صحيفة المثقف

أغنية بنت الجيران..

مثنى كاظم صادق سُكَّر محلي محطوط على كريمة

ربما يتساءل كثيرون حول اشتهار أغنية بنت الجيران عالمياً، التي غناها المطربين المبدعين عمر كمال و حسن شاكوش، ومن كلمات مصطفى حدوته، ويُطرح هذا التساؤل حول محاور عدة: هل هو اللحن أو الكلمات أو كلاهما؟ ولاسيما أنها تصدرت المركز الأول في الأعلى استماعاً على موقع ساوند كلاود . كانت الأغاني التي تحدثنا عن بنات الجيران ولما تزل تنتشر شعبياً ونستذكر هنا مثلاً أغنية عراقية أخذت مداها الواسع، تتحدث عن بنت الجيران أيضاً هي أغنية (ليش ليش ليش ياجارة مترديلي الزيارة) التي غناها المطرب صباح مع المطربة مي أكرم عام 1980م . تشكل بنت الجيران ثيمة اجتماعية كبرى للأهل، ولعل هذه الثيمة تتمركز بكونها قد تكون الحب الأول لشباب المحلة أو الحب الأخوي، هذان النوعان من الحب يتداخلان مع العائلة نتيجة التمازج بين العائلة وبنات الجيران عن طريق التداخلات البيتية، بما تشكله من تزاور ومشاركات بالأفراح والأتراح إذ تنتج الألفة الحقيقية، بنت الجيران ترتبط أيضاً مع الطفولة، ولاسيما في المناطق الشعبية حيث التشارك معاً باللعب، والهوايات وكذلك في الذهاب إلى المدرسة، فهي تكبر معنا، فتكون ونكون شهوداً على مراحلنا العمرية والدراسية والمهنية والعاطفية.. بنت الجيران إذن آيقونة لها وقعها الخاص في الحياة.. حياة الشاب الذي يستاء لحزنها ويفرح لفرحها، فكثيراً ما يقف معها ومع أهلها ضد طوارق الحدثان، وتتجلى شهامته ونخوته بالذود عنها، وعن أهلها الذي لا يفصلهم عنه سوى الحائط أو مجموعة قليلة من البيوت، وقد أولى الشعر العربي اهتماماً خاصاً بابنة الجيران بعدها منقبة من مناقب شبابه، وحبه الأول الأصيل، الحب بمعناه حب الحبيب لحبيبته أو الحب الأخوي، إذ يكون تكرار اسمها في العائلة، وطلتها من البيت أو صعودها على السطح أو مشيتها في المحلة باعثاً لتوهج الروح وخفقان القلب، وقد قال الشاعر (بجيرانها تغلو الديارُ وترخصُ) فكيف إذا ضم الجيران الحبيبة أو الأخت؟ معظم قصص الحب مع ابنة الجيران لا تكلل بالزواج ؛ لأسباب اجتماعية أو اقتصادية ربما، وبعضها يتوج بالزواج، وقد أحب الشاعر إبراهيم ناجي جارته، فكتب رائعته (الأطلال) التي غنتها أم كلثوم، يستذكر فيها هذا الحب الجميل لجارته الذي ذهب أدراج الرياح بزواجها من سواه (يا حبيبي كلُ شيءٍ بقضاء.. ما بأيدينا خُلقنا تُعساء / ربما تَجمعُنا أقدارُنا ذاتَ يوم بعد ما عزَ اللقاء (ويرسم الشاعر الشعبي المصري شريف أحمد السيد المصري صورة جارته (حبه الأول) بشكل جميل جداً حين يقول (أنا كنت بكبر وهيَ لسه زغيرة / وارسم حكاية من الخيال / يمكن في يوم أوصلها / لكن خلاص / كبرت خلاص / عِرفتْ وقالت اسمها / حلتْ ضفاير شعرها / سابت البيت القديم / عدت السور والسنين / كل الأماني اتغيرتْ / زي العروسة اتكسَّرتْ / راحت يا قلبي واختفت / أجمل براءة عرفتها) أغنية بنت الجيران شكلت في كلماتها مهيمنات أسلوبية وصفية منشطرة إلى الأنا والآخر ضمن عملية تقابلية متوازية بين غزله بابنة الجيران التي يصفها ب (سُكَّر محلي محطوط على كريمة) واعتداده بنفسه (وتجيني تلاقيني لسه بخيري أيوه انا غيري مفيش) من خلال مخاطبتها بضمير الحاضر؛ لأنها حاضرة في الروح والقلب ثم يشرك طرفاً ثالثاً بمقطع واحد فقط بعده شاهداً على هذا الحب (شوفت القمر سهرني لياليا) ثم يتعانق ضمير المتكلم مع ضمير المخاطب بالجمل الشعرية المتماسكة (وهموت عليكي ربي العالم بيا / سيبكي شبكك مفتوح ليه تقفليه) للوصول إلى التماسك النصي في الضمائر والتلاحم بين الإثنين (خليكي لو هتمشي أناديكي إنتي ليه وانا ليكي إحنه الاتنين قاطعين) ثم تتجه الأغنية إلى حالة الفقد الاجتماعي وتهديد ابنة الجيران .. إنه تهديد المحب خوفاً من خسارته لحبيبته (تسيبيني اكره حياتي وسنيني أتوه ومش هلاقيني واشرب خمور وحشيش) إذ إنها سبب توازنه النفسي والاجتماعي وبدونها ربما سيخرج عن سكة الوجود وسيشعر بالضياع وسيغرق في التيه الروحي والعقلي ويتعلل بالخمور والحشيش وهو تهديد محبب جميل ربما لن يحققه لكن من أجل ثبات حبها له، والتمسك به وتعبير عن مدى حبه لها، يتصاعد بعده الاعتداد بالنفس وإنه باقٍ على عهده بالتمسك ولا يوجد أحد سواه يحبها (وتجيني تلاقيني لسه بخيري أيوه انا غيري مفيش) وأنها هي الداء لو تركته وهي الدوء لو رجعت إليه.. تحية ألف تحية لابنة الجيران الفتاة والأغنية.  

 

د. مثنى كاظم صادق

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم