صحيفة المثقف

حول تصاعد الدعوات لضم العراق إلى منظمة التجارة العالمية (2)

حسين سرمك حسنمنظمة سرّية غير ديمقراطية تسحق حقوق الإنسان والبيئة والصحة والديمقراطية وتقتل الناس

ترجمة وإعداد: حسين سرمك حسن

لمحة تاريخية: من اتفاقية الجات إلى منظمة التجارة العالمية

لقد ظهرت منظمة التجارة العالمية لتمثل الركن الثالث من أركان نظام بريتون وودز؛ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. تم إطلاق نقاش صحّي جدا بعد الحرب العالمية الثانية حول الحاجة إلى مؤسسات تجارة واستثمار عالمية يمكن أن تساعد في توليد العمالة الكاملة، وحماية حقوق العاملين في جميع أنحاء العالم؛ حمايتهم ضد ما كان يُشار إليه باسم "الكارتلات العالمية" - مجموعات صغيرة من الشركات التي اكتسبت قدرا كبيرا من السلطة على القطاع. تجسدت هذه الأهداف على نطاق واسع في ميثاق هافانا الذي اقترح تشكيل منظمة التجارة الدولية (ايتو). تم رفض هذه الاتفاقية من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي على أساس أن ولايتها واسعة وستقضي على السيادة الأمريكية، عدا عنصر واحد من ايتو، هو الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات) General Agreement on Tariffs and Trade (GATT)، تم إنشاؤه، مع هدف أكثر ضيقا يتعلق بخفض التعريفات الجمركية على السلع و الخدمات ووضع حفنة من مبادئ التجارة كان هدفها خفض الحواجز التجارية الوطنية ووقف السياسات التجارية التنافسية التي أربكت الاقتصاد العالمي قبل الحرب العالمية الثانية.

نمت التجارة العالمية بشكل كبير في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بتوجيه من اتفاقية الجات. تم التفاوض عبر سبع جولات حول التخفيضات الجمركية بموجب معاهدة الجات – كانت الجولة النهائية هي "جولة أوروغواي" التي بدأت في عام 1986. ومنظمة التجارة العالمية، التي أنشئت في 1 يناير 1995، هي نتيجة لجولة أوروغواي لمحادثات التجارة التي عقدت بين 1986-1993 تحت رعاية الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات). إن الوثيقة الختامية التي تتضمن نتائج جولة أوروغواي للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف صدرت في عام 1994، في مراكش. وهذه مهدت الطريق لمنظمة التجارة العالمية الجديدة، وقدم هذا الجهاز القدرة على نقض أو تقويض الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. ومثل اتفاقية الجات فإن منظمة التجارة العالمية ليست وكالة تابعة للأمم المتحدة.

وبناء على إصرار الولايات المتحدة شملت محادثات جولة أوروغواي الزراعة والخدمات للمرة الأولى. مع 147 عضوا (كما هو الحال في أبريل 2004) فرضت منظمة التجارة العالمية لعام 1993 اتفاقيات جولة أوروغواي وهي :

الاتفاق بشأن الزراعة Agreement on Agriculture (AoA)،

والاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات (الجاتس) General Agreement on Trade in Services (GATS)،

واتفاقيات حقوق الملكية الفكرية ذات الصلة بالتجارة (تربس) Trade-Related Intellectual Property Rights (TRIPs)

وتدابير الاستثمار المتصلة بالتجارة Trade-Related Investment Measures (TRIMs).

منظمة التجارة العالمية، على عكس الجات، لديها صفة رسمية لمنظمة دولية بدلا من منظمة معاهدة فضفاضة. تقدم منظمة التجارة العالمية نفسها بمثابة منتدى للأعضاء للتفاوض على تحرير التجارة. في الممارسة، المنظمة هي القوة الماحقة لتحرير التجارة؛ قوة هائلة تم التنازل عنها من قبل أعضائها، وفي بعض القضايا، تتولى دور الحكم الاقتصادي العالمي. تعزّز منظمة التجارة العالمية قضية تحرير التجارة، لصالح الجهات التي هي المستفيد الأكبر من هذا التحرير وهي الشركات العابرة للحدود الوطنية، التي تتوسط النزاعات التجارية، وتسعى للحد من الحواجز بين الدول وترعى الاتفاقات. هكذا قال مدير عام منظمة التجارة العالمية مايك مور في سياتل في عام 1999 في الاجتماع الوزاري الثالث لمنظمة التجارة العالمية. لكن منظمة التجارة العالمية هي أكثر من ذلك بكثير.

وخلافا لاتفاقيات التجارة السابقة، فإن منظمة التجارة العالمية والاتفاقات التي تقوم عليها تنتقل إلى ما هو أبعد من المسائل التجارية التقليدية مثل التعريفات وحصص الاستيراد أو المتطلبات التي تُعامل وفقها السلع الأجنبية والمحلية بصورة متساوية. مجموعة أحكام منظمة التجارة العالمية تضع قيودا على قوة قوانين الأمن الغذائي للبلدان وشمولية سياسات توسيم (تعريف) المنتجات. إنهم يمنعون الدول من حظر المنتجات المصنوعة من عمالة الأطفال. ويمكنهم حتى تنظيم الإنفاق من الضرائب المحلية بالدولار: على سبيل المثال، حظر اعتبارات حقوق الإنسان أو البيئة في قرارات المشتريات الحكومية.

منظمة التجارة "العالمية" .. لِمن؟

تراكم لمنظمة التجارة العالمية سجلٌ دنيئ بسرعة قياسية. لقد قوّضت قرارات ملزمة من المحاكم لحماية المستهلك والبيئة في جميع أنحاء العالم. وقد استخدمت الشركات عبر الوطنية التهديد بعمل منظمة التجارة العالمية لإلغاء أو منع قواعد لا تُعد ولا تُحصى وُضعت لصالح العمال والمستهلكين والبيئة، وتعزيز حقوق الإنسان والتنمية في البلدان الأكثر فقرا في العالم. ولكن كل هذا كان متوقعا قبل أن تأتي منظمة التجارة العالمية إلى حيز التنفيذ رسميا بمدة طويلة. منذ البداية كان يُنظر إلى الجات باسم "نادي الأغنياء" وتهيمن عليه الدول الصناعية الغربية.

في حين اقتصرت في البداية على ولاية التوسع التجاري، تطورت الجات إلى مؤسسة روّجت لحقوق الشركات على حساب حقوق الإنسان وغيرها من الأولويات الاجتماعية والبيئية. في الثمانينات، والاقتصاديون والسياسيون، المدعومون من قبل ما سُمى بـ "ثورة ريغان" وسطوة تاتشر وكول في أوروبا، بدأوا يخططون لجولة جديدة من التفاوض حول الجات ولكنها مختلفة بشكل كبير هذه المرّة. كان هدفهم توسيع تخصصات الجات لربط الحكومات الموقعة على مجموعة من السياسات المتعددة الأطراف بشأن الخدمات والمشتريات الحكومية، والقطاعات الاستثمارية. وضع حدود عالمية على تنظيم الحكومة للشؤون البيئية والأمن الغذائي، ومعايير المنتجات؛ وإنشاء حماية جديدة لحقوق الملكية الفكرية الممنوحة للشركات في الدول الغنية، وأن يكون هذا الغطاء الواسع من مقاس واحد يناسب جميع القواعد القسرية التي تُفرض بقوة على كل مستوى من مستويات الحكم في كل الدول الموقعة.

عندما كان يجري التفاوض في جولة أوروغواي، حذّرت جماعات البيئية والعمال والمستهلكين بحق من أن نظام الغات، الذي كان موجودا منذ عقود، تجري إعادة صياغته بشكل كبير وموسّع بطريقة من شأنها إخضاع احتياجات المصلحة العامة الرئيسية لمصالح الشركات. رفض أنصار جولة أوروغواي ومنظمة التجارة العالمية هذه المخاوف واعتبروها تنبؤات سيئة بيوم القيامة، ووعدوا بأن منظمة التجارة العالمية لن تشكل أي تهديد للسيادة المحلية أو لصنع السياسات الديمقراطية والمساءلة. كم وعدوا بمكاسب اقتصادية هائلة في جميع أنحاء العالم، إذا ما نُفذت جولة أوروغواي: إن العجز التجاري الأمريكي سينخفض بنسبة 60 مليار دولار في عشر سنوات، وإن بلدان أمريكا اللاتينية ستزدهر، وأن النمو الآسيوي سيواكب هذا الازدهار.

