صحيفة المثقف

منظرو الاقتصاد (18): فريدرش فون هايك

مصدق الحبيب(1899 – 1992) Friedrich von Hayek

هو الاقتصادي والفيلسوف النمساوي- الانگليزي الذي عُرف بكونه احد اقطاب المدرسة النمساوية في الاقتصاد وعلماً من اعلام الليبرالية الكلاسيكية. كما عُرف بكونه متحمساً لاقتصاد السوق الحر ورافضاً للمنهج الاشتراكي والتخطيط المركزي ومعارضاً عنيداً لأي تدخل حكومي في شؤون الاقتصاد. وهو الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1974، مناصفة مع الاقتصادي السويدي گنر ميردال عن بحوثهما الرائدة والمتزامنة في نظرية النقود والتقلبات الاقتصادية وتداخل الاقتصاد مع الحقول الاخرى، الاجتماعية والسياسية، والتي اجرياها على انفصال.

ولد فريدرش في فيينا عام 1899 ، وكان والده طبيبا يعمل في دوائر الصحة المحلية ويحاضر في جامعة فيينا. أما والدته فكانت إمرأة ثرية منحدرة من عائلة اقطاعية تملك اراض واسعة. وهو الابن الاكبر بين ثلاثة اولاد. حين قامت الحرب العالمية الاولى، انخرط الشاب ذو السادسة عشرة في الخدمة العسكرية والتحق بفرقة الاستطلاع الجوي للجيش النمسهنگاري. وكان قد فقد السمع باحدى اذنيه نتيجة للانفجارات المروعة التي يواجهها كل يوم، مما ادى الى حصوله على نوط الشجاعة، وانقلاب موقفه المبدأي ليكون ضد الحروب وليكرس ما تبقى من حياته لخدمة الانسانية من اجل السلام والخير للجميع. بعد تسريحه من الجيش مباشرة دخل جامعة فيينا لدراسة الفلسفة والقانون والاقتصاد وقرر ان يواصل دراسته العليا فحصل على الدكتوراه في القانون بسن مبكر عام 1921 وتبعها بدكتوراه ثانية في العلوم السياسية عام 1923. ثم واصل دراسته للاقتصاد على يد فريدرش فون وايزر Wieser فتهيأت له فرصة الذهاب الى امريكا للعمل كباحث مساعد للبروفسور جرماية جنكس في جامعة نيويورك، حيث انكب فيها على دراسة وتحليل احصاءات الاقتصاد الكلي الامريكي، خاصة في جانب النقود وعمل البنك الاحتياطي الفيدرالي. وعند عودته للنمسا عمل في دوائر الحكومة حيث التقى بـ لدفك فون مايسز Mises المختص بشؤون النقود والمعارض المعروف للتوجهات الاشتراكية والذي ينظم حلقات نقاش نصف شهرية يحضرها جمع مختار من الاقتصاديين والسياسيين. كان هايك متحمسا لحضور هذه الحلقات للدرس والنقاش، والتي اكتسب منها ولاءً كبيرا لمايسز وتأثر بافكاره تأثيرا بالغا. ومن خلال علاقته بمايسز اصبح هايك مديرا للمركز النمساوي لبحوث الدورة الاقتصادية، كما بدأ يحاضر في جامعة فيينا وألف أول كتاب له بعنوان "النظرية النقدية والدورة الاقتصادية" عام 1929.

2297 هايكفي عام 1931 دُعي الى لندن لالقاء سلسلة محاضرات في اقتصاد النقود ومن خلالها تلقى عرضا للعمل كاستاذ في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية LSE فقبل العرض وطاب له البقاء هناك فحصل على الجنسية البريطانية عام 1938 واستمر عمله المثمر في مدرسة لندن لغاية 1950 فكانت تلك التسعة عشر عاما من اخصب فترات حياته الاكاديمية.

أثناء اقامته في لندن، بدأ اختلافه الفكري مع كينز الذي كانت سمعته العلمية طاغية والذي اصدر كتابا بعنوان "رسالة في النقود" عام 1930،فرأى هايك فرصته ان يعلن اختلافه الفكري مع كينز خاصة فيما يتعلق برفضه لطروحات كينز في اهمية الانفاق الحكومي ودوره في انعاش الاقتصاد حيث رأى هايك ان الاستثمارات الخاصة في المشاريع العامة تكون اكثر فعالية وتدر منافع اكثر للمجتمع. كما قام بنشر نقدا طويلا لكتاب كينز المذكور اعلاه ، مما دعا كينز ان يكتب ردا مضادا ويفند فيه ماجاء في كتاب هايك "الاسعار والانتاج" المنشور عام 1931، ووصفه بأنه عبارة عن "تشويش ذهني مخيف"! واستمر الاثنان يتنافسان ويتخالفان في الرأي الى ان اصدر كينز كتابه الشهير "النظرية العامة للاستخدام والفائدة والنقود" عام 1936. كان هايك قد تأخر في الرد على ماجاء في هذا الكتاب لمدة خمس سنوات حيث استطاع ان يضّمن افكاره المضادة لكينز في كتاب اصدره عام 1941 بعنوان " النظرية الصرفة لرأس المال". لكن هايك لم يستطع ان يواجه الموجة العارمة التي احدثها كتاب كينز والتي اكتسحت الفكر الاقتصادي السائد آنذاك.

مع تصاعد شعبية كينز وشيوع افكاره وتطبيقها عالميا بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ هايك اهتمامه بحقول اخرى غير الاقتصاد وعوامل اخرى غير اقتصادية تفرض آثارها على النظام الاقتصادي ، فركز بشكل خاص على علم النفس وسلوك الافراد وطرق البحث العلمي والنظم السياسية والحرية الاقتصادية والفرق بين التخطيط المركزي ونظام السوق. فی عام 1944 نشر هایك کتابه الشهير الذي اصبح مقترنا به لما تبقى من حیاته والموسوم “The Road to Serfdom” والذي ترجم الى اكثر من 20 لغة وبيعت منه مليونان ونصف المليون نسخة. وقد جاء اختياره لهذا العنوان تماهيا مع كتاب الفيلسوف الفرنسي ألكسز دو توكوفل Alexis de Tocqueville – The Road to Servitude. 

ركز هايك في هذا الكتاب على التحذير من مخاطر الطغيان والتسلط والسيطرة على السياسات الاقتصادية من قبل جهات مركزية والوقوع في مطب اتخاذ القرارات الحساسة والمهمة في حياة المجتمعات بعيدا عن علم الاقتصاد وفي ظل غياب الحرية الاقتصادية. جاء هذا الكتاب خلال سنوات الحرب العالمية الثانية وفي عز تصاعد سمعة هايك في مدرسة لندن كمنظر طليعي تأثر به العديد من طلابه وزملائه كجون هكس وآبا ليرنر. وهو الذي صرح بان الكتاب يمثل رأيه الشخصي وواجبه لتحذير الدوائر الاكاديمية والمجتمع البريطاني من مغبة ماكان شائعا من افكار آنذاك تفيد بأن صعود الفاشية ماهو الا ردة الفعل الرأسمالية لبزوغ الاشتراكية. ولذا فقد انصب اهتمامه في هذا الكتاب على ضرورة التمسك بالفردانية واتخاذ الليبرالية الكلاسيكية كطريق لتقدم المجتمع السليم.

في عام 1947 نظم هايك اجتماعا فكريا في منطقة مونت پلرن Mont Pelerin على بحيرة جنيفا السويسرية فحضره 39 اكاديميا واختصاصيا في شؤون الاقتصاد والسياسة من عشرة بلدان كان من بينهم لدفك مايسز وملتن فريدمن وجورج ستگلر وفرانك نايت. وكان الهدف الرئيسي هو تنمية الفكر الاقتصادي الحر ودعم المجتمعات الحرة الخالية من افكار التعصب والقسر ومصادرة الفكر المختلف. وكذلك مقاومة التدخلات الحكومية والسلطوية سواء تلك الميالة للماركسية والاشتراكية او تلك التي تتبع افكار كينز الصاعدة آنذاك. وهذا هو الاجتماع الذي انبثقت منه ماسمي بجمعية پلرن Pelerin Society التي اقترنت بالليبرالية الكلاسيكية.

في عام 1949 التحق هايك بجامعة أركنسا الامريكية كأستاذ زائر لمدة سنة واحدة ذهب بعدها مباشرة عام 1950 الى جامعة شيكاگو التي عقد فيها صداقات وتحالفات عديدة مع الاقتصاديين البارزين اضافة الى بقاءه وثيق الصلة بزملائه هناك ممن كانوا اعضاء في جمعية بلرن. بقي هايك في شيكاگو لغاية 1962، ولأنه لم ينسب الى قسم الاقتصاد فيها، لم يكن نشاطه في التدريس والبحث في الاقتصاد انما تركز على موضوعات اخرى منها سلوك الانسان وتصرفاته ازاء السلع الاقتصادية وطرق البحث في العلوم الاجتماعية التي انتقدها بشدة كونها تحاكي دون وجه حق طرق البحث السائدة في العلوم الطبيعية حيث صاغ ما اسماه بالـ     Scientism أي النزعة الى المبالغة في اتباع الاجراءات التكنيكية العلمية في البحث الاجتماعي باعتبارها الطريقة الوحيدة والصحيحة للحصول على النتائج السليمة. ففي عام 1952 نشر كتابين هما "النظام الحسي" و "الثورة المضادة للعلم". أما في النظرية السياسية فكان تأثير كارل منگر ولدفك مايس واضحا عليه وعلى اهتمامه الاستثنائي بدور الحكومة في السياسة الاقتصادية. ففي عام 1960 نشر كتاب "دستور الحرية" الذي انتقد فيه السیاسة الضريبية معترضا على الضريبة التصاعدية بوصفها تلغي مبدأ المساواة امام القانون. وكان قد دافع عن نفسه ازاء من وصفوه بأنه يروج لافكار المحافظين واصفا نفسه ليبراليا كلاسيكيا وليس محافظا ذلك انه لايميل الى التعويل على الدين والاخلاق ولا يقدم النزعة القومية على الدولية كما هو شأن المحافظين.

في عام 1962 طوى هايك عمله الاكاديمي في امريكا وحزم حقائبه عائدا كاستاذ في جامعة فرايبرگ في المانيا الغربية ، ثم الى جامعة سالزبرگ فی النمسا عام 1968 التي بقي فيها لحين تقاعده من العمل الجامعي عام 1977. في عام 1974 فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد مشاركة مع گنر ميردال الذي اعترض قائلا: مالذي يجمعني مع هذا الرجل العقائدي؟؟ أما ملتن فريدمن فقد علق قائلا: أنا من أشد المعجبين بهايك ، ولكن ليس لما كتب في الاقتصاد، انما لكتابه العظيم "الطريق الى سرفدوم". بعد تقاعده رسميا، عاد هايك كأستاذ متمرس الى جامعة فرايبرگ من أجل اكمال كتابه "القانون والتشريع والحرية" بثلاثة اجزاء اكمل نشرها جميعا عام1979 . ومما جاء في هذا الكتاب انتقاده لجهود توزيع الدخل . ولعله قد وصفها ساخرا بانها " طرق توزيع الدخل من اجل العدالة الاجتماعية" ! وفي الثمانينات لم يتغير رأيه بالمنهج الاشتراكي ولم ينثن عن انتقاده اللاذع للاشتراكية والاشتراكيين فنشر عام 1988 وهو بعمر 89 عاما كتابه المعنون "الوهم القاتل" الذي قدم فيه محاولة للاسباب التي يندفع فيها بعض المفكرين والمثقفين الى اعتناق المذهب الاشتراكي.

بلغ هايك شهرة واسعة لدى اوساط المحافظين في السياسة والاقتصاد رغم نكران انتمائه للفكر المحافظ. فقد كان من المقربين للسياسة الحكومية في عهدي مارگريت ثاچر في بريطانيا ورونالد ريگن في امريكا. وكانت ثاچر قد اتخذته مستشارا ومنظرا للسياسة البريطانية وأوصت به أن يكون ضيف الشرف للملكة أليزابيث في حفلة عيد ميلادها عام 1984، وهو العام الذي حصل فيه على جائزة هانز مارتن شلاير. كما ذاع صيته لدى الجمهوريين الامريكيين كريگن وبوش وگولدواتر وكمب. وقد منحه الرئيس جورج بوش الاب وسام الحرية الرئاسي عام 1991. وفي نفس العام اعتبرت مقالته المعنونة "استخدام المعرفة لخدمة المجتمع" من بين اهم 20 مقالة نشرتها الجورنال الاقتصادية الاولى AER خلال 100 عام من عمرها. من مواقفه التي خدمت الحكومة البريطانية والتي كانت مدارا لجدل واسع بين الاقتصاديين الاكاديميين هو تأييده لسياسة ثاچر ضد المهاجرين وشنها لحرب جزر الفوكلاند. وفي الولايات المتحدة كان موقفه في قضية الرهائن الامريكان لدى طهران ومفاده ان على الحكومة الامريكية ان ترسل تحذيرا شديد اللهجة الى طهران ، وان لم تنصاع فالقنابل هي الحل! وعلى نفس النحو كان هايك مدافعا ومشجعا لسياسة ريگن في زيادة الانفاق العسكري لانها في اعتقاده ضرورية لضمان حفظ السلام العالمي جنبا الى جنب مع ضرورئ وقف السوفيت عند حدهم !

يمكن تلخيص مساهمات هايك الاساسية في النظرية الاقتصادية بموضوعين: الاول هو الدورة الاقتصادية وعلاقتها بسعر الفائدة وراس المال والنقود والسياسة النقدية. والثاني هو الحرية الاقتصادية ونظام السوق ودور الدولة في الاقتصاد. خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، وتأثرا بافكار مايسز وفكسل وبوم باورك، صاغ هايك نظريته في الدورة الاقتصادية والتي اصبحت تمثل فيما بعد النظرية الرسمية للمدرسة النمساوية في هذا المجال. وكان قد اوضح هذه النظرية في كتابه "النظرية النقدية والدورة الاقتصادية 1929، 1933 وكتابه "الاسعار والانتاج" 1931. يعتقد هايك ان الدورة الاقتصادية تنشأ نتيجة لتوسع البنوك المركزية في اعتماداتها التضخمية التي تؤدي مع الوقت الى سوء في توزيع رأس المال ونشوء اسعار فائدة مصطنعة ومنخفضة. والبنك المركزي في نظر هايك ليس الا سلطة حكومية احتكارية ليس لها المعلومات الكافية ولا القدرة على السيطرة على قوى طلب وعرض النقود في الاقتصاد. وفي معرض ما جاء به كينز بان البطالة والركود الاقتصادي ينتجان عن قصور الطلب الفعال، يعتقد هايك انهما ينتجان بسبب سعر الفائدة المنخفض الذي يسمح بسهولة الاقراض وهو الامر الذي تتعذر ادامته او استمراره المرة تلو الاخرى. لقد جلب هذا الاختلاف بين هايك وكينز عشرات النقاشات من قبل الاقتصاديين الاكاديميين سواء اولئك الذين وقفوا بجانب كينز او اولئك الذين ساندوا هايك ومنهم هكس ونايت وميردال وصرافة وكالدور. إلا ان صعود نجم كينز المتسارع غطى على ما يقوله هايك بحيث ان كتابيه اللاحقين "الارباح والفائدة والاستثمار" عام 1939 و "النظرية الصرفة لرأس المال" عام 1941 واجها تجاهلا واضحا من قبل الوسط الاقتصادي الاكاديمي.

أما عن الدور الجوهري للاسعار فقد التصق هايك بالفكرة الكلاسيكية لآدم سمث القائلة بأن نظام السوق وميكانيكية نشوء الاسعار جراء توازن العرض والطلب لها قدرة تنظيمية تلقائية فعالة في وضع كل شئ في الميزان. وبذلك سيكون السعر هو العامل الذي يلخص احوال السوق ويتيح الفرصة لمعرفة مايجري ضمنا بين المنتجين والمستهلكين. أي ان مجرد معرفة السعر في سوق ما ولسلعة معينة تبوح بمعلومات ثرة من الصعب معرفتها بدونه. وقد اعتمد هايك على هذه الفكرة لدحض اي محاولة لتخطيط الاسعار او صنعها بقرار سياسي، وقد اتخذ هذا التبرير لمهاجمة منهج التخطيط المركزي. على ان هايك لاينكر ان نظام الاسعار واقتصاد السوق والتوازن التلقائي ليس خال من الزلل وافضل مثال هو حصول البطالة. يقول هايك اننا لو تحرينا بدقة عن الاسباب الحقيقية لذلك لوجدنا ان من اهم الاسباب هو زيادة عرض النقود التي تؤول الى انخفاض سعر الفائدة وايهام الشركات بانخفاض كلفة الاقراض التي تشكل العامل الاقوى لاندفاعهم الى الاستثمار الذي سيكون على الاغلب استثمارا مفتعلا بسبب الطبيعة غير المتجانسة للاستثمار في رؤوس الاموال. عدم التجانس هذا يتمثل بقسم من الاستثمارات الحساسة للتغييرات في سعر الفائدة كالاستثمار طويل الامد مثل سندات الاقراض العام Bonds ، وقسم آخر اقل حساسية لتغيرات سعر الفائدة كالاستثمارات قصيرة الامد مثل اوراق نقد الخزانة Treasury Bills . ان عدم التجانس هذا هو الذي يربك التوازن نتيجة لتفوق الاستثمارات طويلة الامد التي تعكس وهم اتساع دائرة الاستثمار والنمو الاقتصادي، وهذا الوهم هو غالبا ما يكون متبوعا بانفجار الازمة الاقتصادية. ولذا يؤكد هايك بأن تجنب الوقوع في الازمات الاقتصادية الكبيرة يستلزم تجنب ذلك النمو الاقتصادي الكاذب، مما يتطلب تعديل السياسة النقدية التي تنتهجها البنوك المركزية. لقد ظل هايك متمسكا بهذا الرأي نحو ستين عاما، منذ نشر كتابه "الاسعار والانتاج " في مطلع الثلاثينات لحين وفاته في مطلع التسعينات. وهو أحد الآراء الرئيسية التي اختلف بها مع كينز. ويشير الادب الاقتصادي المعاصر الى ان اغلب الاقتصاديين الاكاديميين اليوم يتبنون رأي هايك في هذا الخصوص.

خلال الثلاثينات والاربعينات اهتم هايك بنقد المنهج الاشتراكي فانصب تركيزه على معارضة التدخل الحكومي والتخطيط المركزي. تأثرا بكتابات مايسز وماكس وبر واستنادا الى الفكرة الكلاسيكية لنظام السوق والاسعار الآنفة الذكر بنى هايك اسس معارضته للتخطيط الاقتصادي المركزي بحجة ان لا احد، فردا كان ام لجنة ام وزارة تستطيع النجاح في توزيع الموارد الاقتصادية في المجتمع بكفاءة عالية كالكفاءة التي يوفرها نظام السوق مجانا. والسبب هو عدم توفر المعلومات الكافية التي يحسمها نظام الاسعار دون عناء. وطبيعي ان يثير هذا الرأي الكثير من النقاشات في وسط الاقتصاديين الذين انبرى قسم منهم كأوسكار لانگة وهنري دكنسن لتفنيد رأي هايك ، حيث اوضحوا جهل هايك بطبيعة التخطيط المركزي الذي لايتخلى عن كفاءة ميكانيكية السعر في السوق كما يتصور هايك، ذلك ان المخططين الاقتصاديين يتبعون نظرية التوازن الاقتصادي العام من اجل الوصول الى سعر أولي يعمل كنقطة انطلاق لتعديلات لاحقة صعودا ونزولا تبعا لما يجري فعلیا في السوق والتكيف بما يحافظ على التوازن العام. وقد رد هايك على ذلك في كتابه "الاقتصاد والمعرفة" المنشور عام 1937 وكذلك كتابه "استعمال المعرفة في المجتمع" المنشور عام 1945. یتلخص رد هايك بان نظرية التوازن العام تفترض توفر المعلومات الكاملة التي لايمكن الحصول عليها من قبل المخطط الاقتصادي مهما بلغ من دراية وخبرة. وکان الكثير من الاقتصاديين ، سابقا وحاليا، يوافقون هايك في موضوع تعذر الاحاطة بالمعلومات الكاملة لاحوال السوق. يقول الاقتصادي جفري ساكس الاستاذ في جامعة كولومبيا : لو تسأل اي اقتصادي اسئلة مثل "اي المجالات الاستثمارية اكثر ربحا؟" أو " أي الصناعات ستنمو اكثر؟" أو "اين ستكون تخصصات العمل؟" سوف لن تجد اجوبة شافية ، ذلك ان الاقتصادي لاتتوفر لديه المعلومات الميدانية التي يعرفها رجل الاعمال.

 

ا. د. مصدق الحبيب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم