صحيفة المثقف

الشيخ المنوّرعلي عبد الرازق

عرف علي عبد الرازق بثقافته الدينية الواسعة وبصيرته الثاقبة وتحيّزه اللا محدود للفكر المتحرر والمتنور وللعقل النقدي، ووقوفه في وجه الحركات الغوغائية والظلامية التي تسعى الى طمس حضارة امتنا ودورها التاريخي وتغييب التنوير والنقد من حياتنا، وتقودنا كقطيع غافل الى مستقبل معتم من الاستبداد والقهر والتخلف الاجتماعي.

 

عمل عبد الرازق قاضياً في المحكمة الشرعية لكنه طرد وأقصي من وظيفته بالقضاء، بعد صدور كتابه " الاسلام وأصول الحكم" الذي أثار عاصفة هوجاء وحادة من قبل مشيخة الأزهر وقوى التعصب والتزمت الديني وجماعة " الأخوان المسلمين "، الذين اتهموه بالكفروالزندقة . ولكن رغم ذلك رفع علي عبد الرازق راية الحرية والتنوير عالية وانتصبت قامته شامخة أمام الأصوليين ورجال الدين المتحجرين والمتعصبين وأمام محاكم التفتيش، والظلامية المستترة والهائجة تحت عباءة الدين المزيّف، ورأى

أن وضع الثقافة في قفص الاتهام ومحاولة الاعتداء على حرية الرأي والتعبير والابداع والتفكير ليس سوى مؤشرات الى المناخ الانحطاطي المتخلف والقهري المستبد الذي يسود المجتمعات العربية الاسلامية.

 

وكتاب " الاسلام وأصول الحكم" الصادر سنة 1925 هو الكتاب الوحيد الذي وضعه القاضي الشيخ علي عبد الرازق، وقد صودر وسحب من الأسواق لكنه سيظل في ذاكرة الثقافة العربية العقلانية المعاصرة، لأنه شكل ثورة في الفكر الديني ونقد الفكر السياسي العربي والاسلامي، وهو كتاب يتناول باسهاب مشكلة الخلافة ويرى فيها شأناً سلطوياً دنيوياً لا علاقة له بالدين نفسه.

 

علي عبد الرازق مفكر عقلاني ومثقف منفتح واسع الاطلاع وعميق المعرفة، نادى بأعمال العقل وخاض المعركة على جبهتين، جبهة الدين وجبهة الفلسفة، وعرف كيف يوفق بين الشرع والحكمة وبين الايمان الديني والتفكير المنطقي والعقلاني، ويتجلى مشروعه الفكري بشكل رصين ومتماسك.

 

وأخيراً، علي عبد الرازق شيخ أختط لنفسه طريق العلم والمعرفة والعقل، مزوداًً ومسلحاً نفسه بثقافة دينية تنويرية ومعارف انسانية شاملة، ومقدماً بدائل منهجية لكل ما هو متخلف، اّمن بأن دور المثقف يكمن في أثارة الأسئلة والتأمل، وأستفزاز الجدال والتفكير، والبحث عن الهوية المستقلة. وقد ساهم في اغناء الفكر التاريخي والديني بمؤلفه البحثي "الاسلام واصول الحكم "الذي يعتبر ثورة معرفية في الفكر ومساهمة فعلية خلاّقة في الثقافة العربية المعاصرة.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1204 الاربعاء 21/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم