صحيفة المثقف

صلاح حزام: الشعر الغزلي والفروسية الجاهلية في الاقتصاد

صلاح حزامهنالك العديد من الناس الذين "ينتحلون" صفة اقتصادي انتحالاً!!. يأتي هذا الانتحال عن طريق شهادات مشكوك في صحتها وأصالتها تزعم ان صاحبها يحمل شهادة عليا في الاقتصاد، وبمرور الوقت يبدأ حاملها بالاعتقاد بأنه اقتصادي حقيقي ويبدأ بالتصرف والتصريح على هذا الاساس.

ان هذا الانتحال لهذه الصفة يخولهم حق الهذيان بما يحلو لهم من إنشاء فارغ في شؤون الاقتصاد ..

انهم يقولون شِعراً غزلياً بائساً بحق الاقتصاد الوطني الذي هو (في نظرهم) لديه ميزانية حكومية تعادل ميزانيات كذا دولة وهي الاكبر في العالم . ولديه من الثروات ما لايوجد مثله في اي بلد !! ولايوجد أجمل من الاقتصاد العراقي واكثر منه أناقة !!!

في حين ان العراق ليس بهذا الوضع الاسطوري ابداً . يملك العراق الكثير من الموارد التي لو أُحسِنَ استخدامها لكفلت لابنائه حياةً كريمةً، لكنه ليس الأغنى في العالم.

يلجأون احياناً الى الميتافيزيقيا عندما يستشهدون بأحاديث نبوية مزعومة تقول ان ثروات العالم في العراق.

كما ان الشِعر الغزلي يذهب احياناً الى التاريخ عندما كان العراق مقراً للحكم العباسي وكان يحكم العالم ولديه كل الثروات وكل العلوم والآداب والفنون .

هنالك "قوالب" لغوية جاهزة يستخدمها هؤلاء السادة وكما لو كان هناك اتفاق بينهم، منها مثلاً: (من الضروري النهوض بالاقتصاد الوطني واطلاق كل الامكانيات المتاحة التي يمتلكها الاقتصاد الوطني والتي لاتحدها حدود لأن العراق اغنى بلد في العالم الخ ....).

ومنها ايضاً: (ضرورة وضع الخطط والاستراتيجيات والبرامج لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الخ ...)

ومنها  ادارة الاقتصاد الوطني يجب ان تتغير وتكون مناسبة وتنجح في ادارة الاقتصاد بشكل سليم الخ ..)

ومنها  يجب وضع الاسس المناسبة لمحاربة الفساد والحد من قدرة الفاسدين الخ ...)

السؤال هو: اذا كان من يطرح هذه التساؤلات يحمل الدكتوراه في الاقتصاد وهو يكتفي بطرح (الضرورات) فقط ، فلمن يوجه كلامه؟ومن الذي يستطيع القيام بهذه المهام وتقديم الحلول والمعالجات؟

نعم انه قد لايكون صانع قرار، لكنه يجب ان يكون صانع افكار ومقترحات وبدائل للحل .

اما ان يطلب من جهة غير معرّفة القيام بتقديم الحلول والافكار الملائمة، فتلك مشكلة له ولنا ..

يقال ان من يحصل على الدكتوراه بشكل حقيقي وسليم ، يصبح شخصاً: "يمتلك السلطة العلمية".. اي ان له حق الإفتاء والتنظير وتحدّي الأفكار السائدة في ميدان اختصاصه.

يُصبح من أولي الأمر في ميدانه الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ).

أولي الأمر ليسوا فقط الحكّام، بل أن لكلِّ أمرٍ ولي ..

الطبيب المختص تجب طاعته في الامور الصحية لانه ولي الأمر في الطب.

وكذلك المهندس والاقتصادي وعالم الجغرافية والجيولوجيا ، كل منهم يجب احترام مايقول والاصغاء له لأن عدم الأخذ بآرائه يحوّل الحياة الى فوضى ولايعود هناك من معنى للاختصاص والدراسة والعلوم .

هنالك اسلوب آخر ينتهجه البعض من منتحلي صفة الاقتصادي وهو، لغة الفروسية الجاهلية والمكابرة البدوية.

على سبيل المثال ، قول البعض: لايستطيع الأعداء كسر شوكة الاقتصاد العراقي العنيد الذي استعصى على اعداء الأمة !!

علماً بأنه ليس عنيداً ولم يستعصِ على أعداء الأمة (ولابطيخ) .. فلقد سحقوه بالحصار (الظالم) عندما عرفوا نقاط ضعفه وانه كان اكثر اعتماداً على ايراداته من صادرات النفط اكثر من اي وقت كان .

كان كل شيء فيه معتمداً على دولارات النفط ، كان الاقتصاد عبارة عن عملية متاجرة بالدولارات النفطية وعمليات تجميع بسيطة لمواد مستوردة.

حتى انتاج الدواجن كان عملية تجميع ابتداءً من بيض التفقيس الى العلف واللقاحات والتجهيزات المختلفة لتربية الدواجن .

الصناعة كانت عمليات تجميع بنسب عالية (مع ان البعض يحتج على الفاسدين الحاليين بالقول: انهم دمروا صناعة العراق الذي كان مكتفياً ذاتياً)!!

اذا كان الأمر كذلك، لماذا توقف كل شيء بعد الحصار؟؟

انها المكابرة الفارغة.

احد المسؤولين كنت اتحدث معه قبل غزو الكويت وبعد توقف الحرب العراقية الايرانية، قلت له ان سعر صرف الدينار الرسمي مبالغ فيه وانه يجب ان يخفّض لان ظروف العراق لاتسمح بهكذا سعر صرف كما انه غير واقعي بدليل وجود سعر صرف اقلُّ منه بكثير في السوق السوداء .

هل تعلمون ماكان رد المسؤول؟

قال بالحرف الواحد: لن نسمح لأعداء العراق" بكسر خشم" الدينار العراقي !

هذا الهمجي البليد ضرب عرض الحائط بكل الحجج الاقتصادية والمالية التي قدمتها له وتشبّث ب: خشم الدينار العراقي

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم