صحيفة المثقف

الشيوعيون.. 86عاما ولم يستلموا سلطة!(1)

قاسم حسين صالحالهدف الرئيس لكل حزب سياسي هو الوصول الى السلطة.. فلماذا لم يستطع الحزب الشيوعي العراقي الوصول الى السلطة برغم انه رفع من يوم تأسيسه قبل 86 عاما شعار (وطن حر وشعب سعيد)؟!.

بدءا ، انا كنت شيوعيا وسجنت سنتين لأنني رفضت طلب رئيس المجلس العرفي العسكري الأول (شمس الدين عبد الله) سبّ الحزب الشيوعي العراقي، برغم علمي انني لو فعلت لما سجنت اسوة بمئة وأحد عشر من رفاقي سبّوا الحزب قبلي واطلق سراحهم!.

وكانت للحزب فضيلة الوفاء ان ارسل وفدا زارني في شقتي بشارع حيفا بعد(2003)عارضا عليّ العودة الى صفوفه، واعتذرت.. (اننا ادينا دورنا وضحينا من أجل وطن حر وشعب سعيد.. وما بعد بالحيل كوه)، وظلت علاقتي بالحزب علاقة محبة واتواصل معه في اقامة محاضرات وندوات، واحظى بالتكريم من قياداته.

اقول هذا كي لا يؤخذ ما ساقوله على أنني كذا وكذا، لأن لدى كثيرين.. شهية قضم سمعة الآخر.

بدايات التفكير

 كنت في الستينات مسؤول خط الفلاحين في قضاء الشطرة.وكنت اتنقل بين القرى على دراجتي الحمراء (بايسكل) أعقد في فضاءاتها ندوات واجتماعات حزبية. ومن طرائف ما كان يحصل، ان مؤذن القرية صاح (الله اكبر الله أكبر) معلنا آذان المغرب ونحن في اجتماع حزبي، فأستأذن مني الفلاح (عذافه):

-  رفيق .. ممكن أصلّي؟

قلت له: تفضل

وكان بيننا فلاح ملحد بالفطرة اسمه (جبار).. نظر لعذافة وقال:

-  انت ما تكلي شلون شيوعي

التفت نحوي عذافة وقد حمل عباءته ليصلي:

-  وليش الشيوعي لازم ما يصلي؟.. جاوبني ابن شيخ حسين حتى مناه انطي الوجه لهلي.

كنت انا ابن (شيخ حسين)، رجل الدين الذي علمني اصلي واصوم وعمري عشر سنين، لدرجة انني كنت حين أسجد.. أطيل السجود وأبكي.

-  اخذ راحتك رفيق عذافة.. صلّي وراح ننتظرك.

 وتحول موضوع اجتماع الخلية الى الشيوعية والدين، فأوضحت لهم ان الحزب يترك لك الحرية في ان تؤمن او تلحد.. واستشهدت بآية من القرآن (ومن شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر).. وكنت يومها ما زلت أصلّي وأصوم وأحفظ عددا من سور القرآن عن ظهر قلب.

 كنّا جميعا(كوادر الحزب) في الفكر.. سواء، أعني كنّا في عقولنا أشبه بركّاب قطّار.. تتولى القيادة مهمة التفكير عنّا كما يتولى سائق القطار مهمة السياقة.. واذا كان لبعضنا رأي عليه ان (ينفّذ.. ثم يناقش).

 ويومها كنت الوسيط بين الحزب وعزيز السيد جاسم، وكانت تصلني من القيادة رسائل ملفوفة صغيرة مثل (جكارة لف مبرومة تمام) لأوصلها له حيث كان يسكن ناحية النصر(سوق الغازيه) التي تبعد عشرة كيلومتر عن الشطرة.. فهمت بعدها انها كانت بداية خلاف مع الحزب، سنفرد له ولها مقالة خاصة.

 تلك هي كانت بداية لتفكير لاحق.. (ليش الحزب ما استلم سلطة).. وجدت لها اجابتين مختلفتين في سهراتنا بالقلعة الخامسة (*)، واحدة من مكرم الطالباني خلاصتها.. أن استيلاء الحزب على السلطة كان سهلا جدا لكن الوضع العربي لا يسمح، والثانية لمظفر النواب خلاصتها ان الحزب كان يتلقى أوامره من الحزب الشيوعي السوفيي، والثالثة اكتشفتها بعد سنين!.. خلاصتها: ان اميركا والاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا تقاسمت النفوذ في الشرق الأوسط بموجب تفاهمات، بينها ان لا تتولى قوى اليسار الحكم في العراق، وتقدير الحزب الشيوعي ان غالبية العراقيين تخشى أن تعمل القوى العلمانية ضد الدين اذا استلمت السلطة ، وانها ستشوه تقاليد وقيما اخلاقية ومقدسات وطقوسا تؤدي الى حرب أهلية تطيح بسلطة الحزب وتقضي على وجوده، وثالثة تتمثل بمعارضة قادة عسكريين كبار بتغليبهم لقيم عسكرية واعتبار الاستيلاء على السطة خيانة للزعيم عبد الكريم قاسم وغدرا به.

 ولقد اثبتت الأحداث فيما بعد أن القوى اليسارية والأحزاب الشيوعية في العالم العربي، مع أنها الأكثر في التضحيات البشرية، لم يعد لها الرصيد الجماهيري الذي كانت تتمتع به في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لسببين رئيسين،

ألأول، تعرّض أقوى حزبين شيوعيين في العالم العربي، العراقي و السوداني، الى كارثتين تم فيهما تصفية قياداته وكواداره الفاعلة، نجم عنهما انكسار نفسي خفت فيه أمل جماهير واسعة كانت ترى في هذه الأحزاب.. المنقذ والمخّلص.

والثاني، انقسام القوى اليسارية والتقدمية على نفسها ، وتحكّم (تضخّم الأنا) في قيادات فصائلها الذي حال دون توحّدها، افضى الى اضعاف نفوذها ومحدودية التأييد لها في الانتخابات العامة، لسبب سيكولوجي يعتمل في ذات الناخب العربي ، هو ان القوى التي لا تستطيع ان تصل الى صيغة توافقية فيما بينها لا يمكن لها ان تبني وتقود دولة.

*

 (*) كنا في غرفة (اصلها مخزن ملابس) تضم كلاّ من مكرم الطالباني، والمقدم عبد النبي قائد قوات المظليين، ومدير الخطوط الجوية العراقية، وصباح خيري شقيق زكي خيري، وأنا.. الذي كنت أصغرهم ومسؤولهم امام ادارة سجن بغداد المركزي.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم