيا بشخصياته وانعطافاته الدرامية، اسير في الشارع، او في الكلية، او في البيت وأنا أحاكي الشخصيات، وتحكي معي، في البيت يعرفون هذا الامتياز عندما أكتب وبخاصة في الدراما التلفزيون والمسرح، ولكن الآخرين من الغرباء يتهموني بالجنون، وأنا سعيد ومغتبط بهذا الجنون الجميل، لأني اقضي اوقات ماتعة مع شخصياتي التي خلقها مخيالي التصويري، وشغفي بالواقع.

راضي المترفي: في اي نوع من انواع الكتابة تجد حقيقة شخصك؟ وكيف نستدل عليك؟

سعدي عبد الكريم: أرى شخصيا.. بأن المسرح هو ابو الفنون وتحتفي بذاتها كلّ الآداب ومحاذياتها تحت كنفه الواسع، المسرح هو سيد الفنون، وهرم النتاج الادبي، ورائد التحريض، وصومعة التغيير، المسرح مواجهة حرّة بينك وبين العرض، وبين عقل المتلقي، والفكرة الجدلية الحقيقة في المعادلة، هي في طرح الأفكار النبيلة على العقول عبر خشبة المسرح التي من مهامها الأولى هي بثّ الوعي في العقل الجمعي، والاستدلال على ذلك أن حياتنا ممسرحة، أو نمسرحها حسب اهواءنا الشخصية ورغباتنا الآنية، لكن فن المسرح يضبط هذا الإيقاع المُنفلت، ويجيله إلى ايقاع متوازن يستطيع النفاذ إلى الوعي المضمر داخل النفس البشرية.3327 سعدي عبد الكريم وراضي المترفي

راضي المترفي: الكتابة الابداعية يشبهها اهلها بحالة الولادة.. فهل هناك طلق ولحظات خوف وقلق ومن يقوم بالقبالة؟ ومن يختار اسم المولود؟

سعدي عبد الكريم: نعم.. الكتابة ولادة حقيقية.. ومخاضها عسير يا صاحبي.. يرافقها هاجس، بل هواجس من الخوف، وطوابير من القلق لأني اخاف على (النصّ) المولود من الخضوع لعملية قيصرية، أو مخاض لولادة متعسرة، انا اؤمن تماما بأن النصّ يأتي أولا، وما يأتي بعده هراء، ولتكن ولادته مشوهه، الكتابة مشروع مهم وملهم في حياة الأديب والفنان كما هي اللوحة التشكيلية كلها ولادات طاهرة ونبيلة من ظهر أبٍ واحد، يقوم بعملية القبالة لهم خزيني المعرفي، وخبرة تجربتي الطويلة التي امتدت لأكثر من خمسة عقود خلّت، وجنية أفكاري الجميلة، هي التي تختار الموسوم لهذه الولادات النجيبة.

راضي المترفي: هل هناك اوقات محددة للكتابة وتحضير أجواء خاصة؟ او انها حالة يومية معاشة؟

سعدي عبد الكريم: الكتابة تأتي بعد حضور الفكرة في اي جنس من أجناس الأدب أو الفن، ومتى ما اختمرت الفكرة أصبح من الضروري اللجوء لوجه الورقة البيضاء لتدوينها خوفا عليها من الهرب من الرأس العاقل، لأن الأفكار المضيئة تأتي مرة واحدة، ولن تتكرر لفض الاشتباك الحاصل في منطقة الهدنة بين الثابت الجامد، وبين المتحرك الديناميكي بقوة التراتب التنظيمي في منظومة العقل. وبالنسبة لي فأجمل وقت للكتابة فيه وتكون فيه اجواء الكتابة هادئة ومريحة هو الصباح الباكر، لأنه يمنحني الطاقة الايجابية في عملية الخلق، وهو إعلان صريح ببدء يوم جديد آخر لحياتنا المليئة بالفرح والألم والتي علينا ان نفضي عليها ملامح الجمال، والكتابة جمال دائم يرصع التاريخ، فالتدوين ملحق مهم من ملاحق الذاكرة الإنسانية، وهي بطبيعة تكوينها الجمالي حالة يومية ثابتة بالنسبة لي اعيش فيها امتع الاوقات في صومعتي المتواضعة.

راضي المترفي: الكثير من الكتاب يعاقرون الخمر ولا نعرف المبرر؟ هل هي تنعش الذاكرة؟ او تحلق بالكاتب الى سماوات الخيال؟ او يتخذ منها مركبا الى عالم سيميائي؟

سعدي عبد الكريم: أحيلُ هذا السؤال لمن يعاقر الخمر.. اما انا ففي نشوة دائمة في علاقتي مع السماء.

راضي المترفي: لمن تكتب.. لتعيش.. لاثبات الذات.. للمباهاة.. او هو نوع من الادمان؟

سعدي عبد الكريم: انا اكتب لكي اعيش، فالحياة بشكلها الجمالي الأخاذ تستحق مني هذا العناء المضني، واكتب للاستمتاع، والبهجة، والمنفعة، اكتب لكي اقول شيء ما، ربما يوافقني الآخر عليه، أو ربما يخالفني فيه، الكتابة مرتبة سامية من مراتب النبل البشري وهي علامة كبرى من علامات ديمومة الحياة، فهي تحفظ النشاط البشري المعرفي، البشر الذين يعيشون في سِفْرِهم الطويل لكي يفكروا، لا لكي يأكلوا، أو نتناكفوا على المناصب والكراسي، الكتابة مرحلة متطورة من مراحل النزوح صوب الضوء الساطع للوعي.

راضي المترفي: لو تم منحك سلطة مطلقة في تحديد من هو شاعر ومن هو كاتب ومن هو قاص ومن هو ناقد كم هي نسبة العدد الذي تحتفظ به من الموجودين؟

سعدي عبد الكريم: كثيرون هم الذين يدعون الثقافة.. وكثيرون هم المزيفون في الأدب.. والفائضون في قائمة الفن، المهم في الامر اني اعرف من هو الغَثِّ منهم، ومن هو السمين فيهم، ولكني لا أفصح عن الأسماء، إلا عندما أضع النصّ تحت مجهري النقديّ، حينها اعرف الاسم من خلال النصّ، وأميز فيه مواطن الجودة والرداءة عبر (النصّ) كمنتج إبداعي، ولو منحت لي سلطة سماوية لتنقية الأوساط الفنية والأدبية والثقافية من المزيفين، لنفيت عدد كبير منهم إلى جزيرة لم يطأها العقل البشري.

راضي المترفي: كيف تختار اصدقائك؟ ومن هم اصدقاء الشدة؟ من عرفتهم في الجامع؟ او من عرفتهم في مكان اخر؟

سعدي عبد الكريم: كلّ البشر أصدقائي بغض النظر عن الجنس واللون والفكر، جميع الأجناس البشرية مؤهلة لتكون في مرتبة الاصدقاء بشرط ان لا يدلف اليهم الكذب والمخادعة، وبشرط رئيسي آخر ان لا يكونوا أغبياء، الغباء يقتلني، بل يشتت أفكاري، الغباء آفة العصر فمن تحلى بها أعده شخصيا من الخالدين في قعر الجهل، أنا اتحرى الدقة في اختيار الصديق، وأول شروطي أن يكون عقله خالٍ من اي تطرف، وان يكون محبّا للآخر، وصادقا لدرجة تكاد تلامس الكمال، ولدي اصدقاء كثر من هذه النوعية النبيلة. ولا أذكر أن لي صديق عرفته في جامع، لأني أمارس طقوسي مع الربّ لوحدنا، ولا احب ان يشاركني في هذا الطقس الشريف اي احد، لأنها علاقة عمودية من الأسفل إلى الأعلى، وأنا شخصيا لا اقبل أن يتسلط على عقلي أحد ويملي عليَّ ما افعله من حلال، وما لا افعله من حرام، لي عين تقرأ النصّ المقدس، وعقل يفسره ويأوله.

راضي المترفي: ما رأيك بالآتي.. صداقات الشبكة العنكبوتية.. قصيدة النثر.. قصيدة الومضة؟

سعدي عبد الكريم: إن صداقات الشبكة العنكبوتية مفيدة وجميلة تارة، وتشكل معضلة كبيرة تارة اخرى، لأنها تقرب البعيد المغترب، وتقارب ما بينك وبين أصدقاءك القدامى، وتشكل مصدرا من مصادر تبادل الخبرات، ومن الجانب الآخر بعض الأصدقاء داخلها يشكلون خطرا داهما يقتحم عليك خلوتك في أوقات الاشتغال على بحث مهم، أو دراسة نقدية أو كتابة نص أو رسم لوحة، ويسأل أسئلة سطحية تكون مجبرا على الإجابة عليها بسطحية أكثر إيلاما في نفسك. اما قصيدة النثر فقد قُتلت وتفرق دمها بين القبائل، وكتبها من لا يفقه فن الكتابة فيها، وولج معتركها من لا يعرف اعراب المبتدأ والخبر، والطامة الكبرى ان ملمحها البنائي والصوري والجمالي واللغوي والبثّي مورست ضده جميع الموبقات التي تنتمي للرخص التدويني. ومن جانب آخر هناك اسماء لامعة كتبت، وتكتب الآن قصيدة النثر بشكلها الحداثي الأمثل، وكناقد مُتخصّص بالحقل الأدبي، فلا أعرف جنس أدبي تحت موسوم قصيدة الومضة.

راضي المترفي: هل ارتقى النقد في هذه المرحلة او تراجع؟

سعدي عبد الكريم: ان العملية النقدية في العراق دائما بخير، فهناك اسماء مشتغلة في هذا الحقل الأكاديمي العلمي التخصّصي يشار لها بالبنان في الفائت من الأزمنة، وأزمنتنا الحاضرة، ولكن العملية النقدية لا تخلو من الطارئين عليها ممن شمر عن ساعديه وانبرى ليحشر انفه في هذا الحقل النبيل، واعترف باعتباري مشتغلا في حقل النقد منذ أعوام طويلة بأن الصنف الثاني من المدَّعين قد استفحل على الخارطة، واحتل مكانا واسعا على الساحة الادبية، لذا تجد بأن النقد قد تراجع من جهة، ولكنه بالمقابل حصل على حظوظه الكبرى في الإمتياز من جهة التخصّص الأكاديمي الفاعل والمتفاعل مع النصّ الأدبي.

راضي المترفي: اكثر المختصين يشخصون الخلل في الدراما العراقية في جانب السيناريو.. معهم او لك رايا اخر؟

سعدي عبد الكريم: السيناريو برأينا النقديّ.. هو فن كتابة الصورة المرئية.. فالورق المكتوب (السيناريو) هو روح العملية الدرامية، وهو الكفيل بالارتقاء بها أو النكوص عليها، لذا أجد من الضروري الإشارة هنا على أن الدراما تعتمد بالأصل على سيناريو ممتاز، ومخرج مبدع مبتكر، فإذا توفر الشرطين حينها تكتمل الدراما لتصل الى مرحلة فاعليتها الجمالية في التأثير لملامسة المنطقة المثلى لدى المتلقي.

راضي المترفي: الشهادات التقديرية ودروع (الجص) هل تصنع شعراء؟ او تفتح ابوابا للدخلاء؟

سعدي عبد الكريم: الاثنين معا.. فهي تدفع المندسين إلى باحة الأدب ليحصلوا على الألقاب المجانية لتصنع منهم شعراء، وتفتح أبوابا لا يمكن إغلاقها بوجه الدخلاء على العملية الإبداعية، ومن ناحية اخرى فهناك مؤسسات ومراكز ومواقع واتحادات رصينة تكرّم من يستحق من الادباء والفنانين على مجمل نتاجهم الفني والأدبي.

راضي المترفي: لمن تتوقع الغلبة بعد نشر هذا الحوار للغاضبين من صراحتك او للفرحين بها؟

سعدي عبد الكريم: اعتقد جازما.. بأن من يعرفني، ومن لا يعرفني وفي منحوته الإلهي (العقل) بذرات التفتح، وومضات الوعي، والمتصالح مع نفسه سيكون فرحا بصراحتي ومسرور بها، أما الدخلاء والطارئين فلا اعتقد إلا عكس ذلك.

راضي المترفي: هل تشعر انك من خلال هذا الحوار بالحرج او انك في ورطة؟

سعدي عبد الكريم: لا أخفيك سرا.. ارهقتني بأسئلتك التي لا تخلو من المباغتة، والمراوغة، حتى انك استطعت توظيف منافع مهارتك الصحفية للكشف عن الخفايا والأسرار التي احتفظ بها داخل مباهر عقلي فانتزعتها عنوة.. وهذا ليس غريبا عليك أيها المترفي النازع للاعترافات تحت مقصلة الأسئلة الفطنة.

ربما لا احتاج لكتابة خاتمة لحواري مع المتنوع ادبا سعدي عبد الكريم لعدم بقاء في القوس منزع عدا شكري وامتناني له على صراحته وسعة صدره والرد على اسئلتي باريحية.

 

حاوره: راضي المترفي

 

 

الصفحة 3 من 5

في المثقف اليوم