الآن، وبعد مرور هذه السنوات، فمن الواضح أن المكاسب الاقتصادية الموعودة لم تتحقق. لم تفشل منظمة التجارة العالمية في أن ترقى إلى مستوى وعودها فحسب، بل سبّبت الضرر – وباستمرار - للصحة، وحقوق الإنسان، وسلامة البيئة، وحتى الثقافات المحلية الأصلية.

1850 عطش الصومال

(عطش في الصومال)

منظمة سرّية غير ديمقراطية تسحق حقوق الإنسان والبيئة والصحة والديمقراطية وتقتل الناس

الشركات العابرة للقوميات هي قوية (غنية) بما فيه الكفاية لممارسة تأثير كبير على منظمة التجارة العالمية. وفي حين أصبحت الشركات هي التي تتاجر بدلا من الدول، فإن منظمة التجارة العالمية تتكون من البلدان. وعليه ليس من المستغرب بعد ذلك أن تكون قراراتها عادة في صالح الشركات. وزراء الحكومات ومسؤولوها يقومون بإنجاز أعمالهم التجارية في اجتماعات منظمة التجارة العالمية تحت أنظار ممثلين عن الشركات الكبرى، الذين يمكن أن يكونوا حتى جزءا من الوفد الرسمي الحكومي. وصار من الواضح أن منظمة التجارة العالمية أما أن يتم إصلاحها بصورة جذرية أو استبدالها. وتشير القائمة القصيرة التالية كيف تختلف منظمة التجارة العالمية عن أي نوع  من المنظمات الحكومية الديمقراطية التي نعرفها:

- إنها تعمل في الخفاء. والقضاة الذين يجلسون في منصات منظمة التجارة العالمية يُعيّنون ويجتمعون وراء الأبواب المغلقة. لا تسمح لأي شهود خارجيين. ولا تعرض إجراءاتها على الجمهور.

- قضاة منظمة التجارة العالمية لا يتم اختيارهم بسبب خبرتهم في الموضوع الذي يحكمون فيه، ولكن بسبب التزامهم بمبادئ التجارة الحرة.

- الحكومات فقط يمكنها رفع دعوى إلى هيئة منظمة التجارة. أما المنظمات المدنية والأفراد والحكومات المحلية فلا يمكنها ذلك.

- منظمة التجارة العالمية تسمح للدول أن تسن القوانين التي هي أضعف من المعايير العالمية ولكن ليس أقوى منها.

- لا تقدم منظمة التجارة العالمية العملية الديمقراطية من أجل التغيير. يمكن تعديلها، ولكن فقط من الداخل.

- من الناحية النظرية، تقوم ديمقراطية منظمة التجارة العالمية على اساس : "بلد عضو واحد، صوت واحد"، ولكن في الواقع لم يكن هناك تصويت في المنظمة طوال سنوات وجودها. ربما لأن الأعضاء من البلدان النامية يمكن أن يصوتوا لصالح تغيير قواعد اللعبة؟

- إن منظمة التجارة العالمية هي منظمة غير ديمقراطية في الأساس:

سياسات منظمة التجارة العالمية تؤثر في كل جوانب المجتمع وكوكب الأرض، ولكنها ليست، مؤسسة ديمقراطية شفافة. تتم كتابة قواعد منظمة التجارة العالمية لصالح الشركات من خلال سيطرتها على المفاوضات. على سبيل المثال، يحصل الممثل التجاري للولايات المتحدة على تأثير ثقيل في المفاوضات من 17 من "اللجان الاستشارية لقطاع الصناعة". أما مساهمة المواطنين أو جمعيات المستهلك، والبيئة، وحقوق الإنسان والمنظمات العمالية فيتم تجاهلها باستمرار. تُحرّم حتى الطلبات البسيطة للحصول على معلومات، وتقام الدعاوى بصورة سرية. من هم الذين انتخبوا هذه الحكومة العالمية السرية؟

- إن منظمة التجارة العالمية لن تجعلنا أكثر أمنا:

ان منظمة التجارة العالمية تريد جعلك تصدّق بأن خلق عالم "التجارة الحرة" يساهم في تعزيز التفاهم والسلام العالمي. على العكس من ذلك، فإن هيمنة الدول الغنية على التجارة الدولية لصالح مصالحها الفردية يشعل الغضب والاستياء الذي يجعلنا أقل أمنا. لبناء الأمن العالمي الحقيقي، نحن بحاجة إلى الاتفاقيات الدولية التي تحترم حقوق الشعب في النظم الديمقراطية والتجارة التي تعزز العدالة العالمية.

- تسحق منظمة التجارة العالمية العمل وحقوق الإنسان:

قواعد منظمة التجارة العالمية وضعت "حقوق" الشركات في الربح فوق حقوق الإنسان وحقوق العمل. وتشجع منظمة التجارة العالمية "السباق نحو القاع" في تخفيض الأجور وتأليب العمال ضد بعضهم البعض بدلا من تعزيز معايير العمل المعترف بها دوليا. قضت منظمة التجارة العالمية أنه من غير القانوني للحكومة حظر المنتج على أساس الطريقة التي يتم إنتاجها بها، مثل عمل الأطفال. واستبعدت أيضا أن تأخذ الحكومات في الاعتبار "القيم غير التجارية" مثل حقوق الإنسان، أو سلوك الشركات التي تتعامل مع الديكتاتوريات الشرسة مثل بورما عند اتخاذ قرارات الشراء.

- منظمة التجارة العالمية تخصخص الخدمات الأساسية:

منظمة التجارة العالمية تسعى لخصخصة الخدمات العامة الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والطاقة والمياه. الخصخصة تعني بيع الأصول العامة - مثل المعامل ومحطات الإذاعة والتلفاز أو المدارس - إلى الشركات الخاصة (الأجنبية عادة)، لتشغيلها من أجل الربح وليس من أجل الصالح العام. تتضمن الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات، أو الجاتس في منظمة التجارة العالمية قائمة من حوالي 160 من الخدمات المهدّدة بما في ذلك رعاية كبار السن ورعاية الأطفال، ومياه الصرف الصحي والقمامة وصيانة الحدائق، والاتصالات، والبناء، والخدمات المصرفية، والتأمين، والنقل، والشحن، والخدمات البريدية، والسياحة. أولئك الأقل قدرة على دفع ثمن الخدمات الحيوية - مجتمعات الفقراء والطبقة العاملة والمجتمعات المحلية من ملونين وغيرهم - هم الذين يعانون أكثر من غيرهم.

- منظمة التجارة العالمية تدمّر البيئة:

يتم استخدام منظمة التجارة العالمية من قبل الشركات لتفكيك الحماية البيئية المحلية والوطنية التي وضعت بشق الأنفس، والتي تتعرض للهجوم بحجة أنها "حواجز أمام التجارة". حكمت هيئة منظمة التجارة العالمية بأن أحكام قانون الهواء النظيف في الولايات المتحدة، والتي تطلب من المنتجين المحليين والأجانب على حد سواء انتاج بنزين نظيف، بأنه غير قانوني. أعلنت منظمة التجارة العالمية بأنه غير مشروع حكم من أحكام قانون الأنواع المهددة بالانقراض الذي يتطلب صيد الروبيان الذي يباع في الولايات المتحدة باستخدام أجهزة تسمح للسلاحف البحرية المهددة بالانقراض بالفرار. منظمة التجارة العالمية تسعى لتحرير الصناعات بما في ذلك قطع الأشجار، وصيد الأسماك، ومرافق المياه، وتوزيع الطاقة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من استغلال هذه الموارد الطبيعية واستنفادها.

- منظمة التجارة العالمية تقتل الناس:

دفاع منظمة التجارة العالمية الشرس عن "حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة" - براءات الاختراع وحقوق المؤلف والعلامات التجارية - تأتي على حساب صحة وحياة الإنسان. منظمة التجارة العالمية تحمي "الحق في الربح" لشركات الأدوية ضد الحكومات التي تسعى لحماية صحة شعوبها من خلال توفير الأدوية المنقذة للحياة في البلدان النامية في مناطق مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يموت الآلاف كل يوم من فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. فازت البلدان النامية فوزا مهما في عام 2001 عندما أكدت على الحق في إنتاج الأدوية الجنيسة (أو استيرادها إذا كانت تفتقر إلى الطاقة الإنتاجية)، حتى تتمكن من توفير الأدوية الأساسية المنقذة لحياة لسكانها بتكلفة أقل. للأسف، في سبتمبر 2003، تم الاتفاق في منظمة التجارة العالمية على العديد من الشروط الجديدة التي من شأنها أن تجعل من الصعب على الدول إنتاج تلك العقاقير. مرة أخرى، تثبت منظمة التجارة العالمية أنها تفضل أرباح الشركات على إنقاذ الأرواح البشرية.

- منظمة التجارة العالمية تفاقم عدم المساواة:

التجارة الحرة لا تعمل لصالح غالبية دول العالم. خلال الفترة الأخيرة من النمو السريع في التجارة والاستثمار العالمي (1960-1998) تفاقم عدم المساواة بدرجة هائلة سواء على الصعيد الدولي وداخل البلدان. تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تشير إلى أن أغنى 20 في المائة من سكان العالم يستهلكون 86٪ من موارد العالم، بينما أفقر 80 في المئة يستهلكون 14٪ من موارد العالم فقط. وقد سرّعت قواعد منظمة التجارة العالمية هذه الاتجاهات من خلال فتح البلدان للاستثمار الأجنبي مما يجعل الأمر أكثر سهولة أن يذهب رأس المال إلى حيث اليد العاملة أرخص ويمكن استغلالها بسهولة ، وحيث تكون التكاليف البيئية منخفضة.

- منظمة التجارة العالمية تزيد معدلات الجوع:

لا يستطيع المزارعون إنتاج ما يكفي من الغذاء لإطعام الجميع في العالم حتى الآن بسبب سيطرة الشركات على توزيع المواد الغذائية، ولهذا يوجد نحو 800 مليون شخص في العالم يعانون من سوء التغذية المزمن. وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الغذاء هو حق من حقوق الإنسان. في البلدان النامية، ما لا يقل عن أربعة من بين كل خمسة أشخاص يكسبون رزقهم من الأرض. ولكن المبدأ الرائد في اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة هو أن قوى السوق يجب أن تسيطر على السياسات الزراعية بدلا من الالتزام الوطني بضمان الأمن الغذائي والحفاظ على دخل لائق لأسر المزارعين. وقد سمحت سياسات منظمة التجارة العالمية إغراق البلدان الفقيرة بالمواد الغذائية المدعومة بشدة والمنتجة في البلدان الصناعية، مما يقوض الإنتاج المحلي ويزيد من معدلات الجوع.

- منظمة التجارة العالمية تضر الدول الفقيرة لصالح الدول القوية الغنية:

منظمة التجارة العالمية من المفترض أن تعمل على أساس توافق الآراء، مع التساوي في سلطة اتخاذ القرار للجميع. في الواقع، اتخاذ العديد من القرارات الهامة تتم بطريقة لا يُدعى بموجبها المفاوضون من الدول الفقيرة حتى إلى الاجتماعات المغلقة . وبعد ذلك يتم الإعلان عن "الاتفاقات" في حين أن الدول الفقيرة لا تعرف حتى كيف جرت مناقشتها. العديد من البلدان لا تملك حتى الأفراد التجاريين الكافين للمشاركة في جميع المفاوضات أو حتى أن يكون لها ممثل دائم في منظمة التجارة العالمية. هذا يضر بشدة بالدول الفقيرة ويحد من تمثيل مصالحها. وبالمثل، فإن العديد من البلدان هي أفقر من أن تدافع عن أنفسها تجاه تحديات منظمة التجارة العالمية التي تفرضها الدول الغنية، فتغيّر قوانينها بدلا من الدفاع عن أنفسها.

1851 البرازيل

(أطفال ومجارٍ في أغنى دولة في العالم هي البرازيل)

- منظمة التجارة العالمية تقوّض عملية صنع القرار على الصعيد المحلي وتلغي السيادة الوطنية:

تطلب "الدولة الأكثر رعاية" في منظمة التجارة العالمية من جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أن يعامل بعضهم بعضا على قدم المساواة، وأن تعامل جميع الشركات من هذه البلدان على قدم المساواة بغض النظر عن سجلها. السياسات المحلية الرامية إلى مكافأة الشركات التي توظف السكان المحليين، وتستخدم المواد المحلية، أو تتبني الممارسات السليمة بيئيا، تعتبر غير قانونية في ظل منظمة التجارة العالمية. ويحظر على البلدان النامية وضع القوانين المحلية التي وضعتها دول متقدمة قبلها، مثل حماية الصناعات الجديدة المحلية إلى أن تكون قادرة على المنافسة دوليا. والمصيبة أن العديد من البلدان النامية غيّرت قوانينها وحتى دساتيرها، تحسبا لاحتمال مواجهة أحكام ومفاوضات منظمة التجارة العالمية في المستقبل.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم