صحيفة المثقف

خالد جودة أحمد: حجاج الفتنة والفن والكبرياء

خالد جودة احمدحضرت تقنية المشهد الشهيرة في السرد، في رحاب قصيدة ،"مشاغَبة شعرية" للشاعر/ محمد حافظ حافظ، ووسيلتها الأولي الحوار الممسرح، عبر وسيط راوي يخبرنا عن حجاج قام علي طرفي نقيض الفتنة والفن.

وحكي القصيد يصيب القارئ بالشغف حول نزال كل طرف من أطراف القصيد، حيث يسوق كل طرف حججه التي يرجو القارئ أن يستبين منطقها، ثم هو مشوق لمعرفة خاتمة النزال: "وشدَّتْ إلى خَدِّ التَّصَعُّر حاجبا / حديدا ... ومِثلي لا تُخيفُ حواجبُ"، وهذا مسار طبيعي يتفق وأفق التوقع حيث التحدى جرى إشهاره بين طرفي الحجاج: "أدارتْ عن القلب البتولِ عيونها / وقالت: غليظُ الطَّبع كيف أجاوبُ ؟! / ومثلي إذا هلّتْ تداعتْ أهلةٌ / على إثرها أخرى تودُّ تُخاطِبُ / وقامت- وفستانُ الدلال- يهزها / فقاقيعَ أنثى .. كيف بعدُ أعاتِبُ ؟!"

والتشغيل على البلاغة الجديدة والتي يجسدها معني الحجاج، وليس فقط البيانية، تحول بها الخطاب الشعري من سياقه الإخباري إلي وظيفته التأثيرية والجمالية.

كان العنوان الطريف مهاد القارئ لخوض غمار القصيدة التي استهلت ذاتها بمفارقة الجناس: "وقالتْ: على شَعْري تَقومُ كَواكبُ / فقلتُ: على شِعْري تُصلي سَحائبُ"، والذي مضي أثره في سائر القصيد، فالقصيد حفل بالمفارقات علي مستوي لفظي ومستوي معنوي أيضا: " البحر – سفائن / الموج – القوارب"، ويمكن مطالعة القصيدة علي ذات النسق التعبيري الموفق، تقول في قسم منها: "فقالت: لي البحرُ الغزيرُ سفائنٌ / فقلت: لي الموجُ الجسورُ كتائبُ / فقالت: أنا النايُ .. الهديلُ .. أنا الصَّبا / فقلت: أنا شطّ الهوى والقواربُ / تفيءُ إلينا كلَّ يومٍ بتولةٌ / وتمضي كما جاءت بتولا تشاغبُ"

والموقف الشعري الذي مزج الذات الشاعرة بمعني الحب المعتز بكبريائه، جسدته اللغة الإنتقائية للقصيد: "أنا الحبُّ - إن ضلّ المحبون وِجهةً -/ تُزَفُّ إلينا دونَ سَعيٍ ركائبُ". ويبدو مهاد كبرياء الذات الشاعرة من اعتزاز برسالة الفن، ووعي دقيق بدوره في تثمير الحب المحب: "فبيتي على دربِ الأحبةِ واحةٌ / تضمُّ ... ومزمارٌ إليه تواثبوا / أغني فيسري كالشِّفاء غِناؤنا / وتمشي على الأطرافِ حُورٌ كَواعبُ / يطيبُ لها السَّبحُ اللطيفُ مُغامرا / فموجٌ يُجاريها .. وموجٌ تُغالبُ / وحيثُ استقامَ البحرُ قامتْ ضفائرٌ / تُداعبُ فوق الماءِ ثغرا يُداعِبُ"، وفي موطن شعري آخر: " وهل من يعيشُ الحُبَّ لَحْنَ بلابلٍ / كمن عاش في جنبيه تلهو عناكبُ ؟!". كما حضر الحقل الدلالي "البحر ومشتقاته" قسيما رئيسا في فنون الحجاج الممتع بالقصيدة.

 

خالد جودة أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم