صحيفة المثقف

لقاء مع الشاعر والإعلامي وديع شامخ

- المثقف يراهن على المستقبل بوجوده التنويري في الماضي والحاضر والمستقبل

الغربة تجربة وجودية ، وجعلت المهجر" منأى " وواحة أتنفس بها حريتي

- الشعر ليس خاضعاً لمزاج صناع الحروب، وليس الشاعر بكاتب مأجور، أما الإرهاب فهو مدان حيثما وجد

- إشتغالي في حقل الميديا عموما ينبوع يثري تجربتي الابداعية شعريا ونثريا

- أنا دائم الولادات ولدي أكثر من كتاب وهذه مسؤوليتي الابداعية والتاريخية عموما

 

كيف تجد الشعر العراقي اليوم في ظل الارهاب والفوضى التي يمر بها البلد، وهل استطاع ان يكون بمستوى الاحداث؟

- ليس مهمة الشاعر والشعر الدخول في مواجهة عسكرية او ميدانية مع الارهاب والفوضى، للشاعر دور خطير في تربية الحس الجمالي في المجتمع، واشاعة رسالة السلام والمحبة كي يتحصن الكائن البشري ضد الاكتواء بداء الارهاب والفوضى أولا، فالشعر هو مصل للوقاية من الوقوع في الداء، أما ما يشاع عن الدور التعبوي للشعر في المعركة فهذه تعتمد على مفهوم المعركة والارهاب والفوضى، كي يحدد الشاعر بوصلته لأداء دوره المفترض في هكذا ظروف، دون رضوخ لترهيب أو ترغيب ماكنة السياسة التي تدير أمر الحرب. لا بد للشاعر من مسافة للإنصات الى صوت الضمير والجمال معا.

هل استطاعت القصيدة العراقية تجسيد المعركة ضد الارهاب؟

- هذا السؤال على صله بسابقه، فالشعر ليس خاضعاً لمزاج صناع الحروب، وليس الشاعر بكاتب مأجور، أما الإرهاب فهو مدان حيثما وجد، ومن ايّة حاضنة إنبثق، والشاعر انسان وعضو في المجتمع وبامكانه أن يوصل رسالته بالطريقة التي يراها مناسبة لادانة ورفض الارهاب، سواء في نص شعري أو بيان او مقال أو رواية أو اي شكل تعبيري آخر، والقصيدة التي تعنيها بسؤالك هي المعنية بتأدية فرض خارج محيطها الإبداعي. وهذا نمط ورثناه من العقلية الدكتاتورية السابقة "وفق منطق كل شيء من أجل النصر".

 

كيف يستطيع الشاعر ان يعيش في الغربة مع هذا الحس المرهف الذي يتميز به.. كيف يواجه هذا الاغتراب.. صف لنا تجربتك في الغربة؟

 

- طبقنا لتجربتي فانا لا اعاني من مرض الغربة، ولا اعتبر وجودي في استراليا كمنفي او غريب، لقد جعلت المهجر واحة لأتنفس بها حريتي، لأشعر بها بكامل حريتي في العطاء، فأنا لا اتعامل مع وطني الأم العراق كمدونة للرثاء، ولا وطني استراليا كغريب، الغربة الجغرافية فقط هي التي تبعدني عن وطني العراق، وما عداها فأنا أكتب واتنفس بقلب ورئة عراقيتين، الغربة تجربة وجودية أتاحت لي النظر الى المشهد العراقي من الخارج، والنظر الى تجربتي في مناخ من التأمل جماليا وفكريا، الغربة انجاز أتاح لي الخلاص من أمراض الديكتاتورية وما افرزته من أمراض في حقل الفكر والابداع، إذ نجح النظام السابق في ايجاد شرخ هائل بين التجربة الابداعية العراقية، في الداخل والخارج، وهو من اشاع هذه المصطلح المضلل، أدب الداخل وأدب الخارج، لغرض تشظي الخطاب الجمالي والانساني للمبدع العراقي في داخل العراق وخارجه.

لقد انتجتُ في الغربة اضعافاً مما انتجته في وطني، من خلال تجربة جديدة ونضج متواصل لأدواتي ورؤيتي من خلال متسع كبير من القراءات والتجارب خارج الاملاءات الوطنية، لقد تحقق لي ما كنت أخطط له بحرية تامة.

لذا فأن الغربة وإن تعددت اسبابها فهي أيضا تفضي الى نتائج متعددة، ولكل حسب غرضه ونواياه ومشروعه الجمالي والانساني.

هل تعتقد بأن العمل في الصحافة او الاعلام قد يبعد الشاعر او القاص عن الكتابة الابداعية؟

 

اذا اتفقنا مع ما يشاع عن مقولة طه حسين بقوله "الصحافة مقبرة الأدب" فسوف نكذب عميد الأدب العربي بنتاجه أولاً، فهو الذي كان منتظما بكتابة عمود اسبوعي في جريدة الإهرام بعنوان "حديث الاربعاء"، والذي صار كتابا فيما بعد. أما ما يخص تجربتي في حقل الاعلام والميديا عموما فأنا اجد نفسي في حقل ابداعي آخر، وفي ينبوع يثري تجربتي الابداعية شعريا ونثريا، بصراحة تامة انا لا اعاني من عقدة نقص وندم في دخولي حقول القول، سواء شعرا ام نثرا ام ميديا ، فكلهم أولادي، ولكل منهم مكانة في تجربتي ككاتب، رغم أني افضل هويتي الشعرية على باقي الهويات.

كيف تجد موقف المثقف العراقي بشكل عام حيال الارهاب والتطرف؟

- هذا سؤال استفزاي حقا، فكيف يجتمع المثقف والارهاب والتطرف في خانة واحدة، ومن ثم نسأل عن دور أو موقف؟

لا شك أن المثقف بمفهومه الجمالي والانساني والبرهاني، لا بد أن يكون خطابه تبشيريا مضادا لنزعة العنف والاقصاء، لا بد له ان يكون مثقفا عضويا بحسب غرامشي، مثقفا متفاعلا، وليس متفرجاً.

استطاع السياسي خلال السنوات الماضية ان يسحب البساط من المثقف.. تسليط الضوء ودائرة التأثير لم تكن بالنسبة للثقافة في الوقت الحاضر كما هي في السابق.. كيف يمكن مواجهة ذلك؟

- ازمة المواجهة بين المثقف والسياسي ليست وليدة اللحظة أو صنيعة سنوات ماضية، بل هي هوة أكيدة تعمقت منذ مئات السنين في الثقافة البشرية، فنزوع السياسي للثبات يتناقض مع مشروع المثقف في التحول والتغيير. السياسي يرى في الحصول على الممكن هو مقياس نجاحه وسر وجوده بينما المثقف يراهن على المستقبل بوجوده التنويري في الحاضر والماضي، المثقف ناقد أبدي يمتلك مجسات حساسة في التعامل مع الواقع والحلم، وهو ليس ناقما بل مقوما للأداء السياسي العام، ويمتلك شفافية وأمانة وليس محابيا لأحد. ولكن المشكلة ان السياسي يريد صناعة مثقفين كجنود وابواق له، يباركون ويهللون لمشروعه السياسي والفكري.

الارهاب مشكلة عقائدية وفكرية.. لماذا غاب دور الشاعر والقاص والاديب في تجسيد معاني الحياة ونبذ التطرف.. هل ثمة حلول ممكنة لمواجهة التطرف الذي يغزو العالم؟

- نعم الارهاب جذوره وحاضناته فكرية أولا، وهو وليد تعاليم تعد مقدسة عند البعض وله عرابون يقومون بالتنظير الفكري والنظري لممارسة الارهاب تحت ظلال متنوعة من الافكار الدينية خصوصا لتبرير قدسيتها وصلتها بالله، وبالتالي فالإرهابي ُيغسل دماغه تماما ليتحول الى روبورت بشري لا يتوافر على قدرة فكرية مضادة اوقناعة مختلفة، وعندما نفهم هذه الآلية يكون للمثقف والمبدع دوره الواعي ومسؤوليته التاريخية في مجابهة الإرهاب، عبر وسائلة التعبيرية في القول والكتابة وكل حسب اختصاصه، وبهذه الطريقة يمكننا من مجابهة الارهاب بصورة جذرية فكرية مضادة وليس فقط تصفيات جسدية وعسكرية. والاهم هو تعريف الارهاب أولا وتجفيف منابعه فكريا وماديا.

كيف تجد.. مثقفين ساندوا داعش.. شعراء يتصدرون المشهد الشعري في العراق دون منجز حقيقي.. العلاقة مابين الشاعر والسلطة والارهاب.. الموقف الاخلاقي للاديب والمثقف العراقي من الارهاب؟

- الارهاب بإمكانياته المادية الكبيرة قادر على تجنيد الأسماء والأصوات المهمة وغيرها، لذا لا نتفاجأ من وجود أصوات صفراء مات ضميرها الإنساني وصارت كلمة مفخخة وفكرا ساما، وتؤدي دورا خطيرا جدا في افساد المجتمع، وتلعب دورا أخطر من دور الإرهابي نفسه.

هل ثمة موقف واضح للادباء والشعراء العراقيين في المهجر من الارهاب في العراق؟

- لا شك أن الارهاب بكافة أشكاله مرفوض ومدان من قبل أي مثقف أومبدع له ضمير انساني، وحاسة جمالية وحس مهني وأخلاقي، فالارهاب علّة عالمية فكرية وميدانية، واداة للقتل والتكفير بلا هوادة موجهة للشعوب والمجتمعات، ونحن في المهجر كنا متفاعلين تماما مع ما أصاب منطقتنا وبلادنا الحبيب العراق من ويلات داعش وتآمر القوى الظلامية من الداخل وتكالب القوى الأقليمية علينا لدعم الارهابيين ماديا وفكريا، لأن العراق تخلص من قبر الديكتاتورية وشكل بتجربته الجديدة أفقا جديدا يخشى منه، فكنا دائما مع شعبنا العراقي بكل ما امكننا عمله سواء في الانتاجات الابداعية الفردية أو من خلال منظمات ومنتديات ومؤسسات مجتمع مدني، وفي تجربتنا في الصالون الثقافي في منتدى الجامعيين نظمنا الكثير من الفعاليات والمهرجانات الثقافية والاجتماعية المناهضة لكل فكر ظلامي.

هل ثمة انجاز ادبي لشامخ خلال الفترة المقبلة قد تتعلق بالارهاب والعراق ومايحدث؟

- أنا دائم الولادات ولدي أكثر من كتاب صدر في الفترة الأخيرة، في حقل الشعر ديوان شعري "مصور شمسي" عن دار ميزوبوتاميا و "قل ولا تقل " عن اتحاد الادباء والكتاب العراقيين – البصرة وفي حقل النقد " نزهة في حدائق الوجوه.. دراسة نقدية لفكر الكاتب الكبير محمد خضير"، وفي حقل التحقيق كتاب "سجناء الفكر في العراق الحديث.. أوراق نوئيل رسام من خلف قضبان الحكم الملكي".

وكل هذه الأعمال تشكل رصيدا لي وجهدا أفتخر به كجزء من مسؤوليتي الابداعية والتاريخية عموما. وبالتأكيد فأن الكلمة المعبرة في مختلف الحقول تكون أداة جمالية وفكرية وانسانية ضد الفكر الظلامي ومن نتائجه داعش وأخواتها.

 

 

حوار - عدنان أبوزيد

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم