صحيفة المثقف

هل بنى أبو جعفر بغداد

كلما ذكرت بغداد في أي كتاب او مرجع تاريخي يقال ان من بنى مدينة بغداد هو الحاكم العباسي الثاني عبد الله ابن محمد ابن علي ابن عبدالله ابن عباس وابتدء ببنائها عام 762 وانتهى من البناء عام 764 ميلادية واتخذها عاصمة للدولة العباسية لحين سقوطها على يد المغول . لقد تكررت هذه القصة في جميع المراجع التي نقرأها حتى أصبحت حقيقة ثابته لا تقبل الجدال حتى أصبحت بغداد تسمى مدينة المنصور . والسؤال هنا ماذا يقول التاريخ في ذلك ؟

للإجابة علي هذا السؤال نرجع الى سنة 750 ميلادي عندما تم القضاء على الحكم الاموي في دمشق على يد احفاد عبد الله ابن عباس ابن عم رسول الله وتولى الحكم " أبو العباس السفاح " الذي اتخذ من الكوفة عاصمة له باعتبارها مركز انصار ال البيت في مقابل دمشق عاصمة الامويين ولكن ميل اهل الكوفة الى الفرع العلوي من ال البيت دعا ال العباس الى الانتقال الى الانبار الأقرب الى مدينة الحميمة في الأردن التي نشأوا فيها وانطلقوا منها في ثورتهم . بعد وفاة أبو العباس السفاح وتولي أبو جعغر الحكم . وبعد ثورة الراونديين وثورة ذو النفس الزكية قرر البحث عن مكان يكون بعيدا عن الشام وذو موقع حصين من الكوفة . بناء على نصيحة من القساوسة النسطوريين تم اختيار موقع العاصمة الجديدة في منطقة " بغداد " .

تؤكد سجلات التاريخ ان الاسم القديم لبغداد اسمٌ آراميٌّ ظهرَ في الآثارِ المسماريّةِ، والبابليّةِ بصيغةِ كتابتِه الأصليّة (بغددو، وبكددو، وبكدود) وقد ذكرت هذه المنطقة باسم " بجدادا " في لوح يرجع تاريخه يعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد . وفي لوح اخر يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد ورد اسم "بجدادو ". ورد في وثيقة تاريخية يرقى عهدها إلى سنة 728 قبل الميلاد إبان حكم الملك الآشوري تجلات فلا سر الثالث (745 ـ 727 ق. م) اسم "بغدادو" . وفي لغة أهل بابل الاسم مكون من قسمين اوله يعني البستان أو الجنينة، أما جزء اسمها الثاني داد فيعني الحبيب، حيث يصبح معنى بغداد هو جنينة الحبيب وصديقه وبستان. وهذه السجلات تنفي ما حاول البعض الصاقه باسم بغداد من ان اصله فارسي ومعناه "عطية الله" ، لكن الأستاذ الدكتور عبد الرزاق الحسني يؤكد أن اللفظة ليست فارسية بل هي آرامية تفيد معنى باب الإله أو باب الضان أو دار الغزل، فهي بل دودو أو بكدادا أو بيث كدادا . كما أُطلِق على بغدادَ قديماً عدّة أسماء أخرى منها "الروحاءُ " بسببِ انفتاحِ مجرى نهرِ دجلةَ المارّ في المدينةِ، وارتياحِ مجراه فيها؛ نتيجة لانبساطِ أرضِها. كما سميت كذلك باسم "الزوراءُ " بسبب ازورارِ (الميل، والانحراف) أبوابِها الخارجيّةِ عن الداخليّة .

اما الاكتشافات الاثارية فقد أظهرت ان موقع "بغداد " كان جزء من ممالك تاريخية مازالت اثارها موجوده في بغداد اشهرها "مملكة اشنونا " وعاصمتها مدينة "اشنونا" في المنطقة المحصورة بين نهر ديالى ونهر دجلة . تأسست هذه المملكة في مدينة أشنونا (تل أسمر حالياً) في موقع يتوسط ممالك أكد وعيلام وآشور، وتأثرت بالثقافات السومرية والاكدية والآشورية والعيلامية، وكانت هذه المنطقة من أغنى الأقاليم التابعة لبلاد أكد، ثم تبعت سلالة أور الثالثة، ثم انفصلت عنها في فترة حكم آخر ملوكها (ابي سين) في حدود 2028ق.م، واتخذت أشنونا بعد أن استقلت عن أور تقويماً خاصاً بها، وأصبح الإله (تشباك) كبير آلهة أشنونا، وتلقب ملوك أشنونا بلقب (عبد تشباك) بدلاً من (عبد ملك أور)، وحلت اللغة الأكدية محل اللغة السومرية في الكتابات الرسمية، كل هذا كان دليلاً عن الانفصال التام عن أور، والاستقلال بمملكة أشنونا، وأخذوا يتوسعون في رقعة حكمهم، ويعد (بلالاما) من أشهر ملوك أشنونا، حلت بعده فترة مظلمة في أشنونا إذ تبعت لنفوذ ايسن، ثم وقعت تحت سلطة كيش، إلى أن تمكن الملك (ابق ادد) من الاستقلال بمملكة أشنونا في حدود (1850ق.م)، وخلفه ابنه (نرام سين) الذي مد نفوذه إلى الفرات الأوسط غرباً، وإلى مدينة آشور وسهل أربيل شمالاً، ولقب نفسه (ملك آشور)، ويرجح أن يكون (نرام سين) ملك أشنونا هو نفسه (نرام سين) الذي ذكر في إثباتات الملوك الآشوريين، وكان (ضلي سين) آخر ملوك أشنونا حيث سقطت هذه السلالة على يد حمورابي في عام 1761ق.م.

ومن اهم المواقع التي بناها الاشنونيين موقع "شادوبوم" التي تعرف اليوم باسم "تل حرمل " وهي جزء من المنطقة المعروفة اليوم باسم "بغداد الجديدة" حيث كانت هذه المدينة محاطة بسور منيع، وفي الوسط معبد كبير تحفّ به بيوت السكن وبعض المباني التي كانت مراكز دراسية علمية مهمة . ومعنى اسمها القديم "شادوبوم" هو ديوان الحساب أو بيت المال والذي يشير إلى أهمية هذا الموقع كمركز إداري ومالي في مملكة إشنونة.

وأقدم استيطان سكني للمدينة كان في عهد الإمبراطورية الأكدية وعهد سلالة أور الثالثة الحاكمة (3250-2115 ق. م)، ولقد عظم شأن مدينة شادوبوم في منتصف العصر البابلي القديم قبل حوالي 3800 عام. ولقد عثر على مجموعة من المباني المشيدة باللبن والطين ومن بينها ستة معابد فيها معبد كبير بني على طراز المعابد البابلية الجنوبية، وكان على جانبي المعبد وعلى جانبي المدخل إلى الحجرة الواقعة في الوسط تمثالين لأسدين مصنوعة من الفخار.

كانت هذه المدينة عبارة عن معهد علمي كبير عثر فيه على أكثر من ثلاثة آلاف رقيم طيني مكتوب بالمسمارية، وآثار كثيرة أخرى، احتوت تلك الرقم على قوائم بأسماء المدن والجبال والأشجار والحيوانات، ومعاجم باللغة السومرية والاكدية، واهمها قاطبة كانت الرقيم التي احتوت على المسائل الرياضية والجبرية والهندسية، وفيها الرقيم المعروف الذي احتوى على النظرية الهندسية التي عرفت فيما بعد بـ «نظرية فيثاغورس»، وأخرى بنظرية «اقليدس» في حل المسائل الهندسية بالطرق الجبرية، وهي جميعاً اقدم من فيثاغورس واقليدس بألف عام على الأقل .كما عثر في هذا الموقع على رقيم الطين الرياضية التي احتوت على المتواليات العددية بارقام كبيرة جداً. وعثر كذلك في هذه المدينة على رقيم احتوى على قوانين مهمة جداً عرفت بـ «قوانين مملكة اشنونا»، التي سبقت قوانين حمورابي بنحو قرن ونصف قرن من السنين.

لقد أكتشف موقع هذه المستوطنة التاريخية عالم الآثار العراقي طه باقر في الفترة من عام 1945 حتى عام 1963، حيث اكتشف فيه نحو 2000 رقم طيني، وفي عامي 1997 و 1998 عمل في تل حرمل فريق أثري من جامعة بغداد والمعهد الأثري الألماني بقيادة پيتر ميگلوس وليث حسين.

وعثر في الموقع على نسخة من قانون مملكة اشنونا الذي يعود إلى أوائل العصر البابلي القديم في حدود عام 1900 - 1850 قبل الميلاد.

قانون اشنونا أو قانون بلالاما نحو عام 1930 قبل الميلاد و هذا القانون اقدم من قانون حمورابي بحوالي نصف قرن من الزمن ، و بلالاما هو ملك لمملكة إشنونا ، وعثر على قانون إشنونا في لوحين من الطين في حفريات آثار تل حرمل من قبل عالم الآثار طه باقر.ولم يكتشف علماء الآثار سوى إحدى وستين مادة فقط من مواد هذا القانون.ولم يكتشف علماء الآثار سوى إحدى وستين مادة فقط من مواد هذا القانون، ويظهر من دراسة هذه المواد أن مشرعها كان قد أهتم ببعض المسائل الاجتماعية ومن ذلك وضع حد أدنى لأجور العمال وتسعير بعض السلع وتقسيم المجتمع إلى طبقات فقد وردت في هذه القوانين أول إشارة إلى تقسيم المجتمع العراقي القديم إلى طبقات ثلاث: الأحرار والمسكينوم والعبيد. بالقرب من "شادوبوم " ، تم اكتشاف مدينة "بنايا" في المنطقة المعروفة حاليا باسم "تل محمد " وهي أيضا جزء من منطقة "بغداد الجديده" . ظلت دولة أشنونا قائمة إلى أن ضمّها حمورابي إلى دولته الكبرى عام 1761 ق.م.

وهناك موقع تاريخي اخر على موقع مايسمى حاليا "قناة الجيش " يسمى "تل الضباعي " ويشتمل الموقع على مجمعات سكنية متعددة تعود إلى عهد الإمبراطورية الأكدية وجد في أحدها معابد ومباني عثر فيها على مجموعة من الرقم الطينية كتب عليها مسائل رياضية ترجع تأريخها إلى عهد أحد ملوك مملكة إشنونة الذي كان معاصرا للملك البابلي حمورابي قبل حوالي 17 قرنا . كذلك تم اكتشاف مدينه أخرى تسمى " توتوب " المعروفه اليوم باسم "تل خفاجي" شرق بغداد الحالية وتحتوي على "المعبد البيضوي" .

وبعد وفاة الاسكندر المقدوني في بابل بعد عودته من الهند أستقل سلوقس نيكاتور بالجزء الشرقي من إمبراطورية الاسكندر بعد ان شب الخلاف بين قادته الثلاثة، وقد امتدت الدولة السلوقية من الشام وشملت العراق وإيران وأرمينيا وآسيا الصغرى حتى الهند، وقد استمرت مدينة بابل بمكانتها الكبيرة كعاصمة للدولة الناشئة لبضع سنوات، ثم ارتأى سلوقس نيكاتور أن يبني له عاصمة جديدة تكون رمزا لإمبراطوريته، فاختار المكان الذي يتوسط مملكته قرب ميناء قديم عرفه اليونانيون هو ميناء أوبـيـس على نهر دجلة (جنوب مدينة بغداد قرب مدينة المحمودية اليوم) فأسس مدينة سلوقيا التي أطلق عليها هذا الاسم نسبة للامبراطور سلوقس. وبعد انتقاله الى مدينة انطاكيا بقيت "سلوقيا " (في الموقع القريب من بغداد الحالية) عاصمة شتوية للمملكة.

بعد قيام الفريثيون باسقاط الدولة السلوقية عام (139 ق.م) بنى الملك الفريثي مـثريدات الـثّاني عاصمة جـديـدة هي طـيـسفون، وفي عام 224 م، أصبحت طيسفون عاصمة الـّدولة الـسّاسانية الشتوية. وظّلت كذلك حتّى الفتح الإسلامي بعد معركة القادسية عـام 636 م. الّذي أسقط آخر ملوكهـم يزدجرد الـثّـالـث. قام العرب ببناء مدينة المدائن على انقاض طيسفون وتعرف الان باسم "سلمان باك " . عـثـر المنقبون على آثار سلوقيا في عـشرينيات الـقـرن الـعـشـريـن خـلال بـحثهم عن مدينة أوبيس . وقـد بدأت التّنقيبات الأمريكية الّتي أشرف عليها وترمان من جامعة ميشغان الذي استمر بالعمل من عام 1927حتى عام 1932. ثمّ نقّب فـي سلوقـيا "هـوبكنس عام 1936- 1937. ثم قامت جامعة تورينو الإيطالية بتنقيبات في الموقع من 1964 إلى 1968، ومن 1985 إلى 1989. وتم العثور على اهم أجزاء مدينة سلوقيا في المنطقة التي تعرف اليوم بـ (تلّ عمر) والذي يقع في المنطقة المعروفة اليوم باسم " عرب جبور " .

مع دخول المسيحية الى العراق قام العراقيون ببناء الأديرة في كل الأنحاء ومنها التي بنيت في منطقة بغداد ، دير (أشموني) قرب بغداد ودير (الزّندورد) الواقع في منطقة المربعة في الرصافة في شرق بغداد ودير (دُرتا) غربي بغداد ودير (سابور) غربي دجلة، ودير (سمالو) ودير (الثعالب) قرب بغداد عند منطقة الحارثية في الكرخ، ودير (مديان) على نهر كرخايا (الخير اليوم) في كرخ بغداد، وكذلك (دير مار جرجيس) قرب بغداد،  ودير (كليليشوع) المجاور لمقبرة الشيخ الصوفي معروف الكرخي في الكرخ و(دير سمالا) الواقعة في منطقة الشماسية (الأعظمية اليوم) ودير (باشهرا ) بين بغداد وسامراء(معناها بيت أو مدينة القمر)، ودير(السهٌوسي)،  ودير (مارفثيون) و(دير سرجيس) قرب سامراء،ودير (العاقول) بين المدائن والنعمانية . ولكن اشهر تلك الاديرة كان دير براثا في بغداد، على جانب الكرخ في منطقة الشالجية ضمن المحلة رقم 403 ضمن التصنيف الجديد لأمانة بغداد حاليا، على مقربة من العطيفية وعلى مسافة جنوبية ليست بعيدة عن مدينة الكاظمية.وتؤكد العديد من المصادر أن (براثَا قرية قديمة كانت في موضعها الحالي قبل إنشاء مدينة بغداد، واسم بَرَاثَا من اللغة الآرامية (برثيا) ومعناه: الخارج، ولهذا الموضع شهرة قبل الإسلام واشتهر في العهد العباسي أيضاً لوقوع الجامع فيه، وأن القرية أندمجت في بغداد، وأن الجامع هدم في عهد المقتدر العباسي (295- 320) تعصباً ثم أعيد بناؤه في زمن الخليفة الراضي سنة 329، وأقيمت فيه الخطبة الى ما بعد سنة 450، ثم قطعت منه وخرب. والظاهر أنه بقيت بقاياه ألى أواخر القرن السابع الهجري وجاوزته) ويقول ياقوت الحموي المتوفي سنة 629عن بَرَاثَا ما يأتي: محلة في طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محول. وكان لها جامع مفرد تصلي فيه الشيعة وقد خرب عن اخره، وكذلك المحلة لم يبق لها أثر. فأما الجامع فأدركت أنا بقايا من حيطانه) ،الاسم الأول (براثا) كما تؤكد المصادر التاريخية هو في الأصل اسم باني الدير في المكان نفسه ومعنى براثا بالسريانية (ابن العجائب) وفي اللغة العربية تعني (الأرض الرخوة الحمراء)،

قام العديد من المؤرخين العرب بذكر مدينة بغداد في صدر الإسلام فقد ذكرالبلاذري  بغداد قائلا: "وكانت بغداد قديمة فمصرها أمير المؤمنين"، أي أنها كانت موقعا صغيرا فجعلها مدينة. كما أن أحمد اليعقوبي قال فيها: " ولم تكن بغداد مدينة في الأيام المتقدمة، أعني أيام الاكاسرة والأعاجم، وإنما كانت قرية من قرى طسوج بادويا" وهذا يعني أن تلك القرية كانت تسمى بغداد قبل أن يحتل الفرس العراق. وقد تحدث الهمداني عنها قائلا" وكانت بغداد قديمة، فمصرها أبو جعفر المنصور. وكانت بغداد سوقا يقصدها تجار الصين بتجارتهم فيربحوا الربح الواسع.". كما أن الطبري يذكر هجوم "خالد بن الوليد" على بغداد" أغار على سوق بـغداد… وانه وجه المثنى فأغـار على سوق فيها جمع لقضاعة وبكر."

كما أن ابن رسته يذكر بغداد قائلا: " بغداد أسم موضع كانت في تلك البقعة.. في الدهر القديم، وهي أرض بابل .." .والخطيب البغدادي يروي لنا عن طريق الشيخ أبي بكر الذي قال" والمحفوظ أن هذا الاسم ـ بغداد كما يعرف به الموضع قديما". من المؤرخين الأجانب ذكرها "جاك ريسلر" بقوله " وكانت بغداد مدينة قديمة بابلية على الشاطئ الغربي من نهر دجلة" في حين يقول أوليري: "ان بغداد مدينة عريقة في القدم ، كانت تعرف زمن البابليين ببغداد".

وتقول دائرة المعارف الإسلامية إن كُتَّاب العرب أجمعوا على أن المنصور لم يُشيِّد بغداد في إقليم خالي من السكان، وذكروا بياناً كاملاً بأسماء محلات في الجاهلية أخذت تندمج تدريجياً في العاصمة العباسية فيما بعد، وكانت بغداد أهم هذه الأماكن، وهي قرية نصرانية من أعمال بادوريا (بادوريا كلمة سريانية بيث ديار أو دارا معناها مكان السكن أو الصراع) وهي كورة على الضفة اليسرى لدجلة تشمل الكرخ والأراضي جنوب نهر السراة وهو فرع من قناة نهر عيسى الذي يفصل بادوريا غن قطربل، ويجب أن نبحث عن معظم المحلات القديمة مثل براثا وحي الحربية الذي يضم قريتي الخطابية والشرفانية التي كان جُلَّ سكانها من النصارى الآراميين في الجانب الغربي للمدينة أي الكرخ التي تعني في الآرامية المدينة، ولا شك أن معظم أديرة النصارى التي ازدهرت في بغداد إبان العهد الساساني .وفضلاً عما ذكرنا من المناطق المسيحية كان هناك مناطق وقرى أخرى مثل قرية درتا: دورتا ومعناها الدائرة أو الحافة وتقع مما يلي قطربل ويقول عبد الحق إن كان فيها دير للنصارى (دير درتا) (مراصد الاطلاع ، سونايا: معناها الممقوت أو المشوَّه، يقع في أطرافها الدير العتيق (مار فثيون)، براثا: المسكونة، البرية، أو البعيدة، بنورا–بناورا: بيت النار، قطيعة النصارى التي كان فيها كنيسة مار توما السريانية الأرثوذكسية ودير الأخوات العذراى وكنيسة للسريان النساطرة حيث كان الجاثليق يوحنا بن عيسى من هذه المنطقة وأخوه خذاهي الأعرج كاهن كنيسة السريان النساطرة، قطفتا: القطافة، وتعني كثرة البساتين، مجاورة لمقبرة دير كليليشوع، وكذلك كان هناك في بغداد القديمة قرى ومناطق مسيحية مثل الوردانية والعتيقة وورثالا وغيرها.

عندما أراد أبو جعفر بناء عاصمة ملكة كما يذكر الخطيب البغدادي في كتابه “تاريخ بغداد” بأنه تم استخدام حوالي 162 ألف حجر أساس في بناء الثلث الأول من الحائط، واستخدام 150 ألف أخرى لبناء الثلث الثاني، بينما استُخدِم 140 ألف حجر لبناء ما تبقى من الحائط، وقد تم ربطها ببعضها بواسطة حزم من القصب؛ أمّا الحائط الخارجي فقد كان ارتفاعه حوالي 25م، وبنيت عليه أسوار بمنصات، وبُني خندق عميق حوله. بلغ قطر مركز المدينة حوالي 2000م، وقد تم تخصيصه لقصور أبناء الخليفة، ولسكن الموظفين في البلاط والخدم، والمطابخ الخاصة بالخليفة، وكانت هناك أماكن مخصصة للحرس والخيالة، وتم بناء الجامع الكبير، وقصر البوابة الذهبية الخاص بالخليلة، إضافة إلى المكاتب والمؤسسات الحكومية . ولم يطلق أبو جعفر على مدينته اسم " بغداد " او الزوراء بل اطلق عليها اسم "دار السلام " وهي كانت عبارة عن حصن كبير يضم قصور الحاكم وعائلته وتفاصيل الدولة من قواد ووزراء وكان قصره قد بني على اثار مقبرة العصر الفرثي.

حاليا لايوجد في بغداد أي اثر يعود الى أبو جعفر حتى مدينته المدورة اختفت تحت مياه دجلة . اذا لماذا ظهرت هذه الخرافة التي تؤكد على ان أبو جعفر هو الذي بنى بغداد ؟ ولماذا تم ابراز دور أبو جعفر بهذه الطريقة ؟ والجواب بسيط جدا " السياسة " فقد حاول " القومجية " الذين تحكموا بمصير العراق حوالي مائة عام قد عمدوا الى طمس المعالم الاثارية للعراق وإبراز أي قصة تشير الى دور عربي حتى ولو على حساب الحقيقة والأمانة العملية والتاريخية .

 

زهير جمعة المالكي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم