صحيفة المثقف

في نيسان.. العراقيون لا يكذبون!

قاسم حسين صالحيرى باحثون أن أصل (كذبة نيسان) يعود الى تقليد أوروبي قائم على المزاح بإطلاق الشائعات أو الأكاذيب، لأن فصل الربيع يبدأ في نيسان ومع الربيع يحلو للناس ‏المداعبة والمرح.. فاستلطفوها وصارت عادة المزاح مع ‏الأصدقاء وذوي القربى في ذلك اليوم رائجة في فرنسا ومنها انتشرت إلى البلدان الأوروبية.. وصار الكذب فيها مباحاً في هذا اليوم لدى شعوبها باستثناء الشعبين الاسباني لكونه يوماً مقدساً دينياً، والألماني لأنه يوافق يوم ميلاد الزعيم الألماني (بسمارك). وفي بريطانيا، وشعبها من اشهر شعوب العالم كذباً في اول نيسان، حمل ‏البريد عام (1860) إلى مئات من سكان لندن بطاقات مختومة بأختام مزوّرة تحمل دعوة إلى مشاهدة الحفلة السنوية "لغسل الأسود البيض" في برج لندن، فسارع جمهور غفير ‏من السذج إلى برج لندن لمشاهدة الحفلة المزعومة.

اما الرواية العربية،وفقاً للصديق الدكتور هاني الحديثي، فتعزوها  الى سقوط الأندلس حين فر المسلمون الى أعالي الجبال مختبئين بها من جيوش الإسبان، فتم إيصال كذبة لهم أن السفن المغربية ترسو على شواطئ البحر لنقلهم،وصدّق هؤلاء فنزلوا الى السواحل وهناك كانت الجيوش بانتظارهم لتوقع اكبر مجزرة بالتأريخ بحقهم يوم واحد نيسان..

 في العراق، كنا قد تابعنا كذبة نيسان في عام 2016 فوجدنا أنها كانت تكشف عن حاجات ودوافع سيكولوجية تعبّر عن شخصية الفرد العراقي..بعضها مقالب طريفة لاسيما بين أصدقاء شباب (ينصبون) على احدهم، غالباً ما تكون عاطفية، كأن يقلد أحدهم صوت فتاة تبدي له إعجابها به وولعها فيه.. فيصدّق، ويطلب منها اللقاء، فيأتي الى المكان الذي فيه من حاكوا له المقلب!. وتوزعت أغلب (كذبات نيسان) العراقية حينذاك، بين مقالب تحمل أخباراً مفزعة (شدّ حيلك اخي..ترى الوالد انطاك عمره، أو..اخوك..دعمته سيارة وأخذوه للمستشفى، أو اسرع يمعود..ترى صار حريق بمنطقتكم...)، وأخرى سياسية تحمل أيضاً خبر موت من يكرهون، أو مفارقات لا تحصل مهما يكون!.

في العام (2018) ذكرت (الرشيد نيوز) أن أبرز ما تداوله العراقيون في يوم (1 نيسان): (خبر زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى طهران، عقب تظاهرات شهدتها بغداد ضد زيارة ابن سلمان إلى العاصمة. بينما كتب الأستاذ في علم النفس قاسم حسين صالح، في هذا اليوم أن محطة CNN العالمية نشرت خبراً عاجلاً ينص على إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً للسفارة الأميركية في بغداد برفع الكتل الكونكريتية المحيطة بالمنطقة الخضراء).

 ولم تخل مشاركة العراقيين في (كذبة نيسان) من الطرفات، بينها أن صاحب مكتبة ودار نشر المعقدين فارس الكامل، نشر على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك، رسالة درامية محبوكة عن خبر اعتزاله مهنة النشر وبيع الكتب، ذيّلها باعتذار إلى أصدقائه ممن قرأوا الرسالة لأنها "كذبة نيسان".

  وما لا ينتبه له كثيرون، أن نيسان كذّب على العراقيين كثيراً، بدءاً من عام 2003 (مستثنين ميلاد الرئيس القائد في 28 نيسان)، فحين تم تشكيل مجلس الحكم، ظن العراقيون أن هؤلاء السياسيين سيعملون لخدمة العراق، وانكشفت الكذبة بعد سنة في كتاب بريمر (عام في العراق) بقوله إن الشيعة جاءوا يطالبون بحقوقهم وكذا فعل السنّة والكرد، ولم يطالب أحد بحقوق العراقيين.

ومن كذبات نيسان في نسختها العراقية، أن قادة اغلبية الأحزاب في العراق يصفون احزابهم بأنها سياسية، فيما هي تنظيمات دينية مذهبية واثنية لا تمتلك برامج وطنية بقدر ما تهمها مصالحها لدرجة أن المحاصصة عندنا كسرت الرقم القياسي في عدد الوزارات بين بلدان العالم قياساً بعدد السكان، ليتقاسموا فيما بينهم ثروة البلد عبر حكومات ما شهد العراق في تأريخه أفسد وأفشل منها.

ومن كذبات نيسان العراقية تأكيد النائب علي العلاق في مداخلته بجلسة البرلمان (الاثنين 28 آذار 2016) بأن "السيد العبادي مستعد أن يعلن غداً حكومة تكنوقراط مستقلة، إن وافقت الكتل السياسية"، وعلقنا في حينه بأن تشكيل كابينة جديدة مطعّمة بتكنوقراط..ممكن.. لكن أن يُقال أن المحاصصة انتهت في العراق بأمان..فتلك أقوى كذبات الأول من نيسان!

ومن كذبات نيسان عام(2019) رفع شعار (الأغلبية السياسية للقضاء على المحاصصة والطائفية) فيما اثبتت الأحداث بأنه لا يمكن لزعيم طائفي أن يكون ديمقراطياً، لأنه يؤمن بأن طائفته فوق الجميع وأن مرجعيته لها تعلو على مرجعيته للناس والوطن.

 ومن كذبات نيسان عام (2020) أن السيد نوري المالكي دعى الى تلبية مطالب متظاهري انتفاضة (ثورة) تشرين ،ويعرف ان اهم مطالبهم هو (محاكمة الفاسدين)،ويعرف ويعرفون انه هو الذي تستّر على الفاسدين بتصريحه علنا:(لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها).

 وكانت اشهر كذبة اعلامية عراقية حدثت قبل يوم من واحد نيسان (2020) ان الأمام علي كان قد تنبأ بـ(كورونا) في نهج البلاغة ،مستشهدا بابيات شعرية، فسلقه العراقيون بألسنة غلاظ وكأنهم في نيسان ايضا لا يكذبون!، ولا كأن رجل دين معمم ونائب برلماني لم يكذب حين اعلن في خطبته ( من دخل الأيمان قلبه لن يصاب بكرونا)!..ولا تقولوا (ان هذا معتقد) لأنه كان يعرف ان رجال دين كبار اصيبوا بوكوفيد 19. ولا قول الدكتور حسين الشهرستاني، ان عالما امريكيا اراد ان يصبح مسلما بعد ان قرأ القرآن، ولما سألهم ماذا عندكم بعد..اعطوه نهج البلاغة،فلما فرغ منه قال آسف، سأبقى على المسيحية لأن نهج البلاغة اكثر تاثيرا من القرآن.

  وتبقى أقبح وأوجع هذه الكذبات في نسختها العراقية، يوم هزج العراقيون بساحة الفردوس معتبرين التاسع من نيسان 2003، يوم (التحرير) تبيّن لهم بعدها أنه كان بداية لمرحلة تاريخية من الضحايا والفواجع والتدمير، قابلة للتمديد في مستقبل ليس لهم فيه حق تقرير المصير.!

 

 أ. د. قاسم حسين صالح

1 نيسان 2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم