صحيفة المثقف

صناعة الوهم.. إزدواجية التعامل مع المرأة المثقفة

mohanad salahالتعامل مع النتاج الثقافي برمته يضعنا أمام معايير مهنية يجب أن نتبع أساسياتها قبل الولوج في أي تجربة نضعها على طاولة القراءة والتلقي . لأننا سنقع في أخطاء لا نهاية لها بمجرد إنحرافنا عن المسار الصحيح الذي يجب إتخاذه عند البحث أو التناول . الذي سينحرف بشكل طبيعي من كونه معرفي إلى مناطق إجتماعية تخضع للتأثير العاطفي و(الآيروسي)، مما يتيح المجال أمام العديد من المزيفين والمزيفات في الوسط الثقافي لإختراق الثوابت الفكرية، وهم يعزفون ألحان (الغنج أو الصداقة) عند مجسات الآخرين . الذين يشكلون بدورهم النوافذ التي ستطل من خلالها هذه التجارب المعاقة لذائقة الجمهور، وهو يثق تماما بأن ما يقرأه أو يتلقاه قد خضع للفلترة قبل تصديره له كمادة قابلة للتناول الفكري . لم يعرف حينها بأنه قد خضع لجريمة قد إشترك فيها صاحبي النتاج المصدر (النافذة / التجربة) .. ربما يكون المجتمع الغربي قد تجاوز لحد كبير هكذا ظواهر قد تشوه معالم مشهده الثقافي، أو إن جمهوره قد إمتلك ثقافة ووعي تؤهلانه لكشف أي خدعة قد تمارس معه . وفي كلا الحالتين، فهو يعيش حالة صحية على العكس مما تزخر به الحواضن الشرقية والعربية من أمراض إجتماعية متظخمة أثرت بشكل كبير على نتاجه الثقافي . وجعلته يعيش مراحل من الإزدواجية اللامتناهية راحت ضحيتها العديد من المواهب التي إندثرت وتلاشت بين (الأعراف والتقاليد المجتمعية وإستغلال المصدر للنتاج) . أنا أحاول أن أضع يدي على جرح عميق يتهرب الكثيرون من تناوله أو الإقتراب منه . لأنهم بذلك سيكشفون الوجه الحقيقي لما وصلت له الساحة الثقافية ومدى التخبط الذي تعيشه . الوسط الثقافي الذي تلجأ له (المرأة المثقفة) للنجاة من أنياب العرف المجتمعي الذي ظلمها كثيرا وأثرا سلبا على عملية تحويل موهبتها إلى نتاج يستحق الفخر والرعاية . المرأة التي تتخيل بأن هذا (الوسط) سينصفها وينتشلها بكل مهنية ومعرفة من كل براثن الجهل والظلامية التي تعيش ضمن نطاقها . إنه الحلم الكبير الذي تحاول بكل قوة أن تصل له كي تتنفس .. إنها كـ (مثقفة) تقرأ وبشكل دائم عن مناصرة المرأة ومساواتها مع الرجل . وعلى الآخر أن يتناولها كتجربة بعيدا عن شكلها أو لونها أو محاسنها . لكنها للأسف وبعد تحمل المشقة لكل هذا الطريق الذي قطعته كي تصل لحلمها . ستصدم بالواقع المؤلم جدا، الذي سيجعلها تلعن اليوم الذي ولدت فيه (إمرأة) تحمل بين طيات عقلها بذور المعرفة والوعي . عندما تكتشف بأن كل ما قرأته كان تمهيدا لدخولها شباك (المصدر) الذي يتعامل معها

 كـ (أنثى) خلقت لإرضاء رغباته وملذاته . بدل أن يقدم لها يد العون في إخراجها من الدوامة التي ستقضي على موهبتها مهما كان شكلها .. إنه يمارس معها أقسى أنواع الحيل والألاعيب فقط كي يستغل (جسدها) ويصل بعد ذلك إلى مراحل متقدمة من الإبتزاز والمساومة . فإما أن تنسحب من هذا الوسط (المريض) أو تستمر في حالتين . الأولى تجعلها خاضعة لما وصلت له . والثانية أن تلجأ إلى تكوين مجاميع ثقافية (نسوية) لا تخضع لمعايير الرجل، والحالة الثانية هي الأكثر رواجا هذه الأيام .. هذا لا يعني بأن الوسط الثقافي هزيل وخالي من أناس يملكون أدوات فكرية وثقافية حقيقية للتعامل مع تجارب (المرأة المثقفة) . إنهم موجودون لكن بقلة . فهم يتعاملون مع هذه التجارب من خلال نتاجها فقط . إن ذلك يشبه لحد ما نظام المسابقات (الشريفة) والخالية من الغش . عندما تقوم لجنة التحكيم بفحص النصوص بدون أسماء الكتاب، فهم بذلك سينظرون لحجم التجربة فقط، وليس لإسم أو نوع أو شكل كاتبها . وبالتالي سيكون الفائز هو النص المنتج دون الحاجة لمعرفة كاتبه . متى يفهم الكثير من مجانين الثقافة بأنهم يسيرون بالمشهد الثقافي (النسوي) نحو متاهة كبيرة سيكون الخاسر الوحيد فيها هم (الجمهور والمرأة المثقفة) ..؟! متى يعي الجمهور بأن هنالك العديد من التجارب النسوية تستحق منه الوقوف بوجه (المصدر المزيف) الذي يتلاعب بعقله ..؟! . لو تصفحنا للحظة بعض مواقع التواصل الإجتماعي سنكتشف الكثير من المواهب (الأنثوية) التي تجاوزت بإبداعها وألقها ما نقرأه في الكتب والصحف لـ (بعض) الكاتبات والفنانات (المزيفات) . لماذا لم تجد هذه المواهب (نافذة) إعلامية تطل من خلالها علينا ؟!! الجواب بسيط جدا . ما علينا سوى أن ننتزع هذا المشهد المشوه الذي ترتديه عقولنا كي نرى الحقيقة المؤلمة كما هي دون كذب أو رتوش .. علينا أن نفهم بأن

(المرأة المثقفة) تخضع اليوم لأبشع أنواع الظلم والإستغلال وبطرق عدة لا حصر لها. علينا أن ندافع عن حقوقها متى ما فهمنا بأنها (تجربة ثقافية) وليست عاهرة نستغل جسدها ومفاتنها متى شئنا ...

 

مهند صلاح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم