شهادات ومذكرات

استذكار .. عن ليلى العطار

qassim salihyفي بداية تسعينيات القرن الماضي كنت خططت لأصدار كتاب ثان بنفس عنوان الكتاب الاول: (في سيكلوجيا الفن التشكيلي) الذي تناولنا فيه تحليل شخصيات واعمال ثلاثة فنانيين كبار هم: غويا وبيكاسو وجواد سليم (أعيد طبعه ثلاث مرات) .. وكنت نويت ان اتناول في الكتاب الثاني: فان كوخ وفائق حسن وليلى العطار.

كانت ليلى في وقتها مديرة مركز صدام للفنون الواقع في شارع حيفا الذي اسكن فيه. هاتفتها وعرّفتها بنفسي وعن الغرض من الزيارة .. فرحبّت وفضلّت ان نلتقي عصرا.

دخلت عليها وكان الوقت شتاءا .. ومع انني كنت احمل في ذهني صورة عن جمالها فانني دهشت حين رأيت ذاك الجمال على حقيقته .. كانت عيناها ملونتين كقوس قزح .. تتماوج الوانه على وجه دائري ابيض وردي تزيده جمالا .. ابتسامة تشرح الصدر .. وتنبهر ان هذا الوجه الذي تفنن خالقه في نحت تضاريسه.توجّه بشعر سرح جميل له بريق يفتح عينيك انبهارا ويزيد قلبك نبضا ووجهك توردّا.

لم اتردد في كشف اعجابي بجمالها .. فشكرتني باسلوب مهذّب زادني اعجابا .. لأن صوتها كان جميلا ايضا!.

  قدمت لي فنجان قهوة وسيكارة اظنها كانت من نوع (كنت) .. ووجدت المناسبة ان ابدأ حديثي لحظة نظرت الى لوحة لها معلقة على الحائط. كانت تلك اللوحة شجرة ملتصقه بها فتاة عارية مرسومة بجمالية وتقنية عالية. سألتها عنها فردت: وأنت ماذا ترى فيها؟. اجبتها بانني ارى فيها موضوعا يعبر عن الكبت الجنسي لدى المرأة .. لكنني اقدّر فيك جرأتك ان ترسمي نساء عاريات ونحن في مجتمع محافظ.

وتكررت الزيارت واطلعتني على صور لوحات شاركت فيها بمعارض فنية داخل العراق وخارجه .. تناولت موضوعات انسانية واخرى تتعلق بالمرأة .. امتازت بجمالية فنية وتقنية تنفرد بها في استخدام الخط واللون والتظليل.

وحدث ان زرتها في الصيف .. فاحدثت تلك الزيارة هزة للصورة التي حملتها عنها في الشتاء .. فقد كانت بقميص نصف ردن كشف عن يدين ارتخت عضلاتها وحفرت (نهيرات) طريقها على الجلد .. وظهرت بدايات (التعقيج)على رقبة ووجه الخمسين الذي بقى يذكرك بانها كانت جميلة الجميلات.

  كان عارا على امريكا ان تستهدف فنانة عراقية بصاروخ في دار شقيقتها سعاد العطار بعد ان قصفوا بيتها، لأنها رسمت صورة جورج بوش (الاب)على مدخل ارضية فندق الرشيد .. فيما اباح ذاك المجرم لنفسه ترويع العراقيين وارتكاب ابشع مجزرة ليلة قصف ملجأ العامرية الذي كان يأوي اطفالا ونساء من صواريخ الطائرات الامريكية التي جعلت بغداد ساحة حرب مفتوحة .. فيما هنالك رواية اخرى تفيد بأن موت الفنانة ليلى كان قدرا اذ كانت ليلتها في بيت اختها سعاد القريب من مبنى المخابرات وان الصاروخ اخطأ هدفه فاصابها .. وأن الاعلام العراقي وظّف هذا الحدث اعلاميا .. مع انه لم يصدر من الاعلام الامريكي في حينه ما يكذّب الاعلام العراقي.

وبغض النظر عن صحة او خطأ الروايتين فما يعنينا من هذا لاستذكار .. ان المنجز الابداعي لكل فنان وفنانة عراقية، ثروة تخص الناس والفن لا علاقة له بالسياسة،وانه ينبغي ان يحظى فن ليلى العطار بالاهتمام والدراسة العلمية في اقسام الفنون التشكلية بالجامعات العراقية بوصفه يخص الابداع لدى المرأة العراقية .. لا ان نهمله او نلغيه أو نحرّمه لأسباب تتعلق برئيس نظام اطيح به .. وأن نتعلم من الذين سبقونا، فحتى الفن الذي انتج في زمن القياصرة حافظت عليه الثورة البلشفية التي اعدمت القيصر!.

 

في المثقف اليوم