صحيفة المثقف

سمير أحمد الشريف: مؤجج الثورات برنار هنري ليفي للدكتورة انشراح سعدي

2922 مؤجج الثوراتتقف هذه المراجعة على فكر برنار هنري ليفي وتوجهاته، وتستعرض ثلاثة كتب: الأول سيرة غيرية عنه، بقلم فيليب بوجيو، أما الآخران فقد كتبهما ليفي بقلمه: روح اليهودية، والحرب دون أن نحب: يوميات كاتب في الربيع الليبي.

برنار هنري ليفي، صحفي فرنسي، ولد في عام 1948 لعائلة يهودية ثرية في مدينة بني صاف الجزائرئرية، هاجرت عائلته إلى فرنسا بعد ولادته ببضعة أشهر، فتعلم في المدارس الفرنسية اليهودية، ودرس الفلسفة في معاهد باريس، ثم اشتهر كأحد الفلاسفة الجدد، يوصف كعرّاب لحركات الربيع العربي، و كفيلسوف ومخرج أفلام، وكاتب سيناريو، وروائي، ورجل أعمال، وممثل، يتقن اللغة الفرنسية والإنجليزية، من أساتذته الذين تأثر بهم أندريه مالرو، وجان بول سارتر، وإيمانويل ليفيناس .

انتقد الاشتراكية واعتبرها فاسدة أخلاقياً، وهو ما عبر عنه في كتابه الذي ُترجم لعدة لغات تحت عنوان : " البربرية بوجه إنساني"، اشتهر كصحفي، وكناشط سياسي وقد ذاع صيته كمراسل حربي من بنغلادش خلال حرب انفصال بنغلادش عن باكستان عام 1971 وكانت هذه التجربة مصدرة لكتابه الأول ("Bangla-Desh, Nationalism in the Revolution").

لقلة المصادر ومحدوديتها باللغة العربية عن هذا الرجل قامت الدكتورة انشراح سعدي، مشكورة بجهد عظيم تمثّل بتأليف كتابها الرائع للتعريف بالرجل والعودة لمنابع تشكل شخصيته وتوجهاته بقراءتها المميزة لثلاثة كتب صدرت بالفرنسية حوله، استخلصت منها الكثير من الملامح والمعلومات التي قدمتها للقارىء والباحث العربي، وقد صدرت دراستها في كتاب بعنوان "مؤجج الثورات - برنار هنري ليفي- قراءة في ثلاثة كتب"وصدر في الرياض عن مركز البحوث والتواصل المعرفي .

تستعرض الكتب الثلاثة وأولها السيرة الغيرية التي كُتبت عنه بقلم "فيليب بوجيو" وفيه تناولت الكاتبة تفاصيل حياة برنار التي شكلت شخصيته المركبة، قبل ظهوره في الواجهة الإعلامية، خلال مرحلة طفولته في الجزائر وقرار والده مغادرتها لفرنسا بحثا عن مستقبل أفضل لأولاده، حيث رأى ألا مستقبل ليهودي فرنسي في الجزائر، وكيف خطط للخروج من الجزائر بأي طريقة، لرفضه المطلق أن يعيش وعائلته هناك، معتقدا أن الجزائر ترفضه لسببين : لأنه يهودي ولأنه فرنسي، وبسبب حالة الفقر المزمن الذي كان يعيش فيه والد برنار، قام بمحاولات عديدة لمغادرة الجزائر فلم يوفق في واحدة منها إلا بعد الحرب الكونية الثانية، وما أن تمكّن من ذلك حتى قطع وعائلته كل الجسور التي تربطهم بالجزائر، وظل وعائلته أسرى حالة عدم التأقلم والشعوربالاغتراب والنبذ، فقد رفضتهم فرنسا لأنهم يهود، لم يتمكنوا من التوافق مع المجتمع الجزائري، لدرجة أن توقف الأب والأم عن مجرد ذكرمفردة الجزائر أمام أولادهم، ص 17 .

تحدث الكتاب أيضا عن مسار الأم والأب في حياة برنار، لافتا نظر المتلقي لحالة الأب الذي اعتاد التخطيط لكل صغيرة وكبيرة، مستفيدا من الظروف ومحالفة الحظ لتحقيق مخططاته، تعويضا عما لم يحققاه في الجزائر، مضيئا الحالة التي عمل فيها الأب لتغيير أوضاعه، والإنفصال الذي سلخه وعائلته عن ماضيه في الجزائر وعن يهوديته، فأسكن عائلته في فرنسا في حي راق مخفيا عن جيرانه كل ما يتعلق بماضي الأسرة ، وكيف سارت العائلة على خطى الأغنياء وسلكوا مسلكهم، مُركّزا على برنار، ومظهرا نبوغه الدراسي كطفل موهوب، مجتهد، مؤدب ومنغلقا على نفسه ! يحترم عالم البرجوازية، يمارس التزلج ويحيا بلا مشكلات، وإن أحس من حوله أن برنار يريد شيئا آخر عكس ما يظهره سلوكه، فلم يدخل في علاقات وطيدة ولم تكن له صداقات عميقة .

في كتاب سيرة برنار الغيرية، أثار المؤلف "فيليب بوجيو" قضية الهويات المتناقضة لدى "برنار"مؤكدا عللا عبارة كاشفة واضحة في شخصية برنار بقوله "لا وجود لبرنار واحد بل يوجد برنارون متعددون، وتبقى اليهودية همه الأول والأخيرفي مساره الكتابي والنضالي من أجل الأقليات في العالم، وهو الذي عُني بالأقليات المسلمة عامة دون أن يتطرق لأقليات السفارديم في اسرائيل ـ هذا الفيلسوف الذي اعتبر ثورة الطلاب في فرنسا 1968تطرفا وهو الذي يزرع بذور الثورة في كل مكان يطؤه " ص6.

نكتشف مع "فيليب بوجيو"في السيرة الغيرية أيضا أن برنار لم يُرد أن يختار مهنة واحدة فقط، بل أراد كل شيء في الوقت نفسه .

الكتاب الآخر بقلم برنار نفسه وهي بعنوان "روح اليهودية، وفيه نتتبع الخيط الرابط بين مشاريع برنار الا وهي تفشي الروح اليهودية المشجب الذي علّق برنارد عليه مبرر تدخله السافر في ثورة كل من من ليبيا وأكرانيا، وهو في فصل كتابه الأول وعنوانه "مجد اليهود" يتتبع تحولات معاداة السامية التي يراها متجذرة في الذهنيات، مؤكدا على حججه الثلاث في معاداة السامية والتي تعود برأيه لمعاداة الصهيونية وإنكار المحرقة، والمنافسة على دور الضحية، ويعتقد برنار أن كل من يرى مأساته أكبر من المحرقة معاد للسامية، ويلبس برنار ثوب المحامي المدافع عن اسرائيل بشراسة، لما تملكه حسب رأيه من إيجابيات وسلبيات ولكنها تتعرض دائما لانتقادات كبيرة متواصلة، وهي في رأيه مثلا أعلى للفضيلة .

يذكر برنار في مجموعة من الصفحات فضل اليهود الفرنسيين على فرنسا، ليثبت دورهم فيما وصلت إليه فرنسا من تقدم، وإسهامات "مارسيل بروست " في تطوير وتنشيط اللغة الفرنسية ص 11.

في فصل كتابه الثاني وعنوانه "محاولات نينوى" وفيه يطرح السؤال الأهم : كيف يقود اليهودي الأمم، متحدثا عن أثر اليهود في الأمم الأخرى، مؤكدا أن اليهودي يصدّر طريقة تفكيره إلى العالم، ولذلك كتب في ختام كتابه قائلا " أخذت أكثر من حظي في قيادة الأمم وتسطير مصائرهم، مستحضرا سعادة يونس حين كان في بطن الحوت :كان على حق حين هرب كيلا ينقذ نينوى ...حان الوقت للمواجهة، وربما مواجهة الذات للذات، فهو يسمع صوت والده وجده يناديانه " أنقذت عددا من الناس، وعليك أن تنقذ نفسك، وأن تتعلم من يونس فن الغناء في الليل " ص12.

في كتابة الثالث والمعنون ب" الحرب دون أن نحب : يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي" يسرد برنار هنري ليفي كيف كان وراء الحرب في ليبيا، وكان رجل الظل الذي يتخذ القرارات، وبكتب البيانات، ويصنع الأقدار والحروب، رجل الظل الذي يظهر علنا، ليس ككاتب صحفي وفيلسوف، بل كصانع حرب يتفنن في ذكر التفاصيل وتوثيقها باليوم والساعة كما يظهر في يومياته التي تذكر حرفيا " أنا الصانع الأول لهذه الحرب ومحركها، أنا من قُدت فرنسا وساركوزي للتدخل في ليبيا " ص13.

من خلال سرد برنار، يظهر ضعف الثوار الذين انساقوا وراءه، لدرجة أن يُملي عليهم بياناتهم، ويرسم لهم خططهم، كما تُظهر اليوميات برنار كراو عليم بكل صغيرة وكبيرة، كيف لا ورئيس خامس أقوى دولة في العالم، يتصل به يوميا عدة مرات للاستشارة وإعطائه الخطط القادمة، رغم العداء الذي يُصّرح به برنار لساركوزي، وقد فصّل برنار-رجل الظل، المحرك الأاساسي للثورة الليبية - في مذكراته حديثه المستفيض عن مساعيه بين كل من فرنسا وليبيا ولندن واسرائيل وأمريكا، كأنما ليبدو أمام العالم أن له من القوة والسطوة والإمكانيات ما يسهل عليه تفجير الثورات حيث يؤيد، ويوقفها عندما يشاء .

 

مراجعة سمير أحمد الشريف

 

  

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم