صحيفة المثقف

يسري عبد الغني: ابن سناء الملك وللموشحات طراز!

يسري عبد الغنيأبو القاسم هبة الله بن جعفر بن سناء الملك، وهذا هو لقبه الذي شُهر به، شاعر وأديب متميز. اختلف المؤرخون في سنة ولادته، ولد في مصر سنة (550 هـ _608هـ)، وشبَّ في ظل أسرة عريقة، نعمت بالغنى والثروة، وجمعت معها الفضل والمعرفة، وترعرع في ظل أب يرعاه، ويهتم بتعليمه وتثقيفه، فأحفظه القرآن الكريم، ودرّسه اللغة والنحو، فجمع في نشأته الأولى بين علوم الفقه والدين واللغة، وكان مُلمَّاً ببعض اللغات الأجنبية المنتشرة في تلك الحقبة، كاللغة الفارسية التي كان يتقنها وينشر بعض إنتاجه بها، ويستخدم بعض الخرجات الفارسية في موشحاته، كما كان ملماً بعلوم الفلك، حتى كثرت إشاراته لأسماء الكواكب والنجوم والأفلاك ومنازلها، وما يدور حولها من قصص وأساطير.

ويأتي على رأس علاقات ابن سناء الملك مع علماء عصره علاقته بالقاضي الفاضل، الذي يقول عنه: «هو الأستاذ وأنا التلميذ له، والمتعلم منه». فكانت بينهما مودة وتواصل بالرسائل، وكتاب «فصوص الفصول» حافل بالرسائل التي أرسلها القاضي الفاضل إلى ابن سناء الملك، والرد عليها، وهذه الرسائل تدل على الصلة الوثيقة بينهما، مما حمل الشعراء المعاصرين على حسده. كان لهذه الصلة أثر بارز في حياة ابن سناء الملك، لأن القاضي الأثير عند صلاح الدين الأيوبي جعل ابن سناء الملك مقرَّباً من صلاح الدين وحاشيته فمدح من السلاطين صلاح الدين وأولاده العزيز و الأفضل، وأخاه الملك العادل، ومن الوزراء ابن شكر.

 وقد استدعاه القاضي الفاضل إلى دمشق، ولكن حنينه إلى القاهرة أعاده سريعاً إلى مصر. وعلى الرغم من أن ابن سناء الملك أقام بمصر إلا أن شهرته الشعرية طبَّقت الآفاق فَعُرف بين شعراء مصر وشعراء الشام، زاد على ذلك أنه كانت له مجالس تجري فيها المحاورات والمفاكهات التي يروق سماعها، وكانت داره إحدى المنتديات التي جمعت أسباب الترف واللهو، ولكنه كان على جانب كبير من الأخلاق الكريمة، فيها الاعتدال والورع والتقوى والشموخ والاعتداد بالنفس، أما مذهبه فقد قرر ابن سعيد بأنه كان مغالياً في التشيع، على حين قررّ آخرون من المؤرخين أنه كان سُنيِّاً، والحديث في ذلك يطول.

ترك ابن سناء الملك تراثاً رائعاً يأتي على رأسه:

ديوانه الشعري، وهو ديوان بديع يشهد برسوخ قدمه في الشعر، طبع بتحقيق محمد إبراهيم نصر في القاهرة سنة 1969م، ثم أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة طبعة سنة 2003 .

دار الطراز في عمل الموشحات، وهو أول كتاب نظر للموشحات في تاريخ الأدب العربي كله، حيث قام ابن سناء الملك بوضع أصول وقواعد نظم الموشح كما فعل الخليل مع الشعر، كما يتضمن عدداً كبيراً من الموشحات الأندلسية القديمة، وموشحات ابن سناء الملك، وقد طبع بتحقيق جودت الركابي في بيروت سنة 1949م، وأعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر طبعه سنة 2004 .

فصوص الفصول وعقود العقول، ويتضمن رسائله مع القاضي الفاضل.

مختصر الحيوان للجاحظ .

قالوا عنه

قال العماد الأصفهانى عنه لما قابله: «... فوجدته في الذكاء آية، قد أحرز في صناعة النظم والنثر غاية، تلقى عرابة العربية له باليمين راية، وقد ألحفه الإقبال الفاضلي في الفضل قبولا، وجعل طين خاطره على الفطنة مجبولا، وأنا أرجو أن ترقى في الصناعة رتبته، وتغزر عند تمادي أيامه في العلم بغيته، وتصفو من الصفا منقبته، وتروى بماء الدربة رويته، وتستكثر فوائده، وتؤثره قلائده..»

وألف الصفدي كتاباً سماه (الاقتصار على جواهر السلك في الانتصار لابن سناء الملك) .

وللقاضي السعيد نوادر كثيرة. وتوفي في شهر رمضان سنة (608هـ) بالقاهرة.

يا شقيق الروح من جسدي أهواً بي منك أم ألم

من شعره:

أيها الظبي الذي شرد تركتني مقلاتك سدى

زعموا أني أراك غدا وأظن الموت دون غدي

أين مني اليوم ما زعموا أه

أدنو شيئاً أيها القمر كاد يمحو نورك الخفر

أدلال ذاك أم حذر يا نسيم الروح من بلدي

خبر الأحباب كيف هم أه

اذكر أنني استمتعت جدا بالجزء الأول من قصيدته "باتت معانقتي و لكن في الكرى" التي قالها في مدح القاضي الفاضل

هذا الجزء من أجمل ما قرأت في الغزل و كانت هذه عادة عند الشعراء القدامى أن يبدأوا قصائدهم بالغزل على اختلاف مقاصدها

و هذه الأبيات بالذات هي أكثر ما يعجبني

أشكو إليها رقتي لترق لي *** فتقول تطمع بي و أنت كما ترى

و إذا بكيت دما تقول شمت بي *** يوم النوى فصبغت دمعك أحمرا

يا من سبى في الحسن عبلة عبدة *** رفقا عليّ فليس قلبي عنترا ...

ابن سناء الملك من شعراء العصر الأيوبي قيل انه مبالغ في تشيعه لكن هذا القول رد ونفي ايضاً له قصائد جميلة جدا وابيات تعلق بالذهن والقلب  منها   قصيدة له  نظمت عل بحر المديد ..

في مدحه لصلاح الدين الايوبي لفتح حلب

اتى اليها يقود البحر ملتطماً__ والبيض كالموج والبيضات كالحبب

تبدوا الفوارس منها في سوابغها ___ بين النقيضين من ماء ومن لهب

تطوي البلاد واهليها كتائبه ___طياً كما طوت الكتاب للكتب

خافت وخاف وفر المالكون لها __ فالمدن في رهب والقوم في رهب

ويقول عن الملك العادل ابا بكر بن أيوب:

هو الملك المحيي المميت ببأسه __ ونائله ايان يرضى ويغضب

وفي ابيات جميلة مدح فيهها الملك المظفر فقال :

مآلي هُجرتت بغير ذنب __واسرت فيك بغير حرب

فأجبني هذا جزاؤك __ اذا سكرت بغير شرب

وقال في مدح الفضل ايضاً:

راحت وحق الله روحي__ بين المليحة والمليح

واعادها من وجوده __ كالغيث لا بل كالمسيح

اما مفضلتي فهي:

إِنَّكَ المخلوقُ في كَبدي __وأَنا المخلوقُ في كَبَدِ

إِنْ نَجَا مِنْ مَاءِ أَدمُعِه __فإِلى نارٍ من الْكَمَدِ

يَشْتَهي وَصْلاً فلم يَرَه__ ويَرَى ماءً فلم يَرد

هائِمٌ حَيْرَانُ في بلدٍ __والذي يَهْواهُ في بَلَد

***

بقلم/ د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم