صحيفة المثقف

خالد جودة أحمد: "السينكرفينا" والاستشراف العلمي

خالد جودة احمدفي مجموعة القصص المعنونة (الذي تحدى الإعصار) لرائد أدب الخيال العلمي (نهاد شريف) تطالعنا قصة شيقة معنونة (السينكرفينا)، والعنوان المبتكر يثير تطلع القارئ، وهو في القصة اسم مختصر لمبتكر علمي مستقبلي يحقق (سينما الذاكرة الدفينة) بحيث تتجسد الذكريات من خلال ارتداء مرتاد السينما طاقية الأقطاب النووية المطورة على شاشة سينما ليحصد بتعبير القصة (متعة المتع .. رؤية أحداث عمرك الماضية تحيا من جديد بكامل بهائها ورونقها)، ليس هذا وفقط بل يمكن للآخرين أن يشاركوا في المشاهدة وكأنه فيديو يمكن استعادة بعض مقاطعه واعاده عرضه مرة أخرى.

والقصة مشوقة بها جانب بوليسي مثير ومفاجأة في خاتمة القصة في الكشف عن جريمة قتل، ورغم تنوير القصة في الخاتمة لكنها تبدو كأنها انتهت قصرا بسبب التخلص فيها من خلال سطور نهاية القصة التي تشرح المشروح، وتؤكد المؤكد، والذي كان يمكن تركه للقارئ لإكماله بتصور ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك، فأرى أنها لو انتهت والقتيل يجود بأنفاسه الأخيرة فتنتهي القصة عند: "شكرية برئية ش.. كرية .. بر .. ئية" لتناهت في الروعة فوق ما هى رائعة، وبالطبع لن احكي القصة كاملة حتى أترك للقارئ فرصة متعته الكاملة بالقصة.

هذا الجانب القصصي المشوق اكتنفته سمات أخرى أثيرة لدى الأديب الحقيقي الكبير منها الفكرة العلمية هنا دائرة في إطار استشراف علمي (لا نبوءة) من خلال تراتبية تبدأ من شواهد علمية آنية في عالمنا المعاصر، استعملها القاص الذكي ليصنع منها شرفة علمية نستطلع بها المستقبل، فورد بالقصة (مقدرة المخ الفذة على اختزان مليون بليون معلومة .. أو ما يزيد) ثم سرد فكرة نقل النبضات الكهربائية المخية إلي الأجهزة ومن خلال هذا ابتكر القاص فكرة تلك السينما، والطريف ومن قلب الفكر العلمي يقول لنا إن طريق العلم قائم على التطوير وحل المشكلات العلمية، فيستشرف أيضا أن هناك معضلة علمية وهى عدم القدرة على تحديد ساعات بعينها من الذاكرة المنسية لعرضها في السينما، وأنه سوف يتم التغلب على هذه المعضلة في أحداث القصة أيضا العام 2128 الذي هو زمن ماضى بالقصة رغم أنه زمن مستقبلي للقارئ بما يعنى أن شوق الإنسانية للاكتشاف لا يقف في سبيله حدود. ومن تداعي الذاكرة أني طالعت في كتاب "وجدتها" وهو كتاب علمي جميل للكاتب/ إيهاب الأزهري، أن رجلًا تقدم في فترة مبكرة من القرن العشرين بطلب إغلاق مكتب براءات الإختراعات لأنه لم يصبح لها ضرورة بعد أن وصلت العلوم –من وجهة نظره- إلى أقصي مدي، فلم يعد هناك من جديد يمكن أن يجرى اختراعه!

وجاء الإيهام الطريف بالواقع المستقبلي من خلال مفردات كثيفة بعضها أصبح الآن حقيقة (السيارة الحوامة / البيت المشيد من حوائط النفايات / ممر مزروعات المريخ / السحابة المكيفة / ...)

أيضا تلك السمة اللصيقة بكتابات نهاد شريف وهي شوقه العاصف لتقدم مصر وريادتها علمياً، وكانت القصص الممتعة سبيله لذلك الأمل العزيز.

 وفي الخاتمة يظل للأدب الجميل سلطانه في كل زمان ومكان، وليس هذا بالتأكيد لأدب الاحتيال والادعاء.

 

خالد جودة أحمد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم