صحيفة المثقف

رسالة مفتوحة

سمية العبيديالى أُستاذتي المحترمة والى من يهمه الأمر

السلام عليكم أما بعد

اشتميني إذن إن شئتِ لأني ما أبقيت خطوي فوق خطوك ولأني فارقت ظلك، وسعيت وحدي الى درب آخر اختطه قلمي وارتضته نفسي وجانبت شيئاً ما ... ما علمتني إياه في مقتبل حياتي وزمن دراستي . حتى ظن بعض الآخرين إني لا أُحسن القول وإن أُذنيَّ لا تتحسان انكسارات الوزن - وقد يكونون على جانب من الحق - في حين فرح كثيرون غيرهم بما تلقى من نتاجي وأُعجب . غير إني أعرف قدراتي، وفي ذات الوقت أعرف ما يضيق منه نَفسي حتى أجدني أسعى عامدة الى التخلص من بعض الالتزامات العروضية الجانبية فأخرج عنها كما فعلت في مجزوء بحر الكامل "1" فأذلت الصدر والعجز لا في التصريع فحسب بل في كامل القصيدة ولم أرتض التراجع عمّا فعلت مفندة أن ليس العروض قرآناً كريماً لذا يجوز فيه ما لا يجوز في القران الكريم أي يجوز لي تغيير طفيف وبذا أكون قد خرجت عن عمود الشعر أليس كذلك ؟! .. وها أنا أقول : ثم ماذا .. لا بأس في ذلك، وأعتقد إن الخليل بن أحمد الفراهيدي لن يحقد علي ّ ولن يوقفني أمام الله ليقتص مني يوم الدينونة .

أُستاذتي لقد حاصرني وغيري عرابو الشعر في تغيير بسيط على تفعيلة ما .... مما يجوزه آخرون غيرهم، وحسبوها هنة كبيرة . كما إنهم رفضوا الشعر الحديث الذي تعرفين والذي يقوم بناؤه على التفعيلة لا على البحر وحاربوه طويلاً وأخيراً رضخوا للتغيير الذي اقتضاه الزمن وكان أحدهم يشبه شعر التفعيلة ساخراً بإعلان في التلفاز غير إن العرب استساغوه ونفثوا ما بين جوانحهم من مشاعر وآلام وانفعالات على طريقة (شروالك يا أبو زيد ما ينظف الا بتايد) "2" ورأينا الأجيال تعجب به وتتمسك فتعبر عن أفراحها وأحزانها وما يلوب في ضمائرها بالشعر الحر أو شعر التفعيلة . وبعد عقد ونيف ارتضوا نوعاً آخر وهو ما يسمى قصيدة النثر والتي أعجب بها كثير من الشعراء وعلّقوا عليها أوزارهم وحمّلوها مالا تطيق من الغموض والغرابة والتكثيف وبذا قسموا القراء والمتلقين على قسمين ... النخبة : وهم من يفهمون قصيدة النثر ... والجهلة : وهم من لا يفهمونها وأنا منهم . وعسى أن يشرح أحدكم لي هذا

التفاحة آمنة في الصحن

وأنا أنظر منذ سنين

الى باطن كفي

والتفاحة

أعرف إني سأثير السخط عليً من بعض أساتذتنا الأفاضل بمقالتي هذه غير إن قناعتي راسخة . ولا أدري فيمن يتلقى بعض قصائد النثر الملغّزة حيث أظنه سيشغل في أحد أمرين أما حلّ طلاسمها أو التمتع بها هذا إن تمكن أحد من التمتع بكلام لا يفهمه . ولكننا نعود مستأنسين لقصة ملابس الإمبراطور . .

وحتى بلغت الستين من عمري ابتلعت الطعم وبعدها عدت أغص وأزور به لذا تناسيت البحور والتفعيلات قديمها وحديثها وكتبت أول ما كتبت - مسرورة برفيف جناحيَّ الحريريين الناميين - غب َّ المطر

همي وهمك مختصمان

علام أرقص

في ساحة الطيش وحدي

لملمت وجهي عنك

وأودعت التجاعيد في مصارف النسيان

امتطت جبهتي بسمة كاذبةْ ...... الخ

ثم كتبت ناعور ومنها

سر فالخريف ونى

ضاع منك في إضمامة القربِ

سر أنت ناعور ٌ

لا تنفع ضلوعه الا جذوة الحطبِ

باق ٍ كمثل مساند العنبِ

هجرته أمواه الربيع ... الخ

وكتبت .. كتبت قصيدة نثر من نوع جديد لا تتعكز بالغموض بل كتبت كلاما يفهمه غالباً عامة الناس قصيدة نثر ملقحة بما هضمت عبر سني الدراسة والكتابة والنظم من أوزان تملأ جمجمتي وتغرق رأسي ( حتى حسبتني باطية تطفح شعراً ) "3" غير إنها لم تعد تنتظم في بحر ولا يحيطها محيط . أنغام عشوائية يحسها المتلقي متغلغلة في وجدانه ولا تنتمي لأيّما بحر من بحور الخليل المعروفة أسميتها " تناغميات " تمييزاً لها عن قصيدة النثر أولاً كما إن في ذلك حلّ لإشكالية تسمية قصيدة النثر التي لمّا تزل موضع نزاع .

كتبت

ريثما يقتلع الشوك

ريثما يقتلع الشوك

كبارا ننتظر الموت

صغارا ننتظر الفوت

حيث لا وردة في ربيع العرب

والشوك كثير

الشوك كثير

***

نحتلب الشوك كما البقرات

ولدينا نيل، بردى، فرات

لكن القلب العربي الأخضر مات

والشوك كثير

الشوك كثير

***

فالسوح اللاتي ذُبح الخير بها

من الف قمر بدر، ألف مها

تدفق من أطفالها بحر دماء

والشوك كثير

الشوك كثير

***

وأصابع أُمتنا منفرجات

لو ضمت يصل الظامي فرات

أو يقتات أُوار قلوب الجوع فتات

والشوك كثير

الشوك كثير

وكتبت سلالم المقبرة وترتيلة الى بغداد والحين و الصمت والأصدقاء والإنفلات من شرانق الجسد واغسل عدوك وكم من فتى وعشرات التناغميات تلقاها قرائي الأعزاء بفهم وفرح . عسى أن أكون وفقت بتوضيحي لما أقصده بالتناغمية ومن الله التوفيق .

 

سمية العبيدي - بغداد

................................

"1" انظر مقالي حلم يونغي / جريدة المشرق 27 /2/2014

"2" إعلان تلفازي كان أُستاذنا يردده ساخراً من الشعر الحر .

"3" عنوان إحدى تناغمياتي .

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم