صحيفة المثقف

الاقتصاد الكلي لبيئة الاعمال (1)

حسيب الياس حديدتهدف الحكومات من سياساتها للاقتصاد الكلي الى  تحقيق هدفين رئيسيين لكي تضمن ان متغيرات الاقتصاد الكلي (مثل النمو الاقتصادي والتضخم) تكون عند مستويات مقبولة. العمل على خلق بيئة اقتصادية مستقرة  تستطيع من خلالها تحقيق ازدهاراً واضحاً وحقيقياً وبعبارة أخرى تقليل التقلبات في النشاط الاقتصادي .

وفي هذا المبحث نعمل على تشخيص  المتغيرات الرئيسة في الاقتصاد الكلي وكيفية عملهم  وسوف يتم التطرق  الى الكيفية التي بوساطتها تتمكن الدولة من التأثير على هذه المتغيرات لخلق بيئة افضل للأعمال .

اهداف الاقتصاد الكلي

هنالك متغيرات عديدة تبحث عنها الحكومات من اجل السيطرة والرقابة الا انه بالإمكان تصنيفها الى أربعة محاور:

النمو الاقتصادي

تعمل الحكومات جاهدة من اجل تحقيق اعلى نسب فائدة من النمو الاقتصادي وعلى الاجل الطويل، وبعبارة أخرى النمو الذي يمكن استدامته لسنوات طويلة بحيث  لا يعد ظاهرة وقتية ولهذا الهدف تسعى الحكومات الى تحقيق اقتصاد مستقر وتعمل على ان تتجنب الركود الاقتصادي والنمو الاقتصادي السريع والفائض عن الحاجة قصير الأمد والذي لا يمكن استدامته.

البطالة

تهدف الحكومات ضمان انخفاض معدلات البطالة ليس فقط من اجل العاطلين عن العمل وانما بسبب ان البطالة تمثل هدرا للموارد البشرية واستنزافا لموارد الدولة.

التضخم

نعني بالتضخم ارتفاع في الأسعار من خلال الاقتصاد لذلك يتوجب على الحكومات ان تجعل  التضخم منخفضاً ومستقراً . وان احد الأسباب المهمة هو المساعدة في إجراءات صنع القرار. وعلى سبيل المثال سوف تكون الاعمال قادرة على وضع أسعار معينة ونسبة أجور محددة  واتخاذ قرارات خاصة بالاستثمار وبثقة عالية . ففي الوقت الحاضر هناك تضخم تبلغ نسبته بين 2% او 3 $ ولكن ليس بعيدا اذا كانت الأرقام والنسب في الدول الأكثر تقدما اعلى من ذلك بكثير . ففي عام 1991 بلغ معدل التضخم في المملكة المتحدة 11%وفي عام  1975 بلغ المعدل نسبة 24%

ميزان المدفوعات:

تهدف الحكومات الى تقديم بيئة من شأنها ان تزيد من الصادرات بحيث تتجاوز نسبتها نسبة الواردات . كما تحاول ان تجعل الاقتصاد اكثر جديا مع تشجيع الاستثمارات الداخلية . وبعبارة أخرى تعتمد الحكومات على خلق مناخ يجعل عائدات الدولة من العملات الصعبة تعادل الطلب عليها ان لم  تفوقها وبهذا تبحث الدول عادة عن ميزان مدفوعات مفضل.

وبغية بلوغ هذه الأهداف تحاول الحكومات البحث عن عدة " خيارات او متغيرات متوسطة  " ويشمل ذلك سعر الفائدة وعرض الأموال والضرائب والانفاق  الحكومي . وعلى سبيل المثال، يعتمد تحقيق افضل ميزان مدفوعات جزئياً على حقيقة فيما اذا كانت سعر الصرف يسمح لسلع الدولة وخدماتها ان  تحافظ على منافسة سعرية (واسعار تنافسية) (باليورو او بالجنيه إسترليني) وسوف يعمل ذلك على زيادة صادرات  الدولة لذلك تبحث الدولة عن استخدام سعر الصرف لتجعله مفضلا.

التمييز بين النمو الحقيقي والنمو الاحتمالي

يعني النمو الحقيقي نسبة الزيادة السنوية في المخرجات او GDP (اجمالي الإنتاج الداخلي)، وبعبارة أخرى، نسبة النمو في المخرجات الواقعية .

ويعني النمو الاحتمالي (المتوقع) السرعة التي يستطيع فيها الاقتصاد ان يحقق النمو المطلوب.  اي نسبة الزيادة السنوية في قدرة الاقتصاد في الإنتاج ونسبة النمو في المخرجات الاحتمالية وتمثل المخرجات سقفا لمخرجات البلاد .

فاذا زادت نسبة النمو الاحتمالي  على نسبة النمو الحقيقي سوف تكون هناك زيادة في القدرة الإضافية وزيادة في البطالة وسوف تكون هناك هوة متزايدة بين المخرجات الحقيقية المحتملة . ولسد هذه الهوة ينبغي على نسبة النمو الواقعية ان تزيد وبصورة وقتية على نسبة النمو الاحتمالي وعلى المدى البعيد سوف تتجدد نسبة النمو الحقيقي الى نسبة النمو الاحتمالي . هنالك مسألتان   جوهريتان تتعلقان بالنمو الاقتصادي  الاولى مسألة ضمان جعل النمو الحقيقي الذي  يعمل على الحفاظ على المخرجات الحقيقية القريبة من المخرجات الاحتمالية وتكون هذه  المسالة على المدى القصير . اما على المدى البعيد فهي مسألة  تحديد نسبة النمو الاقتصادي الاحتمالي.

النمو الاقتصادي ودورة الاعمال:

وعلى الرغم من ان المخرجات المحتملة تختلف الى حد ما عبر السنين بالاعتماد على نسبة تقدم التكنلوجيا  يعمد مستوى الاستثمار واكتشاف مواد اوليه أخرى الى ان يتصف بثبات اكثر من النمو في المخرجات الحقيقية .

ويميل النمو الحقيقي الى التذبذب . وفي بعض السنوات  نلاحظ نسبة عالية في النمو الاقتصادي في حين انه في سنوات أخرى نجد ان النمو منخفض حتى انه سلبي وفي هذه الحالة تواجه البلاد حالة من الركود، وتعرف هذه الظاهرة بدورة الاعمال (حلقة الاعمال) او الحلقة التجارية او الدورة التجارية .

وهناك أربع مراحل  لهذه الدورة:

1- الارتفاع  في هذه الحالة يبدأ الاقتصاد بالنمو والزيادة.

2- نجد  في هذه المرحلة نمواً اقتصادياً سريعاً وهنا نجد ان الاقتصاد في حالة ازدهار وفي هذه الحالة تصبح  الهوة الموجودة بين المخرجات الحقيقية والمحتملة ضيقة .

3- الانخفاض: في هذه المرحلة  يميل النمو الى الانخفاض او انه حتى  في بعض الأحيان يتوقف .

4- الركود: في هذه المرحلة هنالك نمو قبل اوانه لا يوجد نمو اقتصادي اصلاً وحتى ان نلاحظ  تدهوراً في المخرجات .

فجوات المخرجات

اذا ما تحقق النمو الاقتصادي  ثمة سؤال  يطرح نفسه:  ماهي السرعة التي سوف يتم فيها النمو الاقتصادي وماهي المدة قبل ان تظهر المشكلات الخاصة بالتضخم؟ وما هو مستوى النمو والى أي حد سوف يكون مستديماً على المدى الطويل؟

للإجابة عن هذا السؤال قام المتخصصون في الاقتصاد بتطوير مفهوم "فجوات المخرجات". ويمكن ان نعرف الهوة بانها الفرق بين المخرج الواقعي والحقيقي والمخرج المستديم . فالمخرج المستديم هو مستوى المخرجات المرتبطة بالتضخم المستقر .

قياس النمو:

تتمثل ابسط طريقة لحساب هوة المخرجات في قياس معدل النمو للاقتصاد ثم معرفة الى أي مدى يختلف المخرج الحقيقي عن اتجاه المخرج.  وهنا  نلاحظ ان المستوى المستديم للمخرجات ينمو بثبات . وتعد هذه النقطة من نقاط الضعف الرئيسة لهذه الطريقة . فالتقديم التكنلوجي يأتي على شكل موجات تؤدي الى حدوث  تأثير قوي على الاقتصاد وعلى المخرجات . اما معدلات التجديد فإنها تعتمد على مرونة الاقتصاد والى أي مدى تسمح تلك المرونة  بالتكيف للتكنلوجيات الحديثة  وحجم الاستثمارات التي سوف تحدث .

حسومات الاعمال:

هناك طريقة أخرى لقياس الهوة الموجودة في المخرجات وهي الطلب من الاعمال  والشركات بصورة مباشرة اذ تقوم (CBI) بالطلب من المصنعين ويمكن توجيه السؤال الاتي: هل ان مستوى المخرجات الحالية اقل من القدرة؟ وبدورها توجّه غرف التجارة البريطانية أسئلة مماثلة. ويمكن ان تقدم هذه المسوحات معلومات ومؤشرات حول نسب قدرة الاستعمال. كما تركز بعض المسوحات  على قطاعات خاصة والتي من الممكن ان تشير الى موقف القدرة او كفاءة الاقتصاد ككل . ونجد ان  بعض الشركات تتمتع  بمستوى اعلى من القدرة الاعتيادية (وذلك عن طريق العمل الإضافي) وربما يكون ذلك في قطاع معين في حين نجد في شركات أخرى تتمتع بخصائص قدرة في قطاع اخر .

دورة  (حلقة الاعمال) في المجال التطبيقي

من الناحية العلمية  تكون حلقات الاعمال غير منتظمة بطريقتين:

طول المراحل: تكون بعض مراحل الازدهار قصيرة حيث انها تستغرق عدة اشهر فقط  في حين ان الاخرى  تستغرق وقتا أطول وربما تستغرق فترة قد تصل الى ثلاث سنوات او ربما في بعض الأحيان الى اربع سنوات . وفي هذه الحالة  نلاحظ حالات الركود قصيرة في حين ان الأخرى تكون طويلة .

حجم المراحل

في بعض الأحيان تكون نسبة  النمو الاقتصادي عالية  وربما تبلغ في  المرحلة الثانية  هذه النسبة (5%) سنويا او اكثر من ذلك . وفي مناسبات أخرى تشهد المرحلة الثانية تقدما اكثر. وفي بعض الأحيان يظهر الركود في المرحلة الرابعة  مع وجود انهيار او انخفاض في المخرجات (كما هو الحال في أوائل الثمانينات واوائل التسعينيات) وفي بعض الأحيان او المناسبات نجد ان المرحلة الرابعة تشكل " توقفا " مع بطؤ بسيط في النمو .الا انه على الرغم من عدم انتظام التقلبات يمكن فهم الحلقات  خاصة عندما نخطط النمو على محور عمودي اكثر مما نخطط على مستوى المخرجات.

أسباب التقلبات في النمو الحقيقي

تمثل التغييرات والاختلافات في نمو الطلب الإجمالي الأسباب الرئيسة للتغييرات في نسية النمو الحقيقي على المدى القصير:

الطلب الإجمالي

يمثل ذلك الانفاق او النفقات الاجمالية على السلع والخدمات في الدولة. وتتضمن عادة أربعة عناصر: مصروفات المستهلك (C) ونفقات الاستثمار من قبل الشركات (i)، الانفاق الحكومي (G) وأخيرا النفقات من قبل المقيمين الأجانب في مجال السلع والخدمات (أي مشترياتهم من صادراتها واستثماراتهم في الدولة) (X) . ومن هذه العناصر لابد من طرح النفقات التي ذهبت الى الاستيرادات (M) وطالما ان هذه نفقات قد " تسربت " الى الخارج فانه لم يتم انفاقها على السلع الداخلية وكذلك الخدمات الداخلية لذلك فان:

AD=C+I+G+X-M

الطلب الإجمالي = مصروفات المستهلك + نفقات الاستثمار من قبل الشركات + الانفاق الحكومي + النفقات من قبل المقيمين الأجانب – الاستيرادات

أسباب النمو الاحتمالي

هنالك محددان اثنان للمخرج الاحتمالي:

(e) مبلغ الموارد المتوفرة

(c) انتاجيتها .

زيادات في كمية الموارد

رأس المال: يعتمد مخرج الدولة على اسهم رأس المال (k) وتعمل  الزيادة في رأس المال على زيادة المخرجات فاذا ما تجاهلنا مشكلة المكائن التي تصبح خارج العمل والتي تحتاج الى تبديل فان رأس المال سوف يزداد وذلك عن طريق مبلغ الاستثمار . وتعتمد  زيادة المخرجات على إنتاجية رأس المال .

كما لاحظنا  آنفا تعتمد نسبة النمو على نسبة هامش راس المال / المخرجات (K) وهذا هو مبلغ فائض راس المال (ΔK) مقسم بمبلغ المخرجات السنوية الإضافية التي تنتجها (ΔY) وكلما كانت قيمة (K) منخفضة كلما كانت إنتاجية راس المال اعلى . كما تعتمد نسب نمو المخرجات الاحتمالية على نسبة الدخل القومي الذي تم استثماره (i) مفترضين انه تم استثمار كل المدخرات التي سوف تكون مساوية لنسبة الدخل القومي الذي تم ادخاره (ٍS).

ماهو الشيء الذي يحدد الاستثمار ؟ هناك عوامل عديدة تحدد الاستثمار منها ثقة رجال الاعمال حول مستقبل الطلب على انتاجهم وربحية الاعمال ونظام الضرائب ونسبة النمو في الاقتصاد وسعر الفائدة.

وعلى المدى الطويل اذا كان هناك زيادة في الاستثمار يجب ان تزيد المدخرات  من اجل تمويل الاستثمار . وبعبارة أخرى ينبغي على الناس الإمساك بمبلغ معين من الاستهلاك للسماح بتحويل الموارد الى سلع راس مال إنتاجية مثل المعامل والمكائن .. الخ (يتبع)

 

ترجمة: الدكتور حسيب الياس حديد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم