صحيفة المثقف

خالد جودة أحمد: جحا وإيقاف الخسائر

خالد جودة احمديعتبر جحا من الشخصيات الخصبة في التناول التاريخي والتداولي والشعبي، وتعددت الرؤي حول عطاءات منوعة لظلال هذه الشخصية الثرية في مختلف الآداب، وكانت ملتقي للنوادر التي تعبر عن المفارقات الضاحكة، والمواقف الساذجة العجيبة، ومرات أخرى باعتبارها شخصية حكيمة تقاوم الجور وتلقن الفاسدين دروساً قاسية ماكرة.

ومن نوادر جحا التي أجد أن بعض الناس يطبقونها حرفياً في طريقة حياتهم، حيث كان يشتري سلعة بثمن ثم يبيعها بثمن أقل فتعجب الناس من فعله، وسألوه عن السر وراء فعله المدهش، فرد عليهم رد الإنسان الذي لا يقوي علي اتخاذ قرار حازم، ولا تقوم اختيارته في الحياة علي حساب دقيق على المستوي المعنوي خاصة للغنم والغرم (التكلفة / العائد): (ليس المهم أن أربح أو أخسر المهم ان يراني الناس أبيع واشتري).

والحقيقة أن اختيارات الإنسان في الحياة يجب أن تكون قائمة علي فكرة اتخاذ القرارات المناسبة والحازمة القائمة علي بصيرة ووعي بحساب النافع من الأمور، والتي تعود عليه بالخير في الدنيا والعقبي الطيبة في الحياة الآخرة، فلا يترك نفسه لاختيار خاطئ علي أمل أن تتحسن الأمور أو لميزة أو ميزات محدودة في مقابل مثالب كثيرة تسحقها سحقاً. ولا بأس أن يعود الإنسان بعد أن قطع شوطًا علي الطريق، طالما تيبن له وادرك بجلاء خسائرة المعنوية الجسيمة.

ولتقريب الفكرة أكثر نضرب مثالاً من عالم سوق المال، حيث السلعة في هذا السوق هي الأسهم التي تمثل أجزاء متساوية من رأسمال مال الشركات المساهمة، والتى يشتريها ويبيعها المستثمرين في السوق طبقا لتفاعل قوتي العرض والطلب. وهناك أحد المفاهيم المهمة في مجال التداول علي الأسهم، وهو مفهوم (إيقاف الخسائر) بمعني أن السلوك الاستثماري الرشيد يقوم علي اتخاذ قرارين معاً قرار الاستثمار ذاته في سهم معين بالشراء وقرار آخر مدروس حول سقف الخروج وبيع السهم في حالة الخسارة بل وفي حالة الربح أيضاً، ومثالًا رقميًا للفكرة: إذا قام مستثمر بشراء سهم في البورصة بمبلغ 100 جم/سهم (قرار الشراء الأول)، فيضع قراراً مرافقاً (وأحيانا يودعه المستثمر لدي شركة الوساطه لتنفيذه فوراً لدي بلوغ السهم هذا السقف) وهو القرار الثاني الموازي للقرار الأول، فيصدر أمره لشركة الوساطة ببيع الأسهم مثلاً إذا وصل السعر نقصاناً أو زيادة ب 5%، بمعني أن شركة الوساطة تبيع فورا ودون الرجوع للمساهم مصدر الأمر لدي بلوغ سعر السهم 95 جم/سهم، أو 105 جم/سهم.

والمستثمر الفطن هنا لم يترك نفسه لفكرة أن السعر سوف يتحسن لدي انخفاضه رغم أن هذا السعر مستمراً في الانهيار، أو أنه سيرتفع بلا توقف في حالة الارتفاع لسعر السهم.

وهذه الفكرة حيوية للاستثمار الرشيد فلا وقوف للبكاء علي اللبن المسكوب، ولا انصياع لسلوك جمعي قد يكون بما يعرف في سوق المال بسلوك القطيع، ولا استجابة لأطماع ساذجة وتفاؤل غير مبرر التشاؤم خير منه ألف مرة، بل ديناميكية متحركة تتخذ القرار المناسب عن وعي وحساب دقيق ومدركات علمية تبذل جهدها، وتقدم أسبابها لينفعل معها الكون جميعه بسنن الله تعالي، أما الأمنيات العاجزة والأحلام البائرة بلا أفعال ناجزة او محاولات مبصرة بإذن الله فلن تثمر سوي الخيبة والهزيمة الشاملة رغم بريق الكلمات وعظيم الأمنيات.

استثمر حياتك بشكل صحيح وأعمل علي إيقاف خسائرك فورًا ولا تتركها لتقتات عمرك تحت أضراس اوهام دلت شواهدها أنها حالقة. اتخذ قرارك بعد بذل جهدك في التبصر بالعلم والدعاء، وتوكل علي الله العلي القدير.

 

خالد جودة أحمد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم