صحيفة المثقف

محمود محمد علي: أسامة أنور عكاشة.. الحاضر الغائب في 2021

محمود محمد عليتحل هذه الأيام ، ذكرى وفاة أسامة أنور عكاشة – التي تمر ذكرى رحيله الـ 11 اليوم- في الكثير من أعماله وخاصة في ملحمة " ليالي الحلمية" الرائعة عن جزء كبير من أحلام جيلنا الذي ولد في منتصف الستينات وعاش بوعيه الصغير الذي تربى ونما على أفكار وأحلام الستينات وما تبقى منها في مناهج المرحلة الابتدائية من شعارات نرددها في طابور الصباح " قومية.. عربية" أو إنجازات ثورة يوليو وزعيمها من خلال سطور مكتوبة على الغلاف الأخير لكراسات وكشاكيل الواجب.

ورغم مرور 11 عامًا، على وفاة الكاتب أسامة أنور عكاشة، فلازالت كتابته مادة خصبة للكثير من العاملين بقطاع الفن، كما هو الحال مع أعماله الفنية التي تحظى بنجاحات وكأنها تُعرض لأول مرة، لذلك يمكن اعتبار أسامة أنور عكاشة هو الغائب الحاضر في عام 2021.

ويُعد الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، أحد أبرز الكُتاب المصريين، الذين أثروا الساحة الدرامية بعشرات الأعمال التي حققت نجاحًا كبيرًا داخل مصر وخارجها، ولازالت تُحقق إقبالًا جماهيريًا حتى الآن، كونه نجح في اختراق قلوب المُشاهدين بقضايا وموضوعات تلامس المُشاهد.

علاوة علي أنه يمثل أحد أهم المؤلفين وكتاب السيناريو في الدراما المصرية والعربية، ساهم بشكل كبير في إنعاش وتطور الأدب في مصر بجانب أعماله الدرامية التي حفرت في أذهان الكثيرين منذ صغرهم، ومازال المصريون يذكرونها رغم مرور عشرات السنوات، حيث استطاع من خلال أعماله يسرد الواقع بكل ما يعيشه الإنسان والطبقات في المجتمع المصري والعربي، إنه أسامة أنور عكاشة، الذي رحل عالمنا في مثل هذا اليوم 28 مايو عام 2010، ولكنه ما يزال صانعاً في قلوبنا أثراً عميقاً لن يُمحى، وفي هذا التقرير نرصد أبرز أعماله الدرامية الراسخة بذاكرة الجمهور العربي.

ولهذا يعد عكاشة حسب النقاد الفنيين واحدا من أبز الكتّاب الذين أعادوا الاعتبار إلى الدراما المصرية والعربية، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق. فقد جمع أسامة أنور عكاشة في مسلسلاته التلفزيونية بين التناول العميق للقضايا الاجتماعية والسياسية المهمة وبين التشويق الدرامي الجذاب للجمهور العريض، فتسابق كبار نجوم السينما المصرية على التعاون معه، مثل فاتن حمامة في مسلسل "ضمير أبلة حكمت"، ومحمود مرسي في "رحلة السيد أبو العلا البشري"، ومحمود المليجي في "وقال البحر"، وسناء جميل "الراية البيضا"، ويوسف شعبان الذي قام ببطولة أحد أكثر مسلسلات عكاشة نجاحاً، وهو "مسلسل الشهد والدموع"، وأخيرا يحيى الفخراني الذي تعاون معه في أكثر من مسلسل أشهرها "ليالي الحلمية" الذي يعد أطول المسلسلات العربية، إذ استمر نحو 150 حلقة.

وكان أسامة أنور عكاشة ، فوقَ كونِهِ قارئًا ، يملِكُ عينين لاقطتينِ وذاكرةً حديديّةً ، يقرأُ وجوهَ الناسِ وطباعَهم وحركاتِهم ، ويختزنُ طريقةَ كلامِ كلٍّ من يدخلُ في أرشيفِ هذه الذاكرة ، ويشاءُ لهُ القدرُ أنْ يدورَ عدّةَ دوراتٍ بلا ترتيبٍ ولا إرادة ليطالعَ الأماكنَ بما فيها من ثابتٍ ومتحرّك ، وليملأَ ذاكرتَهُ بـ ” كلّ المصريينَ ” ويدّخرهم إلى اللحظةِ المناسبة

ولد أسامة أنور عكاشة في طنطا في27  يوليو 1941 - 28 مايو 2010 ،  كاتب روائي ومسلسلات وأفلام ومسرحيات مصري. وهو أحد أهم المؤلفين وكتاب السيناريو في الدراما المصرية والعربية، وتعد أعماله التلفزيونية الأهم والأكثر متابعة في مصر والعالم العربي، عرف طريقه إلي قلوب البشر بصدق الكلمة، ورشاقة المعني، ونجحت أعماله في خلق جيل جديد من كتاب السيناريو القادرين على الإبداع وإمتاع المشاهد عوضا عن تقديم أعمال تلفزيونية لمجرد التسلية.

وقد تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بمدارس كفر الشيخ؛ حيث كان يعمل والده، توفيت والدته، وهو لم يجاوز السادسة، وكان لذلك الحرمان أكبر الأثر في شخصيته من خلال الحب الذي جسده في كل أعماله كأنه يعوض عما حرم منه في طفولته "أنا قلبي زي الموبايل، والحب هو بطارية الشحن، بدونها يتوقف عن العمل، فأنا لا أستطيع الحياة دون حب، فهو شعور يعني لي البقاء".

التحق بقسم الدراسات الاجتماعية والنفسية بجامعة عين شمس التي تخرج منها عام 1962، وهذا ما ساعده على توظيف تخصصه في فهم الظواهر الاجتماعية وعلاقة الفرد بمجتمعه، والغوص في أعماق النفس البشرية وصراعاتها الداخلية،  وخلال هذه الفترة بدأت إرهاصات محاولاته الأولى في مجال التأليف.

وقدّم أسامة أنور عكاشة الكثير من الأعمال الأنجح في تاريخ التليفزيون المصري، من أبرزها: "ليالي الحلمية، الشهد والدموع، رحلة السيد أبو العلا البشري، أنا وأنت وبابا في المشمش، ضمير أبلة حكمت، أرابيسك، الراية البيضا"، ورحل عن عالمنا في توفي في يوم الجمعة 28 أيار 2010 أثناء وجوده بغرفة العناية المركزة بمستشفى وادي النيل الذي دخله قبل أيام من وفاته..

ولم تقتصر إبداعات عكاشة على التلفزيون فأعطى للمسرح والسينما أعمالاً مميزة، وإن لم يحقق فيها النجاح الذي حققه في الدراما؛ فكتب مسرحيات منها؛ "القانون وسيادته" لمسرح الفن، و"البحر بيضحك ليه" لفرقة الفنانين المتحدين، و"الناس اللي في التالت" للمسرح القومي، ومسرحية "ولاد اللذين" للقطاع الخاص وذلك حسب قول في مقاله الأستاذة مني شكري في مقالها صورة من قرب أسامة أنور عكاشة.. للتلفزيون ذاكرة بحفريات.

وسينمائياً قدم مجموعة من الأفلام: الهجامة، تحت الصفر، الطعم والسنارة، والإسكندراني، إضافة إلى كتيبة الإعدام، ودماء على الإسفلت مع المخرج المبدع عاطف الطيب.

كما كان يكتب مقالات منتظمة في جريدة الأهرام وغيرها، وقد جرت عليه صراحته بعض المشاكل؛ فلم تخل حياته في سنيّه الأخيرة من جدل؛ لعل أبرزه ما أثير بعد مقال كتبه العام 2004 في صحيفة الموجز الأسبوعية هاجم فيها فاتح مصر عمرو بن العاص، ونعته بأوصاف اعتبرها كثيرون لا تليق بأحد الصحابة، الأمر الذي أحدث ضجة في الأوساط الدينية في بلده.

وأسامة لم يكن مجرد كاتب مسلسلات أو مؤلف حواديت وحكايات للتسلية وانما مفكرا ومبدعا صاحب مشروع فكرى شخصي.. وقومي ظل يسكنه وبقي طوال عمره يسعى لتحقيقه وانجازه. وأظن انه حققه بدليل هذه الأعمال البديعة التي أعادت نوبة الصحيان والوعى للمجتمع ومقاومة محاولات التشويه والتغيير العشوائي وتجريف العقل المصري منذ بداية السبعينات، فتحولت الدراما التليفزيونية بين أصابعه الى سلاح للمقاومة والوعي منذ سباعية "الإنسان والحقيقة"، ثم مسلسل "الحصار" في عام 1977، و"المشربية"، و" أبواب المدينة" و"الشهد والدموع" و"ليالي الحلمية " وارابيسك" وذلك حسب قول في مقاله الأستاذ عادل السنهوري في مقاله أسامة أنور عكاشة في ذكرى رحيله باليوم السابع,

كما كان له مقالًا أسبوعيًا في جريدة الأهرام، واشتهر كونه كاتب أكثر المسلسلات في مصر والشرق الأوسط شعبية مثل ليالي الحلمية والشهد والدموع. آخر أعماله التليفزيونية كان مسلسل المصراوية، وقد حاز على جائزة أفضل عمل في الجزء الأول منه والذي عُرض في سبتمبر من عام 2007 ، ويجسّد المسلسل تاريخ الشعب المصري منذ العام 1914. عرف عنه إنه ناصري التوجه، لكنه لم يعد يؤمن بفكر الرئيس جمال عبد الناصر، وطالب بحل جامعة الدول العربية وإنشاء منظومة كومنولث للدول الناطقة بالعربية مبني على أساس التعاون الاقتصادي[4]، ويعرف عنه أيضا انتقاده وهجومه على التطرف والجماعات المتطرفة.

ويعرف عنه عشقه الشديد لمدينة الإسكندرية على الرغم من أنه لا ينتمي إليها، لكنه كان يقيم بها بصورة شبه متواصلة وينجز بها أهم أعماله.

وقدم أسامة أنور عكاشة مجموعة من الأعمال الأدبية أهمها مجموعة قصصية بعنوان "خارج الدنيا" وهي صادرة عام 1967م من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ورواية "أحلام في برج بابل" عام 1973م، ومجموعة قصصية بعنوان "مقاطع من أغنية قديمة" صادرة عام 1985م، ورواية "منخفض الهند الموسمي" وصدرت عام 2000م

ورواية "وهج الصيف" وصدرت عام 2001م، كما قام بتأليف عدد من الكتب منها كتاب "أوراق مسافر" وهو صادر عام 1995م، وكتابي "همس البحر" و" تاريخ خريف" وهما صادرين في نفس العام.

عرف عنه إنه ناصري التوجه لكنه لم يعد يؤمن بفكر الرئيس جمال عبد الناصر وطالب بحل جامعة الدول العربية وإنشاء منظومة كومنولث للدول الناطقة بالعربية مبني على أساس التعاون الاقتصادي ويعرف عنه أيضا انتقاده وهجومه على التطرف والجماعات المتطرفة, ويعرف عنه عشقه الشديد لمدينة الإسكندرية على الرغم من أنه لا ينتمي إليها لكنه كان يقيم بها بصورة شبه متواصلة وينجز بها أهم أعماله.

وينتمي أسامة أنور عكاشة إلي عدد من الهيئات فهو عضو اتحاد كتاب مصر وعضو نقابة المهن السينمائية، وقد حصل على العديد من الأوسمة والجوائز أهمها جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2002م، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون لعام 2008م.

وفي النهاية فإن الكلمات لا تستطيع أن توفي أسامة أنور عكاشة حقه، صحيح أن هذه الكلمات جاءت متأخرة فكثير ممن يطلقون علي أنفسهم لقب "روائيون" لا يعرفون قدر أسامة أنور عكاشة ، فتحية طيبة له الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجاً فذاً للروائي المبدع الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

رحم الله أسامة أنور عكاشة ، الذي صدق فيه قول الشاعر: رحلتَ بجسمِكَ لكنْ ستبقى.. شديدَ الحضورِ بكلِّ البهاءِ.. وتبقى ابتسامةَ وجهٍ صَبوحٍ.. وصوتًا لحُرٍّ عديمَ الفناءِ.. وتبقى حروفُكَ نورًا ونارًا.. بوهْجِ الشّموسِ بغيرِ انطفاءِ.. فنمْ يا صديقي قريرًا فخورًا .. بما قد لقيتَ مِنَ الاحتفاء.. وداعًا مفيدُ وليتً المنايا.. تخَطتْكَ حتى يُحَمَّ قضائي.. فلو مِتُّ قبلكَ كنتُ سأزهو.. لأنّ المفيدَ يقولُ رثائي.

 

أ. د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم