صحيفة المثقف

إختناق الحب بالحب

مامون احمد مصطفىشدي يديك

على شفاه الأرض

افتحي ذاكرة الارض للريح

خبئيها بين أقراص زعتر بري

يسيل زيتا وشهدا

ينثر الشغف خيوطا من شمس

لا تغيب

التقطي الندى

على جناح فراشة

تهاجر نحو نهايتها

هنيهتين

تساويان شهيق وزفير

**

افترشي الوطن

من قمته

المصطدمة بالغيم

بالسحاب

بالضباب

كونيه تكوينا

كي يكونك

تكوين جنين

في عمق جنين

 قلب محارة مجهولة

شاردة

من حكم المعلوم

**

انت يا اماه

هو

 الوطن

الوطن

هو أنت

بلونه وشمسه وكرومه

هو انت

بلونك ورائحتك

روائح اثوابك المعتقة

رائحة عرقك المسنونة

من رغيف يشوى على حطب

برتقالة مهاجرة

ليمونة شاردة

توت مصفى من الشمس والندى

زنزلخت يرسم الظلال

آمادا، شموسا، كائنات 

تتشكل وتتحول، تشع وتظلم

مثل جمرة لفحها الوهج

فأعلنت غضبها

**

دعينا ها هنا

نحاول

أن نكتب اسماء من سبقوا

من ذهبوا

عبر الريح والاعصار ودرب تقود

كما الموت

نحو الابد

ننبش طواحين الليل والهواء عن انفاس

من وجدوا

من رحم الليل

من خرجوا

من مشيمات الزيتون واللوز والذهب

ترى

من مر قبل اليوم فوق الطريق؟

ومن خطا قبل الليل في وهج الحريق؟

ومن كان قبل النوم يغسل الافاق بالرحيق؟

أكنت انت 

قبل ميلاد الغريق؟

تحملين زرقة الفضا وتلوحين للعابرين؟

ام كان نور اهات ولوعات وانتظار وشهيق؟

الزيتون يا أمي

سيد الاشجار والتكوين

زَحْف نحو انبثاقات التجلي

منه تتدفق الحور

بلهفة الانتظار

انتظار الرحيل قبل الانتظار

ومنه 

يخرج شهد الصحارى

ندى اللفح والشمس

ومنه

– ان لم تعلمي –

نقرأ روعة الاسحار

فيه من غامض المرئي

شيء خفي

يدفع نحو التين قليلا

وقليلا نحو السدر

وقليلا نحو الأقمار

فيه نقطة التكوين

ميلاد النخيل

حبل الغامض السري

جذر عرف الديك والْهالوك والقُبار(1)

عطر اللوز والرمان

فوح الأرض حين يبللها الندى

لون التراب

رائحة الظل والطل والصبار

**

للزيتون علاقة

الهمس مع الكواكب

اتصال بين الاكوان

بين البحار وقوارب غاصت

أنكرها الوقت وعراها النسيان

بين المفردات والاستعارات

كم احببنا، كم عشقنا

الزمن المخبأ في جذوعها

كخلايا نحل لا تمل البقاء

وكم وقفنا

نقرأ التاريخ من غصن تدلى

من نقطة زيت

أضاءت العتمة

كم كنا

نحب لون الغبار

حين يغسله الرذاذ

عن أوراق زيتونة حبلى

نشوى، ثملى

برقة نسيمات

بلوط وحور وسنديان

**

نحن كنا

ننحني

ندقق في وجه رفيق وصديق

لم نجزم ابدا

 بالتقاء الموت والحياة على حد شعره

ولا أقمنا للأمواج اعراس وفرحه

كم دخلنا الموج من بين اسراب وهم وضياع

كزاجل يشق رغم البعد طريقه

أنشودة ثكلى

واغنية يتيمة

وقصيدة عرجاء تحمل انفاس من ذهبوا

عذرا

تظن انها تحمل انفاس من ذهبوا

**

لماذا تنكرنا الذاكرة

وينكرنا النسيان؟

كأننا مجهول الصدى

ومعلوم السراب

نتفيأ في ظل وابل من مطر يابس محروق

ننشر احلامنا على صبار حزين

ننمو

نكبر

ننضج

في صوت الرعد المزدحم بالضجيج

في خيط برق مخنوق ومشلول

لماذا تكبر الأرض فينا؟

حتى تصبح برتقالة

او ليمونة

أو زهرة نرجس

حبة خردل او عدس

في جبل

يخبئ حيفا

على قرن غزالة

لوحها الانتظار

**

تعالي الان

نصهل مع الريح

نصلصل مثل رماح وسيوف

نحمل التراب بأفواهنا

بأنوفنا

ونركض نحو الوادي

نبلل النور والضياء

نغسله بعرقنا

بتأوهاتنا المكلومة

ونحدد مسار الليل

تماما

كبلبل يحن للتوق والوجع

ككنار يرتل انشودة الرثاء

وسلحفاة تمسك اذيال الكون

وناصية الوجود

**

هنا أقف الان

بين زقاق يفضي الى زقاق

وياسمين يركض نحو ياسمين

اراني

وانا افتح عيون السماء

نحو طفولة مشردة

وأمومة مبحوحة، مخنوقة

كم أحببت لون عينيك

وانت تبحثين عن شيء

ولا شيء

كم أحببت لون بشرتك

حين تلتف فوق جدائلك

مثل هجرة الموت نحو الحياة

ومثل ميلاد البقاء من الخلود

كم أحببت المطر

الريح والبرق

والسفر

روائح الجوري

زهر الليمون

كم احببتك وأحببتك

حتى اختنق الحب بالحب

وانتشى الحب بالحب

كم كنت سيدة

الأوقات والساعات

وكم كنت

أنت أنت

حين كانت تفر الذكريات

من سِفر يمامة

او هزيع مركب من التناقضات

**

احببتك انت

لأنك انت

انت فقط

فقط انت

سقف الحياة

سقف الفلسفة

سقف الفكر

سقف الحق

أسقف الأوطان

بداية الحرية

كينونتها

استمراريتها

التي تخرج للشمس

من رموشك

من سطح جفنيك

وحبة عرق تتلألأ

فيتلألأ الوجود

***

مأمون احمد مصطفى

........................

(1) الهالوك والقبار وعرف الديك، ازهار برية تنبت في فلسطين.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم